الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلذلك رسم بالأمر العالي- أعلاه الله تعالى، وضاعف إحسانه على أهل الهمم ووالى- أن يستمرّ المشار إليه في شدّ الحوطات الديوانية بدمشق المحروسة، على عادته، ومستقرّ قاعدته، وحمله على ما بيده من التّوقيع الشريف المستمرّ حكمه.
فليباشر هذه الوظيفة على أجمل عوائده، وليعد إليها على أكمل قواعده؛ إلّا أنّ التّذكرة بتقوى الله تعالى لا بدّ من اقتباس ضياها، والتّنبيه على سلوك سبيل هداها؛ فلتكن قاعدة أمله، وخاتمة عمله. والاعتماد في معناه، على الخطّ الكريم أعلاه، إن شاء الله تعالى.
المرتبة الثالثة (من تواقيع وظائف أرباب السّيوف بدمشق- ما يفتتح ب «- رسم بالأمر العالي» وفيه وظائف)
وهذه نسخ تواقيع من ذلك:
نسخة توقيع بشدّ مراكز البريد، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب بها لمن لقبه «بدر الدين» في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وهي:
رسم بالأمر العالي- لا زالت البرد سائرة بأوامر عدله المديد، وهوامر جوده المجيد، وسوائر الأخبار عن بأسه ونداه المرويّ سندهما عن ثابت ويزيد، ولا برحت جوامع عطاياه وقضاياه: هذه فاتحة لمصالح الآمال باب الزّيادة وهذه فاتحة لمصالح الإسلام باب البريد- أن يستقرّ المجلس على عادته الأولى، وقاعدته الّتي ما برحت قدم مساعيه فيها المقدّمة ويد أمانته الطّولى، علما بكفاءته التي شهدت بها حتّى الخيل الماثلات خرسا فأفصحت، المواصلات سعيا فأنجحت، الموريات قدحا «1» إلا أنّ ألسنة الأحوال في شهادتها ما
قدحت، المغيرات على السّرى صبحا ما دار عليها شفق العشيّ فاغتبقت «1» ، حتّى دار عليها شفق الفجر فاصطبحت. ومراكز الطّرق الّتي حمتها مهابته فكأنّها مراكز الأسل، ومراكض السّبل، كلّ واد منها وما حمل وكل حدب وما نسل؛ واعتمادا على سداد عزمه الّذي وافق خبره الخبر، ورشاد سعيه الّذي كلّ أوقاته من وجوه الإجادة ووجوه الجياد غرر، وركونا إلى أنّه الكافي فيما يعتمده ويراه، السّاري في المهمّات لا يملّ وهيهات أن يمل البدر من سراه؛ كم أعان الإسلام على ما اتّخذه من قوّة ومن رباط الخيل، وكم جاد على الجياد على الغيث «2» حتّى سارت بين يديه كالسّيل، وكم حفظ عليها قوتها وقوّتها فبعد ما كانت تموت بالعدد صارت تعيش بالكيل.
فليباشر ما عوّل فيه عليه، وأعيد من حقّه وإن كان خرج عنه إليه، وليطلق يد أمره ونهيه بما يسرّه أن يقدّمه بين يديه، حريصا على أن تنطق هذه الدّوابّ الخرس غدا بثنائه، مجريا لقوائمها وللإقامة بها على عادة إجرائه، متخيرا لها كلّ حسن الإمرة والسّياسة عند رحيلها وقدومها، ومن إذا عرضت عليه بالعشيّ الصّافنات الجياد طفق مسحا ولكن بإماطة الأذى عن جسومها، موسّعا عليها من المباني والأحوال كلّ مضيق، آمرا بما يحتاج إليه نوعها البديع من صناعتي ترشيح وتطبيق، مستأمنا من الأيدي من يردّ عنها الأيادي الضّائمة، ومن يساوي بينها في الأقوات حتّى لا تكون كما قال الأوّل:«خيل صيام وخيل غير صائمة» ، متحرّيا في تكفيتها أجمل الطّرق والطّرائق، مستجلبا صنوف العليق فلا تنقطع من برّه العلائق؛ والله تعالى يمدّه بعونه ورشده، ويجعل عزمه سابقا إلى التوفيق «سبق الجواد إذا استولى على أمده» ، بمنّه وكرمه.
وهذه نسخة توقيع بنقابة النّقباء «1» ، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضا، كتب بها لشهاب الدين «بولاقي» عوضا عن أبيه، في سنة أربع وثمانمائة، وهي:
رسم بالأمر العالي- لا زال بإنعامه يسفر عن وجه الأمل نقابه، ويحفظ لكافي الخدمة أعقابه، ويلوي باستمرار النّعم أدوار الزّمان وأحقابه، ويطلع في آفاق دولته شهاب كلّ عزم تحمد عساكره المنصورة ارتقاءه وارتقابه- أن يرتّب المجلس السّامي، الأمير:......... علما بأوصافه الحسنة، وأوضاعه الّتي لا يحتاج الحكم بفضلها إلى إقامة بيّنة، وكفاءته الّتي تنطق بها ألسنة الأحوال المؤمّنة وقلوب العساكر المؤمنة، وهمّته الّتي إذا وقّفت المواقف على الأعداء عرّفته أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، وتصديقا لدلالة عزمه الواعد، وتحقيقا لحماية شهابه الواقد، وركونا إلى قيامه مقام أبيه رحمه الله في الخدمة حتّى كأن لم يفقده من الجيش فاقد؛ وأنّه لدرجات الاستحقاق راقي، وأنّه العوض عن أب لاقى منيّته وكلّ آمريء لاقي المنيّة وابن لاقي، وأنّه كفء هذه المنزلة كما حكم الرأي واقتضى، وكما شهد «2» لغرّته بغرر الفوائد وكيف لا وهو ابن النّقيب المرتضى!.
فليتلقّ بشهابه المضيء هذا المطلع الأسنى، وليقم في هذه الوظيفة على قدم الخدمة صورة ومعنى، مقدّما على النّقباء تقديم إمامهم، معلّما لجند الإسلام معلوم مقامهم، مالئا بإتقان معرفة الحلى سمع من استملاه، محظيا
للجنديّ معينا له على حصول الخير حتّى يشكره شكر من أطعمه وحلّاه، ناظما للمواكب عقد مجتمعها الثّمين، مصاحبا لها صحبة يثنى بها عليه وحسبه أن يكون من أصحاب اليمين، مرتّبا لها أحسن ترتيب، منقّبا عن محاسن تجمّلها:
فإنّ اسم النّقيب مشتقّ من التّنقيب. وليكاثر حملة السّيوف فإنّه حامل سيف وعصا، وإنّه بهذه مخلّص حقوق من أطاع وبهذا موبق نفس من عصى؛ وليحرص على أن يقوم بوعد الاجتهاد المنجز، وعلى أن يكون سيف تحريض على جرحى الأعداء مجهز، وعلى أن يحصل في مواطن الجهاد على الأجرين:
أجر المقاتل وأجر المجهّز؛ والله تعالى يحمد في الخير طرائقه، ويؤيّد عزمه الجيشيّ حتّى تلهج بشكره ألسنة الأعلام الخافقة، والاعتماد.......
وهذه نسخة توقيع بشدّ خزائن السلاح، من إنشاء ابن نباتة أيضا، وهي:
رسم بالأمر الشريف- لا زالت أسنّة نجوم السّعد من سلاحه، وصواعقها من أعوان صفاحه، وسماكها الرّامح من أنصار رماحه، ولا برح يعمل معادن الأرض حتّى يفنى ذهبها وحديدها على يدي بأسه وسماحه- أن يرتّب......
لأنّه الناهض الّذي تتزيّن الوظائف بسمته وباسمه، وتتعيّن المصالح والمناجح بعزمه وحزمه، والمسدّد من آرائه سهاما، والمجرّد من اهتمامه كلّ ماضي الحدّ إذا كان بعض الاهتمام كهاما «1» ، والوفيّ في شدّ الجهات قولا وعملا، والمليّ بحمل السلاح واستعماله على رغم القائل:«أصبحت لا أحمل السّلاح ولا» ، والخبير بمحاسن الاقتراح، والكافي ولا عجب إذا سلّمت له ذوو الوظائف وألقت عليه السلاح؛، ذو العزم الأشدّ، والرّأي الأسدّ، والذّكيّ الّذي إذا تناول بعض الأسلحة وانتسبت شجاعته رأيت القوس في يد عطارد في بيت الأسد.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة بعزم أقطع من حسام، وأمانة أقوم من ألف
وصيانة أحصن من لام «1» ؛ معتبرا لأحوالها، مقرّرا لمطالب مآلها من مالها، موفّرا من أسلحتها الّتي تتوفّر بها من الخير سهامه، منصفا لصناعها الذين يحمد عند استعمالهم صنيعه واهتمامه، مكثرا لخزائنها من ذخائر العدد، مجهّزا لجيوش الإسلام من مادّة عملها بأنفع مدد: من قسيّ تقضي أهلها بقطع أعمار العدا، وسيوف صقيلة إذا نادت ديار النّاكثين أجابت الندا، ودروع تموّجت غدرانها إلا أنّها في مهالك الحرب لا تغوّر، ورماح أطّردت كعوبها فكلّها على عدوّ الإسلام كعب مدوّر؛ إلى غير ذلك مما يدلّ على عزمه الحميد، ويقضي للنّعمة عليه بالمزيد؛ والله تعالى يثقّف عزمه، ويوفّر من السّلاح والنّجاح سهمه.
وهذه نسخة توقيع بشدّ الجوالي «2» ، من إنشاء ابن نباتة أيضا، وهي:
رسم بالأمر الشريف- لا زالت سعود أوامره واضحة الأدلّة، نافذة الحكم على كلّ ملّة، قائمة لخصب البلاد بالعدل، مقام السّحب المستهلّة- أن يرتّب فلان في شدّ الجوالي بدمشق المحروسة: لما ظهر من نجابته، واشتهر من حزمه ومهابته، وبدا من هممه العوالي، وعزائمه الّتي تجلو صدأ الهمّ بالجوالي، وإذا قيل لحاسده: له ولأبيه إمرة الخيل قال: والجوى لي، وأنّه الكافي الّذي إذا استنهض كانت عزائمه شابة، ونفحات ذكره الجميل هابّة، ونجل الهمام الّذي أشهد على كفاءته النّهار وعلى تعبّده اللّيل، وأعدّ لمصالح الإسلام ما استطاع من قوّة ومن رباط الخيل، وأنّ مرباه جميل، ومنشاه في منازل الخير دليل.