الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{ونادى أَصْحَاب الْجنَّة أَصْحَاب النَّار} (ك: 44) . فِي أَن مَا سَيكون بمنزله الْكَائِن، لِأَن مَا أخبر بِهِ الصَّادِق من الْمُسْتَقْبل كالواقع، وَقَالَ بَعضهم: وَهَذَا قد تَلقاهُ جمَاعَة عَن الطَّيِّبِيّ وأقروه عَلَيْهِ، وَفِيه نظر، لِأَن السَّبَبِيَّة حَاصِلَة بِالنّظرِ إِلَى الِاسْتِثْنَاء، لِأَن الِاسْتِثْنَاء بعد النَّفْي إِثْبَات، فَكَانَ الْمَعْنى: أَن تَخْفيف الولوج مسبب عَن موت الْأَوْلَاد، وَهُوَ ظَاهر، لِأَن الولوج عَام وتخفيفه يَقع بِأُمُور مِنْهَا موت الْأَوْلَاد بِشَرْطِهِ، وَمَا ادَّعَاهُ أَن الْفَاء بِمَعْنى الْوَاو الَّتِي للْجمع فِيهِ نظر. قلت: فِي كل وَاحِد من نظريه نظر، أما الأول: فلأنا لَا نسلم حُصُول السَّبَبِيَّة بِالنّظرِ إِلَى الِاسْتِثْنَاء، لِأَن الولوج هَهُنَا لَيْسَ على حَقِيقَته بالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْوُرُود، وَقد مر أَن فِي مَعْنَاهُ أقوالاً. وَقَوله: لِأَن الِاسْتِثْنَاء بعد النَّفْي إِثْبَات مَحل نزاع، وَقد علم فِي مَوْضِعه. وَإِمَّا الثَّانِي: فأيضا مَمْنُوع، لِأَن الْحُرُوف يَنُوب بَعْضهَا عَن بعض، وَلم يمْنَع أحد عَن ذَلِك أَلا ترى أَن بَعضهم قَالُوا: إِن الِاسْتِثْنَاء بِمَعْنى: الْوَاو، أَي: لَا تمسه النَّار قَلِيلا وَلَا كثيرا، وَلَا تَحِلَّة الْقسم، وَقد جوز الْفراء والأخفش وَأَبُو عُبَيْدَة مَجِيء: إلَاّ بِمَعْنى: الْوَاو، وَجعلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم} (الْبَقَرَة: 051) . أَي: وَلَا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم.
7 -
(بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأةِ عِنْدَ القَبْرِ اصبِرِي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز قَول الرجل للْمَرْأَة عِنْد قبر الْمَيِّت: إصبري، وَالْقَصْد من هَذِه التَّرْجَمَة جَوَاز مُخَاطبَة الرِّجَال للنِّسَاء بِمَا فِيهِ موعظة وَأمر بِمَعْرُوف وَنهي عَن مُنكر، وَإِنَّمَا ذكر بقوله:(قَول الرجل) إِشَارَة إِلَى أَن ذَلِك لَا يخْتَص بِالنَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وَإِن كَانَ فِي الحَدِيث قَوْله، صلى الله عليه وسلم، وَأطلق إمرأة ليتناول الشَّابَّة والعجوز، وَعين لفظ: اصْبِرِي، وَلم يقل لفظ: اتقِي، كَمَا فِي الحَدِيث لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنَاسب فِي ذَلِك الْوَقْت. فَإِن قلت: لِمَ قَالَ: قَول الرجل، وَلم يقل: وعظ الرجل، وَنَحْوه؟ قلت: لعُمُوم معنى القَوْل وشموله.
2521 -
حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا ثابِتٌ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بامْرَأةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وهْيَ تَبْكِي فَقَالَ اتَّقِي الله واصْبِرِي..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (واصبري) ، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن بنْدَار عَن غنْدر، وَفِي الْأَحْكَام أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث. وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن بنْدَار وَعَن غنْدر عَن أبي مُوسَى وَعَن يحيى بن حبيب وَعَن عقبَة بن مكرم وَعَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي وَزُهَيْر بن حَرْب عَن عبد الصَّمد، ستتهم عَنهُ بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى نَحوه. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عمر بن عَليّ عَن غنْدر.
قَوْله: (وَهِي تبْكي) جملَة إسمية وَقعت حَالا. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، لَهَا:(اتقِي الله واصبري) أَي: لَا تجزعي، فَإِن الْجزع يحبط الْأجر، واصبري فَإِن الصَّبْر يجزل الْأجر، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب} (الزمر: 01) . وَقَالَ ابْن ابْن بطال: أَرَادَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، أَن لَا يجْتَمع عَلَيْهَا مصيبتان: مُصِيبَة فقد الْوَلَد، ومصيبة فقد الْأجر الَّذِي يُبطلهُ الْجزع، فَأمرهَا بِالصبرِ الَّذِي لَا بُد للجازع من الرُّجُوع إِلَيْهِ بعد سُقُوط أجره، وَقيل: كل مُصِيبَة لم يذهب فَرح ثَوَابهَا ألم حزنها فَهِيَ الْمُصِيبَة الدائمة، والحزن الْبَاقِي. وَقَالَ الْحسن: الْحَمد لله الَّذِي أجرنا على مَا لَا بُد لنا مِنْهُ.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: جَوَاز زِيَارَة الْقُبُور وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر. وَفِيه: دلَالَة على تواضعه، صلى الله عليه وسلم، وَكَونه لم ينهرها، وَفِيه: النَّهْي عَن الْبكاء بعد الْمَوْت. وَفِيه: الموعظة للباكي بتقوى الله وَالصَّبْر.
8 -
(بابُ غُسْلِ المَيِّتِ وَوَضُوئِهِ بِالمَاءِ والسِّدْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم غسل الْمَيِّت. . إِلَى آخِره.
وَهَذِه التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على أُمُور.
الأول: فِي غسل الْمَيِّت، هَل هُوَ فرض أَو وَاجِب أَو سنة؟ فَقَالَ أَصْحَابنَا: هُوَ وَاجِب على الْأَحْيَاء بِالسنةِ وَإِجْمَاع الْأمة. أما السّنة: فَقَوله صلى الله عليه وسلم (للْمُسلمِ على الْمُسلم سِتّ حُقُوق. .) وَذكر مِنْهَا: إِذا مَاتَ أَن يغسلهُ، وأجمعت الْأمة على هَذَا. وَفِي (شرح الْوَجِيز) : الْغسْل والتكفين وَالصَّلَاة فرض
على الْكِفَايَة بِالْإِجْمَاع، وَكَذَا نقل النَّوَوِيّ الْإِجْمَاع على أَن غسل الْمَيِّت فرض كِفَايَة، وَقد أنكر بَعضهم على النَّوَوِيّ فِي نَقله هَذَا فَقَالَ: وَهُوَ ذُهُول شَدِيد، فَإِن الْخلاف مَشْهُور جدا عِنْد الْمَالِكِيَّة، حَتَّى أَن الْقُرْطُبِيّ رجح فِي (شرح مُسلم) أَنه سنة، وَلَكِن الْجُمْهُور على وُجُوبه. انْتهى. قلت: هَذَا ذُهُول أَشد من هَذَا الْقَائِل حَيْثُ لم ينظر إِلَى معنى الْكَلَام، فَإِن معنى قَوْله: سنة، أَي: سنة مُؤَكدَة، وَهِي فِي قُوَّة الْوُجُوب، حَتَّى قَالَ هُوَ: وَقد رد ابْن الْعَرَبِيّ على من لم يقل بذلك، أَي: بِالْوُجُوب، وَقَالَ: توارد بِهِ القَوْل وَالْعَمَل وَغسل الطَّاهِر المطهر فَكيف بِمن سواهُ؟ .
الثَّانِي: فِي أَن أصل وجوب غسل الْمَيِّت مَا رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي (الْمسند)(أَن آدم، عليه الصلاة والسلام، غسلته الْمَلَائِكَة وكفنوه وحنطوه وحفروا لَهُ وألحدوا وصلوا عَلَيْهِ، ثمَّ دخلُوا قَبره فوضعوه فِيهِ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ اللَّبن، ثمَّ خَرجُوا من قَبره، ثمَّ حثوا عَلَيْهِ التُّرَاب، ثمَّ قَالُوا: يَا بني آدم هَذِه سبيلكم) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِمَعْنَاهُ.
الثَّالِث: فِي سَبَب وجوب غسل الْمَيِّت، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ الْحَدث، فَإِن الْمَوْت سَبَب لاسترخاء مفاصله، وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ وَغَيره من مَشَايِخ الْعرَاق، إِنَّمَا أوجب النَّجَاسَة الْمَوْت إِذْ الْآدَمِيّ لَهُ دم مسفوح كَسَائِر الْحَيَوَانَات، وَلِهَذَا يَتَنَجَّس الْبِئْر بِمَوْتِهِ فِيهَا، وَفِي (الْبَدَائِع) : عَن مُحَمَّد بن الشجاع البَجلِيّ أَن الْآدَمِيّ لَا ينجس بِالْمَوْتِ كَرَامَة لَهُ، لِأَنَّهُ لَو تنجس لما حكم بِطَهَارَتِهِ بِالْغسْلِ كَسَائِر الْحَيَوَانَات الَّتِي حكم بنجاستها بِالْمَوْتِ، وَسَيَأْتِي قَول ابْن عَبَّاس: إِن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا. وَقَالَ بعض الْحَنَابِلَة: ينجس بِالْمَوْتِ وَلَا يطهر بِالْغسْلِ ويتنجس الثَّوْب الَّذِي ينشف بِهِ كَسَائِر الميتات، وَهَذَا بَاطِل بِلَا شكّ وخرق للْإِجْمَاع
الرَّابِع: فِي وضوء الْمَيِّت، فوضوؤه سنة كَمَا فِي الِاغْتِسَال فِي حَالَة الْحَيَاة، غير أَنه لَا يمضمض وَلَا يستنشق عندنَا لِأَنَّهُمَا متعسران. وَقَالَ صَاحب (الْمُغنِي) : وَلَا يدْخل المَاء فَاه وَلَا مَنْخرَيْهِ فِي قَول أَكثر أهل الْعلم. وَهُوَ قَول سعيد بن جُبَير وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَأحمد. وَقَالَ الشَّافِعِي: يمضمض ويستنشق كَمَا يَفْعَله الْحَيّ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْمَضْمَضَة جعل المَاء فِي فِيهِ. قلت: هَذَا خلاف مَا قَالَه أهل اللُّغَة، فَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْمَضْمَضَة تَحْرِيك المَاء فِي الْفَم، وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ لم يصوب من قَالَ مثل مَا قَالَ النَّوَوِيّ.
الْخَامِس: فِي المَاء والسدر، فَالْحكم فِيهِ عندنَا أَن المَاء يغلي بالسدر والأشنان مُبَالغَة فِي التَّنْظِيف، فَإِن لم يكن السدر أَو الأشنان فالماء القراح، وَذكر فِي (الْمُحِيط) و (الْمَبْسُوط) : أَنه يغسل أَولا بِالْمَاءِ القراح، ثمَّ بِالْمَاءِ الَّذِي يطْرَح فِيهِ السدر، وَفِي الثَّالِثَة يَجْعَل الكافور فِي المَاء وَيغسل بِهِ، هَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعند سعيد بن الْمسيب وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري: يغسل فِي الْمرة الأولى وَالثَّانيَِة بِالْمَاءِ القراح، وَالثَّالِثَة بالسدر. وَقَالَ الشَّافِعِي: يخْتَص السدر بِالْأولَى، وَبِه قَالَ ابْن الْخطاب من الْحَنَابِلَة. وَعَن أَحْمد: يسْتَعْمل السدر فِي الثَّلَاث كلهَا، وَهُوَ قَول عَطاء وَإِسْحَاق وَسليمَان بن حَرْب. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يَجْعَل السدر فِي مَاء ويخضخض إِلَى أَن تخرج رغوته ويدلك جسده ثمَّ يصب عَلَيْهِ المَاء القراح، فَهَذِهِ غسلة، وكرهت الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْحَنَابِلَة المَاء المسخن، وخيره مَالك مَا ذكره فِي (الْجَوَاهِر) وَفِي (الْخُتلِي) من كتب الشَّافِعِيَّة، قيل: المسخن أولى بِكُل حَال وَهُوَ قَول إِسْحَاق. وَفِي (الدِّرَايَة) : وَعند الشَّافِعِي وَأحمد المَاء الْبَارِد أفضل إلَاّ أَن يكون عَلَيْهِ وسخ أَو نَجَاسَة لَا تَزُول إلَاّ بِالْمَاءِ الْحَار أَو يكون الْبرد شَدِيدا. فَإِن قلت: الْوضُوء مَذْكُور فِي التَّرْجَمَة وَلم يذكر لَهُ حَدِيثا. قلت: اعْتمد على الْمَعْهُود من الِاغْتِسَال من الْجَنَابَة، عَن يُمكن أَن يُقَال: إِنَّه اعْتمد على مَا ورد فِي بعض طرق حَدِيث الْبَاب من حَدِيث أم عَطِيَّة: (إبدأن بميامنها ومواضع الْوضُوء مِنْهَا) . وَقيل: أَرَادَ وضوء الْغَاسِل أَي: لَا يلْزمه وضوء. قلت: هَذَا بعيد، لِأَن الْغَاسِل لم يذكر فِيمَا قبله وَلَا يعود الضَّمِير فِي قَوْله:(ووضوئه) إلَاّ إِلَى الْمَيِّت، وَوجه بَعضهم هَذَا فَقَالَ: إلَاّ أَن يُقَال: تَقْدِير التَّرْجَمَة: بَاب غسل الْحَيّ الْمَيِّت، لِأَن الْمَيِّت لَا يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ فَيَعُود الضَّمِير على الْمَحْذُوف. قلت: هَذَا عسف وَإِن كَانَ لَهُ وَجه مَعَ أَن رُجُوع الضَّمِير إِلَى أقرب الشَّيْئَيْنِ إِلَيْهِ أولى.
وَحَنَّطَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا ابْنا لِسَعِيدِ بنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ وَصَلَّى ولَمْ يَتَوَضَّأ
مطابقتة للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من موضِعين: الأول: من قَوْله: (حنط) ، لِأَن التحنيط يسْتَلْزم الْغسْل، فَكَأَنَّهُ قَالَ: غسله وحنطه، وَهُوَ مُطَابق لقَوْله: بَاب غسل الْمَيِّت، وَالثَّانِي: من قَوْله: (وَلم يتَوَضَّأ)، لأَنا قد ذكرنَا أَن الضَّمِير فِي قَوْله:(ووضوئه) ، يرجع إِلَى الْمَيِّت، وَقَوله: (لم
يتَوَضَّأ) يدل على أَن الْغَاسِل لَيْسَ عَلَيْهِ وضوء، فَوَقع التطابق من هَذِه الْحَيْثِيَّة. وَقَالَ بَعضهم: وَقيل: تعلق هَذَا الْأَثر وَمَا بعده بالترجمة من جِهَة أَن المُصَنّف يرى أَن الْمُؤمن لَا ينجس بِالْمَوْتِ وَأَن غسله إِنَّمَا هُوَ للتعبد، لِأَنَّهُ لَو كَانَ نجسا لم يطهره المَاء والسدر وَلَا المَاء وَحده، وَلَو كَانَ نجسا مَا مَسّه ابْن عمر، ولغسل مَا مَسّه من أَعْضَائِهِ. قلت: لَيْسَ بَين هَذَا الْأَثر وَبَين التَّرْجَمَة تعلق أصلا من هَذِه الْجِهَة الْبَعِيدَة، وَالَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ الْأَوْجه. نعم، هَذَا الَّذِي ذكره يصلح أَن يكون وَجه التطابق بَين التَّرْجَمَة وَبَين أثر ابْن عَبَّاس الْآتِي، لِأَن إِيرَاده أثر ابْن عَبَّاس فِي هَذَا الْبَاب يدل على أَنه يرى فِيهِ رَأْي ابْن عَبَّاس، وَيفهم مِنْهُ أَن غسل الْمَيِّت عِنْده أَمر تعبدي، وَإِن كَانَ قَوْله: بَاب غسل الْمَيِّت، أَعم من ذَلِك، لَكِن إِيرَاده أثر ابْن عَبَّاس وَأثر سعد، والْحَدِيث الْمُعَلق يدل على ذَلِك فَافْهَم.
وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَضْعِيف مَا أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق عَمْرو بن عُمَيْر عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (من غسل الْمَيِّت فليغتسل وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ) ، رُوَاته ثِقَات إلَاّ عَمْرو بن عُمَيْر فَلَيْسَ بِمَعْرُوف، وروى التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان من طَرِيق سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نَحوه، وَهُوَ مَعْلُول لِأَن أَبَا صَالح لم يسمعهُ من أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: عَن أَبِيه الصَّوَاب: عَن أبي هُرَيْرَة، مَوْقُوف. وَقَالَ أَبُو دَاوُد بعد تَخْرِيجه: هَذَا مَنْسُوخ وَلم يبين ناسخه، وَقَالَ الذهلي فِيمَا حَكَاهُ الْحَاكِم فِي (تَارِيخه) : لَيْسَ فِيمَن غسل مَيتا فليتغسل حَدِيث ثَابت. انْتهى. قلت: إيش وَجه إِشَارَة البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى تَضْعِيف الحَدِيث الْمَذْكُور؟ فَأَي عبارَة تدل على هَذَا بِدلَالَة من أَنْوَاع الدلالات، وَهَذَا كَلَام واه.
قلت: أما حَدِيث أبي دَاوُد فقد قَالَ فِي (سنَنه) : حَدثنَا أَحْمد بن صَالح أخبرنَا ابْن أبي فديك حَدثنِي ابْن أبي ذِئْب عَن الْقَاسِم ابْن عَبَّاس عَن عَمْرو بن عُمَيْر عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (من غسل الْمَيِّت. .) الحَدِيث، وَابْن أبي فديك: هُوَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي فديك، وَابْن أبي ذِئْب: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث ابْن أبي ذِئْب، وَعَمْرو بن عُمَيْر، بِفَتْح الْعين فِي الإبن وَضمّهَا فِي الْأَب قلت: قَوْله: عَمْرو بن عُمَيْر لَيْسَ بِمَعْرُوف، إِشَارَة إِلَى تَضْعِيف الحَدِيث، فَهَذَا أَبُو دَاوُد قد روى لَهُ وَسكت عَلَيْهِ فَدلَّ على أَنه قد رَضِي بِهِ، وَلكنه قَالَ: هَذَا مَنْسُوخ، فَرده هَذَا الحَدِيث لم يكن إلَاّ من جِهَة كَونه مَنْسُوخا، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَلم يبين ناسخه قلت: بِتَرْكِهِ بَيَان النَّاسِخ لَا يلْزم تَضْعِيف الحَدِيث، والنسخ يعلم بِأُمُور مِنْهَا: ترك الْعَمَل بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ يدل على وجود نَاسخ وَإِن لم يطلع عَلَيْهِ.
وَأما حَدِيث التِّرْمِذِيّ فقد قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي الشَّوَارِب حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (من غسله الْغسْل وَمن حمله الْوضُوء) يَعْنِي الْمَيِّت، وَقَالَ: حَدِيث أبي هُرَيْرَة حَدِيث حسن، وَقد رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا، ثمَّ قَالَ: وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي الَّذِي يغسل الْمَيِّت، فَقَالَ بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَغَيرهم: إِذا غسل مَيتا فَعَلَيهِ الْغسْل، وَقَالَ بَعضهم: عَلَيْهِ الْوضُوء، وَقَالَ مَالك بن أنس: اسْتحبَّ الْغسْل من غسل الْمَيِّت وَلَا أرى ذَلِك وَاجِبا، وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِي، وَقَالَ أَحْمد: من غسل مَيتا أَرْجُو أَن لَا يجب عَلَيْهِ الْغسْل، فَأَما الْوضُوء فَأَقل مَا فِيهِ. وَقَالَ إِسْحَاق: لَا بُد من الْوضُوء، وَقد رُوِيَ عَن عبد الله بن الْمُبَارك أَنه قَالَ: لَا يغْتَسل وَلَا يتَوَضَّأ من غسل الْمَيِّت، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن عَليّ وَعَائِشَة. قلت: كِلَاهُمَا عِنْد أبي دَاوُد، وَفِي الْبَاب عَن حُذَيْفَة عِنْد الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد سَاقِط، وَقَالَ مَالك فِي (الْعُتْبِيَّة) : أدْركْت النَّاس على أَن غاسل الْمَيِّت يغْتَسل، وَاسْتَحْسنهُ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب، وَقَالَ ابْن حبيب: لَا غسل عَلَيْهِ وَلَا وضوء، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ: الْجَدِيد هَذَا، وَالْقَدِيم: الْوُجُوب، وبالغسل قَالَ ابْن الْمسيب وَابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ، قَالَه ابْن الْمُنْذر، وَقَالَ الْخطابِيّ: لَا أعلم أحدا قَالَ بِوُجُوب الْغسْل مِنْهُ، وَأوجب أَحْمد وَإِسْحَاق الْوضُوء مِنْهُ.
وَأما التَّعْلِيق الْمَذْكُور فقد وَصله مَالك فِي (موطئِهِ) عَن نَافِع: أَن ابْن عمر حنط ابْنا لسَعِيد بن زيد وَحمله ثمَّ دخل الْمَسْجِد فصلى وَلم يتَوَضَّأ، وروى ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه: أَن ابْن عمر كفن مَيتا وحنطه وَلم يمس مَاء، وَعَن أبي الْأَحْوَص عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: قلت لِابْنِ عمر: اغْتسل من غسل الْمَيِّت؟ قَالَ: لَا. وَحدثنَا عباد بن الْعَوام عَن حجاج عَن سُلَيْمَان بن ربيع عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: غسلت أُمِّي ميتَة، فَقَالَت لي: سل، عَليّ غسل؟ فَأتيت ابْن عمر فَسَأَلته، فَقَالَ: أنجسا غسلت؟ ثمَّ أتيت ابْن عَبَّاس، فَسَأَلته فَقَالَ مثل ذَلِك: أنجسا غسلت؟ وَحدثنَا عباد عَن حجاج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر أَنَّهُمَا قَالَا: لَيْسَ على غاسل الْمَيِّت غسل؟
قَوْله: (حنط)، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون أَي: اسْتعْمل الحنوط، وَهُوَ كل شَيْء خلط من الطّيب
للْمَيت خَاصَّة، قَالَه الْكرْمَانِي وَتَبعهُ بَعضهم على هَذَا. وَفِي (الصِّحَاح) بالحنوط ذريرة، وَهُوَ طيب الْمَيِّت. قلت: الحنوط: عطر مركب من أَنْوَاع الطّيب يَجْعَل على رَأس الْمَيِّت ولحيته ولبقيه جسده إِن تيَسّر،. وَفِي الحَدِيث:(أَن ثمودا لما استيقنوا بِالْعَذَابِ تكفنوا بالأنطاع وتحنطوا بِالصبرِ لِئَلَّا يجيفوا وينتنوا) . وَفِي (الْمُحِيط) : لَا بَأْس بِسَائِر الطّيب فِي الحنوط غير الزَّعْفَرَان والورس فِي حق الرِّجَال، وَلَا بَأْس بهما فِي حق النِّسَاء، فَيدْخل فِيهِ الْمسك، وَأَجَازَهُ أَكثر الْعلمَاء، وَأمر بِهِ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَاسْتَعْملهُ أنس وَابْن عمر وَابْن الْمسيب، وَبِه قَالَ: مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَكَرِهَهُ: عَطاء وَالْحسن وَمُجاهد، وَقَالُوا: إِنَّه ميتَة واستعماله فِي الحنوط على الْجَبْهَة والراحتين والركبتين والقدمين. وَفِي (الرَّوْضَة) : وَلَا بَأْس بِجعْل الْمسك فِي الحنوط وَقَالَ النَّخعِيّ: يوضع الحنوط على الْجَبْهَة والراحتين والركبتين والقدمين، وَفِي (الْمُفِيد) : وَإِن لم يفعل فَلَا يضر، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ والقرافي: يسْتَحبّ فِي الْمرة الثَّالِثَة شَيْء من الكافور. قَالَا: وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسْتَحبّ. قلت: نقلهما ذَلِك عَنهُ خطأ.
قَوْله: (ابْنا لسَعِيد) وَاسم الابْن: عبد الرَّحْمَن، روى عَن اللَّيْث عَن نَافِع أَنه رأى عبد الله بن عمر حنط عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن زيد، وَسَعِيد بن زيد هَذَا أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ، أسلم قَدِيما وَمَات بالعقيق، وَنقل إِلَى الْمَدِينَة فَدفن بهَا سنة إِحْدَى وَخمسين، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا المُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيَّا وَلَا مَيِّتا
وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة قد ذَكرنَاهَا فِي أثر ابْن عمر الَّذِي مضى، وَقد وصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي شيبَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن عَطاء (عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُؤمن لَيْسَ بِنَجس حَيا وَلَا مَيتا) . قَوْله: (لَا تنجسوا مَوْتَاكُم) أَي: لَا تَقولُوا إِنَّهُم نجس، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور أَيْضا عَن سُفْيَان نَحوه، وَرَوَاهُ الْحَاكِم مَرْفُوعا، قَالَ: أخبرنَا إِبْرَاهِيم ابْن عصمَة بن إِبْرَاهِيم الْعدْل حَدثنَا أَبُو مُسلم الْمسيب بن زُهَيْر الْبَغْدَادِيّ حَدثنَا أَبُو بكر وَعُثْمَان ابْنا ابْن أبي شيبَة، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله: (لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ.
وقَالَ سَعدٌ لَوْ كانَ نَجِسا مَا مَسِستُهُ
وَجه الْمُطَابقَة مَا ذَكرْنَاهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي الْوَقْت سعيد بِالْيَاءِ وَالْأول أشهر وَأَصَح، وَهُوَ سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي شيبَة عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن الْجَعْد عَن عَائِشَة قَالَت: أُوذِنَ سعد بِجنَازَة سعيد بن زيد وَهُوَ بِالبَقِيعِ فَجَاءَهُ فَغسله وكفنه وحنطه، ثمَّ أَتَى دَاره فصلى عَلَيْهِ، ثمَّ دَعَا بِمَاء فاغتسل، ثمَّ قَالَ: لم أَغْتَسِل من غسله وَلَو كَانَ نجسا مَا غسلته أَو مَا مَسسْته، وَلَكِنِّي أَغْتَسِل من الْحر.
وَفِي هَذَا الْأَثر فَائِدَة حَسَنَة وَهِي: أَن الْعَالم إِذا عمل عملا يخْشَى أَن يلتبس على من رَآهُ يَنْبَغِي لَهُ أَن يعلمهُمْ بِحَقِيقَة الْأَمر لِئَلَّا يحملوه على غير محمله.
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم المُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ
هَذَا طرف من حَدِيث أبي هُرَيْرَة ذكره البُخَارِيّ مُسْندًا فِي: بَاب الْجنب يمشي، فِي كتاب الْغسْل: حَدثنَا عَيَّاش، قَالَ: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى، قَالَ: حَدثنَا حميد عَن أبي رَافع (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: لَقِيَنِي رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَأَنا جنب. .) الحَدِيث، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ حميع مَا يتَعَلَّق بِهِ مستقصىً.
3521 -
حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ أيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سيرِينَ عنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأنْصَارِيَّةِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ دَخَلَ علَيْنَا رسولُ الله حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلاثا أوْ خَمْسا أوْ أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ أنْ رَأيْتُنَّ ذالِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كافُورا أوْ شَيْئا مِنْ كافُورٍ فَإذَا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي فلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فأعْطَانا حِقْوَهُ فَقَالَ
أشْعِرْنَهَا إيَّاهُ تَعْنِي إزَارَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة كلهم قد ذكرُوا، وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك، وَأم عَطِيَّة اسْمهَا: نسيبة، بِضَم النُّون، بنت كَعْب، وَيُقَال: بنت الْحَارِث الْأَنْصَارِيَّة، وَقد شهِدت غسل ابْنة رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وحكت ذَلِك فأتقنت، وحديثها أصل فِي غسل الْمَيِّت، ومدار حَدِيثهَا على مُحَمَّد وَحَفْصَة ابْني سِيرِين، حفظت مِنْهَا حَفْصَة مَا لم يحفظ مُحَمَّد، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَيْسَ فِي أَحَادِيث غسل الْمَيِّت أَعلَى من حَدِيث أم عَطِيَّة، وَعَلِيهِ عول الْأَئِمَّة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه مدنيان، وَأَيوب وَابْن سِيرِين بصريان. وَفِيه: عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: عَن أَيُّوب سَمِعت ابْن سِيرِين. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث من أحد عشر طَرِيقا. الأول: أخرجه فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب التَّيَمُّن فِي الْوضُوء وَالْغسْل، عَن مُسَدّد وَقد ذكرنَا هُنَاكَ من أخرجه غَيره. الثَّانِي: عَن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب. الثَّالِث: عَن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب فِي: بَاب مَا يسْتَحبّ أَن يغسل وترا. الرَّابِع: عَن عَليّ بن عبد الله فِي: بَاب مَا يبْدَأ بميامن الْمَيِّت. وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن يحيى بن أَيُّوب وَابْن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد، ثَلَاثَتهمْ عَن إِسْمَاعِيل وَعَن إِسْمَاعِيل بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أبي كَامِل الجحدري عَن إِسْمَاعِيل بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع عَن هشيم بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن مَنْصُور عَن أَحْمد بن جنبل عَن إِسْمَاعِيل بِهِ. الْخَامِس: عَن يحيى بن مُوسَى فِي: بَاب مَوَاضِع الْوضُوء من الْمَيِّت. السَّادِس: عَن عبد الرَّحْمَن بن حَمَّاد فِي: بَاب هَل تكفن الْمَرْأَة فِي إِزَار الرجل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن شُعَيْب بن يُوسُف. السَّابِع: عَن حَامِد بن عمر فِي: بَاب يَجْعَل الكافور فِي آخِرَة. الثَّامِن: عَن أَحْمد عَن ابْن وهب فِي: بَاب ينْقض شعر الْمَرْأَة. التَّاسِع: عَن أَحْمد عَن ابْن وهب أَيْضا فِي: بَاب كَيفَ الْإِشْعَار للْمَيت. وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي وقتيبة، كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد وَعَن قُتَيْبَة عَن مَالك وَعَن يحيى بن يحيى وَعَن يحيى بن أَيُّوب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك بِهِ وَعَن مُسَدّد وَمُحَمّد بن عبيد، كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك وَحَمَّاد بن زيد فرقهما بِهِ، وَعَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَعَن عَمْرو بن زُرَارَة وَعَن يُوسُف بن سعيد. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن ابْن أبي شيبَة عَن الثَّقَفِيّ بِهِ. الْعَاشِر: عَن قبيصَة عَن سُفْيَان فِي: بَاب هَل يَجْعَل شعر الْمَرْأَة ثَلَاثَة قُرُون. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى. الْحَادِي عشر: عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد فِي: بَاب يلقى شعر الْمَرْأَة خلفهَا. وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن عَمْرو النَّاقِد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن عَن أَحْمد بن منيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عمر بن عَليّ عَن يحيى بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حِين توفيت ابْنة) هِيَ زَيْنَب زوج أبي الْعَاصِ بن الرّبيع وَالِدَة أُمَامَة هِيَ الَّتِي كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يحملهَا فِي الصَّلَاة، فَإِذا سجد وَضعهَا وَإِذا قَامَ حملهَا، وَزَيْنَب أكبر بَنَات رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَتزَوج بِزَيْنَب: أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع فَولدت مِنْهُ عليا وأمامة، وَتوفيت زَيْنَب فِي سنة ثَمَان. قَالَه الْوَاقِدِيّ، وَقَالَ قَتَادَة عَن ابْن حزم: فِي أول سنة ثَمَان، وَلم يَقع فِي رِوَايَات البُخَارِيّ ابْنَته هَذِه مُسَمَّاة، وَهُوَ مُصَرح بِهِ فِي لفظ مُسلم (عَن أم عَطِيَّة، قَالَت: لما مَاتَت زَيْنَب بنت رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلنها. .) الحَدِيث، هَذَا هُوَ الْمَرْوِيّ الْأَكْثَر وَذكر بعض أهل السّير أَنَّهَا أم كُلْثُوم زوج عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد ذكره أَبُو دَاوُد أَيْضا، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا أبي عَن أبي إِسْحَاق حَدثنِي نوح بن حَكِيم الثَّقَفِيّ وَكَانَ قَارِئًا لِلْقُرْآنِ عَن رجل من بني عُرْوَة بن مَسْعُود يُقَال لَهُ دَاوُد، وَقد وَلدته أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان زوج النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، عَن ليلى بنت قانف الثقفية، قَالَت: كنت فِيمَن غسل أم كُلْثُوم ابْنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، عِنْد وفاتها، فَكَانَ أول مَا أَعْطَانَا، صلى الله عليه وسلم، الحقا ثمَّ الدرْع ثمَّ الْخمار ثمَّ الملحفة، ثمَّ أدرجت بعد فِي الثَّوْب الآخر. قَالَت: وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَالس عِنْد الْبَاب مَعَه
كفنها يناولنا ثوبا ثوبا. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: فِيهِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَفِيه من لَيْسَ بِمَشْهُور، وَالصَّحِيح أَن هَذِه الْقِصَّة فِي زَيْنَب، لِأَن أم كُلْثُوم توفيت وَرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، غَائِب ببدر، وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه: ونوح بن حَكِيم رجل مَجْهُول لم تثبت عَدَالَته، وَقد غلطوا الْمُنْذِرِيّ فِي قَوْله: أم كُلْثُوم توفيت وَرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، غَائِب ببدر، لِأَن الَّتِي توفيت حِينَئِذٍ رقية. فَإِن قلت: حكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ الشَّارِح بِأَنَّهُ جزم بِأَن الْبِنْت الْمَذْكُورَة أم كُلْثُوم زوج عُثْمَان. وَذكر صَاحب (التَّلْوِيح) : بِأَن التِّرْمِذِيّ زعم أَنَّهَا أم كُلْثُوم قلت: أما الدَّاودِيّ فَإِنَّهُ لم يذكر مُسْتَنده، وَأما التِّرْمِذِيّ فَلم يذكر شَيْئا من ذَلِك. فَإِن قلت: ذكر الدولابي من طَرِيق أبي الرِّجَال عَن عمْرَة أَن أم عَطِيَّة كَانَت مِمَّن غسل أم كُلْثُوم بنت النَّبِي صلى الله عليه وسلم قلت: لَا يلْزم من ذَلِك أَن تكون الْبِنْت فِي حَدِيث الْبَاب أم كُلْثُوم، لِأَن أم عَطِيَّة كَانَت غاسلة الميتات فَيمكن أَن تكون حضرت لَهما جَمِيعًا.
قَوْله: (ثَلَاثًا أَو خمْسا) وَفِي رِوَايَة هِشَام بن حسان عَن حَفْصَة: (إغسلنها وترا ثَلَاثًا أَو خمْسا) . وَكلمَة: أَو. هُنَا للتنويع، وَالنَّص على الثَّلَاث أَو الْإِشَارَة إِلَى أَن الْمُسْتَحبّ، الإيتار، أَلا يُرى أَنه نقلهن من الثَّلَاث إِلَى الْخمس دون الْأَرْبَع، وَقَالَ بَعضهم: أَو، هُنَا للتَّرْتِيب لَا للتَّخْيِير. قلت: لم ينْقل عَن أحد أَن: أَو، تَجِيء للتَّرْتِيب، وَقد ذكر النُّحَاة أَن: أَو، تَأتي لاثني عشر معنى، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يدل على أَنَّهَا تَجِيء للتَّرْتِيب، وَالظَّاهِر أَنه أَخذه من الطَّيِّبِيّ فَإِنَّهُ نقل من الْمظهر شرح المصابيح) : أَن فِيهِ للتَّرْتِيب دون التَّخْيِير، إِذْ لَو حصل الِاكْتِفَاء بالغسلة الأولى اسْتحبَّ التَّثْلِيث، وَكره التجاوز عَنهُ فَإِن حصلت بِالثَّانِيَةِ أَو بالثالثة اسْتحبَّ التخميس، وَإِلَّا فالتسبيع، وَالْمَنْع بَاقٍ فِيهِ. وَفِي الطَّيِّبِيّ فِي نَقله، وَفِي صَاحب الْمظهر شَارِح (المصابيح) . قَوْله:(أَو أَكثر من ذَلِك) أَي: من الْخمس يَنْتَهِي إِلَى السَّبع، كَمَا فِي رِوَايَة أَيُّوب عَن حَفْصَة: ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو سبعا، وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ، وَلَيْسَ فِي الرِّوَايَات أَكثر من السَّبع إلَاّ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أم عَطِيَّة بِمَعْنى حَدِيث مَالك، زَاد فِي حَدِيث حَفْصَة عَن أم عَطِيَّة نَحْو هَذَا، وزادت فِيهِ: أَو سبعا أَو أَكثر، من ذَلِك إِن رَأَيْته. وَيُسْتَفَاد من هَذَا اسْتِحْبَاب الإيتار بِالزِّيَادَةِ على السَّبْعَة لِأَن ذَلِك أبلغ فِي التَّنْظِيف، وَكره أَحْمد مُجَاوزَة السَّبع، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لَا أعلم أحدا قَالَ بمجاوزة السَّبع، وسَاق من طَرِيق قَتَادَة أَن ابْن سِيرِين كَانَ يَأْخُذ الْغسْل عَن أم عَطِيَّة ثَلَاثًا وإلَاّ فخمسا وإلَاّ فسبعا. قَالَ: فَرَأَيْنَا أَن الْأَكْثَر من ذَلِك سبع. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: الزِّيَادَة على السَّبع سرف، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: بَلغنِي أَن جَسَد الْمَيِّت يسترخي بِالْمَاءِ، فَلَا أحب الزِّيَادَة على ذَلِك. قَوْله:(إِن رأيتن ذَلِك)، قَالَ الطَّيِّبِيّ: بِكَسْر الْكَاف خطاب لأم عَطِيَّة وَرَأَيْت بِمَعْنى الرَّأْي يَعْنِي أَن احتجتن إِلَى أَكثر من ثَلَاث أَو خمس للانقاء لَا للتشهي فلتفعلن قلت: كسر الْكَاف فِي ذَلِك الثَّانِي لَا فِي الأول، فَإِن بَعضهم نقل ذَلِك عَن الطَّيِّبِيّ. وَلكنه غلط فِيهِ، وَذكره فِي ذَلِك الأول، وَلَيْسَ كَذَلِك على مَا يخفى، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: إِنَّمَا فوض الرَّأْي إلَيْهِنَّ بِالشّرطِ الْمَذْكُور وَهُوَ الإيتار. وَحكى ابْن التِّين عَن بَعضهم، قَالَ: يحْتَمل قَوْله: (إِن رأيتن) أَن يرجع إِلَى الْأَعْدَاد الْمَذْكُورَة، وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: إِن رأيتن أَن تفعلن ذَلِك وإلَاّ فالاتقاء يَكْفِي. قَوْله: (بِمَاء وَسدر)، الْبَاء تتَعَلَّق بقوله:(اغسلنها) قَالَ الطَّيِّبِيّ نَاقِلا عَن المطهر: قَوْله: (بِمَاء وَسدر) لَا يَقْتَضِي اسْتِعْمَال السدر فِي جَمِيع الغسلات، وَالْمُسْتَحب اسْتِعْمَاله فِي الكرة الأولى ليزيل الأقذار، وَيمْنَع من تسارع الْفساد. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: قَوْله: (بِمَاء وَسدر) أصل فِي جَوَاز التطهر بِالْمَاءِ الْمُضَاف إِذا لم يسلب الْإِطْلَاق. وَقَالَ ابْن التِّين. قَوْله: (بِمَاء وَسدر) هُوَ السّنة فِي ذَلِك، والخطمي مثله، فَإِن عدم فَمَا يقوم مقَامه كالأشنان والنطرون، وَلَا معنى لطرح ورق السدر فِي المَاء، كَمَا تفعل الْعَامَّة، وأنكرها أَحْمد وَلم يُعجبهُ، وَمثله من قَالَ: يحك الْمَيِّت بالسدر وَيصب عَلَيْهِ المَاء فَتحصل طَهَارَته بِالْمَاءِ، وَعَن ابْن سِيرِين، أَنه كَانَ يَأْخُذ الْغسْل عَن أم عَطِيَّة فَيغسل بِالْمَاءِ والسدر مرَّتَيْنِ وَالثَّالِثَة بِالْمَاءِ والكافور. وَمِنْهُم من ذهب إِلَى أَن الغسلات كلهَا بِالْمَاءِ والسدر، وَهُوَ قَول أَحْمد: وَلما غسلوا النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، غسلوه بِمَاء وَسدر ثَلَاث مَرَّات، فِي كُلهنَّ ذكره أَبُو عمر. قَوْله:(واجعلن فِي الْآخِرَة) أَي فِي الْمرة الْآخِرَة ويروى (الْأَخِيرَة) قَوْله: (كافورا) وَالْحكمَة فِيهِ أَن الْجِسْم يتصلب بِهِ وتنفر الْهَوَام من رَائِحَته، وَفِيه إكرام الْمَلَائِكَة. وَخَصه صَاحب (الْمَذْهَب) بالثالثة، والجرجاني بِالثَّانِيَةِ، وهما غَرِيبَانِ. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَانْفَرَدَ أَبُو حنيفَة فَقَالَ: لَا يسْتَحبّ الكافور