الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إلَاّ الموتة الأولى} (الدُّخان: 65) . للْجِنْس لَا للوحدة، وَإِن كَانَت الصِّيغَة صِيغَة الْوَاحِد نَحْو:{إِن الْإِنْسَان لفي خسر} (الْعَصْر: 2) . وَلَيْسَ فِيهَا نفي تعدد الْمَوْت، لِأَن الْجِنْس يتَنَاوَل المتعدد أَيْضا بِدَلِيل أَن الله تَعَالَى أحيى كثيرا من الْأَمْوَات فِي زمَان مُوسَى وَعِيسَى وَغَيرهمَا، وَذَلِكَ يُوجب تَأْوِيل الْآيَة بِمَا ذكرنَا، وأماالجواب عَن قَوْله تَعَالَى:{وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور} (فاطر: 22) فَهُوَ أَن عدم إسماع أهل الْقُبُور وَلَا يسْتَلْزم عدم إدراكهم وَأما الْجَواب عَن دليلهم الْعقلِيّ فَهُوَ أَن المصلوب لَا بعد فِي الْأَحْيَاء والمسائلة مَعَ عدم الْمُشَاهدَة كَمَا فِي صَاحب السكر فَإِنَّهُ حَيّ مَعَ أَنا لَا نشاهد حَيَاته وكما فِي رُؤْيَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام وَهُوَ بَين أظهر أَصْحَابه مَعَ ستره عَنْهُم وَلَا بعد فِي رد الْحَيَاة إِلَى أَجزَاء الْبدن فَيخْتَص بِالْإِحْيَاءِ والمسائلة وَالْعَذَاب وَإِن لم يكن ذَلِك مشاهدا لنا وَقَالَ الصَّالِحِي من الْمُعْتَزلَة وَابْن جرير الطَّبَرِيّ وَطَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين يجوز التعذيب على الْمَوْتَى من غير إحْيَاء وَهَذَا خُرُوج عَن الْمَعْقُول لِأَن الجماد لَا حس لَهُ فَكيف يتَصَوَّر تعذيبه وَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين الآلام تَجْتَمِع فِي أجساد الْمَوْتَى وتتضاعف من غير إحساس بهَا فَإِذا حشروا أحسوا بهَا دفْعَة وَاحِدَة وَهَذَا إِنْكَار للعذاب قبل الْحَشْر وَهُوَ بَاطِل بِمَا قَرَّرْنَاهُ. وَفِيه إِثْبَات السُّؤَال بالملكين اللَّذين بَينا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَأنكر الجبائي وَابْنه الْبَلْخِي تَسْمِيَة الْملكَيْنِ بالمنكر والنكير وَقَالُوا إِنَّمَا الْمُنكر مَا يصدر من الْكَافِر عِنْد تلجلجه إِذا شئل والنكير إِنَّمَا هُوَ تقريع الْملكَيْنِ وَيرد عَلَيْهِم بِالْحَدِيثِ الَّذِي فسر فِيهِ الْملكَانِ بهما كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَفِيه: جَوَاز لبس النَّعْل لزائر الْقُبُور الْمَاشِي بَين ظهرانيها، وَذهب أهل الظَّاهِر إِلَى كَرَاهَة ذَلِك، وَبِه قَالَ يزِيد بن زُرَيْع وَأحمد بن حَنْبَل، وَقَالَ ابْن حزم فِي (الْمحلى) : وَلَا يحل لأحد أَن يمشي بَين الْقُبُور بنعلين سبتيتين، وهما اللَّذَان لَا شعر عَلَيْهِمَا، فَإِن كَانَ فيهمَا شعر جَازَ ذَلِك، وَإِن كَانَ فِي أَحدهمَا شعر وَالْآخر بِلَا شعر جَازَ الْمَشْي فيهمَا، وَفِي (الْمُغنِي) : ويخلع النِّعَال إِذا دخل الْمَقَابِر، وَهَذَا مُسْتَحبّ. وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِحَدِيث بشير بن الخصاصية:(أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يمشي بَين الْقُبُور فِي نَعْلَيْنِ فَقَالَ: وَيحك يَا صَاحب السبتيتين إلق سبتيتيك) . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه بأتم مِنْهُ، وَأخرجه الْحَاكِم وَصَححهُ، وَكَذَا صَححهُ ابْن حزم، والخصاصية، أمه وَاخْتلف فِي اسْم أَبِيه، فَقيل: بشير بن نَذِير، وَقيل: ابْن معبد ابْن شرَاحِيل. وَقَالَ الْجُمْهُور من الْعلمَاء بِجَوَاز ذَلِك، وَهُوَ قَول الْحسن وَابْن سِيرِين وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَأبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وجماهير الْفُقَهَاء من التَّابِعين وَمن بعدهمْ، وَأجِيب عَن حَدِيث ابْن الخصاصية بِأَنَّهُ إِنَّمَا اعْترض عَلَيْهِ بِالْخلْعِ إحتراما للمقابر، وَقيل: لاختياله فِي مَشْيه. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: إِن أمره صلى الله عليه وسلم بِالْخلْعِ لَا لكَون الْمَشْي بَين الْقُبُور بالنعال مَكْرُوها. وَلَكِن لما رأى صلى الله عليه وسلم قذرا فيهمَا يقذر الْقُبُور أَمر بِالْخلْعِ. وَقَالَ الْخطابِيّ: يشبه أَن يكون إِنَّمَا كره ذَلِك لِأَنَّهُ فعل أهل النِّعْمَة وَالسعَة، فَأحب أَن يكون دُخُول الْمقْبرَة على التَّوَاضُع والخشوع. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لَيْسَ فِي الحَدِيث سوى الْحِكَايَة عَمَّن يدْخل الْمَقَابِر، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي إِبَاحَة وَلَا تَحْرِيمًا، وَيدل على أَنه أمره بِالْخلْعِ احتراما للقبور لِأَنَّهُ نهى عَن الِاسْتِنَاد وَالْجُلُوس عَلَيْهَا. وَفِيه: ذُهُول عَمَّا ورد فِي بعض الْأَحَادِيث أَن صَاحب الْقَبْر، كَانَ يسْأَل فَلَمَّا سمع صرير السبتتين أصغى إِلَيْهِ فكاد يهْلك لعدم جَوَاب الْملكَيْنِ فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم إلقهما لِئَلَّا تؤذي صَاحب الْقَبْر ذكره أَبُو عبد الله التِّرْمِذِيّ. فَإِن قلت: بعد فرَاغ الْملكَيْنِ من السُّؤَال مَا يكون الْمَيِّت؟ قلت: إِن كَانَ سعيدا كَانَ روحه فِي الْجنَّة، وَإِن كَانَ شقيا فَفِي سجّين على صَخْرَة على شَفير جَهَنَّم فِي الأَرْض السَّابِعَة، وَعَن ابْن عَبَّاس: يكون قوم فِي برزخ لَيْسُوا فِي جنَّة وَلَا نَار، وَيدل عَلَيْهِ قصَّة أَصْحَاب الْأَعْرَاف، وَالله أعلم مَا يُقَال لمن يدْخل من أَصْحَاب الْكَبَائِر، أَكَانَ يُقَال لَهُ: نم صَالحا أَو يسكت عَنهُ. وَقيل: إِن أَرْوَاح السُّعَدَاء تطلع على قبورها، وَأكْثر مَا يكون مِنْهَا لَيْلَة الْجُمُعَة ويومها، وَلَيْلَة السبت إِلَى طُلُوع الشَّمْس، فَإِنَّهُم يعْرفُونَ أَعمال الْأَحْيَاء، يسْأَلُون من مَاتَ من السُّعَدَاء: مَا فعل فلَان فَإِن ذكر خيرا قَالَ: أللهم ثبته وَإِن كَانَ غَيره قَالَ: أللهم رَاجع بِهِ، وَإِن قيل لَهُم: مَاتَ. قيل: ألم يأتكم؟ قَالُوا: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، سلك بِهِ غير طريقنا، هوى بِهِ إِلَى أمه الهاوية. وَقيل: إِنَّهُم إِذا كَانُوا على قُبُورهم يسمعُونَ من يسلم عَلَيْهِم، فَلَو أذن لَهُم لردوا السَّلَام.
86 -
(بابُ مَنْ أحَبَّ الدَّفْنَ فِي الأرْضِ المُقَدَّسَةِ أوْ نَحْوِهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي يذكر فِيهِ من أحب أَن يدْفن فِي بَيت الْمُقَدّس إِمَّا طلبا للقرب من الْأَنْبِيَاء المدفونين هُنَاكَ، أَو ليقرب عَلَيْهِ
الْمَشْي إِلَى الْمَحْشَر، وَتسقط عَنهُ الْمَشَقَّة الَّتِي تحصل لمن بعد مِنْهُ. قَوْله:(أَو نَحْوهَا) أَي: من بَقِيَّة مَا تشد إِلَيْهِ الرّحال من الْحَرَمَيْنِ.
9331 -
حدَّثنا مَحْمُودٌ قَالَ حَدثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ ابنِ طاوُسٍ عَن أبِيهِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. قَالَ أُرْسِلَ مَلَكُ المَوْتِ إلَى مُوسى عليهما السلام فَلَمَّا جاءَهُ صَكَّهُ فَرَجَعَ إلَى رَبِّهِ فَقَالَ أرْسَلْتَنِي إلَى عبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوتَ فَرَدَّ الله عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ فَقُلْ لَهُ يَضَعْ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْر فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ قَالَ أيْ رَبِّ ثُمَّ ماذَا قَالَ ثُمَّ المَوْتُ قَالَ فاْلآنَ فَسَالَ الله أنْ يُدْنِيهِ مِنَ الأرْضِ المُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلَى جانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ.
(الحَدِيث 9331 طرفه فِي: 7043) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَسَأَلَ الله أَن يُدْنِيه من الأَرْض المقدسة) .
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مَحْمُود بن غيلَان، بالغين الْمُعْجَمَة، مر فِي: بَاب النّوم قبل الْعشَاء. الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق بن همام، وَقد مضى. الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين: ابْن رَاشد، وَقد تكَرر ذكره. الرَّابِع: عبد الله بن طَاوُوس، مر فِي: بَاب الْمَرْأَة تحيض. الْخَامِس: طَاوُوس بن كيسَان، وَقد مر غير مرّة. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه مروزي وَمعمر بَصرِي وَعبد الرَّزَّاق وَعبد الله بن طَاوُوس وَأَبوهُ طَاوُوس يمانيون. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب. وَفِيه: أَن أَبَا هُرَيْرَة لم يرفع الحَدِيث هَهُنَا فَلذَلِك عابه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَرَفعه فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، على مَا يَجِيء.
وَأخرجه عَن يحيى بن مُوسَى، وَأخرجه مُسلم فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَن مُحَمَّد بن رَافع وَعبد بن حميد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن رَافع.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أرسل) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَمَعْلُوم أَن الله هُوَ الَّذِي أرْسلهُ. قَوْله:(صَكه) أَي: ضربه بِحَيْثُ فَقَأَ عينه، يدل عَلَيْهِ قَوْله:(فَرد الله عينه) ، وَقد صرح بذلك فِي رِوَايَة مُسلم، قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن رَافع وَعبد بن حميد، قَالَ عبد: أخبرنَا، وَقَالَ ابْن رَافع: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه، (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: أرسل ملك الْمَوْت إِلَى مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكه ففقأ عينه، فَرجع إِلَى ربه فَقَالَ: أرسلتني إِلَى عبد لَا يُرِيد الْمَوْت. قَالَ: فَرد الله إِلَيْهِ عينه) الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة لَهُ:(جَاءَ ملك الْمَوْت إِلَى مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، فَقَالَ لَهُ: أجب رَبك، قَالَ: فلطم مُوسَى عين ملك الْمَوْت ففقأها، فَرجع الْملك إِلَى الله فَقَالَ: أرسلتني إِلَى عبد لَك لَا يُرِيد الْمَوْت، وَقد فَقَأَ عَيْني. قَالَ: فَرد الله إِلَيْهِ عينه) الحَدِيث. وَهَذَا الطَّرِيق مَرْفُوع، وَالَّذِي قبله مَوْقُوف كَمَا أخرجه البُخَارِيّ، وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: أنكر بعض أهل الْبدع والجهمية هَذَا الحَدِيث، وَقَالُوا: لَا يَخْلُو أَن يكون مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، عرف ملك الْمَوْت أَو لم يعرفهُ، فَإِن كَانَ عرفه فقد استخف بِهِ، وَأَن كَانَ لم يعرفهُ فرواية من روى أَنه كَانَ يَأْتِي مُوسَى عيَانًا لَا معنى لَهَا، ثمَّ إِن الله تَعَالَى لم يقْتَصّ لملك الْمَوْت من اللَّطْمَة وفقء الْعين، وَالله تَعَالَى لَا يظلم أحدا.
قَالَ ابْن خُزَيْمَة: وَهَذَا اعْتِرَاض من أعمى الله بصيرته، وَمعنى الحَدِيث صَحِيح، وَذَلِكَ أَن مُوسَى لم يبْعَث الله إِلَيْهِ ملك الْمَوْت وَهُوَ يُرِيد قبض روحه، حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا بَعثه اختبارا وبلاءً، كَمَا أَمر الله تَعَالَى خَلِيله بِذبح وَلَده وَلم يرد إِمْضَاء ذَلِك، وَلَو أَرَادَ أَن يقبض روح مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، حِين لطم الْملك لَكَانَ مَا أَرَادَ، وَكَانَت اللَّطْمَة مُبَاحَة عِنْد مُوسَى إِذْ رأى آدَمِيًّا دخل عَلَيْهِ، وَلَا يعلم أَنه ملك الْمَوْت، وَقد أَبَاحَ الرَّسُول، عليه الصلاة والسلام، فَقَأَ عين النَّاظر فِي دَار الْمُسلم بِغَيْر إِذن، ومحال أَن يعلم مُوسَى أَنه ملك الْمَوْت ويفقأ عينه، وَقد جَاءَت الْمَلَائِكَة إِلَى إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، فَلم يعرفهُمْ ابْتِدَاء، وَلَو علمهمْ لَكَانَ من الْمحَال أَن يقدم إِلَيْهِم عجلاً، لأَنهم لَا يطْعمُون. وَقد جَاءَ الْملك إِلَى مَرْيَم فَلم تعرفه، وَلَو عَرفته لما استعاذت مِنْهُ، وَقد دخل الْملكَانِ على دَاوُد، عليه الصلاة والسلام، فِي شبه آدميين يختصمان عِنْده فَلم يعرفهما، وَقد جَاءَ جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، إِلَى سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَسَأَلَهُ
عَن الْإِيمَان فَلم يعرفهُ، وَقَالَ: مَا أَتَانِي فِي صُورَة قطّ إِلَّا عَرفته فِيهَا غير هَذِه الْمرة، فَكيف يستنكر أَن لَا يعرف مُوسَى الْملك حِين دخل عَلَيْهِ.
وَأما قَول الجهمي: ءن الله تَعَالَى لم يقْتَصّ للْملك، فَهُوَ دَلِيل على جَهله من الَّذِي أخبرهُ أَن بَين الْمَلَائِكَة والآدميين قصاصا وَمن أخبرهُ أَن الْملك طلب الْقصاص فَلم يقْتَصّ لَهُ، وَمَا الدَّلِيل على أَن ذَلِك كَانَ عمدا وَقد أخبرنَا نَبينَا، صلى الله عليه وسلم، أَن الله تَعَالَى لم يقبض نَبيا قطّ حَتَّى يرِيه مَقْعَده فِي الْجنَّة، ويخبره فَلم ير أَن يقبض روحه قبل أَن يرِيه مَقْعَده من الْجنَّة ويخبره، وَقَالَ ابْن التِّين: وَقَول من قَالَ: فَقَأَ عينه بِالْحجَّةِ، لَيْسَ بِشَيْء لما فِي الحَدِيث: فَرد الله عينه، وَقَالَ الْخطابِيّ. فَإِن قيل: كَيفَ يجوز أَن يفعل مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، بِالْملكِ مثل هَذَا الصَّنِيع؟ أَو كَيفَ تصل يَده إِلَيْهِ؟ أَو كَيفَ لَا يقبض الْملك روحه وَلَا يمْضِي أَمر الله تَعَالَى بِهِ؟ قلت: أكْرم الله مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، فِي حَيَاته بِأُمُور أفرده بهَا، فَلَمَّا دنت وَفَاته لطف أيضابه بِأَن لم يَأْمر الْملك بِهِ بِأخذ روحه قهرا، لَكِن أرْسلهُ على سَبِيل الامتحان فِي صُورَة الْبشر، فاستنكر مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، شَأْنه وَدفعه عَن نَفسه، فَأتى ذَلِك على عينه الَّتِي ركبت فِي الصُّورَة البشرية الَّتِي جَاءَهُ فِيهَا دون الصُّورَة الملكية، وَقد كَانَ فِي طبع مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، حِدة. رُوِيَ أَنه كَانَ إِذا غضب اشتعلت قلنسوته نَارا. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ عَلَيْهِ فقء عين الْملك؟ قلت: لَا يمْتَنع أَن يَأْذَن الله لَهُ فِي هَذِه اللَّطْمَة، وَيكون ذَلِك امتحانا للملطوم، وَالله يفعل مَا يَشَاء. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي (مُخْتَلف الحَدِيث) : أذهب مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، الْعين الَّتِي هِيَ تخييل وتمثيل وَلَيْسَت على حَقِيقَته، وَعَاد ملك الْمَوْت إِلَى حَقِيقَة خلقه الروحاني كَمَا كَانَ لم ينتقص مِنْهُ شَيْء.
قَوْله: (قَالَ: أَي رب) أَي: قَالَ مُوسَى، عليه الصلاة والسلام: يَا رب. قَوْله: (ثمَّ مَاذَا)، وَفِي رِوَايَة:(ثمَّ مَه)، وَهِي: مَا، الاستفهامية. وَلما وقف عَلَيْهَا زَاد هَاء السكت، وَالْمعْنَى: ثمَّ مَا يكون بعد ذَلِك؟ . قَوْله: (قَالَ: ثمَّ الْمَوْت) أَي: قَالَ الله تَعَالَى: ثمَّ يكون بعد ذَلِك الْمَوْت. قَوْله: (قَالَ فَالْآن) أَي: قَالَ مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، فَالْآن يكون الْمَوْت، وَلَفظ: الْآن، ظرف زمَان غير مُتَمَكن، وَهُوَ اسْم لزمان الْحَال وَهُوَ الزَّمَان الْفَاصِل بَين الْمَاضِي والمستقبل، وَهُوَ يدل على أَن مُوسَى، عليه السلام، لما خَيره الله تَعَالَى اخْتَار الْمَوْت شوقا إِلَى لِقَاء ربه تَعَالَى، كَمَا خير نَبينَا، عليه الصلاة والسلام، فَقَالَ:(الرفيق الْأَعْلَى) . قَوْله: (فَسَأَلَ الله أَن يُدْنِيه من الأَرْض المقدسة) أَي: فَعِنْدَ ذَلِك سَأَلَ مُوسَى الله أَن يقربهُ من الأَرْض المقدسة، وَهِي بَيت الْمُقَدّس. وَقَالَ ابْن التِّين: الأَرْض المقدسة الشَّام، وَمعنى: المقدسة، المطهرة. وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة فِي مَحل النصب على المفعولية، أَي: سَأَلَ الله تَعَالَى الدنو من بَيت الْمُقَدّس ليدفن فِيهِ دنوا لَو رمى رام الْحجر من ذَلِك الْموضع الَّذِي هُوَ الْآن مَوضِع قَبره لوصل إِلَى بَيت الْمُقَدّس، وَإِنَّمَا سَأَلَ ذَلِك لفضل من دفن فِي الأَرْض المقدسة من الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ، فاستحب مجاورتهم فِي الْمَمَات كَمَا فِي الْحَيَاة، وَلِأَن النَّاس يقصدون الْمَوَاضِع الفاضلة ويزورون قبورها وَيدعونَ لأَهْلهَا. وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا سَأَلَ الدنو مِنْهَا ليسهل على نَفسه وَيسْقط عَنهُ الْمَشَقَّة الَّتِي تكون على من هُوَ بعيد مِنْهَا، وصعوبته عِنْد الْبَعْث والحشر. فَإِن قلت: لِمَ لم يسْأَل نفس الْبَيْت وَسَأَلَ الدنو مِنْهُ؟ قلت: خَافَ أَن يكون قَبره مَشْهُورا فيفتنن بِهِ النَّاس، كَمَا أخبر بِهِ الشَّارِع أَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد. قَوْله:(رمية بِحجر) ، يحْتَمل أَن يكون على قربهَا دونهَا قدر رمية حجر أَو أدنى من مَكَاني إِلَى الأَرْض المقدسة، هَذَا الْقدر. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي طلبه الدنو من الأَرْض المقدسة؟ قلت: الْحِكْمَة فِي ذَلِك أَن الله لما منع بني إِسْرَائِيل من دُخُول بَيت الْمُقَدّس وتركهم فِي التيه أَرْبَعِينَ سنة إِلَى أَن أفناهم الْمَوْت وَلم يدْخل الأَرْض المقدسة إِلَّا أَوْلَادهم مَعَ يُوشَع، عليه السلام، وَمَات هَارُون ثمَّ مُوسَى، عليهما السلام، قبل فتحهَا، ثمَّ إِن مُوسَى لما لم يتهيأ لَهُ دُخُولهَا لغَلَبَة الجبارين عَلَيْهَا، وَلَا يُمكن نبشه بعد ذَلِك لينقل إِلَيْهَا طلب الْقرب مِنْهَا، لِأَن مَا قَارب الشَّيْء أعطي حكمه. وَقيل: إِنَّمَا طلب الدنو لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يدْفن حَيْثُ يَمُوت وَلَا ينْقل. قيل: فِيهِ نظر، لِأَن مُوسَى قد نقل يُوسُف، عليهما السلام إِلَى بلد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، عليه الصلاة والسلام. قلت: وَفِيه نظر، لِأَن مُوسَى مَا نَقله إلَاّ بِالْوَحْي، فَكَانَ ذَاك مَخْصُوصًا بِهِ. قَوْله:(فَلَو كنت ثمَّ) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَهُوَ اسْم يشار بِهِ. وَلما عرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم رأى مُوسَى قَائِما يُصَلِّي فِي قَبره. .
وَفِي (الْمرْآة) اخْتلفُوا فِي مَوضِع قبر مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، على أَقْوَال.
أَحدهَا: أَنه بِأَرْض التيه، هُوَ وَهَارُون، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلم يذخل الأَرْض المقدسة إلَاّ رمية حجر، رَوَاهُ الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقَالَ: لَا يعرف قَبره، وَرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، أبهم ذَلِك