الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ من حَدِيث سعيد عَن أَبِيه الْمسيب: قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: أَي عَم، إِنَّك أعظم النَّاس عَليّ حَقًا، وَأَحْسَنهمْ عِنْدِي يدا ولأنت أعظم عِنْدِي حَقًا من وَالِدي، فَقل كلمة تجب لَك بهَا شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة. وَفِيه: نزلت: {مَا كَانَ للنَّبِي} (التَّوْبَة: 3111) . الْآيَة، وروى الْحَاكِم من حَدِيث أبي الْجَلِيل عَن عَليّ، قَالَ: سَمِعت رجلا يسْتَغْفر لِأَبَوَيْهِ وهما مُشْرِكَانِ، فَقلت: تستغفر لِأَبَوَيْك وهما مُشْرِكَانِ؟ قَالَ: أَو لم يسْتَغْفر إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، لِأَبِيهِ، فَذَكرته لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَنزلت {مَا كَانَ للنَّبِي} (التَّوْبَة: 311) . الْآيَة، قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَلما ذكر السُّهيْلي قَوْله تَعَالَى:{مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} (التَّوْبَة: 311) . قَالَ قد اسْتغْفر سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم أحد، فقاال: أللهم إغفر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ، وَلَا يَصح أَن تكون الْآيَة الَّتِي نزلت فِي عَمه ناسخة لاستغفاره يَوْم أحد، لِأَن عَمه توفّي قبل ذَلِك، وَلَا ينْسَخ الْمُتَقَدّم الْمُتَأَخر، وَيُجَاب بِأَن استغفاره لِقَوْمِهِ مَشْرُوط بتوبتهم من الشّرك، كَأَنَّهُ أَرَادَ الدُّعَاء لَهُم بِالتَّوْبَةِ، وَجَاء فِي بعض الرِّوَايَات: أللهم إهذ قومِي، وَقيل: أَرَادَ مغْفرَة تصرف عَنْهُم عُقُوبَة الدُّنْيَا من المسخ وَشبهه، وَقيل: تكون الْآيَة تَأَخّر نُزُولهَا مُتَقَدما ونزولها مُتَأَخّر، لَا سِيمَا وَبَرَاءَة من آخر مَا نزل، فَتكون على هَذَا ناسخة للاستغفار، وَقَالَ ابْن بطال مَا محصله: أَي مُحَاجَّة يحْتَاج إِلَيْهَا من وافى ربه بِمَا يدْخلهُ الْجنَّة، أُجِيب: بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ظن أَن عَمه اعْتقد أَن من آمن فِي مثل حَاله لَا يَنْفَعهُ إيمَانه إِذا لم يقارنه عمل سواهُ من صَلَاة أَو صِيَام وَحج وشرائط الْإِسْلَام كلهَا، فَأعلمهُ صلى الله عليه وسلم أَن من قَالَ: لَا إلاه إلَاّ الله، عِنْد مَوته أَنه يدْخل فِي جملَة الْمُؤمنِينَ، وَإِن تعرى من عمل سواهَا. قلت: فِي قَوْله: وَحج، نظر لِأَنَّهُ لم يكن مَفْرُوضًا بِالْإِجْمَاع يَوْمئِذٍ. وَقيل: أَن يكون أَبُو طَالب قد عاين أَمر الْآخِرَة وأيقن بِالْمَوْتِ وَصَارَ فِي حَالَة من لَا ينْتَفع بِالْإِيمَان لَو آمن، فَرحا لَهُ، صلى الله عليه وسلم، أَن قَالَ: لَا إلاه إلَاّ الله، وأيقن بنبوته أَن يشفع لَهُ بذلك، ويحاج لَهُ عِنْد الله تَعَالَى فِي أَن يتَجَاوَز عَنهُ وَيقبل مِنْهُ إيمَانه فِي تِلْكَ الْحَال، وَيكون ذَلِك خَاصّا بِأبي طَالب وَحده لمكانته من حمايته ومدافعته عَنهُ، صلى الله عليه وسلم. وَقيل: كَانَ أَبُو طَالب مِمَّن عاين براهين النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَصدق بمعجزاته وَلم يشك فِي صِحَة نبوته، فرجا لَهُ المحاجة بِكَلِمَة الْإِخْلَاص حَتَّى يسْقط عَنهُ إِثْم العناد والتكذيب، لما قد تبين حَقِيقَته لَكِن آنسه، بقوله:(أُحَاج لَك بهَا عِنْد الله) لِئَلَّا يتَرَدَّد فِي الْإِيمَان وَلَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ لتماديه على خلاف مَا تبين حَقِيقَته، وَقيل:(أُحَاج لَك بهَا) ، كَقَوْلِه (أشهد لَك بهَا عِنْد الله) لِأَن الشَّهَادَة للمرء حجَّة لَهُ فِي طلب حَقه، وَلذَلِك ذكر البُخَارِيّ هُنَا الشَّهَادَة لِأَنَّهُ أقرب التَّأْوِيل فِي قصَّة أبي طَالب فِي كتاب الْبَعْث، لاحتمالها التَّأْوِيل. وَوَقع عِنْد إِبْنِ إِسْحَاق: أَن الْعَبَّاس قَالَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم: يَا ابْن أخي، إِن الْكَلِمَة الَّتِي عرضتها على عمك سمعته يَقُولهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم: لم أسمع. قَالَ السُّهيْلي: لِأَن الْعَبَّاس قَالَ ذَلِك فِي حَال كَونه على غير الْإِسْلَام، وَلَو أَدَّاهَا بعد الْإِسْلَام لقبلت مِنْهُ، كَمَا قبل من جُبَير بن مطعم حَدِيثه الَّذِي سَمعه فِي حَال كفره وَأَدَّاهُ فِي الْإِسْلَام.
18 -
(بابُ الجَرِيدِ عَلَى القَبْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وضع الجريد على قبر الْمَيِّت، والجريد الَّذِي يجرد عَنهُ الخوص.
وَأوْصَى بُرَيْدَةُ الأسْلَمِيُّ أنْ يُجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيدَانِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَبُرَيْدَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الدَّال الْمُهْملَة: ابْن الْحصيب، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: ابْن عبد الله الْأَسْلَمِيّ، مَاتَ بمرو سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَقد تقدم فِي: بَاب من ترك الْعَصْر، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن سعد من طَرِيق مُورق الْعجلِيّ قَالَ: أوصى بُرَيْدَة أَن يوضع فِي قَبره جريدان. وَقَوله: (فِي قَبره) رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:(على قَبره) ، وَالْحكمَة فِي ذَلِك، على رِوَايَة الْأَكْثَرين، التفاؤل ببركة النَّخْلَة. لقَوْله تَعَالَى:{كشجرة طيبَة} (إِبْرَاهِيم: 42) . وعَلى رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي الِاقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي وَضعه الجريدتين على الْقَبْر، وَسَنذكر الْحِكْمَة فِيهِ عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَرَأى ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فُسْطَاطا عَلَى قَبْرِ عَبْدِ الرَّحْمانِ فَقَالَ انْزَعْهُ يَا غُلَامُ فَإنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ
وَجه إِدْخَال أثر ابْن عمر فِي هَذِه التَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه كَانَ يرى أَن وضع النَّبِي صلى الله عليه وسلم الجريدتين على القبرين خَاص بهما، وَأَن بُرَيْدَة حمله على الْعُمُوم، فَلذَلِك عقب أثر بُرَيْدَة بأثر عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، بنيه ابْن سعد فِي رِوَايَته لَهُ مَوْصُولا من طَرِيق أَيُّوب بن عبد الله بن يسَار. قَالَ: مر عبد الله بن عمر على قبر عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أخي عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَعَلِيهِ فسطاط مَضْرُوب، فَقَالَ: يَا غُلَام إنزعه فَإِنَّمَا يظله عَمه. قَالَ الْغُلَام: تضربني مولاتي. قَالَ: كلا فَنَزَعَهُ. قَوْله: (انزعه) أَي: إقلعه، وَكَانَ الْغُلَام الَّذِي خاطبه عبد الله غُلَام عَائِشَة أُخْت عبد الرَّحْمَن. قَوْله:(فَإِنَّمَا يظله) أَي: لَا يظله الْفسْطَاط، بل يظله الْعَمَل الصَّالح فَدلَّ هَذَا على أَن نصب الْخيام على الْقَبْر مَكْرُوه، وَلَا ينفع الْمَيِّت ذَلِك، وَلَا يَنْفَعهُ إلَاّ عمله الصَّالح الَّذِي قدمه، وَتَفْسِير الْفسْطَاط قد مر مُسْتَوفى فِي: بَاب مَا يكره من اتِّخَاذ الْمَسَاجِد على الْقُبُور.
وقالَ خارِجَةُ بنُ زَيْدٍ ورَأيْتُنِي وَنَحْنُ شُبَّانٌ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وَإنْ أشَدَّنا وَثْبَةً الَّذِي يَثِبُ قَبْرَ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُونٍ حَتَّى يُجَاوِزَهُ
قيل: لَا مُنَاسبَة فِي إِدْخَال قَول خَارِجَة فِي هَذَا الْبَاب، وَإِنَّمَا مَوْضِعه فِي: بَاب موعظة الْمُحدث عِنْد الْقَبْر وقعود أَصْحَابه حوله، وَكَانَ بعض الروَاة كتبه فِي غير مَوْضِعه، وَقد تكلّف طَرِيق إِلَى كَونه من هَذَا الْبَاب، وَهِي الْإِشَارَة إِلَى أَن ضرب الْفسْطَاط إِن كَانَ لغَرَض صَحِيح كالتستر من الشَّمْس مثلا للإحياء لَا لإظلال الْمَيِّت فَقَط، جَازَ، فَكَأَنَّهُ يَقُول: إِذا كَانَ على الْقَبْر لغَرَض صَحِيح لَا لقصد المباهاة جَازَ، كَمَا يجوز الْقعُود عَلَيْهِ لغَرَض صَحِيح لَا لمن أحدث عَلَيْهِ، وخارجة بن زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ، أحد التَّابِعين الثِّقَات وَأحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة من أهل الْمَدِينَة، وصل هَذَا التَّعْلِيق البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ الصَّغِير) من طَرِيق ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة الْأنْصَارِيّ، سَمِعت خَارِجَة فَذكره. قَوْله:(رَأَيْتنِي) بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَكَون الْفَاعِل وَالْمَفْعُول ضميرين لشَيْء وَاحِد من خَصَائِص أَفعَال الْقُلُوب، وَالتَّقْدِير: رَأَيْت نَفسِي، وَالْوَاو فِي:(وَنحن شُبَّان) للْحَال، و: شُبَّان، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة جمع: شَاب. قَوْله: (وثبة) مصدر من: وثب يثب وثبا ووثبة، ومظعون، بِظَاء مُعْجمَة سَاكِنة وَعين مُهْملَة.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ حَكِيمٍ أخَذَ بِيَدِي خارِجَةُ فأجْلَسَنِي عَلَى قَبْرٍ وَأخْبَرَني عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بنِ ثابِتٍ قَالَ إنَّمَا كُرِهَ ذالِكَ لِمَنْ أحْدَثَ عليهِ
الْكَلَام فِي ذكر مُنَاسبَة هَذَا كَالْكَلَامِ فِي الَّذِي قبله، وَعُثْمَان بن حَكِيم بن عباد بن حنيف الْأنْصَارِيّ الأوسي الأحملاني أَبُو سهل الْمدنِي، ثمَّ الْكُوفِي، أَخُو حَكِيم بن حَكِيم. وَعَن أَحْمد: ثِقَة ثَبت وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسَدّد فِي (مُسْنده) الْكَبِير وبيَّن فِيهِ سَبَب إِخْبَار خَارِجَة لحكيم بذلك، وَلَفظه: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس حَدثنَا عُثْمَان بن حَكِيم حَدثنَا عبد الله بن سرجس وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن إنَّهُمَا (سمعا أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: لِأَن أَجْلِس على جَمْرَة فتحرق مَا دون لحمي حَتَّى تُفْضِي إِلَى، أحب من أَن أَجْلِس على قَبره. قَالَ عُثْمَان: فَرَأَيْت خَارِجَة بن زيد فِي الْمَقَابِر، فَذكرت لَهُ ذَلِك فَأخذ بيَدي) الحَدِيث، وَقد أخرج مُسلم حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، فَقَالَ: حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب، قَالَ: حَدثنَا جرير عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول لله صلى الله عليه وسلم: (لِأَن يجلس أحدكُم على جَمْرَة فتحرق ثِيَابه فتخلص إِلَى جلده خير لَهُ من أَن يجلس على قبر) . وَقَالَ بَعضهم: وروى الطَّحَاوِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن كَعْب، قَالَ: إِنَّمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: من جلس على قبر ليبول عَلَيْهِ، أَو يتغوط، فَكَأَنَّمَا جلس على جَمْرَة، لَكِن إِسْنَاده ضَعِيف. قلت: سبخان الله مَا لهَذَا الْقَائِل من التعصبات الْبَارِدَة، فالطحاوي أخرج هَذَا عَن أبي هُرَيْرَة من طَرِيقين، أَحدهمَا هَذَا الَّذِي ذكره هَذَا الْقَائِل أخرجه عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى شيخ مُسلم عَن عبد الله بن وهب
عَن مُحَمَّد بن أبي حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وَالْآخر أخرجه عَن ابْن أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد عَن مُحَمَّد بن أبي حميد
…
إِلَى آخِره نَحوه، وَأخرجه عبد الله بن وهب وَالطَّيَالِسِي فِي مسنديهما، وَلم يذكر الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث إِلَّا تَقْوِيَة لحَدِيث زيد بن ثَابت أخرجه عَن سُلَيْمَان بن شُعَيْب عَن الْحصيب عَن عَمْرو بن عَليّ عَن عُثْمَان بن حَكِيم عَن أبي أُمَامَة أَن زيد بن ثَابت، قَالَ: هَلُمَّ يَا ابْن أخي أخْبرك إِنَّمَا نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الْجُلُوس على الْقُبُور لحَدث غَائِط أَو بَوْل، وَرِجَاله ثِقَات، وَعَمْرو بن عَليّ هُوَ الفلاس شيخ الْجَمَاعَة، فَهَذَا الْقَائِل: هلا مَا أورد هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح، وَأورد الحَدِيث الَّذِي هُوَ مُحَمَّد بن أبي حميد الْمُتَكَلّم فِيهِ، مَعَ أَنه ذكر الطَّحَاوِيّ هَذَا اسْتِشْهَادًا وتقوية، وَلَكِن إِنَّمَا ذكره هَذَا الْقَائِل حَتَّى يفهم أَن الطَّحَاوِيّ الَّذِي ينصر مَذْهَب الْحَنَفِيَّة إِنَّمَا يروي فِي هَذَا الْبَاب الْأَحَادِيث الضعيفة، وَمن شدَّة تعصبه ذكر الحَدِيث فنسبه إِلَى أبي هُرَيْرَة، ولِمَ لَم يذكر فِيهِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فأبرزه فِي صُورَة الْمَوْقُوف، والْحَدِيث مَرْفُوع، وَتَحْقِيق الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ: بَاب الْجُلُوس على الْقُبُور: حَدثنَا يُونُس، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن حسان، قَالَ: حَدثنَا صَدَقَة بن خَالِد عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر عَن بسر بن عبيد الله عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع عَن أبي مرْثَد الغنوي، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: (لَا تصلوا إِلَى الْقُبُور وَلَا تجلسوا إِلَيْهَا) . وَأخرج هَذَا الحَدِيث من أَربع طرق، وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَاسم أبي مرْثَد: كناز بن الْحصين، وَأخرج أَيْضا من حَدِيث عَمْرو بن جزم قَالَ:(رأني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فَقَالَ: إنزل عَن الْقَبْر فَلَا تؤذ صَاحب الْقَبْر وَلَا يُؤْذِيك) . وَأخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث جَابر قَالَ: (نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن تجصيص الْقُبُور وَالْكِتَابَة عَلَيْهَا وَالْجُلُوس عَلَيْهَا وَالْبناء عَلَيْهَا) . وَأخرجه الْجَمَاعَة غير البُخَارِيّ. وَأخرج أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة نَحْو رِوَايَة مُسلم عَنهُ، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن، ثمَّ قَالَ: فَذهب قوم إِلَى هَذِه الْآثَار وقلدوها وكرهوا من أجلهَا الْجُلُوس على الْقُبُور، وَأَرَادَ بالقوم: الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَسَعِيد بن جُبَير ومكحولاً وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبا سُلَيْمَان، ويروى ذَلِك أَيْضا عَن عبد الله وَأبي بكرَة وَعقبَة بن عَامر وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِلَيْهِ ذهب الظَّاهِرِيَّة وَقَالَ ابْن حزم فِي (الْمحلى) : وَلَا يحل لأحد أَن يجلس على قبر، وَهُوَ قَول أبي هُرَيْرَة وَجَمَاعَة من السّلف، ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ فَقَالُوا: لم ينْه عَن ذَلِك لكَرَاهَة الْجُلُوس على الْقَبْر، وَلكنه أُرِيد بِهِ الْجُلُوس للغائط أَو الْبَوْل، وَذَلِكَ جَائِز فِي اللُّغَة، يُقَال: جلس فلَان للغائط وَجلسَ فلَان للبول، وَأَرَادَ بالآخرين: أَبَا حنيفَة ومالكا وَعبد الله بن وهب وَأَبا يُوسُف ومحمدا، وَقَالُوا: مَا رُوِيَ عَن النَّهْي مَحْمُول على مَا ذكرنَا، ويحكى ذَلِك عَن عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ثمَّ قَالَ: وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا حَدثنَا سُلَيْمَان بن شُعَيْب، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَهُوَ حَدِيث زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ قَالَ: فَبين زيد فِي هَذَا الْجُلُوس الْمنْهِي عَنهُ فِي الأثار الأول مَا هُوَ ثمَّ رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا من طَرِيق ابْن يُونُس، وَطَرِيق ابْن أبي دَاوُد، وَقد ذكرناهما الْآن، ثمَّ قَالَ: فَثَبت بذلك أَن الْجُلُوس الْمنْهِي عَنهُ فِي الْآثَار الأول هُوَ هَذَا الْجُلُوس، يَعْنِي: للغائط وَالْبَوْل، فَأَما الْجُلُوس بِغَيْر ذَلِك فَلم يدْخل فِي ذَلِك النَّهْي، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد، رَحِمهم الله تَعَالَى. قلت: فعلى هَذَا مَا ذكره أَصْحَابنَا فِي كتبهمْ من أَن وطأ الْقُبُور حرَام، وَكَذَا النّوم عَلَيْهَا، لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي. فَإِن الطَّحَاوِيّ هُوَ أعلم النَّاس بمذاهب الْعلمَاء، وَلَا سِيمَا بِمذهب أبي حنيفَة.
وَقَالَ نافعٌ كانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَجْلِسُ عَلَى القُبُورِ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا عَليّ، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن صَالح، قَالَ: حَدثنِي بكير عَن عَمْرو عَن بكير، أَن نَافِعًا حَدثهُ: أَن عبد الله بن عمر كَانَ يجلس على الْقُبُور. فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ قَالَ: لِأَن أَطَأ على رضف أحب إليَّ من أَن أَطَأ على قبر؟ قلت: ثَبت من فعله أَنه كَانَ يجلس على الْقُبُور، وَيحمل قَوْله: (لِأَن أَطَأ، على معنى: لِأَن أَطَأ لأجل الحَدِيث، وَقَالَ بَعضهم، بعد أَن أورد مَا أخرجه الطَّحَاوِيّ من أثر ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: وَلَا يُعَارض هَذَا مَا أخرجه