الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعمل؛ والله تعالى يجعله من أوليائه المتّقين وقد فعل؛ والاعتماد...... إن شاء الله تعالى.
الوظيفة الثانية (نيابة قلعة صفد)
وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة صفد المحروسة، من إنشاء المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله، كتب به للأمير سيف الدين «أزاق الناصري» خامس المحرّم سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وهي:
الحمد لله الّذي خصّ الحصون برفعة ذراها، وسمعة من فيها من رجال تحمي حماها، وتخطف أبصار السيوف بسناها، وتصيب برميها حتى قوس قزح إذا راماها.
نحمده حمدا تبرز به المعاقل في حلاها، وتفخر به عقائل القلاع على سواها، وتشرف به شرفاتها حتّى تجري المجرّة في رباها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يطيب جناها، ويطنب في السماء مرتقاها، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي كتب به للأمّة هداها، وكبت عداها، وبوّأها مقاعد للقتال تقصر دونها النجوم في سراها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا ينقطع عنهم قراها، وسلّم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين.
وبعد، فإنّ صفد صفت، ووفّت ووفت، وكفّت وكفت، وجاورت البحر فما غمضت عنه لديادبها «1» عيون، ولا خيطت لسيوفها بالكرى جفون، ولا ونت لرماحها عزائم شابت لممها، ولا انتشت من السّهام نبال تفيض ديمها، ولا أطالت مجانيقها السّكوت إلا لتهدر شقاشقها، وتهدّ بها من الجبال شواهقها، وتهول العدا بما تريهم من التّهويل، وترمي به من كفّاتها الحجارة من سجّيل.
وهي القلعة الّتي يضرب المثل بحصانتها، ويطمئنّ [أهل]«1» الإسلام في إيداع أموالهم وأهلهم إلى أمانتها، قد أطلّت على الكواكب نزولا، وجرّدت على منطقة بروجها من البروق نصولا، وأتعبت الرياح لمّا حلّقت إليها، وأخافت الهلال حتّى وقف رقيبا عليها؛ وفيها من جنودنا المؤيّدة من نزيدهم بها مددا، وتطيب قلوبهم إذا خرجوا لجهاد أعداء الله وخلّوا لهم فيها مالا وولدا. وكانت النيابة بهذه القلعة المحروسة قد كادت تنطق بشكواها، وتتظلّم ممّن أساء صحبتها لمّا تولّاها، واقتضت آراؤنا العالية أن نزحزح ظلامه، عن صباحها، ونقوّض خيامه، عما فرش على الفلك الشاهقة من بطاحها؛ وفكّرنا فيمن له بالقلاع المحروسة دربة لا يخفى عليه بها سلوك، ولا يخاف معه على هذه الدّرّة الثمينة في سلوك، ممّن حمد في دولتنا الشريفة مساء صباح، ومن كان في أبوابنا العالية هو الفتّاح، ومن له همّة تناط بالثّريّا مطالبها، وعزمة ما القضاء إلا قواضبها، ومعرفة ما الرّمح المثقّف إلّا تجاربها، وكفاية ما الغرّ الزواهر إذا عدّدت إلّا مناقبها.
وكان المجلس الساميّ- أدام الله عزّه- هو المحلّق إلى هذه المرتبة، والمخلّق بالأصيل أرديتها المذهبة، والمحقّق في صفاته الورع، والمنزّه عن تدنيس طباعه بالطّمع، وله في الأمانة اليد المشكورة، وفي الصّيانة ما يمتع به ذيول السّحاب المجرورة، ومن التّقوى ما قرّب عليه المطالب البطيّة، ومن الفروسيّة ما اتخذ كلّ ذروة صهوة وكلّ جبل مطيّة، ومن الاستحقاق ما يسهّل له من صدقاتنا الشريفة صفد: وفي اللّغة أنّ الصّفد هو العطيّة.
فرسم بالأمر الشريف- شرّفه الله وعظمه، وأحكمه وحكّمه- أن يرتّب في النيابة بقلعة صفد المحروسة: على عادة من تقدّم وقاعدته في التقرير، وأمّا كيف يكون اعتماده، فسنرشده منه بصبح منير.
فقدّم تقوى الله في سرّك ونجواك، واقصر على القناعة رجواك «1» ، واحفظ هذه القلعة من طوارق اللّيل والنّهار، وأعدّ من قبلك للقتال في قرى محصّنة أو من وراء جدار، واملأ سماءك حرسا شديدا، وشهبا وكثّر رجالها لتباري بهم النّجوم في أمثالها من بروج السماء عديدا، وخذ إلى طاعتنا الشريفة بقلوبهم وهم على ذلك ولكنّا نريد أن نزيدهم توكيدا، وتألّفهم على موالاتنا حتّى لا تجد أنت ولا هم إلى المزيد مزيدا، وتفقّد الذخائر والآلات، وتيقّظ لما تلجيء إليه الضائقة في أوسع الأوقات، وحصّن مبانيها، وحصّل فيها من الذخائر فوق ما يكفيها، ومن السّلاح ما هو أمنع من أسوارها، وأنفع في أوقات الحاجة مما تكنزه الخزائن من درهمها ودينارها: من مجانيق كالعقارب شائلة أذنابها، دافعة في صدر الخطب إذا نابها، ترمي بشرر كالقصر، وتنزل من السماء بآيات النّصر؛ ومن قسيّ: منها ما تدافع بالأرجل مرامي سهامه، ومنها ما تدوّر بالأيدي كأس حمامه، ومنها ما يسكت إذا أطلق حتّى لا يسمع كلام كلامه، ومنها ما يترنّم إذا غنّى بالحمام صوت حمامه؛ و [من]«2» ستائر يستر بها وجهها المصون، ومنائر يشاهد منها أقرب من يكون أبعد ما يكون، ورهجية تجلى بها في كلّ ليلة عروسها الممنّعة، ودرّاجة تحاط بها من جهاتها السّتّ وحدودها الأربعة؛ وأقرّ نوب الحمام الرّسائليّ فبها تسقط علينا وعليك الأخبار، ويطوى المدى البعيد في أوّل ساعة من نهار، وافتح الباب وأغلقه بشمس، واحترز على ما اشتملت عليه من مال ونفس؛ وبقية الوصايا أنت بها أمسّ، والله تعالى يزيل عنك اللّبس؛ والاعتماد......