الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قدم فِي اللَّحْد من قَتْلَى أحد من كَانَ أَكثر أخذا لِلْقُرْآنِ.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَابْن مقَاتل هُوَ: مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الله: هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.
والْحَدِيث مر عَن قريب، أخرجه فِي: بَاب الصَّلَاة على الشَّهِيد، عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث، إِلَى آخِره نَحوه، وَأخرجه فِي: بَاب دفن الرجلَيْن وَالثَّلَاثَة فِي قبر وَاحِد، عَن سعيد بن سُلَيْمَان عَن اللَّيْث إِلَى آخِره، وَأخرجه أَيْضا مُخْتَصرا فِي: بَاب من لم ير غسل الشَّهِيد، عَن أبي الْوَلِيد عَن اللَّيْث إِلَى آخِره، وَقد تكلمنا فِيهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة.
8431 -
وأخبَرَنَا الأوْزَاعِيُّ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِقَتْلَى أُحُدٍ أيُّ هاؤُلَاءِ أكْثَرُ أخْذا لِلْقُرْآنِ فإذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى رَجُللٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ صاحِبِهِ..
أَي: قَالَ عبد الله وَأخْبرنَا عبد الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ، وَهَذَا طَرِيق مُنْقَطع لِأَن ابْن شهَاب لم يسمع من جَابر، لِأَن جَابِرا توفّي فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ، وَفِي (الكاشف) : سنة ثَمَان وَسبعين، ومولد الزُّهْرِيّ سنة ثَمَان وَخمسين، قَالَه الْوَاقِدِيّ، وَقَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي: مولده سنة خمسين. قلت: لقِيه إِيَّاه مُمكن، وَلَكِن سَمَاعه مِنْهُ لم يثبت، وَأما طَرِيق ابْن شهَاب الأول فمتصل.
وَقَالَ جابِرٌ فَكُفِّنَ أبِي وَعَمِّي فِي نَمِرَةٍ وَاحِدَةٍ
ذكر فِي (التَّلْوِيح) أَن قَوْله: (عمي) يتَبَادَر الذِّهْن إِلَيْهِ أَنه عَم جَابر، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ عَمْرو بن الجموح بن زيد بن حرَام، وَعبد الله أَبُو جَابر هُوَ ابْن عَمْرو بن حرَام فَهُوَ ابْن عَمه وَزوج أُخْته هِنْد بنت عَمْرو، فَسَماهُ: عَمَّا تَعْظِيمًا لَهُ، وتكريما، ذكره أَبُو عمر وَغَيره. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: عمي، قيل: هَذَا تَصْحِيف أَو وهم لِأَن المدفون مَعَ أَبِيه هُوَ: عَمْرو بن الجموح الْأنْصَارِيّ الخزرجي السّلمِيّ، وَيحْتَمل أَن يُجَاب عَنهُ أَنه أطلق الْعم عَلَيْهِ مجَازًا، كَمَا هُوَ عَادَتهم فِيهِ، لَا سِيمَا وَكَانَ بَينهمَا قرَابَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِن عبد الله وعمرا كَانَا صهرين، والنمرة، بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم: بردة من صوف أَو غَيره مخططة. وَقَالَ الْقَزاز: هِيَ دراعة فِيهَا لونان سَواد وَبَيَاض، وَيُقَال للسحابة إِذا كَانَت كَذَلِك: نمرة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: النمرة بردة من صوف تلبسها الْأَعْرَاب، وَهِي بِكَسْر الْمِيم وسكونها، وَيجوز كسر النُّون مَعَ سُكُون الْمِيم. فَإِن قلت: ذكر الْوَاقِدِيّ فِي (الْمَغَازِي) وَابْن سعد: أَنَّهُمَا كفنا فِي ثَوْبَيْنِ. قلت: إِذا ثَبت ذَلِك حمل على أَن النمرة شقَّتْ بَينهمَا نِصْفَيْنِ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ كَثِيرٍ حدَّثني الزُّهْرِيُّ قَالَ حدَّثني منْ سَمِعَ جابِرا رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
سُلَيْمَان بن كثير ضد قَلِيل الْعَبْدي أَبُو مُحَمَّد، قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس إلَاّ فِي الزُّهْرِيّ. وَقَالَ يحيى بن معِين، ضَعِيف، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَاعْلَم أَن الْفرق بَين هَذِه الطّرق أَن اللَّيْث ذكر عبد الرَّحْمَن وَاسِطَة بَين الزُّهْرِيّ وَجَابِر، وَالْأَوْزَاعِيّ لم يذكر الْوَاسِطَة بَينهمَا، وَسليمَان ذكر وَاسِطَة مَجْهُولا، فَاعْلَم ذَلِك. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: اضْطربَ فِيهِ الزُّهْرِيّ، وَمنع بَعضهم الِاضْطِرَاب بقوله: لِأَن الْحَاصِل من الِاخْتِلَاف فِيهِ على الثِّقَات أَن الزُّهْرِيّ حمله عَن شيخين، وَأما إِبْهَام سُلَيْمَان لشيخ الزُّهْرِيّ وَصدق الْأَوْزَاعِيّ لَهُ فَلَا يُؤثر ذَلِك فِي رِوَايَة من سَمَّاهُ لِأَن الْحجَّة لمن ضبط. وَزَاد: إِذا كَانَ ثِقَة لَا سِيمَا إِذا كَانَ حَافِظًا. قلت: الِاخْتِلَاف على الثِّقَات والإبهام مِمَّا يُورث الإضطراب، وَلَا ينْدَفع ذَلِك بِمَا ذكره.
67 -
(بابُ الإذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي القَبْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِعْمَال الْإِذْخر والحشيش فِي الْفرج الَّتِي تتخلل بَين اللبنات فِي الْقَبْر. فَإِن قلت: لَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب ذكر الْحَشِيش فَلم ذكره؟ قلت: نبه بِهِ على إِلْحَاقه بالإذخر، لِأَن المُرَاد بِاسْتِعْمَال الْإِذْخر هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ لَا التَّطَيُّب، فَيكون الْحَشِيش فِي مَعْنَاهُ، كَمَا أَن الْمسك وَمَا جانسه من الطّيب فِي الحنوط دَاخل فِي معنى إِبَاحَة الكافور للْمَيت، ثمَّ الْإِذْخر،
بِكَسْر الْهمزَة وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره رَاء، وَهُوَ نبت مَعْلُوم وَله أصل مندفن وقضبان دقاق ذفر الرّيح، وَهُوَ مثل الأسل، أسل الكولان، إِلَّا أَنه أعرض وأصغر كعوبا وَله ثَمَرَة كَأَنَّهَا مكاميع الْقصب إلَاّ أَنَّهَا أرق وأصغر. وَقَالَ أَبُو زِيَاد: الْإِذْخر: يشبه فِي نَبَاته الغرز، والغرز نَبَاته نَبَات الأسل الَّذِي يعْمل مِنْهُ الْحصْر، والإذخر أدق مِنْهُ وَله كعوب كَثِيرَة وَهُوَ يطحن فَيدْخل فِي الطّيب. وَقَالَ أَبُو النَّصْر: هُوَ من الذُّكُور، وَإِنَّمَا الذُّكُور من البقل، وَلَيْسَ الْإِذْخر من البقل، وَله أرومة فينبت فِيهَا فَهُوَ بالحلبة أشبه. وَقَالَ أَبُو عمر: هُوَ من الحلبة، وقلما ينْبت الْإِذْخر مُنْفَردا، وَهُوَ ينْبت فِي السهول والحزون وَإِذا جف الْإِذْخر ابيضَّ. وَفِي شرح أَلْفَاظ المنصوري) : الْإِذْخر خشب يجلب من الْحجاز، وبالمغرب صنف مِنْهُ. قيل: هَذَا أصح مَا قيل فِي الْإِذْخر، وَيدل عَلَيْهِ قَول ابْن عَبَّاس: لبيوتهم وقبورهم، فَإِن الْبيُوت مَا تسقف إِلَّا بالخشب وَلَا يَجْعَل على اللحود إلَاّ الْخشب. قلت: قدذكرنا أَنه تنسد بِهِ الْفرج الَّتِي تتخلل بَين اللبنات بِدَلِيل قَوْله: والحشيش، فَإِن الْحَشِيش لَا يسقف بِهِ، لِأَنَّهُ غير متماسك لَا رطبا وَلَا يَابسا.
9431 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ حَوْشَبٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ عنْ عِكْرَمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ حَرَّمَ الله عز وجل مَكَّةَ فلَمْ تَحِلُّ لأِحَدٍ قَبْلِي وَلَا لأِحَدٍ بَعْدِي أحِلَّتْ لي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا ييُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَاّ لِمُعَرِّفٍ فَقَالَ العَبَّاسُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ إلَاّ الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ إلَاّ الإذْخِرَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إلَاّ الْإِذْخر) إِلَى آخِره.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة كلهم ذكرُوا، وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وخَالِد هُوَ الْحذاء.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن أبي مُوسَى عَن عبد الْوَهَّاب، وَفِي الْبيُوع عَن إِسْحَاق عَن خَالِد، وَفِي اللّقطَة قَالَ: قَالَ خَالِد: عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
…
إِلَى آخِره.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حرم الله مَكَّة) أَي: جعلهَا حَرَامًا، وَقد فسره بقوله:(فَلم تحل لأحد قبلي وَلَا لأحد بعدِي)، وَلَفظه فِي الْحَج: عَن طَاوُوس عَن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، يَوْم فتح مَكَّة:(إِن هَذَا الْبَلَد حرمه الله. .) الحَدِيث، وَفِي غَزْوَة الْفَتْح:(أَن الله حرم مَكَّة يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض، فَهِيَ حرَام بِحرَام الله تَعَالَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة)، وَلَفظ مُسلم:(إِن هَذَا الْبَلَد حرمه الله تَعَالَى يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَهِيَ حرَام بِحرْمَة الله تَعَالَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) . وَأخرجه الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(إِن مَكَّة حرَام حرمهَا الله تَعَالَى يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر) . وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (إِن الله عز وجل، حرم مَكَّة يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر، ووضعها بَين هذَيْن الأخشبين. .) الحَدِيث. وَقَالَ الْبَزَّار: وَهَذَا الحَدِيث قد رُوي عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، من غير وَجه، وَعَن غير ابْن عَبَّاس بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة ومعانيها قريبَة. قَوْله:(الأخشبين) أَي: الجبلين المطيفين بِمَكَّة، وهما أَبُو قبيس والأحمر، وَهُوَ جبل مشرف وَجهه على قعيقعان، والأخشب: كل جبل خشن غليظ. وَفِي الحَدِيث: (لَا تَزُول مَكَّة حَتَّى يَزُول أخشباها) . قَوْله: (سَاعَة من نَهَار) ، لم يرد بهَا السَّاعَة من الإثني عشر سَاعَة، وَالْمرَاد بهَا: الْقَلِيل من الْوَقْت وَالزَّمَان، وَإنَّهُ كَانَ بعض النَّهَار وَلم يكن يَوْمًا تَاما، وَدَلِيله:(وَقد عَادَتْ حرمتهَا الْيَوْم كحرمتها بالْأَمْس) . وَقيل: أَرَادَ بِهِ سَاعَة الْفَتْح أبيحت لَهُ إِرَاقَة الدَّم فِيهَا، دون الصَّيْد، وَقطع الشّجر وَنَحْوهمَا. قَوْله:(لَا يخْتَلى خَلاهَا) أَي: لَا يقطع كلاؤها، والخلا، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة مَقْصُورا: الرطب من الْكلأ، كَمَا أَن الْحَشِيش اسْم الْيَابِس مِنْهُ، والواحدة خلاة، ولامه: يَاء، لقَولهم: خليت البقل: قطعته. وَفِي (الْمُخَصّص) : تَقول: خليت الخلا خليا: جززته. وَفِي (الْمُحكم) : وَقيل: الخلا، كل بقلة قطعتها، وَقد يجمع الخلا على أخلاء، حَكَاهُ أَبُو حنيفَة وأخلت الأَرْض: كثر خَلاهَا، واختلاه: جزه. وَقَالَ اللحياني: نَزعه. وَقَالَ القَاضِي: وَمعنى: لَا يخْتَلى خَلاهَا؛ لَا يحصد كلاها، مَقْصُور ومده بعض الروَاة، وَهُوَ خطأ. والاختلاء: الْقطع، فعل مُشْتَقّ من الخلا. والمخلا مَقْصُورَة: حَدِيدَة
يخْتَلى بهَا الخلا، والمخلاة وعَاء يخْتَلى فِيهِ للدابة، ثمَّ سمى كل مَا يعتلف فِيهِ مِمَّا يعلق فِي رَأسهَا مخلاة، والخلاء، بِالْمدِّ: الْموضع الْخَالِي وَأَيْضًا مصدر من خلا يَخْلُو قَوْله: (وَلَا يعضد شَجَرهَا) أَي: لَا يقطع، يُقَال: عضد واستعضذ بِمَعْنى كَمَا يُقَال علا واستعلى قَالَ القَاضِي وَقع فِي رِوَايَة (وَلَا يعضد شجرائها) وَهُوَ الشّجر وَقَالَ الطَّبَرِيّ معنى لَا يعضد لَا يفْسد وَيقطع من عدد الرجل إِذا أصَاب عضده بِسوء وَفِي الموعب عضدت الشجرا عضده عضد مثل ضَربته إِذا قطعته وَفِي الْمُحكم الشَّيْء معضود وعضيد قَوْله (أَلا لمعرف) بِضَم الْمِيم وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وَهُوَ الَّذِي يعرفهَا حَتَّى يَجِيء صَاحبهَا وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ (وَلَا يلتقط لقطته إِلَّا من عرفهَا) وَفِي لفظ (وَلَا يحل لقطتهَا إِلَّا لِمُنْشِد) والمنشد هُوَ الْمُعَرّف والناشد هُوَ الطَّالِب يُقَال ناشدت الضَّالة إِذا طلبتها فَإِذا عرفتها قلت أنشدتها وأصل الإنشاد رفع الصَّوْت وَمِنْه إنساد الشّعْر قَوْله (لصاغتنا) أَصله الصوغة جمع صائغ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن مَكَّة حرَام يحرم فِيهَا أَشْيَاء مَا يحل فِي غَيرهَا من بِلَاد الله تَعَالَى، فَإِن قلت: الحَدِيث هُنَا (حرم الله مَكَّة)، وَفِي حَدِيث صَحِيح:(أَن إِبْرَاهِيم صلى الله عليه وسلم حرم مَكَّة) . قلت: يَعْنِي بلغ تَحْرِيم الله تَعَالَى لَهَا، فَكَانَ التَّحْرِيم على لِسَانه، فنسب إِلَيْهِ وَحكى الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره الْخلاف بَين الْعلمَاء فِي ابْتِدَاء تَحْرِيم مَكَّة، فَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهَا مَا زَالَت مُحرمَة وَأَنه خَفِي تَحْرِيمهَا فأظهره إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، وأشاعه، وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن ابْتِدَاء تَحْرِيمهَا من زمن إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، وَأَنَّهَا كَانَت قبل ذَلِك غير مُحرمَة كَغَيْرِهَا من الْبِلَاد، وَإِن معنى: حرمهَا الله يَوْم خلق السَّمَوَات، أَنه قدر ذَلِك فِي الْأَزَل أَنه سيحرمها على لِسَان إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، وَقيل: مَعْنَاهُ أَن الله سبحانه وتعالى كتب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض أَن إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، سيحرم مَكَّة بِأَمْر الله تَعَالَى.
وَفِيه: (أحلّت لي سَاعَة من نَهَار) ، احْتج بِهِ أَبُو حنيفَة أَن مَكَّة فتحت عنْوَة لَا صلحا، لِأَنَّهُ، عليه الصلاة والسلام، فتحهَا بِالْقِتَالِ. وَبِه قَالَ الْأَكْثَرُونَ، وَسَيَجِيءُ فِي حَدِيث أبي شُرَيْح الْعَدوي فَإِن أحد ترخص لقِتَال رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فِيهَا فَقولُوا لَهُ: إِن الله أذن لرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَلم يَأْذَن لَك، وَإِنَّمَا أذن لَهُ سَاعَة من النَّهَار، وَذهب الشَّافِعِي وَجَمَاعَة إِلَى أَنَّهَا فتحت صلحا، وتأولوا الحَدِيث على أَنه أُبِيح لَهُ الْقِتَال لَو احْتَاجَ إِلَيْهِ، وَلَو احْتَاجَ إِلَيْهِ لقَاتل، وَلكنه بِمَ يحْتَج إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: وَهَذَا التَّأْوِيل يبعده قَوْله: لقِتَال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يَعْنِي فِي حَدِيث أبي شُرَيْح فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وجود قتال ظَاهرا. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: وَفِي الْمَسْأَلَة قَول ثَالِث: إِن بَعْضهَا فتح صلحا، وَبَعضهَا عنْوَة، لِأَن الْمَكَان الَّذِي دخل مِنْهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يَقع فِيهِ الْقِتَال، وَإِنَّمَا وَقع فِي غير الْمَكَان الَّذِي دخل مِنْهُ.
وَفِيه: لَا يجوز اختلاء خلا مَكَّة هَذَا مِمَّا ينْبت بِنَفسِهِ بِالْإِجْمَاع. وَأما الَّذِي يزرعه النَّاس نَحْو الْبُقُول والخضراوات، والفصيل فَإِنَّهَا يجوز قطعهَا. وَاخْتلف فِي الرَّعْي فِيمَا أَنْبَتَهُ الله من خَلاهَا، فَمَنعه أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُف وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع على تَحْرِيم قطع شجر الْحرم، وَقَالَ الإِمَام: اخْتلف النَّاس فِي قطع شجر الْحرم: هَل فِيهِ جَزَاء أم لَا؟ فَعِنْدَ مَالك: لَا جَزَاء فِيهِ، وَعند أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: فِيهِ الْجَزَاء. قلت: هَذَا فِيمَا لم يغرسه الْآدَمِيّ من الشّجر. وَأما مَا غرسه الْآدَمِيّ فَلَا شَيْء فِيهِ، وخكى الْخطابِيّ أَن مَذْهَب الشَّافِعِي منع قطع مَا غرسه الْآدَمِيّ من شجر الْبَوَادِي ونماه وَأمه، وَغَيره مِمَّا أَنْبَتَهُ الله سَوَاء، وَاخْتلف قَوْله فِي جَزَاء الشّجر، فَعِنْدَ الشَّافِعِي: فِي الدوحة بقرة، وَفِيمَا دونهَا شَاة. وَعند أبي حنيفَة: يُؤْخَذ مِنْهُ قيمَة مَا قطع يشترى بِهِ هدى، فَإِن لم يبلغ ثمنه تصدق بِهِ بنضف صَاع لكل مِسْكين. وَقَالَ الشَّافِعِي: فِي الْخشب وَنَحْوه قيمتهَا بَالِغَة مَا بلغت. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: فِيهَا قيمتهَا، وَالْمحرم والحلال فِي ذَلِك سَوَاء. وَاخْتلفُوا فِي أَخذ السِّوَاك من شجر الْحرم: فَعَن مُجَاهِد وَعَطَاء وَعَمْرو بن دِينَار أَنهم رخصوا فِي ذَلِك، وَحكى أَبُو ثَوْر ذَلِك عَن الشَّافِعِي، وَكَانَ عَطاء يرخص فِي أَخذ ورق السنا يستمشي بِهِ وَلَا ينْزع من أَصله، وَرخّص فِيهِ عَمْرو بن دِينَار.
وَفِيه: دَلِيل على أَن الشّجر المؤذي كالشوك لَا يقطع من الْحرم لإِطْلَاق قَوْله: (وَلَا يعضد شَجَرهَا)، وَهُوَ اخْتِيَار أبي سعيد الْمُتَوَلِي من الشَّافِعِيَّة: وَذهب جُمْهُور أَصْحَاب الشَّافِعِي