الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من متطلّبهم: حتّى لا يعدو أحد في سبت ولا في سائر الأيّام، ويهذّب وحشيّ جاهلهم بإيناسه، ويعالج سقم كاهلهم حتّى تطلع الصّفراء من راسه.
فليقم مقاما في هذه الطائفة القديمة، وليعبّر من أسفار عبرانيّة عن عوائد قضاياهم النظيمة، مفرّحا بمعرفته كلّ حرّان، جامعا كلّ شعث على عدل عنده وإحسان، شاكرا لظلل النّعمة، عارفا بالعوارف الّتي ترعى يمينها كلّ ذمّة.
النيابة الثانية (من النيابات الّتي يكتب عن نوابها بالولايات- نيابة حلب)
وهي على نحو من نمط دمشق فيما يكتب عن نائبها؛ فيكتب عن نائبها أيضا بالتواقيع لأرباب الوظائف بحاضرة حلب وأعمالها: من أرباب السّيوف، وأرباب الأقلام الدّينية، وأرباب الأقلام الديوانية، ومشايخ الأماكن وغيرهم، مرتّبة على المراتب الثلاث: من الافتتاح ب «الحمد لله» ، والافتتاح ب «أمّا بعد حمد الله» ، والافتتاح ب «- رسم بالأمر» .
وهذه نسخ تواقيع مما كتب به لأرباب السيوف بحاضرة حلب وأعمالها، يستضاء بها في ذلك:
توقيع بنقابة الأشراف «1» ، كتب به للشريف عزّ الدّين «أحمد بن أحمد الحسيني» ب «المقرّ العالي» ؛ وهو:
أمّا بعد حمد الله الّذي خلّد السيادة في بيوت الشّريف أحمد تخليد، وقلّد تقاليد السّعادة، لأهل الإفادة، أسعد تقليد، وجدّد الوفادة، لحرم العبادة، بعزّ العصابة المحمدية آكد تجديد، والصلاة والسلام على سيد الخلق الّذي عقد العهدين لأمّته، بالثّقلين: من كتاب الله وعترته، وسرّ النفوس المؤمنة هداه بكلّ أبيّ من أسرته، وأقرّ العيون المراقبة بكلّ سريّ من أهل بيته تبرق أنوار
النبوّة من أسرّته، وعلى آله حبل النّجاة للمتمسّك، وسبل الهداة للمتنسّك، وصحبه نجوم الهدى، ورجوم العدا، وأئمّة الخير لمن بهم اقتدى، صلاة وسلاما، يتعاقبان دواما، ويتلازمان على الألسنة مدى المدى لزاما، ما حلا بعين وطف «1» ، وما علا علويّ ذرا شرف- فإنّ أهمّ ما اعتنى به ولاة أمور الإسلام، وأعمّ ما اقتنى منه رعاة أجور الحكّام- رعاية مصالح أهل البيت، وانتهاز الفرصة في موالاتهم حتّى لا يقال لفواتها: ليت، وتعظيم ما عظّم الله تعالى من حقوقهم، وتكريم ما كرّم رسوله من برّهم واجتناب عقوقهم، وتقديم أحقّهم بالتقديم لا حقّ سبّاقهم إلى غايات الغلوات وسبوقهم، والتّعبد بالتّعب والاجتهاد في نفعهم، ونصب النفوس للنّصب لتجر ذيول الفخر بموالاتهم، وإعلائهم على الرؤوس ورفعهم، اختيارا لرأي من زاد في العناية بالعترة الطاهرة وأربى، وأتمارا بقوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى
«2» خصوصا نقابة الأشراف، والنّظر فيما لهم من الأوقاف؛ فهي شاملة جمعهم، وجامعة شملهم، وواصلة نفعهم، ونافعة كلّهم، وبفضل مباشرها تسبغ عليهم النّعمة، وتستدرّ ببركة إجماعهم عليه سحب الرّحمة، وبكفالته تجمع المنّة لمراتبهم وأحسابهم، وبإيالته تدفع الظّنّة عن مناقبهم وأنسابهم؛ وهو القائم عن ولاة الأمور من خدمهم بفروض الكفاية، والدّائم الدّأب لمرآة أدبهم لتحسن لهم الرّعاية، فوجب الاحتفال باختيار من يحلّي هذا المنصب الشريف، وتعيّن الابتهال في امتياز من يسبغ عليه هذا الظّلّ الوريف، ممّن قدم في هذه السيادة بيته، وارتفع بخفض العيش لقرابته بعفافه وديانته صيته، وتنزّه عن كلّ ما يشين وتبرّا، واكتسى حلل الفخار العلية ومن أعراض الدنيا الدّنيّة تعرّى.
وكان فلان بن فلان- أسبغ الله تعالى ظلالهم، وضاعف بمعالي الشّرف
جلالهم- ممّن حاز في هذه الخلال المنازع «1» ، وجاز نهاية هذه الخصال بلا منازع، وورد من حياض المناقب الجميلة أعذب المشارع، ودرى المراقي إلى المجد ودرب، وبلغت نفوس محبّيه من مخايل سعوده الأرب، وقرّت عيون أقاربه بما حصل له من القرب، ونشأ في حجر السّعادة، وارتضع لبان الإفادة، ولحق بالسابقين الأوّلين من أهل بيته في الزّهادة، وتبتّل بالإخلاص فظهرت على وجهه أنوار العبادة، وانقطع على العمل، وبلغ من العلوم الأمل: قؤوم تشبّث بالمجرّة وهو شامة في شامه المنسوب:
ورث السّيادة كابرا عن كابر
…
كالرّمح أنبوب على أنبوب
أصل فخار سما، وفرع نجار نما، وغيث فضل همى، أثبت في أعلى المعالي قدما، وناسب قدره سعيه كرما، وجلّت صفات محاسنه اللّائقة، وحلّت الأفواه مدائح سجاياه الرّائقة، وتملّت الألسن وما ملّت ما تملي عنه بالخير كلّ ناطقة.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت أوامره ببرّ آل موالاته ماضية، ونواهيه بقهر أهل معاداته قاضية- أن يستقرّ...... استقرارا يقرّ عين العلا، ويسرّ نفوس أهل الولا، ويضع الأشياء في محلّها، ويسند الأمور إلى أهلها، ويستجلب الأدعية، ويحمل بالولاء الجميل ألوية، ويشرح خواطر الأشراف ويطيّب نفوسهم، ويرفع بعد سجود الشّكر بالدعاء رؤوسهم.
فليباشر هذه الوظيفة مباشرة يقفو بها آثار بيته الطاهر، بعزم كريم: لكلّ مصلح بالخير غامر، ولكلّ مفسد بالضّير قاهر، وحزم حليم: لكلّ حقّ ناصر، ولكلّ كسر جابر، وليصل بالبرّ رحمه، وليلن للضعيف كلمه، وليقم بأعباء هذه الوظيفة قيام عمّه الشّريف وأبيه، وليصم عن أموال الأوقاف صياما يقرّبه الله تعالى به ويجتبيه، ليحمد، هذا المنصب الجليل، في بيته الأصيل، عوده على
أحمد؛ ولينفع قرابته بتثمير أموالهم، وليشفع النهضة بالمعرفة في تثمير غلالهم، لتدرّ بركته أخلاف أرزاقهم، وتقرّ خواطرهم بمضاعفة أرزاقهم وإطلاقهم، ويخصب في جنابه مرعاهم، ويقرّب في بابه مسعاهم، وتنطق بشكره ألسنتهم الشريفة، وتنطبق على صحبته ظلال بيوتهم الوريفة، وليعتبر ويختبر أشغالهم وليمنع شبّانهم من الاحتراف بحرف الأدنياء، وليأمر الآباء بتعهّد تربية الأبتاء، وليأمرهم من العمل بما يناسب معاليهم، وليجبرهم بتدبيره السّديد جبرا يميّزهم بحسن السّمت من أوليائهم: وكلّنا من مواليهم.
والوصايا كثيرة، وعين علومه بتعدادها بصيرة؛ وتقوى الله تعالى لا يهمل النّصّ عليها، والإشارة بحسن البيان وحسن البنان إليها؛ فلتكن ركن استناده، ورأس مال اعتماده؛ والله تعالى يديمه في صعود درج السّعود مدّة حياته، ويجمع له خيري الدنيا والآخرة برفع درجاته.
وهذه نسخة توقيع بنقابة الجيوش بحلب، كتب به ل «- ناصر الدين بن أيتبك» ب «السّامي» بغير ياء؛ وهي:
رسم بالأمر الشريف- لا زال أمره الشريف يعضّد الجيوش بأعضد ناصر، ويرشد أولياء الخدمة إلى ارتقاء رتب المعالي فكلّ إنسان عن إدراك محلّها قاصر- أن يستقرّ فلان- أدام الله توفيقه، وجعل اليمن والسّعد قرينه ورفيقه-
…
استقرارا يظهر ما لم يخف من نهضته وكفايته، ويشهر معلن سرّ يقظته ودرايته؛ لأنّه الفارس الّذي أعزّ كلّ راجل بشجاعته، والممارس الّذي خبر الوقائع بحسن دربته ودراية صناعته، والعارف الّذي اتّصف بالخبرة وحسن الصّفة، وعرف في أموره بالعدل والمعرفة، والهمام الّذي علت همّته فوق كلّ همّة، وكشف بجزيل مروءته من الكربات كلّ غمّة، وسار في الجيوش سيرة والده، فشهد كلّ بما حواه من طارف الفضل وتالده.
فليباشر ذلك: سائرا في الجنود أحسن سيرة، مراقبا الله تعالى فيما يبديه
من القول والفعل والعلانية والسّريرة، ملازما ما يلزمه من حقوق هذه الوظيفة، قائما بما يجب من أداء الخدمة الشّريفة، ولينفّذ ما يؤمر به من الأوامر، عالما بما يتعيّن من حقوق المأمور والآمر، [وليجتهد]«1» في جمع العساكر وإعلامهم بالمهمّات، وليتفقّد أحوال الجند في سائر الأوقات، وليسفر النّقاب عن الوجوه بالحلية يوم العرض، وليسبل حجاب السّتر على من أدركه العجز عن أداء الفرض؛ والوصايا كثيرة لا تحتاج إلى التّعداد، وتقوى الله تعالى هي العمدة في كلّ الأمور وعليها الاعتماد.
توقيع بالمهمنداريّة «2» بحلب، كتب به ل «غرس الدين الطناحي» ب «الجناب العالي» ؛ وهو:
رسم بالأمر الشريف- لا زالت عزائمه تندب للمهمّات من غرست برياض وليّه أدواح الهمم فزكا غرسا، وتقرّر لها من شاب فوده في إفادة الوفود فأجاب قصدا وأطاب نفسا، ولا برحت عنايته تشمل من أولياء خدمها كلّ شهم إذا سلّ عضبا أزال نفسا وأسال نفسا، وتعيّن من أعيانهم كلّ جميل يودّ المنافس لو شاهده ولا تبخس يد الرّقيّ منه نفسا- أن يستقرّ............ لأنّه ذو الهمم الّتي لا تلحق جيادها، ولا تسبق جودة جيادها «3» ، لا منتهى لصغار هممه فأنّى تدرك كبارها، ولا تدرك سوابقه فأنّى تقتفى آثارها؛ له قدم إقدام في الثّرى لا يزال «4» راسخا، وهامة همّة لم يزل شرفها على الثّريّا باذخا، ولأنّه الفارس
الذي تفرّست في مخايله الشّجاعة، وتبضّع الشّهامة في الحروب فكانت أربح بضاعة؛ كم أزرت سمر رماحه بهيف القدود، وأخجلت بيض صفاحه كلّ خود أملود «1» ، وكم جرّدت من مطربات قسيّه الأوتار فتراقصت الرؤوس، وشربت الرّماح خمر الدّماء فعربدت على النّفوس:
له همم تعلو السّحائب رفعة،
…
وكم جاد منها بالنّفائس والنّفس!
وتجنى ثمار الفضل من دوح غرسه!
…
ولا غرو أن تجنى الثّمار من الغرس!
فليباشر هذه الوظيفة مباشرة تحمده فيها الورّاد، وتشكره بالقصد ألسنة القصّاد، وتذكره البريديّة «2» بالخير في كلّ واد، وليهيّء لهم [من القرى ما يهيّئه]«3» المضيف، وليحصّل لهم التّالد منه والطّريف، وليتلقّهم بوجه الإقبال، وليبدأهم بالخير ليحسن له المآل، وليجعل التّقوى إمامه في كلّ أمر ذي بال، وليتّصف بالإنصاف فهو أحمد الأوصاف في جميع الأحوال.
توقيع بتقدمة البريديّة بحلب، كتب به لعماد الدين «إسماعيل» ب «المجلس العالي» ؛ وهو:
رسم بالأمر الشريق- لا زالت عنايته الكريمة تقدّم إلى الرّتب العليّة من بنى أسّ إقدامه من المروءة على أشرف عماد، وتعيّن للمهمّات الشّريفة من امتطى من جياد العزم أسبق جواد، وتندب لها من أولياء خدمه كلّ ندب لم يزل ساعد سعده مبنيّا على السّداد، وتصعد إلى أفقها من ذوي الشّهامة من فاقت بيمينه الصّعاد- أن يستقرّ.......: لأنّه ذو الهمم الّتي سامى بها الفراقد، والكفء الّذي نشط إلى القيام بالعزائم إذا قعد عنها من ذوي الهمم ألف راقد،
والمقدّم الّذي قدّمه الإقدام على قضاء الأمور المعضلات، وحلّى أجياد ذوي المآرب إذ حلّ لهم منها بيمن عزمه المشكلات؛ ما علا جواد بريد إلّا وسابق الطّرف «1» بل الطّرف إلى المراد، ولا ندب إلى مهمّ للحكم فيه نيلا لأمل إلّا قدح من رأيه في فضائه أورى زناد، والفارس الّذي تمايلت بكفّه العوامل «2» عجبا فأخجلت الأغصان، وحلت إذ حلّت بقلوب الأعداء وإن كانت من المرّان «3» ، والشّهم الّذي سبق السّهم إلى الغرض، والشّجاع الّذي ما أعرض عن محاربة الأقران: فصفّى جوهر شجاعته من العرض، واليقظ الّذي لم يكن يناظره إنسان، ولا انطبق على أسيافه المسهّدة بيمينه أجفان.
فليباشر هذه التّقدمة مباشرة يشهد الحاسد له فيها بالتقديم، ويقرّ الجاحد أنّه أهدي لما أسدي إليه إلى صراط عزم مستقيم، وليطر إلى قضاء المهمّات الشريفه بأجنحة السّداد، وليمتط من جواد الجوادّ «4» أسبق جواد، وليسوّ بين البريدية في الأشغال، وليقبل عليهم فيما يرومونه من حسن السّفارة بوجه الإقبال، وليسلك سنن الصّدق والتّقوى وليجعلهما له أحسن سنّة، وليلبس سوابغ الإنصاف فإنّها من سهام الخلل جنّة.
نسخة توقيع بنيابة عينتاب «5» ، كتب به لناصر الدين «محمد بن شعبان» ب «المجلس العالي» عوضا عمن كان بها؛ وهي:
رسم بالأمر الشريف- لا زال إحسانه العميم، يرفع لناصر الدين قدرا، وامتنانه الجسيم، ينفّذ له في حفظ الممالك المنصورة أمرا، ويولّي أمر الرّعية
من حسنت سيرته سرّا وجهرا- أن يستقرّ.........: لأنه شهم سهم عرفانه مصيب، وفارس ربع خبره وخبره خصيب، له مناقب جليلة، وسيرة محمودة جميلة، تنقّل في المراتب تنقّل البدر في سعوده، وارتقى ذروة السيادة ارتقاء الكوكب في منازل صعوده؛ ما باشر مباشرة إلّا ونشرت له بها أعلام شكره، ولا علا منزلة إلّا تليت بها سور حمده وذكره؛ لم يزل متّبعا للحقّ في أحكامه، سالكا سبل الصّواب في نقضه وإبرامه؛ فتح له إقبالنا الكريم بابه، فلذلك قدّم على غيره في هذه النّيابة.
فليباشرها مقتفيا آثار العفاف، مرتديا أردية العدل والإنصاف، مقيما منار الشرع الشريف، منصفا من القويّ الضّعيف؛ والله تعالى يوفّقه للصواب فيما تولّاه؛ والخطّ الكريم شاهد أعلاه.
قلت: وعلى نيابة عينتاب هذه يقاس ما في معناها من نيابات العشرات «1» ، فيجري الحكم في تواقيعها كذلك. أمّا الطبلخانات «2» فقد تقدّم أنّ الأصل أنّه لا يولّى فيها إلّا من الأبواب السلطانية.
وهذه نسخة مرسوم بإمارة الرّكب الحلبيّ المتوجّه إلى الحجاز الشريف، كتب به لشهاب الدين «أحمد بن الطنبغا» ب «الجناب الكريم» .
والبياض «3» فيه وصل واحد؛ وهي:
رسم بالأمر العاليّ- لا زال يمنح وفد الله تعالى بمن لم يزل شهاب هممه في أفق الصيانة منيرا، ويسند أمرهم إلى كلّ ندب لا يزال على الحقّ ظاهرا وعلى ذوي الباطل ظهيرا- أن يستقرّ فلان من أعيان الموالي الأمراء الطبلخانات
بحلب المحروسة- أعزّ الله تعالى نصرته- أميرا على ركب الحاجّ الحلبيّ في هذا العام المقبل، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، حسب ما رسم به، استقرارا يحمد به الوفد عند صباح هممه السّرى، ويبلغ بهم قرى الغفران بأمّ القرى، وينال به طيب العيش بطيبة وطابة «1» ، ويدرك بجياد فضله آرابه، ويمنح به زيارة سيّد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام، ويفوّق به سهم إصابته من البشر إلى مرامي المرام، ويشهد به بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنّة، ويلبس به سوابغ القبول لتكون له من سهام الذّنوب أوقى جنّة، ويتردّى [به] برود التّقى حين ينزع محرّمات الإحرام، ويقبل به على ذكر الله تعالى في الوهاد والبقاع والآكام، ويستقبل به حرم بيت الله الحرام، ويشبّ له الهنا حين دخوله المسجد من باب بني شيبة، ويتعاطى به أسباب التّوبة، لينال من العفو من الله الكريم سيبه، ولا يقتصر به عن التّطاول إلى الدعاء إلى الله تعالى لتعمّه الرحمة بفضله وطوله، ويدخل به حرما آمنا يتخطّف الناس من حوله، ويفتح به إلى المقام بابا من الأمن إلى يوم القيامة مقيم، ويذكر بوقوفه بعرفات وقوفه يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
«2» فليباشر هذه الإمرة المباركة مباشرة يتيقظ منها لهجر المنام، وليصرف وجه سهامه إليها في المسير والمقام، ولينفق على الحاجّ من كنوز معدلته، وليجعل القيام بمصالحهم من أكبر همّته، وليسع بالصّفا في حراستهم من أهل الفساد، وليعتمد صونهم من ذوي العناد، وليعاملهم بالإرفاد والإرفاق، وليقطع من بينهم شقّة الشّقاق، وليجعل تقوى الله إمامه في القول والعمل.
وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الدينية بحلب:
توقيع بقضاء القضاة، كتب به لقاضي القضاة جمال الدّين «إبراهيم «3» بن
أبي جرادة» قاضي قضاة حلب المحروسة الشهير ب «ابن العديم» من إنشاء
…
«1»
…
الحنفي ب «المقرّ الكريم» ؛ وهو:
الحمد لله الّذي رفع مراتب المناصب العليّة وكساها من ملابس أهلها حلل الجمال، وجمع شملها فاقترنت بإلفها اقتران النّيّرين: شمس الضّحى وبيت الكمال، ورفع عنها يد المتطاول والمتناول فأصبح رقم طرازها الموشّى منتسجا على أحسن منوال، وقطع الأطماع عن إدراك شأوها فلا يصل إليها إلّا كلّ فحل من الرجال.
نحمده على نعمه الّتي اعترف من اغترف من بحرها الوافر بالخير الكامل والفضل المديد، واقترف من اقتطف ثمار جودها جميل النّوال المفيد، وجزيل الإحسان العديد، حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده، ويعمّ بالإنعام الشّامل نائله ومريده، ونشكره على مننه الّتي يقصر لسان الإطناب عن حصرها وتعدادها، وتعجز بنات الفكر عن إدراك وصفها وتردادها، شكرا ينال به العبد رضا المعبود، ويبلغ به من مقاصد الكرم والجود غاية المقصود، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ولا ضدّ، ولا والد له ولا ولد ولا ندّ، شهادة تبيّض وجه قائلها عند العرض، وينطق بها لسان التوحيد يوم تبدّل الأرض غير الأرض، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي أظهر الله به الحقّ وأعلنه، وبهر بحقائق معجزاته العقول فاعترف كلّ بصحّة ما عرّفه وبيّنه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نصر الله بهم الإسلام وأبّد أحكامه، وأحكم بهم مباني الإيمان المنيرة وأيد إحكامه، صلاة تتعطّر بنفحات عرفها أرجاء المدارس، وينادي لسان فضلها لرائد فرائد المعالي على طول المدا: رس «2» ، وسلّم ومجدّ وكرّم، وشرّف وبجّل وعظّم.
وبعد: فإنّ أولى من لحظته عين العناية والقبول، وأجدر من بلغ من مقاصد المناصب العلية غاية القصد والسّول، وأعزّ من رقي ذرا المعالي وارتقى، وأجلّ من وصف بالأوصاف الجميلة ونعت بالدّيانة والتّقى- من سارت سيرة فضله في الآفاق، ودلّ على صفاء السريرة منه حسن الأخلاق، واشتهر بالعلوم الجزيلة، والمناقب الجليلة، وعرف في الإنصاف بالأوصاف المحمودة والخصال الجميلة، وأظهر من العلوم الشريفة، ما حيّر العقول، وحقّق من المسائل اللّطيفة، ما جمع فيه بين المنقول والمعقول، ودقّق المباحث حتّى اعترف بفضله الخاصّ والعام، وفرّق بين الحقيقة والمجاز فلا يحتاج إلى استعارة إذا تشبّه الأخصام، وحكم بما أراه الله فأحكامه مرضيّة، وقضاياه في الجملة قد أنتجت فهي مقدّمة في كلّ قضيّة، وثابر على إلقاء الدّروس في وقتها وأوانها، وقرّر كلّ مسألة في محلّها ومكانها، وأفاد طلّاب العلم الشريف من فوائده الجمّة، وكشف لهم عن غوامض المباحث فجلا عن القلوب كلّ غمّة، وجال في ميادين الدّروس فحيّر الأبطال، وحاز قصب السّبق في حلبة اللّقاء فردّ متأسّفا كلّ بطال، ونظر في أمور الأوقاف بما أراه الله فأتقن بحسن النظر وجه ضبطها، وأجرى أمور الواقفين على القواعد المرضيّة فوافق المشروط في شرطها، وجمع ما تفرّق من شملها فأجمل وفصّل، وحفظ أموالها فحصّل وأصّل؛ فهو الحاكم المشهور بالعدل والمعرفة، والناظر الّذي حمدت الأمور تصرّفه، والإمام الّذي ائتم الأنام بأقواله وأفعاله، والعالم الّذي يحمد الطالب إليه شدّ رحاله، والمدّرس الّذي أفاد بفقهه المفيد النافع، وترفّع في البداية والنّهاية فهو المختار في المنافع، وسلك منهاج الهداية، فنال من العلوم الغاية؛ فبدائع ألفاظه لعقائد الدّين منظومة، وكنز عرفانه عزيز المطلب ومحاسنه المشتملة على الكمال معلومة.
ولما كان فلان- أعزّ الله تعالى أحكامه، وقرن بالتوفيق والسّداد نقضه وإبرامه، هو المشار إليه بالأوصاف والنّعوت، والمعوّل عليه إذا نطق بالفضائل والحاضرون سكوت، والمشكور أثر بيته المشهور، والمنشور علم علمه من
السّنة والشّهور؛ يا له من بيت لم يزل معمورا بالتّقوى والصّلاح، محميّا بأسلحة أهله: فمن أحكامهم السّيوف ومن أقلامهم الرّماح؛ فهو العديم المثل وبيته العديم، وحرم فضل يحجّ إليه الرّاحل والمقيم؛ فاستحقّ أن تقابل مقاصده بالإقبال، ويقابل بما يؤمّله مقابلة مثله ولا كسائر الأمثال.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت مراسمه المطاعة تقرّ الحقّ في يد مستحقّه، وتردّ الأمر إلى وليّه ومالك رقّه، وتسوق هدي الإحسان إلى محلّه، وتضع الاستحقاق في يد مستحقّه والحقّ وضع الشّيء في محلّه- أن يستقرّ......... بحكم ظهور الحقّ بيده المباركة، وخفاء الباطل الّذي ليس له في الحقّ مشاركة، استقرارا مباركا ميمونا، بالخير والسّعد مقرونا؛ لأنّه الأحقّ بأمر وظائفه، والطائف حول حرمها الممنوع طائفه، وأولى من عقلت عليه عقيلته، وردّت إليه فريدته، وباشر بنفسه الكريمة ما عهد إليه سلفه، وانفرد به فلا يناله- إن شاء الله- إلّا خلفه؛ طالما ألفت منه الأوقاف منّ الشّفقة والخير، وحفظ جهاتها المحميّة عن تطاول يد الغير، ونعم بحسن نظره من المدارس كلّ دارس، وفازت منه الدّروس بالعالم العارف والبطل الممارس.
فليباشر ذلك على ما تقدّم له من حسن المباشرة، وليجتهد- على عوائده- في تحصيل ريعه مثابرا على الأجور أشدّ مثابرة، وليصرف أموال الأوقاف في مصارفها، بعد العمارة والتّثمير المبدّأين في شرط واقفها، وليسوّ- على مقتضى معدلته- بين القويّ والضعيف، والشابّ الصّغير والشّيخ النّحيف، على قدر تفاوتهم في العلم الشريف، وليطلق لسانه في إلقاء الدّروس على عادته، وليمهّد للمشتغلين طريق الفهم لينالوا من إفادته؛ وهو بحمد الله تعالى أولى من أدّى الأمور على الوجه المستقيم، ووفّى المناصب حقّها فإنّ الوفاء جدير ب «- إبراهيم» «1»
والوصايا كثيرة وإليه مرجوعها، ومن بحار علمه ودينه المتين ينبوعها؛ والله تعالى يؤيّد به المناصب، ويرفع بعلوّ رتبته المراتب.
نسخة توقيع بخطابة جامع، كتب به لقاضي القضاة «كمال الدين عمر» ابن قاضي القضاة جمال الدين إبراهيم «1» بن أبي جرادة الحنفيّ، الشهير بابن العديم ب «المقرّ الشريف» وهي:
رسم بالأمر الشريف- لا زالت عنايته ترقّي في منازل المجد من تتأثّل بفضله بهجة وكمالا، وتذلّل جيادها لفرسان الفضائل فتجيد لهم في ميدان البلاغة مجالا، وتسلّم رايتها [إلى من صدق بارق سعده، ووهب من العلم]«2» ملكا لا ينبغي لأحد من بعده- أن يستقرّ...... لأنّه الإمام الّذي [لو]«3» تقدّم عصره لكان أحد أئمة الاجتهاد، والعارف الّذي بلغ بولايته مريد الفضل غاية المراد، والعالم الّذي وجدت أخبار علومه نسبة يطابقها في الخارج صالح العمل، واتبع سنن الكتاب والسّنّة فلم يتخلّل طريقته المثلى خلل، والمحقّق الذي وجد إلى كنه الحقيقة أكمل مجاز، والمفوّه الّذي بلغ من البلاغة في كلام البشر حدّ الإعجاز؛ إن خطب شنّف بدرر مواعظه الأسماع، وشرّف بغرر فرائده الأسجاع، واهتزّت أعواد المنابر طربا لكلمه الطّيّب، وروّى أوام «4» القلوب سحّ فضله الصّيّب، وإن قرأ في محرابه أقرّ بفضله الجمع الجامع، واستقلّ «ابن كثير» حين وجد «الكسائيّ» عاريا مما لديه وفضله الجمّ أكمل «نافع» :
خطيب إذا الصّادي تصدّى لفضله:
…
ليروى، فأنواء العلوم تغيثه!
وإن يرو للجلّاس أخبار أحمد،
…
فخير جليس لا يملّ حديثه!
وهو الكامل الّذي أدرك درجات الكمال في البداية فأمن في النّهاية وهو قاض من النقص، وسارت عيس الطّلّاب إلى حضرته الكريمة واحدة ولكن بالنّص، والصّاحب الّذي استصحب يسار العفاة باليمين، وأزال ظنّ قاصده في برّه الشامل باليقين؛ كم أطلق بأقلامه المفيدة مكرمة بصلة الأرزاق، ونسخ بمحقّق فضله رقاع «1» الأول بالعطاء على الإطلاق، ولو نظر الملكان: هاروت وماروت ما ملكه من كتابته السّاحرة لأقرّا أنّه السّحر الحلال، ولو قابله «ابن هلال» لا نخسف بدر فضله عند الكمال:
ففي كفّه الأقلام تهزأ بالقنا،
…
وتخشى سطاها الأسد في غاب غابها!
يروع سيوف الهند وري «2» يراعه،
…
وقد طار من خوف حديد ذبابها!
فليباشر هذه الخطابة مباشرة ترشف منها كؤوس كلمه الأسماع، وليكشف لها عن وجوه فضائله القناع، ولينثر عليهم من درر بلاغته ما تلتقطه أفواه المسامع، ولينشر من طيّ لسانه علم علمه الّذي لا يقاس عليه غيره أبى الله والفارق الجامع، وليطرب بمواصيل أسجاعه القاطعة بفضائله المكمّلة، وليظهر ما جمعه من محاسنه الّتي هي الجمع الّذي لا نظير له، ولينفق على الجمع يوم الجمعة مما آتاه الله تعالى من كنوز الفضائل، وليبلّغهم من بلاغته التي أخملت ذكر «قسّ» و «سحبان وائل» ؛ وأنت- أسبغ الله تعالى ظلالك- معدن الفضائل فأنّى تهدى إليك الوصايا؟، والمتصف بصفات الكمال فكيف تعرض عليك المزايا؟؛ ولكنّ الوصية بتقوى الله تعالى من شعائر الإسلام، والله تعالى يديمك غرّة في جبهة الأيّام.
وهذه نسخة توقيع بتدريس بالجامع المذكور، كتب به للقاضي علاء
الدين «عليّ الصّرخديّ» الشافعيّ، نائب الحكم العزيز بحلب ب «المقرّ العالي» ؛ وهي:
رسم بالأمر- لا زالت صدقاته تمنح دروس العلم الشريف بعلّي العلوم، وتندب لها من ذوي الاجتهاد من ساير بهممه البرق وسائر النّجوم، وتقرّر للطّلبة من أولى العناية من حقّق الفضائل واطّلع على سرّها المكتوم، وتدير عليهم من مشرب فوائده ما يخال أنّه الرّحيق المختوم- أن يستقرّ فلان......... استقرارا تقرّ به أعين الطّلّاب، وتلمح من صوب فضله عين الصّواب، ويشيّد به دارس الدروس، ويطلع به في سماء الفضائل أنور شموس، وتنشر به أعلام العلوم من طيّ الألسنة، ويذهب من كلّ الطّلبة في تحصيل العلم الشريف وسنه، لأنّه الحبر الّذي شهدت بفضله الأسفار، ورحلت إلى فوائده الجمّة السّفّار، والبحر الّذي جرت سفن الأذهان به فلم تدرك غاية قراره، وعجزت الأمثال عن خوض تيّاره، والعالم الّذي أقرّ بعلمه الأعلام، وشهدت بإحكام أحكامه الأحكام؛ ما برز في موطن بحث إلّا وبرّز على الأقران، ولا جاراه مجتهد إلّا وكانا كفرسي رهان، ولا نطق بمنطق إلّا وأنتجت مقدّمات هممه العليّة واجتهاده على فضله أكمل برهان، ولا أجرى جياد علومه إلى غاية إلّا مطلقة العنان، ولا رآه من أخبر عن فضله إلّا تمثل له: ليس الخبر كالعيان؛ إن تصدّر للفوائد التقطت الأسماع درّ علمه النفيس، وإن درّس تخال الطّلبة أنّه «ابن إدريس» ؛ فهو طود فضل لا يسامى علّوا ورفعة، ولا ينوي مناو أته مناويء ولو كان «ابن رفعة» :
إمام غدا للسّالكين مسلّكا،
…
عليم، وكم أولى الفضائل من ولي!
علا فأسال البحر من فيض علمه!
…
وذلك سيل جاء بالفضل من علي!
فليباشر هذا التّدريس المبارك مباشرة يثبت بها فوائده، وينثر بها فرائده، ويطرب الطّلّاب بطريف العلم وتالده، ويجمع لهم من صلة الفضل وعائده،
وليلازم المباشرة ملازمة لا ينفكّ عنها أيّام الدّروس، ولينر القلوب بمصابيح الكتاب والسّنة ويسرّ النفوس.
وأنت- أمتع الله بفوائدك- من نورك الوصايا تقتبس، وكم آنس الطّالب نار فضلك فأتى منها بأنور قبس؛ والله تعالى يبقيك للعلوم كنزا لا تفنى مواهبه، ويديمك للطّلّاب بحرا لا تنقضي عجائبه.
وهذه نسخة توقيع بتدريس بالجامع المذكور لحنفيّ، كتب به للشّيخ شمس الدين «محمد القرميّ» «1» الحنفيّ، ب «الجناب العالي» ؛ وهي:
رسم بالأمر- لا زالت عنايته الكريمة تطلع شمس الدّين للهداية في أفق المدارس، وتشيّد بالعلماء الأعلام من ربوعها كلّ دارس، وتمنح الفقهاء بمن إذا تصدّى للإفادة جادت نفسه بالدّرر النّفائس، وتندب لها من أولي البلاغة من إذا ألّف فصلا وجدت غصون أقلامه في روضات الطّروس أحسن موائس- أن يستقرّ فلان: استقرارا تجمّل به الدّروس بالفوائد، وتمنح الطّلبة منها بالصّلة والعائد، ويمدّ لهم من موادّ العلوم أشرف موائد، ويوردهم من مناهلها أعذب موارد، لأنّه شمس العلوم ومصباحها، وقمر ليل المشكلات وصباحها، وساعد الفتاوى الطائرة بفضائله في الآفاق وجناحها، وروح كؤوس العلوم وراحها، وطليعة الحقائق وعنوانها، وعين الدقائق وإنسانها، والإمام الّذي أئتمّ به الطلّاب فاستحقّ الإمامة، والعالم الّذي اجتهد على فضل العلوم فاستوجب أن ينعت بالعلّامة، والفاضل الّذي ضبطت أقواله للاطّلاع على سرّها المكتوم، فاختصّ فعل علمه المتعدّي باللّزوم لاتّصافه بالعموم؛ كم التقطت من دروسه الجواهر، وتمثل لأبكار فوائده: كم ترك الأوّل للاخر؛ قابلته الأسفار عن وجوه فوائدها
بالإسفار، وأظهرت لذكاء ذكائه ما ضمّته أحشاؤها من الإضمار؛ فهو المختار لهذا التّدريس: إذ درر فوائده منظومة، والمجتبى للإفادة بسلوكه طرق الهداية إلى دقائقها المكتومة، وكم استنارت الطّلبة من سمر فضله حتّى كاد أن يكون ثالث القمرين، وجمع في صدره بحري المنقول والمعقول حتّى قيل: هذا «مجمع البحرين» :
هو البحر، إلّا أنّ فيه عجائبا
…
ووافر فضل ليس يوجد في البحر!
بلاغته السّحر الحلال، وإنّما
…
بديع معانيها يجلّ عن السّحر!
فليباشر هذا التّدريس ناثرا درر فرائده، ناشرا غرر فوائده، جائدا بجياد فضائله السّابقة إلى الغايات، عائدا بصلات حقائقه لتكمل للطّلبة به المسرّات، وليلازم أيّام الدّروس ما أسدي إليه من هذه الوظيفة، وليرتق من درج التّقوى لغرف المعارف الشّريفة.
وهذه نسخة توقيع بإمامة وتصدير بجامع منكلي بغا الشّمسي «1» بحلب، كتب به للشيخ شمس الدين «محمد الإمام» ، ب «الجناب العالي» ؛ وهي:
رسم بالأمر- لا زالت صدقاته العميمة تطلع شمس الدّين في أفق المعالي، وترفع من أوليائه خدمة من جيده بالفضل حالي، وتمنح برّها من أعربت عن لحنه الطّيّب وتشنّفت من فيه باللّآلي، وتسفح غيث جودها على من أجمع على طيب مسامرته ورفع أدعيته الأسماع واللّيالي
…
أن يستقرّ
فلان- أدام الله تعالى ضياء شمسه، وبنى له ربع السّعد من جوده على أسّه...... لأنّه الإمام الذي شهدت بحسن قراءته المحاريب، والآتي من فضل فضائله بالأغاريب، والفاضل الّذي سلك طرق الفضائل أحسن سلوك، وشهد بسبق جياد جوده في حلبة الاختبار كلّ حتّى الملوك، والكامل الّذي كملت أوصافه المحمودة فأمن النّقائص، واختصّ بجميل الشّيم وحسن الخصائص؛ ما أمّ إلّا وشهد بفضله كلّ مأموم، وأقرّوا أنّ أسماعهم ارتشفت رحيق فضائله من كأسها المختوم، وما سامر الخواصّ إلّا وشهد العوامّ بحسن صفاته، ولا حدّث إلّا وكانت الملوك من رواته.
فليباشر هذه الوظائف المباركة مباشرة تقرّ بها النّواظر، وتجتمع الألسنة على أنّه أكرم إنسان وخير ناظر، وليتصدّر لإلقاء الفوائد، وليكسب الأسماع من علمه بالطّريف والتّالد، وليتناول معلومه أوان الوجود والاستحقاق، هنيّا ميسّرا من غير تقييد على الإطلاق، وليتّق الله فيما أسدي إليه من ذلك، وليسلك من سنن التّقوى- بقدم الصّدق- أحسن المسالك.
وهذه نسخ تواقيع لأرباب الأقلام الديوانية بحلب وما معها:
توقيع بكتابة الدّست بحلب، كتب به ل «بهاء الدين بن الفرفور» ونظر بيت المال بحلب، ب «الجناب العالي» ؛ وهو:
رسم بالأمر- لا زال ينظم عقود الإحسان في أجياد أوليائه، ويجزل لهم بوافر نظره وافي عطائه، ويجري بهاء الدّين على أحسن نظام فينجز له عدة وفائه- أن يستقرّ......... استقرارا يبلغ به وجوه الآمال، ويكسو الدّواوين ملابس البهاء والكمال، ويزيدها رفعة بما يفضله من ذلك الجمال؛ لأنّه الفاضل الّذي إذا قصد المعانيّ أصاب، وإذا سئل عن كلّ معنى لطيف أجاد وأجاب، والفصيح الّذي إذا تكلّم أجزل وأوجز، وأسكت كلّ ذي لسن بفصاحته وأعجز، والبليغ الّذي أبدع في مكاتباته بمنثوره ومنظومه، واللّبيب الّذي أطلع من أزهار كلمه المسموعة في رياض الطّروس ما يخجل الرّوض إذا افتخرت
بمشمومه، والكاتب الّذي قطعت بمعرفته الأقلام، والحاسب الّذي عقدت على خبرته خناصر الأنام، والأديب الّذي جمع بين «1» قلم الإنشاء الشّريف، وحاز ما في ذلك من تالد وطريف؛ فلله درّه من كاتب زيّن الطّروس بحسن كتابته، وجمّل الألفاظ والمعاني بجميل درايته وفصاحته.
فليباشر ما عدق به من ذلك مباشرة مقرونة بالسّداد، مشكورة المساعي والاعتماد، مظهرا براعة يراعه، باسطا يد إيداعه الجميل وإبداعه، مفوّفا حواشي القصص بتوقيعاته، موشّيا برود الطّروس بترصيعاته وتوشيعاته، ناظرا على اعتماد مصالح بيت المال المعمور، وتحصيل حواصله على الوجه المشهور والطّريق المشكور، عاملا بتقوى الله عز وجل في ضبط مصالح ديوان الجيوش المنصورة، سالكا من حسن الاعتماد طرقا على السّداد والتّوفيق مقصورة؛ والوصايا كثيرة وتقوى الله تعالى عمادها، فليجعلها عمدته فيما يتمّ به للنفس المطمئنة مرادها؛ وليتناول معلومه المستقرّ لذلك أوان وجوبه؛ والله تعالى يبلّغه غاية قصده ومطلوبه.
توقيع بصحابة ديوان الأموال بحلب، من إنشاء ابن الشّهاب محمود، كتب به للقاضي شمس الدّين «محمد بن محمد» ، أحد كتّاب الدّست بحلب، ب «المجلس العالي» ؛ وهو:
رسم بالأمر- لا زالت صدقاته العميمة تسرّ نفوسا، وتطلع في هالات الوظائف السّنيّة عوض الشّمس شموسا، وتسقي غرس نعمائها الهبات الهنيّة فتزهي أغصانا يانعة وغروسا- أن يستقرّ......: لأنّه الأوحد الكامل، والرئيس الفاضل، ولأنّه حاز قصب السّبق في المباشرات، والمناصب الجليلة والمراتب السّنيّات؛ طالما بذل جهده في خدمة الدّول، وسلك بجميل مباشرته طريق السّلف وسبيل الأول، فأدرك بحسن سيرته ويمن طريقته نهاية السّؤل
وغاية الأمل، وأتى الأمور على قدر ولا يقال: على عجل، ولأنّه الأمين في صنعة الإنشاء، والتابع في فنه فنون الأدباء؛ إن رقم الطّروس طرّز، وإن بارز الأقران في مواطن الافتخار برّز، وإن بسط الجرائد، تغار من حسنهنّ الخرائد؛ طالما نطق بالحكم، واشتهر بين أصحابه مثل اشتهار النّار على علم؛ نظم المحاسن في نثره البديع، وجمع بين الأضداد فيما يبديه من الإنشاء ويحلّيه من التّصريع؛ قدمت هجرته في الخدمة الشريفة، واقتطف من زهر الصّدقات الشريفة أحسن منصب وأجمل وظيفة، وتحلّى جيده بالقلائد، وحصّل بسعيه مجموع الفرائد، فعادت عليه الصّدقات الشريفة بأجمل العوائد؛ قد استحقّ التقديم، واستوجب من الصّدقات العميمة نهاية التّكريم.
فليباشر هذه الوظيفة مباشرة حسنة الآثار، جميلة الإيراد والإصدار، ناظما بقلمه الحساب على أنواعه، محكما له على سداد أوضاعه، وليطلع شمسه في سماء هذه الوظيفة، وليجن من روضها الأريض كلّ يانعة لطيفة، وليعلم أنّ هذه بوادر خير سرت إليه، وسوابغ نعم خلعت عليه، وأنّ الصدقات العميمة لا بدّ أن توليه بعد ذلك برّا، وتترادف عليه تترى، وتعلي له بين رفاقه المرفقين قدرا؛ ومثله لا ينبّه على وصيّة، لا دانية ولا قصيّة؛ لكن التقوى لا بدّ منها، ولا يجوز أن يغفل عنها؛ فليجعلها اعتماده في كلّ الأمور، وليتناول معلومه المقرّر له على الوظيفة المذكورة في غرر الشهور؛ والله تعالى يضاعف له بمضاعفة الصدقات عليه أوقات السّرور، ويقيه بلطفه كلّ محذور.
توقيع بنظر بهسنى «1» ، من عمل حلب، كتب به لفتح الدين «صدقة بن زين الدين، عبد الرحيم المصريّ» ، ب «المجلس السامي» ؛ وهو:
رسم بالأمر- لا زالت صدقاته العميمة تفتح لأولياء خدمته أبواب الخيرات، ولا برحت تهدي إليهم أنواع المسرّات- أن يستقرّ.........
في وظيفة النظر بمدينة بهسنى المحروسة عوضا عمّن بها، بالمعلوم الّذي يشهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت، على العادة في ذلك والقاعدة، استقرارا يسرّ خاطره، ويقرّ ناظره؛ لأنّه الماهر في صناعته، والرّابح في متاجر بضاعته.
فليباشر هذه الوظيفة مباشرة حسنة، لتصبح الألسنة بشكرها معلنة، وليصرّف قلمه فيما يعود نفعه عليه، وليجتهد فيما يستجلب الأثنية «1» إليه، وليقبض معلومه أوان وجوبه هنيّا، وليتناوله بيد استحقاقه مريّا؛ والوصايا كثيرة وهو- بحمد الله تعالى- غير محتاج إليها، لأنّه الفاعل لها والدّالّ عليها؛ وتقوى الله تعالى عمادها، وبه قوامها وسنادها؛ فليتمسّك بسببها في الحركات والسّكنات، والله تعالى يهيّء له أسباب المسرّات.
توقيع بكتابة الإنشاء ونظر الجيش بدبركي «2» ، كتب به للقاضي شهاب الدين «أحمد بن أبي الطيب العمريّ العثماني» ، ب «الجناب الكريم» ، وهو:
رسم بالأمر- لا زال يجمّل الثغور بمن تزهو برحيق كلمه الطيب [المناصب]«3» ، ويكمّل محاسنها بمن لم تزل الصّحف تقود من جياد فضله أجمل جنائب، وحباها بشهاب يهتدى إلى المقاصد بنجم رأيه الثّاقب، وسرّها بكلّ ندب لم تزل كتبه تردّ من الدّعّار الكتائب- أن يستقرّ...... في وظيفتي كتابة الإنشاء الشريف والجيش المنصور بدوركي المحروسة، عوضا عن فلان،