الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجالها، وإرهاف همم حماتها الّتي تضيق على آمال العدا سعة مجالها، وتوفير ذخائرها، وتعمير بواطنها وظواهرها، وتحصين مسالكها الّتي يرهب الخيال المتولي إلى العيون سلوك محاجرها.
وليعل منار الشّرع الشريف بتشييد مناره وإحكامه، وتنفيذه لقضايا قضاته وأحكام حكّامه، والوقوف في كلّ أمر مع نقضه في ذلك وإبرامه، ورفع أقدار حملة العلم على ما ألفوه من الرّفعة والسّموّ في أيّامه. ولتكن وطأة بأسه على أهل الفساد مشتدّة، وأوامره متقدّمة بوضع الأشياء في مواضعها: فلا توضع الحدّة موضع الأناة ولا الأناة موضع الحدّة. وليراع عهود الموادعين مهما استقاموا، ويجمع عليهم أن يكفّوا أنامل بأسه الّتي هم في قبضتها رحلوا أو أقاموا، ولتخبر ألسنة النيران بشبّها على اليفاع [والآكام]«1» من قدم لمكيدة أو طعن بمطار الحمام- وجميع ما يتعلّق بهذه المرتبة السنية من قواعد فإلى سالف تدبيره ينسب، ومن سوابق تقريره وتحريره يحسب؛ فهو ابن بجدتها، وفارس نجدتها، ومؤثّل قواعدها، وموثّر ما حمد من امتداد عضدها إلى مصالح الإسلام وساعدها؛ فليفعل في ذلك ما يشكره الله والإسلام عليه، ويثبّت الحجّة عند الله تعالى في إلقاء المقاليد إليه؛ وملاك الوصايا تقوى الله وهي سجيّة نفسه، وثمرة ما اجتنى في أيّام الحياة من غرسه، ونشر العدل والإحسان فبهما تظهر مزيّة يومه الجميل على أمسه؛ والله تعالى يجعل نعمه دائمة الاستقبال، وشمسه آمنة من الغروب والزّوال، والاعتماد......
الطبقة الثانية (من يكتب له في قطع الثّلث ب «المجلس السامي» وفيها وظائف)
الوظيفة الأولى (نيابة القلعة بها)
وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة حلب:
الحمد لله معلي قدر من تحلّى بالأمانة والصّون، ورافع مكانة من كان فيما عرض من العوارض نعم العون، ومؤهّل من أرشدنا إليه للاجتباء حسن الاختبار، ومبلّغ الإيثار من شكرت عنه محامد الآثار.
نحمده حمد الشّاكرين، ونشكره شكر الحامدين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في اعتقاده، مبرّإ من افتراء كلّ جاحد وإلحاده، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا، وأيّده بسلطان منه وطهّر [به]«1» الأرض من دنس الضّلال تطهيرا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا يزال علم العلم بها منشورا، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ العناية بالحصون توجب أن لا يختار لها إلا من هو مليّ بحفظها، موفّر [لها]«2» من حسن الذّبّ غاية حظّها، حسن المرابطة، مبرّأ من دنس الأفعال السّاقطة؛ ذو قلب [قويّ]«3» وقالب، وعزم ما زال لمهمات الأمور أشجع مغالب؛ إذ هو للمرابطين بها أوثق حرز حريز، وأصون حجاب لمبارزة ذوي التّبريز، [فتصبح به]«4» مستورا عوارها، كاتمة لأسرارها أسوارها، تخاطب منازليها من مجانيقها بأبلغ لسان، وتشافه ملاجيها»
من أنفة أنفها إلا أنه بأعلى مكان.
ولما كانت القلعة الفلانية بهذه المنزلة الرّفيعة، والمكانة الّتي كلّ مكانة بالنّسبة والإضافة إلى علوّ مكانها المكانة الوضيعة- اخترنا لها وابتغينا، واستوعبنا بالتّأهيل لنيابتها ولم نترك في استيعابنا ولا أبقينا، فلم نجد لولايتها كفأ إلا من نظمت عقود هذا التّقليد لتقليده، ورتّلت سور هذه المحامد بمبديء لسان تقريظه ومعيده؛ إذ هو أوثق من يلقى إليه إقليدها «6» ، وأكفأ من ينجز به موعودها؛ إذ كان المكين، والثّقة المتحلّي إذ كان التحلّي مما يزين العاطل
المشين؛ إن ذكر الرّأي فهو المتّصف بسديده، أو العزم فهو الموسوم بشديده، أو التّثبّت فهو من صفة شجاعته، أو حسن المظافرة فهو الباذل فيها جهد استطاعته.
ولما كانت هذه المناقب مناقبه، وهذه المذاهب مذاهبه، رسم بالأمر الشّريف العالي- زاده الله مضاء ونفاذا، واستحواء واستحواذا- أن تفوّض نيابة السّلطنة بالقلعة الفلانيّة وما هو منسوب إليها من ربض ونواح، وقرى وضواح، للمجلس السّامي فلان.
فليرق إلى رتبتها المنيف قدرها، المهمّ سرّها وجهرها، وليكن من أمر مصالحها على بصيرة، ومن تفقّد أحوالها على فطنة ما زالت منه مخبورة، وليأخذ محرزها من الجند وغيرهم بالملازمة لما عدق به من الوظائف، ويتقدّم إلى واليها مع طوّافها «1» أوّل طائف، وليتفقّد حواصلها من الذّخائر، وواصلها من التبذير بمن يرتّبه على حفظها من الأخاير؛ ومهما عرض يسرع بالمطالعة بأمره، والإعلام بنفعه وضرّه.
هذه نبذة كافية للوثوق بكفايته، والعلم بسديد كفالته؛ والله تعالى يحسن له الإعانة، ويجزل له الصّيانة؛ والخط الشّريف أعلاه.......
الوظيفة الثانية (شدّ «2» الدّواوين بحلب)
وهذه نسخة توقيع بشدّ الدّواوين بحلب:
الحمد لله الّذي أرهف في خدمة دولتنا كلّ سيف يزهى النّصر بتقليده،
ويروى نبأ الفتح عن تجربته في مصالح الإسلام وتجريده، ويروى حدّه إذا قابله عدوّ الدّين من قلب «1» قلبه وموارد وريده.
نحمده على نعمه السابغة حمد متعرّض لمزيده، ونشكره على مننه السّائغة شكر مستنزل موادّ تأييده، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة مقرّ بتوحيده، مسرّ مثل ما يظهر من الخضوع لكبرياء تقديسه وتمجيده، مصرّ على جهاد من ألحد في آياته بنفسه وجنوده، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أشرف من دعت دعوته الأمم إلى الاعتراف بخالقها بعد جحوده، وأنجز لأمّته من الاستيلاء على الكفر سابق وعوده، وأمال به عمود الشّرك فأهوى إلى الصّعيد بعد صعوده، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من بذل في طاعة الله وطاعته نهاية مجهوده، وأطفأ نار الكفر بعد وقودها بإيقاد لهب الجهاد بعد خموده، صلاة تقترن بركوع الفرض وسجوده، وتقام أركانها في أغوار الوجود ونجوده، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ أولى ما أجملنا في مصالحه النّظر، وأعملنا في ارتياد الأكفاء له بوادر الفكر، واخترنا له من الأولياء من كان معدودا من خواصّنا، محبوّا بمزيد تقريبنا ومزيّة اختصاصنا، أمر الأموال الدّيوانيّة بالمملكة الحلبيّة وتفويض شدّ دواوينها المعمورة إلى من تضاعفها رتبته المكينة، ونزاهته المتينة، ويده الّتي هي بكمال العفّة مبسوطة، وخبرته الّتي بمثلها يحسن أن تكون مصالح الدولة القاهرة منوطة، ومنزلته الّتي تكفّ عن الأموال الأطماع العادية، ومهابته الّتي تكفي الأولياء من ضبط الأعمال بما يروي الآمال الصّادية، لأنّها موادّ الثّغور الّتي ما برحت عن شنب النّصر مفترّة، وأمداد الجيوش الّتي جعل الله لها أبدا على أعدائه الكرّة، ورياض الجهاد الّتي تجتنى منها ثمرات الظّفر الغضّة، وكنوز الملك الّتي ينفق منها في سبيل الله القناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة.
ولما كان فلان هو الّذي اخترناه لذلك على علم، ورجّحناه لما اجتمع فيه من سرعة يقظة وأناة حلم، وندبناه في مهمّاتنا الشريفة فكان في كلّ موطن منها سيفا مرهفا، واخترناه فكان في كلّ ما عدقناه به بين القويّ والضّعيف منصفا، وعلمنا من معرفته ما يستثير الأموال من مكامنها، ومن نزاهته ما يظهر أشتات المصالح من معادنها، ومن معدلته ما يمتّع الرعايا باجتناء ثمر المنى من إحسان دولتنا القاهرة واجتلاء محاسنها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلّي جيد تلك الرتبة بعقود صفاته الحسنة، وأن ننبّه على حسن هممه التي ما برحت تسري إلى مصالح الدولة القاهرة والعيون وسنة.
فلذلك رسم أن يفوّض إليه ذلك تفويضا يبسط في مصالح الأموال لسانه ويده، ويقصر على مضاعفة ارتفاع الأعمال يومه الحاضر وغده، ويحسّن بسدّ الخلل وتتبّع الإهمال مصدره الجميل ومورده؛ ويجعل [له]«1» في مصالحها العقد والحلّ، والتّصرف النافذ في كلّ ما دقّ من الأموال الدّيوانية وجلّ.
فليباشر ذلك بهمّة علمنا في الحق مواقع سيفها، وأمنّا على الرعايا بما اتّصفت به من العدل والمعرفة من مواقع حتفها، وأيقظت العيون الطّامحة لسلوك ما [لا]«2» يجب بما لم تزل تتخيّله من روائع طيفها، وليثمّر الأموال بالجمع في تحصيلها بين الرّغبة والرّهبة، ويجعل ما يستخرج منها ببركة العفّة والرّفق: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ
«3» وليعفّ أثر الحمايات ورسمها، ويزل بالكلّية عن تلك الممالك الحسنة وسمها القبيح واسمها، وليكن مهمّ الثغور هو المهمّ المقدّم لديه، والنّظر في كلف القلاع المحروسة هو الفرض المتعيّن أداؤه عليه، فيحمل إليها من الأموال والغلال ما يعمّ حواصلها المصونة، ويكفي رجالها الفكر في المؤونة، ويضاعف ذخائرها التي تعدّ من أسباب تحصينها، ويصبح به حمل عامها الواحد كفاية ما يستقبله