الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَائِل وَلَا الْمَقُول لَهُ، وَقد بَين لَهُ مُسلم فِي رِوَايَة الْأَعْرَج فَقَالَ:(قيل: وَمَا القيراطان يَا رَسُول الله؟)، وَبَين الْقَائِل أَبُو عوَانَة من طَرِيق أبي مُزَاحم عَن أبي هُرَيْرَة وَلَفظه:(قلت: وَمَا القيراط يَا رَسُول الله؟) . قلت: الظَّاهِر بِحَسب الْقَرِينَة يدل على أَن الْقَائِل رَاوِي الحَدِيث، وَهُوَ أَبُو هُرَيْرَة، وَالْمقول لَهُ هُوَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم. أما الْقَائِل فَفِيهِ احْتِمَال أَن يكون غير الرَّاوِي مِمَّن كَانَ حَاضرا فِي ذَلِك الْمجْلس. وَأما الْمَقُول لَهُ فَهُوَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قطعا لِأَنَّهُ قَالَ:(مثل الجبلين العظيمين)، وَلَيْسَ هَذَا إلَاّ وَظِيفَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَن الضَّمِير فِي قَوْله: قَالَ، يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَوْله:(مثل الجبلين العظيمين)، وَفِي رِوَايَة ابْن سِيرِين وَغَيره:(مثل أحد)، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة:(القيراط مثل جبل أحد) . وَكَذَا فِي حَدِيث ثَوْبَان عِنْد مُسلم، والبراء عِنْد النَّسَائِيّ، وَأبي سعيد عِنْد أَحْمد وَفِي رِوَايَة للنسائي من طَرِيق الشّعبِيّ:(فَلهُ قيراطان من الْأجر، كل وَاحِد مِنْهُمَا أعظم من أحد) . وَفِي رِوَايَة أبي صَالح عِنْد مُسلم: (أصغرهما مثل أحد) . وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي بن كَعْب: (القيراط أعظم من أحد) ، وَعند ابْن عدي من حَدِيث وَاثِلَة (كتب لَهُ قيراطان من أجر أخفهما فِي مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة أثقل من جبل أحد) وَقد ذكرنَا أَن هَذَا من بَاب التَّمْثِيل والاستعارة.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ وَفِيه: فِيهِ: التَّرْغِيب فِي شُهُود جَنَازَة الْمَيِّت وَالْقِيَام بأَمْره والحض على الِاجْتِمَاع لَهُ، والتنبيه على عَظِيم فضل الله تَعَالَى، وتكريمه للْمُسلمِ فِي تكثيره الثَّوَاب لمن يتَوَلَّى أمره بعد مَوته. وَفِيه: تَقْدِير الْأَعْمَال بِنِسْبَة الأوزان أَو بجعلها أعيانا حَقِيقَة. وَفِيه: السُّؤَال عَمَّا يهم فِيهِ.
95 -
(بابُ صَلَاةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الجَنَائِزِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة صَلَاة الصّبيان على الْمَوْتَى. فَإِن قلت: قد ذكر قبل هَذَا: بَاب صُفُوف الصّبيان مَعَ الرِّجَال فِي الْجَنَائِز أَو لَيْسَ هَذَا بتكرار؟ قلت: أَفَادَ بذلك الْبَاب وقُوف الصّبيان مَعَ الرِّجَال، وَأَنَّهُمْ يصفونَ مَعَهم لَا يتأخرون عَنْهُم لقَوْل ابْن عَبَّاس فِي حَدِيث ذَلِك الْبَاب: وَأَنا فيهم، وَأفَاد بِهَذَا الْبَاب مَشْرُوعِيَّة صَلَاة الصّبيان على الْمَوْتَى، كَمَا ذكرنَا. فَإِن قلت: هَذَا كَانَ يُسْتَفَاد من ذَلِك الْبَاب. قلت: نعم لَكِن ضمنا وَهنا ذكره قصدا ونصا.
6231 -
حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا يَحْيى بنُ أبي بُكَيْرٍ قَالَ حَدثنَا زَائِدَةُ قَالَ حَدثنَا أبُو إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عنْ عامِرِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ أتَى رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم قَبْرا فقالُوا هاذا دُفِنَ أوْ دُفِنَتِ البَارِحَةَ. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فصففنا خَلفه)، والْحَدِيث قد مر فِي: بَاب صُفُوف الصّبيان مَعَ الرِّجَال فِي الْجَنَائِز، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي مر فِي: بَاب حب الرَّسُول من الْإِيمَان، وَيحيى بن أبي بكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْكَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء: أَبُو زَكَرِيَّا الْعَبْدي الْكُوفِي قَاضِي كرمان، مَاتَ سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ، وزائدة، من الزِّيَادَة، وَأَبُو إِسْحَاق، إسمه سُلَيْمَان، وعامر هُوَ الشّعبِيّ، وَقد مرا فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
وَفِيه: الصَّلَاة على الْقَبْر. وَفِيه: الْجَمَاعَة. وَفِيه: الدّفن بِاللَّيْلِ.
06 -
(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَائِزِ بِالمُصَلَّى وَالمَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة على الْجَنَائِز بالمصلى، بِضَم الْمِيم وَفتح اللَّام الْمُشَدّدَة، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يتَّخذ للصَّلَاة على الْمَوْتَى فِيهِ. قَوْله:(وَالْمَسْجِد)، أَي: وَالصَّلَاة عَلَيْهَا بِالْمَسْجِدِ. قيل: إِنَّمَا ذكر الْمَسْجِد فِي التَّرْجَمَة لاتصاله بمصلى الْجَنَائِز. قلت: نذْكر وَجه ذكره فِي بَيَان الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة.
7231 -
حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سَعِيدِ
ابنِ المُسَيَّبِ وَأبِي سَلَمَةَ أنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. قَالَ نَعَى لَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّجَاشِيَّ صاحِبَ الحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي ماتَ فِيهِ قَالَ اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ. وعَنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ حدَّثني سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَفَّ بِهِمْ بِالمُصَلَّى فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أرْبَعا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (صف بهم بالمصلى)، وَقد تقدم الحَدِيث فِي: بَاب الصُّفُوف على الْجِنَازَة، وَتقدم الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى. وَيحيى بن بكير هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير، مصغر بكر، المَخْزُومِي الْمصْرِيّ. وَقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد. قَوْله: (النجاش)، مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول: نعي (وَصَاحب الْحَبَشَة) مَنْصُوب لِأَنَّهُ صفته، وَالْيَوْم مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة. قَوْله:(وَعَن ابْن شهَاب) مَعْطُوف على إِسْنَاد الْمصدر وَالرِّوَايَة عَن ابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ فِي الأول: بالعنعنة، وَفِي الثَّانِي: بِالتَّحْدِيثِ بِصِيغَة الْإِفْرَاد.
9231 -
حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا أبُو ضَمْرَةَ قَالَ حدَّثنا مُوسى بنُ عُقْبَةَ عنْ نَافَعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ اليَهُودَ جاؤا إلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأةٍ زَنَيَا فأمَرَ بِهِما فَرُجِمَا قَرِيبا مِنْ مَوْضِعِ الجَنَائِزِ عِنْدَ المَسْجِدِ..
وَجه مطابقه هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة لَا يَتَأَتَّى إلَاّ إِذا قُلْنَا إِن: عِنْد، فِي قَوْله:(عِنْد الْمَسْجِد)، يكون بِمَعْنى: فِي، أَو نقُول. قَوْله: بَاب الصَّلَاة على الْجَنَائِز بالمصلى وَالْمَسْجِد، يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا: الاثبات، وَالْآخر: النَّفْي، وَلَعَلَّ غَرَض البُخَارِيّ النَّفْي بِأَن لَا يصلى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِد بِدَلِيل تعْيين رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَوضِع الْجِنَازَة عِنْد الْمَسْجِد، وَلَو جَازَ فِيهِ لما عينه فِي خَارجه، وَبِهَذَا يدْفع كَلَام ابْن بطال: لَيْسَ فِيهِ، أَي: فِي حَدِيث ابْن عمر، دَلِيل على الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد، إِنَّمَا الدَّلِيل فِي حَدِيث عَائِشَة:(صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على سُهَيْل بن بَيْضَاء فِي الْمَسْجِد) . قلت: لَو كَانَ إِسْنَاده على شَرطه لأخرجه فِي (صَحِيحه) وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِيمَا مضى عَن قريب.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر بن عبد الله الْحزَامِي، وَقد مر. الثَّانِي: أَبُو ضَمرَة، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء: اسْمه أنس بن عِيَاض، مر فِي: بَاب التبرز فِي الْبيُوت. الثَّالِث: مُوسَى بن عقبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف، مر فِي أول الْوضُوء. الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر. الْخَامِس: عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير وَفِي الِاعْتِصَام عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن أنس بن عِيَاض. وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أَحْمد بن يُونُس. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن مُحَمَّد بن معدان.
أما رِوَايَة البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير فَقَالَ: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر حَدثنَا أَبُو ضَمرَة حَدثنَا مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا:(أَن الْيَهُود جاؤوا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِرَجُل مِنْهُم وَامْرَأَة قد زَنَيَا، فَقَالَ لَهُم: كَيفَ تَفْعَلُونَ بِمن زنى مِنْكُم؟ قَالُوا: نحممهما ونضربهما، فَقَالَ: لَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة الرَّجْم؟ فَقَالُوا: لَا نجد فِيهَا شَيْئا. فَقَالَ لَهُم: عبد الله بن سَلام: كَذبْتُمْ، فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ إِن كُنْتُم صَادِقين، فَوضع مدراسها الَّذِي يدرسها مِنْهُم كَفه على آيَة الرَّجْم، فَطَفِقَ يقْرَأ مَا دون يَده وَمَا وَرَاءَهَا وَلَا يقْرَأ آيَة الرَّجْم. فَنزع يَده عَن آيَة الرَّجْم فَقَالَ: مَا هَذِه؟ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك قَالُوا: هِيَ آيَة الرَّجْم، فَأمر بهما فَرُجِمَا قَرِيبا من حَيْثُ تُوضَع الْجَنَائِز عِنْد الْمَسْجِد، فَرَأَيْت صَاحبهَا يحني عَلَيْهَا يَقِيهَا الْحِجَارَة) . هَذَا لَفظه فِي سُورَة آل عمرَان فِي التَّفْسِير. وَأما لَفظه فِي كتاب الِاعْتِصَام، فكلفظه هَهُنَا سندا ومتنا بعينهما.
وَأما رِوَايَة مُسلم فَفِي الْحُدُود: حَدثنِي الحكم بن مُوسَى أَبُو صَالح
حَدثنَا شُعَيْب بن إِسْحَاق أخبرنَا عبيد الله عَن نَافِع أَن عبد الله أخبرهُ أَن رَسُول الله أَتَى بِيَهُودِيٍّ وبيهودية قد زَنَيَا فَانْطَلق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَاءَ يهود فَقَالَ: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة على من زنى؟ قَالُوا: نسود وُجُوههمَا ونحملهما وَنُخَالِف بَين وُجُوههمَا وَيُطَاف بهما. قَالَ: فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ إِن كُنْتُم صَادِقين، فجاؤا بهَا فقرأوها حَتَّى إِذا مروا بِآيَة الرَّجْم وضع الْفَتى الَّذِي يقْرَأ يَده على آيَة الرَّجْم، وَقَرَأَ مَا بَين يَديهَا وَمَا وَرَاءَهَا، فَقَالَ لَهُ عبد الله بن سَلام، وَهُوَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: مُره فَليرْفَعْ يَده، فَرَفعهَا فَإِذا تحتهَا آيَة الرَّجْم، فَأمر بهما رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فرجمهما. قَالَ عبد الله بن عمر: كنت فِيمَن رجمهما، فَلَقَد رَأَيْته يَقِيهَا من الْحِجَارَة بِنَفسِهِ) .
وَأما رِوَايَة النَّسَائِيّ: فَفِي الرَّجْم: أخبرنَا مُحَمَّد بن معدان، قَالَ: حَدثنَا الْحسن ابْن أعين، قَالَ: حَدثنَا زُهَيْر، قَالَ: حَدثنَا مُوسَى عَن نَافِع (عَن ابْن عمر أَن الْيَهُود جاؤوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِرَجُل مِنْهُم وَامْرَأَة قد وزنيا، قَالَ: فَكيف تَفْعَلُونَ بِمن زنى مِنْكُم؟ قَالُوا: نضربهما. قَالَ: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة؟ قَالُوا: مَا نجد فِيهَا شَيْئا. فَقَالَ: عبد الله بن سَلام: كَذبْتُمْ فِي التَّوْرَاة الرَّجْم، فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ فاتلوها إِن كُنْتُم صَادِقين، فجاؤوا بِالتَّوْرَاةِ فَوضع مدرسها الَّذِي يدرسها مِنْهُم كَفه على آيَة الرَّجْم فَطَفِقَ يقْرَأ مَا دون يَده وَمَا وَرَاءَهَا وَلَا يقْرَأ آيَة الرَّجْم، فَضرب عبد الله بن سَلام يَده فَقَالَ: مَا هَذِه؟ قَالَ: هِيَ آيَة الرَّجْم، فَأمر بهما رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَرُجِمَا قَرِيبا حَيْثُ تُوضَع الْجَنَائِز. قَالَ عبد الله: فَرَأَيْت صَاحبهَا يحني عَلَيْهَا ليقيها الْحِجَارَة) . وَفِي لفظ لَهُ: (فجاؤوا بِالتَّوْرَاةِ وجاؤوا بقارىء لَهُم أَعور، فَقَرَأَ حَتَّى انْتهى إِلَى مَوضِع مِنْهَا وضع يَده عَلَيْهِ، فَقيل: إرفع يدك فَرفع فَإِذا هِيَ تلوح، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن فِيهَا الرَّجْم وَلَكنَّا كُنَّا نكاتمه) الحَدِيث، وَفِي لفظ لَهُ:(فَقَالَ لَهُ عبد الله بن سَلام: (إزحل كفك فَإِذا هُوَ بِالرَّجمِ يلوح) .
قَوْله: (نحممهما) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة، أَي: نسودهما بالحممة، وَهِي الفحمة وَفِي رِوَايَة مُسلم:(ونحملهما)، بِالْحَاء وَاللَّام أَي: نحملهما على جمل، وَفِي رِوَايَة:(نجملهما) بِالْجِيم الْمَفْتُوحَة أَي: نجعلهما جَمِيعًا على الْجمل. قَوْله: (لَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة الرَّجْم؟) قَالُوا: هَذَا السُّؤَال لَيْسَ لتقليدهم، وَلَا لمعونة الحكم مِنْهُم، وَإِنَّمَا هُوَ لإلزامهم بِمَا يعتقدونه فِي كِتَابهمْ. وَلَعَلَّه صلى الله عليه وسلم قد أُوحِي إِلَيْهِ أَن الرَّجْم فِي التَّوْرَاة الْمَوْجُودَة فِي أَيْديهم لم يغيروه كَمَا غيروا أَشْيَاء، أَو أَنه أخبرهُ بذلك من أسلم مِنْهُم، وَلِهَذَا لم يخف ذَلِك عَلَيْهِ حِين كتموه. قَوْله:(مدراسها)، بِكَسْر الْمِيم على وزن: مفعال، من أبنية الْمُبَالغَة، وَهُوَ صَاحب دراسة كتبهمْ، من: درس يدرس درسا ودراسة، وأصل الدراسة: الرياضة والتعهد للشَّيْء، وَكَذَلِكَ الْمدرس، بِكَسْر الْمِيم على وزن: مفعل، من أبنية الْمُبَالغَة، وَجَاء فِي حَدِيث آخر:(حَتَّى أَتَى الْمِدْرَاس) ، بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْبَيْت الَّذِي يدرسون فِيهِ، ومفعال غَرِيب فِي الْمَكَان. قَوْله:(فَطَفِقَ)، بِكَسْر الْفَاء: بِمَعْنى أَخذ فِي الْفِعْل وَشرع يعْمل، وَهُوَ من أَفعَال المقاربة. قَوْله:(يحني) من حَنى يحنو ويحني إِذا أشْفق وَعطف. قَوْله: (يَقِيهَا) أَي: يحفظها، من: وقى يقي وقاية، وَهَذِه الْجُمْلَة محلهَا النصب على الْحَال. قَوْله:(إزحل)، بالزاي: أزل كفك. قَوْله: (يلوح) أَي: يظْهر ويبرق.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: دَلِيل لوُجُوب حد الزِّنَا على الْكَافِر وَأَنه يَصح نِكَاحه، وَقَالَ النَّوَوِيّ: لِأَنَّهُ لَا يجب الرَّجْم إلَاّ على الْمُحصن، فَلَو لم يَصح نِكَاحه لم يثبت إحْصَانه وَلم يرْجم. قلت: من جملَة شُرُوط الْإِحْصَان الْإِسْلَام لقَوْله صلى الله عليه وسلم (من أشرك بِاللَّه فَلَيْسَ بمحصن) ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَعَن أبي يُوسُف، أَنه لَيْسَ بِشَرْط، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد، وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بِحَدِيث الْبَاب. قُلْنَا: كَانَ ذَلِك بِحكم التَّوْرَاة قبل نزُول آيَة الْجلد فِي أول مَا دخل، صلى الله عليه وسلم، الْمَدِينَة، وَصَارَ مَنْسُوخا بهَا، ثمَّ نسخ الحلد فِي حق الْمُحصن، وَالْكَافِر لَيْسَ بمحصن، وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَمَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. فَإِن قلت: روى مُسلم من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (خُذُوا عني خُذُوا عني: قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا بالبكر جلد مائَة وَنفي سنة وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة وَالرَّجم) . فالنبي صلى الله عليه وسلم فرق بَينهمَا بالثيوبة، فَمن فرق بَينهمَا بِالْإِسْلَامِ فقد زَاد على النَّص. قلت: هَذَا مَنْسُوخ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يحكم بعد نزُول الْقُرْآن إلَاّ بِمَا فِيهِ، وَفِيه النَّص على الْجلد فَقَط. فَإِن قلت: رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذا قبلوا عقد الذِّمَّة فأعلموهم أَن لَهُم مَا للْمُسلمين وَعَلَيْهِم مَا على الْمُسلمين، وَالرَّجم على الْمُسلم الثّيّب، فَكَذَا على الْكَافِر الثّيّب. قلت: الرَّجْم غير وَاجِب على كَافَّة الْمُسلمين، فَدلَّ على أَنه يخْتَص بالزناة المحصنين دون غَيرهم.