المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٨

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الأمْرِ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الدُّخُولِ عَلَى المَيِّتِ بَعْدَ المَوْتِ إذَا أُدْرِجَ فِي أكفَانِهِ)

- ‌(بابٌ الرَّجُلِ يَنْعَى إلَى أهْلِ المَيِّتِ بِنَفْسِهِ)

- ‌(بابُ الإذنِ بِالجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ منْ ماتَ لَهُ وَلَدٌ فاحْتَسَبَ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأةِ عِنْدَ القَبْرِ اصبِرِي)

- ‌(بابُ غُسْلِ المَيِّتِ وَوَضُوئِهِ بِالمَاءِ والسِّدْرِ)

- ‌(بابُ مَا يُسْتَحَبُّ أنْ يُغْسَلَ وِتْرا)

- ‌(بابٌ يُبْدَأ بِمَيَامِنِ المَيِّتِ)

- ‌(بابُ مَوَاضِع الوُضُوءِ مِنَ المَيِّتِ)

- ‌(بابٌ هَلْ تُكَفَّنُ المَرْأةُ فِي إزَارِ الرَّجُل)

- ‌(بابٌ يَجْعَلُ الكافُورَ فِي آخِرِهِ)

- ‌(بابُ نَقْضِ شَعْرِ المَرْأةِ)

- ‌(بابٌ كَيْفَ الإشْعَارُ لِلْمَيِّتِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُجْعَلُ شَعرُ المَرْأةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ)

- ‌(بَاب يُلْقَى شَعَرُ المَرْأةِ خَلْفَهَا)

- ‌(بابُ الثِّيَابِ البِيضِ لِلْكَفَنِ)

- ‌(بابُ الكفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ)

- ‌(بَاب الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ)

- ‌(بابُ الحُنُوطِ لِلْمَيِّتِ)

- ‌(بابٌ كيْفَ يُكَفَّنُ المحْرِمُ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ فِي القَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ أوْ لَا يُكَفُّ وَمَنْ كُفِّنَ بِغَيْرِ قَمِيصٍ)

- ‌(بَاب الكَفَنِ بِغَيْرِ قَمِيصٍ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ بِلَا عِمَامَةٌ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ مِنْ جَمِيعِ المَالِ)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَاّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنا إلَاّ مَا يُوَارِى رَأْسَهُ أوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى بِهِ رَأْسَهُ)

- ‌(بابُ مَنِ اسْتَعَدَّ الكَفَنَ فِي زَمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ)

- ‌(بابُ اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابْ حَدِّ المَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا)

- ‌(بابُ زِيَارَةِ القُبُورِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبَعْضِ بُكاءِ أهْلِهِ عَلَيْهِ إذَا كانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ لِقَوْلِ الله تعَالَى: {قُوا أنُفُسَكُمْ وَأهْلِيكُمْ نَارا} )

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى المَيِّتِ)

- ‌بَاب

- ‌(بابٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الجُيُوبَ)

- ‌(بابٌ رَثَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بنَ خَوْلَةَ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهى مِنَ الحَلْقِ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهى مِنَ الوَيْلِ وَدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابُ مَنْ جَلَسَ عِنْدَ المُصِيبَةِ يُعْرَفُ فِيهِ الحُزْنُ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابُ الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى)

- ‌(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ)

- ‌(بابُ البُكَاءِ عِنْدَ المَرِيضِ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهَى عنِ النَّوْحِ والبُكَاءِ وَالزَّجْرِ عنْ ذالِك)

- ‌(بابُ القِيَامِ لِلْجَنَازَةِ)

- ‌(بَاب مَتى يقْعد إِذا قَامَ للجنازة)

- ‌(بابُ مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ عنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ فانْ قَعَدَ أُمِرَ بِالقِيامِ)

- ‌(بابُ منْ قامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ)

- ‌(بابُ حَمْلِ الرِّجَالِ الجِنَازَةَ دُونَ النِّسَاءِ)

- ‌(بابُ السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ المَيِّتِ وَهْوَ عَلَى الجِنَازَةِ قَدِّمُونِي)

- ‌(بابُ مَنْ صَفَّ صَفَّيْنِ أوْ ثَلَاثَةً عَلَى الجَنَازَةِ خَلْفَ الإمَامِ)

- ‌(بابُ الصُّفُوفِ عَلَى الجِنَازَةِ)

- ‌(بابُ صُفُوفِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ عَلَى الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ سُنَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ مَنِ انْتَظَرَ حَتَّى يُدْفَنَ)

- ‌(بابُ صَلَاةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَائِزِ بِالمُصَلَّى وَالمَسْجِدِ)

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُورِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا)

- ‌(بابٌ أَيْن يَقُومُ مِنَ المَرْأةِ وَالرَّجُلِ)

- ‌(بَاب التَّكْبِيرِ عَلَى الجَنَازَةِ أرْبَعا)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ فاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى القَبْرِ بَعْدَمَا يُدْفَنُ)

- ‌(بابٌ المَيِّتُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ)

- ‌(بابُ مَنْ أحَبَّ الدَّفْنَ فِي الأرْضِ المُقَدَّسَةِ أوْ نَحْوِهَا)

- ‌(بابُ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ)

- ‌(بابُ بِنَاءِ المَسْجِدِ عَلَى القَبْرِ)

- ‌(بابُ مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ المَرْأةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ)

- ‌(بابُ دَنْنِ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَرَ غَسْلَ الشُّهَدَاءِ)

- ‌(بابُ مَنْ يُقَدِّمُ فِي اللَّحْدِ)

- ‌(بابُ الإذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي القَبْرِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يخْرج المَيِّتُ مِنَ القَبْرِ واللَّحْدِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بابُ اللَّحْدِ والشَّقِّ فِي القَبْرِ)

- ‌(بابٌ إذَا أسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَليهِ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ الإسْلَامُ)

- ‌(بابٌ إذَا قَالَ المُشْرِكُ عِنْدَ المَوْتِ لَا إلاهَ إلَاّ الله)

- ‌(بابُ الجَرِيدِ عَلَى القَبْرِ)

- ‌(بابُ مَوْعِظَةِ المُحَدِّثِ عِنْدَ القَبْرِ وَقُعُودِ أصْحَابِهِ حَوْلَهُ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي قاتِلِ النَّفْسِ)

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاةِ عَلى المُنَافِقِينَ وَالاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ)

- ‌(بابُ ثَنَاءِ النَّاسِ علَى المَيِّتِ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي عَذَابِ القَبْرِ وقولهُ تَعَالَى: {وَلَوْ تَراي إذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ وَالمَلَائِكَةُ باسِطُوا أيْدِيهِم أخْرِجُوا أنْفُسَكُمْ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} (الْأَنْعَام: 39) . الهُونُ هُوَ الهَوَانُ

- ‌(بابُ التَّعَوَّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)

- ‌(بابُ عَذَابِ القَبْرِ مِنَ الغِيبَةِ وَالبَوْلِ)

- ‌(بابُ المَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ والعَشِيِّ)

- ‌(بابُ كَلَامِ المَيِّتِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ مَا قِيلَ فِي أوْلَادِ المُسْلِمِينَ)

- ‌(بابُ مَا قِيلَ فِي أوْلادِ المُشْرِكِينَ)

- ‌ بَاب

- ‌(بابُ مَوْتِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ)

- ‌(بابُ مَوْتِ الفَجْأةِ البَغْتَةِ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي قَبْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَأبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا)

- ‌(بابُ مَا يُنْهِى مِنْ سَبِّ الأمْوَاتِ)

- ‌(بابُ ذِكْرِ شِرَارِ المَوْتَى)

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاة)

- ‌(بابُ وُجُوبِ الزَّكاةِ)

- ‌(بابُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابُ البَيْعَةِ عَلَى إيتَاءِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابُ إثْمِ مانِعِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابٌ مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ)

- ‌(بابُ إنْفَاقِ المَالِ فِي حَقِّهِ)

- ‌(بابُ الرِّياءِ فِي الصَّدَقَةِ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ قبل الرَّدِّ)

- ‌(بابٌ اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)

- ‌(بابُ أيُّ الصَّدَقَةِ أفْضَلُ وصَدَقَةُ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ)

- ‌(بابٌ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ العَلَانِيَةِ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ السِّرِّ)

- ‌(بابٌ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهْوَ لَا يَعْلَمُ)

- ‌(بابٌ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهْوَ لَا يَشْعُرُ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ بِاليَمِينِ)

- ‌(بابُ مَنْ أمَرَ خادِمَهُ بِالصَّدَقَةِ ولَمْ يُنَاوِلْ بِنَفْسِهِ)

- ‌(بابٌ لَا صَدَقَةَ إلَاّ عنْ ظَهْرِ غِنَى)

- ‌(بابُ المَنَّانِ بِمَا أعْطَى)

- ‌(بابُ مَنْ أحَبَّ تَعْجِيلَ الصَّدَقَةِ مِنْ يَوْمِهَا)

- ‌(بابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ والشَّفَاعَةِ فِيهَا)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ)

- ‌(بابٌ الصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الخَطِيئَةَ)

- ‌(بابُ مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أسْلَمَ)

- ‌(بابُ أجْرِ الخَادِمِ إذَا تَصَدَّقَ بِأمْرِ صاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ)

- ‌(بابُ أجْرِ المَرْأةِ إذَا تَصَدَّقَتْ أوْ أطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {فأمَّا مَنْ أعْطَى وَاتَّقَى وصَدَّقَ بِالحُسْنَى فسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} )

- ‌(بابُ مَثَلِ المُتَصَدِّقِ وَالبَخِيلِ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ الكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ)

- ‌(بابٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٌ صَدَقَةٌ فَمَنْ يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ)

- ‌(بابٌ قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَنْ أعْطَى شَاة)

الفصل: ‌(باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه)

يعزيها بذلك ويخبرها بِمَا صَار إِلَيْهِ من الْفضل. قَوْله: (حَتَّى رفعتموه)، أَي: من مغسلة، لِأَنَّهُ نسب الْفِعْل إِلَى أَصله قَالَه الدَّاودِيّ، وإظلاله بأجنحتها لِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهِ وتزاحمهم على الْمُبَادرَة بصعود روحه، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وتبشيره بِمَا أعد الله لَهُ من الْكَرَامَة، أَو أَنهم أظلوه من الْحر لِئَلَّا يتَغَيَّر أَو لِأَنَّهُ من السَّبْعَة الَّذين يظلهم الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إلَاّ ظله، وروى بَقِي بن مخلد (عَن جَابر: لَقِيَنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلا أُبَشِّرك أَن الله أَحَي أَبَاك وَكلمَة كفاحا وَمَا كلم أحدا قطّ إلَاّ من وَرَاء حجاب؟ .

وَفِيه: فَضِيلَة عَظِيمَة لم تسمع لغيره من الشُّهَدَاء فِي دَار الدُّنْيَا. وَفِيه: جَوَاز الْبكاء على الْمَيِّت كَمَا مضى، وَنهى أهل الْمَيِّت بَعضهم بَعْضًا عَن الْبكاء للرفق بالباكي.

تابَعَهُ ابنُ جُرَيْجَ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ المُنْكَدِرِ سَمِعَ جابِرا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ

يَعْنِي: تَابع شُعْبَة عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج ذكر هَذِه الْمُتَابَعَة لينفي مَا وَقع فِي نُسْخَة ابْن ماهان فِي (صَحِيح مُسلم) عَن عبد الْكَرِيم عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن عَن جَابر جعل بدل مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، فَبين البُخَارِيّ أَن الصَّوَاب: ابْن الْمُنْكَدر، كَمَا رَوَاهُ شُعْبَة، وشده بِرِوَايَة ابْن جريج، وَوصل مُسلم هَذِه الْمُتَابَعَة: حَدثنَا عبد بن حميد حَدثنَا روح بن عبَادَة حَدثنَا ابْن جريج عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر.

وَأخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث من خَمْسَة طرق. الأول: من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر (عَن جَابر يَقُول: لما كَانَ يَوْم أحد جِيءَ بِأبي مسجى، وَقد مثل بِهِ) الحَدِيث. الثَّانِي: من طَرِيق شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر. الثَّالِث: من طَرِيق ابْن جريج عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر. الرَّابِع: من طَرِيق معمر عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر. الْخَامِس: من طَرِيق مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن جَابر، وَهَذَا فِي نُسْخَة ابْن ماهان.

4 -

(بابٌ الرَّجُلِ يَنْعَى إلَى أهْلِ المَيِّتِ بِنَفْسِهِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الرجل ينعي إِلَى أهل الْمَيِّت، فَقَوله: بَاب، منون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف كَمَا قَدرنَا. وَقَوله: الرجل، مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ. وَقَوله:(ينعى)، خَبره وَمعنى: ينعى إِلَى أهل الْمَيِّت، يظْهر خبر مَوته إِلَيْهِم، يُقَال: نعاه ينعاه نعيا ونعيانا، وَهُوَ من بَاب: فعل يفعل، بِفَتْح الْعين فيهمَا، وَفِي (الْمُحكم) : النعي الدُّعَاء بِمَوْت الْمَيِّت والإشعار بِهِ. وَفِي (الصِّحَاح) : النعي خبر الْمَوْت، وَكَذَلِكَ النعي على فعيل وَفِي (الواعي) : النعي على فعيل هُوَ نِدَاء الناعي، والنعي: أَيْضا هُوَ الرجل الَّذِي ينعى، والنعي: الرجل الْمَيِّت، والنعي) الْفِعْل، وَالضَّمِير فِي: بِنَفسِهِ، يرجع إِلَى الْمَيِّت أَي: بِنَفس الْمَيِّت، وَهَذِه التَّرْجَمَة بِهَذِهِ الصّفة هِيَ الْمَشْهُورَة فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِحَذْف الْبَاء فِي: بِنَفسِهِ، أَي: ينعي نفس الْمَيِّت إِلَى أَهله، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ سقط ذكر الْأَهْل، وَلَيْسَ لَهَا وَجه. وَقَالَ الْمُهلب: الصَّوَاب أَن يَقُول: بَاب الرجل ينعى إِلَى النَّاس الْمَيِّت بِنَفسِهِ، وَإِلَيْهِ مَال ابْن بطال، فَقَالَ: فِي التَّرْجَمَة خلل، ومقصود البُخَارِيّ: بَاب الرجل ينعى إِلَى النَّاس الْمَيِّت بِنَفسِهِ، وَيكون الْمَيِّت نصبا مفعول: ينعى، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَا خلل فِيهِ لجَوَاز حذف الْمَفْعُول عِنْد الْقَرِينَة، وَقَالَ بَعضهم نصْرَة للْبُخَارِيّ: التَّعْبِير بالأهل لَا خلل فِيهِ، لِأَن مُرَاده بِهِ مَا هُوَ أَعم من الْقَرَابَة أَو أخوة الدّين، وَهُوَ أولى من التَّعْبِير بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ يخرج من لَيْسَ لَهُ بِهِ أَهْلِيَّة كالكفار. قلت: فِيهِ نظر، لِأَن الْأَهْل لَا يسْتَعْمل فِي أخوة الدّين، وَقد تكلم جمَاعَة فِي هَذَا الْموضع بِمَا لَا طائل تَحْتَهُ، وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة فَافْهَم.

5421 -

حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَن سَعِيدِ ابنِ المُسَيِّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي ماتَ فِيهِ خَرَجَ إلَى المُصَلَّى فصَفَّ بِهِمْ وكَبَّرَ أرْبَعا.

(5421.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ النّظر إِلَى مُجَرّد النعي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: من كَانَ فِي الْمَدِينَة أَهلا للنجاشي حَتَّى تصح التَّرْجَمَة؟ قلت: الْمُؤْمِنُونَ أَهله من حَيْثُ أخوة الْإِسْلَام. قلت: قد ذكرنَا أَن الْأَهْل لَا يسْتَعْمل فِي أخوة الدّين أللهم إلَاّ إِذا ارْتكب الْمجَاز فِيهِ، وَرِجَال هَذَا الحَدِيث قد تكَرر واجدا وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أويس عبد الله الأصبحي الْمدنِي إِبْنِ أُخْت مَالك ابْن أنس، وَابْن شهَاب وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.

ص: 18

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن مُسَدّد عَن يزِيد بن زُرَيْع. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع مُخْتَصرا على التَّكْبِير. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رَافع، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعَن سُوَيْد بن نصر عَن عبد الله بن الْمُبَارك، ستتهم عَن مَالك.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (نعى النَّجَاشِيّ) أَي: أخبر بِمَوْتِهِ، وَالنَّجَاشِي، بِفَتْح النُّون وَكسرهَا: كلمة للحبش تسمى بهَا مُلُوكهَا، والمتأخرون يلقبونه الأبجري. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ بالنبطية، ذكره ابْن سَيّده. وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: هُوَ بِكَسْر النُّون، يجوز أَن يكون من نجش أوقد كَأَنَّهُ يطريه، ويوقد فِيهِ، قَالَه قطرب. وَفِي (الفصيح) : النَّجَاشِيّ، بِالْفَتْح، وَفِي (الْعلم الْمَشْهُور) لأبي الْخطاب مشدد الْيَاء، قَالُوا: وَالصَّوَاب تخفيفها، وَفِي (الْمثنى) لِابْنِ عديس: النَّجَاشِيّ، بِالْفَتْح وَالْكَسْر: الْمُسْتَخْرج للشَّيْء. وَفِي (سيرة ابْن إِسْحَاق) . اسْمه: أَصْحَمَة، وَمَعْنَاهُ، عَطِيَّة. وَقَالَ أَبُو الْفرج: أَصْحَمَة بن أبجري، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الصَّاد وَفتح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، قَالَ: وَقع فِي (مُسْند ابْن أبي شيبَة) فِي هَذَا الحَدِيث تَسْمِيَته: صحمة، بِفَتْح الصَّاد وَإِسْكَان الْحَاء. قَالَ: هَكَذَا قَالَ لنا يزِيد بن هَارُون، وَإِنَّمَا هُوَ صمحة، بِتَقْدِيم الْمِيم على الْحَاء. قَالَ: وَهَذَانِ شَاذان. وَفِي (التَّلْوِيح) : أَخْبرنِي غير وَاحِد من نبلاء الْحَبَشَة أَنهم لَا ينطقون بِالْحَاء على صرافتها، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ فِي اسْم الْملك: أَصْمِخَة، بِتَقْدِيم الْمِيم على الْخَاء الْمُعْجَمَة. وَذكر السُّهيْلي أَن اسْم أَبِيه: يجْرِي، بِغَيْر همزَة، وَذكر مقَاتل بن سُلَيْمَان فِي كِتَابه (نَوَادِر التَّفْسِير) : إسمه مَكْحُول بن صصه، وَفِي كتاب (الطَّبَقَات) لِابْنِ سعد: لما رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الْحُدَيْبِيَة سنة سِتّ أرسل النَّجَاشِيّ سنة سبع فِي الْمحرم عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي، فَأخذ كتاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَوَضعه على عَيْنَيْهِ، وَنزل عَن سَرِيره فَجَلَسَ على الأَرْض تواضعا، ثمَّ أسلم، وَكتب إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بذلك، وَأَنه أسلم على يَدي جَعْفَر ابْن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة تسع منصرفة من تَبُوك. فَإِن قلت: وَقع فِي (صَحِيح مُسلم) : كتب صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّجَاشِيّ، وَهُوَ غير النَّجَاشِيّ الَّذِي صلى عَلَيْهِ؟ قلت: قيل: كَأَنَّهُ وهم من بعض الروَاة، أَو أَنه عبر بِبَعْض مُلُوك الْحَبَشَة عَن الْملك الْكَبِير، أَو يحمل على أَنه لما توفّي قَامَ مقَامه آخر فَكتب إِلَيْهِ. قَوْله:(خرج إِلَى الْمصلى) ، ذكر السُّهيْلي من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع أَنه صلى الله عليه وسلم صلى عَلَيْهِ بِالبَقِيعِ.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام: وَهُوَ على وُجُوه:

الأول: فِيهِ إِبَاحَة النعي، وَهُوَ أَن يُنَادى فِي النَّاس أَن فلَانا مَاتَ ليشهدوا جنَازَته، وَقَالَ بعض أهل الْعلم: لَا بَأْس أَن يعلم الرجل قرَابَته وإخواته، وَعَن إِبْرَاهِيم: لَا بَأْس أَن يعلم قرَابَته. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: إِعْلَام أهل الْمَيِّت وقرابته وأصدقائه استحسنه الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ من أَصْحَابنَا وَغَيرهم، وَذكر صَاحب (الْحَاوِي) من أَصْحَابنَا وَجْهَيْن فِي اسْتِحْبَاب الْإِنْذَار بِالْمَيتِ وإشاعة مَوته بالنداء والإعلام، فاستحب ذَلِك بَعضهم للغريب والقريب لما فِيهِ من كَثْرَة الْمُصَلِّين عَلَيْهِ والداعين لَهُ، وَقَالَ بَعضهم: يسْتَحبّ ذَلِك للغريب وَلَا يسْتَحبّ لغيره. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَالْمُخْتَار اسْتِحْبَابه مُطلقًا إِذا كَانَ مُجَرّد إِعْلَام. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقَالَ صَاحب الْبَيَان) من أَصْحَابنَا: يكره نعي الْمَيِّت، وَهُوَ أَن يُنَادى عَلَيْهِ فِي النَّاس أَن فلَانا قد مَاتَ ليشهدوا جنَازَته، وَفِي وَجه حَكَاهُ الصيدلاني: لَا يكره. وَفِي (حلية الرَّوْيَانِيّ) من أَصْحَابنَا: الإختيار إِن يُنَادى بِهِ ليكْثر المصلون. وَقَالَ ابْن الصّباغ: قَالَ أَصْحَابنَا: يكره النداء عَلَيْهِ، وَلَا بَأْس أَن يعلم أصدقاءه، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا بَأْس بِهِ، وَنَقله الْعَبدَرِي عَن مَالك أَيْضا، وَنقل ابْن التِّين عَن مَالك كَرَاهَة الْإِنْذَار بالجنائز على أَبْوَاب الْمَسَاجِد والأسواق لِأَنَّهُ من النعي. قَالَ عَلْقَمَة بن قيس: الْإِنْذَار بالجنائز من النعي وَهُوَ من أَمر الْجَاهِلِيَّة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ النَّهْي أَيْضا عَن ابْن عمر وَأبي سعيد وَسَعِيد بن الْمسيب وعلقمة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالربيع بن خَيْثَم. قلت: وَأبي وَائِل وَأبي ميسرَة وَعلي بن الْحُسَيْن وسُويد بن غَفلَة ومطرف بن عبد الله وَنصر بن عمرَان أبي جَمْرَة، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث حُذَيْفَة أَنه قَالَ: إِذا مت فَلَا تؤذنوا بِي أحدا فَإِنِّي أَخَاف أَن يكون نعيا، وَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، ينْهَى عَن النعي، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن، وروى أَيْضا من حَدِيث عبد الله عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(إيَّاكُمْ والنعي، فَإِن النعي من أَمر الْجَاهِلِيَّة) . وَقَالَ: حَدِيث غَرِيب. والمجوزون احْتَجُّوا بِحَدِيث الْبَاب، وَرُبمَا ورد فِي الصَّحِيح أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، نعى للنَّاس زيدا وجعفرا. وَفِي الصَّحِيح أَيْضا

ص: 19

قَول فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، حِين توفّي النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وأبتاه، من ربه مَا أدناه، وأبتاه إِلَى جِبْرِيل ننعاه، وَفِي الصَّحِيح أَيْضا فِي قصَّة الرجل الَّذِي مَاتَ وَدفن لَيْلًا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:(أَفلا كُنْتُم آذنتموني؟) فَهَذِهِ الْأَحَادِيث دَالَّة على جَوَاز النعي. وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِن النعي الْمنْهِي عَنهُ إِنَّمَا هُوَ نعي الْجَاهِلِيَّة، قَالَ: وَكَانَت عَادَتهم إِذا مَاتَ مِنْهُم شرِيف بعثوا رَاكِبًا إِلَى الْقَبَائِل يَقُول: نعا يَا فلَان، أَو: يَا نعاء الْعَرَب، أَي: هَلَكت الْعَرَب بِهَلَاك فلَان. وَيكون مَعَ النعي ضجيج وبكاء، وَأما إِعْلَام أهل الْمَيِّت وأصدقائه وقرابته فمستحب على مَا ذَكرْنَاهُ آنِفا. وَاعْترض بِأَن حَدِيث النَّجَاشِيّ لم يكن نعيا، إِنَّمَا كَانَ مُجَرّد إِخْبَار بِمَوْتِهِ، فَسمى نعيا لشبهه بِهِ فِي كَونه إعلاما، وَكَذَا القَوْل فِي جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه، ورد بِأَن الأَصْل الْحَقِيقَة على أَن حَدِيث النَّجَاشِيّ أصح من حَدِيث حُذَيْفَة وَعبد الله. فَإِن قلت: قَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا نعي النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، النَّجَاشِيّ وَصلى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْد بعض النَّاس على غير الْإِسْلَام فَأَرَادَ إعلامهم بِصِحَّة إِسْلَامه (قلت) نعيه صلى الله عليه وسلم جعفراً وَأَصْحَابه يرد ذَلِك، وَحمل بَعضهم النَّهْي على نعي الْجَاهِلِيَّة الْمُشْتَمل على ذكر المفاخر وَشبههَا.

الْوَجْه الثَّانِي: فِيهِ دَلِيل على أَنه لَا يُصَلِّي على الْجِنَازَة فِي الْمَسْجِد، لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أخبر بِمَوْتِهِ فِي الْمَسْجِد ثمَّ خرج بِالْمُسْلِمين إِلَى الْمصلى، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة، أَنه لَا يصلى على ميت فِي مَسْجِد جمَاعَة، وَبِه قَالَ مَالك وَابْن أبي ذِئْب، وَعند الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر: لَا بَأْس بهَا إِذا لم يخف تلويثه، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ (أَن سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما توفّي أمرت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، بِإِدْخَال جنَازَته الْمَسْجِد حَتَّى صلى عَلَيْهَا أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قَالَت: هَل عَابَ النَّاس علينا مَا فعلنَا؟ فَقيل لَهَا: نعم، فَقَالَت: مَا أسْرع مَا نسوا، مَا صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على جَنَازَة سُهَيْل بن الْبَيْضَاء إلَاّ فِي الْمَسْجِد) . رَوَاهُ مُسلم، وَاحْتج أَصْحَابنَا من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب عَن صَالح مولى التومة عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى على ميت فِي الْمَسْجِد فَلَا شَيْء لَهُ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَلَفظه:(فَلَيْسَ لَهُ شَيْء)، وَقَالَ الْخَطِيب الْمَحْفُوظ:(فَلَا شَيْء لَهُ، وَرُوِيَ (فَلَا شَيْء عَلَيْهِ)، وَرُوِيَ:(فَلَا أجر لَهُ) . وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رِوَايَة: فَلَا أجر لَهُ، خطأ فَاحش، وَالصَّحِيح: فَلَا شَيْء لَهُ، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) بِلَفْظ:(فَلَا صَلَاة لَهُ) . فَإِن قلت: روى ابْن عدي فِي (الْكَامِل) هَذَا الحَدِيث وعده من مُنكرَات صَالح، ثمَّ أسْند إِلَى شُعْبَة أَنه كَانَ لَا يروي عَنهُ وَينْهى عَنهُ، وَإِلَى مَالك: لَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَة، وَإِلَى النَّسَائِيّ أَنه قَالَ فِيهِ: ضَعِيف، وَقَالَ ابْن حبَان فِي (كتاب الضُّعَفَاء) : اخْتَلَط بِآخِرهِ وَلم يتَمَيَّز حَدِيثه من قديمه فَاسْتحقَّ التّرْك، ثمَّ ذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: إِنَّه بَاطِل، وَكَيف يَقُول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَقد صلى على سُهَيْل بن الْبَيْضَاء فِي الْمَسْجِد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: صَالح مُخْتَلف فِي عَدَالَته، كَانَ مَالك يجرحه، وَقَالَ النَّوَوِيّ: أُجِيب عَن هَذَا بأجوبة. أَحدهَا: أَنه ضَعِيف لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ، قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هَذَا حَدِيث ضَعِيف تفرد بِهِ صَالح مولى التومة وَهُوَ ضَعِيف. الثَّانِي: أَن الَّذِي فِي النّسخ الْمَشْهُورَة المسموعة من سنَن أبي دَاوُد: فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، فَلَا حجَّة فِيهِ. الثَّالِث: أَن اللَّام فِيهِ بِمَعْنى: على، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَإِن أسأتم فلهَا} (الْإِسْرَاء: 7) . أَي: فعلَيْهَا، جمعا بَين الْأَحَادِيث. قلت: الْجَواب عَمَّا قَالُوهُ من وُجُوه:

الأول: أَن أَبَا دَاوُد روى بِهَذَا الحَدِيث وَسكت عَنهُ، فَهَذَا دَلِيل رِضَاهُ بِهِ، وَأَنه صَحِيح عِنْده. الثَّانِي: أَن يحيى بن معِين الَّذِي هُوَ فيصل فِي هَذَا الْبَاب قَالَ: صَالح ثِقَة إلَاّ أَنه اخْتَلَط قبل مَوته، فَمن سمع مِنْهُ قبل ذَلِك فَهُوَ ثَبت حجَّة، وَمِمَّنْ سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط: ابْن أبي ذِئْب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب. الثَّالِث: قَالَ ابْن عبد الْبر: مِنْهُم من يقبل عَن صَالح مَا رَوَاهُ عَنهُ ابْن أبي ذِئْب خَاصَّة. الرَّابِع: أَن غَالب مَا ذكر فِيهِ تحامل من ذَلِك قَول النَّوَوِيّ: إِن الَّذِي فِي النّسخ الْمَشْهُورَة المسموعة من سنَن أبي دَاوُد: فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يردهُ قَول الْخَطِيب الْمَحْفُوظ:(فَلَا شَيْء لَهُ) وَقَول السرُوجِي؛ وَفِي الاسرار (فَلَا صَلَاة لَهُ) وَفِي المرغيناني: (فَلَا أجر لَهُ) وَلم يذكر ذَلِك فِي كتب الحَدِيث يردهُ مَا ذَكرْنَاهُ من رِوَايَة ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : (فَلَا صَلَاة لَهُ) . وَقَالَ الْخَطِيب: (فَلَا أجر لَهُ) فلعدم إطلاعه فِي هَذَا الْموضع جازف فِيهِ، وَمن تحاملهم جعل: اللَّام، بِمَعْنى: على، بالتحكم من غير دَلِيل وَلَا دَاع إِلَى ذَلِك، وَلَا سِيمَا أَن الْمجَاز عِنْدهم ضَرُورِيّ لَا يُصَار إِلَيْهِ إلَاّ عِنْد الضَّرُورَة، فَلَا ضررة هَهُنَا. وَأقوى مَا يرد كَلَامه هَذَا رِوَايَة ابْن أبي شيبَة:

ص: 20

(فَلَا صَلَاة لَهُ)، فَلَا يُمكن لَهُ أَن يَقُول: اللَّام، بِمَعْنى: على، لفساد الْمَعْنى. الْخَامِس: أَن قَول ابْن حبَان: هَذَا بَاطِل، جرْأَة مِنْهُ على تبطيل الصَّوَاب، فَكيف يَقُول هَذَا القَوْل وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسكت عَنهُ؟ فَأَقل الْأَمر أَنه عِنْده حسن لِأَنَّهُ رَضِي بِهِ، وحاشاه من أَن يرضى بِالْبَاطِلِ. السَّادِس: مَا قَالَه الجهبذ النقاد الإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، رحمه الله، مُلَخصا، وَهِي أَن الرِّوَايَات لما اخْتلفت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَاب يحْتَاج إِلَى الْكَشْف ليعلم الْمُتَأَخر مِنْهَا، فَيجْعَل نَاسِخا لما تقدم، فَحَدِيث عَائِشَة إِخْبَار عَن فعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي حَال الْإِبَاحَة الَّتِي لم يتقدمها شَيْء، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة إِخْبَار عَن نهي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِي تقدمه الْإِبَاحَة، فَصَارَ نَاسِخا لحَدِيث عَائِشَة، وإنكار الصَّحَابَة عَلَيْهَا مِمَّا يُؤَكد ذَلِك. فَإِن قلت: من أَي قبيل يكون هَذَا النّسخ؟ قلت: من قبيل النّسخ بِدلَالَة التَّارِيخ، وَهُوَ أَن يكون أحد النصين مُوجبا للحظر وَالْآخر مُوجبا للْإِبَاحَة، فَفِي مثل هَذَا يتَعَيَّن الْمصير إِلَى النَّص الْمُوجب للحظر، لِأَن الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْإِبَاحَة، والحظر طَار عَلَيْهَا، فَيكون مُتَأَخِّرًا. فَإِن قلت: فَلم لَا يَجْعَل بِالْعَكْسِ؟ قلت: لِئَلَّا يلْزم النّسخ مرَّتَيْنِ، وَهَذَا ظَاهر. فَإِن قلت: لَيْسَ بَين الْحَدِيثين مُنَافَاة فَلَا تعَارض فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق؟ قلت: ظهر لَك صِحَة حَدِيث أبي هُرَيْرَة؟ بالوجوه الَّتِي ذَكرنَاهَا فَثَبت التَّعَارُض (فَإِن قلت) مُسلم أخرج حَدِيث عَائِشَة وَلم يخرج حَدِيث أبي هُرَيْرَة قلت: لَا يلْزم من ترك مُسلم تَخْرِيجه عدم صِحَّته، لِأَنَّهُ لم يلْتَزم بِإِخْرَاج كل مَا صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَكَذَلِكَ البُخَارِيّ، وَلَئِن سلمنَا ذَلِك وَأَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا يَخْلُو من كَلَام، فَكَذَلِك حَدِيث عَائِشَة لَا يَخْلُو عَن كَلَام، لِأَن جمَاعَة من الْحفاظ مثل الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره عابوا على مُسلم تَخْرِيجه إِيَّاه مُسْندًا، لِأَن الصَّحِيح أَنه مُرْسل كَمَا رَوَاهُ مَالك والماجشون عَن أبي النَّضر عَن عَائِشَة مُرْسلا، والمرسل لَيْسَ بِحجَّة عِنْدهم. وَقد أول بعض أَصْحَابنَا حَدِيث عَائِشَة بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا صلى فِي الْمَسْجِد بِعُذْر مطر. وَقيل: بِعُذْر الِاعْتِكَاف، وعَلى كل: تَقْدِير الصَّلَاة على الْجِنَازَة خَارج الْمَسْجِد أولى وَأفضل، بل أوجب، لِلْخُرُوجِ عَن الْخلاف، لَا سِيمَا فِي بَاب الْعِبَادَات. وَلِأَن الْمَسْجِد بني لأَدَاء الصَّلَوَات المكتوبات فَيكون غَيرهَا فِي خَارج الْمَسْجِد أولى وَأفضل. فَإِن قلت: قَالُوا: خُرُوج النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، من الْمَسْجِد إِلَى الْمصلى كَانَ لِكَثْرَة الْمُصَلِّين وللإعلام. قلت: نَحن أَيْضا نقُول صلَاته فِي الْمَسْجِد كَانَ للمطر أَو للاعتكاف كَمَا ذكرنَا.

الْوَجْه الثَّالِث فِيهِ: دَلِيل على أَن سنة هَذِه الصَّلَاة الصَّفّ كَسَائِر الصَّلَوَات، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مَالك بن هُبَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى عَلَيْهِ ثَلَاثَة صُفُوف فقد أوجب)، مَعْنَاهُ: وَجَبت لَهُ الْجنَّة، أَو وَجَبت لَهُ الْمَغْفِرَة، وروى النَّسَائِيّ من رِوَايَة الحكم بن فروخ، قَالَ: صلى بِنَا أَبُو الْمليح على حنازة فظننا أَنه كبر، فَأقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: أقِيمُوا صفوفكم ولتحسن شفاعتكم، وَقَالَ أَبُو الْمليح: حَدثنِي عبد الله عَن إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ، وَهِي مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَت: أَخْبرنِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَا من ميت يُصَلِّي عَلَيْهِ أمة من النَّاس إلَاّ شفعوا فِيهِ، فَسَأَلت أَبَا الْمليح عَن الْأمة، قَالَ: أَرْبَعُونَ.

الْوَجْه الرَّابِع فِيهِ: حجَّة لمن جوز الصَّلَاة على الْغَائِب، وَمِنْهُم الشَّافِعِي وَأحمد. قَالَ النَّوَوِيّ: فَإِن كَانَ الْمَيِّت فِي الْبَلَد فَالْمَذْهَب أَنه لَا يجوز أَن يصلى عَلَيْهِ حَتَّى يحضر عِنْده، وَقيل: يجوز، وَفِي الرَّافِعِيّ: يَنْبَغِي أَن لَا يكون بَين الإِمَام وَالْمَيِّت أَكثر من مِائَتي ذِرَاع، أَو ثلثمِائة تَقْرِيبًا.

فرع: عِنْدهم: لَو صلى على الْأَمْوَات الَّذين مَاتُوا فِي قَرْيَة وغسلوا فِي الْبَلَد الْفُلَانِيّ، وَلَا يعرف عَددهمْ، جَازَ. قَالَه فِي (الْبَحْر) . قَالَ فِي (التَّوْضِيح) : وَهُوَ صَحِيح، لَكِن لَا يخْتَص بِبَلَد، وَقَالَ الْخطابِيّ: النَّجَاشِيّ رجل مُسلم قد آمن برَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَصدقه على ثُبُوته إلَاّ أَنه كَانَ يكتم إيمَانه، وَالْمُسلم إِذا مَاتَ وَجب على الْمُسلمين أَن يصلوا عَلَيْهِ، إلَاّ أَنه كَانَ بَين ظهراني أهل الْكفْر وَلم يكن بِحَضْرَتِهِ من يقوم بِحقِّهِ فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ، فَلَزِمَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، أَن يفعل ذَلِك، إِذْ هُوَ نبيه ووليه وأحق النَّاس بِهِ، فَهَذَا وَالله أعلم هُوَ السَّبَب الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الصَّلَاة عَلَيْهِ بِظهْر الْغَيْب، فعلى هَذَا إِذا مَاتَ الْمُسلم بِبَلَد من الْبلدَانِ وَقد قضى حَقه من الصَّلَاة عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يصلى عَلَيْهِ من كَانَ بِبَلَد آخر غَائِبا عَنهُ، فَإِن علم أَنه لم يصل عَلَيْهِ لعائق أَو مَانع عذر كَانَ السّنة

ص: 21

أَن يصلى عَلَيْهِ وَلَا يتْرك ذَلِك لبعد الْمسَافَة، فَإِذا صلوا عَلَيْهِ استقبلوا الْقبْلَة وَلم يتوجهوا إِلَى بلد الْمَيِّت إِن كَانَ فِي غير جِهَة الْقبْلَة، وَقد ذهب بعض الْعلمَاء إِلَى كَرَاهَة الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب، وَزَعَمُوا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ مَخْصُوصًا بِهَذَا الْفِعْل، إِذْ كَانَ فِي حكم الْمشَاهد للنجاشي لما رُوِيَ فِي بعض الْأَخْبَار أَنه قد سويت لَهُ الأَرْض حَتَّى يبصر مَكَانَهُ، وَهَذَا تَأْوِيل فَاسد، لِأَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، إِذا فعل شَيْئا من أَفعَال الشَّرِيعَة كَانَ علينا اتِّبَاعه والأيتساء بِهِ، والتخصيص لَا يعلم إلَاّ بِدَلِيل، وَمِمَّا يبين ذَلِك أَنه، صلى الله عليه وسلم، خرج بِالنَّاسِ إِلَى الصَّلَاة، فَصف بهم وصلوا مَعَه، فَعلم أَن هَذَا التَّأْوِيل فَاسد. قلت: هَذَا التشنيع كُله على الْحَنَفِيَّة من غير تَوْجِيه وَلَا تَحْقِيق، فَنَقُول: مَا يظْهر لَك فِيهِ دفع كَلَامه، وَهُوَ أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، رفع سَرِيره فَرَآهُ، فَتكون الصَّلَاة عَلَيْهِ كميت رَآهُ الإِمَام وَلَا يرَاهُ الْمَأْمُوم. فَإِن قلت: هَذَا يحْتَاج إِلَى نقل يُبينهُ، وَلَا يَكْتَفِي فِيهِ بِمُجَرَّد الِاحْتِمَال. قلت: ورد مَا يدل على ذَلِك، فروى ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن:(أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِن أَخَاكُم النَّجَاشِيّ توفّي، فَقومُوا صلوا عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وصفوا خَلفه فَكبر أَرْبعا وهم يظنون أَن جنَازَته بَين يَدَيْهِ، وَجَوَاب آخر: أَنه من بَاب الضَّرُورَة، لِأَنَّهُ مَاتَ بِأَرْض لم تقم فِيهَا عَلَيْهِ فَرِيضَة الصَّلَاة، فَتعين فرض الصَّلَاة عَلَيْهِ لعدم من يُصَلِّي عَلَيْهِ ثمَّة، وَيدل على ذَلِك أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، لم يصل على غَائِب غَيره، وَقد مَاتَ من الصَّحَابَة خلق كثير وهم غائبون عَنهُ، وَسمع بهم فَلم يصل عَلَيْهِم إلَاّ غَائِبا وَاحِدًا ورد أَنه طويت لَهُ الأَرْض حَتَّى حَضَره وَهُوَ: مُعَاوِيَة بن مُعَاوِيَة الْمُزنِيّ، روى حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الْأَوْسَط) وَكتاب (مُسْند الشاميين) : حَدثنَا عَليّ بن سعيد الرَّازِيّ حَدثنَا نوح بن عُمَيْر بن حوى السكْسكِي حَدثنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَلْهَانِي (عَن أبي أُمَامَة، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بتبوك فَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن مُعَاوِيَة بن مُعَاوِيَة الْمُزنِيّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، أَتُحِبُّ أَن تطوى لَك الأَرْض فَتُصَلِّي عَلَيْهِ؟ قَالَ: نعم، فَضرب بجناحه على الأَرْض وَرفع لَهُ سَرِيره فصلى عَلَيْهِ وَخَلفه صفان من الْمَلَائِكَة، فِي كل صف سَبْعُونَ ألف ملك، ثمَّ رَجَعَ، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لجبريل، عليه الصلاة والسلام: بِمَ أدْرك هَذَا؟ قَالَ: بحبه سُورَة: قل هُوَ الله أحد، وقراءته إِيَّاهَا جاثيا وذاهبا وَقَائِمًا وَقَاعِدا وعَلى كل حَال) . انْتهى. فَإِن قلت: قد صلى على اثْنَيْنِ أَيْضا وهما غائبان وهما زيد بن حَارِثَة وجعفر بن أبي طَالب، ورد عَنهُ أَنه كشف لَهُ عَنْهُمَا أخرجه الْوَاقِدِيّ فِي كتاب (الْمَغَازِي) فَقَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن صَالح عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة، وحَدثني عبد الْجَبَّار بن عمَارَة عَن عبد الله بن أبي بكر، قَالَا: لما التقى النَّاس بمؤتة جلس رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على الْمِنْبَر وكشف لَهُ مَا بَينه وَبَين الشَّام، فَهُوَ ينظر إِلَى معتركهم، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: أَخذ الرَّايَة زيد بن حَارِثَة فَمضى حَتَّى اسْتشْهد، وَصلى عَلَيْهِ ودعا لَهُ: وَقَالَ: اسْتَغْفرُوا لَهُ وَقد دخل الْجنَّة وَهُوَ يسْعَى ثمَّ أَخذ الرَّايَة جَعْفَر بن أبي طَالب فَمضى حَتَّى اسْتشْهد، فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لَهُ، وَقَالَ: اسْتَغْفرُوا لَهُ وَقد دخل الْجنَّة، فَهُوَ يطير فِيهَا بجناحيه حَيْثُ شَاءَ. قلت: هُوَ مُرْسل من الطَّرِيقَيْنِ الْمَذْكُورين، والمرسل لَيْسَ بِحجَّة، على أَنهم يَقُولُونَ: فِي الْوَاقِدِيّ مقَال، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) فِي معرض التحامل: وَمن ادّعى أَن الأَرْض طويت لَهُ حَتَّى شَاهده لَا دَلِيل عَلَيْهِ، وَإِن كَانَت الْقُدْرَة صَالِحَة لذَلِك. قلت: كَأَنَّهُ لم يطلع على مَا رَوَاهُ ابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن، وَوَقع فِي كَلَام ابْن بطال تَخْصِيص ذَلِك بالنجاشي، فَقَالَ: بِدَلِيل إطباق الْأمة على ترك الْعَمَل بِهَذَا الحَدِيث، قَالَ: وَلم أجد لأحد من الْعلمَاء إجَازَة الصَّلَاة على الْغَائِب إلَاّ مَا ذكره ابْن زيد عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا استؤذن أَنه غرق أَو قتل أَو أكله السبَاع وَلم يُوجد مِنْهُ شَيْء صلى عَلَيْهِ، كَمَا فعل بالنجاشي، وَبِه قَالَ ابْن حبيب، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: أَكثر أهل الْعلم يَقُولُونَ: إِن ذَلِك مَخْصُوص بِهِ، وَأَجَازَهُ بَعضهم إِذا كَانَ فِي يَوْم الْمَوْت أَو قريب مِنْهُ، وَفِي (المُصَنّف) عَن الْحسن إِنَّمَا دَعَا لَهُ وَلم يصل.

الْوَجْه الْخَامِس: فِي أَن التَّكْبِير على الْجِنَازَة أَرْبَعَة، وَصرح بذلك فِي الحَدِيث وَهُوَ آخر مَا اسْتَقر عَلَيْهِ أمره صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ ابْن أبي ليلى: يكبر خمْسا، وَإِلَيْهِ ذهب الشِّيعَة. وَقيل: ثَلَاثًا، قَالَه بعض الْمُتَقَدِّمين، وَقيل: أَكْثَره سبع وَأقله ثَلَاث، ذكره القَاضِي أَبُو مُحَمَّد، وَقيل: سِتّ، ذكره ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَن أَحْمد: لَا ينقص من أَربع وَلَا يُزَاد على سبع. وَقَالَ ابْن

ص: 22

مَسْعُود: يكبر مَا كبر إِمَامه، وروى مُسلم من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى. قَالَ: كَانَ زيد بن أَرقم يكبر على جنائزنا خمْسا، فَسَأَلته، فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها، وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه والطَّحَاوِي، وَقَالَ: ذهب قوم إِلَى أَن التَّكْبِير على الْجَنَائِز خمس، وَأخذُوا بِهَذَا الحَدِيث. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَعِيسَى مولى حُذَيْفَة وَأَصْحَاب معَاذ بن جبل وَأَبا يُوسُف من أَصْحَاب أبي حنيفَة، وَإِلَيْهِ ذهبت الظَّاهِرِيَّة والشيعة. وَفِي (الْمَبْسُوط) وَهِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف، وَقَالَ الْحَازِمِي: وَمِمَّنْ رأى التَّكْبِير على الْجِنَازَة خمْسا ابْن مَسْعُود وَزيد بن أَرقم وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان. وَقَالَ فرقة: يكبر سبعا، رُوِيَ ذَلِك عَن ذَر بن حُبَيْش. وَقَالَ فرقة: يكبر ثَلَاثًا روى ذَلِك عَن أنس وَجَابِر بن زيد، وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ. قلت: أَرَادَ بهم مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَابْن سِيرِين وَالنَّخَعِيّ وسُويد بن غَفلَة وَالثَّوْري وَأَبا حنيفَة ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبا مجلز لَاحق بن حميد، ويحكى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله وَزيد بن ثَابت وَجَابِر وَابْن أبي أوفى وَالْحسن بن عَليّ والبراء بن عَازِب، وَأبي هُرَيْرَة وَعقبَة بن عَامر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلم يذكر التَّسْلِيم هُنَا فِي حَدِيث النَّجَاشِيّ. وَذكر فِي حَدِيث سعيد ابْن الْمسيب رِوَايَة ابْن حبيب عَن مطرف عَن مَالك، وَاسْتَغْرَبَهُ ابْن عبد الْبر، قَالَ: إِلَّا أَنه لَا خلاف عَلمته بَين الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمن بعدهمْ من الْفُقَهَاء فِي السَّلَام، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا: هَل هِيَ وَاحِدَة أَو اثْنَتَانِ؟ فالجمهور على تَسْلِيمَة وَاحِدَة، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي، وَقَالَت طَائِفَة: تسليمتان، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَهُوَ قَول الشّعبِيّ، وَرِوَايَة عَن إِبْرَاهِيم، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنهُ وَاحِدَة: عمر وَابْنه عبد الله وَعلي وَابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَجَابِر وَأنس وَابْن أبي أوفى وواثلة وَسَعِيد بن جُبَير وَعَطَاء وَجَابِر بن زيد وَابْن سِيرِين وَالْحسن وَمَكْحُول وَإِبْرَاهِيم فِي رِوَايَة. وَقَالَ الْحَاكِم: صحت الرِّوَايَة فِي الْوَاحِدَة عَن عَليّ وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَأبي هُرَيْرَة وَابْن أبي أوفى أَنهم كَانُوا يسلمُونَ تَسْلِيمَة وَاحِدَة، وَقَالَ ابْن التِّين: وَسَأَلَ أَشهب مَالِكًا: أتكره السَّلَام فِي صَلَاة الْجَنَائِز؟ قَالَ: لَا، وَقد كَانَ ابْن عمر يسلم. قَالَ: فاستناد مَالك إِلَى فعل ابْن عمر دَلِيل على أَنه صلى الله عليه وسلم لم يسلم فِي صلَاته على النَّجَاشِيّ وَلَا على غَيره.

6421 -

حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلَالٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أخَذَ الرَّايةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أخَذَهَا عَبْدُ الله بنُ رَوَاحَةَ فأُصِيبَ وَإنَّ عَيْنَيْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لَتَذْرِفَانِ ثُمَّ أخَذَهَا خالِدُ بنُ الوَلِيدِ منْ غَيْرِ إمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ..

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قَوْله صلى الله عليه وسلم (أَخذ الرَّايَة زيد. .) إِلَى آخِره نعى مِنْهُ إِلَيْهِم، لِأَنَّهُ أخبر بموتهم. غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه صرح بالنعي فِي الحَدِيث السَّابِق وَهَهُنَا ذكره بِالْمَعْنَى، وَصرح بالنعي فِي عَلَامَات النُّبُوَّة حَيْثُ قَالَ:(إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا. .) الحَدِيث.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَمعمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن عَمْرو المقعد، وَعبد الْوَارِث ابْن سعيد وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.

وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن يُوسُف بن يَعْقُوب وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم فرقهما، وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي فضل خَالِد وَفِي الْمَغَازِي عَن أَحْمد بن وَاقد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَخذ الرَّايَة زيد) ، وقصته فِي غَزْوَة مُؤْتَة، وَهِي مَوضِع فِي أَرض البلقاء من أَطْرَاف الشَّام، وَذَلِكَ أَنه صلى الله عليه وسلم أرسل سَرِيَّة فِي جُمَادَى الأولى من سنة ثَمَان، وَاسْتعْمل عَلَيْهِم زيد بن حَارِثَة، وَقَالَ: إِن أُصِيب زيد فجعفر ابْن أبي طَالب على النَّاس، فَإِن أُصِيب جَعْفَر فعبد الله بن رَوَاحَة على النَّاس، فَخَرجُوا وهم ثَلَاثَة آلَاف فتلاقوا مَعَ الْكفَّار فَاقْتَتلُوا فَقتل زيد بن حَارِثَة ثمَّ أَخذ الرَّايَة جَعْفَر بن أبي طَالب فقاتل بهَا حَتَّى قتل، ثمَّ أَخذهَا عبد الله بن رَوَاحَة فقاتل بهَا حَتَّى قتل، ثمَّ أَخذهَا خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَفتح الله على يَدَيْهِ. وَعَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نعى زيدا

ص: 23