الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عوضا عما نزل عنه من تدريس الحلقة المعدوقة بصاحب حمص وتصديرا بالجامع الأمويّ يبسط به أنواره الشّمسيّة، وينقل اسمه إلى إمرة العلم بدمشق عوضا عن الحلقة الحمصيّة؛ فليعتمد ما رسم به، ولا يتحوّل عما قضى العدل والإحسان بموجبه.
الضرب الثاني (من تواقيع أرباب الوظائف الدّينية بالشام- ما يكتب به لمن هو بأعمال دمشق؛ وهو على مرتبتين)
المرتبة الأولى (ما يفتتح ب «أمّا بعد حمد الله» وفيها وظائف)
توقيع بتدريس المدرسة النّوريّة [بحمص]«1» من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به للقاضي زين الدين «عمر البلفياني» ب «المجلس العالي» ؛ وهو:
أمّا بعد حمد الله الّذي جعل لوجوه العلم زينا وأيّ زين، وأقرّ لأماكنها عينا بمن يكون التّنبيه على فضل مكانته فرض عين، ونشر أحاديثها بمن إذا حدّث عن يد تمكّنه في العقل والنّقل قيل: صدق «ذو اليدين» ، وأحيا مذاهبها بمن إذا عقدت الخناصر على أمثاله العلماء كان أوّل العقد وثاني الغيث وثالث «العمرين» ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله الّذي أوضح تبيين الهدى وسنّه، وأرهف شبا الحقّ وسنّه، وعلى آله وصحبه الذين منهم «عليّ» مفتاح مدينة العلم و «عمر» سراج أهل الجنّة، ما جرت أقلام العلم والجود في هذه الأيّام الصّالحيّة طلقة العنان مطلقة الأعنّة- فإنّ أولى العلماء بمدارس علم لا خلت، ومجالس فهم عزّت بأهلها فلا تعزّلت، ومشاهد عقل
ونقل لا عقلت ألسنتها بعد مستحقّيها ولا انتقلت- من أضاءت مشكاتها النّوريّة بمصابيح كلمه، وفتّحت كمائمها النّوريّة عن زهرات الهدى بقطرات قلمه، وتذكرت بأوقاته الأخيرة عهود أهلها من هداة الاسلام وأوقات ذي سلمه.
ولمّا كان فلان هو المقصود بخلاصة هذا المعنى، والممدود إليه نظر هذا الوصف الأسنى، والعالم الّذي تشبث بأسباب محاسنه بلد «الهرمين» ، والسابق وإن خلا وقته الطاهر خلف وقت «إمام الحرمين» ؛ كم اجتنى ثمر الفوائد من أصل وفرع!، وكم بات قلمه من ورق فتاويه وإسكات مناويه بين وصل وقطع!؛ كم صدق برق بديهته الأفكار حين شامت!، وكم نبّهت عند ليالي المشكلات «عمر» «1» ثم نامت!، وكم تهادت نظره كتب العلم حتّى قال «كتاب الأمّ» «2» : نعم الولد النّجيب، وقال «كتاب الروضة» : نعم أخو الغائث الصّائب على رياض القول المصيب، وقال «الشامل» من فضله: هذا لطلبته «نهاية المطلب» ، وقال «التنبيه» على محاسنه: ليت «النّابغة» رآه فدرى أيّ الرّجال «المهذّب» «3» ، وكانت المدرسة الشّهيدية النّوريّة بحمص المحروسة قد شهدت مع من شهد بفضله، وسعدت بنبله، ووسمت بعلم علمه، وسمت سموّ الشهباء: هذه بمقرّ تدريسه وهذه بمجلس حكمه؛ ثم زار دمشق زورة
تشوّقت [إليه]«1» بعدها تلك المشاهد، وتشوّفت إلى العود هاتيك المعاهد، وقضى الوفاء أن يعاد إليها أحسن إعادة، وأن يرجع إلى الأماكن الشهيدية الشاهدة ببرّه فتكون منه عادة ومنها شهادة، واقتضى الاستحقاق أن يردها بالمعلوم المستقرّ وزيادة وأحسن ما ورد البحر في الزيادة.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- أعلاه الله وشرّفه، وحلّى بسيره الصالحة سمع الدّهر وشنّفه- أن يستقرّ فلان في تدريس المدرسة النّورية بحمص المحروسة على عادته، وعلى نهج إفاءته وإفادته، بالمعلوم المقرّر له بمجلس الحكم العزيز الشافعيّ بدمشق المحروسة: رعاية لتلك المعاهد النّوريّة الّتي تتأرّج بها الآصال والبكر، وأنوار القبول القائلة لوفدها الطارق:«عليك سلام الله يا عمر» .
فليعد إلى هذه الوظيفة عود الحليّ إلى العاطل، وليقبل على رتبته المرتقبة إقبال الغيث على الماحل، وليقل بلسان تقدّمه لمعانديه: إن كان أعجبكم عامكم فعودوا إلى حمص في قابل، ولينصر بقاعها الحمصيّة بجلاد جداله فإنّها من أوّل جند الإسلام، وليقم الآن في هذه الأوقات الشّاميّة فإنّه بركة الوقت والبركة في الشّام، مثمرا من أقلام علومه أزكى الغروس، مظهرا من مباحثه النّفائس مبهجا من طلبته النّفوس، عامرا لمعاهدها بدروسه: ويا عجبا لمعاهد تعمر بالدّروس «2» !، ذاكرا للوصايا الحسنة الّتي لا تقصّ عليه فهو أخبر بها، والّتي من أوّلها وأولاها تقوى الله تعالى وهي بأفعاله أمسك من تفاعيل العروض بسببها، والله تعالى يعضّده في رحلته ومقامه، ويمتع الرّتب تارة بمجالس دروسه وتارة بمجالس أحكامه، ويروي صدى مصر والشّام من موارد علمه، هذه بأوفى من نيلها وهذا بأوفر من غمامه.