الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع موالاة الحمول من سنينها؛ وما عدا ذلك من الوصايا فقد ألقينا إلى سمعه ما [عليه] يعتمد، وعرّفناه أنّ تقوى الله أوفى ما به يستبدّ وإليه يستند؛ بعد الخط الشّريف.
الصنف الثاني (من أرباب الوظائف بحلب- أرباب الوظائف الدّينية)
وهم على طبقتين أيضا:
الطبقة الأولى (من يكتب له في قطع الثلث ب «السّاميّ» بالياء، ويشتمل على وظائف)
منها: قضاء القضاة. وبها أربعة قضاة: من كل مذهب قاض، كما في الديار المصرية والشّام. والشافعيّ منهم هو الّذي يولّي بالبلاد كما في مصر والشّام.
وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الشّافعية:
الحمد لله الّذي رفع منار الشّرع الشريف وأقامه، ونور به كلّ ظلام وأزال به كلّ ظلامة، وجعله صراطا سويّا للإسلام والسّلامة، الذي جعل القضاة أعلاما، بهم يهتدى، ونصبهم حكّاما، بمراشدهم يقتاد ويقتدى، وأخذ بهم الحقّ من الباطل حتّى لا يعتل في قضيّة ولا يعتدى، والصّلاة على سيدنا محمد الذي أوضح الله به الطّريق، وأبدى به بين الحلال والحرام التّفريق، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تتكفل لرغبات قائلها بالتّحقيق.
وبعد، فإنّ أحقّ ما [وجّهت]«1» الهمم إلى تصريفه وجها مسفرا، وقرّبت إلى يد الاقتطاف من شجرته المباركة غصنا مثمرا، وسهّدت في الاختيار له والاصطفاء لحظا ما زال للفكر في مصالح الأمّة مسهرا- الشرع الشريف الّذي
حرس الله به حومة الدّين وحمى جانبه، وحفظ به أقوال الهدى عن المجادلة من المبتدعين وأطرافه من المجاذبة؛ وكانت حراسته معدوقة باختيار الأئمة الأعلام، وموقوفة على كلّ من يطاعن البدع عند الاستفتاء برماح الخطّ وليست رماح الخطّ غير الأقلام، ومصرفة إلى كلّ منصف في قضاياه حتّى لو ترافعت إليه اللّيالي لأنصفها من الأيّام.
ولما كان فلان هو مدلول هذه العبارة، ومرتمى هذه المشارة، ومرتمق هذه الإشارة، وقد حلّ من الممادح في محل صعب المرتقى على متوقّله، وطلع من منازل سعودها في بروج بعيدة الأوج إلا على سير بدره وتنقّله؛ وطالما حكم فأحكم، وفصل ففصّل، وروجع فما رجع وعدل فعدّل، وشهدت مراتبه الشريفة بأنّه خير من تنوّلها ميراثا واستحقاقا، وأجلّ من كادت تزهو به مطالع النجوم إشرافا وإشراقا؛ وكانت حلب المحروسة مركز دائرة لأيّامه، وسلك جوهر تصريفه الّذي طالما تقلدت أحسن العقود بنظامه؛ وقد افتخرت به افتخار السماء بشمسها، والرّوضة بغرسها، والأفهام بإدراك حسّها، والأيّام بما عملته من خير في يومها وأسلفته في أمسها، وقد اشتاقت إلى قربه شوق النّفس إلى تردّد النّفس، واللّيلة إلى طلوع النّجم أولا فإلى إضاءة القبس.
فلذلك خرج الأمر الشّريف بأن يجدّد له هذا التوقيع بالحكم والقضاء، بالمملكة الحلبيّة وأعمالها وبلادها، على عادته.
فليستخر الله تعالى وليستصحب من الأحكام ما همّته مليّة باستصحابه، ويستوعب من أمورها ما تتوضح المصالح باستيعابه، ويقم بها منار العدل والإحسان، وينهض بتدبير ما أقعده منها زمانة الزّمان. وعنده من الوصايا المباركة، ما يستغني به عن المساهمة فيها والمشاركة؛ لكن الذّكرى النافعة عند مثله نافقة؛ فإن لم يكن شعاع هلال فبارقة، وليتّق الله ما استطاع، ويحسن عن أموال اليتامى الدّفاع، ويحرس موجود من غاب غيبة يجب حفظ ماله فيها شرعا، ويقطع سبب من رام لأسباب الحقّ قطعا، ولا يراع لحائف حرمة فإنّ حرمات
الحائفين لا ترعى، وينظر في الأوقاف نظرا يحرسها ويصونها، ويبحث عنها بحثا يظهر به كمينها؛ والله تعالى يسدّده في أحكامه بمنه وكرمه! قلت: وعلى ذلك تكتب تواقيع بقية القضاة بها من المذاهب الثلاثة الباقية.
ومنها: وكالة «1» بيت المال المعمور.
وهذه نسخة توقيع من ذلك، كتب بها لمن لقبه «كمال الدّين» وهي:
الحمد لله الّذي جعل كمال الدّين موجودا، في اقتران العلم بالعمل، وصلاح بيت المال معهودا، في استناده إلى من ليس له غير رضا الله تعالى وبراءة الذّمة أمل، وارتقاء رتب المتّقين مقصورا على من بارتقاء مثله من أئمة الأمّة تزهى مناصب الدّول، والاكتفاء بالعلماء محصورا في الآراء المعصومة بتوفيق الله من الخلل.
نحمده على نعمه الّتي جعلت مهمّ مصالح الإسلام، مقدّما لدينا، واختصاص المراتب الدّينية بالأئمة الأعلام، محبّبا إلينا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة رفع الجهاد علمها، وأمضى الاجتهاد كلمها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أشرقت سماء ملّته، من علماء أمّته، بأضوإ الأهلّة، ونطقت أحكام شرعته، على ألسنة حملة سنّته، بأوضح الأدلّة، وبزغت شمس هدايته في تهائم الوجود ونجوده فانطوت بها ظلم الأهواء المضلّة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نصحوا لله ولرسوله، وآثروا رضاه على نفوسهم فلم يكن لهم مراد سوى مراده ولا سول غير سوله، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ أولى من تلقّاه كرمنا بوجه إقباله، واختارت له آلاؤنا من الرّتب ما صدّه الإجمال في الطّلب عن تعلّقه بباله، ورأى إحساننا مكانه من
العلم والعمل فعدق به من مصالح المسلمين ما لم يتركه أوّلا إلّا موافقة له لا رغبة عن خياله، ورعى برّنا وفادته فاقتضى إعادته من مناصبه إلى ما لم يزل مشرق الأفق بكمال طلعته وطلعة كماله- من ظهرت لوامع فوائده، وبهرت بدائع فرائده، وتدفّقت بحار فضائله، وتألّقت أشعة دلائله، وتنوّعت فنونه: فهو في كلّ علم ابن بجدته، وفارس نجدته، وحامل رايته، وجواد مضماره الّذي تقف جياد الأفكار دون غايته.
ولما كان فلان هو هذا البحر الّذي أشير إلى تدفّقه، والبدر الّذي أوميء إلى كمال ما تألّق به من أفقه، وكانت وكالة بيت المال المعمور بحلب المحروسة من المناصب الّتي لا يتعيّن لها إلا من تعقد الخناصر عليه، ويشار ببنان الاختصاص إليه، ويقطع بجميل نهوضه فيما يوضع من المصالح الإسلامية بيديه؛ وله في مباشرتها سوابق، وآثار [إن]«1» لم تصفها ألسنة الأقلام أوحت بها تلك الأحوال الخالية وهي نواطق- اقتضت آراؤنا الشريفة إنعام النّظر في الإنعام عليه بمكان ألفه، ومنصب رفع ما أسلفه فيه من جميل السّيرة قدره عندنا وأزلفه.
فرسم بالأمر الشريف- لا زال بابه ثمال الآمال، وأفق السّعد الّذي لو أمّه البدر لما فارق رتب الكمال- أن يفوّض إليه كذا: لما ذكر من أسباب عيّنته، وفضائل تزيّنت به كما زيّنته، ووفادة تقاضت له نزل الكرامة، واقتضت له موادّ الإحسان وموارده في السّرى والإقامة.
فليل هذه الرتبة الّتي على مثله من الأئمة مدار أمرها، وبمثل قوّته في مصالحها يتضاعف درّ احتلابها ويترادف احتلاب درّها، مراعيا حقوق الأمّة فيما جرّه الإرث الشرعيّ إليهم، مناقشا عن المسلمين فيما قصره مذهبه المذهب من الحقوق الماليّة عليهم، واقفا بالحقّ فيما يثبت بطريقة المعتبر، تابعا لحكم الله فيما يختلف سبيله [و]«2» فيما يحرّر بالعيان أو يحقّق بالخبر، محافظا على ما