الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد، فإنّ أولى من عظم شانه، وكرم مكانه، وثبت إمكانه، وأنبت في منابت الرماح قلمه الّذي هو ترجمانه، وبسطت في تشييد الممالك يده وأطلق لسانه- من كان علامة العلم، وغدا بالنشاط في كبره فتيّ السّنّ كهل الحلم، الذي فاق جلالة ونسبا، واستعلى همّة وأدبا، وعرف بالديانة الّتي طار صيتها في الآفاق شرقا ومغربا، والهمّة الّتي سواء عليها أحملت قلما أم انتضت قضبا.
ولما كنت أيّها المجلس الفلاني- أدام الله تأييدك، وتسديدك وتمهيدك، وكبت حسودك، وضاعف صعودك- أنت المعنيّ بهذه المآثر، المنضّدة عليك هذه الجواهر، الدالة على مناقبك هذه المفاخر، الذي وجدناك على الانتقاد تزيد استخلاصا، وتعدو على السّبك خلاصا، فلذلك خرج الأمر الشريف أن توزّر، وتحمى موارد آرائك لتستغزر، ويكون لك الحكم في المملكة الشامية عموما، وتتصرّف في معاملاتها مجهولا ومعلوما، على أكمل قواعد الوزراء وأتمها، وأجملها وأعمّها، متصرّفا في الكثير والقليل، والحقير والجليل، تعزل وتولّي من شيت، وتكفي وتستكفي من ارتضيت. ونحن نوصيك بالرّفق الّذي هو أخلق، والعدل الّذي تستدرّ به سحب الأموال وتستغدق، والحقّ فإن كل القضايا به تتعلّق، ويمن السياسة فإن الرياسة بها تكمل وتعدق؛ وإيّاك والغرض الذي هو يهوي بصاحبه، ويرديه في عواقبه؛ واتّق الله الّذي لا تتم الصالحات إلا بتقواه، واحذر أن تكون مع من ضلّ سبيله واتبع هواه؛ والله تعالى ينجح رجاءك ويوضّح منهجك، ويعلي درجك، ويلقّنك إذا خاصمت واختصمت حججك، إن شاء الله تعالى.
الطبقة الثالثة (من يكتب له مرسوم شريف، وهي على مرتبتين)
المرتبة الأولى (من يكتب له في قطع النصف وهو نائب قلعة دمشق)
إن كان مقدّم ألف كما كان أوّلا، كتب له ب «المجلس العالي» . أو
طبلخاناه كما هو الآن، كتب له ب «السامي» بغير ياء «1» وبالجملة فإنه يكتب له مفتتحا ب «الحمد لله» .
وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة دمشق المحروسة، من إنشاء المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله رحمه الله، وهي:
الحمد لله مشرّف القلاع، ومصرّف رجالها في الامتناع، ومعرّف من جادلها أنّ الشّمس عالية الارتفاع.
نحمده حمدا يشنّف الأسماع، ويشرّف الإجماع، وتحلّق في صعوده الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها لما بقي من قلاع الكفر الاقتلاع، واستعادة ما قرّ معهم من قرى وضاع من ضياع، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي حمى به درّة الإسلام من الارتضاع، وصان به حوزة الحق أن تضاع، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة ما أسبل للّيل ذيل وامتدّ للشّمس شعاع، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن للحصون حواضر كما للبلاد، وحواضن تضمّ بقاياها ضمّ الأمّهات للأولاد، ومعاقل يرجع إليها إذا نابت النّوب الشّداد، ومعاقد يعتصم من منعتها بجبال ويتمسك بأطواد؛ وقلعة دمشق المحروسة هي الّتي تفتخر بقايا البقاع «2» بالاتصال بسببها، والتّمسّك في الشدائد بذيل حسبها؛ لا يهتدى في السلّم والحرب إلا بمنارها، ولا يقتدى في التسليم والامتناع إلا بآثارها، ولا يستقى إلا بما يفيض على السّحب من فيض أمطارها؛ قد ترجّلت لتبارز، وتقدّمت لتناهز، ودلّت بقواها فما احتجبت من سجوف الجبل بحجاب ولا احتجزت من الغمام بحاجز، بل ألقت إلى قرار الماء حجلها «3» ، وأثبتت في
مستنقع الموت رجلها، وكشفت للحرب العوان قناعها، وأشعلت أبنيتها من الذهب شعاعها، وأشغلت أفنيتها البروق أن تطاول باعها، أو تحاول ارتفاعها؛ قد جاورت قبّتها الزّرقاء أختها السّماء، وجاوزت بروجها منطقة البروج اعتلاء، وهي معقل الإسلام يوم فزعهم، وأمن قلوبهم أعاذها الله من جزعهم؛ وقد نزل العدوّ عليها ونازلها زمانا بجموعه وأعانه عليه قوم آخرون، وأقدموا وتقدّموا وهم متأخّرون، وطاولوها فكانت حسرة عليهم، ونكالا لما خلفهم وما بين يديهم، وثبّت الله بها أقدام بقيّة القلاع، وقوّى بعزائمها إقدام من فيها على الامتناع؛ وقلعة الجبل «1» المحروسة وإيّاها كالاختين، وهي لها ثانية اثنين، وكلتاهما لكرسيّ ملكنا الشريف منزل سعيد، ومتنزّه يودّ صفيح الأفلاك لو ترامى إليه من مكان بعيد.
فلمّا رسمنا بنقل من كان في النيابة الشريفة بها في منازلها من مكان إلى مكان، وقدّمناه أمامها كما يهتزّ في قادمة الرمح السّنان، واتّخذنا من بروق عزائمه لبعض ثغورها الضاحكة شنبا، ومن هممه المتّصلة المدد بها ما نمدّ منها إلى سمائها سببا- اقتضى رأينا الشريف أن نعوّل في أمرها المهم، وبرّها الذي به مصالح كثير من ممالكنا الشريفة تتم، ونحلّي مشارفها بمن تضاحك البروق سيوفه في ليل كلّ نقع مدلهم، ونحمي حماها برجل تمنع مهابته حتّى عن نقل الأسنة (؟) طارق الطّيف أن يلم؛ وهو الّذي لا تزعزع له ذرا، ولا يناخ لبادرة سيله في ذرا، ولا يقدر معه الأسد أن يبيت حول غابه مصحرا، ولا الطّير أن يحلّق إليه إلا ماسحا بجناحه على الثّرى، ولا أدلجت إليه زمر الكواكب إلا تقاعست فلا تستطيع السّرى.
وكان فلان هو حامي هذا الحمى، ومانع ما يحلو في الثّغور من موارد اللّمى، وغيور الحيّ فلا تبرز له إلا من عقائل المعاقل قاصرات الطّرف كالدّمى، وحافظ ما استودع من مصون، واستجمع من حصون، واستجهر من
موارد تردها من زرد الدروع عيون، ويفرّق منها المجانيق سحائب ممطرة بالمنون، فصمّم رأينا الشريف على اختياره ليوقّل «1» صهوة هذا الجواد، ويوفّي ما يجب لهذه العقيلة من مرتمق لحظ ومرتمى فؤاد، ويبحث من الشغف بها عن أمل آمل أو مراد مراد، ويعجب من عقيلتها المصونة أن أبراجها تتبرّج وما لنعماها إنعام ولا لسعادها إسعاد.
فرسم بالأمر الشريف العالي المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ- أعلاه الله وشرفه، وأدام في الأرض ومن عليها تصرّفه- أن تفوّض إليه النيابة بقلعة دمشق المحروسة: على عادة من تقدّمه وقاعدته، ومقاربته ومباعدته، وتخلّيه ومساعدته، وكل ما جرت به العوائد في رجائها ورجالها، ومالها ومآلها؛ وهذه نيابة شريفة، وسحابة مطيفة، ونعمة تقابل برعايتها، وتكتم نوافجها «2» بإذاعتها؛ وتقوى الله حلية عنقها، وحلّة أفقها، ومجرى المجرّة إجلالا في طرقها.
فعليك بحفظها ليلا ونهارا، وتفقّد أحوال من فيها سرّا وجهارا، وفتح بابها وغلقها مع الشمس، وتصفّح ما بها من لبس، وتتبّع أسبابها كما في النفس، والتّصدّي لملازمة الخدمة الشريفة في أبوابنا العالية ببابها، والأخذ في أدوات حفظها بمجامع أطرافها دون التمسك بأهدابها، والتّجسّس على من يلمّ فيها جفنه بكرى وما أثقله مناما، وإلزام كلّ واحد بما يلزمه من الوظائف في ليله ونهاره، وإدلاجه وابتكاره، ومن عليه في هذا المعقل إشراف من شرفاته أو تسوّر على أسواره، وإظهار الرّهج «3» والصّيت والسمعة بالاهتمام في كلّ ليلة بزفاف عروسها، وضرب الحرس لنواقيسها، والإعلان لصباح الخير لنا في صبحاتها والدعاء الصّالح في تغليسها «4» ، وصيانة ما فيها من حواصل، أو يصل إليها من
واصل، وما فيها من دخائر، وما في خزائنها العالية من مدد البحر الزّاخر، وما تشتمل عليه دار الضّرب من أموال تضرب للهبات برسمنا، وأموال الناس الّتي حملت إليها لتشرّف نقودها باسمنا، وخزائن السلاح المنصورة وما يستكثر فيها من عدد، وما يستغزر من مدد، والمجانيق الّتي تخطر منها كلّ خطّارة كالفنيق «1» ، وتصعد ومرماها إلى السماء كأنّما تخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكان سحيق، شائلة عقاربها، آفلة بالأعمار كواكبها، والحدوج «2» والقسيّ والرايات وغير ذلك من سلاح، أو دروع تردّ السّهام على أعقابها وتحني قامات العوالي وتضيّق صدور الصّفاح. والبحريّة «3» وغيرهم من رجال هذه القلعة المحروسة من نجوم آفاقها، وغيوم إرعادها وإبراقها، وديمها إذا أسبلت المسالمة ذيولها وأعوانها إذا شمّرت الحرب عن ساقها. وبقيّة المستخدمين وأرباب الصنائع الذين هم عمارة أوطانها، وأمارة العناية بها من سلطانها، فكل ذلك مذخور لمنافع الإسلام، وما ريش السّهم لأنّه في كل ساعة يرمى ولا طبع السيف لأنه في كل بارقة يشام؛ فاحفظ لأوقاتها تلك الموادّ المذخورة، والحظ هؤلاء الرجال فإنهم ظهر العساكر المنصورة، وخذ بقلوبهم وأوصل إليهم حقوقهم، واجمع على طاعتنا الشريفة متفرّقهم وأكرم فريقهم؛ ومنهم المماليك السلطانية وهم إخوانك في ولائنا، والذين تشركهم في آلائنا، وبالغ في حفظ المعتقلين في سجونها، ولفظ المعتقدين خلافا في مكنونها؛ ونحن نعيذها بالله أن نقول: تفقّدها بالترميم والإصلاح، ولكنّا نامرك أن تتعهّدها بما تتعهّده من الزّين الملاح؛ ولك من معاضدة من في ذلك الإقليم، من لك برأيه طريق مستقيم،
ومن تراجعه فيما أشكل عليك من الأمور، وتجد به في طاعتنا الشريفة نورا على نور، واتبع مراسمنا المطاعة فهي شفاء لما في الصّدور؛ والوصايا كثيرة، والله تعالى يجعلك على بصيرة، ويتولّاك بما فيه حسن السّيرة، وصلاح السريرة؛ والاعتماد
…
«1» .
وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة دمشق المحروسة، كتب بها لحسام الدين «لاجين الإبراهيميّ» «2» من إنشاء الشريف شهاب الدين، رحمه الله، وهي:
الحمد لله الّذي صان الحصون بانتضاء الحسام، وزان الملك بارتضاء ذوي اليقظة من الأولياء والاهتمام، وأبان سبيل السّعادة لمن أحسن بفروض الطاعة وأجمل القيام.
نحمده على أن جعل نعمنا لأصفيائنا وافرة الأقسام، ونشكره على أن أقبل عليهم بأوجه إقبالنا الوسام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لعقود إخلاصها انتظام، ولسعود اختصاصها التئام، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي منحه الإجلال والإعظام، ومدحه بالإفضال والإكرام، ورجّحه بمزايا الفضل على جميع الأنام، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه بدور التمام، ورضي عن أصحابه الذين لهم صدق الاعتزام، صلاة ورضوانا لهما تجديد ومزيد وتأييد ودوام، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد: فإن آلاءنا لا تزال تختار الأكفاء، وآراءنا لا تبرح تمنح ذوي
المناصحة الإصفاء، ونعماءنا تديم لملابس إجلالها على أولى الخدم الإفاضة والإضفاء، وتفي بوعود جودها لمن أدام لمناهج المخالصة الاقتفاء.
ولما كان فلان هو الّذي عرفت له في مهمّاتنا خدم سالفة، وألفت منه همّة عليه خصّته بكلّ عارفة، وخوّلناه نعمنا الواكفة، وأهلناه لاستحفاظ الحصون فساعده توفّر التوفيق وساعفه، ونقّلناه في الممالك فسار سيرة حميدة اقتضت لمواهبنا لديه المضاعفة- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نرفع محلّه بأعزّ القلاع، ونطلعه بأفق سعدها أيمن إطلاع، ونندبه لضبطها فيحسن له فيها الاستقرار ويحمد منها له الاستيداع.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت صدقاته تحقّق الأطماع، وهباته تفيض ملابسها الّتي ليس لها انتزاع- أن يستقرّ في نيابة قلعة دمشق
…
فليباشر النيابة بالقلعة المذكورة باذلا الاجتهاد، مواصلا للعزم والسّداد، عاملا بالحزم في كّل إصدار وإيراد، كافلا منها بحسن الاعتماد، حافظا حواصلها من الضّياع، مقرّرا أحوالها على أجمل الأوضاع، وليأخذ رجالها بالائتلاف على الخدمة والاجتماع، وليحرّضهم على المبادرة إلى المراسيم والإسراع؛ وليطالع من أمورها بما يتعين عليه لأبوابنا العالية في المطالعة ويجب لعلومنا الشريفة عليه الاطّلاع، وليراجع كافل الممالك الشامية بما جعلنا لآرائه فيه الإرجاع، وليكن له إلى إشارته إصغاء واستماع، وإلى سبيل هديه اقتفاء واتّباع، وليقف عند ما يتقدّم به إليه فبذلك يحصل له الرّشد والانتفاع، والله تعالى يجددّ عليه سوابغ نعمنا الّتي جادت بأجناس وأنواع، ويجرّد في نصرتنا حسامه الّذي من بأسه الأعداء ترهب وترتاع، ويديم له ولجميع الأولياء من صدقات دولتنا الشريفة الإمتاع؛ والخط الشريف أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.
وهذه وصية نائب قلعة أوردها في «التعريف» :
وعليه بحفظ هذه القلعة الّتي زفّت إليه عقيلتها الممنّعة، وجليت عليه سافرة ودونها السماء بالسّحب مقنّعة، وسلّمت إليه مفاتيحها، وخواتيم الثّريّا أقفال، وأوقدت له مصابيحها، وفتائل «1» البروق لا تشبّ لقفّال. فليبدأ بعمارة ما دعت الحاجة إليه من تجديد أبنيتها، وتشييد أقبيتها، وشدّ عقودها، وعدّ ما لا يحصى [في الذخائر]«2» من نقودها، [وتنبيه أعين رجالها والكواكب قد همّت برقودها]«3» ، والأخذ بقلوب من فيها، وتدارك بقية ذمائهم وتلافيها، وجمعهم على الطاعة، وبذر الإحسان فيهم إذا عرف أرضا تزكو فيها الزراعة، والتّمادي لهم: فربّ رجال تجزى عن عدّة سنين في ساعة، وتحصين هذا الحصن المنيع بما يدّخر في حواصله، ويستمد بعمارة البلاد المختصة به من واصله، وما يكون به من المجانيق الّتي لا ترقى عقاربها «4» ، ولا توقى منها أقاربها، ولا تردّ لها مضارب، ولا يكفّ من زبانى «5» زبانيتها كلّ ضارب، ولا يخطيء سهمها، ولا يخفى بين النجوم نجمها، ولا يعرف ما في صندوقها [المقفل]«6» ، من البلاء المرسل، ولا ما في فخذها المشمّر السّاق من النشاط الّذي لا يكسل؛ وغيرها من الرايات الّتي في غيرها لا تشدّ، ولسوى خيرها لا تعقد، وما يرمى فيها من السهام الّتي تشقّ قلب الصّخر، وتبكي خنساء كلّ فاقدة على صخر «7» ؛ وكذلك قسيّ اليد الّتي لا يد بها ولا قبل، وكنائن السّهام الّتي كم أصبح رجل وبه منها مثل الجبل؛ وما يصان من اللّبوس «8» ، ويعدّ للنعيم والبوس، وما يمدّ