الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ جمع أغلوطة، وَهِي مَا يغلط بِهِ عَن الشَّارِع، وَنهى الشَّارِع عَن الأغلوطات، وَهَذَا مِنْهُ. وَقَالَ ابْن قرقول: الأغاليط. صعاب الْمسَائِل ودقاق النَّوَازِل الَّتِي يغلط فِيهَا. وَقَالَ الدَّاودِيّ: لَيْسَ بالأغاليط لَيْسَ بالصغير من الْأَمر واليسير الرزية.
وَفِيه: من الْفَوَائِد: ضرب الْأَمْثَال فِي الْعلم وَالْحجّة لسد الذرائع. وَفِيه: قد يكون عِنْد الصَّغِير من الْعلم مَا لَيْسَ عِنْد الْعَالم المبرز. وَفِيه: أَن الْعَالم قد يرمز بِهِ رمزا ليفهم المرموز لَهُ دون غَيره، لِأَنَّهُ لَيْسَ كل الْعلم تَحت إِبَاحَته إِلَى من لَيْسَ بمتفهم لَهُ وَلَا عَالم بِمَعْنَاهُ. وَفِيه: أَن الْكَلَام فِي الجريان مُبَاح إِذا كَانَ فِيهِ أثر عَن النُّبُوَّة، وَمَا سوى ذَلِك مَمْنُوع، لِأَنَّهُ لَا يصدق مِنْهُ إلَاّ أقل من عشر الْعشْر، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: تِلْكَ الْكَلِمَة من الْحق يحفظها الجني فيضيف إِلَيْهَا أَزِيد من مائَة كذبة، وَالله أعلم.
42 -
(بابُ مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أسْلَمَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر من تصدق فِي حَالَة الشّرك، ثمَّ أسلم وَلم يذكر الْجَواب. قيل: لقُوَّة الِاخْتِلَاف فِيهِ، تَقْدِيره: ثمَّ أسلم هَل يعْتد لَهُ بِثَوَاب تِلْكَ الصَّدَقَة بعد الْإِسْلَام أم لَا؟ قلت: إِنَّمَا لم يذكر الْجَواب اكْتِفَاء بِمَا فِي الحَدِيث، وَالْجَوَاب أَنه: يعْتد بِهِ.
6341 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ حدَّثنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قُلْتُ يَا رسولَ الله أرَأيْتَ أشْيَاءَ كُنْتُ أتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ فَهَلْ فِيهَا مِنْ أجْرٍ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أسلمت على مَا سلف من خير) ، وَذكر صَاحب (التَّلْوِيح) أَن هَذَا الحَدِيث كَذَا ذكر فِي هَذَا الْبَاب من كتاب الزَّكَاة فِيمَا رَأَيْت من النّسخ، وَفِيه أَيْضا ذكره صَاحب الْمُسْتَخْرج، وَزعم شَيخنَا أَبُو الْحجَّاج فِي كِتَابه (الْأَطْرَاف) تبعا لأبي مَسْعُود وَخلف أَن البُخَارِيّ خرجه بِهَذَا السَّنَد فِي كتاب الصَّلَاة، وَلم يذكرُوا تَخْرِيجه لَهُ هُنَا فَينْظر.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر المسندي. الثَّانِي: هِشَام بن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن، قَاضِي صنعاء. الثَّالِث: معمر بن رَاشد. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. السَّادِس: حَكِيم بن حزَام بن خويلد الْأَسدي.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه بخاري وَشَيخ شَيْخه يماني وَهُوَ من أَفْرَاده وَمعمر بَصرِي وَالزهْرِيّ وَعُرْوَة مدنيان. وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بنسبته إِلَى أَبِيه فَقَط، وَالزهْرِيّ إِلَى قبيلته، وَالثَّلَاثَة مجردون. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبيُوع، وَفِي الْأَدَب عَن أبي الْيَمَان، وَفِي الْعتْق عَن عبيد الله ابْن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن حَرْمَلَة بن يحيى وَعَن الْحسن بن عَليّ وَعبد بن حميد وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعبد بن حميد وَعَن أبي بكر عَن عبد الله بن نمير.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَرَأَيْت) أَي: أَخْبرنِي عَن حكم أَشْيَاء كنت أَتَعبد بهَا قبل الْإِسْلَام مثل مَا حمل مائَة بعير واعتق مائَة رَقَبَة. قَوْله: (أتحنث) بالثاء الْمُثَلَّثَة أَي: أَتَقَرَّب، وَقَالَ ابْن قرقول: كنت أتحنث بتاء مثناة، رَوَاهُ الْمروزِي فِي: بَاب من وصل رَحمَه، وَهُوَ غلط من جِهَة الْمَعْنى. وَأما الرِّوَايَة فصحيحة، وَالوهم فِيهِ من شُيُوخ البُخَارِيّ بِدَلِيل قَول البُخَارِيّ، وَيُقَال، أَي عَن أبي الْيَمَان: أتحنث أَو أتحنت على الشَّك، وَالصَّحِيح الَّذِي هُوَ رِوَايَة الْعَامَّة بثاء مُثَلّثَة، وَعَن عِيَاض بالثاء الْمُثَنَّاة غلط من جِهَة الْمَعْنى، وَيحْتَمل أَن يكون لَهَا معنى، وَهُوَ: الْحَانُوت، لِأَن الْعَرَب كَانَت تسمي بيُوت الحمارين الحوانيت، يَعْنِي كنت أتحنت حوانيتهم. وَقَالَ النَّوَوِيّ: التحنت التَّعَبُّد كَمَا فسره فِي الحَدِيث، وَفَسرهُ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى
بالتبرر، وَهُوَ فعل الْبر، وَهُوَ الطَّاعَة. وَقَالَ أهل اللُّغَة: أصل التحنث أَن يفعل فعلا يخرج بِهِ من الْحِنْث وَهُوَ الْإِثْم، وَكَذَا تأثم وتحرج وتهجد، أَي: فعل فعلا يخرج عَن الْإِثْم والحرج والهجود. قَوْله: (من صَدَقَة) كلمة من، بَيَانِيَّة. قَوْله:(أَو عتاقة) وَهُوَ أَنه أعتق مائَة رَقَبَة فِي الْجَاهِلِيَّة وَحمل على مائَة بعير، كَمَا ذكرنَا. قَوْله:(على مَا سلف)، أَي: على اكْتِسَاب مَا سلف لَك من خير أَو على احتسابه، أَو على قبُول مَا سلف، وَرُوِيَ أَن حَسَنَات الْكَافِر إِذا ختم لَهُ بِالْإِسْلَامِ مَقْبُولَة أَو تحسب لَهُ، فَإِن مَاتَ على كفره بَطل عمله. قَالَ تَعَالَى:{وَمن يكفر بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله} (الْمَائِدَة: 5) . وَقَالَ الْمَازرِيّ: اخْتلف فِي قَوْله: (أسلمت على مَا سلف من خير) ، ظَاهره خلاف مَا يَقْتَضِيهِ الْأُصُول، لِأَن الْكَافِر لَا تصح مِنْهُ قربَة فَيكون مثابا على طَاعَته، وَيصِح أَن يكون مُطيعًا غير متقرب كَنَظِيرِهِ فِي الْإِيمَان، فَإِنَّهُ مُطِيع من حَيْثُ كَانَ مُوَافقا لِلْأَمْرِ وَالطَّاعَة عندنَا مُوَافقَة لِلْأَمْرِ، وَيصِح أَن يكون مُطيعًا غير متقرب كَنَظِيرِهِ فِي الْإِيمَان، فَإِنَّهُ مُطِيع من حَيْثُ كَانَ مُوَافقا لِلْأَمْرِ وَالطَّاعَة عندنَا مُوَافقَة لِلْأَمْرِ، وَلكنه لَا يكون متقربا، لِأَن من شَرط التَّقَرُّب أَن يكون عَارِفًا بالمتقرب إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي حِين نظره لم يحصل لَهُ الْعلم بِاللَّه تَعَالَى بعد.
فَإِذا قرر هَذَا فَاعْلَم أَن الحَدِيث متأول، وَهُوَ يحْتَمل وُجُوهًا.
أَحدهَا: أَن يكون الْمَعْنى: أَنَّك اكْتسبت طباعا جميلَة وَأَنت تنْتَفع بِتِلْكَ الطباع فِي الْإِسْلَام، وَتَكون تِلْكَ الْعَادة تمهيدا لَك ومعونة على فعل الْخَيْر والطاعات. الثَّانِي: مَعْنَاهُ: اكْتسبت بذلك ثَنَاء جميلاً فَهُوَ بَاقٍ عَلَيْك فِي الْإِسْلَام. الثَّالِث: أَن لَا يبعد أَن يُزَاد فِي حَسَنَاته الَّتِي يَفْعَلهَا فِي الْإِسْلَام وَيكثر أجره لما تقدم لَهُ من الْأَفْعَال الجميلة، وَقد قَالُوا فِي الْكَافِر: إِذا كَانَ يفعل الْخَيْر فَإِنَّهُ يُخَفف عَنهُ بِهِ، فَلَا يبعد أَن يُزَاد هَذَا فِي الأجور.
وَقَالَ عِيَاض، وَقيل: مَعْنَاهُ ببركة مَا سبق لَك من خير هداك الله تَعَالَى إِلَى الْإِسْلَام، فَإِن من ظهر فِيهِ خير فِي أول أمره فَهُوَ دَلِيل على سَعَادَة أخراه وَحسن عاقبته. وَذهب ابْن بطال وَغَيره من الْمُحَقِّقين إِلَى أَن الحَدِيث على ظَاهره وَأَنه إِذا أسلم الْكَافِر وَمَات على الْإِسْلَام يُثَاب على فعله من الْخَيْر فِي حَال الْكفْر، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (أذا أسلم الْكَافِر فَحسن إِسْلَامه كتب الله لَهُ حَسَنَة زلفها، ومحا عَنهُ كل سَيِّئَة كَانَ زلفها، وَكَانَ عمله بعد ذَلِك الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف، والسيئة بِمِثْلِهَا إلَاّ أَن يتَجَاوَز الله تَعَالَى) ، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي (غَرِيب حَدِيث مَالك) ، وَرَوَاهُ عَنهُ من تسع طرق وَثَبت فِيهَا كلهَا أَن الْكَافِر إِذا حسن إِسْلَامه يكْتب لَهُ فِي الْإِسْلَام كل حَسَنَة عَملهَا فِي الشّرك، وَقَالَ ابْن بطال، بعد ذكر هَذَا الحَدِيث: وَللَّه تَعَالَى أَن يتفضل على عباده مَا شَاءَ، لَا اعْتِرَاض لأحد عَلَيْهِ، وَهُوَ كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزَام: أسلمت على مَا أسفلت من خير. وَقَالَ بعض أهل الْعلم: مَعْنَاهُ كل مُشْرك أسلم أَنه يكْتب لَهُ كل خير عمله قبل إِسْلَامه وَلَا يكْتب عَلَيْهِ من سيئاته شَيْء، لِأَن الْإِسْلَام يهدم مَا قبله، وَإِنَّمَا كتب لَهُ بِهِ الْخَيْر لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ وَجه الله تَعَالَى، لأَنهم كَانُوا مقرين بالربوبية، إلَاّ أَن عَمَلهم كَانَ مردودا عَلَيْهِم لَو مَاتُوا على شركهم، فَلَمَّا أَسْلمُوا تفضل الله عَلَيْهِم فَكتب لَهُم الْحَسَنَات ومحا عَنْهُم السَّيِّئَات، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:(ثَلَاثَة يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ. .) وَفِيه، وَهُوَ الثَّالِث: (وَرجل من أهل الْكتاب آمن بِنَبِيِّهِ وآمن بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم . قَالَ الْمُهلب: وَلَعَلَّ حكيما لَو مَاتَ على جاهليته أَن يكون مِمَّن يُخَفف عَنهُ من عَذَاب النَّار، كَمَا حُكيَ فِي أبي طَالب وَأبي لَهب. انْتهى. وَهَذَانِ لَا يُقَاس عَلَيْهِمَا لخصوصيتهما.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَقيل: إِن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، ورى عَن جَوَابه فَإِنَّهُ سَأَلَهُ: هَل لي فِيهَا أجر؟ يُرِيد ثَوَاب الْآخِرَة؟ وَمَعْلُوم أَنه لَا ثَوَاب فِي الْآخِرَة لكَافِر، فَقَالَ لَهُ: أسلمت على مَا سلف لَك من خير، وَالْعِتْق فعل خير، فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّك قد فعلت خيرا وَالْخَيْر يمدح فَاعله، وَقد يجازى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. وَذكر حَدِيث أنس من (صَحِيح مُسلم) عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: أما الْكَافِر فيطعم بحسناته فِي الدُّنْيَا، فَإِذا لَقِي الله لم يكن لَهُ حَسَنَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: رُوِيَ أَن حَسَنَات الْكَافِر إِذا ختم لَهُ بِالْإِسْلَامِ محتسبة لَهُ، فَإِن مَاتَ على كفره كَانَت هدرا. وَقَالَ أَبُو الْفرج: فَإِن صَحَّ هَذَا كَانَ الْمَعْنى: أسلمت على قبُول مَا سلف لَك من خير. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْإِسْلَام إِذا حسن هدم مَا قبله من الآثام، وأحرز مَا قبله من الْبر. وَقَالَ الْحَرْبِيّ: معنى حَدِيث حَكِيم: مَا تقدم لَك من الْخَيْر الَّذِي عملته هُوَ لَك، كَمَا تَقول: أسلمت لَك على ألف دِرْهَم على أَن أحوزها لنَفْسي. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَه الْحَرْبِيّ هُوَ أشبههَا وأولاها، وَالله أعلم.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَقد يعْتد بعض أَفعَال الْكَافرين فِي أَحْكَام الدُّنْيَا، فقد قَالَ الْفُقَهَاء: إِذا وَجب على الْكَافِر كَفَّارَة ظِهَار أَو غَيرهَا، فَكفر فِي حَال كفره أَجزَأَهُ ذَلِك، وَإِذا أسلم لَا تجب عَلَيْهِ إِعَادَتهَا. وَاخْتلف