المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما جاء في قاتل النفس) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٨

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الأمْرِ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الدُّخُولِ عَلَى المَيِّتِ بَعْدَ المَوْتِ إذَا أُدْرِجَ فِي أكفَانِهِ)

- ‌(بابٌ الرَّجُلِ يَنْعَى إلَى أهْلِ المَيِّتِ بِنَفْسِهِ)

- ‌(بابُ الإذنِ بِالجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ منْ ماتَ لَهُ وَلَدٌ فاحْتَسَبَ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأةِ عِنْدَ القَبْرِ اصبِرِي)

- ‌(بابُ غُسْلِ المَيِّتِ وَوَضُوئِهِ بِالمَاءِ والسِّدْرِ)

- ‌(بابُ مَا يُسْتَحَبُّ أنْ يُغْسَلَ وِتْرا)

- ‌(بابٌ يُبْدَأ بِمَيَامِنِ المَيِّتِ)

- ‌(بابُ مَوَاضِع الوُضُوءِ مِنَ المَيِّتِ)

- ‌(بابٌ هَلْ تُكَفَّنُ المَرْأةُ فِي إزَارِ الرَّجُل)

- ‌(بابٌ يَجْعَلُ الكافُورَ فِي آخِرِهِ)

- ‌(بابُ نَقْضِ شَعْرِ المَرْأةِ)

- ‌(بابٌ كَيْفَ الإشْعَارُ لِلْمَيِّتِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُجْعَلُ شَعرُ المَرْأةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ)

- ‌(بَاب يُلْقَى شَعَرُ المَرْأةِ خَلْفَهَا)

- ‌(بابُ الثِّيَابِ البِيضِ لِلْكَفَنِ)

- ‌(بابُ الكفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ)

- ‌(بَاب الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ)

- ‌(بابُ الحُنُوطِ لِلْمَيِّتِ)

- ‌(بابٌ كيْفَ يُكَفَّنُ المحْرِمُ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ فِي القَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ أوْ لَا يُكَفُّ وَمَنْ كُفِّنَ بِغَيْرِ قَمِيصٍ)

- ‌(بَاب الكَفَنِ بِغَيْرِ قَمِيصٍ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ بِلَا عِمَامَةٌ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ مِنْ جَمِيعِ المَالِ)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَاّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنا إلَاّ مَا يُوَارِى رَأْسَهُ أوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى بِهِ رَأْسَهُ)

- ‌(بابُ مَنِ اسْتَعَدَّ الكَفَنَ فِي زَمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ)

- ‌(بابُ اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابْ حَدِّ المَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا)

- ‌(بابُ زِيَارَةِ القُبُورِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبَعْضِ بُكاءِ أهْلِهِ عَلَيْهِ إذَا كانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ لِقَوْلِ الله تعَالَى: {قُوا أنُفُسَكُمْ وَأهْلِيكُمْ نَارا} )

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى المَيِّتِ)

- ‌بَاب

- ‌(بابٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الجُيُوبَ)

- ‌(بابٌ رَثَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بنَ خَوْلَةَ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهى مِنَ الحَلْقِ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهى مِنَ الوَيْلِ وَدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابُ مَنْ جَلَسَ عِنْدَ المُصِيبَةِ يُعْرَفُ فِيهِ الحُزْنُ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابُ الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى)

- ‌(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ)

- ‌(بابُ البُكَاءِ عِنْدَ المَرِيضِ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهَى عنِ النَّوْحِ والبُكَاءِ وَالزَّجْرِ عنْ ذالِك)

- ‌(بابُ القِيَامِ لِلْجَنَازَةِ)

- ‌(بَاب مَتى يقْعد إِذا قَامَ للجنازة)

- ‌(بابُ مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ عنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ فانْ قَعَدَ أُمِرَ بِالقِيامِ)

- ‌(بابُ منْ قامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ)

- ‌(بابُ حَمْلِ الرِّجَالِ الجِنَازَةَ دُونَ النِّسَاءِ)

- ‌(بابُ السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ المَيِّتِ وَهْوَ عَلَى الجِنَازَةِ قَدِّمُونِي)

- ‌(بابُ مَنْ صَفَّ صَفَّيْنِ أوْ ثَلَاثَةً عَلَى الجَنَازَةِ خَلْفَ الإمَامِ)

- ‌(بابُ الصُّفُوفِ عَلَى الجِنَازَةِ)

- ‌(بابُ صُفُوفِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ عَلَى الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ سُنَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ مَنِ انْتَظَرَ حَتَّى يُدْفَنَ)

- ‌(بابُ صَلَاةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَائِزِ بِالمُصَلَّى وَالمَسْجِدِ)

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُورِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا)

- ‌(بابٌ أَيْن يَقُومُ مِنَ المَرْأةِ وَالرَّجُلِ)

- ‌(بَاب التَّكْبِيرِ عَلَى الجَنَازَةِ أرْبَعا)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ فاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى القَبْرِ بَعْدَمَا يُدْفَنُ)

- ‌(بابٌ المَيِّتُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ)

- ‌(بابُ مَنْ أحَبَّ الدَّفْنَ فِي الأرْضِ المُقَدَّسَةِ أوْ نَحْوِهَا)

- ‌(بابُ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ)

- ‌(بابُ بِنَاءِ المَسْجِدِ عَلَى القَبْرِ)

- ‌(بابُ مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ المَرْأةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ)

- ‌(بابُ دَنْنِ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَرَ غَسْلَ الشُّهَدَاءِ)

- ‌(بابُ مَنْ يُقَدِّمُ فِي اللَّحْدِ)

- ‌(بابُ الإذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي القَبْرِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يخْرج المَيِّتُ مِنَ القَبْرِ واللَّحْدِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بابُ اللَّحْدِ والشَّقِّ فِي القَبْرِ)

- ‌(بابٌ إذَا أسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَليهِ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ الإسْلَامُ)

- ‌(بابٌ إذَا قَالَ المُشْرِكُ عِنْدَ المَوْتِ لَا إلاهَ إلَاّ الله)

- ‌(بابُ الجَرِيدِ عَلَى القَبْرِ)

- ‌(بابُ مَوْعِظَةِ المُحَدِّثِ عِنْدَ القَبْرِ وَقُعُودِ أصْحَابِهِ حَوْلَهُ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي قاتِلِ النَّفْسِ)

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاةِ عَلى المُنَافِقِينَ وَالاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ)

- ‌(بابُ ثَنَاءِ النَّاسِ علَى المَيِّتِ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي عَذَابِ القَبْرِ وقولهُ تَعَالَى: {وَلَوْ تَراي إذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ وَالمَلَائِكَةُ باسِطُوا أيْدِيهِم أخْرِجُوا أنْفُسَكُمْ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} (الْأَنْعَام: 39) . الهُونُ هُوَ الهَوَانُ

- ‌(بابُ التَّعَوَّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)

- ‌(بابُ عَذَابِ القَبْرِ مِنَ الغِيبَةِ وَالبَوْلِ)

- ‌(بابُ المَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ والعَشِيِّ)

- ‌(بابُ كَلَامِ المَيِّتِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ مَا قِيلَ فِي أوْلَادِ المُسْلِمِينَ)

- ‌(بابُ مَا قِيلَ فِي أوْلادِ المُشْرِكِينَ)

- ‌ بَاب

- ‌(بابُ مَوْتِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ)

- ‌(بابُ مَوْتِ الفَجْأةِ البَغْتَةِ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي قَبْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَأبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا)

- ‌(بابُ مَا يُنْهِى مِنْ سَبِّ الأمْوَاتِ)

- ‌(بابُ ذِكْرِ شِرَارِ المَوْتَى)

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاة)

- ‌(بابُ وُجُوبِ الزَّكاةِ)

- ‌(بابُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابُ البَيْعَةِ عَلَى إيتَاءِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابُ إثْمِ مانِعِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابٌ مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ)

- ‌(بابُ إنْفَاقِ المَالِ فِي حَقِّهِ)

- ‌(بابُ الرِّياءِ فِي الصَّدَقَةِ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ قبل الرَّدِّ)

- ‌(بابٌ اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)

- ‌(بابُ أيُّ الصَّدَقَةِ أفْضَلُ وصَدَقَةُ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ)

- ‌(بابٌ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ العَلَانِيَةِ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ السِّرِّ)

- ‌(بابٌ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهْوَ لَا يَعْلَمُ)

- ‌(بابٌ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهْوَ لَا يَشْعُرُ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ بِاليَمِينِ)

- ‌(بابُ مَنْ أمَرَ خادِمَهُ بِالصَّدَقَةِ ولَمْ يُنَاوِلْ بِنَفْسِهِ)

- ‌(بابٌ لَا صَدَقَةَ إلَاّ عنْ ظَهْرِ غِنَى)

- ‌(بابُ المَنَّانِ بِمَا أعْطَى)

- ‌(بابُ مَنْ أحَبَّ تَعْجِيلَ الصَّدَقَةِ مِنْ يَوْمِهَا)

- ‌(بابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ والشَّفَاعَةِ فِيهَا)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ)

- ‌(بابٌ الصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الخَطِيئَةَ)

- ‌(بابُ مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أسْلَمَ)

- ‌(بابُ أجْرِ الخَادِمِ إذَا تَصَدَّقَ بِأمْرِ صاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ)

- ‌(بابُ أجْرِ المَرْأةِ إذَا تَصَدَّقَتْ أوْ أطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {فأمَّا مَنْ أعْطَى وَاتَّقَى وصَدَّقَ بِالحُسْنَى فسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} )

- ‌(بابُ مَثَلِ المُتَصَدِّقِ وَالبَخِيلِ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ الكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ)

- ‌(بابٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٌ صَدَقَةٌ فَمَنْ يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ)

- ‌(بابٌ قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَنْ أعْطَى شَاة)

الفصل: ‌(باب ما جاء في قاتل النفس)

هُوَ الْعلَّة الْمُوجبَة فِي حكم الربوبية، وَظَاهر هُوَ التَّتِمَّة اللَّازِمَة فِي حق الْعُبُودِيَّة، وَإِنَّمَا هُوَ أَمارَة مخيلة فِي مطالقة علم العواقب غير مفيدة حَقِيقَة، وبيَّن لَهُم أَن كلا ميسر لما خلق لَهُ، وَأَن عمله فِي العاجل دَلِيل مصيره فِي الآجل، وَلذَلِك مثل بقوله تَعَالَى:{فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى} (الَّيْلِ: 5) . الْآيَة، وَنَظِيره الرزق الْمَقْسُوم مَعَ الْأَمر بِالْكَسْبِ، وَالْأَجَل الْمَضْرُوب مَعَ التعالج بالطب، فَإنَّك تَجِد الْبَاطِن مِنْهُمَا على مُوجبه، وَالظَّاهِر سَببا مخيلاً، وَقد اصْطَلحُوا على أَن الظَّاهِر مِنْهُمَا لَا يتْرك للباطن.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ ابْن بطال: هَذَا الحَدِيث أصل لأهل السّنة فِي أَن السَّعَادَة والشقاوة بِخلق الله تَعَالَى، بِخِلَاف قَول الْقَدَرِيَّة الَّذين يَقُولُونَ: إِن الشَّرّ لَيْسَ بِخلق الله. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ إِثْبَات للقدر، وَإِن جمع الْوَاقِعَات بِقَضَاء الله تَعَالَى وَقدره، لَا يُسأل عَمَّا يفعل، وَقيل: إِن سر الْقدر ينْكَشف لِلْخَلَائِقِ إِذا دخلُوا الْجنَّة، وَلَا ينْكَشف لَهُم قبل دُخُولهَا، وَفِيه رد على أهل الْجَبْر، لِأَن الْمُجبر لَا يَأْتِي الشَّيْء إلَاّ وَهُوَ يكرههُ، والتيسير ضد الْجَبْر، أَلا ترى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:(إِن الله تجَاوز عَن أمتِي مَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ) . قَالَ: والتيسير هُوَ أَن يَأْتِي الْإِنْسَان الشَّيْء وَهُوَ يُحِبهُ.

وَاخْتلف أهل يعلم فِي الدُّنْيَا الشقي من السعيد؟ فَقَالَ قوم: نعم، محتجين بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة، والْحَدِيث لِأَن كل عمل أَمارَة على جَزَائِهِ. وَقَالَ قوم: لَا، وَالْحق فِي ذَلِك أَنه يدْرك ظنا لَا جزما. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية: من اشْتهر لَهُ لِسَان صدق فِي النَّاس من صالحي هَذِه الْأمة هَل يقطع لَهُ بِالْجنَّةِ؟ فِيهِ قَولَانِ للْعُلَمَاء رحمهم الله.

وَفِيه: جَوَاز الْقعُود عِنْد الْقُبُور والتحدث عِنْدهَا بِالْعلمِ والمواعظ. وَفِيه: نكته صلى الله عليه وسلم بِالْمِخْصَرَةِ فِي الأَرْض. أصل تَحْرِيك الإصبع فِي التَّشَهُّد. قَالَه الْمُهلب. فَإِن قلت: مَا معنى النكت بِالْمِخْصَرَةِ؟ قلت: هُوَ إِشَارَة إِلَى إِحْضَار الْقلب للمعاني. وَفِيه: نكس الرَّأْس عِنْد الْخُشُوع والتفكر فِي أَمر الْآخِرَة. وَفِيه: إِظْهَار الخضوع والخشوع عِنْد الْجِنَازَة، وَكَانُوا إِذا حَضَرُوا جَنَازَة يلقى أحدهم حَبِيبه وَلَا يقبل عَلَيْهِ إلَاّ بِالسَّلَامِ حَتَّى يرى أَنه وَاجِد عَلَيْهِ، وَكَانُوا لَا يَضْحَكُونَ هُنَاكَ، وَرَأى بَعضهم رجلا يضْحك فآلى أَن لَا يكلمهُ أبدا، وَكَانَ يبْقى أثر ذَلِك عِنْدهم ثَلَاثَة أَيَّام لشدَّة مَا يحصل فِي قُلُوبهم من الْخَوْف والفزع. وَفِيه: أَن النَّفس المخلوقة إِمَّا سعيدة وَإِمَّا شقية، وَلَا يُقَال: إِذا وَجَبت الشقاوة والسعادة بِالْقضَاءِ الأزلي وَالْقدر الإلهي فَلَا فَائِدَة فِي التَّكْلِيف، فَإِن هَذَا أعظم شبه النافين للقدر، وَقد أجابهم الشَّارِع بِمَا لَا يبْقى مَعَه إِشْكَال، وَوجه الِانْفِصَال أَن الرب تَعَالَى أمرنَا بِالْعَمَلِ، فَلَا بُد من امتثاله، وغيب عَنَّا الْمَقَادِير لقِيَام حجَّته وزجره، وَنصب الْأَعْمَال عَلامَة على مَا سبق فِي مَشِيئَته، فسبيله التَّوَقُّف، فَمن عدل عَنهُ ضل لِأَن الْقدر سر من أسراره لَا يطلع عَلَيْهِ إلَاّ هُوَ فَإِذا دخلُوا الْجنَّة كشف لَهُم.

38 -

(بابُ مَا جاءَ فِي قاتِلِ النَّفْسِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من الْأَخْبَار فِي حق قَاتل النَّفس، قيل: مَقْصُود التَّرْجَمَة حكم قَاتل النَّفس، وَالْمَذْكُور فِي الْبَاب حكم قَاتل نَفسه فَهُوَ أخص من التَّرْجَمَة، وَلكنه أَرَادَ أَن يلْحق بِقَاتِل نَفسه قَاتل غَيره من بَاب الأولى. قلت: قَوْله: قَاتل النَّفس، أَعم من أَن يكون قَاتل نَفسه، وَقَاتل غَيره، فَهَذَا اللَّفْظ يَشْمَل الْقسمَيْنِ فَلَا يحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى دَعْوَى الأخصية وَلَا إِلَى إِلْحَاق قَاتل الْغَيْر بِقَاتِل نَفسه، وَلَا يلْزم أَن يكون حَدِيث الْبَاب طبق التَّرْجَمَة من سَائِر الْوُجُوه، بل إِذا صدق الحَدِيث على جُزْء مَا صدقت عَلَيْهِ التَّرْجَمَة، كفى. وَقيل: عَادَة البُخَارِيّ إِذا توقف فِي شَيْء ترْجم عَلَيْهِ تَرْجَمَة مُبْهمَة كَأَنَّهُ يُنَبه على طَرِيق الِاجْتِهَاد، وَقد نقل عَن مَالك أَن قَاتل النَّفس لَا تقبل تَوْبَته، وَمُقْتَضَاهُ أَن لَا يصلى عَلَيْهِ. قلت: لَا نسلم أَن هَذِه التَّرْجَمَة مُبْهمَة، والإبهام من أَيْن جَاءَ وَهِي ظَاهِرَة فِي تنَاولهَا الْقسمَيْنِ الْمَذْكُورين كَمَا ذكرنَا؟ وَقَالَ بَعضهم: لَعَلَّ البُخَارِيّ أَشَارَ بذلك إِلَى مَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، (أُتِي بِرَجُل قتل نَفسه بمشاقص فَلم يصل عَلَيْهِ) . وَفِي رِوَايَة للنسائي:(أما أَنا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ) لكنه لما لم يكن على شَرطه أَوْمَأ إِلَيْهِ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة وَأورد فِيهَا مَا يُشبههُ من قصَّة قَاتل نَفسه. قلت: تَوْجِيه كَلَام البُخَارِيّ فِي التَّرْجَمَة بالتخمين لَا يُفِيد، وَكَلَامه ظَاهر لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّكَلُّف، وَالْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ.

ص: 189

3631 -

حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ عنْ أبِي قِلابَةَ عنْ ثابتِ ابنِ الضَّحَّاكِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإسْلامِ كاذِبا مُتَعَمِّدا فَهْوَ كَمَا قَالَ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ..

وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة مَا ذَكرْنَاهُ.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة تقدمُوا، وخَالِد هُوَ الْحذاء وَأَبُو قلَابَة عبد الله بن زيد بن ثَابت بن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ الأشْهَلِي من أَصْحَاب بيعَة الرضْوَان، وَهُوَ صَغِير، مَاتَ سنة خمس وَأَرْبَعين.

وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي النذور عَن مُعلى بن أَسد وَفِي الْأَدَب أَيْضا عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان عَن يحيى بن يحيى وَعَن أبي غَسَّان وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق بن مَنْصُور وَعبد الْوَارِث بن عبد الصَّمد وَعَن مُحَمَّد بن رَافع. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن أبي تَوْبَة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَعَن مَحْمُود بن خَالِد وَعَن قُتَيْبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن مُحَمَّد بن الْمثنى.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بِملَّة) ، الْملَّة الدّين كملة الْإِسْلَام واليهودية والنصرانية، وَقيل: هِيَ مُعظم الدّين، وَجُمْلَة مَا يَجِيء بِهِ الرُّسُل. صورته أَن يحلف بدين النَّصَارَى أَو بدين مِلَّة من ملل الْكَفَرَة. قَوْله:(كَاذِبًا) حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: حلف، أَي: حَال كَونه كَاذِبًا فِي تَعْظِيم تِلْكَ الْملَّة الَّتِي حلف بهَا، فَيكون هَذَا الْحَال من الْأَحْوَال اللَّازِمَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَهُوَ الْحق مُصدقا} (الْبَقَرَة: 29، وفاطر: 13) . لِأَن من عظم غير مِلَّة الْإِسْلَام كَانَ كَاذِبًا فِي تَعْظِيم ذَلِك دَائِما فِي كل حَال، وَفِي كل وَقت، وَلَا ينْتَقل عَنهُ وَلَا يصلح أَن يُقَال: إِنَّه يَعْنِي بِكَوْنِهِ كَاذِبًا فِي الْمَحْلُوف عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَسْتَوِي فِي حَقه كَونه صَادِقا أَو كَاذِبًا إِذا حلف بِملَّة غير الْإِسْلَام، لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذمه الشَّرْع من حَيْثُ إِنَّه حلف بِتِلْكَ الْملَّة الْبَاطِلَة مُعظما لَهَا على نَحْو مَا يعظم بِهِ مِلَّة الْإِسْلَام الْحق، وَلَا فرق بَين أَن يكون صَادِقا أَو كَاذِبًا فِي الْمَحْلُوف عَلَيْهِ. قَوْله:(مُتَعَمدا) أَيْضا حَال من الْأَحْوَال المتداخلة أَو المترادفة، قيد بِهِ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْحَالِف بذلك غير مُعْتَقد لذَلِك فَهُوَ آثم مرتكب كَبِيرَة إِذْ قد تشبه فِي قَوْله بِمن يعظم تِلْكَ الْملَّة ويعتقدها، فغلظ عَلَيْهِ الْوَعيد بِأَن صير كواحد مِنْهُم مُبَالغَة فِي الردع والزجر، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم} (الْمَائِدَة: 15) . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قَوْله: (مُتَعَمدا) ، يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من كَانَ مُعْتَقدًا لتعظيم تِلْكَ الْملَّة الْمُغَايرَة لملة الْإِسْلَام، وَحِينَئِذٍ يكون كَافِرًا حَقِيقَة، فَيبقى اللَّفْظ على ظَاهره. قَوْله:(فَهُوَ كَمَا قَالَ)، قَالَ ابْن بطال: أَي: هُوَ كَاذِب لَا كَافِر، وَلَا يخرج بِهَذِهِ الْقِصَّة من الْإِسْلَام إِلَى الدّين الَّذِي حلف بِهِ لِأَنَّهُ لم يقل مَا يَعْتَقِدهُ، فَوَجَبَ أَن يكون كَاذِبًا، كَمَا قَالَ لَا كَافِرًا. قَالَ: فَإِن ظن أَن فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيلا على إِبَاحَة الْحلف بِملَّة غير الْإِسْلَام صَادِقا لاشتراطه فِي الحَدِيث أَن يحلف بِهِ كَاذِبًا، قيل لَهُ: لَيْسَ كَمَا توهمت لوُرُود نهي النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الْحلف بِغَيْر الله نهيا مُطلقًا، فَاسْتَوَى فِي ذَلِك الْكَاذِب والصادق. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: (فَهُوَ كَمَا قَالَ) أَي: فَهُوَ على مِلَّة غير الْإِسْلَام، لِأَن الْحلف بالشَّيْء تَعْظِيم لَهُ، ثمَّ قَالَ: الظَّاهِر أَنه تَغْلِيظ. قلت: حمله على هَذَا التَّفْسِير صرفه معنى قَوْله: كَاذِبًا إِلَى الْمَحْلُوف عَلَيْهِ، وَقد ذكرنَا أَنه لَا يصلح ذَلِك لِاسْتِوَاء كَونه صَادِقا أَو كَاذِبًا إِذا حلف بِملَّة غير الْإِسْلَام، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ إِنَّمَا يحلف الْحَالِف بِمَا كَانَ عَظِيما عِنْده، وَمن اعْتقد تَعْظِيم مِلَّة من ملل الْكفْر فقد ضاهى الْكفَّار. انْتهى. قلت: فقد كفر حَقِيقَة والمضاهاة دون ذَلِك. قَوْله: (بحديدة) أَرَادَ بِهِ آلَة قاطمة مثل السَّيْف والسكين وَنَحْوهمَا، والحديدة أخص من الْحَدِيد سمي بِهِ لِأَنَّهُ منيع، لِأَن أَصله من الْحَد وَهُوَ الْمَنْع وَالْجمع حدائد، وَجَاء فِي الشّعْر: الحديدات. قَوْله: (عذب بِهِ)، ويروى:(بهَا)، أَي: بالحديدة، وَأما تذكير الضَّمِير فباعتبار الْمَذْكُور، وَإِنَّمَا يعذب بهَا لِأَن الْجَزَاء من جنس الْعَمَل.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه على أَن الْحَالِف بِالْيَمِينِ الْمَذْكُور ينْعَقد يَمِينه وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة، لِأَن الله تَعَالَى أوجب على الْمظَاهر الْكَفَّارَة، وَهُوَ مُنكر من القَوْل وزور، وَالْحلف بِهَذِهِ الْأَشْيَاء مُنكر وزور، وَقَالَ النَّوَوِيّ: لَا ينْعَقد بِهَذِهِ الْأَشْيَاء يَمِين، وَعَلِيهِ أَن يسْتَغْفر الله ويوحده

ص: 190

وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ سَوَاء فعله أم لَا. وَقَالَ: هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَالك وَجُمْهُور الْعلمَاء، وَاحْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم:(من حلف فَقَالَ بِاللات والعزى فَلْيقل لَا إِلَه إلَاّ الله) ، وَلم يذكر فِي الحَدِيث كَفَّارَة، قُلْنَا: لَا يلْزم من عدم ذكرهَا فِيهِ نفي وجوب الْكَفَّارَة، وَقَالَ ابْن بطال فِي قَوْله:(وَمن قتل نَفسه بحديدة) : أجمع الْفُقَهَاء وَأهل السّنة على أَنه من قتل نَفسه أَنه لَا يخرج بذلك من الْإِسْلَام، وَأَنه يصلى عَلَيْهِ وإثمه عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ مَالك، وَلم يكره الصَّلَاة عَلَيْهِ إِلَّا عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْأَوْزَاعِيّ، وَالصَّوَاب قَول الْجَمَاعَة لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سنّ الصَّلَاة على الْمُسلمين وَلم يسْتَثْن مِنْهُم أحدا فيصلى على جَمِيعهم. قلت: قَالَ أَبُو يُوسُف: لَا يصلى على قَاتل نَفسه لِأَنَّهُ ظَالِم لنَفسِهِ فَيلْحق بالباغي وقاطع الطَّرِيق، وَعند أبي حنيفَة وَمُحَمّد: يصلى عَلَيْهِ لِأَن دَمه هذر كَمَا لَو مَاتَ حتفه.

4631 -

وَقَالَ حجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ حَدثنَا جَريرُ بنُ حازِمٍ عنِ الحَسَنِ قَالَ حَدثنَا جُنْدَبٌ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فِي هاذا المَسْجِدِ فَمَا نَسِينَا وَمَا نَخَافُ أنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ كانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ قَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ الله عز وجل بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ.

(الحَدِيث 4631 طرفه فِي: 3643) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله فِي ذكر بني إِسْرَائِيل فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد حَدثنَا حجاج بن منهال فَذكره، وَفِي (التَّلْوِيح) : كَذَا ذكره عَن شَيْخه بِلَفْظ: قَالَ، وخرجه فِي أَخْبَار بني إِسْرَائِيل، فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد حَدثنَا حجاج بن منهال، قَالَ: وَهُوَ يضعف قَول من قَالَ: إِنَّه إِذا قَالَ عَن شَيْخه، وَقَالَ فلَان، يكون أَخذه عَنهُ مذاكرة، وَلَفظه هُنَاكَ: كَانَ فِيمَن كَانَ قبلكُمْ رجل بِهِ جرح فجزع، فَأخذ سكينا فحز بهَا يَده فَمَا رقي الدَّم حَتَّى مَاتَ، وَعند مُسلم من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي: حَدثنَا وهب بن جرير حَدثنَا أبي، وَلَفظه:(خرجت بِهِ قرحَة فَلَمَّا آذته انتزع سَهْما من كِنَانَته فنكاها فَلم يرق الدَّم حَتَّى مَاتَ) . وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم مُحَمَّد هَذَا هُوَ الذهلي، قَالَ الجياني: وَنسبه أَبُو عَليّ ابْن السكن عَن الْفربرِي، فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سعيد حَدثنَا حجاج، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قد أخرج البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن معمر وَهُوَ مَشْهُور بالرواية، ثمَّ رَوَاهُ أَبُو عَليّ عَن حَكِيم بن مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو بكر بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا عَليّ بن قديد حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحرز حَدثنَا حجاج فَذكره.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فِي هَذَا الْمَسْجِد) ، الظَّاهِر أَنه مَسْجِد الْبَصْرَة، قَوْله:(فَمَا نَسِينَا وَمَا نَخَاف) ذكر هَذَا للتَّأْكِيد وَالتَّحْقِيق. قَوْله: (عَن النَّبِي)، ويروى:(عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ظَاهر، لِأَنَّهُ يُقَال: كذب عَلَيْهِ، وَأما رِوَايَة: عَن، فعلى معنى النَّقْل، قَوْله: (بِرَجُل جراح) ، لم يعرف الرجل من هُوَ، و: الْجراح، بِكَسْر الْجِيم، ويروى:(خراج) ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء، وَهُوَ فِي اصْطِلَاح الْأَطِبَّاء: الورم إِذا اجْتمعت مادته المتفرقة فِي لِيف الْعُضْو الورم إِلَى تجويف وَاحِد، وَقبل ذَلِك يُسمى ورما وَفِي (الْمُحكم) هُوَ اسْم لما يخرج فِي الْبدن، زَاد فِي (الْمُنْتَهى) : من القروح. وَفِي (الْمغرب) : الْخراج، بِالضَّمِّ البثر الْوَاحِدَة، خراجة، وَزعم أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ أَنه يجمع على خراجات وخرجات. وَفِي (الجمهرة) و (الْجَامِع) و (الموعب) : الْخراج مَا خرج على الْجَسَد من دمل وَنَحْوه وَزعم النَّوَوِيّ أَن الْخراج قرحَة، بِفَتْح الْقَاف وَإِسْكَان الرَّاء، وَهِي وَاحِدَة القروح، وَهِي حبات تخرج فِي بدن الْإِنْسَان. وَفِي (التَّلْوِيح) : ينظر فِيهِ من سلفه فِيهِ. قَوْله: (قتل نَفسه)، أَي: بِسَبَب الْجراح، وَهِي جملَة وَقعت صفة، ويروى:(فَقتل) . قَوْله: (بدرني)، معنى الْمُبَادرَة: عدم صبره حَتَّى يقبض الله روحه حتف أَنفه، يُقَال: بدرني، أَي: سبقني من بدرت إِلَى الشَّيْء أبدر بَدْرًا: إِذا أسرعت: وَكَذَلِكَ: بادرت إِلَيْهِ. قَوْله: (حرمت عَلَيْهِ الْجنَّة) مَعْنَاهُ: إِن كَانَ مستحلاً فعقوبته مُؤَبّدَة، أَو مَعْنَاهُ: حرمت قبل دُخُول النَّار، أَو المُرَاد من الْجنَّة: جنَّة خَاصَّة لِأَن الْجنان كَثِيرَة، أَو هُوَ من بَاب التغيظ، أَو هُوَ مُقَدّر بِمَشِيئَة الله تَعَالَى، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون هَذَا الْوَعيد لهَذَا الرجل الْمَذْكُور فِي الحَدِيث، وانضم إِلَى هَذَا الرجل مشركه، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون كَافِرًا، لقَوْله:(فَحرمت عَلَيْهِ الْجنَّة) ، وَفِيه نظر من حَيْثُ إِن الْجنَّة مُحرمَة على الْكَافِر سَوَاء قتل نَفسه اَوْ استبقاها، وعَلى تَقْدِير أَن يكون كَافِرًا، إِنَّمَا يَتَأَتَّى على قَول من يَقُول: إِن الْكفَّار مطالبون

ص: 191