الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأوسط للعامة والأعلى للشهداء. وَفِيه: فضل تَعْبِير الرُّؤْيَا. وَفِيه: أَن من قدم خيرا وجده غَدا فِي الْقِيَامَة لقَوْله: (أتيت مَنْزِلك) . وَفِيه: اسْتِحْبَاب إقبال الإِمَام بعد سَلَامه على أَصْحَابه. وَفِيه: مبادرة الْمعبر إِلَى تَأْوِيلهَا أول النَّهَار قبل أَن يتشعب ذهنه باشتغاله فِي معاشه فِي الدُّنْيَا، وَلِأَن عهد الرَّائِي قريب وَلم يطْرَأ عَلَيْهِ مَا يشوشها، وَلِأَنَّهُ قد يكون فِيهَا مَا يسْتَحبّ تَعْجِيله: كالحث على خير والتحذير عَن مَعْصِيّة. وَفِيه: إِبَاحَة الْكَلَام فِي الْعلم. وَفِيه: أَن استدبار الْقبْلَة فِي جُلُوسه للْعلم أَو غَيره جَائِز.
49 -
(بابُ مَوْتِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْمَوْت يَوْم الِاثْنَيْنِ. فَإِن قلت: لَيْسَ لأحد اخْتِيَار فِي تعْيين وَقت الْمَوْت، فَمَا وَجه هَذَا؟ قلت: لَهُ مدْخل فِي التَّسَبُّب فِي حُصُوله بِأَن يرغب إِلَى الله لقصد التَّبَرُّك، فَإِن أُجِيب فَخير حصل وإلَاّ يُثَاب على اعْتِقَاده.
7831 -
حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ دَخَلْتُ عَلَى أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَقَالَ فِي كَمْ كَفَّنْتُمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَتْ فِي ثَلَاثَةِ أثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ وَقَالَ لَهَا فِي أيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَتْ يَوْمَ الإثْنَيْنِ قَالَ فأيُّ يَوْمٍ هاذا قالَتْ يَوْمُ الإثْنَيْنِ قَالَ أرْجُو فِيمَا بَيْنِي وبَيْنَ اللَّيْلِ فنَظَرَ إلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كانَ يْمَرَّضُ فِيهِ بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ فَقَالَ اغْسِلُوا ثَوْبِي هاذا وَزِيدُوا علَيْهِ ثَوْبَيْنِ فكَفِّنُونِي فِيهَا قُلْتُ إنَّ هاذا خَلْقً. قَالَ إنَّ الحَيَّ أحَقُّ بِالجَدِيدِ مِنَ المَيِّتِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ ودُفِنَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَت وَفَاته يَوْم الْإِثْنَيْنِ، فَمن مَاتَ يَوْم الِاثْنَيْنِ يُرْجَى لَهُ الْخَيْر لموافقة يَوْم وَفَاته يَوْم وَفَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فظهرت لَهُ مزية على غَيره من الْأَيَّام بِهَذَا الِاعْتِبَار، فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(مَا من مُسلم يَمُوت يَوْم الْجُمُعَة أَو لَيْلَة الْجُمُعَة إلَاّ وَقَاه الله تَعَالَى فتْنَة الْقَبْر) . قلت: هَذَا حَدِيث انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل لِأَن ربيعَة بن سيف يرويهِ عَن ابْن عمر، وَلَا يعرف لَهُ سَماع مِنْهُ، فَلذَلِك لم يذكرهُ البُخَارِيّ، فاقتصر على مَا وَافق شَرطه.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، ووهيب بِالتَّصْغِيرِ هُوَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (دخلت على أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) تَعْنِي أَبَاهَا. قَوْله: (فِي كم كفنتم النَّبِي صلى الله عليه وسلم؟) أَي: فِي كم ثوبا كفنتم، و: كم، الاستفهامية وَإِن كَانَ لَهَا صدر الْكَلَام، وَلَكِن الْجَار كالجزء لَهُ فَلَا يتصدر عَلَيْهِ. فَإِن قلت: كَانَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أقرب النَّاس إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأعلمهم بِحَالهِ وأموره، فَمَا وَجه هَذَا السُّؤَال؟ قلت: هَذَا السُّؤَال من أبي بكر عَن كفن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعَن الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَالْجَوَاب عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، كَانَا فِي مرض مَوته، وَكَانَ قَصده من ذَلِك مُوَافَقَته للنَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى فِي التَّكْفِين، وَكَانَ يَرْجُو أَيْضا أَن تكون وَفَاته فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَذَلِكَ لشدَّة إتباعه إِيَّاه فِي حَيَاته، فَأَرَادَ اتِّبَاعه فِي مماته، وَحصل قَصده فِي التَّكْفِين، لِأَن عَائِشَة لما قَالَت: كفن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة، أَشَارَ أَبُو بكر أَن يكون كَفنه أَيْضا فِي ثَلَاثَة أَثوَاب، حَيْثُ قَالَ: إغسلوا ثوبي هَذَا، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى ثَوْبه الَّذِي كَانَ يمرض فِيهِ، وزيدوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ ليصير ثَلَاثَة أَثوَاب، مثل كفن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَأما وَفَاته فقد تَأَخَّرت عَن وَقت وَفَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم توفّي يَوْم الِاثْنَيْنِ، وَتُوفِّي أَبُو بكر لَيْلَة الثُّلَاثَاء بَين الْمغرب وَالْعشَاء لثمان بَقينَ من جمادي الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة، وَذَلِكَ كَانَ لحكمة فِي التَّأْخِير، وَهِي أَنه إِنَّمَا تَأَخّر عَن يَوْم الْإِثْنَيْنِ
لكَونه قَامَ بِالْأَمر بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَنَاسَبَ أَن تكون وَفَاته مُتَأَخِّرَة عَن الْوَقْت الَّذِي قبض فِيهِ، عليه الصلاة والسلام، وَقيل: إِنَّمَا سَأَلَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن ذَلِك بِصِيغَة الِاسْتِفْهَام تَوْطِئَة لعَائِشَة للصبر على فَقده، لِأَنَّهُ لم تكن خرجت من قَلبهَا الحرقة، لمَوْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَلَو كَانَ ذكر ابْتِدَاء من أَمر مَوته لدخل عَلَيْهَا غم عَظِيم من ذَلِك، وتجديد حزن، لِأَنَّهُ كَانَ يكون حِينَئِذٍ غم على غم وحزن على حزن، وَلم يقْصد أَبُو بكر ذَلِك، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون السُّؤَال عَن قدر الْكَفَن على حَقِيقَته لِأَنَّهُ لم يحضر ذَلِك لاشتغاله بِأَمْر الْبيعَة. انْتهى. قلت: مَا أبعد هَذَا عَن مَنْهَج الصَّوَاب، لأَنا قد ذكرنَا أَن السُّؤَال وَالْجَوَاب إِنَّمَا كَانَا فِي مرض موت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لأجل الْمُوَافقَة والاتباع، وَأَيْنَ كَانَ وَقت اشْتِغَاله بِأَمْر الْبيعَة من هَذَا الْوَقْت الَّذِي كَانَ فِيهِ مَرِيضا مرض الْمَوْت، وَمن الْبعيد أَن لَا يحضر أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، تكفين النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَعَ كَونه أقرب النَّاس إِلَيْهِ فِي كل شَيْء، وَمَعَ هَذَا كَانَت الْبيعَة فِي الْيَوْم الَّذِي توفّي فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَوْم الِاثْنَيْنِ، والتكفين كَانَ وَقت دَفنه لَيْلَة الْأَرْبَعَاء. قَالَه ابْن إِسْحَاق. فَإِن قلت: قَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَت الْبيعَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ قلت: كَانَت يَوْم الِاثْنَيْنِ يَوْم السَّقِيفَة، وَكَانَت الْبيعَة الْعَامَّة يَوْم الثُّلَاثَاء، قَالَه الزُّهْرِيّ وَغَيره. قَوْله:(بيض)، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة جمع: أَبيض. قَوْله: (سحُولِيَّة)، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة: نِسْبَة إِلَى سحول، قَرْيَة بِالْيمن، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي: بَاب الثِّيَاب الْبيض للكفن، قَوْله:(وَقَالَ لَهَا) أَي: قَالَ أَبُو بكر لعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فِي أَي يَوْم توفّي فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ بَعضهم: وَأما تعْيين الْيَوْم فنسيانه أَيْضا يحْتَمل، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دفن لَيْلَة الْأَرْبَعَاء، فَيمكن أَن يحصل التَّرَدُّد: هَل مَاتَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ أَو الثُّلَاثَاء؟ انْتهى قلت: هَذَا أبعد من الأول، لِأَنَّهُ كَيفَ يخفى عَلَيْهِ ذَلِك وَقد بُويِعَ لَهُ فِي ذَلِك الْيَوْم بيعَة السَّقِيفَة؟ وَأَيْضًا كَانَ ذَلِك الْيَوْم يَوْم اخْتِلَاف الصَّحَابَة فِيهِ فِي مَوته، فَمن قَائِل، قَالَ: مَاتَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَمن قَائِل قَالَ: لم يمت وَمِنْهُم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَتَّى خطب أَبُو بكر إِلَى جَانب الْمِنْبَر، وَبَين لَهُم وَفَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فأزال الْجِدَال وأزاح الْإِشْكَال. وَكَيف يخفى عَلَيْهِ مثل ذَلِك الْيَوْم مَعَ قرب الْعَهْد، وَإِنَّمَا كَانَ وَجه سُؤَاله ليعلمها أَنه كَانَ يتَمَنَّى أَن تكون وَفَاته يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَلم يكن سُؤَاله عَن حَقِيقَة ذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، يَوْم الِاثْنَيْنِ تطييبا لِقَلْبِهِ، لما قَالَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي أَي يَوْم توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ وَيَوْم الِاثْنَيْنِ مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة. قَوْله:(قَالَ فَأَي يَوْم هَذَا؟) أَي: قَالَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَي يَوْم هَذَا؟ وَأَشَارَ بِهِ إِلَى الْيَوْم الَّذِي كَانَ مَرِيضا فِيهِ، وَكَانَ آخر أَيَّامه، وَلم يكن مَوته فِيهِ لما ذكرنَا قَوْله:(قلت يَوْم الِاثْنَيْنِ)، بِرَفْع الْيَوْم لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هَذَا الْيَوْم يَوْم الْإِثْنَيْنِ. قَوْله: (أَرْجُو فِيمَا بيني وَبَين اللَّيْل)، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:(وَبَين اللَّيْلَة) وَمَعْنَاهُ: أَرْجُو من الله تَعَالَى أَن يكون موتِي فِيمَا بَين الْوَقْت الَّذِي أَنا فِيهِ وَبَين اللَّيْل الَّذِي يَأْتِي، يَعْنِي يكون يَوْم الِاثْنَيْنِ ليَكُون مَوته فِي يَوْم موت النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَمَعَ هَذَا توفّي لَيْلَة الثُّلَاثَاء بَين الْمغرب وَالْعشَاء الْآخِرَة لثمان بَقينَ من جمادي الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة، كَمَا ذكرنَا آنِفا. وَقيل: توفّي أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَوْم الْجُمُعَة، وَقيل: لَيْلَة الْجُمُعَة و: الأول أصح، وَلَا خلاف أَنه، صلى الله عليه وسلم، مَاتَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ قبل أَن ينشب النَّهَار، وَمرض لإثنين وَعشْرين لَيْلَة من صفر، وَبَدَأَ وَجَعه عِنْد وليدة لَهُ يُقَال لَهَا رَيْحَانَة كَانَت من سبي الْيَهُود وَكَانَ أول يَوْم مرض يَوْم السبت، وَتُوفِّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتَمام عشر سِنِين من مقدمه صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة، وَاخْتلفُوا فِي سَبَب موت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ سيف بن عمر، إِسْنَاده عَن ابْن عمر، قَالَ: كَانَ سَبَب مرض أبي بكر وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، كمد فَمَا زَالَ جِسْمه يذوب حَتَّى مَاتَ. وَقيل: سم، فَقَالَ ابْن سعد بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن شهَاب: إِن أَبَا بكر والْحَارث بن كلدة يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فَقَالَ لَهُ الْحَارِث: إرفع يدك يَا خَليفَة رَسُول الله، وَالله إِن فِيهَا السم سنة وَأَنا وَأَنت نموت فِي يَوْم وَاحِد عِنْد انْتِهَاء السّنة، فماتا عِنْد انْقِضَائِهَا، وَلم يَزَالَا عليلين حَتَّى مَاتَا. والخزيرة أَن يقطع اللَّحْم ويذر عَلَيْهِ الدَّقِيق. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: الَّذِي سمته امْرَأَة من الْيَهُود فِي أرز، وَقيل: إِن الْيَهُود سمته فِي حسو. وَقيل: اغْتسل فِي يَوْم بَارِد فَحم خَمْسَة عشر يَوْمًا وَتُوفِّي، حَكَاهُ الْوَاقِدِيّ عَن عَائِشَة. وَقيل: علق بِهِ سل قبل وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلم يزل بِهِ حَتَّى قَتله، حَكَاهُ عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله:(ثمَّ نظر)، أَي: أَبُو بكر، إِلَى ثوب عَلَيْهِ أَي
ثوب كَائِن على بدنه، قَوْله:(كَانَ يمرض فِيهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول من التمريض، من مَرضت فلَانا بِالتَّشْدِيدِ إِذا أَقمت عَلَيْهِ بالتعهد والمداواة، قَوْله:(بِهِ ردع)، أَي: بِهَذَا الثَّوْب الَّذِي عَلَيْهِ ردع، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره عين مُهْملَة: وَهُوَ اللطخ والأثر، وَكلمَة: من، فِي قَوْله:(من زعفران)، للْبَيَان. قَوْله:(وزيدوا عَلَيْهِ) أَي: على هَذَا الثَّوْب. قَوْله: (فيهمَا) أَي: فِي الْمَزِيد والزيد عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن بطال: إِن كَانَت الرِّوَايَة: فِيهَا، فَالضَّمِير عَائِد إِلَى الأثواب الثَّلَاثَة، وَإِن كَانَت: فيهمَا، يَعْنِي بالتثنية، فكأنهما جَعلهمَا جِنْسَيْنِ: الثَّوْب الَّذِي كَانَ يمرض فِيهِ جِنْسا، والثوبين الآخرين جِنْسا، فذكرهما بِلَفْظ التَّثْنِيَة. وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: فِيهَا بإفراد الضَّمِير. قَوْله: (قلت: إِن هَذَا خلق) أَي: قَالَت عَائِشَة: إِن هَذَا الثَّوْب الَّذِي عَلَيْهِ خلق، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام، أَي: بَال، عَتيق، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة عِنْد ابْن سعد:(أَلا تجعلها جددا كلهَا؟ قَالَ: لَا) . وَيفهم من هَذَا أَنه كَانَ يرى عدم المغالاة فِي الأكفان، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله بعد ذَلِك:(إِن الْحَيّ أَحَق بالجديد، إِنَّمَا هُوَ للمهلة)، بِضَم الْمِيم وَهُوَ: الْقَيْح والصديد، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بالمهلة مَعْنَاهَا الْمَشْهُور، أَي: الْجَدِيد لمن يرى المهلة فِي بَقَائِهِ، ويروى: المهلة، بِكَسْر الْمِيم، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: فَإِنَّمَا هما للمهل وَالتُّرَاب، ويروى: للمهلة، بِضَم الْمِيم وَكسرهَا وَهُوَ: الْقَيْح والصديد الَّذِي يذوب. وَقيل: من الْجَسَد، وَمِنْه قيل للنحاس الذائب: مهل. وَقَالَ ابْن حبيب: المهلة، بِالْكَسْرِ: الصديد وَبِفَتْحِهَا من التمهل وَبِضَمِّهَا عكر الزَّيْت الْأسود المظلم، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{يَوْم تكون السَّمَاء كَالْمهْلِ} (المعارج: 8) . وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي هَذَا الحَدِيث إِنَّهَا صديد الْمَيِّت، زَعَمُوا أَن الْمهل ضرب من القطران، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:(لَا تغَالوا فِي الْكَفَن فَإِنَّهُ يسلب سَرِيعا) . قَوْله: (لَا تغَالوا) ، من المغالاة وَهِي مُجَاوزَة الْعدَد، وَالْمعْنَى: لَا تبالغوا. قَوْله: (يسلب سَرِيعا) يَعْنِي: يسلب الْمَيِّت الْكَفَن، وَالْمعْنَى: يبْلى عَلَيْهِ وَيقطع وَلَا يبْقى وَلَا ينْتَفع بِهِ الْمَيِّت. فَإِن قلت: يُعَارضهُ حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه مُسلم عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(إِذا كفن أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه) ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وَلَفظه:(إِذا ولي أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه) . وَفِي رِوَايَة الْحَارِث بن أُسَامَة وَأحمد بن منيع: (إِذا ولي أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه فَإِنَّهُم يبعثون فِي أكفانهم ويتزاورون فِي أكفانهم) . وَفِي رِوَايَة أبي نصر عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:(أَحْسنُوا أكفان مَوْتَاكُم فَإِنَّهُم يتباهون ويتزاورون) . قلت: لَا تعَارض بَينهمَا، لِأَن المُرَاد بِهِ لَيْسَ بالمغالاة فِي ثمنه ورقته، وَإِنَّمَا المُرَاد بِهِ كَونه جَدِيدا أَبيض، حَكَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن سَلام بن أبي مُطِيع، وروى ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه كَانَ يُعجبهُ الْكَفَن الصفيق، وروى أَيْضا عَن جَعْفَر بن مَيْمُون، قَالَ: كَانُوا يستحبون أَن تكون الْمَرْأَة فِي غِلَاظ الثِّيَاب، وروى أَيْضا عَن الْحسن وَمُحَمّد أَنه: كَانَ يعجبهما أَن يكون الْكَفَن كتانا، وَرُوِيَ أَيْضا عَن ابْن الحنيفة. قَالَ: لَيْسَ للْمَيت من الْكَفَن شَيْء، وَإِنَّمَا هُوَ تكرمة الْحَيّ. وَقيل فِي الْجمع بَينهمَا: يحمل التحسين على الصّفة، وَتحمل المغالاة على الثّمن، وَقيل: التحسين حق الْمَيِّت فَإِذا أوصى بِتَرْكِهِ اتبع، كَمَا فعل الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَيحْتَمل أَن يكون اخْتَار ذَلِك الثَّوْب بِعَيْنِه لِمَعْنى فِيهِ من التَّبَرُّك بِهِ، لكَونه كَانَ جَاهد فِيهِ أَو تعبد فِيهِ، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ ابْن سعد من طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، قَالَ أَبُو بكر: كفنوني فِي ثوبي اللَّذين كنت أُصَلِّي فيهمَا. قلت: يحْتَمل وَجها آخر وَهُوَ أَن الثَّوْب الَّذِي اخْتَارَهُ كَانَ وصل إِلَيْهِ من النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَلذَلِك اخْتَارَهُ تبركا بِهِ، وَحقّ لَهُ هَذَا الِاخْتِيَار.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: اسْتِحْبَاب التَّكْفِين فِي الثِّيَاب الْبيض. وَفِيه: اسْتِحْبَاب تثليث الْكَفَن. وَفِيه: جَوَاز التَّكْفِين فِي الثِّيَاب المغسولة. وَفِيه: إِيثَار الْحَيّ بالجديد. وَفِيه: جَوَاز دفن الْمَيِّت بِاللَّيْلِ. وَفِيه: اسْتِحْبَاب طلب الْمُوَافقَة فِيمَا وَقع للأكابر تبركا بذلك. وَفِيه: أَخذ الْمَرْء الْعلم عَمَّن دونه. وَفِيه: فضل أبي بكر وَصِحَّة فراسته وثباته عِنْد وَفَاته، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه: أَن وَصِيَّة الْمَيِّت مُعْتَبرَة فِي كَفنه وَغير ذَلِك من أمره إِذا وَافق صَوَابا، فَإِن أوصى بسرف، فَعَن مَالك: يُكفن بِالْقَصْدِ، فَإِن لم يوص لم ينقص عَن ثَلَاثَة أَثوَاب من جنس لِبَاسه فِي حَيَاته، لِأَن الزِّيَادَة عَلَيْهَا وَالنَّقْص مِنْهَا خُرُوج بِهِ عَن عَادَته، وَلَا خلاف فِي جَوَاز التَّكْفِين فِي خلق الثِّيَاب إِذا كَانَت سَالِمَة من الْقطع وساترة لَهُ، وَقَالَ أَبُو عمر: فِيهِ: أَن التَّكْفِين فِي الثَّوْب الْجَدِيد والخلق سَوَاء، وَاعْترض عَلَيْهِ بِاحْتِمَال أَن يكون أَبُو بكر اخْتَارَهُ لِمَعْنى من الْمعَانِي الَّتِي ذَكرنَاهَا آنِفا، وعَلى تَقْدِير أَن لَا يكون كَذَلِك فَلَا دَلِيل فِيهِ على الْمُسَاوَاة. وَالله أعلم.