الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلادها بملاحظتك الجميلة، ونمّ أمورها فهي قوام الجنود وهم إلى الثقة في النّصر الوسيلة، وسارع إلى ما ترد به مراسمنا الشّريفة عليك لنهديك إلى صراط مستقيم، وعجّل البريد فإنّك تعلم به ما لست بعليم؛ وبقيّة الوصايا لا حاجة إليها لما تعرفه من قديم، والله تعالى يمتّعك بكلّ خلق كريم؛ والخطّ الشريف أعلاه
…
النيابة الثانية- نيابة الرّحبة
«1»
وهذه نسخة بنيابتها:
الحمد لله الّذي أمدّنا بنصره، وشمل بجود سلطاننا أهل عصره، وأيّده بجنود أوّلها متّصل بأوّل عراقه وآخرها بآخر مصره، وفرّق بسهامه الأعداء في حواصل الطير بين حضنه وخصره.
نحمده حمدا يقوم بشكره، ويحافظ على حسن ذكره، ويستعاذ به إلّا ممّا يدمّر على العدا من عواقب مكره، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة ترغم من جادله بكفره، وتمزّقه بين كل ناب سيف وظفره، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أرسله مقيما لأمره، ومديما في الجهاد لإعمال بيضه وسمره، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه حملة سرّه، ونقلة هديه بأسره، صلاة باقية في الوجود بقاء دهره، راقية ارتقاء زهره.
وبعد، فإنّ الثغور بسدادها، والبحور بأمدادها، والنّحور لا تحلّى بأحسن من حلية نجادها، والممالك المحروسة لا تحرس إلا بشهب خرصانها «2» ، ولا تسقى بأنقع مما تطلّه من الدّماء سحب فرسانها، والفرات لا تحمى مواردها إلا
بأمثال سيوفها القواضب، ولا تمنع مخاوضها «1» إلّا بدم خاضب، والحصون لا يرضى بها كلّ منجنيق غضبان إلا بوصال مغاضب، والقلاع لا تتطلّع عيون ديادبها «2» إلا لمن ماء الكرى في جفونه ناضب، والمعاقل لا تسمح بعقائلها إلّا لمن هو على خطبتها مواظب؛ وكانت الرّحبة- حرسها الله تعالى- هي أوسع مكان رحابا، وأدنى إلى مطر سحابا، وأوثق ما أغلق على البلاد بابا، وأقرب ما سمع حرّاسها في السماء دعاء مجابا، قد ملئت سماؤها حرسا شديدا وشهبا، ومدّت كواكب الدلو واستقت من الغمام قلبا «3» ، وعدّت ما وراء المجرّة فعمّيت دونها المسالك، وحسبت لملك ونسبت إلى مالك؛ ومالك- لا أعني إلّا ابن طوق «4» - خازنها، ومنزل أمن وفي غاب الأسد مساكنها؛ وقد وقفت لبغداد في فم المضيق، وهمّت بلاد العدا أن تخوض الفرات إليها فقالت: ما لك إليّ طريق؛ قد افترّ في وجه العساكر المنصورة ثغرها الضّاحك، وردّ قرن الشمس فرعها المتماسك.
فلما أغمد حسامها المسلول، وأقلع غمامها وكلّ هدب بالبكاء عليه مبلول- اقتضى رأينا الشريف أن نجدّد لعروسها زفافا، ولبيوتها أفوافا، ولسيوفها جلاء، ولسقوفها إعلاء، ونولّيها لمن تكون همّته فيها جديدة الشّباب، أكيدة الأسباب، ليكون أدعى لمصالحها، وأرعى لمناجحها، وأوعى لما يجمعه سمعه من مصالحها، وأسعى في حماية مماسيها ومصابحها؛ وكان فلان هو أصلب من في كنائننا الشريفة عودا، وأنجز وعودا، وأصدق رعودا، وأيمن إذا طلع نجمه
في أفق سعودا.
فرسم بالأمر الشريف أن تفوّض إليه نيابة الرّحبة المحروسة، على عادة من تقدّمه وقاعدته؛ [فليتول ذلك]«1» مقدّما تقوى الله والعمل بما شرع، واتّباع مراسمنا الشريفة فمثله من اتّبع، وحماية أطرافها، من كل طارق إلا طارقا يطرق بخير، وصيانة أكنافها، من كل عصابة محلّقة إلى جوّها كالطّير، وحفظها من عادية كلّ أفّاك وسفّاك، وبادية أعراب وأتراك، وكلّ فارس فرس وراكب بعير، وكلّ وقفة محاصر وحقطة «2» مغير، وجانبي برّ وبحر: في أحدهما المسالك تعمى والآخر لا يعام، وصاحبي سرّ وجهر: هذا تخشى له عاقبة كلام وهذا معاقبة كلام.
وليتخطّف من الأخبار ما تلمع لدينا بوارقه، ويتقطّف من الأقوال ثمراتها ولا يدع كلّ ما تجمعه حدائقه، وليجعل له من المناصحين طلائع ما منهم إلّا من هو في انتهاب الأخبار أبو الغارات، ومن إذا ألجمه الخوف كان له في لمع البروق إشارات، وليتّخذ من الكشّافة من يسبق قبل أن يرتدّ إليه طرفه، ومن الخيّالة من لا يرتدّ عن وقذ «3» الرّماح طرفه، ومن القصّاد من لا يطوي عنه خبرا، ومن الدّيادب من يعيره وقلّ أن تعار العيون نظرا، وليحفظ التّجار في مذاهبهم غدوّا ورواحا، ومساء وصباحا، وليستوص بهم خيرا فإنّهم طالما ازدانت بهم صدور الخزائن على امتلائها انشراحا، وليأخذ منهم ما لبيت المال فكم وجدوا بعطائه أرباحا، وليوصّل إلى أرباب القرارات «4» ما لهم من مقرّر معلوم، وليعطهم ما تصدّقنا به عليهم وهو مشكور وإلّا أعطاهم وهو مذموم،
وليعمّر البلاد بتوطين أهل القرى، وإنامتها بالعدل ملآنة الجفون من الكرى، وليكن للفرات متيقّظا لئلا يطغى بها التّيّار، ويغلب بمدّها المخمر على سكرها من السّكر الخمار، ويقوى على سدّها قبل أن لا يقدر على مقاواة البحار، ويتفقّد مبانيها فإنّها من أسنى ما تتفقّده الأبصار، وليغلق زروعها لتكون:
كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ
«1» ، وليعفّ فإنّ العفاف هو الغنى، وليؤمّن من يليه فإنّ الأمان هو المنى، وليقرّ ما استقرّ بيننا وبين القوم من صلح أكّدت أواخيه، وأصبح كلّ من أهل الجانبين لا يفرّ من أخيه، ولا يرخّص لأحد فيما ينقضه لا في عاجل أمر ولا في تراخيه، حتّى إذا كشفت الحرب عن ساقها، وشدّت عقد نطاقها، فليكن بحسب مراسمنا الشريفة اعتماده في شنّ كلّ غارة، وسنّ كلّ ماض مرهفا غراره «2» ، وجوس خلال ديار العدا واختطاف كلّ قمر من دارة؛ والمحرقات «3» التي لا تحرق نباتا حتى تشبّ في ضلوعهم، والعيّارة «4» فهي الزّلازل الّتي تتساقط منها مباني ربوعهم، وموالاة البعوث: فإنّ كلّ بعث يتكفّل بشتات جموعهم؛ والعمل بكلّ ما ترد به مراسمنا العالية، والمواصلة بكتبه الّتي