الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي نذر مُبْهَم وَكَانَت ترى أَنَّهَا لم توف مِمَّا يلْزمهَا فِيهِ وأعانت الْمُنْكَدر فِي كِتَابَته بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم.
11 -
(بابُ أيُّ الصَّدَقَةِ أفْضَلُ وصَدَقَةُ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ)
أَي: بَاب يذكر فِيهِ أَي الصَّدَقَة من الصَّدقَات أفضل وَأعظم أجرا، هَكَذَا هُوَ التَّرْجَمَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بَاب فضل صَدَقَة الشحيح الصَّحِيح. قَوْله: (وَصدقَة الشحيح)، بِالرَّفْع عطف على مَا قبله من الْمُقدر تَقْدِيره: وَفضل صَدَقَة الشحيح، وَلم يتَرَدَّد فِيهِ لِأَن فضل صَدَقَة الشحيح الصَّحِيح على غَيره ظَاهر، لِأَن فِيهِ مجاهدة النَّفس على إِخْرَاج المَال الَّذِي هُوَ شَقِيق الرّوح مَعَ قيام مَانع الشُّح، وَلَيْسَ هَذَا إلَاّ من قُوَّة الرَّغْبَة فِي الْقرْبَة وَصِحَّة العقد، فَكَانَ أفضل من غَيره، وَتردد فِي الأول بِكَلِمَة: أَي، الَّتِي هِيَ للاستفهام لِأَن إطلالاق الْأَفْضَلِيَّة فِيهِ مَوضِع التَّرَدُّد. قَوْله:(الشحيح) ، صفة مشبهة من الشُّح، قَالَ ابْن سَيّده: وَالشح وَالشح وَالشح: الْبُخْل، وَالضَّم أَعلَى. وَقد شححت تشح وتشح، وشححت تشح، وَرجل شحيح وشحاح من قوم أشحة وأشحاء ومشحاح، وَنَفس شحة شحيحة، وَعَن ابْن الْأَعرَابِي: وشاحوا فِي الْأَمر، وَعَلِيهِ. وَفِي (الْجَامِع) حكى قوم الشُّح وَالشح، وَأرى أَن يكون الْفَتْح فِي الْمصدر وَالضَّم فِي الإسم وَجمعه فِي أقل الْعدَد أشحة وَلم أسمع غَيره. وَفِي (الْمُنْتَهى) لأبي الْمعَانِي: الشُّح بخل مَعَ حرص، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْحَرْبِيّ فِي كِتَابه (غَرِيب الحَدِيث) : للشح ثَلَاثَة وُجُوه: الأول: أَن تَأْخُذ مَال أَخِيك بِغَيْر حَقه، قَالَ رجل لِابْنِ مَسْعُود: مَا أعطي مَا أقدر على مَنعه، قَالَ: ذَاك الْبُخْل وَالشح أَن تَأْخُذ مَال أَخِيك بِغَيْر حق. الثَّانِي: مَا رُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه قَالَ: الشُّح منع الزَّكَاة وإدخار الْحَرَام. الثَّالِث: مَا رُوِيَ: (أَن تصدق وَأَنت صَحِيح شحيح) . قَالَ وَالَّذِي يبرىء من الْوُجُوه الثَّلَاثَة مَا روى (برىء من الشُّح من أدّى الزَّكَاة وقرى الضَّيْف واعطى فِي النائبة) . وَفِي (المغيث) : الشُّح أبلغ فِي الْمَنْع من الْبُخْل، وَالْبخل فِي أَفْرَاد الْأُمُور وخواص الْأَشْيَاء، وَالشح بِالْمَاءِ وَالْمَعْرُوف، وَقيل: الشحيح الْبَخِيل مَعَ التحرص. وَفِي (مجمع الغرائب) : الشُّح المطاع هُوَ الْبُخْل الشَّديد الَّذِي يملك صَاحبه بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ أَن يُخَالف نَفسه فِيهِ.
لِقَوْلِهِ {وِأنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأتِيَ أحَدَكُمُ المَوْتَ} (المُنَافِقُونَ: 01) . الْآيَة
علل التَّرْجَمَة بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة لِأَن مَعْنَاهَا التحذير من التسويف بِالْإِنْفَاقِ استبعادا لحلول الْأَجَل واشتغالاً بطول الأمل، والترجمة فِي فضل صَدَقَة الصَّحِيح الشحيح لِأَن فِيهَا مجاهدة النَّفس على الأنفاق خوفًا من هجوم الْأَجَل مَعَ قيام الْمَانِع، وَهُوَ الشُّح. فَلذَلِك كَانَت صدقته أفضل من صَدَقَة غَيره، وَهَذَا هُوَ وَجه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَالْآيَة، وَالْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة الْمُنَافِقين، وَمعنى:{انفقوا} (المُنَافِقُونَ: 01) . تصدقوا مِمَّا رزقكم الله من الْأَمْوَال {من قبل أَن يَأْتِي أحدكُم الْمَوْت فَيَقُول رب لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب} (المُنَافِقُونَ: 01) . يَعْنِي: يَقُول: يَا سَيِّدي ردني إِلَى الدُّنْيَا: {فَأَصدق} يَعْنِي: فأتصدق وَيُقَال أصدق {بِاللَّه وأكن من الصَّالِحين} (المُنَافِقُونَ: 01) . يَعْنِي: أفعل مَا فعل المصدقون. وروى الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: من كَانَ لَهُ مَال تجب فِيهِ الزَّكَاة فَلم يزكه، أَو مَال يبلغهُ بَيت ربه فَلم يحجّ، سَأَلَ عِنْد الْمَوْت الرّجْعَة، قَالَ: فَقَالَ رجل: اتَّقِ الله يَا ابْن عَبَّاس، إِنَّمَا سَأَلت الْكفَّار الرّجْعَة. قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنِّي أَقرَأ عَلَيْك بِهَذَا الْقُرْآن.
وَقَوْلِهِ {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أنْفِقُوا مِما رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ يأتِي يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ} الْآيَة
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على: لقَوْله، وَهَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة الْبَقَرَة، وَهَذِه مُتَأَخِّرَة عَن الْآيَة الأولى فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِالْعَكْسِ، وَقد أَمر الله تَعَالَى هُنَا أَيْضا بِالْإِنْفَاقِ مِمَّا رزقهم الله فِي سبيلة ليدخروا ثَوَاب ذَلِك عِنْد رَبهم، فَعَلَيْهِم الْمُبَادرَة إِلَى ذَلِك من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا بيع فِيهِ، أَي: لَا بدل فِيهِ، وَذكر لفظ البيع لما فِيهِ من الْمُعَاوضَة وَأخذ الْبَدَل وَلَا خلة أَي لَيْسَ خَلِيل ينفع فِي ذَلِك الْيَوْم وَلَا شَفَاعَة للْكَافِرِينَ، والكافرون هم الظَّالِمُونَ لأَنهم وضعُوا الْعِبَادَة فِي غير
موضعهَا، وعولوا على شَفَاعَة الْأَصْنَام، وروى ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء بن دِينَار أَنه قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي قَالَ: والكافرون هم الظَّالِمُونَ، وَلم يقل: والظالمون هم الْكَافِرُونَ.
9141 -
حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حدَّثنا عُمَارَةُ بنُ القَعْقَاعِ قَالَ حَدثنَا أبُو زُرْعَةَ قَالَ حَدثنَا أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. قَالَ جاءَ رَجَلٌ إلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رسولَ الله أيُّ الصَّدَقَةِ أعْظَمُ أجْرا قَالَ أَن تَصَدَّقَ وَأنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ وتَأمُلُ الغِنَى وَلَا تمْهِلُ حَتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ قُلْتُ لِفُلانٍ كَذَا وَلِفُلانٍ كذَا وَقَدْ كانِ لِفُلَانٍ.
(الحَدِيث 9141 طرفه فِي: 8472) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَن تصدق وَأَنت صَحِيح شحيح)، فالصدقة فِي هَذِه الْحَالة أعظم أجرا لِأَن هَذَا القَوْل من النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي جَوَاب السَّائِل:(أَي الصَّدَقَة أعظم أجرا؟) فَإِذا كَانَت هَذِه الصَّدَقَة أعظم أجرا كَانَت أفضل من غَيرهَا.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري، وَقد مر غير مرّة. الثَّانِي: عبد الْوَاحِد ابْن زِيَاد أَبُو بشر. الثَّالِث: عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع، بالقافين المفتوحتين والعينين الْمُهْمَلَتَيْنِ: ابْن شبْرمَة. الرَّابِع: أَبُو زرْعَة، بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء، قيل: إسمه هرم، وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: عَمْرو، وَقد مر فِي: بَاب الْجِهَاد من الْإِيمَان. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي الْإِسْنَاد كُله، وَإِلَى هُنَا مَا وَقع فِي الْكتاب نَظِير هَذَا، وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أحد الروَاة مَذْكُور بِغَيْر نِسْبَة وَالْآخر مَذْكُور بكنيته. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان، وَعمارَة وَأَبُو زرْعَة كوفيان.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْوَصَايَا عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن أبي أُسَامَة عَن سُفْيَان. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَابْن نمير، وَعَن أبي كَامِل عَن عبد الْوَاحِد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن حَرْب، وَفِي الزَّكَاة عَن مَحْمُود بن غيلَان.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جَاءَ رجل)، قيل: يحْتَمل أَن يكون أَبَا ذَر، لِأَنَّهُ فِي مُسْند أَحْمد. سَأَلَ: أَي الصَّدَقَة أفضل؟ وَكَذَا روى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة أَن أَبَا ذَر سَأَلَ: لَكِن جَوَابه جهد من مقل أَو سرى إِلَى فَقير. قَوْله: (قَالَ أَن تصدق) بتَشْديد الصَّاد، وَأَصله: أَن تَتَصَدَّق من بَاب التفعل، فأبدلت إِحْدَى التَّاءَيْنِ صادا وأدغمت الصَّاد فِي الصَّاد، وَيجوز تَخْفيف الصَّاد بِحَذْف إِحْدَى التَّاءَيْنِ، والمتصدق هُوَ الَّذِي يُعْطي الصَّدَقَة، وَأما الْمُصدق فَهُوَ الَّذِي يَأْخُذ الصَّدَقَة من التَّصْدِيق من بَاب التفعيل. فَإِن قلت: مَا مَحل (أَن تصدق) من الْإِعْرَاب؟ قلت: مَرْفُوع على الخبرية، والمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: أعظم الصَّدَقَة أجرا أَن تصدق، أَي: بِأَن تصدق. قَوْله: (وَأَنت صَحِيح) جملَة إسمية وَقعت حَالا. قَوْله: (شحيح) خبر بعد خبر، قَوْله:(تخشى الْفقر)، جملَة فعلية وَقعت حَالا. قَوْله:(وَتَأمل الْغنى) عطف على مَا قبله، وَتَأمل بِضَم الْمِيم، أَي: تطمع بالغنى، وَالصَّدَََقَة فِي هَاتين الْحَالَتَيْنِ أَشد مراغمة للنَّفس. قَوْله:(وَلَا تمهل) بِفَتْح اللَّام من الْإِمْهَال، وَهُوَ التَّأْخِير. تَقْدِيره: وَأَن لَا تمهل لِأَنَّهُ مَعْطُوف على قَوْله: (أَن تصدق)، ويروى بِسُكُون اللَّام على صُورَة النَّهْي. قَوْله:(حَتَّى إِذا بلغت الْحُلْقُوم)، كلمة: حَتَّى، للغاية، وَالضَّمِير فِي: بلغت، يرجع إِلَى الرّوح بِدلَالَة سِيَاق الْكَلَام عَلَيْهِ، وَالْمرَاد مِنْهُ: قاربت الْبلُوغ، إِذْ لَو بلغته حَقِيقَة لم تصح وَصيته وَلَا شَيْء من تَصَرُّفَاته، والحلقوم هُوَ الْحلق، وَفِي (الْمُخَصّص) عَن أبي عُبَيْدَة: هُوَ مجْرى النَّفس والسعال من الْجوف وَهُوَ أطباق غراضيف لَيْسَ دونه من ظَاهر بَاطِن الْعُضْو إِلَّا جلد، وطرفه الْأَسْفَل فِي الرئة والأعلى فِي أصل عقدَة اللِّسَان، وَمِنْه مخرج البصاق وَالصَّوْت. وَفِي (الْمُحكم) ذكر الْحُلْقُوم فِي: بَاب حلق بِحَذْف زائدته، وهما: الْوَاو وَالْمِيم، وَقَالَ: الْحُلْقُوم كالحلق فعلوم عِنْد الْخَلِيل، وفعلول عِنْد غَيره. قَوْله:(لفُلَان)، كِنَايَة عَن الْمُوصى لَهُ. وَقَوله: كَذَا كِنَايَة عَن الْمُوصى بِهِ، وَحَاصِل الْمَعْنى: أفضل الصَّدَقَة أَن تَتَصَدَّق حَال حياتك وصحتك مَعَ احتياجك إِلَيْهِ واختصاصك بِهِ، لَا فِي حَال سقمك وَسِيَاق موتك، لِأَن المَال حِينَئِذٍ خرج عَنْك وَتعلق بغيرك، وَيشْهد لهَذَا التَّأْوِيل حَدِيث أبي سعيد:(لِأَن يتَصَدَّق الْمَرْء فِي حَال حَيَاته بدرهم خير لَهُ من أَن يتَصَدَّق بِمِائَة عِنْد مَوته) . وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ: دَلِيل على أَن