الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النيابة الخامسة (نيابة صفد)
وقد تقدّم في الكلام على المكاتبات أنّها في رتبة نيابة طرابلس وحماة في المكاتبة، وأنّها تذكر بعد حماة في المطلقات.
ووظائفها الّتي تولّى من الأبواب السّلطانية على ثلاثة أصناف:
الصنف الأوّل (أرباب السيوف، وفيه وظيفتان)
الوظيفة الأولى (نيابة السلطنة بها، ويكتب تقليده في قطع الثلثين)
وهذه نسخة تقليد بنيابة السّلطنة بصفد، كتب به لسيف الدين «قطلقتمس» «1» السلحدار الناصريّ، في سابع رمضان سنة عشر وسبعمائة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، وهي:
الحمد لله الّذي صان الثّغور المحروسة من أوليائنا بسيف لا تنبو مضاربه، وخصّ أسنى الممالك المصونة من أصفيائنا بعضب لا يفلّ غربه محاربه، وقدّم على زعامة الجيوش من خواصّنا ليثا يسكن إليه كلّ أسد من أسد ذائلة «2» تغالبه، حافظ نطاق البحر من أبطال دولتنا بكلّ كميّ تصدّ البحر مهابته أن يستقل براكبه أو تستقرّ على ظهره مراكبه، وناشر لواء عدلنا في أقاليمنا بما يغني كلّ قطر أن تتدفّق جداوله أو تستهلّ به سحائبه.
نحمده على نعمه الّتي جعلت سيف الجهاد رائد أوامرنا، وقائد جيوشنا إلى مواقف النّصر وعساكرنا، وذائد أعداء الملة عن أطراف ممالكنا الّتي أسبق إليها من رجع النّفس في الدّجى تألّق نجوم ذوابلنا، وفي الضّحى تبلّج غرر
صوارمنا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يستظل الإيمان، تحت لوائها، وتعبق الأكوان، بما تنطق به الألسنة من أروائها، ويشرق الوجود بما يبدو على الوجوه من روائها، وتجادل أعداءها في الآفاق لرفع كلمة ملّتها على الملل وإعلائها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله خاتم الأنبياء، وأشرف حملة الأنباء، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه المخصوصين بأسنى مراتب الاجتباء، صلاة دائمة بدوام الأرض والسماء، وسلّم تسليما كثيرا.
أمّا بعد، فإنّ أولى من فوّضت إليه زعامة الجيوش بأسنى الممالك، وعدق به من تقدّم العساكر ما يرجف بمهابته هناك أرض العدوّ هنالك، وعقد به للرعايا لواء عدل تجلّى بإشراق ليل الظّلم الحالك، وعوّل عليه من جميل السّيرة فيما تعمر به البلاد وتأمن به الرعايا وتطمئنّ به المسالك- من لم يزل في خدمة الدّولة القاهرة سيفا ترهب العدا حدّه، ويخاف أهل الكفر فتكاته تحقّقا أنّ آجالهم عنده، ويتوقّع على كلّ كميّ من عظماء الشّرك أن رأسه سيكون غمده، مع سياسة تشتمل على الرعايا ظلالها الممتدّة، وسيرة تضع الأشياء مواضعها فلا تضع الحدّة موضع اللّين ولا اللّين موضع الحدّة، وتوفّر على عمارة البلاد يعين على ريّها طلّ الأنواء والوابل، وبراءة تجعل ما يودع فيها بالبركة والنّماء: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ
«1» ولمّا كان الجناب العالي هو السّيف الّذي على عاتق الدّولة نجاده، واللّيث الّذي لم يزل في سبيل الله إغارته وإنجاده، والغيث الّذي يخصب بمعدلته البلد الماحل، والأسد الّذي تصدّ ساكني البحر مهابته فيتحقّقون أنّ العطب لا السلامة في الساحل،- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزيد حدّ عزمه إرهافا، وأن نرهب العدا ببأسه الّذي يردّ آحاد ما تقدّم عليه من الجيوش آلافا، وأن نفوّض إليه من أمور رعايانا ما إذا أسند إليه يوسعهم عدلا وإنصافا.
فلذلك رسم بالأمر الشريف: أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بصفد المحروسة: تفويضا يعلي قدره، ويمضي في عموم مصالحها وخصوصها نهيه وأمره، ويرهف في حفظ سواحلها وموانيها بيضه وسمره، ويصلي مجاورها من ساكني الماء من بأسه المتوقّد جمره.
فليتلقّ هذه النعمة بباع شكره المديد، ويترقّ هذه المرتبة بمزيّة اعتزامه التي ليس عليها فيما يعدق به من مصالح الإسلام مزيد، وينشر بها من عموم معدلته ما لا يخصّ دون قوم قوما، ويعمّر بلادها بالعدل: فإنّ «عدل يوم واحد خير للأرض من أن تمطر أربعين يوما» ، ويبسط فيها من مهابته ما يكفّ أكفّ البغاة أن تمتدّ، ويمنع رخاء «1» أهوية أهلها أن تشتدّ، ويؤمّن المسالك أن تخاف، والرعايا أن يجار عليهم أو يحاف، وليكن من في تقدمته من الجيوش المنصورة مكمّلي العدد والعدد، ظاهري اللأمة «2» التي هي مادّة المجالدة وعون الجلد، مزاحي الأعذار فيما يرسم لهم به من الرّكوب، مزالي العوائق في التّأهّب لما هم بصدده من الوثوب، حافظي مراكزهم حفظ العيون بأهدابها، آخذي أخبار ما يشغل البحر من قطع العدا في حال بعدها كحال اقترابها، بحيث لا يشرف على البرّ من قطع المخذولين إلا أسير أو كسير، أو من إذا رجع بصره إلى السّواحل ينقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير؛ وليكن أهل الجبال بمهابته كأهل السّهل «3» في حسن انقيادهم وطاعتهم، ويصدّ عنهم بسطوته مجال الأوهام المتّصلة فلا تنصرف إلى غير مجاوريهم من الأعداء مواقع بأسهم وشجاعتهم؛ وملاك الوصايا تقوى الله: وهي من أخصّ أوصافه، والجمع بين العدل والإحسان وهما من نتائج إنصافه؛ فليجعلهما عمدتي حكمه في القول