الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتّى ينقّوا من بردة الهوى المضرّة ويغتسلوا بحارّ مجاري دموع الخشوع ويلبسوا جديد ملابس التّقى ويغدوا من الحبائب. ومنه تعرف الوصايا، وعنه تنقل المزايا، وكرم الأخلاق والسّجايا؛ وليأمر السالكين بمداومة الأعمال الّتي قامت بحسن العقائد واستقلّت، وليحضّ المريدين أوائل التّسليك على ذلك فإن أحبّ الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلّت، وليعرّفهم المحبة بذكر الله لئلّا يقوموا على قدم الهيام، وليبيّن لهم المعنى إذا لم يعرفوا المعنى ليقطعوا الهواجر في طلب الصّيام، وليفرّق بين الواردات بملازمة الأوراد لئلّا يقعوا من الاشتباه في حيرة، وليأمرهم بادّخار العمل الصالح لتكون التقوى لقلوبهم قوتا والزّهد ميرة، وليقمع أهل البدع، وليرفع من اتّضع، وليتفقد أحوال أوقافهم بجميع الخوانق والرّبّط والزوايا بالجميل من النّظر، وليزد في الأجور بما يؤثّر فيها نظره الذي ما زال لهم منه أوفر نصيب فحبّذا العين والأثر؛ والوصايا وإن كثرت فهو مفيدها وعنده منبعها، وتقوى الله الّذي هو شيخها ومريدها في بيته المبارك حلاوة ذوقها ومجمعها؛ والله تعالى يكلؤه في اللّيل والنهار بآياته البّينات، ويرفعه بها ويرقّيه إلى أعلى الدّرجات.
المرتبة الثانية (من تواقيع مشايخ الأمكنة بحاضرة دمشق- ما يفتتح ب «أمّا بعد حمد الله» ؛ وفيها وظائف)
نسخة توقيع بمشيخة إقراء القرآن، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به للشيخ شهاب الدين «أحمد بن النقيب» ب «المجلس العالي» ؛ وهي:
أمّا بعد حمد الله رافع شهب الهدى أعلاما، وجاعل رتب أفضلها أعلى ما، ومحلّ أحمدها من مدارس الآيات منازل بدر إذا محا المحاق من هذا اسما أثبت من سموّ هذا قمرا تماما، ومسكنه من مواطن الذكر جنّات قوم بارتقائهم وبقاء ذكرهم خالدين فيها حسنت مستقرّا ومقاما، والصلاة والسلام على سيدنا
محمد أرفع من اتّخذ القرآن إماما، وأنفع من عقد استحقاق النّبوّة على حمده خنصرا وجلا الحقّ بهداه إبهاما، وعلى آله وصحبه أمنع من لبس بسرد الآيات درعا واقتسم من بركتها سهاما- فإنّ وظيفة يكون القرآن الكريم، ربيع فصلها وفضلها، ورتبة يكون الذّكر الحكيم، مداوي قلوب جفلها، ومشيخة يكون مريد الآيات البيّنات وارد زوايا أهلها- لأحقّ أن تتخيّر لها الأكفاء من ذوي الفضل الأثير، والأدلّاء على أشرف نتاج الهداية من ذوي الحلم الساكن والعزم المثير.
ولما كانت مشيخة إقراء القرآن بالتّربة المعروفة بأم الصالح بدمشق المحروسة، هي كما يقال: أمّ العلم وأبوه، وأخوه وحموه، وصاحبته وأهل الكتاب والسّنة بنوه، وخلت الآن من شيخ [كان]«1» يحمي حماها، وتقسم الخلوات والآيات من بركته وتلاوته ب «الشّمس وضحاها والقمر إذا تلاها» ، وكان فلان هو الذخيرة المخبوءة لهذا الأمر، وذو السّيرة المحبوّة بهذا الشّرف الغمر، وصاحب القراءة والبيان الّذي لا يعوز زمان طلبته [أبو]«2» عمر ولا أبو عمرو، والجامع لعلوم كتاب الله تعالى جمع سلامة في فنّه، وصحّة في شرف ذهنه، وجواز أمر يشهد أنّ البحر يخرج [لدى]«3» المشكلات من صدره ويدخل عند عقد الحبا في ردنه، والقاريء الّذي إذا قال مبيّنا قال الّذي عنده علم الكتاب، والتّالي الّذي إذا قصر أو مدّ، مدّ إلى سموات العلى بأسباب، والمشير إلى علمه المرسوم بمصحفه فلا عدم إشارته ومرسومه أولو الألباب، والمجلّي وإن سمّاه العرف تاليا، والمنقّب عن غوامض التّفسير: و «ابن النقيب» أولى بسند التّفسير عاليا، والإمام السّنّي وإن سمّاه الشرع الإمام الحاكم دهرا وأقام له في أفق كلّ فضل داعيا، والسّامي الّذي يسلك بفخره على «العراقيّ» أوضح محجّة، والعربيّ الّذي ما «للفارسيّ» دخول في باب تيقّنه وإن جاء بحجّة، وذو
الرّوايات المروية سحائبه، وخلف العلماء الأبيض فما «خلف الأحمر» ممّا يقاربه، ولا «ثعلب» مما تضجّ لديه ثعالبه، ولا «ابن خروف» مما يدانيه وهو «اللّيث» ومن الأقلام مخالبه، وبقية السادة القرّاء المنشد قول الحماسيّ:
وإنّي من القوم الذّين هم هم
…
إذا مات منهم سيّد قام صاحبه!
بدور سماء، كلّما غاب كوكب،
…
بدا كوكب، تأوي إليه كواكبه! «1»
تعيّن أن يخطب لهذه المشيخة خطبة الفتى لاقتبال مجده والشّيخ لتوقيره، ويطلب لهذه الرتبة طلبا يقضي الأمل فيه بعنوان تيسيره.
فرسم بالأمر الشريف أن يستقرّ......: وضعا للأشياء في محلّها، ورفعا لأقدار الأفاضل إلى أعلى رتب الفضل وأجلّها، وعلما بمقدار هذا العالم السابق في أفق الهدى شهابا، المدفّق على رياض العلم سحابا، النّاقل إلى مجالس الاشتغال خطا يقول لها المؤمن بالإكرام والكافر بالإرغام: الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
«2» فليباشر هذه الوظيفة مباشرة مثله من ذوي الأناة والإفادة، وكفاة المناصب الذين على سعيهم الحسنى وعلى الدّولة تصل الزّيادة، وليسلك في الأشغال عادة نطقه الأحسن، وليعامل طلبته في المباحث بغير ما ألفوا من الخلق الأخشن، وليعلم أنّه قد جمع بين برّه وتربة الأمّ كي تقرّ عينها ولا تحزن؛ فليسرّها بنبله، وليبرّها بفضله، وليوفرّ السّعي إليها كلّ وقت في المسير، وليفسّر أحلام أملها فيه فمن مفردات علومه التّفسير، وليحسن لتلامذته الجمع، وليحم حمى رواياتهم من الخطإ ولا عجب أن يحمى حمى السّبع! تاليا كلام ربّه كما أنزل وحسبه، داعيا بنسب قراءته إلى ابن كعب «3» فحبذا نسبه المبارك وكعبه، ناصبا بمنظر شخصه