المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب وجوب الزكاة) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٨

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الأمْرِ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الدُّخُولِ عَلَى المَيِّتِ بَعْدَ المَوْتِ إذَا أُدْرِجَ فِي أكفَانِهِ)

- ‌(بابٌ الرَّجُلِ يَنْعَى إلَى أهْلِ المَيِّتِ بِنَفْسِهِ)

- ‌(بابُ الإذنِ بِالجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ منْ ماتَ لَهُ وَلَدٌ فاحْتَسَبَ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأةِ عِنْدَ القَبْرِ اصبِرِي)

- ‌(بابُ غُسْلِ المَيِّتِ وَوَضُوئِهِ بِالمَاءِ والسِّدْرِ)

- ‌(بابُ مَا يُسْتَحَبُّ أنْ يُغْسَلَ وِتْرا)

- ‌(بابٌ يُبْدَأ بِمَيَامِنِ المَيِّتِ)

- ‌(بابُ مَوَاضِع الوُضُوءِ مِنَ المَيِّتِ)

- ‌(بابٌ هَلْ تُكَفَّنُ المَرْأةُ فِي إزَارِ الرَّجُل)

- ‌(بابٌ يَجْعَلُ الكافُورَ فِي آخِرِهِ)

- ‌(بابُ نَقْضِ شَعْرِ المَرْأةِ)

- ‌(بابٌ كَيْفَ الإشْعَارُ لِلْمَيِّتِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُجْعَلُ شَعرُ المَرْأةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ)

- ‌(بَاب يُلْقَى شَعَرُ المَرْأةِ خَلْفَهَا)

- ‌(بابُ الثِّيَابِ البِيضِ لِلْكَفَنِ)

- ‌(بابُ الكفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ)

- ‌(بَاب الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ)

- ‌(بابُ الحُنُوطِ لِلْمَيِّتِ)

- ‌(بابٌ كيْفَ يُكَفَّنُ المحْرِمُ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ فِي القَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ أوْ لَا يُكَفُّ وَمَنْ كُفِّنَ بِغَيْرِ قَمِيصٍ)

- ‌(بَاب الكَفَنِ بِغَيْرِ قَمِيصٍ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ بِلَا عِمَامَةٌ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ مِنْ جَمِيعِ المَالِ)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَاّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنا إلَاّ مَا يُوَارِى رَأْسَهُ أوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى بِهِ رَأْسَهُ)

- ‌(بابُ مَنِ اسْتَعَدَّ الكَفَنَ فِي زَمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ)

- ‌(بابُ اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابْ حَدِّ المَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا)

- ‌(بابُ زِيَارَةِ القُبُورِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبَعْضِ بُكاءِ أهْلِهِ عَلَيْهِ إذَا كانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ لِقَوْلِ الله تعَالَى: {قُوا أنُفُسَكُمْ وَأهْلِيكُمْ نَارا} )

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى المَيِّتِ)

- ‌بَاب

- ‌(بابٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الجُيُوبَ)

- ‌(بابٌ رَثَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بنَ خَوْلَةَ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهى مِنَ الحَلْقِ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهى مِنَ الوَيْلِ وَدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابُ مَنْ جَلَسَ عِنْدَ المُصِيبَةِ يُعْرَفُ فِيهِ الحُزْنُ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابُ الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى)

- ‌(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ)

- ‌(بابُ البُكَاءِ عِنْدَ المَرِيضِ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهَى عنِ النَّوْحِ والبُكَاءِ وَالزَّجْرِ عنْ ذالِك)

- ‌(بابُ القِيَامِ لِلْجَنَازَةِ)

- ‌(بَاب مَتى يقْعد إِذا قَامَ للجنازة)

- ‌(بابُ مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ عنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ فانْ قَعَدَ أُمِرَ بِالقِيامِ)

- ‌(بابُ منْ قامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ)

- ‌(بابُ حَمْلِ الرِّجَالِ الجِنَازَةَ دُونَ النِّسَاءِ)

- ‌(بابُ السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ المَيِّتِ وَهْوَ عَلَى الجِنَازَةِ قَدِّمُونِي)

- ‌(بابُ مَنْ صَفَّ صَفَّيْنِ أوْ ثَلَاثَةً عَلَى الجَنَازَةِ خَلْفَ الإمَامِ)

- ‌(بابُ الصُّفُوفِ عَلَى الجِنَازَةِ)

- ‌(بابُ صُفُوفِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ عَلَى الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ سُنَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ مَنِ انْتَظَرَ حَتَّى يُدْفَنَ)

- ‌(بابُ صَلَاةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَائِزِ بِالمُصَلَّى وَالمَسْجِدِ)

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُورِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا)

- ‌(بابٌ أَيْن يَقُومُ مِنَ المَرْأةِ وَالرَّجُلِ)

- ‌(بَاب التَّكْبِيرِ عَلَى الجَنَازَةِ أرْبَعا)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ فاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى القَبْرِ بَعْدَمَا يُدْفَنُ)

- ‌(بابٌ المَيِّتُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ)

- ‌(بابُ مَنْ أحَبَّ الدَّفْنَ فِي الأرْضِ المُقَدَّسَةِ أوْ نَحْوِهَا)

- ‌(بابُ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ)

- ‌(بابُ بِنَاءِ المَسْجِدِ عَلَى القَبْرِ)

- ‌(بابُ مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ المَرْأةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ)

- ‌(بابُ دَنْنِ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَرَ غَسْلَ الشُّهَدَاءِ)

- ‌(بابُ مَنْ يُقَدِّمُ فِي اللَّحْدِ)

- ‌(بابُ الإذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي القَبْرِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يخْرج المَيِّتُ مِنَ القَبْرِ واللَّحْدِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بابُ اللَّحْدِ والشَّقِّ فِي القَبْرِ)

- ‌(بابٌ إذَا أسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَليهِ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ الإسْلَامُ)

- ‌(بابٌ إذَا قَالَ المُشْرِكُ عِنْدَ المَوْتِ لَا إلاهَ إلَاّ الله)

- ‌(بابُ الجَرِيدِ عَلَى القَبْرِ)

- ‌(بابُ مَوْعِظَةِ المُحَدِّثِ عِنْدَ القَبْرِ وَقُعُودِ أصْحَابِهِ حَوْلَهُ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي قاتِلِ النَّفْسِ)

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاةِ عَلى المُنَافِقِينَ وَالاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ)

- ‌(بابُ ثَنَاءِ النَّاسِ علَى المَيِّتِ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي عَذَابِ القَبْرِ وقولهُ تَعَالَى: {وَلَوْ تَراي إذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ وَالمَلَائِكَةُ باسِطُوا أيْدِيهِم أخْرِجُوا أنْفُسَكُمْ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} (الْأَنْعَام: 39) . الهُونُ هُوَ الهَوَانُ

- ‌(بابُ التَّعَوَّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)

- ‌(بابُ عَذَابِ القَبْرِ مِنَ الغِيبَةِ وَالبَوْلِ)

- ‌(بابُ المَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ والعَشِيِّ)

- ‌(بابُ كَلَامِ المَيِّتِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ مَا قِيلَ فِي أوْلَادِ المُسْلِمِينَ)

- ‌(بابُ مَا قِيلَ فِي أوْلادِ المُشْرِكِينَ)

- ‌ بَاب

- ‌(بابُ مَوْتِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ)

- ‌(بابُ مَوْتِ الفَجْأةِ البَغْتَةِ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي قَبْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَأبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا)

- ‌(بابُ مَا يُنْهِى مِنْ سَبِّ الأمْوَاتِ)

- ‌(بابُ ذِكْرِ شِرَارِ المَوْتَى)

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاة)

- ‌(بابُ وُجُوبِ الزَّكاةِ)

- ‌(بابُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابُ البَيْعَةِ عَلَى إيتَاءِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابُ إثْمِ مانِعِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابٌ مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ)

- ‌(بابُ إنْفَاقِ المَالِ فِي حَقِّهِ)

- ‌(بابُ الرِّياءِ فِي الصَّدَقَةِ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ قبل الرَّدِّ)

- ‌(بابٌ اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)

- ‌(بابُ أيُّ الصَّدَقَةِ أفْضَلُ وصَدَقَةُ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ)

- ‌(بابٌ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ العَلَانِيَةِ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ السِّرِّ)

- ‌(بابٌ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهْوَ لَا يَعْلَمُ)

- ‌(بابٌ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهْوَ لَا يَشْعُرُ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ بِاليَمِينِ)

- ‌(بابُ مَنْ أمَرَ خادِمَهُ بِالصَّدَقَةِ ولَمْ يُنَاوِلْ بِنَفْسِهِ)

- ‌(بابٌ لَا صَدَقَةَ إلَاّ عنْ ظَهْرِ غِنَى)

- ‌(بابُ المَنَّانِ بِمَا أعْطَى)

- ‌(بابُ مَنْ أحَبَّ تَعْجِيلَ الصَّدَقَةِ مِنْ يَوْمِهَا)

- ‌(بابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ والشَّفَاعَةِ فِيهَا)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ)

- ‌(بابٌ الصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الخَطِيئَةَ)

- ‌(بابُ مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أسْلَمَ)

- ‌(بابُ أجْرِ الخَادِمِ إذَا تَصَدَّقَ بِأمْرِ صاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ)

- ‌(بابُ أجْرِ المَرْأةِ إذَا تَصَدَّقَتْ أوْ أطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {فأمَّا مَنْ أعْطَى وَاتَّقَى وصَدَّقَ بِالحُسْنَى فسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} )

- ‌(بابُ مَثَلِ المُتَصَدِّقِ وَالبَخِيلِ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ الكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ)

- ‌(بابٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٌ صَدَقَةٌ فَمَنْ يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ)

- ‌(بابٌ قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَنْ أعْطَى شَاة)

الفصل: ‌(باب وجوب الزكاة)

هَهُنَا، إِنَّمَا ذكر كتاب الزَّكَاة عقيب كتاب الصَّلَاة من حَيْثُ إِن الزَّكَاة ثَالِثَة الْإِيمَان وثانية الصَّلَاة فِي الْكتاب وَالسّنة. أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى:{الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} (الْبَقَرَة: 3) . وَأما السّنة فَقَوله صلى الله عليه وسلم: (بني الْإِسْلَام على خمس. .) الحَدِيث، وَهِي لُغَة: عبارَة عَن النَّمَاء، يُقَال: زكا الزَّرْع، إِذا نما، وَقيل: عَن الطَّهَارَة. قَالَ الله تَعَالَى: {قد أَفْلح من تزكّى} (الْأَعْلَى: 41) . أَي: تطهر. قلت: الزَّكَاة اسْم للتزكية وَلَيْسَت بمصدر، وَقَالَ نفطويه: سميت بذلك لِأَن مؤديها يتزكى إِلَى الله أَي: يتَقرَّب إِلَيْهِ بِصَالح الْعَمَل وكل من تقرب إِلَى الله بِصَالح عمل فقد تزكّى إِلَيْهِ. وَقيل: سميت زَكَاة للبركة الَّتِي تظهر فِي المَال بعْدهَا. وَفِي (الْمُحكم) : الزَّكَاة ممدودا: النَّمَاء والريع، زكا يزكو زكاء وزكوا وأزكى والزكاء: مَا أخرجته الأَرْض من الثَّمر، وَالزَّكَاة الصّلاح، وَرجل زكي من قوم أزكياء، وَقد زكى زكاء، وَالزَّكَاة مَا أخرجته من مَالك لتطهره. وَقَالَ أَبُو عَليّ: الزَّكَاة صفوة الشَّيْء. وَفِي (الْجَامِع) : زكتْ النَّفَقَة: أَي بورك فِيهَا. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه (المدارك) : تطلق الزَّكَاة على الصَّدَقَة أَيْضا وعَلى الْحق وَالنَّفقَة وَالْعَفو عِنْد اللغويين، وَهِي شرعا: إيتَاء جُزْء من النّصاب الحولي إِلَى فَقير غير هاشمي. ثمَّ لَهَا ركن وَسبب وَشرط وَحكم وَحِكْمَة. فركنها: جعلهَا الله تَعَالَى بالإخلاص، وسببها: المَال، وَشَرطهَا نَوْعَانِ: شَرط السَّبَب وَشرط من تجب عَلَيْهِ، فَالْأول: ملك النّصاب الحولي، وَالثَّانِي: الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة، وَحكمهَا: سُقُوط الْوَاجِب فِي الدُّنْيَا وَحُصُول الثَّوَاب فِي الْآخِرَة، وحكمتها كَثِيرَة. مِنْهَا: التطهر من أدناس الذُّنُوب وَالْبخل، وَمِنْهَا: ارْتِفَاع الدرجَة والقربة، وَمِنْهَا: الْإِحْسَان إِلَى المحتاجين، وَمِنْهَا: استرقاق الْأَحْرَار فَإِن الْإِنْسَان عبيد الْإِحْسَان، وَقَالَ الْقشيرِي على قَول من قَالَ: النَّمَاء، أَي: إخْرَاجهَا يكون سَببا للنماء كَمَا صَحَّ: (مَا نقص مَال من صَدَقَة) ، وَوجه الدَّلِيل مِنْهُ أَن النَّقْص محسوس بِإِخْرَاج الْقدر الْوَاجِب، وَلَا يكون غير نَاقص إلَاّ بِزِيَادَة تبلغه إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْمَعْنيين جَمِيعًا الْمَعْنَوِيّ والحسي فِي الزِّيَادَة، أَو بِمَعْنى تَضْعِيف أجورها كَمَا جَاءَ:(إِن الله يُربي الصَّدَقَة حَتَّى تكون كالجبل)، وَمن قَالَ: إِنَّهَا طَهَارَة فللنفس من رذيلة الْبُخْل، أَو لِأَنَّهَا تطهر من الذُّنُوب، وَهَذَا الْحق أثْبته الشَّارِع لمصْلحَة الدَّافِع والآخذ مَعًا، أما الدَّافِع فلتطهيره وتضعيف أجره، وَأما الْآخِذ فلسد خلته.

(بابُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب الزَّكَاة أَي: فرضيتها، وَقد يذكر الْوُجُوب وَيُرَاد بِهِ الْفَرْض، لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْوُجُوب الثُّبُوت والتحقق. قَالَ صلى الله عليه وسلم: وَجَبت وَجَبت، أَي: ثبتَتْ وتحققت، أَو ذكر الْوُجُوب لأجل الْمَقَادِير فَإِنَّهَا ثبتَتْ بأخبار الْآحَاد، أَو لِأَنَّهُ لَو قَالَ: فرض الزَّكَاة، لتبادر الذِّهْن إِلَى الَّذِي هُوَ التَّقْدِير، إِذْ التَّقْدِير هُوَ الْغَالِب فِي بَاب الزَّكَاة لِأَنَّهَا جُزْء مُقَدّر من جَمِيع أَصْنَاف الْأَمْوَال. قلت: لَا شكّ أَن الْكتاب مُجمل وَالْحكم فِيهِ التَّوَقُّف إِلَى أَن يَأْتِي الْبَيَان، وَالْبَيَان فوض إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بيَّن ذَلِك فِي سَائِر الْأَمْوَال، فَيكون أصل الزَّكَاة ثَابتا بِدَلِيل قَطْعِيّ، والمقدار بِالْحَدِيثِ، فَلَعَلَّ من أطلق على الزَّكَاة لفظ: الْوُجُوب، نظر إِلَى هَذَا الْمَعْنى.

وقَوْلِ الله تعَالى {وَأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاةَ} (الْبَقَرَة: 34 و 38 و 011، النِّسَاء: 77، الْحَج: 87، النُّور: 65، المجادلة: 31، المزمل: 02) .

قَول الله، بِالْجَرِّ عطف على مَا قبله، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن فَرضِيَّة الزَّكَاة بِالْقُرْآنِ، لِأَن الله تَعَالَى أَمر بهَا بقوله:{وَآتوا الزَّكَاة} (الْبَقَرَة: 34، 38 و 011، النِّسَاء: 77، الْحَج: 87، النُّور: 65، المجادلة: 31، والمزمل: 02) . وَالْأَمر للْوُجُوب. وَقيل: هُوَ بِالرَّفْع مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف، أَي: هُوَ دَلِيل على مَا قُلْنَاهُ من الْوُجُوب. قلت: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء لَا يخفى على الفطن، وَالْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ، قَالَ ابْن الْمُنْذر: انْعَقَد الْإِجْمَاع على فَرضِيَّة الزَّكَاة وَهِي الرُّكْن الثَّالِث، قَالَ صلى الله عليه وسلم:(بني الْإِسْلَام على خمس) وَفِيه قَالَ: (وإيتاء الزَّكَاة)، وَقَالَ ابْن بطال: فَمن جحد وَاحِدَة من هَذِه الْخمس فَلَا يتم إِسْلَامه، أَلا ترى أَن أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: من منعهَا مُنْكرا وُجُوبهَا فقد كفر إِلَّا أَن يكون حَدِيث عهد بِالْإِسْلَامِ وَلم يعلم وُجُوبهَا. وَقَالَ الْقشيرِي: من جَحدهَا كفر، وَأجْمع الْعلمَاء أَن مانعها تُؤْخَذ

ص: 233

قهرا مِنْهُ، وَإِن نصب الْحَرْب دونهَا قتل، كَمَا فعل أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِأَهْل الرِّدَّة، وَوَافَقَ على ذَلِك جَمِيع الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا حدَّثني أبُو سُفْيَانَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَذَكَرَ حَديثَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يأمُرُنَا بِالصَّلاةِ والزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ والعَفَافِ

قد مضى هَذَا فِي أول الْكتاب فِي قَضِيَّة أبي سُفْيَان مَعَ هِرقل فِي حَدِيث طَوِيل مِنْهُ. (قَالَ) أَي: هِرقل لأبي سُفْيَان (مَاذَا يَأْمُركُمْ؟ قَالَ) أَي: أَبُو سُفْيَان فِي جَوَابه (يَقُول: أعبدوا الله وَحده وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا، واتركوا مَا يَقُول آباؤكم، ويأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة والصدق والعفاف والصلة) . وروى هَذَا الحَدِيث عبد الله بن عَبَّاس عَن أبي سُفْيَان بن حَرْب حَيْثُ قَالَ: (إِن أَبَا سُفْيَان أخبرهُ أَن هِرقل أرسل إِلَيْهِ) الحَدِيث، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ، وَإِنَّمَا ذكر هَذَا الْجُزْء مِنْهُ هُنَا إِشَارَة إِلَى فَرضِيَّة الزَّكَاة بِهِ.

5931 -

حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بنُ مَخْلَدٍ عنْ زَكَرِيَّاءَ بنِ إسْحَاقَ عنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الله ابنِ صَيْفِيٍّ عنْ أبِي مَعْبَدٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذا رَضِي الله تَعَالَى عنهُ إلَى اليَمَنِ فَقَالَ ادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أنْ لَا إلاه إلَاّ الله وَأنِّي رسولُ الله فإنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ فأعْلِمْهُمْ أنَّ الله قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ فإنْ هُمْ أطَاعُوا لِذالِكَ فأعْلِمْهُمْ أنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ..

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ بَيَان فَرضِيَّة الزَّكَاة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك، بتَشْديد الْحَاء: ابْن مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام وإهمال الدَّال، وَقد مر فِي أول كتاب الْعلم. الثَّانِي: زَكَرِيَّا ابْن إِسْحَاق، الثَّالِث: يحيى بن عبد الله بن صَيْفِي مَنْسُوبا إِلَى الصَّيف ضد الشتَاء مولى عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الرَّابِع: أَبُو معبد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره دَال: واسْمه نافد، بالنُّون وَالْفَاء وَالدَّال الْمُهْملَة، وَقيل: بِالْمُعْجَمَةِ، مولى ابْن عَبَّاس، مَاتَ سنة أَربع وَمِائَة وَكَانَ أصدق موَالِي ابْن عَبَّاس، وَقد مر فِي: بَاب الذّكر بعد الصَّلَاة. الْخَامِس: عبد الله ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَأَن زَكَرِيَّا وَيحيى مكيان. وَفِيه: اثْنَان مذكوران بالكنية أَحدهمَا مَذْكُور باسمه أَيْضا. وَفِيه: أَن أحدهم مَذْكُور باسم جده أَيْضا. وَفِيه: عَن أبي معبد عَن ابْن عَبَّاس ان النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَفِي مُسلم: عَن أبي معبد عَن ابْن عَبَّاس عَن معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جعله من مُسْند معَاذ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن أبي عَاصِم النَّبِيل عَن زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق إِلَى آخِره نَحوه، وَأخرجه أَيْضا فِي الْجَنَائِز والتوحيد عَن مُحَمَّد بن مقَاتل، وَأخرجه أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن حبَان بن مُوسَى كِلَاهُمَا عَن ابْن الْمُبَارك عَن زَكَرِيَّا، وَفِي التَّوْحِيد أَيْضا عَن عبد الله بن أبي الْأسود، وَفِي الزَّكَاة أَيْضا عَن أُميَّة بن بسطَام، وَفِي الْمَظَالِم عَن يحيى بن مُوسَى عَن وَكِيع بِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أُميَّة بن بسطَام بِهِ وَعَن عبد بن حميد عَن أبي عَاصِم بِهِ وَعَن أبي بكر وَأبي كريب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، ثَلَاثَتهمْ عَن وَكِيع بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر عَن بشر بن السّري عَن زَكَرِيَّاء بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الزَّكَاة عَن أَحْمد بن حَنْبَل عَن وَكِيع بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن أبي كريب فِي الزَّكَاة بِتَمَامِهِ، وَفِي الْبر يذكر دَعْوَة الْمَظْلُوم حسب بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمُبَارك المخرمي عَن وَكِيع

ص: 234

بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار الْموصِلِي عَن الْمعَافى بن عمرَان عَن زَكَرِيَّاء بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد الطنافسي عَن وَكِيع بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، بعث معَاذًا) وَفِي (الإكليل) لِابْنِ البيع: بعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم، معَاذًا وَأَبا مُوسَى عِنْد انْصِرَافه من تَبُوك سنة تسع، وَزعم ابْن الْحذاء ابْن الْحذاء أَن ذَلِك كَانَ فِي شهر ربيع الآخر سنة عشر، وَقدم فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الْحجَّة الَّتِي فِيهَا حج عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَذَا ذكره سيف فِي (الرِّدَّة) وَفِي (الطَّبَقَات) : فِي شهر ربيع الآخر سنة تسع، وَفِي (كتاب الصَّحَابَة) للعسكري: بَعثه النَّبِي صلى الله عليه وسلم واليا على الْيمن. وَفِي (الِاسْتِيعَاب) : لما خلع من مَاله لغرمائه بَعثه النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: لَعَلَّ الله أَن يجبرك. قَالَ: وَبَعثه أَيْضا قَاضِيا وَجعل إِلَيْهِ قبض الصَّدقَات من الْعمَّال الَّذين بِالْيمن، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد قسم الْيمن على خَمْسَة رجال: خَالِد بن سعيد على صنعاء، وَالْمُهَاجِر بن أبي أُميَّة على كِنْدَة، وَزِيَاد بن لبيد على حَضرمَوْت، ومعاذ على الجندل، وَأبي مُوسَى على زبيد وعدن والساحل. قَوْله:(أدعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إلاه إلَاّ الله وَأَنِّي رَسُول الله) أَي: أدع أهل الْيمن أَولا إِلَى شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: شَهَادَة أَن لَا إلاه إلَاّ الله، وَالثَّانِي: الشَّهَادَة بِأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. فَإِن قلت: كَيفَ كَانَ مَا يَعْتَقِدهُ أهل الْيمن؟ قلت: صرح فِي رِوَايَة مُسلم أَنهم من أهل الْكتاب، حَيْثُ قَالَ عَن ابْن عَبَّاس، (عَن معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: إِنَّك تَأتي قوما من أهل الْكتاب فادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إلاه إلَاّ الله وَأَنِّي رَسُول الله) . وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رحمه الله: كَيْفيَّة الدعْوَة إِلَى الْإِسْلَام بِاعْتِبَار أَصْنَاف الْخلق فِي الاعتقادات، فَلَمَّا كَانَ إرْسَال معَاذ إِلَى من يقر بالإل هـ والنبوات، وهم أهل الْكتاب، أمره بِأول مَا يَدعُوهُم إِلَى تَوْحِيد الإل هـ وَالْإِقْرَار بنبوة مُحَمَّد، صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُم وَإِن كَانُوا يعترفون بإل هية الله تَعَالَى وَلَكِن يجْعَلُونَ لَهُ شَرِيكا، لدَعْوَة النَّصَارَى أَن الْمَسِيح ابْن الله تَعَالَى، ودعوة الْيَهُود أَن عُزَيْرًا ابْن الله، سُبْحَانَهُ عَمَّا يصفونَ، وَأَن مُحَمَّدًا لَيْسَ برَسُول الله أصلا، أَو أَنه لَيْسَ برَسُول إِلَيْهِم، على اخْتِلَاف آرائهم فِي الضَّلَالَة، فَكَانَ هَذَا أول وَاجِب يدعونَ إِلَيْهِ. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: قيد قوما بِأَهْل كتاب، يَعْنِي: فِي رِوَايَة مُسلم وَفِيهِمْ أهل الذِّمَّة وَغَيرهم من الْمُشْركين، تَفْضِيلًا لَهُم وتغليبا على غَيرهم. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: أمره صلى الله عليه وسلم معَاذًا أَن يَدعُوهُم أَولا بتوحيد الله وتصديق نبوة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم دَلِيل على أَنهم لَيْسُوا بعارفين الله تَعَالَى، وَهُوَ مَذْهَب حذاق الْمُتَكَلِّمين فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى، أَنهم غير عارفين الله تَعَالَى، وَإِن كَانُوا يعْبدُونَ ويظهرون مَعْرفَته لدلَالَة السّمع عِنْدهم، هَذَا، وَإِن كَانَ الْعقل لَا يمْنَع أَن يعرف الله تَعَالَى من كذب رَسُولا. وَقَالَ: مَا عرف الله من شبهه وجسمه من الْيَهُود، أَو أضَاف إِلَيْهِ الود، أَو أضَاف إِلَيْهِ الصاحبة أَو أجَاز الْحُلُول عَلَيْهِ والانتقال والامتزاج من النَّصَارَى، أَو وَصفه بِمَا لَا يَلِيق بِهِ، أَو أضَاف إِلَيْهِ الشَّرِيك والمعاند فِي خلقه من الْمَجُوس والثنوية، فمعبودهم الَّذِي عبدوه لَيْسَ هُوَ الله تَعَالَى، وَإِن سموهُ بِهِ إِذْ لَيْسَ مَوْصُوفا بِصِفَات الإل هـ الْوَاجِبَة، فَأذن مَا عرفُوا الله سُبْحَانَهُ. وَقيل: إِنَّمَا أمره بالمطالبة بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَن ذَلِك أصل الدّين الَّذِي لَا يَصح شَيْء من فروعه إلَاّ بِهِ، فَمن كَانَ مِنْهُم غير موحد على التَّحْقِيق كالبصراني، فالمطالبة موجهة إِلَيْهِ بِكُل وَاحِدَة من الشَّهَادَتَيْنِ، وَمن كَانَ موحدا كاليهود فالمطالبة لَهُ بِالْجمعِ بَين مَا أقرّ بِهِ من التَّوْحِيد، وَبَين الْإِقْرَار بالرسالة. وَفِي (التَّلْوِيح) : أهل الْيمن كَانُوا يهودا لِأَن ابْن إِسْحَاق وَغَيره ذكرُوا أَن تبعا تهود، وَتَبعهُ على ذَلِك قومه. قَوْله:(فَإِن هم أطاعوا لذَلِك)، أَي: للإتيان بِالشَّهَادَتَيْنِ. قَوْله: (فأعلمهم)، بِفَتْح الْهمزَة من الْإِعْلَام. قَوْله:(أَن الله قد افْترض عَلَيْهِم خمس صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة)، كلمة: أَن، مَفْتُوحَة لِأَنَّهَا فِي مَحل النصب على أَنَّهَا مفعول ثَان للإعلام، وطاعتهم بِالصَّلَاةِ يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا: يحْتَمل أَن يُرِيد إقرارهم بِوُجُوبِهَا، الثَّانِي: أَن يُرِيد الطَّاعَة بِفِعْلِهَا، ويرجح الأول بِأَن الذّكر فِي لفظ الحَدِيث هُوَ الْإِخْبَار بالفريضة، فتعود الْإِشَارَة بذلك إِلَيْهَا. ويرجح الثَّانِي بِأَنَّهُم لَو أخبروا بِالْوُجُوب فبادروا بالامتثال بِالْفِعْلِ لكفى، وَلم يشْتَرط تلقيهم بِالْإِقْرَارِ بِالْوُجُوب، وَكَذَا الزَّكَاة لَو امتثلوا بأدائها من غير تلفظ بِالْإِقْرَارِ لكفى، فَالشَّرْط عدم الْإِنْكَار والإذعان بِالْوُجُوب لَا بِاللَّفْظِ. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي أَنه رتب دعوتهم إِلَى أَدَاء الزَّكَاة على طاعتهم إِلَى إِقَامَة الصَّلَاة؟ قلت: لم يرتبه تَرْتِيب الْوُجُوب، وَإِنَّمَا رتبه لترتيب الْبَيَان ألَا ترى أَن وجوب الزَّكَاة على قوم من النَّاس دون آخَرين، وَإِن لُزُومهَا بِمُضِيِّ الْحول على المَال، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: يحْتَمل أَن يُقَال: إِنَّهُم إِذا

ص: 235

أجابوا إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ ودخلوا بذلك فِي الْإِسْلَام وَلم يطيعوا لوُجُوب الصَّلَاة كَانَ ذَلِك كفرا وردة عَن الْإِسْلَام بعد دُخُولهمْ فِيهِ، فَصَارَ مَالهم فَيْئا، فَلَا يؤمرون بِالزَّكَاةِ بل يقتلُون؟ قَوْله:(فَإِن هم أطاعوا لذَلِك) أَي: لوُجُوب الصَّلَاة بِالْأَدَاءِ كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (افْترض عَلَيْهِم صَدَقَة) أَي: زَكَاة، وَأطلق لفظ: الصَّدَقَة، على الزَّكَاة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} (التَّوْبَة: 06) . وَالْمرَاد بهَا: الزَّكَاة. قَوْله: (تُؤْخَذ) على صِيغَة الْمَجْهُول فِي مَحل النصب على أَنَّهَا صفة لقَوْله (صَدَقَة)، وَكَذَلِكَ قَوْله:(وَترد) على صِيغَة الْمَجْهُول عطف على قَوْله: (تُؤْخَذ) ، وَسَيَأْتِي فِي كتاب الزَّكَاة فِي بَاب لَا تُؤْخَذ كرائم أَمْوَال النَّاس فِي الصَّدَقَة، عقيب قَوْله:(وَترد على فقرائهم فَإِذا أطاعوا بهَا فَخذ مِنْهُم وتوقَّ كرائم أَمْوَال النَّاس)، وَسَيَأْتِي أَيْضا فِي: بَاب أَخذ الصَّدَقَة من الْأَغْنِيَاء، عقيب قَوْله:(وكرائم أَمْوَالهم، واتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنَّهُ لَيْسَ بَينه وَبَين الله حجاب) . قَوْله: (توق)، وَفِي رِوَايَة:(فإياك وكرائم أَمْوَالهم)، يَعْنِي: إحترز فَلَا تَأْخُذ كرائم الْأَمْوَال، والكرائم جمع: كَرِيمَة، وَهِي النفيسة من المَال. وَقيل: مَا يخْتَص صَاحبه لنَفسِهِ مِنْهَا ويؤثره، وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) : هِيَ جَامِعَة الْكَمَال المتمكن فِي حَقّهَا من غزارة اللَّبن وجمال صُورَة أَو كَثْرَة لحم أَو صوف، قَوْله:(فَإِنَّهُ)، أَي: فَإِن الشَّأْن، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: فَإِنَّهَا، أَي: فَإِن الْقِصَّة والشأن. قَوْله: (لَيْسَ بَينه)، أَي: بَين دُعَاء الْمَظْلُوم وَبَين الله حجاب. وَفِي رِوَايَة: (بَينهَا)، أَي: بَين دَعْوَة الْمَظْلُوم وَبَين الله. قَوْله: (فإياك وكرائم أَمْوَالهم) ، بِالْوَاو، وَلَا يجوز تَركه لِأَن معنى: إياك: إتق، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ التحذير، والمحذر مِنْهُ إِذا ولي المحذر فَإِن كَانَ اسْما صَرِيحًا يسْتَعْمل بِمن أَو الْوَاو، وَلَا يَخْلُو عَنْهُمَا، وَإِلَّا يفهم مِنْهُ أَنه محذر مِنْهُ، وَإِن كَانَ فعلا يجب أَن يكون مَعَ: أَن ليَكُون فِي تَأْوِيل الإسم، فيستعمل بِالْوَاو عطفا نَحْو: إياك وَأَن تحذف، فَإِن تَقْدِيره: إياك والحذف، أَو: بِمن، نَحْو إياك من أَن تحذف. وَلَا يجوز أَن يُقَال: إياك الْأسد، بِدُونِ الْوَاو. وَقد نقل ابْن مَالك: إياك الْأسد، بِحَذْف الْوَاو، وَلكنه شَاذ يكون فِي الضَّرُورَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه:

الأول: فِيهِ قبُول خبر الْوَاحِد وَوُجُوب الْعَمَل بِهِ، قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَفِيه نظر من حَيْثُ إِن أَبَا مُوسَى كَانَ مَعَه، فَلَيْسَ خبر وَاحِد على هَذَا، وعَلى قَول أبي عمر: كَانُوا خَمْسَة. قلت: فِي نظره نظر، لِأَنَّهُ لَا يخرج عَن كَونه خبر وَاحِد، وَقبُول خبر الْوَاحِد وَوُجُوب الْعَمَل بِهِ قَول من يعْتد بِهِ فِي الْإِجْمَاع.

الثَّانِي: فِيهِ أَن الْكفَّار يدعونَ إِلَى الْإِسْلَام قبل الْقِتَال، وَإنَّهُ لَا يحكم بِإِسْلَام الْكَافِر إلَاّ بالنطق بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَهَذَا مَذْهَب أهل السّنة لِأَن ذَلِك أصل الدّين الَّذِي لَا يَصح شَيْء من فروعه إلَاّ بِهِ.

الثَّالِث: فِيهِ أَن الصَّلَوَات الْخمس فرض فِي كل يَوْم وَلَيْلَة خمس مَرَّات.

الرَّابِع: فِيهِ أَن الزَّكَاة فرض.

الْخَامِس: فِيهِ اسْتِدْلَال بَعضهم على عدم جَوَاز نقل الزَّكَاة عَن بلد المَال، لقَوْله صلى الله عليه وسلم (وَترد على فقرائهم)، قلت: هَذَا الِاسْتِدْلَال غير صَحِيح، لِأَن الضَّمِير فِي (فقرائهم) ، يرجع إِلَى فُقَرَاء الْمُسلمين، وَهُوَ أَعم من أَن يكون من فُقَرَاء أهل تِلْكَ الْبَلدة أَو غَيرهم، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: اتَّفقُوا على أَنَّهَا إِذا نقلت وَأديت يسْقط الْفَرْض عَنهُ، إلَاّ عمر ابْن عبد الْعَزِيز فَإِنَّهُ رد صَدَقَة نقلت من خُرَاسَان إِلَى الشَّام إِلَى مَكَانهَا من خُرَاسَان.

السَّادِس: أَن الْخطابِيّ قَالَ فِيهِ: يسْتَدلّ لمن يذهب إِلَى أَن الْكفَّار غير مخاطبين بشريعة الدّين، وَإِنَّمَا خوطبوا بِالشَّهَادَةِ فَإِذا أقاموها تَوَجَّهت عَلَيْهِم بعد ذَلِك الشَّرَائِع والعبادات، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قد أوجبهَا مرتبَة وَقدم فِيهَا الشَّهَادَة، ثمَّ تَلَاهَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيف، فَإِن المُرَاد علمهمْ بِأَنَّهُم مطالبون بِالصَّلَاةِ وَغَيرهَا فِي الدُّنْيَا، والمطالبة فِي الدُّنْيَا لَا تكون إلَاّ بعد الْإِسْلَام، وَلَيْسَ يلْزم من ذَلِك أَن لَا يَكُونُوا مخاطبين بهَا يُزَاد فِي عَذَابهمْ بِسَبَبِهَا فِي الْآخِرَة، ثمَّ قَالَ: إعلم أَن الْمُخْتَار أَن الْكفَّار مخاطبون بِفُرُوع الشَّرِيعَة الْمَأْمُور بِهِ والمنهي عَنهُ، هَذَا قَول الْمُحَقِّقين والأكثرين، وَقيل: لَيْسُوا مخاطبين، وَقيل: مخاطبون بالمنهي دون الْمَأْمُور. قلت: قَالَ شمس الْأَئِمَّة فِي كِتَابه، فِي فصل بَيَان مُوجب الْأَمر فِي حق الْكفَّار: لَا خلاف أَنهم مخاطبون بِالْإِيمَان لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعث إِلَى النَّاس كَافَّة لِيَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِيمَان، قَالَ تَعَالَى:{قل يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا} (الْأَعْرَاف: 851) . وَلَا خلاف أَنهم مخاطبون بالمشروع من الْعُقُوبَات، وَلَا خلاف أَن الْخطاب بالمعاملات يتناولهم أَيْضا، وَلَا خلاف أَن الْخطاب بالشرائع يتناولهم فِي حكم الْمُؤَاخَذَة فِي الْآخِرَة، فَأَما فِي وجوب الْأَدَاء فِي أَحْكَام الدُّنْيَا فمذهب الْعِرَاقِيّين من أَصْحَابنَا أَن الْخطاب يتناولهم أَيْضا. وَالْأَدَاء وَاجِب عَلَيْهِم، ومشايخ دِيَارنَا يَقُولُونَ: إِنَّهُم لَا يخاطبون بأَدَاء مَا يحْتَمل السُّقُوط من الْعِبَادَات.

ص: 236

السَّابِع: اسْتدلَّ بِهِ من يرى بِعَدَمِ وجوب الْوتر، لِأَن بعث معَاذ إِلَى الْيمن قبل وَفَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِقَلِيل. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَهَذَا ظَاهر لَا إِيرَاد عَلَيْهِ، وَمن ناقش بِهِ فقد غلط. قلت: مَا غلط إلَاّ من اسْتمرّ على هَذَا بِغَيْر برهَان، لِأَن الرَّاوِي لم يذكر جَمِيع المفروضات. أَلَا ترى أَنه لم يذكر الصَّوْم وَالْحج وَنَحْوهمَا، وَلَئِن سلمنَا مَا ذَكرُوهُ، وَلَكِن لَا نسلم نفي ثُبُوت وُجُوبه بعد ذَلِك لعدم الْعلم بالتاريخ، وَقد قَالَت الشَّافِعِيَّة: فِي ردهم قَول أَحْمد حَيْثُ تمسك بِحَدِيث ابْن عكيم فِي عدم الِانْتِفَاع بإجزاء الْميتَة قبل موت النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِشَهْر، وَيحْتَمل أَن يكون الْإِذْن فِي ذَلِك قبل مَوته بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ، فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُم أَن يَقُولُوا هُنَا كَمَا قَالُوا هُنَاكَ.

الثَّامِن: ذكر الطَّيِّبِيّ وَآخَرُونَ أَن فِي قَوْله: (تُؤْخَذ من أغنيائهم) . دَلِيلا على أَن الطِّفْل تلْزمهُ الزَّكَاة لعُمُوم قَوْله (تُؤْخَذ من أغنيائهم) قلت قلت: عبارَة الشَّافِعِيَّة: أَن الزَّكَاة لَا تجب على الصَّبِي بل تجب فِي مَاله، وَكَذَا فِي الْمَجْنُون، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده:(أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، خطب فَقَالَ: ألَاّ من ولي يَتِيما لَهُ مَال فليتجر فِي مَاله وَلَا يتْركهُ حَتَّى تَأْكُله الصَّدَقَة) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، قُلْنَا: الشَّرْط فِي وجوب الزَّكَاة: الْعقل وَالْبُلُوغ، فَلَا تجب فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون لحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ:(رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم، وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق)، وَحَدِيث التِّرْمِذِيّ ضَعِيف لِأَن فِي إِسْنَاده الْمثنى بن الصَّباح. فَقَالَ أَحْمد: لَا يُسَاوِي شَيْئا. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، وَقَالَ يحيى: ليش بِشَيْء، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن رَوَاهُ: وَفِي إِسْنَاده مقَال لِأَن الْمثنى بن الصَّباح يضعف فِي الحَدِيث. فَإِن قلت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة منْدَل عَن أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (إحفظوا الْيَتَامَى فِي أَمْوَالهم لَا تأكلها الزَّكَاة) . قلت: منْدَل بن عَليّ الْكُوفِي ضعفه أَحْمد، وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يرفع الْمَرَاسِيل ويسند الْمَوْقُوفَات من سوء حفظه، فَلَمَّا فحش ذَلِك مِنْهُ اسْتحق التّرْك. فَإِن قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: وروى بَعضهم هَذَا الحَدِيث عَن عَمْرو بن شُعَيْب أَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ

فَذكر هَذَا الحَدِيث. قلت: ظَاهره أَن عَمْرو بن شُعَيْب رَوَاهُ عَن عمر بِغَيْر وَاسِطَة بَينه وَبَينه وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بِوَاسِطَة سعيد بن الْمسيب من رِوَايَة حُسَيْن الْمعلم عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن سعيد بن الْمسيب، أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: ابْتَغوا بأموال اليتامي لَا تأكلها الصَّدَقَة. وَقد اخْتلف فِي سَماع ابْن الْمسيب عَن عمر بن الْخطاب، وَالصَّحِيح أَنه لم يسمع مِنْهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي هَذَا الْبَاب، فَرَأى غير وَاحِد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي مَال الْيَتِيم زَكَاة، مِنْهُم: عمر وَعلي وَعَائِشَة وَابْن عمر، وَبِه يَقُول: مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَقَالَت طَائِفَة من أهل الْعلم: لَيْسَ فِي مَال الْيَتِيم زَكَاة، وَبِه قَالَ: سُفْيَان الثَّوْريّ وَعبد الله بن الْمُبَارك. قلت: وَبِه قَالَ: أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، وَهُوَ قَول أبي وَائِل وَسَعِيد بن جُبَير وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَحكي عَنهُ إِجْمَاع الصَّحَابَة. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: لَا تجب الزَّكَاة إلَاّ على من تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالصِّيَام، وَذكر حميد بن زَنْجوَيْه النَّسَائِيّ: أَنه مَذْهَب ابْن عَبَّاس. وَفِي (الْمَبْسُوط) : وَهُوَ قَول عَليّ أَيْضا، وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه مثله، وَبِه قَالَ شُرَيْح، ذكره النَّسَائِيّ.

التَّاسِع: فِيهِ أَن الْمَدْفُوع عين الزَّكَاة وَفِيه خلاف.

الْعَاشِر: أَنه لَيْسَ فِي المَال حق وَاجِب سوى الزَّكَاة، وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث شريك عَن أبي حَمْزَة عَن الشّعبِيّ عَن فَاطِمَة بنت قيس: سَمِعت النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، يَقُول: لَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة. قلت: قد اخْتلف نسخ ابْن مَاجَه فِي لَفظه، فَفِي نُسْخَة: فِي المَال حق سوى الزَّكَاة، وَفِي نُسْخَة: لَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي (الإِمَام) هَكَذَا فِي النُّسْخَة الَّتِي فِيهَا روايتنا، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ: إِن فِي المَال لَحقا سوى الزَّكَاة، ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي يرويهِ أَصْحَابنَا فِي التَّعَالِيق: لَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رحمه الله: لَيْسَ حَدِيث فَاطِمَة هَذَا بِصَحِيح، تفرد بِرَفْعِهِ أَبُو حَمْزَة القصاب الْأَعْوَر الْكُوفِي، واسْمه: مَيْمُون، وَهُوَ وَإِن روى عَنهُ الثِّقَات: الحمادان وسُفْيَان وَشريك وَابْن علية وَغَيرهم، فَهُوَ مُتَّفق على ضعفه. وَقَالَ أَحْمد: مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء، وَحكم التِّرْمِذِيّ أَن هَذَا الحَدِيث من قَول الشّعبِيّ أصح، وَهُوَ كَذَلِك، وَقد صَحَّ أَيْضا عَن غَيره من التَّابِعين، وروى أَيْضا عَن ابْن عمر من قَوْله: وَقَالَ ابْن حزم: صَحَّ عَن الشّعبِيّ وَمُجاهد وطاووس وَغَيرهم

ص: 237

القَوْل: فِي المَال حق سوى الزَّكَاة. قَالَ: وَعَن ابْن عمر أَنه قَالَ: فِي مَالك حق سوى الزَّكَاة. وَقَالَ مُجَاهِد إِذا حصد ألْقى لَهُم من السنبل، وَإِذا جز النّخل ألْقى لَهُم من الشماريخ، فَإِذا كاله زَكَّاهُ. وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب، فِي قَوْله تَعَالَى:{وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} (الْأَنْعَام: 141) . قَالَ: مَا قل مِنْهُ أَو كثر، وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه، قَالَ: وَآتوا حَقه، قَالَ: شَيْء سوى الْحق الْوَاجِب، وَعَن عَطاء: القبضة من الطَّعَام، وَعَن يزِيد بن الْأَصَم، قَالَ: كَانَ النّخل إِذا صرم يَجِيء الرجل بالعذق من نخله فيعلقه فِي جَانب الْمَسْجِد، فَيَجِيء الْمِسْكِين فيضربه بعصاه، فَإِذا تناثر مِنْهُ شَيْء أكل، فَذَلِك قَوْله:{وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} (الْأَنْعَام: 141) . وَعَن حَمَّاد: يُعْطي ضغثا، وَعَن الرّبيع بن أنس: وَآتوا حَقه. قَالَ إلقاط السنبل، وَعَن سُفْيَان قَالَ: يدع الْمَسَاكِين يتبعُون أثر الحصادين فِيمَا سقط عَن المنجل، وَذكر الْعَبَّاس الضَّرِير فِي كِتَابه (مقامات التَّنْزِيل) : وَقد رُوِيَ وَصَحَّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن، وَهُوَ قَول عَطِيَّة وَأبي عبيد، وَاحْتج بِحَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَنه: نهى عَن حصاد اللَّيْل. وَقَالَ ابْن التِّين: وَهُوَ قَول الشّعبِيّ، رحمه الله، وَقَالَ النّحاس: فِي هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة خَمْسَة أَقْوَال: فَمنهمْ من قَالَ هِيَ مَنْسُوخَة بِالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَة، فَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك، سعيد بن جُبَير، وَقَالَ: كَانَ هَذَا قبل أَن تنزل الزَّكَاة، وَقَالَ الضَّحَّاك: نسخت الزَّكَاة فِي كل صَدَقَة فِي الْقُرْآن، وَفِي تَفْسِير الفلاس: حَدثنَا يحيى حَدثنَا سُفْيَان عَن الْمُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم، قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة. القَوْل الثَّانِي: إِنَّهَا الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، وَهُوَ قَول أنس بن مَالك، وَعَن الْحسن مثله، وَهُوَ قَول جَابر بن زيد وَسَعِيد بن الْمسيب وَقَتَادَة وَزيد بن أسلم، وَقيل: هَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ أَيْضا. القَوْل الثَّالِث: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: كَأَن السّديّ ذهب إِلَى أَن الَّذِي نزل بِمَكَّة: {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} (الْأَنْعَام: 141) . فَقَط، فَلَمَّا أعْطى ابْن قيس كلما حصد، نزل:{وَلَا تسرفوا} (الْأَنْعَام: 141) . وَأول الْآيَة مكي وَآخِرهَا مدنِي. وَعَن الْكَلْبِيّ مثل قَول السّديّ، وَذكر النّحاس مثل قَول السّديّ عَن الْأَعْرَج، وَحَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ وَغَيره عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. القَوْل الرَّابِع: قَول من قَالَ: نسخت الْآيَة بالعشر وَنصف الْعشْر. وَفِي تَفْسِير الفلاس: هُوَ قَول ابْن عَبَّاس. القَوْل الْخَامِس: قَالَ أَبُو جَعْفَر: أَن يكون مَعْنَاهُ على النّدب، وَهَذَا لَا نَعْرِف أحدا من الْمُتَقَدِّمين قَالَه.

الْحَادِي عشر: فِي قَوْله: (تُؤْخَذ من أغنيائهم) ، دَلِيل على أَن الإِمَام يُرْسل السعاة إِلَى أَصْحَاب الْأَمْوَال لقبض صَدَقَاتهمْ، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع أهل الْعلم على أَن الزَّكَاة كَانَت ترفع إِلَى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَإِلَى رسله وعماله وَإِلَى من أَمر بدفعها إِلَيْهِ، وَاخْتلفُوا فِي دفع الزَّكَاة إِلَى الْأُمَرَاء، فَكَانَ سعد بن أبي وَقاص وَابْن عمر وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالشعْبِيّ وَمُحَمّد بن عَليّ وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو رزين وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ، يَقُولُونَ: تدفع الزَّكَاة إِلَى الْأُمَرَاء. وَقَالَ عَطاء: يعطيهم إِذا وضعوها موَاضعهَا. وَقَالَ طَاوُوس: لَا يدْفع إِلَيْهِم إِذا لم يضعوها موَاضعهَا. وَقَالَ الثَّوْريّ: أخلف لَهُم وعدهم وأكذبهم وَلَا تعطهم شَيْئا إِذا لم يضعوها موَاضعهَا.

الثَّانِي عشر: فِيهِ أَن السَّاعِي لَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ خِيَار الْأَمْوَال، بل يَأْخُذ الْوسط بَين الْخِيَار والرديء.

الثَّالِث عشر: قَالَ الْخطابِيّ، فِيهِ: قد يسْتَدلّ بِهِ من لَا يرى على الْمَدْيُون زَكَاة، لِأَنَّهُ قسم قسمَيْنِ فَقِيرا وغنيا، فَهَذَا لما جَازَ لَهُ الْأَخْذ لم يجب عَلَيْهِ الدّفع. وَأجِيب عَنهُ: بِأَن الْمَدْيُون لَا يَأْخُذهَا لفقره حَتَّى لَا تجب عَلَيْهِ لغناه، وَإِنَّمَا يَأْخُذهَا لكَونه من الغارمين، وهم أحد الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الْمَذْكُورين فِي الْآيَة.

الرَّابِع عشر: قَالَ صَاحب (الْمُفْهم) : فِيهِ دَلِيل لمَالِك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على أَن الزَّكَاة لَا تجب قسمتهَا على الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الْمَذْكُورين فِي الْآيَة، وَأَنه يجوز للْإِمَام أَن يصرفهَا إِلَى صنف وَاحِد من الْأَصْنَاف الْمَذْكُورين فِي الْآيَة إِذا رَآهُ نظرا أَو مصلحَة دينية.

الْخَامِس عشر: فِيهِ أَن دعو الْمَظْلُوم لَا ترد، وَلَو كَانَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَن لَا يُسْتَجَاب لمثله من كَون مطعمه حَرَامًا أَو نَحْو ذَلِك حَتَّى ورد فِي بعض طرقه. وَإِن كَانَ كَافِرًا لَيْسَ دونه حجاب، رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَله من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:(دَعْوَة الْمَظْلُوم مستجابة وَإِن كَانَ فَاجِرًا، ففجوره على نَفسه) . وَإِسْنَاده حسن.

6931 -

حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثنا شُعبَةُ عنِ ابنِ عُثْمَانِ بنِ عَبْدِ الله بنِ مَوْهَبٍ

ص: 238

عنْ مُوسى بنِ طَلْحَةَ عنْ أبِي أيُّوبَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ قَالَ مالَهُ مالَهُ وَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أرَبٌ مالَهُ تَعْبُدُ الله وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئا وتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وتؤتي الزَّكَاة) فَإِنَّهَا ذكرت مُقَارنَة للصَّلَاة الَّتِي ذكرت مُقَارنَة للتوحيد، فَإِن قَوْله:(تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا) عبَادَة عَن التَّوْحِيد.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: حَفْص بن عمر بن الْحَارِث بن سَخْبَرَة أَبُو عمر الحوضي. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث: مُحَمَّد بن عُثْمَان بن عبد الله بن موهب، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْهَاء وبالباء الْمُوَحدَة. الرَّابِع: مُوسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله الْقرشِي، مَاتَ سنة أَربع وَمِائَة. الْخَامِس: أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، واسْمه خَالِد بن زيد بن كُلَيْب، يَقُول فِي حَدِيثه: إِن رجلا. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: إِن هَذَا الرجل هُوَ أَبُو أَيُّوب الرَّاوِي، وَنسبه بَعضهم إِلَى الْغَلَط وَهُوَ غير موجه، إِذْ لَا مَانع أَن يبهم الرَّاوِي نَفسه لغَرَض لَهُ. فَإِن قلت: هَذَا يبعد هَهُنَا لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الَّتِي تَأتي بعد بِأَنَّهُ أَعْرَابِي. قلت: أُجِيب بِالْمَنْعِ لعدم الْمَانِع من تعدد الْقِصَّة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه كُوفِي وَشعْبَة واسطي وَابْن عُثْمَان ومُوسَى مدنيان. وَفِيه: ابْن مُخْتَلف فِيهِ هَل هُوَ مُحَمَّد بن عُثْمَان أَو عَمْرو بن عُثْمَان، وَفِي بعض النّسخ: حَدثنَا شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان، وَنَذْكُر عَن قريب وَجه ذَلِك.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَنهُ بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعبد الرَّحْمَن بن نصر، كِلَاهُمَا عَن بهز عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان وَأَبِيهِ عُثْمَان بِهِ وَعَن يحيى بن يحيى وَأبي بكر بن أبي شيبَة، كِلَاهُمَا عَن أبي الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَنهُ بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة وَفِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي صَفْوَان عَن بهز بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يدخلني) الْجَزْم فِيهِ على جَوَاب الْأَمر غير مُسْتَقِيم، لِأَنَّهُ إِذا جعل جَوَاب الْأَمر يبْقى قَوْله: بِعَمَل، غير مَوْصُوف، والنكرة غير الموصوفة لَا تفِيد، كَذَا قَالَه صَاحب (الْمظهر) شَارِح (المصابيح) قلت: التنكير فِي: بِعَمَل، للتفخيم أَو التنويع، أَي: بِعَمَل عَظِيم أَو مُعْتَبر فِي الشَّرْع، أَو نقُول، إِذا صَحَّ الْجَزْم فِيهِ: إِن جَزَاء الشَّرْط مَحْذُوف تَقْدِيره: أَخْبرنِي بِعَمَل إِن عملته يدخلني الْجنَّة، فالجملة الشّرطِيَّة بأسرها صفة: لعمل. فَافْهَم. قَوْله: (مَاله مَاله؟) كلمة: مَا للاستفهام والتكرار للتَّأْكِيد، قَالَه ابْن بطال: وَيجوز أَن تكون بِمَعْنى: أَي شَيْء جرى لَهُ، قَوْله:(ارب) إختلفوا فِي هَيْئَة هَذِه الْكَلِمَة وَفِي مَعْنَاهَا أَيْضا، أما فِي الأول فَقيل، ارب، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء وتنوين الْبَاء: على وزن حذر، وَقَالَ ابْن قرقول: يرْوى: أرب مَاله: اسْم فَاعل حذر. قلت: لَا يُسمى مثل هَذَا اسْم فَاعل، بل هُوَ صفة مشبهة، وَقيل: أرب، بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الرَّاء أَيْضا وتنوين الْبَاء، وَقيل: أرب، بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الرَّاء وَفتح الْبَاء على صِيغَة الْمَاضِي، وَرُوِيَ هَذَا عَن أبي ذَر، وَقيل: على صِيغَة الْمَاضِي، وَلكنه بِكَسْر الرَّاء، فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقْوَال. وَأما اخْتلَافهمْ فِي الْمَعْنى فَفِي الْوَجْه الأول مَعْنَاهُ: صَاحب الْحَاجة، وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هُوَ أرب، وَلما رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه حَرِيص فِي سُؤَاله، قَالَ: مَا لَهُ مُتَعَجِّبا من حرصه بطرِيق الِاسْتِفْهَام، وَفِي الْوَجْه الثَّانِي: مَعْنَاهُ لَهُ أرب، أَي: حَاجَة، فَيكون ارتفاعه على أَنه مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف. وَفِي الْوَجْه الثَّالِث وَالرَّابِع اللَّذين بِصُورَة الْمَاضِي على اخْتِلَاف حَرَكَة عين الْفِعْل، مَعْنَاهُ: احْتَاجَ فَسَأَلَ عَن حَاجته. وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل، يُقَال: أرب الرجل فِي الْأَمر إِذا بلغ فِيهِ جهده. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: سقط آرابه، أَي: أعضاؤه، ومفرده: الأرب، هَذِه كلمة لَا يُرَاد بهَا وُقُوع الْأَمر. كَمَا تَقول: تربت يداك، وَإِنَّمَا تسْتَعْمل عِنْد التَّعَجُّب. وَقيل: لما رأى الرجل يزاحم دَعَا عَلَيْهِ دُعَاء لَا يُسْتَجَاب فِي الْمَدْعُو عَلَيْهِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أرب الرجل فِي الشَّيْء إِذا صَار ماهرا فِيهِ، فَيكون الْمَعْنى التَّعَجُّب من حسن فطنته والتهدي إِلَى مَوضِع حَاجته، فَلذَلِك قَالَ: مَاله، بالاستفهام:

ص: 239

وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَأما مَا رَوَاهُ بَعضهم بِكَسْر الرَّاء وتنوين الْبَاء، وَمَعْنَاهُ: هُوَ أرب، أَي: صَادِق فطن، فَلَيْسَ بِمَحْفُوظ عِنْد أهل الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة:(قَالَ النَّاس: مَاله مَاله؟ فَقَالَ النَّبِي تصلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرب مَاله) و: مَا، صلَة أَي حَاجَة مَا أَو أَمر مَاله. انْتهى. قلت: لهَذِهِ الْمَادَّة معَان كَثِيرَة: الأرب، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء: الْعُضْو، كَمَا فِي الحَدِيث:(أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة آرَاب) . وَهُوَ جمع أرب، وَجَاء على أرؤب، والأرب أَيْضا الدهاء، وَيُقَال: هُوَ ذُو أرب أَي: ذُو عقل، وَمِنْه: الأريب، وَهُوَ الْعَاقِل، والأرب أَيْضا: الْحَاجة وَفِيه لُغَات: أرب وأربة وأرب ومأربة، تَقول مِنْهُ: أرب الرجل بِالْكَسْرِ يأرب بِالْفَتْح أربا، وَيُقَال: أرب الدَّهْر إِذا اشْتَدَّ، وأرب الرجل إِذا تساقطت أعضاؤه، وأرب بالشَّيْء درب بِهِ وَصَارَ بَصيرًا فِيهِ فَهُوَ أرب، والأربة بِالضَّمِّ: الْعقْدَة، والإربة بِالْكَسْرِ الْمَعْتُوه، قَالَ تَعَالَى:{غير أولي الإربة} (النُّور: 13) . قَالَ سعيد بن جُبَير: هُوَ الْمَعْتُوه، وتأريب الْعقْدَة إحكامها وَمِنْه يُقَال: أرب عقدتك، أَي: أحكمها، وتأريب الشَّيْء أَيْضا توفيره، وكل موفر مؤرب. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: التأرب التشدد فِي الشَّيْء، وأربت على الْقَوْم أَي: فزت عَلَيْهِم، والأرب، بِالضَّمِّ صغَار الْغنم حِين تولد. قَوْله:(تعبد الله) أَي: توحده، وَفَسرهُ بقوله:(وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا) قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إلَاّ ليعبدون} (الذاريات: 65) . أَي: ليوحدوني، وَالتَّحْقِيق هُنَا أَن الْعِبَادَة الطَّاعَة مَعَ خضوع، فَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِالْعبَادَة هُنَا معرفَة الله تَعَالَى، وَالْإِقْرَار بوحدانيته، فعلى هَذَا يكون عطف الصَّلَاة وَعطف مَا بعْدهَا عَلَيْهَا لإدخالها فِي الْإِسْلَام، وَأَنَّهَا لم تكن دخلت فِي الْعِبَادَة، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِالْعبَادَة الطَّاعَة مُطلقًا، فَيدْخل جَمِيع وظائف الْإِسْلَام فِيهَا. فعلى هَذَا يكون عطف الصَّلَاة وَغَيرهَا من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام، تَنْبِيها على شرفه ومزيته، وَإِنَّمَا ذكر قَوْله:(وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا) بعد الْعِبَادَة لِأَن الْكفَّار كَانُوا يعبدونه سُبْحَانَهُ فِي الصُّورَة ويعبدون مَعَه أوثانا يَزْعمُونَ أَنَّهَا شُرَكَاء فنفى هَذَا. قَوْله: (وتقيم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة) اقتباس من قَوْله تَعَالَى: {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} (النِّسَاء: 301) . وَقد جَاءَ فِي أَحَادِيث وصفهَا بالمكتوبة، كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:(إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إلَاّ الْمَكْتُوبَة) ، و (أفضل الصَّلَاة بعد الْمَكْتُوبَة صَلَاة اللَّيْل) ، و (خمس صلوَات كتبهن الله)، وَمعنى: إِقَامَة الصَّلَاة إدامتها والمحافظة عَلَيْهَا، وَقيل: إِتْمَامهَا على وَجههَا. قَوْله: (وَتصل الرَّحِم) ، من وصل يصل صلَة، وصلَة الرَّحِم مُشَاركَة ذَوي الْقَرَابَة فِي الْخيرَات، وَإِنَّمَا خص هَذَا من بَين سَائِر وَاجِبَات الدّين نظرا إِلَى حَال السَّائِل، كَأَنَّهُ كَانَ قطاعا للرحم مبيحا لذَلِك، فَأمره بِهِ لِأَنَّهُ هُوَ المهم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: فَإِن قيل: قد علم بسؤال الرجل أَن لَهُ حَاجَة، فَمَا الْفَائِدَة فِي قَوْله: لَهُ حَاجَة؟ فَالْجَوَاب: أَن الْمَعْنى: لَهُ حَاجَة مهمة مفيدة جَاءَت بِهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا لم يُخْبِرهُمْ بالتطوع لأَنهم كَانُوا حَدِيثي عهد بِالْإِسْلَامِ، فَاكْتفى مِنْهُم بِفعل مَا وَجب عَلَيْهِم للتَّخْفِيف، وَلِئَلَّا يعتقدوا أَن التطوعات وَاجِبَة، فتركهم إِلَى أَن تَنْشَرِح صُدُورهمْ لَهَا فتسهل عَلَيْهِم.

وَقَالَ بَهْزٌ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ وأبُوهُ عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الله أنَّهُمَا سَمِعَا مُوسى بنَ طَلْحَةَ عنْ أبِي أيُّوبَ بِهاذَا. قَالَ أبُو عَبْدِ الله أخْشَى أنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ مَحْفُوظٍ إنَّمَا هُوَ عَمْرٌ

وبهز، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْهَاء وَفِي آخِره زَاي: ابْن أَسد الْعمي أَبُو الْأسود الْبَصْرِيّ، مر فِي: بَاب الْغسْل بالصاع. قَوْله: شُعْبَة حَدثنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان، وَفِي رِوَايَة حَفْص بن عمر: عَن شُعْبَة قَالَ حَدثنَا ابْن عُثْمَان، كَمَا مر. وَقد أوضح شُعْبَة فِي هَذِه الرِّوَايَة هُوَ مُحَمَّد بن عُثْمَان، وَلكنه وهم فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرو بن عُثْمَان، وَلِهَذَا قَالَ البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أخْشَى أَن يكون مُحَمَّد غير مَحْفُوظ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرو بن عُثْمَان. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِن شُعْبَة وهم فِي اسْم ابْن عُثْمَان بن موهب فَسَماهُ مُحَمَّدًا، وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرو بن عُثْمَان، والْحَدِيث مَحْفُوظ عَنهُ، حدث بِهِ عَنهُ يحيى بن سعيد الْقطَّان وَمُحَمّد بن عبيد وَإِسْحَاق الْأَزْرَق وَأَبُو أُسَامَة وَأَبُو نعيم ومروان الْفَزارِيّ وَغَيرهم عَن عَمْرو بن عُثْمَان، وَقَالَ الكلاباذي: روى شُعْبَة عَن عَمْرو بن عُثْمَان وَوهم فِي اسْمه فَقَالَ: مُحَمَّد بن عُثْمَان، فِي أول كتاب الزَّكَاة، وَقَالَ الغساني: هَذَا مِمَّا عد على شُعْبَة أَنه وهم فِيهِ حَيْثُ قَالَ: مُحَمَّد بدل عَمْرو، وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة شُعْبَة فِي (كتاب الْأَدَب) فَقَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن حَدثنَا بهز حَدثنَا شُعْبَة

ص: 240

حَدثنَا ابْن عُثْمَان بن عبد الله، غير مُسَمّى ليَكُون أقرب إِلَى الصَّوَاب، قَوْله:(وَأَبوهُ عُثْمَان) أَي: أَبُو مُحَمَّد، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن شُعْبَة رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان وَعَن أَبِيه عُثْمَان بن عبد الله كِلَاهُمَا عَن مُوسَى بن طَلْحَة، وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد ابْن عُثْمَان بن أبي صَفْوَان عَن بهز عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان وَأَبِيهِ عُثْمَان، وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمد عَن بهز، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: جوده بهز فَقَالَ: حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان وَأَبوهُ عُثْمَان، قَالَ: وَانْفَرَدَ ابْن أبي عدي فِيهِ بالرواية عَن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن مُوسَى. وَقَالَ مُسلم: حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير حَدثنِي أبي حَدثنَا عَمْرو بن عُثْمَان حَدثنَا مُوسَى بن طَلْحَة (حَدثنِي أَبُو أَيُّوب: أَن أَعْرَابِيًا عرض لرَسُول الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ فِي سفر، فَأخذ بِخِطَام نَاقَته أَو بزمامها ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله، أَو يَا مُحَمَّد أَخْبرنِي بِمَا يقربنِي إِلَى الْجنَّة وَمَا يباعدني من النَّار؟ قَالَ: فَكف النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ نظر فِي أَصْحَابه، ثمَّ قَالَ: لقد وفْق هَذَا أَو لقد هدي قَالَ: كَيفَ قلت؟ قَالَ: فَأَعَادَهَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وَتصل الرَّحِم، دع النَّاقة) . ثمَّ روى من طَرِيق بهز: حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان بن عبد الله بن موهب وَأَبوهُ عُثْمَان أَنَّهُمَا سمعا مُوسَى بن طَلْحَة يحدث عَن أبي أَيُّوب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِمثل هَذَا الحَدِيث. قَوْله: (وَقَالَ أَبُو عبد الله) هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، لِأَن كنيته أَبُو عبد الله، وَفِي بعض النّسخ: قَالَ مُحَمَّد، هُوَ البُخَارِيّ أَيْضا لِأَن اسْمه مُحَمَّد.

7931 -

حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حدَّثنا عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدِ بنِ حَيَّانَ عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ أعْرَابِيَّا أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ قَالَ تَعْبُدُ الله لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئا وتُقِيمُ الصَّلَاةَ المَكْتُوبَةَ وَتُؤدِّي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ وتَصُومُ رَمَضَانَ قَالَ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أزِيدُ عَلَى هاذا فَلَمَّا ولَّى قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَرَّهُ أنْ يَنْظُرَ إلَى رجُلٍ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إلَى هاذا.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن قَوْله: (وتؤتى الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة) يدل على فَرضِيَّة الزَّكَاة.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم أَبُو يحيى. الثَّانِي: عَفَّان بتَشْديد الْفَاء ابْن مُسلم الصفار الْأنْصَارِيّ. الثَّالِث: وهيب، بِضَم الْوَاو: ابْن خَالِد ابْن عجلَان وَصَاحب الكرابيس. الرَّابِع: يحيى بن سعيد بن حَيَّان، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: أَبُو حَيَّان التَّمِيمِي، تيم الربَاب. الْخَامِس: أَبُو زرْعَة، بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء: واسْمه هرم، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الرَّاء، وَقيل: عَمْرو، وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: عبد الله تقدم فِي: بَاب سُؤال جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، فِي كتاب الْإِيمَان. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن ابْن صَخْر، على خلاف فِيهِ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده، وَكَانَ يُقَال لَهُ: صَاعِقَة، لِأَنَّهُ كَانَ سريع الْحِفْظ وجيده، مَاتَ فِي سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ بغدادي وَعَفَّان بَصرِي روى البُخَارِيّ عَنهُ بِدُونِ الْوَاسِطَة فِي: بَاب ثَنَاء النَّاس على الْمَيِّت، ووهيب أَيْضا بَصرِي وَيحيى وَأَبُو زرْعَة كوفيان.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد فِي هَذَا الْكتاب. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر بن إِسْحَاق عَن عَفَّان بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن أَعْرَابِيًا) هُوَ سعد بن الأخرم، قَالَ الذَّهَبِيّ: سعد بن الأخرم أَبُو الْمُغيرَة، نزل الْكُوفَة، روى عَنهُ ابْنه، مُخْتَلف فِي صحبته، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث الْأَعْمَش: عَن عَمْرو بن مرّة عَن الْمُغيرَة بن سعد ابْن الأخرم عَن أَبِيه أَو عَن عَمه شكّ الْأَعْمَش، قَالَ:(أتيت النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قلت: يَا نَبِي الله دلَّنِي على عمل يقربنِي من الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي من النَّار، فَسكت سَاعَة ثمَّ رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء، فَنظر فَقَالَ: تعبد الله لَا تشرك بِهِ شَيْئا، وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحب للنَّاس مَا تحب أَن يُؤْتى إِلَيْك، وَمَا كرهت أَن يُؤْتى إِلَيْك فدع النَّاس مِنْهُ) . وَقَالَ بَعضهم: السَّائِل فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة قد سمي فِيمَا رَوَاهُ الْبَغَوِيّ وَابْن السكن وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) وَأَبُو مُسلم

ص: 241

الْكَجِّي فِي (السّنَن) من طَرِيق مُحَمَّد بن جحادة وَغَيره: (عَن الْمُغيرَة بن عبد الله الْيَشْكُرِي أَن أَبَاهُ حَدثهُ قَالَ: انْطَلَقت إِلَى الْكُوفَة فَدخلت الْمَسْجِد فَإِذا رجل من قيس يُقَال لَهُ: ابْن المنتفق، وَهُوَ يَقُول: وصف لي رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فطلبته فَلَقِيته بِعَرَفَات، فتزاحمت عَلَيْهِ فَقيل لي: إِلَيْك عَنهُ، فَقَالَ: دعوا الرجل أرب مَاله. قَالَ: فزاحمتهم عَلَيْهِ حَتَّى خلصت إِلَيْهِ فَأخذت بِخِطَام رَاحِلَته، فَمَا غير عَليّ قَالَ: شَيْئَانِ أَسأَلك عَنْهُمَا: مَا ينجيني من النَّار؟ وَمَا يدخلني الْجنَّة؟ قَالَ: فَنظر إِلَى السَّمَاء، ثمَّ أقبل عَليّ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: لَئِن كنت أوجزت الْمقَالة لقد أعظمت وطولت، فاعقل عَليّ: أعبد الله لَا تشرك بِهِ شَيْئا، وأقم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة، وأدِّ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، وصم رَمَضَان) . وَزعم الصريفيني أَن اسْم ابْن المنتفق هَذَا: لَقِيط بن صبرَة وَافد بني المنتفق، ثمَّ قَالَ: وَقد يُؤْخَذ من هَذِه الرِّوَايَة أَن السَّائِل فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة هُوَ السَّائِل فِي حَدِيث أبي أَيُّوب. انْتهى. قلت: قَالَ هَذَا الْقَائِل قبل هَذَا: لَا مَانع من تعدد الْقِصَّة، وَلَا يلْزم من المشابهة بَين سِيَاق الْحَدِيثين أَن يكون فيهمَا السَّائِل وَاحِدًا. قَوْله:(وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة)، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الحَدِيث السَّابِق. قَوْله:(وتصوم رَمَضَان) ، زَاد هَذَا فِي هَذَا الحَدِيث لِأَن الظَّاهِر أَنه قد فرض وَلم يذكر الْحَج لِأَنَّهُ لم يفْرض حِينَئِذٍ، وَلَا الْجِهَاد لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْض على الْأَعْرَاب. قَالَ الدَّاودِيّ: قَالَ النَّوَوِيّ: وَاعْلَم أَنه لم يَأْتِ فِي هَذَا الْحَج وَلَا جَاءَ ذكره فِي حَدِيث جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة، وَكَذَا غير هَذَا من هَذِه الْأَحَادِيث لم يذكر فِي بَعْضهَا الصَّوْم، وَلم يذكر فِي بَعْضهَا الزَّكَاة. وَذكر فِي بَعْضهَا صلَة الرَّحِم، وَفِي بَعْضهَا أَدَاء الْخمس، وَلم يَقع فِي بَعْضهَا ذكر الْإِيمَان فتفاوتت هَذِه الْأَحَادِيث فِي عدد خِصَال الْإِيمَان زِيَادَة ونقصانا وإثباتا وحذفا، وَقد أجَاب القَاضِي عِيَاض وَغَيره عَنْهَا بِجَوَاب لخصه الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا باخْتلَاف صادر من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، بل هُوَ من تفَاوت الروَاة فِي الْحِفْظ والضبط، فَمنهمْ من قصر فاقتصر على مَا حفظه فأداه وَلم يتَعَرَّض لما زَاد غَيره بِنَفْي وَلَا إِثْبَات، وَإِن كَانَ اقْتِصَاره على ذَلِك يشْعر بِأَنَّهُ الْكل، فقد بَان بِمَا أَتَى بِهِ غَيره من التَّفَاوُت أَن ذَلِك لَيْسَ بِالْكُلِّ، وَأَن اقْتِصَاره عَلَيْهِ كَانَ لقُصُور حفظه عَن تَمَامه، وَلم ذكر النَّوَوِيّ هَذَا استحسنه، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: إِن رَوَاهُ هَذِه الْأَحَادِيث مُتعَدِّدَة، وكل مَا روى وَاحِد مِنْهُم بِزِيَادَة على مَا رَوَاهُ غَيره أَو بِنَقص لم يكن بتقصير الرَّاوِي، وَإِنَّمَا وَقع ذَلِك بِحَسب اخْتِلَاف الْموقع وَاخْتِلَاف الزَّمَان. قَوْله:(لَا أَزِيد على هَذَا) أَي: عَن الْفَرَائِض أَو أكتفي بِهِ عَن النَّوَافِل، أَو يكون المُرَاد: لَا أَزِيد على مَا سَمِعت مِنْك فِي أدائي لقومي، لِأَنَّهُ كَانَ وافدهم، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لَا أَزِيد فِي الْفَرَائِض وَلَا أنقص كَمَا فعل أهل الْكتاب. قَوْله: (فَلَمَّا ولَّى) أَي: أدبر. قَوْله: (من سره. .) إِلَى آخِره، الظَّاهِر أَنه صلى الله عليه وسلم علم أَنه يُوفي بِمَا الْتزم، وَأَنه يَدُوم على ذَلِك وَيدخل الْجنَّة، فَإِن قيل: المبشرون بِالْجنَّةِ معدودون بِالْعشرَةِ، وَبِهَذَا يُزَاد عَلَيْهِم لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَص عَلَيْهِ أَنه من أهل الْجنَّة. وَأجِيب: بِأَن التَّنْصِيص على الْعدَد لَا يُنَافِي الزِّيَادَة، وَقد ورد أَيْضا فِي حق كثير مثل ذَلِك، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الْحسن وَالْحُسَيْن وأزواجه صلى الله عليه وسلم، وَقيل: الْعشْرَة بشروا بِالْجنَّةِ دفْعَة وَاحِدَة فَلَا يُنَافِي المتفرق.

وَفِيه من الْفَوَائِد: جَوَاز قَول: جَاءَ رَمَضَان وَذهب رَمَضَان، خلافًا لمن منع من مثل ذَلِك لزعمه بِأَن رَمَضَان اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى. وَفِيه: أَن من أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ وَصلى وزكى وَصَامَ وَحج إِن اسْتَطَاعَ دخل الْجنَّة. وَفِيه: سُؤال من لَا يعلم عَمَّن يعلم عَن الْعَمَل الَّذِي يكون سَببا لدُخُول الْجنَّة. وَفِيه: وجوب السُّؤَال عَن أُمُور الدّين. وَفِيه: الْبشَارَة والتبشير لِلْمُؤمنِ الَّذِي يُؤَدِّي الْوَاجِبَات بِدُخُول الْجنَّة.

حدَّثنا مُسَدَّدٌ عنْ يَحْيَى عنْ أبِي حَيَّانَ قَالَ أخبرَنِي أبُو زُرْعَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِهاذَا

يحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَأَبُو حَيَّان، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، كنيته، يحيى بن سعيد بن حَيَّان التَّيْمِيّ الْمَذْكُور آنِفا ذكره ثمَّة باسمه وَهنا بكنيته، وَهَذَا الطَّرِيق مُرْسل لِأَن أَبَا زرْعَة تَابِعِيّ لَا صَحَابِيّ، فَلَيْسَ لَهُ أَن يَقُول عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إلَاّ بطرِيق الْإِرْسَال. وَفِي (التَّلْوِيح) : كَذَا فِي هَذِه النّسخ، وَكَذَا ذكره صاحبا (المستخرجين) والْحميدِي فِي (جمعه) وَفِي أصل الْعِزّ الْحَرَّانِي: أَبُو زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَزعم الجياني أَنه وَقع تَخْلِيط وَوهم فِي رِوَايَة أبي أَحْمد، كَانَ عِنْده عَفَّان حَدثنَا وهيب عَن يحيى بن سعيد بن حَيَّان، أَو عَن يحيى بن سعيد عَن أبي حَيَّان عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ خطأ إِنَّمَا

ص: 242

الحَدِيث: عَن وهيب عَن أبي حَيَّان عَن يحيى بن سعيد بن حَيَّان عَن أبي زرْعَة، على مَا رَوَاهُ ابْن السكن، وَأَبُو زيد وَسَائِر الروَاة عَن الْفربرِي.

154 -

(حَدثنَا حجاج قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن زيد قَالَ حَدثنَا أَبُو جَمْرَة قَالَ سَمِعت ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما يَقُول قدم وَفد عبد الْقَيْس على النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِن هَذَا الْحَيّ من ربيعَة قد حَالَتْ بَيْننَا وَبَيْنك كفار مُضر ولسنا نخلص إِلَيْك إِلَّا فِي الشَّهْر الْحَرَام فمرنا بِشَيْء نَأْخُذهُ عَنْك وندعو إِلَيْهِ من وَرَائِنَا قَالَ آمركُم بِأَرْبَع وأنهاكم عَن أَربع الْإِيمَان بِاللَّه وَشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَعقد بِيَدِهِ هَكَذَا وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَأَن تُؤَدُّوا خمس مَا غَنِمْتُم وأنهاكم عَن الدُّبَّاء والحنتم والنقير والمزفت) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وإيتاء الزَّكَاة " وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْإِيمَان فِي بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن الْجَعْد عَن شُعْبَة عَن أبي جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس وَهَهُنَا عَن حجاج بن الْمنْهَال السّلمِيّ الْأنمَاطِي الْبَصْرِيّ عَن حَمَّاد بن زيد عَن أبي جَمْرَة بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم وَفتح الرَّاء الضبعِي واسْمه نصر بن عمرَان بن عَاصِم وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي هُنَاكَ فلنذكر شَيْئا مُخْتَصرا فَقَوله " إِن هَذَا الْحَيّ " ويروى " أَن هَذَا الْحَيّ " وانتصاب هَذَا الْحَيّ على الِاخْتِصَاص أَي أَعنِي هَذَا الْحَيّ فعلى هَذَا الْوَجْه يكون خبر أَن قَوْله " من ربيعَة " وَجَاء فِي رِوَايَة أُخْرَى " أَنا حَيّ من ربيعَة " والحي اسْم لمنزل الْقَبِيلَة ثمَّ سميت الْقَبِيلَة بِهِ لِأَن بَعضهم يحيى بِبَعْض قَوْله " نخلص " أَي نصل وَالْمرَاد من قَوْلهم شهر الْحَرَام جنس الْأَشْهر الْحرم وَهِي أَرْبَعَة أشهر ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة ومحرم وَرَجَب قَوْله " عَن الدُّبَّاء " بِضَم الدَّال وَتَشْديد الْبَاء وبالمد وَهُوَ القرع الْيَابِس أَي الْوِعَاء مِنْهُ والحنتم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفِي آخِره مِيم وَهِي الجرار الْخضر والنقير بِفَتْح النُّون وَكسر الْقَاف وَهُوَ جذع ينقر وَسطه

(وَقَالَ سُلَيْمَان وَأَبُو النُّعْمَان عَن حَمَّاد الْإِيمَان بِاللَّه شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله) سُلَيْمَان هُوَ ابْن حَرْب ضد الصُّلْح أَبُو أَيُّوب الْبَصْرِيّ قَاضِي مَكَّة أحد شُيُوخ البُخَارِيّ وَكَذَلِكَ أَبُو النُّعْمَان من مشايخه واسْمه مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي وَكِلَاهُمَا رويا عَن حَمَّاد بن زيد " شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله " بِدُونِ الْوَاو وَفِي رِوَايَة حجاج عَن حَمَّاد " وَشَهَادَة " بِالْوَاو وَالْوَاو إِمَّا عطف تفسيري للْإيمَان وَإِمَّا أَن الْإِيمَان ذكر تمهيدا للأربعة من الشَّهَادَة لِأَنَّهُ هُوَ الأَصْل لَهَا سِيمَا والوفد كَانُوا مُؤمنين عِنْد السُّؤَال فابتداء الْأَرْبَعَة من الشَّهَادَة أَو الْإِيمَان وَاحِد وَالشَّهَادَة أحراها وَقَالَ ابْن بطال الْوَاو فِي الرِّوَايَة الأولى كالمقحمة يُقَال فلَان حسن وَجَمِيل أَي حسن جميل أما تَعْلِيق سُلَيْمَان فقد وَصله أَبُو دَاوُد قَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب وَمُحَمّد بن عبيد قَالَا حَدثنَا حَمَّاد عَن أبي جَمْرَة إِلَى آخِره وَأما تَعْلِيق أبي النُّعْمَان فقد وَصله البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي فِي بَاب أَدَاء الْخمس من الدّين قَالَ حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان حَدثنَا حَمَّاد عَن أبي جَمْرَة الضبعِي قَالَ سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول قدم وَفد عبد الْقَيْس الحَدِيث

6 -

(حَدثنَا أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع قَالَ أخبرنَا شُعَيْب بن أبي جمزة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنَا عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أَن أَبَا هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ لما توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - وَكَانَ أَبُو بكر رضي الله عنه وَكفر من كفر من الْعَرَب فَقَالَ عمر رضي الله عنه كَيفَ تقَاتل النَّاس وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا

ص: 243

لَا إِلَه إِلَّا الله فَمن قَالَهَا فقد عصم مني مَاله وَنَفسه إِلَّا بِحقِّهِ وحسابه على الله فَقَالَ وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَإِن الزَّكَاة حق المَال وَالله لَو مَنَعُونِي عنَاقًا (1) كَانُوا يأدونها إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - لقاتلتهم على منعهَا. قَالَ عمر رضي الله عنه فوَاللَّه مَا هُوَ إِلَّا أَن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فَعرفت أَنه الْحق) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله " فَقَالَ وَالله لأقاتلن " إِلَى قَوْله قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم قَالَ الْحميدِي هَذَا الحَدِيث يدْخل فِي مُسْند أبي بكر وَفِي مُسْند عمر أَيْضا بقوله أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ " أمرت أَن أقَاتل النَّاس " الحَدِيث وَخلف ذكره فِي مسنديهما وَذكره ابْن عَسَاكِر فِي مُسْند عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين عَن يحيى بن بكير وَفِي الِاعْتِصَام عَن قُتَيْبَة وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن أَحْمد بن عَمْرو ابْن السَّرْح وَسليمَان بن دَاوُد وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْمُحَاربَة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَفِي الْجِهَاد عَن كثير بن عبيد وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْمُغيرَة وَعَن كثير بن عبيد وَعَن أَحْمد بن سُلَيْمَان وَفِي الْمُحَاربَة أَيْضا عَن زِيَاد بن أَيُّوب. (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " لما توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - يَوْم الِاثْنَيْنِ " لثنتي عشرَة لَيْلَة من ربيع الأول من سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة وَدفن يَوْم الثُّلَاثَاء وَفِيه أَقْوَال أخر قَوْله " وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " أَي خَليفَة وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد " اسْتخْلف أَبُو بكر بعده " قَوْله " وَكفر من كفر من الْعَرَب " كلمة من الأولى بِفَتْح الْمِيم فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ فَاعل لقَوْله " وَكفر " وَمن الثَّانِيَة بِكَسْر الْمِيم حرف جر للْبَيَان وَهَؤُلَاء كَانُوا صنفين صنف ارْتَدُّوا عَن الدّين ونابدوا الْملَّة وعادوا إِلَى كفرهم وهم الَّذين عناهم أَبُو هُرَيْرَة بقوله " وَكفر من كفر من الْعَرَب " وَهَذِه الْفرْقَة طَائِفَتَانِ إِحْدَاهمَا أَصْحَاب مُسَيْلمَة من بني حنيفَة وَغَيرهم الَّذين صدقوه على دَعْوَاهُ فِي النُّبُوَّة وَأَصْحَاب الْأسود الْعَنسِي وَمن كَانَ من مستجيبيه من أهل الْيمن وَغَيرهم وَهَذِه الْفرْقَة بأسرها مُنكرَة لنبوة سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم َ - مدعية للنبوة لغيره فَقَاتلهُمْ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَتَّى قتل الله مُسَيْلمَة بِالْيَمَامَةِ والعنسي بالصنعاء وَانْقَضَت جموعهم وَهلك أَكْثَرهم والطائفة الثَّانِيَة ارْتَدُّوا عَن الدّين فأنكروا الشَّرَائِع وَتركُوا الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَغَيرهمَا من أُمُور الدّين وعادوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة فَلم يكن مَسْجِد لله تَعَالَى فِي بسيط الأَرْض إِلَّا ثَلَاثَة مَسَاجِد مَسْجِد مَكَّة وَمَسْجِد الْمَدِينَة وَمَسْجِد عبد الْقَيْس فِي الْبَحْرين فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا جواثى والصنف الآخر هم الَّذين فرقوا بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة فأقروا بِالصَّلَاةِ وأنكروا فرض الزَّكَاة وَوُجُوب أَدَائِهَا إِلَى الإِمَام وَهَؤُلَاء على الْحَقِيقَة أهل بغي وَإِنَّمَا لم يدعوا بِهَذَا الِاسْم فِي ذَلِك الزَّمَان خُصُوصا لدخولهم فِي غمار أهل الرِّدَّة فأضيف الِاسْم فِي الْجُمْلَة إِلَى الرِّدَّة إِذْ كَانَت أعظم الْأَمريْنِ وأهمهما وأرخ قتال أهل الْبَغي فِي زمن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا كَانُوا منفردين فِي زَمَانه لم يختلطوا بِأَهْل الشّرك وَقد كَانَ فِي ضمن هَؤُلَاءِ المانعين لِلزَّكَاةِ من كَانَ يسمع بِالزَّكَاةِ وَلَا يمْنَعهَا إِلَّا أَن رؤساءهم صدوهم عَن ذَلِك وقبضوا على أَيْديهم كبني يَرْبُوع فَإِنَّهُم قد جمعُوا صَدَقَاتهمْ وَأَرَادُوا أَن يبعثوا بهَا إِلَى أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَمَنعهُمْ مَالك بن نُوَيْرَة من ذَلِك وفرقها فيهم وَقَالَ الْوَاقِدِيّ فِي كتاب الرِّدَّة تأليفه لما توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - ارْتَدَّت الْعَرَب فَارْتَد من جمَاعَة النَّاس أَسد وغَطَفَان إِلَّا بني عبس فَأَما بَنو عَامر فتربصت مَعَ قادتها وَكَانَت فَزَارَة قد ارْتَدَّت وَبَنُو حنيفَة بِالْيَمَامَةِ وارتد أهل الْبَحْرين وَبكر بن وَائِل وَأهل دباء وأزد عمان والنمرين قاسط وكلب وَمن قاربهم من قضاعة وارتدت عَامَّة بني تَمِيم وارتد من بني سليم عصية وعميرة وخفاف وَبَنُو عَوْف بن امْرُؤ الْقَيْس وذكوان

ص: 244

وحارثة وَثَبت على الْإِسْلَام أسلم وغفار وجهينة وَمُزَيْنَة وَأَشْجَع وَكَعب بن عَمْرو بن خُزَاعَة وَثَقِيف وهذيل والدئل وكنانة وَأهل السراة وبجيلة وخثعم وطي وَمن قَارب تهَامَة من هوَازن وجشم وَسعد بن بكر وَعبد الْقَيْس وتجيب ومدحج إِلَّا بَنو زيد وهمدان وَأهل صنعاء وَقَالَ الْوَاقِدِيّ وحَدثني مُحَمَّد بن معِين بن عبد الله المجمر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ لم يرجع رجل من دوس وَلَا من أهل السراة كلهَا قَالَ وحَدثني عبد الْمجِيد بن جَعْفَر عَن يزِيد بن أبي حَكِيم قَالَ سَمِعت أَبَا مَرْوَان التجِيبِي قَالَ لم يرجع رجل وَاحِد من تجيب وَلَا من هَمدَان وَلَا من الْأَبْنَاء بِصَنْعَاء وَفِي أَخْبَار الرِّدَّة لمُوسَى بن عقبَة لما توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - رَجَعَ عَامَّة الْعَرَب عَن دينهم أهل الْيمن وَعَامة أهل الْمشرق وغَطَفَان وَبَنُو أَسد وَبَنُو عَامر وَأَشْجَع ومسكت طَيء بِالْإِسْلَامِ وَفِي كتاب الرِّدَّة لسيف عَن فَيْرُوز الديلمي أول ردة كَانَت فِي الْإِسْلَام ردة كَانَت بِالْيمن على عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - على يَد ذِي الْخمار عبهلة بن كَعْب وَهُوَ الْأسود الْعَنسِي " أمرت أَن أقَاتل النَّاس " قَالَ الطَّيِّبِيّ قَالَ أَكثر الشَّارِحين أَرَادَ بِالنَّاسِ عَبدة الْأَوْثَان بِدُونِ أهل الْكتاب لأَنهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ لَا يرفع عَنْهُم السَّيْف حَتَّى يقرُّوا بنبوة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم َ - أَو يُعْطوا الْجِزْيَة ثمَّ قَالَ أَقُول تَحْرِير ذَلِك أَن حَتَّى للغاية يَعْنِي فِي قَوْله " حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله " وَقد جعل رَسُول الله غَايَة الْمُقَابلَة القَوْل بِالشَّهَادَتَيْنِ وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة ورتب على ذَلِك الْعِصْمَة وَأهل الْكتاب إِذا أعْطوا الْجِزْيَة سقط عَنْهُم الْقِتَال وَثَبت لَهُم الْعِصْمَة فَيكون ذَلِك نفيا للمطلق فَالْمُرَاد بِالنَّاسِ إِذا عَبدة الْأَوْثَان وَالَّذِي يذاق من لفظ النَّاس الْعُمُوم والاستغراق ثمَّ اعْلَم أَنه عرض الْخلاف فِي هَؤُلَاءِ وَوَقعت الشُّبْهَة لعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فراجع إِلَى أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وناظره وَاحْتج عَلَيْهِ بقوله صلى الله عليه وسلم َ - " أمرت أَن أقَاتل النَّاس " الحَدِيث وَهَذَا من عمر كَانَ تعلقا بِظَاهِر الْكَلَام قبل أَن ينظر فِي آخِره ويتأمل شَرَائِطه فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر إِن الزَّكَاة حق المَال يُرِيد أَن الْقَضِيَّة قد تَضَمَّنت عصمَة دم وَمَال معلقَة بإيفاء شرائطها وَالْحكم الْمُعَلق بِشَرْطَيْنِ لَا يحصل بِأَحَدِهِمَا وَالْآخر مَعْدُوم ثمَّ قايسه بِالصَّلَاةِ ورد الزَّكَاة إِلَيْهَا فَقَالَ فِي ذَلِك من قَوْله دَلِيل على أَن قتال الْمُمْتَنع من الصَّلَاة كَانَ إِجْمَاعًا من رَأْي الصَّحَابَة وَلذَلِك رد الْمُخْتَلف فِيهِ إِلَى الْمُتَّفق عَلَيْهِ فَاجْتمع فِي هَذِه الْقَضِيَّة الِاحْتِجَاج من عمر بِالْعُمُومِ وَمن أبي بكر بِالْقِيَاسِ فَدلَّ ذَلِك على أَن الْعُمُوم يخص بِالْقِيَاسِ وَأَيْضًا فقد صَحَّ عَن عبد الله بن عمر أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - " أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة " الحَدِيث فَلَو كَانَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ذَاكِرًا لهَذَا الحَدِيث لما اعْترض على الصّديق وَلَو كَانَ الصّديق ذَاكِرًا لَهُ لأجاب بِهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلم يحْتَج إِلَى غَيره وَهَذَا يدل على أَنه يُوجد عِنْد بعض أَصْحَاب الْعَالم مَا لَا يُوجد عِنْد خواصه وبطانته قَوْله " أمرت " على صِيغَة الْمَجْهُول إِذا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - أمرت فهم مِنْهُ أَن الله تَعَالَى أمره فَإِذا قَالَ الصَّحَابِيّ أمرت فهم أَن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم َ - أمره فَإِن من اشْتهر بِطَاعَة رَئِيس إِذا قَالَ ذَلِك فهم مِنْهُ أَن الرئيس أمره قَوْله " وعصم مني مَاله وَنَفسه " قَالَ القَاضِي عِيَاض اخْتِصَاص عصمَة المَال وَالنَّفس بِمن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله تَعْبِير عَن الْإِجَابَة إِلَى الْإِيمَان وَأَن المُرَاد بِهَذَا مشركو الْعَرَب وَأهل الْأَوْثَان وَمن لَا يوحدوه كَانُوا أول من دعِي إِلَى الْإِسْلَام وقوتل عَلَيْهِ فَأَما غَيرهم مِمَّن يقر بِالتَّوْحِيدِ فَلَا يَكْتَفِي فِي عصمته بقوله لَا إِلَه إِلَّا الله إِذْ كَانَ يَقُولهَا فِي كفره وَهِي من اعْتِقَاده فَلذَلِك جَاءَ فِي الحَدِيث الآخر " وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة " وَقَالَ النَّوَوِيّ وَلَا بُد مَعَ هَذَا الْإِيمَان بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى لأبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله ويؤمنوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ " قَوْله " إِلَّا بِحقِّهِ " أَي بِحَق الْإِسْلَام وَهُوَ اسْتثِْنَاء من أَعم تَمام الْجَار وَالْمَجْرُور وَمعنى الحَدِيث أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَإِذا شهدُوا عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ وَلَا يجوز إهدار دِمَائِهِمْ واستباحة أَمْوَالهم بِسَبَب من الْأَسْبَاب إِلَّا بِحَق الْإِسْلَام من قتل النَّفس الْمُحرمَة وَترك الصَّلَاة وَمنع الزَّكَاة بِتَأْوِيل بَاطِل وَغير ذَلِك قَوْله " وحسابه على الله " وَفِي رِوَايَة غَيره " وحسابهم على الله " أَي فِيمَا يسرون بِهِ من الْكفْر والمعاصي وَالْمعْنَى أَنا نحكم عَلَيْهِم بِالْإِيمَان ونؤاخذهم بِحُقُوق الْإِسْلَام بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر حَالهم وَالله تَعَالَى يتَوَلَّى حسابهم فيثيب المخلص ويعاقب الْمُنَافِق قَوْله " فَقَالَ وَالله " أَي فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " من فرق " رُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد وَمَعْنَاهُ

ص: 245

من أطَاع فِي الصَّلَاة وَجحد الزَّكَاة أَو منعهَا وَإِنَّمَا خص الصَّلَاة وَالزَّكَاة بِالذكر والمقاتلة عَلَيْهِمَا بِحَق الْإِسْلَام لِأَنَّهُمَا إِمَّا الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة والمالية والمعيار على غَيرهمَا والعنوان لَهُ وَلذَلِك سمى الصَّلَاة عماد الدّين وَالزَّكَاة قنطرة الْإِسْلَام وَأكْثر الله سبحانه وتعالى من ذكرهمَا متقارنتين فِي الْقُرْآن قَوْله " عنَاقًا " بِفَتْح الْعين وَالنُّون الْأُنْثَى من أَولا الْمعز وَفِي رِوَايَة مُسلم وَأبي دَاوُد وَالْبُخَارِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فِي رِوَايَة " عقَالًا " وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهَا قَدِيما وحديثا فَذهب جمَاعَة مِنْهُم إِلَى أَن المُرَاد بالعقال زَكَاة عَام وَهُوَ مَعْرُوف فِي اللُّغَة بذلك وَهَذَا قَول الْكسَائي وَالنضْر بن شُمَيْل وَأبي عبيد والمبرد وَغَيرهم من أهل اللُّغَة وَهُوَ قَول جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بقول عَمْرو بن الْعَلَاء

(سعى عقَالًا فَلم يتْرك لنا سبدا

فَكيف لَو قد سعى عَمْرو عِقَالَيْنِ)

أَرَادَ مُدَّة عقال فنصبه على الظَّرْفِيَّة وَعَمْرو هَذَا هُوَ عَمْرو بن عتبَة بن أبي سُفْيَان السَّاعِي ولاه عَمه مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان صدقَات كلب فَقَالَ فِيهِ قَائِلهمْ ذَلِك قَالُوا وَلِأَن العقال الَّذِي هُوَ الْحَبل الَّذِي يعقل بِهِ الْبَعِير لَا يجب دَفعه فِي الزَّكَاة فَلَا يجوز الْقِتَال عَلَيْهِ فَلَا يَصح حمل الحَدِيث عَلَيْهِ وَذهب كَثِيرُونَ من الْمُحَقِّقين إِلَى أَن المُرَاد بالعقال الْحَبل الَّذِي يعقل بِهِ الْبَعِير وَهَذَا القَوْل محكي عَن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَابْن أبي ذِئْب وَغَيرهمَا وَهُوَ مَأْخُوذ مَعَ الْفَرِيضَة لِأَن على صَاحبهَا التَّسْلِيم وَإِنَّمَا يَقع قبضهَا برباطها وَقيل معنى وجوب الزَّكَاة فِيهِ إِذا كَانَ من عرُوض التِّجَارَة فَبلغ مَعَ غَيره فِيهَا قيمَة نِصَاب وَقيل أَرَادَ بِهِ الشَّيْء التافه الحقير فَضرب العقال مثلا لَهُ وَقيل كَانَ من عَادَة الْمُصدق إِذا أَخذ الصَّدَقَة أَن يعمد إِلَى قرن بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء وَهُوَ الْحَبل الَّذِي يقرن بِهِ بَين بَعِيرَيْنِ لِئَلَّا تشرد الْإِبِل فيسمى عِنْد ذَلِك الْقرَان فَكل قرنين مِنْهَا عقال وَفِي الْمُحكم والعقال القلوص الْفتية وروى ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب عَن مَالك العقال القلوص وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل إِذا بلغت الْإِبِل خمْسا وَعشْرين وَجَبت فِيهَا بنت مَخَاض من جنس الْإِبِل فَهُوَ العقال وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير كل مَا أَخذ من الْأَمْوَال والأصناف فِي الصَّدَقَة من الْإِبِل وَالْغنم وَالثِّمَار من الْعشْر وَنصف الْعشْر فَهَذَا كُله فِي صنفه عقال لِأَن الْمُؤَدِّي عقل بِهِ عَنهُ طلبة السُّلْطَان وعقل عَنهُ الْإِثْم الَّذِي يَطْلُبهُ الله تَعَالَى بِهِ قَوْله " فَمَا رَأَيْت إِلَّا أَن قد شرح الله صدر أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " أَي فتح ووسع وَلما اسْتَقر عِنْده صِحَة رَأْي أبي بكر وَبَان لَهُ صَوَابه تَابعه على الْقِتَال وَقَالَ عرفت أَنه الْحق حَيْثُ انْشَرَحَ صَدره أَيْضا بِالدَّلِيلِ الَّذِي أَقَامَهُ الصّديق نصا وَدلَالَة وَقِيَاسًا فَلَا يُقَال لَهُ أَنه قلد أَبَا بكر لِأَن الْمُجْتَهد لَا يجوز لَهُ أَن يُقَلّد الْمُجْتَهد قَوْله " فَعرفت أَنه الْحق " أَي بِمَا أظهر من الدَّلِيل وَإِقَامَة الْحجَّة فِيهِ دلَالَة على أَن عمر لم يرجع إِلَى قَول أبي بكر تَقْلِيد (فَإِن قلت) مَا النَّص الَّذِي اعْتمد عَلَيْهِ أَبُو بكر وَعمل بِهِ (قلت) روى الْحَاكِم فِي الإكليل من حَدِيث فَاطِمَة بنت خشاف السلمِيَّة عَن عبد الرَّحْمَن الظفري قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - إِلَى رجل من أَشْجَع لتؤخذ صدقته فَرده فَرجع فَأخْبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَقَالَ ارْجع فَأخْبرهُ أَنَّك رَسُول رَسُول الله فجَاء إِلَى الْأَشْجَعِيّ فَرده فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - اذْهَبْ إِلَيْهِ الثَّالِثَة فَإِن لم يُعْط صدقته فَاضْرب عُنُقه قَالَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعَزِيز أحد رُوَاة الحَدِيث قلت لحكيم وَهُوَ حَكِيم بن عباد بن حنيف أحد رُوَاة الحَدِيث مَا أرى أَبَا بكر لم يقاتلهم متأولا إِنَّمَا قَاتلهم بِالنَّصِّ (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ فَضِيلَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه جَوَاز الْقيَاس وَالْعَمَل بِهِ. وَفِيه جَوَاز الْحلف وَإِن كَانَ فِي غير مجْلِس الحكم. وَفِيه اجْتِهَاد الْأَئِمَّة فِي النَّوَازِل. وَفِيه مناظرة أهل الْعلم وَالرُّجُوع إِلَى قَول صَاحبه إِذا كَانَ هُوَ الْحق وَقَالَ الْكرْمَانِي فِيهِ وجوب الصَّدَقَة فِي السخال والفصلان والعجاجيل وَإِنَّهَا تجزيء إِذا كَانَت كلهَا صغَارًا وَقَالَ النَّوَوِيّ رِوَايَة العناق مَحْمُولَة على مَا إِذا كَانَت الْغنم صغَارًا كلهَا بِأَن مَاتَت أمهاتها فِي بعض الْحول فَإِذا حَال حول الْأُمَّهَات زكى السخال الصغار بحول الْأُمَّهَات سَوَاء بَقِي من الْأُمَّهَات شَيْء أم لَا هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي من أَصْحَابنَا لَا تزكّى الْأَوْلَاد بحول الْأُمَّهَات إِلَّا أَن يبْقى من الْأُمَّهَات نِصَاب وَقَالَ أَصْحَابنَا إِلَّا أَن يبْقى من الْأُمَّهَات شَيْء وَيتَصَوَّر ذَلِك أَيْضا فِيمَا إِذا مَاتَ مُعظم الْكِبَار وَحدثت صغَار فحال حول الْكِبَار على بقيتها وعَلى الصغار (قلت) قَوْله هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور وَهُوَ قَول أبي يُوسُف أَيْضا من أَصْحَابنَا وَعند أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى لَا تجب الزَّكَاة فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة وَحمل الحَدِيث على صِيغَة الْمُبَالغَة أَو على الْفَرْض وَالتَّقْدِير. وَفِيه أَن من أظهر الْإِسْلَام وَأسر الْكفْر يقبل إِسْلَامه فِي الظَّاهِر

ص: 246