الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالسّنة قاضية عَلَيْهِ. قلت: لم يقل أَبُو حنيفَة هَذَا أصلا، وَقد بَينا فِيمَا مضى مذْهبه، وَقَالَ أَيْضا: يسْتَحبّ عندنَا أَن يَجْعَل فِي كل غسلة قَلِيل كافور. قَوْله: (أَو شَيْئا من كافور) شكّ من الرَّاوِي أَي اللَّفْظَيْنِ قَالَ. وَقَوله: (شَيْئا) نكرَة فِي سِيَاق الْإِثْبَات فَيصدق بِكُل شَيْء مِنْهُ، وَهل يقوم الْمسك مقَام الكافور، قَالَ بَعضهم: إِن نظر إِلَى مُجَرّد التَّطَيُّب، نعم وَإِلَّا فَلَا. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل ينظر إِن كَانَ يُوجد فِيهِ مَا ذكره من الْأُمُور فِي الكافور يَنْبَغِي أَن يقوم وإلَاّ فَلَا إلَاّ عِنْد الضَّرُورَة، فَيقوم غَيره مقَامه. قَوْله:(آذنني) ، بتَشْديد النُّون الأولى، قَالَه الْكرْمَانِي، وَلم يبين وَجهه. قلت: هَذَا أَمر لجَماعَة الْإِنَاث، من: آذن يُؤذن إِيذَانًا إِذا علم. . قَوْله: (فَلَمَّا فَرغْنَا) هَكَذَا هُوَ بِصِيغَة الْمَاضِي لجَماعَة الْمُتَكَلِّمين، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ:(فَلَمَّا فرغن) بِصِيغَة الْمَاضِي للْجمع الْمُؤَنَّث. وَقَالَ بَعضهم: (فَلَمَّا فَرغْنَا) للْأَكْثَر بِصِيغَة الْخطاب من الْحَاضِر، وللأصيلي:(فَلَمَّا فرغن) بِصِيغَة الْغَائِب قلت: هَذَا الْقَائِل لم يمس شَيْئا من علم التصريف وَلَا يخفى فَسَاد تصرفه. قَوْله: (حقوه) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف وَفِي (الْمُحكم) الحقو، والحقو يَعْنِي بِالْفَتْح وَالْكَسْر، والحقوة والحقا: كُله الْإِزَار، كَأَنَّهُ سمي بِمَا يلاث عَلَيْهِ، وَالْجمع: أَحَق وأحقاء وحقي وحقاء، وَقد فسره فِي الْمَتْن بقوله: تَعْنِي إزَاره، يَعْنِي إِزَار النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ بَعضهم: الحقو فِي الأَصْل معقد الْإِزَار واطلق على الْإِزَار مجَازًا (وَفِي رِوَايَة ابْن عَوْف عَن مُحَمَّد بن سِيرِين بِلَفْظ فَنزع من حقوه إزَاره) والحقو فِي هَذَا على حَقِيقَته. قلت: إِن كَانَ أخذا من مَوضِع كَانَ يتَعَيَّن عَلَيْهِ أَن يبين مأخذه، وَإِن كَانَ هَذَا تَصرفا من عِنْده فَهُوَ غير صَحِيح، وَلم يقل أحد إِن الحقو فِي مَوضِع مجَاز وَفِي مَوضِع حَقِيقَة، بل هُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَقِيقَة لِأَنَّهُ مُشْتَرك بَين الْمَعْنيين، والمشترك حَقِيقَة فِي الْمَعْنيين وَالثَّلَاثَة وَأكْثر وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الْجَوْهَرِي قَالَ: الحقو: الْإِزَار وَثَلَاثَة أَحَق. ثمَّ قَالَ: والحقو أَيْضا الخصر ومشد الْإِزَار. قَوْله: (أشعرنها إِيَّاه) أَمر من الْإِشْعَار وَهُوَ إلباس الثَّوْب الَّذِي يَلِي بشرة الْإِنْسَان أَي: إجعلن هَذَا الْإِزَار شعارها، وَسمي: شعارا لِأَنَّهُ يَلِي شعر الْجَسَد، والدثار مَا فَوق الْجَسَد، وَالْحكمَة فِيهِ التَّبَرُّك بآثاره الشَّرِيفَة، وَإِنَّمَا أَخّرهُ إِلَى فراغهن من الْغسْل وَلم يناولهن إِيَّاه أَولا ليَكُون قريب الْعَهْد من جسده، صلى الله عليه وسلم، الشريف حَتَّى لَا يكون بَين انْتِقَاله من جسده إِلَى جَسدهَا فاصل، وَهُوَ أصل فِي التَّبَرُّك بآثار الصَّالِحين، وَاخْتلف فِي صفة إشعارها إِيَّاه فَقيل يَجْعَل لَهَا مئزرا، وَقيل: تلفُّ فِيهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: اسْتِحْبَاب اسْتِعْمَال السدر والكافور فِي حق الْمَيِّت. وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز اسْتِعْمَال الْمسك وكل مَا شابهه من الطّيب، وَأَجَازَ الْمسك أَكثر الْعلمَاء، وَأمر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِهِ فِي حنوطه. وَقَالَ: هُوَ من فضل حنوط النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَعْملهُ أنس وَابْن عمر وَسَعِيد بن الْمسيب، وَكَرِهَهُ عمر وَعَطَاء وَالْحسن وَمُجاهد. وَقَالَ عَطاء وَالْحسن: أَنه ميتَة، وَفِي اسْتِعْمَال الشَّارِع لَهُ فِي حنوطه حجَّة عَلَيْهِم. وَقَالَ أَصْحَابنَا: الْمسك حَلَال للرِّجَال وَالنِّسَاء. وَفِيه: مَا يدل على أَن النِّسَاء أَحَق بِغسْل الْمَرْأَة من الزَّوْج، وَبِه قَالَ الْحسن وَالثَّوْري وَالشعْبِيّ وَأَبُو حنيفَة، وَالْجُمْهُور على خِلَافه، وَهُوَ قَول الثَّلَاثَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقد وصت فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، زَوجهَا عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بذلك، وَكَانَ بِحَضْرَة الصَّحَابَة وَلم يُنكر أحد، فَصَارَ إِجْمَاعًا. قلت: وَفِيه: نظر لِأَن صَاحب (الْمَبْسُوط) و (الْمُحِيط) و (الْبَدَائِع) وَآخَرُونَ قَالُوا: إِن ابْن مَسْعُود سُئِلَ عَن فعل عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي ذَلِك، فَقَالَ: إِنَّهَا زَوجته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وعنى بذلك أَن الزَّوْجِيَّة بَاقِيَة بَينهمَا لم تَنْقَطِع، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ لَو بقيت الزَّوْجِيَّة بَينهمَا لما تزوج أُمَامَة بنت زَيْنَب بعد موت فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَقد مَاتَ عَن أَربع حرائر، وَوَصِيَّة فَاطِمَة عليا بغسلها رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ وَفِي إِسْنَاده عبد الله بن نَافِع، قَالَ يحيى: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك، وَالْبَيْهَقِيّ رَوَاهُ فِي (سنَنه الْكَبِير) وَسكت، وَظن أَنه يخفى، وَأما الْمَرْأَة إِذا غسلت زَوجهَا وَهِي مُعْتَدَّة فَهُوَ جَائِز لَهُ لِأَنَّهَا فِي الْعدة. وَفِيه: جَوَاز تكفين الْمَرْأَة فِي ثوب الرجل.
9 -
(بابُ مَا يُسْتَحَبُّ أنْ يُغْسَلَ وِتْرا)
كلمة: مَا، مَصْدَرِيَّة وَكَذَا كلمة: أَن، وَالتَّقْدِير: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب غسل الْمَيِّت وترا. قيل: يحْتَمل أَن تكون: مَا، مَصْدَرِيَّة
أَو مَوْصُولَة وَالثَّانِي أظهر. قلت: الأول أظهر، بل الْمَعْنى لَا يَصح إلَاّ على هَذَا. وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ لَو كَانَ المُرَاد ذَلِك أوقع التَّعْبِير: بِمن، الَّتِي لمن يعقل قلت: هَذَا نظر يسْتَحق الْعَمى لِأَن المُرَاد من التَّرْجَمَة بَيَان اسْتِحْبَاب غسل الْمَيِّت وترا لَا بَيَان من يسْتَحبّ ذَلِك، فَإِن حَدِيث الْبَاب بطريقيه فِي بَيَان الِاسْتِحْبَاب لَا فِي بَيَان الْمُسْتَحبّ وَغَيره.
4521 -
حدَّثني مُحَمَّدٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِي عنْ أيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلاثا أوْ خَمْسا أوْ أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كافُورا فإذَا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فألْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ أشْعِرْنَهَا إيَّاهُ فَقَالَ أيُّوبُ وَحَدَّثَتنِي حَفْصَةُ بِمِثلِ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ وكانَ فِي حدِيث حَفْصَةَ اغْسِلْنَهَا وِتْرا وكانَ فِيهِ ثَلاثا أوْ خَمْسا أوْ سَبْعا وكانَ فِيهِ أنَّهُ قَالَ ابْدَأوا بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا وكانِ فِيهِ أنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قالَتْ وَمَشَطْنَاهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقَالَ بَعضهم أورد المُصَنّف فِيهِ حَدِيث أم عَطِيَّة أَيْضا من رِوَايَة أَيُّوب عَن مُحَمَّد وَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بالوتر، وَمن رِوَايَة أَيُّوب، قَالَ: حَدَّثتنِي حَفْصَة، وَفِيه ذَلِك. قلت: مُرَاده من قَوْله: وترا، فِي التَّرْجَمَة أَن يكون خلاف الشفع، وَهُوَ مَوْجُود فِي حَدِيث الْبَاب، وَهُوَ قَوْله:(ثَلَاثًا أَو خمْسا) وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ لفظ الْوتر حَتَّى إِذا ذكر حَدِيثا لَيْسَ فِيهِ لفظ الْوتر لَا يكون مطابقا للتَّرْجَمَة، وَإِن كَانَ مُرَاد هَذَا الْقَائِل لفظ الْوتر فَلَيْسَ بموجود هَذَا أَيْضا فِي حَدِيث حَفْصَة، وَالْحَدِيثَانِ سَوَاء فِي الدّلَالَة على الْوتر، فَكيف يفرق بَينهمَا؟ وَلَفظ الْوتر لم يَقع فِي حَدِيث أم عَطِيَّة إلَاّ فِي رِوَايَة هِشَام بن حسان عَن حَفْصَة عَنْهَا، على مَا يَجِيء فِي: بَاب يلقى شعر الْمَرْأَة خلفهَا.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد، ذكر بِلَا نِسْبَة فِي أَكثر الرِّوَايَات، قَالَ ابْن السكن: هُوَ مُحَمَّد بن سَلام، وَوَقع عِنْد الْأصيلِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْوَلِيد. وَهُوَ التسترِي، ولقبه حمدَان وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ أَيْضا. الثَّانِي: عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ، يكنى أَبَا مُحَمَّد. الثَّالِث: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. الرَّابِع: مُحَمَّد بن سِيرِين. الْخَامِس: أم عَطِيَّة.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ. ولنتكلم فِي الزِّيَادَات الَّتِي فِيهِ.
قَوْله: (فَقَالَ أَيُّوب) يَعْنِي السّخْتِيَانِيّ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بِالْفَاءِ، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: بِالْوَاو، وَرُبمَا يظنّ أَنه مُعَلّق وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَقد رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ بالإسنادين مَوْصُولا. قَوْله:(وابدأوا) ويروى: (وابدأن) ، بِلَفْظ خطاب جمع الْمُؤَنَّث، وَهُوَ ظَاهر وَأما رِوَايَة:(ابدأوا) بِجمع الْمُذكر فوجهها أَن يكون تَغْلِيبًا للذكور لِأَنَّهُنَّ كن محتاجات إِلَى معاونة الرِّجَال من حمل المَاء إلَيْهِنَّ وَنَحْوه، أَو الْخطاب بِاعْتِبَار الْأَشْخَاص أَو النَّاس. قَوْله:(بميامنها) جمع ميمنة. قَوْله: (ومشطناها) من: مشطت الماشطة تمشطهَا مشطا: إِذا سرحت شعرهَا. قَوْله: (ثَلَاثَة قُرُون) انتصاب ثَلَاثَة يجوز أَن يكون بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِثَلَاثَة قُرُون، أَو على الظَّرْفِيَّة أَي: فِي ثَلَاثَة قُرُون، والقرون جمع: الْقرن، وَهُوَ الْخصْلَة من الشّعْر، وَحَاصِل الْمَعْنى: جعلن شعرهَا ثَلَاث ضفائر بعد أَن حللوها بالمشط.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْغسْل بِالْمَاءِ والسدر وَجعل الشّعْر ثَلَاثَة قُرُون، وَقد ذَكرْنَاهُ. وَفِيه: فِي حَدِيث حَفْصَة التَّنْصِيص على لفظ الْوتر بِالثلَاثِ أَو بالخمس أَو بالسبع، وَفِي حَدِيث غَيرهَا التَّنْصِيص على عدد الثَّلَاث وَالْخمس، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ أَيْضا. وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: وترا ثَلَاثًا أَو خمْسا، اسْتدلَّ بِهِ على أَن أقل الْوتر ثَلَاث، وَلَا دلَالَة فِيهِ لِأَنَّهُ سيق مساق الْبَيَان للمراد إِذْ لَو أطلق لتناول الْوَاحِدَة فَمَا فَوْقهَا؟ قلت: المُرَاد بِالْغسْلِ الإنقاء، والتنصيص على الْوتر بِالْعدَدِ الْمَذْكُور لأجل اسْتِحْبَاب الْوتر فِي الغسلات لِأَن الله وتر يحب الْوتر، حَتَّى لَو حصل الإنقاء بالمرة الْوَاحِدَة لقام بِالْوَاجِبِ كَمَا فِي الِاسْتِنْجَاء، وَفِيه: الْبدَاءَة بالميامن لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يحب التَّيَمُّن فِي شَأْنه كُله، أَي: فِي التنظيفات. وَفِيه: الِابْتِدَاء بمواضع الْوضُوء مِنْهَا. قَالَ فِي (التَّوْضِيح) : مَعْنَاهُ عِنْد مَالك أَن يبْدَأ بهَا عِنْد الْغسْل الَّذِي هُوَ مَحْض الْعِبَادَة فِي غسل الْجَسَد من أَذَى، وَهُوَ الْمُسْتَحبّ.