الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
32 -
(كِتَابُ الجَنَائِزِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْجَنَائِز، كَذَا وَقع للأصيلي وَأبي الْوَقْت، وَوَقع لكريمة: بَاب الْجَنَائِز وَكَذَا وَقع لأبي ذَر وَلَكِن بِحَذْف لَفْظَة بَاب، والجنائز جمع: جَنَازَة، وَهِي بِفَتْح الْجِيم اسْم للْمَيت الْمَحْمُول، وبكسرها اسْم للنعش الَّذِي يحمل عَلَيْهِ الْمَيِّت، وَيُقَال عكس ذَلِك، حَكَاهُ صَاحب (الْمطَالع) واشتقاقها من: جنز، إِذا ستر، ذكره ابْن فَارس وَغَيره، ومضارعه يجنز، بِكَسْر النُّون. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْجِنَازَة وَاحِدَة الْجَنَائِز، والعامة تَقول: الْجِنَازَة، بِالْفَتْح، وَالْمعْنَى للْمَيت على السرير، فَإِذا لم يكن عَلَيْهِ الْمَيِّت فَهُوَ سَرِير. ونعش، قيل: أورد المُصَنّف كتاب الْجَنَائِز بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة لِأَن الَّذِي يفعل بِالْمَيتِ من غسل وتكفين وَغير ذَلِك أهمه الصَّلَاة عَلَيْهِ لما فِيهَا من فَائِدَة الدُّعَاء بالنجاة من الْعَذَاب وَلَا سِيمَا عَذَاب الْقَبْر الَّذِي يدْفن فِيهِ انْتهى. قلت: للْإنْسَان حالتان: حَالَة الْحَيَاة وَحَالَة الْمَمَات، وَيتَعَلَّق بِكُل مِنْهُمَا أَحْكَام الْعِبَادَات وَأَحْكَام الْمُعَامَلَات، فَمن الْعِبَادَات الصَّلَاة الْمُتَعَلّقَة بِالْإِحْيَاءِ، وَلما فرغ من بَيَان ذَلِك شرع فِي بَيَان الصَّلَاة الْمُتَعَلّقَة بالموتى.
1 -
ومَنْ كانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلاهَ إلَاّ الله
هَذَا من التَّرْجَمَة، وَفِي غَالب النّسخ: بَاب من كَانَ آخر كَلَامه: لَا إِلَه إِلَّا الله، أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من كَانَ آخر كَلَامه عِنْد خُرُوجه من الدُّنْيَا: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَلم يذكر جَوَاب: من، وَهُوَ فِي الحَدِيث مَذْكُور، وَهُوَ لفظ: دخل الْجنَّة، وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مَالك بن عبد الْوَاحِد المسمعي عَن الضَّحَّاك بن مخلد عَن عبد الحميد بن جَعْفَر عَن صَالح بن أبي عريب عَن كثير بن مرّة الْحَضْرَمِيّ عَن معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة) . وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد، وروى أَبُو بكر بن أبي شيبَة بِإِسْنَادِهِ عَن أنس بن مَالك، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (إعلم أَن من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة) . وَفِي (مُسْند مُسَدّد) : (عَن معَاذ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا معَاذ! قَالَ: لبيْك يَا رَسُول الله، قَالَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: بشر النَّاس أَنه من قَالَ: لَا إِلَه إلَاّ الله، دخل الْجنَّة) . وروى أَبُو يعلى فِي (مُسْنده) : (عَن أبي حَرْب بن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ قَالَ: أشهد على أبي أَنه قَالَ: أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن أنادي: أَنه من شهد أَن لَا إِلَه إلَاّ الله دخل الْجنَّة) . وَقَالَ الْكرْمَانِي قَوْله: (لَا إِلَه إلَاّ الله) أَي: هَذِه الْكَلِمَة، وَالْمرَاد هِيَ وضميمتها: مُحَمَّد رَسُول الله. قلت: ظَاهر الحَدِيث فِي حق الْمُشرك فَإِنَّهُ إِذا قَالَ: لَا إِلَه إلَاّ الله، يحكم بِإِسْلَامِهِ فَإِذا اسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ دخل الْجنَّة. وَأما الموحد من الَّذين يُنكرُونَ نبوة سيدنَا مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَو يَدعِي أَنه مَبْعُوث للْعَرَب خَاصَّة، فَإِنَّهُ لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ بِمُجَرَّد قَوْله: لَا إِلَه إلَاّ الله، فَلَا بُد من ضميمة
مُحَمَّد رَسُول الله، على أَن جُمْهُور عُلَمَائِنَا شرطُوا فِي صِحَة إِسْلَامه، بعد التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَن يَقُول: تبرأت عَن كل دين سوى دين الْإِسْلَام، وَمُرَاد البُخَارِيّ من هَذِه التَّرْجَمَة أَن من قَالَ: لَا إِلَه إلَاّ الله، من أهل الشّرك وَمَات لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة، وَالدَّلِيل على ذَلِك حَدِيث الْبَاب على مَا نذْكر مَا قَالُوا فِيهِ، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون مُرَاد البُخَارِيّ الْإِشَارَة إِلَى من قَالَ: لَا إِلَه إلَاّ الله عِنْد الْمَوْت مخلصا كَانَ ذَلِك مسْقطًا لما تقدم لَهُ، وَالْإِخْلَاص يسْتَلْزم التَّوْبَة والندم، وَيكون النُّطْق علما على ذَلِك قلت: يلْزم مِمَّا قَالَه أَن من قَالَ لَا إلاه إِلَّا الله وَاسْتمرّ عَلَيْهِ وَلكنه عِنْد الْمَوْت لم يذكرهُ وَلم يدْخل تَحت هَذَا الْوَعْد الصَّادِق وَالشّرط أَن يَقُول: لَا إِلَه إلَاّ الله وَاسْتمرّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة، وَإِن لم يذكرهُ عِنْد الْمَوْت، لِأَنَّهُ لَا فرق بَين الْإِسْلَام النطقي وَبَين الْحكمِي المستصحب، وَأما أَنه إِذا عمل أعمالاً سَيِّئَة فَهُوَ فِي سَعَة رَحْمَة الله تَعَالَى مَعَ مَشِيئَته. فَإِن قلت: لِمَ حذف البُخَارِيّ جَوَاب: من، من التَّرْجَمَة مَعَ أَن لفظ الحَدِيث:(من كَانَ آخر كَلَامه: لَا إِلَه إلَاّ الله دخل الْجنَّة) ؟ قلت: قيل: مُرَاعَاة لتأويل وهب بن مُنَبّه لِأَنَّهُ لما قيل لَهُ: أَلَيْسَ لَا إِلَه إلَاّ الله مِفْتَاح الْجنَّة؟ قَالَ: بلَى، وَلَكِن لَيْسَ مِفْتَاح إلَاّ وَله أَسْنَان
…
إِلَى آخِره، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه لَا بُد لَهُ من الطَّاعَات، وَأَن بِمُجَرَّد القَوْل بِهِ بِدُونِ الطَّاعَات لَا يدْخل الْجنَّة، فَظن هَذَا الْقَائِل أَن رَأْي البُخَارِيّ فِي هَذَا مثل رَأْي وهب، فَلذَلِك حذف لفظ: دخل الْجنَّة، الَّذِي هُوَ جَوَاب من قلت: الَّذِي يظْهر أَن حذفه إِنَّمَا كَانَ اكْتِفَاء بِمَا ذكر فِي حَدِيث الْبَاب، فَإِنَّهُ صرح بِأَن من مَاتَ وَلم يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة وَإِن ارْتكب الذنبين العظيمين الْمَذْكُورين فِيهِ، مَعَ أَن الدَّاودِيّ قَالَ: قَول وهب مَحْمُول على التَّشْدِيد، أَو لَعَلَّه لم يبلغهُ حَدِيث أبي ذَر، وَهُوَ حَدِيث الْبَاب.
وَقِيلَ لِوَهِبِ بنِ مُنَبِّهٍ: ألَيْسَ لَا إلَهَ إلَاّ الله مِفْتَاحُ الجَنَّةِ؟ قَالَ بَلَى وَلاكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إلَاّ لَهُ أسْنَانٌ فَإنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ وَإلَاّ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ
وهب بن مُنَبّه مر فِي كتاب الْعلم، وَهَذَا القَوْل وَقع فِي حَدِيث مَرْفُوع إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذكره الْبَيْهَقِيّ:(عَن معَاذ ابْن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ حِين بَعثه إِلَى الْيمن: (إِنَّك ستأتي أهل كتاب يَسْأَلُونَك عَن مِفْتَاح الْجنَّة، فَقل: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إلَاّ الله، وَلَكِن مِفْتَاح بِلَا أَسْنَان، فَإِن جِئْت بمفتاح لَهُ أَسْنَان فتح لَك وَإِلَّا لم يفتح لَك) . وَذكر أَبُو نعيم الْأَصْفَهَانِي فِي كِتَابه (أَحْوَال الْمُوَحِّدين) أَن أَسْنَان هَذَا الْمِفْتَاح هِيَ الطَّاعَات الْوَاجِبَة من الْقيام بِطَاعَة الله تَعَالَى وتأديتها، والمفارقة لمعاصي الله تَعَالَى ومجانبتها. قلت: قد ذكرنَا أَحَادِيث فِيمَا مضى تدل على أَن قَائِل: لَا إِلَه إلَاّ الله يدْخل الْجنَّة، وَلَيْسَت مُقَيّدَة بِشَيْء. غَايَة مَا فِي الْبَاب جَاءَ فِي حَدِيث آخر: أَن هَذِه الْكَلِمَة مِفْتَاح الْجنَّة، وَالظَّاهِر أَن قيد الْمِفْتَاح بالأسنان مدرج فِي الحَدِيث، وَذكر الْمِفْتَاح لَيْسَ على الْحَقِيقَة، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَة عَن التَّمَكُّن من الدُّخُول عِنْد هَذَا القَوْل، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْمِفْتَاح الْحَقِيقِيّ الَّذِي لَهُ أَسْنَان وَلَا يفتح إِلَّا بهَا، وَإِذا قُلْنَا: المُرَاد من الْأَسْنَان الطَّاعَات يلْزم من ذَلِك أَن من قَالَ: لَا إلاه أَلا الله، وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن من مَاتَ وَلم يعْمل بِطَاعَة أَنه لَا يدْخل الْجنَّة، وَهُوَ مَذْهَب الرافضة والإباضية وَأكْثر الْخَوَارِج، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: إِن أَصْحَاب الْكَبَائِر والمذنبين من الْمُؤمنِينَ يخلدُونَ فِي النَّار بِذُنُوبِهِمْ، وَالْقُرْآن نَاطِق بتكذيبهم، قَالَ الله تَعَالَى:{إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} (النِّسَاء: 84) . وَحَدِيث الْبَاب أَيْضا يكذبهم وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عُثْمَان مَرْفُوعا (من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَن لَا إِلَه إلَاّ الله دخل الْجنَّة) .
7321 -
حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ قَالَ حدَّثنا وَاصِلٌ الأحْدَبُ عنِ المَعْرُورِ بنِ سُوَيْدٍ عنْ أبِي ذَرٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فأخْبَرَني أوْ قالَ بَشرَني أنَّهُ منْ ماتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئا دَخَلَ الجنَّةَ قُلْتُ وَإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قالَ وإنْ زَنى وَإنْ سَرَقَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الحَدِيث يدل على أَن من مَاتَ وَلم يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة، وَهُوَ معنى
قَوْله فِي التَّرْجَمَة: من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إلَاّ الله، فَإِن ترك الْإِشْرَاك هُوَ التَّوْحِيد، وَالْقَوْل: بِلَا إِلَه إلَاّ الله هُوَ التَّوْحِيد بِعَيْنِه.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري يُقَال لَهُ: التَّبُوذَكِي، وَقد مر غير مرّة. الثَّانِي: مهْدي، بِفَتْح الْمِيم: ابْن مَيْمُون المعولي الْأَزْدِيّ، مر فِي: بَاب إِذا لم يتم السُّجُود. الثَّالِث: وَاصل، اسْم فَاعل من الْوُصُول: ابْن حَيَّان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقد تقدم فِي: بَاب الْمعاصِي من أَمر الْجَاهِلِيَّة فِي كتاب الْإِيمَان. الرَّابِع: الْمَعْرُور، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالراء المكررة: ابْن سُوَيْد، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره دَال مُهْملَة، وَقد تقدم أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور. الْخَامِس: أَبُو ذَر، اسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة، وَقد تكَرر ذكره.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه ومهديا بصريان، وواصل ومعرور كوفيان. وَفِيه: وَاصل مَذْكُور بِلَا نِسْبَة، وَقد ذكر بلقبه الأحدب ضد الأقعس.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن بنْدَار عَن غنْدر عَن شُعْبَة، وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن بنْدَار بِهِ وَعَن مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله بن بكر عَن مهْدي بن مَيْمُون. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: أخبرنَا شُعْبَة عَن حبيب بن أبي ثَابت وَعبد الْعَزِيز بن رفيع وَالْأَعْمَش، كلهم سمعُوا زيد بن وهب (عَن أبي ذَر: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، فبشرني أَنه من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة. قلت: وَإِن زني وَإِن سرق؟ قَالَ: نعم) . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَفِي الْبَاب عَن أبي الدَّرْدَاء قلت: روى حَدِيث أبي الدَّرْدَاء مُسَدّد فِي (مُسْنده) : حَدثنَا يحيى حَدثنَا نعيم بن حَكِيم حَدثنِي أَبُو مَرْيَم سَمِعت أَبَا الدَّرْدَاء يحدث عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(مَا من رجل يشْهد أَن لَا إِلَه إلَاّ الله وَمَات لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا إِلَّا دخل الْجنَّة أَو: لم يدْخل النَّار. قلت: وَإِن زنى وَإِن سرق؟ قَالَ: وَإِن زنى وَإِن سرق، وَرَغمَ أنف أبي الدَّرْدَاء) . وَرَوَاهُ أَبُو يعلى: حَدثنَا أَبُو عبد الله الْمقري حَدثنَا يحيى
…
فَذكره، وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي (مُسْنده) قلت: يحيى هُوَ الْقطَّان، ونعيم بن حَكِيم وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَالْعجلِي وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات، وَأَبُو مَرْيَم الثَّقَفِيّ: قَاضِي الْبَصْرَة ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَتَانِي آتٍ من رَبِّي) ، وَالْمرَاد بِهِ جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، وَفَسرهُ بِهِ فِي التَّوْحِيد: من طَرِيق شُعْبَة وَكَانَ هَذَا فِي رُؤْيا مَنَام، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي اللبَاس من طَرِيق أبي الْأسود عَن أبي ذَر، قَالَ:(أتيت النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَعَلِيهِ ثوب أَبيض وَهُوَ نَائِم ثمَّ انتبه وَقد اسْتَيْقَظَ) وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق مهْدي فِي أول قصَّة: (كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي مسير لَهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل تنحى، فَلبث طَويلا ثمَّ أَتَانَا. .) فَذكر الحَدِيث. قَوْله: (وَإِن زنى وَإِن سرق؟) حرف الِاسْتِفْهَام فِيهِ مُقَدّر، وَتَقْدِيره: أَدخل الْجنَّة وَإِن سرق وَإِن زنى؟ قَالَ الْكرْمَانِي: وَالشّرط حَال. فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الْجَواب اسْتِفْهَام، فَلَزِمَ مِنْهُ أَن من لم يسرق وَلم يزن لم يدْخل الْجنَّة، إِذْ انْتِفَاء الشَّرْط يسْتَلْزم انْتِفَاء الْمَشْرُوط. قلت: هُوَ من بَاب: (نعم العَبْد صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ)، وَالْحكم فِي الْمَسْكُوت عَنهُ ثَابت بِالطَّرِيقِ الأولى. قَوْله:(من أمتِي) يَشْمَل أمة الْإِجَابَة وَأمة الدعْوَة. قَوْله: (لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا) وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي اللبَاس بِلَفْظ: (مَا من عبد قَالَ: لَا إِلَه إلَاّ الله ثمَّ مَاتَ على ذَلِك. .) الحَدِيث، وَنفي الشّرك يسْتَلْزم إِثْبَات التَّوْحِيد، وَالشَّاهِد لَهُ حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود:(من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار)، على مَا يَجِيء عَن قريب. قَوْله:(فَقلت) الْقَائِل هُوَ أَبُو ذَر، وَلَيْسَ هُوَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَقد يتَبَادَر الذِّهْن إِلَى أَنه هُوَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ فِي رِوَايَة:(قَالَ أَبُو ذَر: يَا رَسُول الله وَإِن سرق وَإِن زنى؟ ثَلَاث مَرَّات، وَفِي الرَّابِعَة قَالَ: على رغم أنف أبي ذَر)، وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَيجمع بَين اللَّفْظَيْنِ بِأَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قَالَه مستوضحا، وَأَبُو ذَر قَالَه مستبعدا، لِأَن فِي ذهنه قَوْله، صلى الله عليه وسلم:(لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن) ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا ذكر من الْكَبَائِر نَوْعَيْنِ لِأَن
الذَّنب إِمَّا حق الله تَعَالَى، وَأَشَارَ بِالزِّنَا إِلَيْهِ، وَإِمَّا حق الْعباد، وَأَشَارَ بِالسَّرقَةِ إِلَيْهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: حجَّة لأهل السّنة أَن أَصْحَاب الْكَبَائِر لَا يقطع لَهُم بالنَّار وَأَنَّهُمْ إِن دخلوها خَرجُوا مِنْهَا، وَقَالَ ابْن بطال: من مَاتَ على اعْتِقَاد لَا إِلَه إلَاّ الله، وَإِن بَعُدَ قَوْله لَهَا عَن مَوته إِذا لم يقل بعْدهَا خلَافهَا حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة. وَيُقَال: وَجه هَذَا الحَدِيث عِنْد بعض أهل الْعلم أَن أهل التَّوْحِيد سيدخلون الْجنَّة وَإِن عذبُوا فِي النَّار بِذُنُوبِهِمْ فَإِنَّهُم لَا يخلدُونَ فِي النَّار. وَقيل: حَدِيث أبي ذَر من أَحَادِيث الرَّجَاء الَّتِي أفْضى الاتكال عَلَيْهَا لبَعض الجهلة إِلَى الْإِقْدَام على الموبقات، وَلَيْسَ هُوَ على ظَاهره، فَإِن الْقَوَاعِد اسْتَقَرَّتْ على أَن حُقُوق الْآدَمِيّين لَا تسْقط بِمُجَرَّد الْمَوْت على الْإِيمَان، وَلَكِن لَا يلْزم من عدم سُقُوطهَا أَن لَا يتكفل الله بهَا عَمَّن يُرِيد أَن يدْخلهُ الْجنَّة، وَمن ثمَّ رد رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، على أبي ذَر استبعاده، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بقوله:(دخل الْجنَّة) أَي: صَار إِلَيْهَا إِمَّا ابْتِدَاء من أول الْحَال، وَإِمَّا بعد أَن يَقع مَا يَقع من الْعَذَاب.
8321 -
حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ حدَّثنا شَقِيقٌ عنْ عَبْدَ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ ماتَ يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئا دَخَلَ النَّارَ وقُلْتُ أنَا مَنْ ماتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئا دَخَلَ الجنَّةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الَّذِي يَمُوت مُشْركًا يدْخل النَّار، وَيفهم مِنْهُ أَن الَّذِي يَمُوت وَلَا يُشْرك بِاللَّه يدْخل الْجنَّة، فَلذَلِك قَالَ ابْن مَسْعُود:(قلت أَنا. .) إِلَى آخِره، وَالَّذِي لَا يُشْرك بِاللَّه هُوَ الْقَائِل: لَا إِلَه إلَاّ الله، فَوَقع التطابق بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وَبِهَذَا يرد على من يَقُول: لَيْسَ الحَدِيث مُوَافقا للتبويب.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عمر بن حَفْص النَّخعِيّ. الثَّانِي: أَبوهُ حَفْص بن غياث بن طلق. الثَّالِث: سُلَيْمَان الْأَعْمَش. الرَّابِع: شَقِيق بن سَلمَة. الْخَامِس: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الاب. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وَذَلِكَ لِأَن الْأَعْمَش روى حَدِيثا عَن أنس بن مَالك فِي دُخُول الْخَلَاء، وَإِمَّا فِي رُؤْيَته إِيَّاه فَلَا نزاع فِيهَا.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة، وَفِي الْإِيمَان وَالنُّذُور عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه ووكيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَإِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن النَّضر بن شُمَيْل.
ذكر مَعْنَاهُ: وَمَا يُسْتَفَاد مِنْهُ قَوْله: (من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه)، وَفِي رِوَايَة أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش فِي تَفْسِير الْبَقَرَة:(من مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو من دون الله ندا) . وَفِي أَوله: (قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كلمة، وَأَنا أُخْرَى، قَالَ: من مَاتَ يَجْعَل لله ندا دخل النَّار، وَقلت: من مَاتَ لَا يَجْعَل لله ندا دخل الْجنَّة) . وَفِي رِوَايَة وَكِيع وَابْن نمير لمُسلم بِالْعَكْسِ: (من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة، وَقلت أَنا: من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار) . وَقَالَ فِي (التَّلْوِيح) : وَهَذَا يرد قَول من قَالَ: إِن ابْن مَسْعُود سمع أحد الْحكمَيْنِ فَرَوَاهُ وَضم إِلَيْهِ الحكم الآخر قِيَاسا على الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة، وَالَّذِي يظْهر أَنه نسي مرّة، وَهِي الرِّوَايَة الأولى، وَحفظ مرّة وَهِي الْأُخْرَى، فرواهما مرفوعين كَمَا فعله غَيره من الصَّحَابَة، وَقَالَ بَعضهم: لم تخْتَلف الرِّوَايَات فِي (الصَّحِيحَيْنِ) فِي أَن الْمَرْفُوع الْوَعيد وَالْمَوْقُوف الْوَعْد، وَزعم الْحميدِي فِي (جمعه) وَتَبعهُ مغلطاي فِي (شَرحه) وَمن أَخذ عَنهُ: أَن رِوَايَة مُسلم من طَرِيق وَكِيع وَابْن نمير بِالْعَكْسِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَكَانَ سَبَب الْوَهم فِي ذَلِك مَا وَقع عِنْد أبي عوَانَة والإسماعيلي من طَرِيق وَكِيع بِالْعَكْسِ، لَكِن بيَّن الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن الْمَحْفُوظ عَن وَكِيع كَمَا فِي البُخَارِيّ. قلت: كَيفَ يكون وهما وَقد وَقع عِنْد مُسلم بِالْعَكْسِ؟ وَوجه ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ، وَقد قَالَ النَّوَوِيّ: الْجيد أَن يُقَال: سمع ابْن مَسْعُود اللَّفْظَيْنِ من النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلكنه فِي وَقت حفظ أَحدهمَا وتيقنه وَلم يحفظ الآخر، فَرفع الْمَحْفُوظ وَضم الآخر إِلَيْهِ. وَفِي وَقت بِالْعَكْسِ، فَهَذَا جمع بَين روايتي ابْن مَسْعُود وموافقة