الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى أَنه لَا يحرم قطع الشوك لِأَنَّهُ مؤذٍ، فَأشبه الفواسق الْخمس، وخصوا الحَدِيث بِالْقِيَاسِ. قَالَ النَّوَوِيّ: وَالصَّحِيح مَا اخْتَارَهُ المتولى.
وَفِيه: تَصْرِيح بِتَحْرِيم إزعاج صيد مَكَّة وَنبهَ بالتنفير على الاتلاف وَنَحْوه لِأَنَّهُ إِذا حرم التنفير فالاتلاف أولى.
وَفِيه: أَن وَاجِد لقطَة الْحرم لَيْسَ لَهُ غير التَّعْرِيف أبدا، وَلَا يملكهَا بِحَال وَلَا يستنفقها، وَلَا يتَصَدَّق بهَا حَتَّى يظفر بصاحبها، بِخِلَاف لقطَة سَائِر الْبِقَاع، وَهُوَ أظهر قولي الشَّافِعِي، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَعِنْدنَا: لقطَة الْحل وَالْحرم سَوَاء لعُمُوم قَوْله صلى الله عليه وسلم: (أعرف عفاصها ووكاءها ثمَّ عرفهَا سنة) . من غير فصل، وروى الطَّحَاوِيّ عَن معَاذَة العدوية: أَن امْرَأَة قد سَأَلت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَقَالَت: إِنِّي قد أصبت ضَالَّة فِي الْحرم، فَإِنِّي قد عرفتها فَلم أجد أحدا يعرفهَا. فَقَالَت لَهَا عَائِشَة: استنفقي بهَا.
وَفِيه: جَوَاز اسْتِعْمَال الْإِذْخر فِي الْقُبُور، والصاغة وَأهل مَكَّة يستعملون من الْإِذْخر ذريرة ويطيبون بهَا أكفان الْمَوْتَى، وَقَوله صلى الله عليه وسلم:(إلَاّ الْإِذْخر) يجوز أَن يكون أُوحِي إِلَيْهِ تِلْكَ السَّاعَة، أَو من اجْتِهَاده صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِقُبُورِنِا وَبُيُوتِنَا
ذكر البُخَارِيّ هَذَا التَّعْلِيق مَوْصُولا فِي بَاب كتال الْعلم، قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، قَالَ: حَدثنَا شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة (عَن أبي هُرَيْرَة: أَن خُزَاعَة قتلوا رجلا من بني لَيْث. .) الحَدِيث، وَفِيه:(إلَاّ الْإِذْخر يَا رَسُول الله، فَإنَّا نجعله فِي بُيُوتنَا وَقُبُورنَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: إلَاّ الْإِذْخر) .
وقالَ أبَانُ بنُ صالِحٍ عنِ الحسَنِ بنِ مُسْلِمٍ عنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ سَمِعْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن مَاجَه: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، قَالَ: حَدثنَا يُونُس بن بكير، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنَا أبان بن صَالح عَن الْحسن بن مُسلم بن بناق (عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، قَالَت: سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يخْطب عَام الْفَتْح، فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِن الله حرم مَكَّة يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَهِيَ حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، لَا يعضد شَجَرهَا وَلَا ينفر صيدها وَلَا يَأْخُذ لقطتهَا إلَاّ منشد، فَقَالَ الْعَبَّاس: إلَاّ الْإِذْخر فَإِنَّهُ للبيوت والقبور. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إلَاّ الْإِذْخر) .
وَقَالَ مُجاهِدٌ عنْ طَاووسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لِقَيْنِهِمْ وبُيُوتِهِمْ
هَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور من أول الْبَاب، رَوَاهُ عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، وَسَيَأْتِي مَوْصُولا فِي كتاب الْحَج. وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس هَذَا الحَدِيث بِوُجُوه، وَأخرجه مُسلم أَيْضا من طَرِيق مُجَاهِد عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم الْفَتْح، فتح مَكَّة:(لَا هِجْرَة وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة. .) الحَدِيث، وَفِيه:(فَقَالَ الْعَبَّاس: يَا رَسُول الله إلَاّ الْإِذْخر، فَإِنَّهُم لِقَيْنِهِم ولبيوتهم، فَقَالَ: إلَاّ الْإِذْخر) الْقَيْن، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون: الْحداد، وَالله أعلم.
77 -
(بابٌ هَلْ يخْرج المَيِّتُ مِنَ القَبْرِ واللَّحْدِ لِعِلَّةٍ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يخرج الْمَيِّت من قَبره ولحده بعد دَفنه لعِلَّة؟ أَي: لأجل سَبَب من الْأَسْبَاب؟ وَإِنَّمَا ذكر التَّرْجَمَة بالاستفهام وَلم يذكر جَوَابه اكْتِفَاء بِمَا فِي أَحَادِيث الْبَاب الثَّلَاثَة: عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَن فِي الحَدِيث الأول إِخْرَاج الْمَيِّت من قَبره لعِلَّة، وَهِي إقماص النَّبِي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بِقَمِيصِهِ الَّذِي على جسده، وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّالِث: إِخْرَاجه أَيْضا لعِلَّة، وَهِي تطييب قلب جَابر، فَفِي الأول لمصْلحَة الْمَيِّت، وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِث لمصْلحَة الْحَيّ، وَيتَفَرَّع على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ جَوَاز إِخْرَاج الْمَيِّت من قَبره إِذا كَانَت الأَرْض مَغْصُوبَة أَو أظهرت مُسْتَحقَّة أَو توزعت بِالشُّفْعَة، وَكَذَلِكَ نقل الْمَيِّت من مَوضِع إِلَى مَوضِع، فَذكر فِي الْجَوَامِع، وَإِن نقل ميلًا أَو ميلين فَلَا بَأْس بِهِ، وَقيل: مَا دون السّفر، وَقيل: لَا يكره السّفر أَيْضا. وَعَن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه أَمر بقبور كَانَت عِنْد الْمَسْجِد إِن تحول إِلَى البقيع، وَقَالَ: توسعوا فِي مَسْجِدكُمْ، وَقيل: لَا بَأْس فِي مثله، وَقَالَ الْمَازرِيّ: ظَاهر مَذْهَبنَا جَوَاز نقل الْمَيِّت من بلد إِلَى بلد، وَقد مَاتَ سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بالعقيق، وَدفن بِالْمَدِينَةِ. وَكَذَلِكَ سعيد بن زيد، وَفِي (الْحَاوِي) : قَالَ الشَّافِعِي: لَا أحب نَقله إلَاّ أَن يكون بِقرب مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو
بَيت الْمُقَدّس، فَاخْتَارَ أَن ينْقل إِلَيْهَا لفضل الدّفن فِيهَا، وَقَالَ الْبَغَوِيّ والبندنيجي: يكره نَقله، وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن والدارمي: يحرم نَقله: قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا هُوَ الْأَصَح، وَلم ير أحد بَأْسا أَن يحول الْمَيِّت من قَبره إِلَى غَيره، وَقَالَ: قد نبش معَاذ امْرَأَته وحول طَلْحَة. فَإِن قلت: مَا فَائِدَة قَوْله: واللحد مَعَ تنَاول الْقَبْر إِلَيْهِ؟ قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى جَوَاز الْإِخْرَاج لعِلَّة، سَوَاء كَانَ وَحده فِي الْقَبْر، نبه عَلَيْهِ بقوله: من الْقَبْر، أَو كَانَ مَعَه غَيره، نبه عَلَيْهِ بقوله: واللحد، لِأَن وَالِد جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَ فِي اللَّحْد وَمَعَهُ غَيره، فَأخْرجهُ جَابر وَجعله فِي قبر وَحده حَيْثُ قَالَ فِي حَدِيثه: وَدفن مَعَه آخر فِي قَبره. . إِلَى آخِره، كَمَا يَأْتِي الْآن، وَعلل لإخراجه عدم طيب نَفسه إِن يتْركهُ مَعَ الآخر، فاستخرجه بعد سِتَّة أشهر وَجعله فِي قبر على حِدة.
0531 -
حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌ وسَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ أَتَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الله بنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فأمَرَ بِهِ فأُخْرِجَ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَألْبَسَهُ قَمِيصَهُ فَالله أعْلَمُ وكانَ كَسَا عَبَّاسا قَمِيصا. قَالَ سُفْيانُ وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ وكانَ عَلَى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَمِيصَانِ فَقَالَ لَهُ ابنُ عَبْدِ الله يَا رسولَ الله ألْبِسْ أبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ. قَالَ سُفْيانُ فَيُرَوْنَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ألْبَسَ عَبْدَ الله قَمِيصَهُ مُكَافَأةً لِمَا صَنَعَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأمر بِهِ فَأخْرج) أَي: من قَبره بعد أَن دفن.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة، كَذَا نَص عَلَيْهِ الْحَافِظ. الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) . الثَّالِث: عَمْرو بن دِينَار. الرَّابِع: جَابر بن عبد الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: سُفْيَان قَالَ عَمْرو: وَكَأن ذَاك كَانَ فِي حَال المذاكرة. وَفِيه: السماع.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل وَفِي اللبَاس عَن عبد الله. ابْن عُثْمَان وَفِي الْجِهَاد عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن زُهَيْر بن حَرْب وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَأحمد ابْن عَبدة، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن الْحَارِث بن مِسْكين وَعبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء وَعبد الله بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، فرقهم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عبد الله بن أبي)، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن سلول، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة، وَأبي: هُوَ أَبُو مَالك بن الْحَارِث بن عبيد، وسلول امْرَأَة من خُزَاعَة، وَهِي أم أبي مَالك بن الْحَارِث وَأم عبد الله ابْن أبي خَوْلَة بنت الْمُنْذر بن حرَام من بني النجار، وَعبد الله سيد الْخَزْرَج فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ رَأس الْمُنَافِقين. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: مرض عبد الله بن أبي فِي لَيَال بَقينَ من شَوَّال، وَمَات فِي ذِي الْقعدَة من سنة تسع من الْهِجْرَة، وَكَانَ مَرضه عشْرين لَيْلَة، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يعودهُ فِيهَا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الَّذِي توفّي دخل عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ، فَقَالَ: قد نهيتك عَن حب يهود، فَقَالَ: قد أبْغضهُم أسعد بن زُرَارَة فَمَا نَفعه؟ ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله لَيْسَ هَذَا بِحِين عتاب، هُوَ الْمَوْت، فَإِن مت فَاحْضُرْ غسْلي واعطني قَمِيصك الَّذِي يَلِي جِلْدك فَكَفِّنِّي فِيهِ، وصلِّ عَليّ واستغفر لي، فَفعل ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: قَوْله: (حفرته) أَي: قَبره، قَوْله:(فَأمر بِهِ) أَي: فَأمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِعَبْد الله بن أبي فَأخْرج من قَبره. قَوْله: (فَالله أعلم)، جملَة مُعْتَرضَة أَي: فَالله أعلم بِسَبَب إلباس رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِيَّاه قَمِيصه. قَوْله: (وَكَانَ)، أَي: عبد الله كسا عباسا قَمِيصًا، وعباس هُوَ ابْن عبد الْمطلب عَم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا كَسَاه مُكَافَأَة لما كَانَ كسا الْعَبَّاس قَمِيصه حِين قدم الْمَدِينَة، وَذَلِكَ أَنهم لم يَجدوا قَمِيصًا يصلح للْعَبَّاس إلَاّ قَمِيص عبد الله بن أبي، لِأَن الْعَبَّاس كَانَ طَويلا جدا، وَكَذَلِكَ عبد الله بن أبي. قَالَ أنس: شهِدت رجلَيْهِ وَقد فضلتا السرير من طوله. قَوْله: (قَالَ سُفْيَان)، هُوَ: ابْن عُيَيْنَة. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة، هَكَذَا هُوَ فِي كثير من الرِّوَايَات، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: قَالَ سُفْيَان: وَقَالَ أَبُو هَارُون: قيل: هُوَ الصَّوَاب، وَأَبُو هُرَيْرَة تَصْحِيف، وَأَبُو هَارُون هَذَا هُوَ مُوسَى بن أبي عِيسَى ميسرَة الحناط، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالنون: الْمدنِي، كَذَا نَص عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَقيل: هُوَ إِبْرَاهِيم بن الْعَلَاء الغنوي من شُيُوخ الْبَصْرَة، وَكِلَاهُمَا من أَتبَاع التَّابِعين.
وَقَالَ بَعضهم: أَبُو هَارُون الْمَذْكُور جزم الْمزي بِأَنَّهُ عِيسَى بن أبي مُوسَى الحناط، قَالَ: وَقد أخرجه الْحميدِي فِي (مُسْنده) عَن سُفْيَان، فَسَماهُ عِيسَى، وَلَفظه: حَدثنَا عِيسَى بن أبي مُوسَى. قلت: قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : أَبُو هَارُون هَذَا مُوسَى بن أبي عِيسَى ميسرَة الحناط الْغِفَارِيّ أَخُو عِيسَى بن أبي عِيسَى الطَّحَّان، وَتَبعهُ على ذَلِك صَاحب (التَّوْضِيح) وَكَذَا قَالَ الْكرْمَانِي: أَبُو هَارُون هُوَ مُوسَى بن أبي عِيسَى الحناط. قَالَ الغساني: أَتَى ذكره فِي (الْجَامِع) فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب هَل يخرج الْمَيِّت من الْقَبْر، فِي قصَّة ابْن سلول، فَقَط، وعَلى كل حَال الحَدِيث معضل. قَوْله:(قَالَ لَهُ ابْن عبد الله) أَي: قَالَ للنَّبِي، صلى الله عليه وسلم، ابْن عبد الله بن أبي، وَهُوَ أَيْضا اسْمه عبد الله، وَكَانَ اسْمه: الْحباب، فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله، فَقَالَ: أَنْت عبد الله، والحباب شَيْطَان، وَقد كَانَ أسلم وَحسن إِسْلَامه وَشهد بَدْرًا مُسلما مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ يصعب عَلَيْهِ صُحْبَة أَبِيه لِلْمُنَافِقين، وَهُوَ الَّذِي جلس على بَاب الْمَدِينَة وَمنع أَبَاهُ فِي غزَاة الْمُريْسِيع من دُخُولهَا. قَوْله:(ألبس) ،، بِفَتْح الْهمزَة من الإلباس. قَوْله:(قَالَ سُفْيَان، فيرون. .) إِلَى آخِره، مُتَّصِل عِنْد سُفْيَان أخرجه البُخَارِيّ فِي أَوَاخِر الْجِهَاد فِي: بَاب كسْوَة الْأُسَارَى، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عمر وَسمع جَابر بن عبد الله، قَالَ: لما كَانَ يَوْم بدر أُتِي بِأسَارَى وَأتي بِالْعَبَّاسِ وَلم يكن عَلَيْهِ ثوب، فَنظر النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهُ قَمِيصًا فوجدوا قَمِيص عبد الله بن أبي يقدر عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِيَّاه، فَلذَلِك نزع النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَمِيصه الَّذِي ألبسهُ. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: كَانَت لَهُ عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم يدٌ فَأحب أَن يُكَافِئهُ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز إِخْرَاج الْمَيِّت من قَبره لعِلَّة، وَقد ذَكرْنَاهُ مُسْتَوفى، وَمن الْعلَّة أَن يكون دفن بِلَا غسل أَو لحق الأَرْض المدفون فِيهَا سيل أَو نداوة، قَالَه الْمَاوَرْدِيّ فِي أَحْكَامه. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: اخْتلف الْعلمَاء فِي نبش من دفن وَلم يغسل فأكثرهم يُجِيز إِخْرَاجه وغسله، هَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ، إلَاّ أَن مَالِكًا قَالَ: مَا لم يتَغَيَّر، وَكَذَا عندنَا: مَا لم يتَغَيَّر بالنتن. وَقيل: ينبش مَا دَامَ فِيهِ جُزْء من عظم وَغَيره، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: إِذا وضع فِي اللَّحْد وَلم يغسل لَا يَنْبَغِي أَن ينبشوه، وَبِه قَالَ أَشهب، وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِيمَن دفن بِغَيْر صَلَاة، قَالَ ابْن الْمُنْذر: فعندنا لَا ينبش بل يصلى على الْقَبْر، أللهم إلَاّ أَن لَا يهال عَلَيْهِ التُّرَاب فَإِنَّهُ يخرج وَيصلى عَلَيْهِ، نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي لعِلَّة الْمَشَقَّة، وَأَنه لَا يُسمى نبشا، وَقيل: ترفع لبنته وَهُوَ فِي لحده مِمَّا يُقَابل وَجهه لينْظر بعضه فيصلى عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يخرج مَا لم يتَغَيَّر، وَهُوَ قَول سَحْنُون. وَقَالَ أَشهب: إِن ذكرُوا ذَلِك قبل أَن يهال عَلَيْهِ التُّرَاب أخرج وَصلي عَلَيْهِ، وَإِن أهالوا فليترك، وَإِن لم يصل عَلَيْهِ. وَعَن مَالك: إِذا نسيت الصَّلَاة على الْمَيِّت حَتَّى فرغ من دَفنه لَا أرى أَن ينبشوه لذَلِك، وَلَا يصلى على قَبره، وَلَكِن يدعونَ لَهُ، وروى سعد بن مَنْصُور عَن شُرَيْح بن عبيد: أَن رجَالًا قبروا صاحبا لَهُم لم يغسلوه وَلم يَجدوا لَهُ كفنا، فوجدوا معَاذ بن جبل فأخبروه فَأَمرهمْ أَن يخرجوه ثمَّ غسل وكفن وحنط وَصلى عَلَيْهِ، وَفِيه: وَنَفث عَلَيْهِ من رِيقه. احْتج بِهِ على من يرى نَجَاسَة الرِّيق والنخامة، وَهُوَ قَول يرْوى عَن سلمَان الْفَارِسِي وإبرهيم النَّخعِيّ، وَالْعُلَمَاء كلهم على خِلَافه، وَالسّنَن وَردت برده، فمعاذ الله من صِحَة خِلَافه والشارع علمنَا النَّظَافَة وَالطَّهَارَة، وَبِه طهرنا الله من الأدناس، فريقه، صلى الله عليه وسلم، يتبرك بِهِ ويستشفى. وَفِيه: أَن الشُّهَدَاء لَا تَأْكُل الأَرْض لحومهم، وَقيل: أَرْبَعَة لَا تعدو عَلَيْهِم الأَرْض وَلَا هوامها الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالْعُلَمَاء وَالشُّهَدَاء والمؤذنون، وَقيل: ذَلِك لأهل أحد كَرَامَة لَهُم.
1531 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ أخبرنَا بِشْرً بنُ المُفَضَّلِ قَالَ حدَّثنا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ عنْ عَطَاءٍ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. قَالَ لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أبي مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ مَا أُرَانِي إلَاّ مَقْتُولاً فِي أوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أصْحَابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَإنِّي لَا أتْرُكُ بَعْدِي أعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ غَيْرَ نَفْسِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فإنَّ عَلَيَّ دَيْنا فاقْضِ وَاسْتَوْصِ بِأخَوَاتِكَ خَيْرا فأصْبَحْنَا فَكانَ أوَّلَ قَتِيلٍ وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أنْ أتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ فاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أشْهُرٍ فإذَا هُوَ كَيَوْمَ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ.
(الحَدِيث 1531 طرفه فِي: 2531) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فاستخرجته) ، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، و: بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة، والمفضل، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح. وَقَالَ الجياني: كَذَا رُوِيَ هَذَا الْإِسْنَاد عَن البُخَارِيّ إلَاّ أَبَا عَليّ بن السكن وَحده، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَته: شُعْبَة عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن جَابر.
وَأخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق أبي الْأَشْعَث عَن بشر بن الْمفضل، فَقَالَ: سعيد بن يزِيد عَن أبي نَضرة عَن جَابر. وَقَالَ بعده: لَيْسَ أَبُو نَضرة من شَرط البُخَارِيّ. قَالَ: وَرِوَايَته عَن حُسَيْن عَن عَطاء عزيزة جدا. وَأخرجه أَبُو دَاوُد: حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن سعيد بن يزِيد أبي سَلمَة عَن أبي نَضرة عَن جَابر، قَالَ: دفن مَعَ أبي رجل فَكَانَ فِي نَفسِي من ذَلِك حَاجَة. فَأَخْرَجته بعد سِتَّة أشهر، فَمَا أنْكرت مِنْهُ شَيْئا إلَاّ شعيرات كن فِي لحيته مِمَّا يَلِي الأَرْض، وَأَبُو نَضرة: الْمُنْذر بن مَالك الْعَوْفِيّ. وَأخرجه أَيْضا ابْن سعد وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق سعيد عَن أبي نَضرة عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لما حضر أحد)، أَي: وقْعَة أحد، وَإسْنَاد الْحُضُور إِلَيْهِ مجازي، وَكَانَت وقْعَة أحد فِي سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة، خرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم، إِلَيْهَا عَشِيَّة الْجُمُعَة لأَرْبَع عشرَة خلت من شَوَّال، وَقَالَ مَالك: كَانَت أحد وخيبر فِي أول النَّهَار. قَوْله: (مَا أَرَانِي)، بِضَم الْهمزَة أَي: مَا أظنني، أَي: مَا أَظن نَفسِي، وَذكر الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) عَن الْوَاقِدِيّ: أَن سَبَب ظَنّه ذَلِك مَنَام رَآهُ أَنه رأى مُبشر بن عبد الله الْمُنْذر، وَكَانَ مِمَّن اسْتشْهد ببدر، يَقُول لَهُ: أَنْت قادم علينا فِي هَذِه الْأَيَّام، فَقَصَّهَا على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَذِه شَهَادَة، وَفِي رِوَايَة أبي عَليّ بن السكن عَن أبي نَضرة. (عَن جَابر: أَن أَبَاهُ قَالَ لَهُ: إِنِّي معرض نَفسِي للْقَتْل. .) الحَدِيث. وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك بِنَاء على مَا كَانَ عزم عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِشَارَة إِلَى مَا أخبر بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن بعض أَصْحَابه سيقتل. قَوْله:(فَإِن عَليّ دينا) كَانَت عَلَيْهِ أوسق تمر ليهودي. قَوْله: (فَاقْض)، من: قضى يقْضِي أَي: أدِّ الدّين، ويروى:(فاقضه)، بِذكر الضَّمِير الَّذِي هُوَ الْمَفْعُول. قَوْله:(واستوصِ) أَي: أطلب الْوَصْل بأخواتك خيرا، يُقَال: وصيت الشَّيْء بِكَذَا إِذا وصلته بِهِ. قَالَ ابْن بطال: أَي: إقبل وصيتي بِالْخَيرِ إلَيْهِنَّ، وَكَانَت لَهُ تسع أَخَوَات باخْتلَاف فِيهِ، فوكد عَلَيْهِ فِيهِنَّ مَعَ مَا كَانَ فِي جَابر من الْخَيْر، فَوَجَبَ لَهُنَّ: حق الْقَرَابَة، وَحقّ وَصِيَّة الْأَب، وَحقّ الْيَتِيم، وَحقّ الْإِسْلَام. وَفِي (الصَّحِيح) :(لما قَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: تزوجت بكرا أم ثَيِّبًا؟ قَالَ: بل ثَيِّبًا، فَقَالَ: هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟ قَالَ: إِن أبي ترك أَخَوَات كرهت أَن أضم إلَيْهِنَّ خرقاء مِثْلهنَّ) . فَلم يُنكر عَلَيْهِ ذَلِك. قَوْله: (أَن أتركه)، أَن: مَصْدَرِيَّة أَي: لم تطب نَفسِي تَركه مَعَ الآخر، وَهُوَ عَمْرو بن الجموح بن زيد بن حرَام الْأنْصَارِيّ، وَكَانَ صديق وَالِد جَابر وَزوج أُخْته هِنْد بنت عَمْرو، فَكَانَ جَابر سَمَّاهُ عَمَّا تَعْظِيمًا. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فِي (الْمَغَازِي) : حَدثنِي أبي عَن رجال من بني سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ حِين أُصِيب عبد الله بن عَمْرو وَعَمْرو بن الجموح: إجمعوا بَينهمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا متصادقين فِي الدُّنْيَا. وَفِي (مغازي الْوَاقِدِيّ) عَن عَائِشَة: أَنَّهَا رَأَتْ هِنْد بنت عَمْرو تَسوق بَعِيرًا لَهَا عَلَيْهِ زَوجهَا عَمْرو بن الجموح وأخوها عبد الله بن عَمْرو بن حرَام لتدفنها بِالْمَدِينَةِ ثمَّ أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم برد الْقَتْلَى إِلَى مضاجعهم، وروى أَحْمد فِي (مُسْنده) : بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث أبي قَتَادَة، قَالَ: قتل عَمْرو بن الجموح وَابْن أَخِيه يَوْم أحد فَأمر بهما رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَجعلَا فِي قبر وَاحِد، وَقَالَ أَبُو عمر فِي (التَّمْهِيد) : لَيْسَ هُوَ ابْن أَخِيه، وَإِنَّمَا هُوَ ابْن عَمه، قَوْله:(فاستخرجته بعد سِتَّة أشهر) أَي: من يَوْم دَفَنته. فَإِن قلت: وَقع فِي (الْمُوَطَّأ) عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة لَهُ: بلغه أَن عَمْرو بن الجموح وَعبد الله بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ كَانَا قد حفر السَّيْل قبرهما، وَكَانَا فِي قبر وَاحِد، فحفر عَنْهُمَا ليغيرا من مكانهما، فوجدا لم يتغيرا كَأَنَّهُمَا مَاتَا بالْأَمْس، وَكَانَ بَين أحد وَيَوْم حفر عَنْهُمَا سِتّ وَأَرْبَعُونَ سنة. انْتهى. وَهَذَا يُخَالف مَا ذكره جَابر. قلت: أجَاب ابْن عبد الْبر بِتَعَدُّد الْقِصَّة، ورد عَلَيْهِ بَعضهم بقوله: لِأَن الَّذِي فِي حَدِيث جَابر أَنه دفن أَبَاهُ فِي قبر وَاحِد بعد سِتَّة أشهر، وَفِي حَدِيث (الْمُوَطَّأ) أَنَّهُمَا وجدا فِي قبر وَاحِد بعد سِتَّة وَأَرْبَعين سنة، فإمَّا أَن المُرَاد بكونهما فِي قبر وَاحِد قرب الْمُجَاورَة، أَو أَن السَّيْل غرق أحد القبرين فصارا كقبر وَاحِد. قلت: فِيهِ مَا لَا يخفى، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: الْمَنْقُول عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة بَلَاغ فَلَا يُقَاوم الْمَرْوِيّ عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(فَإِذا هُوَ) كلمة: إِذا، للمفاجأة. وَقَوله: هُوَ، مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله:(كَيَوْم وَضعته) بِإِضَافَة: يَوْم، إِلَى: وَضعته، و: الْكَاف، بِمَعْنى: الْمثل، وَالْيَوْم بِمَعْنى: الْوَقْت. قَوْله: (هنيَّة) ، بِضَم الْهَاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، مصغر هُنَا،