الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يُرحم) . وَفِي رِوَايَة مَحْمُود بن لبيد: (فَقَالَ: إِنَّمَا أَنا بشر)، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق من مُرْسل مَكْحُول (إِنَّمَا أنهى النَّاس عَن النِّيَاحَة أَن ينْدب الرجل بِمَا لَيْسَ فِيهِ) . قَوْله:(ثمَّ أتبعهَا بِأُخْرَى) أَي: ثمَّ أتبع الدمعة الأولى بِالْأُخْرَى، وَيجوز أَن يُقَال: ثمَّ أتبع الْكَلِمَة الْمَذْكُورَة، وَهِي: إِنَّهَا رَحْمَة، بِكَلِمَة أُخْرَى، وَهِي:(إِن الْعين تَدْمَع وَالْقلب يحزن. .) إِلَى آخِره، فَكَأَن هَذِه الْكَلِمَة الْأُخْرَى صَارَت مفسرة للكلمة الأولى. قَوْله:(وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ)، وَقد مر أَن فِي حَدِيث أبي أُمَامَة:(وَإِنَّا على إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: ذكر إِبْرَاهِيم ابْن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمَوته ومجموع أَوْلَاد النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَة: الْقَاسِم وَبِه كَانَ يكنى، والطاهر وَالطّيب، وَيُقَال أَن الطَّاهِر هُوَ الطّيب، وَإِبْرَاهِيم وَزَيْنَب زَوْجَة ابْن أبي الْعَاصِ، ورقية وَأم كُلْثُوم زوجا عُثْمَان، وَفَاطِمَة زَوْجَة عَليّ بن أبي طَالب، وَجَمِيع أَوْلَاده من خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، إلَاّ ابراهيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (لَو عَاشَ إِبْرَاهِيم لوضعت الْجِزْيَة على كل قبْطِي)، وَعَن مَكْحُول أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي إِبْرَاهِيم:(لَو عَاشَ مَا رق لَهُ خَال) ، وَاتَّفَقُوا على أَن مولده كَانَ فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان، وَاخْتلفُوا فِي وَقت وَفَاته، فالواقدي جزم بِأَنَّهُ مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء لعشر لَيَال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، وَقَالَ ابْن حزم: مَاتَ قبل النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثَة، وَقيل: بلغ سِتَّة عشر شهرا وَثَمَانِية أَيَّام، وَقيل: سَبْعَة عشر شهرا، وَقيل: سنة وَعشرَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام، وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) : توفّي وَله سَبْعُونَ يَوْمًا. وَعَن مَحْمُود بن لبيد: توفّي وَله ثَمَانِيَة عشر شهرا. وَفِي (صَحِيح مُسلم) : قَالَ عَمْرو: فَلَمَّا توفّي إِبْرَاهِيم قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (إِن إِبْرَاهِيم ابْني وَإنَّهُ مَاتَ فِي الثدي وَإِن لَهُ لظئرين يكملان إرضاعه فِي الْجنَّة) . وَعند ابْن سعد بِسَنَد صَحِيح عَن الْبَراء بن عَازِب يرفعهُ: (أما أَن لَهُ مُرْضعًا فِي الْجنَّة) . وَفِي رِوَايَة جَابر عَن عَامر عَن الْبَراء: (إِنَّه صديق شَهِيد)، وَعَن مُحَمَّد ابْن عمر بن عَليّ بن أبي طَالب: أول من دفن بِالبَقِيعِ ابْن مَظْعُون، ثمَّ اتبعهُ إِبْرَاهِيم، وَعَن رجل من آل عَليّ بن أبي طَالب: لما دفن إِبْرَاهِيم قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: هَل من أحد يَأْتِي بقربة؟ فَأتى رجل من الْأَنْصَار بقربة مَاء، فَقَالَ: رشها على قبر إِبْرَاهِيم.
وَاخْتلف فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ، فصححه ابْن حزم، وَقَالَ أَحْمد: مُنكر جدا. وَقَالَ السّديّ: سَأَلت أنسا: أصلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم على ابْنه إِبْرَاهِيم؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، وروى عَطاء عَن ابْن عجلَان عَن أنس أَنه كبر عَلَيْهِ أَرْبعا، وَهُوَ أفقه، أَعنِي: عَطاء. وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَنه: مَا صلى، وَهِي مُرْسلَة، فَيجوز أَن يكون اشْتغل بالكسوف عَن الصَّلَاة. وَحكى الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس الْعِرَاقِيّ السبتي: أَن مَعْنَاهُ: لم يصل عَلَيْهِ بِنَفسِهِ، وَصلى عَلَيْهِ غَيره. وَقيل: لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي على نَبِي، وَقد جَاءَ عَنهُ، صلى الله عليه وسلم، أَنه لَو عَاشَ كَانَ نَبيا. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: كل هَذِه ضَعِيفَة، وَالصَّلَاة عَلَيْهِ أثبت.
وَفِيه: جَوَاز تَقْبِيل من قَارب الْمَوْت وَذَلِكَ قبل الْوَدَاع والتشفي مِنْهُ. وَفِيه: جَوَاز الْبكاء الْمُجَرّد والحزن، وَقد مر هَذَا فِيمَا مضى. فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر حَدثنَا مُحَمَّد بن عمر وحَدثني أبي عَن عَلْقَمَة (عَن عَائِشَة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، لَا تَدْمَع عينه على أحد، قَالَ عَلْقَمَة: أَي أمه! كَيفَ كَانَ يصنع؟ قَالَت: كَانَ إِذا وجد فَإِنَّمَا هُوَ أَخذ بلحيته) . قلت: يحْتَمل أَن عَائِشَة مَا شاهدت مَا شَاهده غَيرهَا، أَو يكون مرادها: لَا تَدْمَع عينه بفيض.
رَوَاهُ مُوسى عنْ سُلَيْمَانَ بنِ المُغِيرَةِ عنْ ثَابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
أَي: روى الحَدِيث مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي الْمنْقري عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، بِضَم الْمِيم وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة: عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَوَصله الْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) من طَرِيق تمْتَام الْحَافِظ عَنهُ، و: تمْتَام، بتائين مثناتين من فَوق: لقب مُحَمَّد بن غَالب الْبَغْدَادِيّ.
وَأخرجه مُسلم: حَدثنَا شَيبَان بن فروخ وهدبة بن خَالِد، كِلَاهُمَا عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت عَن أنس فَذكره.
44 -
(بابُ البُكَاءِ عِنْدَ المَرِيضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْبكاء عِنْد الْمَرِيض، وَفِي بعض النّسخ: الْبكاء على الْمَرِيض، وَلَفظ: بَاب، سَاقِط فِي رِوَايَة أبي ذَر.
62 -
(حَدثنَا أصبغ عَن ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي عَمْرو عَن سعيد بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ عَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قَالَ اشْتَكَى سعد بن عبَادَة شكوى لَهُ فَأَتَاهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - يعودهُ مَعَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَعبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنهم فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غاشية أَهله فَقَالَ قد قضى قَالُوا لَا يَا رَسُول الله فَبكى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَلَمَّا رأى الْقَوْم بكاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - بكوا فَقَالَ أَلا تَسْمَعُونَ إِن الله لَا يعذب بدمع الْعين وَلَا بحزن الْقلب وَلَكِن يعذب بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه أَو برحم وَإِن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ وَكَانَ عمر رضي الله عنه يضْرب فِيهِ بالعصا وَيَرْمِي بِالْحِجَارَةِ ويحثي بِالتُّرَابِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي بكائه صلى الله عليه وسلم َ - عِنْد سعد بن عبَادَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول أصبغ بن الْفرج أَبُو عبد الله مَاتَ يَوْم الْأَحَد لأَرْبَع بَقينَ من شَوَّال سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي عبد الله بن وهب. الثَّالِث عَمْرو بن الْحَارِث. الرَّابِع سعد بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة. الْخَامِس عبد الله بن عمر (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاث مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ وَابْن وهب وَعَمْرو بن الْحَارِث مصريون وَسَعِيد بن الْحَارِث مدنِي والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَعَمْرو بن سَواد كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن سعيد بن الْحَارِث بِهِ. (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " اشْتَكَى " أَي ضعف قَالَه بَعضهم وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ على هَذَا التَّفْسِير لَا يلائمه قَوْله " شكوى " لِأَن معنى الشكوى الْمَرَض وَالتَّفْسِير الصَّحِيح أَن اشتكي من الشكاية وشكوى بِلَا تَنْوِين لِأَنَّهُ مثل حُبْلَى أَي اشْتَكَى سعد عَن مزاجه لمَرض لَهُ قَوْله " يعودهُ " جملَة حَالية قَوْله " فِي غاشية أَهله " بالغين والشين المعجمتين وَقَالَ الْخطابِيّ هَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن أَن يُرَاد بِهِ الْقَوْم الْحُضُور عِنْده الَّذين هم غاشيته أَي يغشونه للْخدمَة وَأَن يُرَاد يتغشاه من كرب الوجع الَّذِي بِهِ (قلت) لفظ أَهله يَأْبَى الْمَعْنى الثَّانِي فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا على رِوَايَة الْعَامَّة بِإِسْقَاط أَهله ويروى فِي غَشيته قَالَ الْكرْمَانِي أَي فِي إغمائه وَقَالَ التوريشتي فِي شرح المصابيح الغاشية الداهية من شَرّ أَو مرض أَو مَكْرُوه وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا مَا كَانَ يتغشاه من كرب الوجع الَّذِي فِيهِ لَا الْمَوْت لِأَنَّهُ بَرِيء من ذَلِك الْمَرَض وعاش بعده زَمَانا قَوْله " فَقَالَ " أَي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قَوْله " قد قضى " فِيهِ معنى الِاسْتِفْهَام أَي أقد خرج من الدُّنْيَا ظن أَنه قد مَاتَ فَسَأَلَ عَن ذَلِك قَوْله " أَلا تَسْمَعُونَ " لَا يَقْتَضِي مَفْعُولا لِأَنَّهُ جعل كالفعل اللَّازِم أَي أَلا تَجِدُونَ السماع قَوْله " إِن الله " بِكَسْر الْهمزَة لِأَنَّهُ ابْتِدَاء كَلَام هَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي وَاعْتمد عَلَيْهِ بَعضهم حَتَّى نَقله عَنهُ من غير أَن ينْسب إِلَيْهِ وَلَكِنِّي أَقُول مَا الْمَانِع أَن يكون أَن الْفَتْح فِي مَحل الْمَفْعُول لتسمعون وَهُوَ الملائم لِمَعْنى الْكَلَام قَوْله " وَلَكِن يعذب بِهَذَا " يَعْنِي إِذا قَالُوا سوأ من القَوْل وهجرا قَوْله " أَو يرحم الله " قَالَ ابْن بطال يحْتَمل مَعْنيين أَو يرحم إِن لم ينفذ الْوَعيد فِيهِ أَو يرحم من قَالَ خيرا أَو استسلم لقَضَاء الله تَعَالَى وَقَالَ الْكرْمَانِي إِن صحت الرِّوَايَة بِالنّصب أَو بِمَعْنى إِلَى أَنه يَعْنِي يعذب إِلَى أَن يرحمه الله لِأَن الْمُؤمن لَا بُد أَن يدْخل الْجنَّة آخرا قَوْله " وَكَانَ عمر " عطف على لفظ اشْتَكَى فَيكون مَوْصُولا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَى ابْن عمر رضي الله عنه إِنَّمَا كَانَ عمر رضي الله عنه يضْرب بعد الْمَوْت لقَوْله صلى الله عليه وسلم َ - " فَإِذا وَجب فَلَا تبكين باكية " فِي حَدِيث الْمُوَطَّأ عَن جَابر بن عتِيك وَكَانَ عمر يضربهن أدبا لَهُنَّ لِأَنَّهُ كَانَ الإِمَام قَالَه الدَّاودِيّ وَقَالَ غَيره إِنَّمَا كَانَ يضْرب فِي بكاء مَخْصُوص وَقبل الْمَوْت وَبعده سَوَاء وَذَلِكَ إِذا نَحن وَنَحْوه قَوْله " ويحثي بِالتُّرَابِ " كَانَ يتأسى بقوله صلى الله عليه وسلم َ - فِي نسَاء جَعْفَر " أحث فِي أفواههن التُّرَاب "(ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ اسْتِحْبَاب عِيَادَة الْفَاضِل الْمَفْضُول واستحباب عِيَادَة الْمَرِيض. وَفِيه النَّهْي عَن الْمُنكر وَبَيَان الْوَعيد عَلَيْهِ. وَفِيه جَوَاز الْبكاء عِنْد الْمَرِيض والترجمة معقودة لذَلِك. وَفِيه جَوَاز اتِّبَاع الْقَوْم للباكي فِي بكائه. وَفِيه أَن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي -