المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الصلاة على الشهيد) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٨

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الأمْرِ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الدُّخُولِ عَلَى المَيِّتِ بَعْدَ المَوْتِ إذَا أُدْرِجَ فِي أكفَانِهِ)

- ‌(بابٌ الرَّجُلِ يَنْعَى إلَى أهْلِ المَيِّتِ بِنَفْسِهِ)

- ‌(بابُ الإذنِ بِالجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ منْ ماتَ لَهُ وَلَدٌ فاحْتَسَبَ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأةِ عِنْدَ القَبْرِ اصبِرِي)

- ‌(بابُ غُسْلِ المَيِّتِ وَوَضُوئِهِ بِالمَاءِ والسِّدْرِ)

- ‌(بابُ مَا يُسْتَحَبُّ أنْ يُغْسَلَ وِتْرا)

- ‌(بابٌ يُبْدَأ بِمَيَامِنِ المَيِّتِ)

- ‌(بابُ مَوَاضِع الوُضُوءِ مِنَ المَيِّتِ)

- ‌(بابٌ هَلْ تُكَفَّنُ المَرْأةُ فِي إزَارِ الرَّجُل)

- ‌(بابٌ يَجْعَلُ الكافُورَ فِي آخِرِهِ)

- ‌(بابُ نَقْضِ شَعْرِ المَرْأةِ)

- ‌(بابٌ كَيْفَ الإشْعَارُ لِلْمَيِّتِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُجْعَلُ شَعرُ المَرْأةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ)

- ‌(بَاب يُلْقَى شَعَرُ المَرْأةِ خَلْفَهَا)

- ‌(بابُ الثِّيَابِ البِيضِ لِلْكَفَنِ)

- ‌(بابُ الكفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ)

- ‌(بَاب الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ)

- ‌(بابُ الحُنُوطِ لِلْمَيِّتِ)

- ‌(بابٌ كيْفَ يُكَفَّنُ المحْرِمُ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ فِي القَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ أوْ لَا يُكَفُّ وَمَنْ كُفِّنَ بِغَيْرِ قَمِيصٍ)

- ‌(بَاب الكَفَنِ بِغَيْرِ قَمِيصٍ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ بِلَا عِمَامَةٌ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ مِنْ جَمِيعِ المَالِ)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَاّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنا إلَاّ مَا يُوَارِى رَأْسَهُ أوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى بِهِ رَأْسَهُ)

- ‌(بابُ مَنِ اسْتَعَدَّ الكَفَنَ فِي زَمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ)

- ‌(بابُ اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابْ حَدِّ المَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا)

- ‌(بابُ زِيَارَةِ القُبُورِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبَعْضِ بُكاءِ أهْلِهِ عَلَيْهِ إذَا كانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ لِقَوْلِ الله تعَالَى: {قُوا أنُفُسَكُمْ وَأهْلِيكُمْ نَارا} )

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى المَيِّتِ)

- ‌بَاب

- ‌(بابٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الجُيُوبَ)

- ‌(بابٌ رَثَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بنَ خَوْلَةَ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهى مِنَ الحَلْقِ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهى مِنَ الوَيْلِ وَدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابُ مَنْ جَلَسَ عِنْدَ المُصِيبَةِ يُعْرَفُ فِيهِ الحُزْنُ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابُ الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى)

- ‌(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ)

- ‌(بابُ البُكَاءِ عِنْدَ المَرِيضِ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهَى عنِ النَّوْحِ والبُكَاءِ وَالزَّجْرِ عنْ ذالِك)

- ‌(بابُ القِيَامِ لِلْجَنَازَةِ)

- ‌(بَاب مَتى يقْعد إِذا قَامَ للجنازة)

- ‌(بابُ مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ عنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ فانْ قَعَدَ أُمِرَ بِالقِيامِ)

- ‌(بابُ منْ قامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ)

- ‌(بابُ حَمْلِ الرِّجَالِ الجِنَازَةَ دُونَ النِّسَاءِ)

- ‌(بابُ السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ المَيِّتِ وَهْوَ عَلَى الجِنَازَةِ قَدِّمُونِي)

- ‌(بابُ مَنْ صَفَّ صَفَّيْنِ أوْ ثَلَاثَةً عَلَى الجَنَازَةِ خَلْفَ الإمَامِ)

- ‌(بابُ الصُّفُوفِ عَلَى الجِنَازَةِ)

- ‌(بابُ صُفُوفِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ عَلَى الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ سُنَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ مَنِ انْتَظَرَ حَتَّى يُدْفَنَ)

- ‌(بابُ صَلَاةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَائِزِ بِالمُصَلَّى وَالمَسْجِدِ)

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُورِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا)

- ‌(بابٌ أَيْن يَقُومُ مِنَ المَرْأةِ وَالرَّجُلِ)

- ‌(بَاب التَّكْبِيرِ عَلَى الجَنَازَةِ أرْبَعا)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ فاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى القَبْرِ بَعْدَمَا يُدْفَنُ)

- ‌(بابٌ المَيِّتُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ)

- ‌(بابُ مَنْ أحَبَّ الدَّفْنَ فِي الأرْضِ المُقَدَّسَةِ أوْ نَحْوِهَا)

- ‌(بابُ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ)

- ‌(بابُ بِنَاءِ المَسْجِدِ عَلَى القَبْرِ)

- ‌(بابُ مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ المَرْأةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ)

- ‌(بابُ دَنْنِ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَرَ غَسْلَ الشُّهَدَاءِ)

- ‌(بابُ مَنْ يُقَدِّمُ فِي اللَّحْدِ)

- ‌(بابُ الإذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي القَبْرِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يخْرج المَيِّتُ مِنَ القَبْرِ واللَّحْدِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بابُ اللَّحْدِ والشَّقِّ فِي القَبْرِ)

- ‌(بابٌ إذَا أسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَليهِ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ الإسْلَامُ)

- ‌(بابٌ إذَا قَالَ المُشْرِكُ عِنْدَ المَوْتِ لَا إلاهَ إلَاّ الله)

- ‌(بابُ الجَرِيدِ عَلَى القَبْرِ)

- ‌(بابُ مَوْعِظَةِ المُحَدِّثِ عِنْدَ القَبْرِ وَقُعُودِ أصْحَابِهِ حَوْلَهُ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي قاتِلِ النَّفْسِ)

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاةِ عَلى المُنَافِقِينَ وَالاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ)

- ‌(بابُ ثَنَاءِ النَّاسِ علَى المَيِّتِ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي عَذَابِ القَبْرِ وقولهُ تَعَالَى: {وَلَوْ تَراي إذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ وَالمَلَائِكَةُ باسِطُوا أيْدِيهِم أخْرِجُوا أنْفُسَكُمْ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} (الْأَنْعَام: 39) . الهُونُ هُوَ الهَوَانُ

- ‌(بابُ التَّعَوَّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)

- ‌(بابُ عَذَابِ القَبْرِ مِنَ الغِيبَةِ وَالبَوْلِ)

- ‌(بابُ المَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ والعَشِيِّ)

- ‌(بابُ كَلَامِ المَيِّتِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ مَا قِيلَ فِي أوْلَادِ المُسْلِمِينَ)

- ‌(بابُ مَا قِيلَ فِي أوْلادِ المُشْرِكِينَ)

- ‌ بَاب

- ‌(بابُ مَوْتِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ)

- ‌(بابُ مَوْتِ الفَجْأةِ البَغْتَةِ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي قَبْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَأبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا)

- ‌(بابُ مَا يُنْهِى مِنْ سَبِّ الأمْوَاتِ)

- ‌(بابُ ذِكْرِ شِرَارِ المَوْتَى)

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاة)

- ‌(بابُ وُجُوبِ الزَّكاةِ)

- ‌(بابُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابُ البَيْعَةِ عَلَى إيتَاءِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابُ إثْمِ مانِعِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابٌ مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ)

- ‌(بابُ إنْفَاقِ المَالِ فِي حَقِّهِ)

- ‌(بابُ الرِّياءِ فِي الصَّدَقَةِ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ قبل الرَّدِّ)

- ‌(بابٌ اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)

- ‌(بابُ أيُّ الصَّدَقَةِ أفْضَلُ وصَدَقَةُ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ)

- ‌(بابٌ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ العَلَانِيَةِ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ السِّرِّ)

- ‌(بابٌ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهْوَ لَا يَعْلَمُ)

- ‌(بابٌ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهْوَ لَا يَشْعُرُ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ بِاليَمِينِ)

- ‌(بابُ مَنْ أمَرَ خادِمَهُ بِالصَّدَقَةِ ولَمْ يُنَاوِلْ بِنَفْسِهِ)

- ‌(بابٌ لَا صَدَقَةَ إلَاّ عنْ ظَهْرِ غِنَى)

- ‌(بابُ المَنَّانِ بِمَا أعْطَى)

- ‌(بابُ مَنْ أحَبَّ تَعْجِيلَ الصَّدَقَةِ مِنْ يَوْمِهَا)

- ‌(بابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ والشَّفَاعَةِ فِيهَا)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ)

- ‌(بابٌ الصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الخَطِيئَةَ)

- ‌(بابُ مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أسْلَمَ)

- ‌(بابُ أجْرِ الخَادِمِ إذَا تَصَدَّقَ بِأمْرِ صاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ)

- ‌(بابُ أجْرِ المَرْأةِ إذَا تَصَدَّقَتْ أوْ أطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {فأمَّا مَنْ أعْطَى وَاتَّقَى وصَدَّقَ بِالحُسْنَى فسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} )

- ‌(بابُ مَثَلِ المُتَصَدِّقِ وَالبَخِيلِ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ الكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ)

- ‌(بابٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٌ صَدَقَةٌ فَمَنْ يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ)

- ‌(بابٌ قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَنْ أعْطَى شَاة)

الفصل: ‌(باب الصلاة على الشهيد)

2431 -

حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ قَالَ حدَّثنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثنا هِلالُ بنُ عَلِيْ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. قَالَ شَهِدْنَا بِنْتَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ورَسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالِسٌ عَلَى القَبْرِ فَرَأيْتُ عَيْنَيْهِ تدْمَعَانِ فَقَالَ هَلْ فِيكُمْ مِنْ أحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ فَقَالَ أبُو طَلْحَةَ أَنا قَالَ فانْزِلْ فِي قَبْرِهَا قَالَ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا. قَالَ ابنُ المُبَارَكِ قَالَ فُلَيْحٌ أرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ.

(أنظر الحَدِيث 5821) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قَالَ لأبي طَلْحَة: إنزل فِي قبر بنته، فَنزل فقبرها. وَقد ذكرنَا وَجه هَذَا فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: يعذب الْمَيِّت ببكاء أَهله، لِأَنَّهُ أخرج هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ أَيْضا: عَن عبد الله بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَامر، قَالَ: حَدثنَا فليح بن سُلَيْمَان إِلَى آخِره. . وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.

قَوْله: (لم يقارف) أَي: لم يُبَاشر الْمَرْأَة. قَوْله: (فَقَالَ أَبُو طَلْحَة) : اسْمه زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (فقبرها)، أَي: قبر أَبُو طَلْحَة بنت النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (فَقَالَ ابْن الْمُبَارك)، هُوَ عبد الله بن الْمُبَارك. قَالَ فليح: أرَاهُ، بِضَم الْهمزَة أَي: أَظُنهُ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَكَذَا قَالَ شُرَيْح بن النُّعْمَان عَن فليح: أخرجه أَحْمد عَنهُ، وَقَالَ أَبُو عَليّ الغساني: كَذَا فِي النّسخ. قَالَ ابْن الْمُبَارك: وَفِي أصل أبي الْحسن الْقَابِسِيّ، قَالَ أَبُو الْمُبَارك: قَالَ أَبُو الْحسن، هُوَ أَبُو الْمُبَارك مُحَمَّد بن سِنَان يَعْنِي: أَبُو الْمُبَارك كنيته مُحَمَّد بن سِنَان شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور. وَقَالَ الجياني: هَذَا وهم من مُحَمَّد بن سِنَان لَا أعلم بَينهم خلافًا أَنه يكنى أَبَا بكر، وَكَانَ فِي نُسْخَة عَبدُوس عَن أبي زيد، كَمَا عِنْد سَائِر الروَاة على الصَّوَاب، وَفِي (التَّلْوِيح)، وروى هَذَا الحَدِيث البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ الْأَوْسَط) بِإِسْنَادِهِ. وانْتهى إِلَى قَوْله: قَالَ: فَنزل فِي قبرها، وَلم يذكر التَّفْسِير الَّذِي ذكره فِي (الْجَامِع) . وَرِوَايَة عبد الله بن الْمُبَارك عَن فليح مَشْهُورَة، وَقد روى فِي معنى المقارفة معنى آخر غير مَا فسر فليح (عَن أنس: لما مَاتَت رقية، قَالَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم: لَا يدْخل الْقَبْر رجل قارف اللَّيْلَة أَهله، فَلم يدْخل عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) . قَالَ البُخَارِيّ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا؟ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، لم يشْهد رقية.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله لِيَقْتَرِفُوا أَي لِيَكْتَسِبُوا

أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، قيل: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا تأييد مَا قَالَه ابْن الْمُبَارك عَن فليح، فَإِن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فسر قَوْله تَعَالَى:{وليقترفوا مَا هم مقترفون} (الْأَنْعَام: 311) . أَي: ليكتسبوا مَا هم مكتسبون، وَقد أخرج الطَّبَرِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، هَذَا التَّفْسِير من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَهَذَا أَعنِي: قَوْله: قَالَ أَبُو عبد الله

إِلَى آخِره، لم يثبت إلَاّ فِي رِوَايَة الْكشميهني.

27 -

(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة على الشَّهِيد، وَإِنَّمَا لم يُفَسر الحكم وَأطلق التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ ذكر فِي الْبَاب حديثين: أَحدهمَا يدل على نَفيهَا، وَهُوَ حَدِيث جَابر. وَالْآخر: يدل على إِثْبَاتهَا، وَهُوَ حَدِيث عقبَة. وَمن هُنَا وَقع الِاخْتِلَاف بَين الْعلمَاء، فَذهب الشَّافِعِي وَمَالك وَإِسْحَاق فِي رِوَايَة: إِلَى أَن الشَّهِيد لَا يصلى عَلَيْهِ كَمَا لَا يغسل. وَإِلَيْهِ ذهب أهل الظَّاهِر، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث جَابر الْمَذْكُور فِي الْبَاب، وَذهب ابْن أبي ليلى وَالْحسن بن يحيى وَعبيد الله بن الْحسن وَسليمَان بن مُوسَى وَسَعِيد ابْن عبد الْعَزِيز وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد فِي رِوَايَة، وَإِسْحَاق فِي رِوَايَة: إِلَى أَنه يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول أهل الْحجاز أَيْضا، وَاحْتَجُّوا على ذَلِك بِحَدِيث عقبَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مَا نذكرهُ.

3431 -

حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني ابنُ شِهَابٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ كَعْب بنِ مالِكٍ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ

ص: 152

مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ واحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أيُّهُمْ أكْثَرُ أخْذا لِلْقُرانِ فإذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أحدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أنَا شَهِيدٌ عَلَى هاؤلَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَأمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ ولَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ علَيْهِمْ..

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن بعمومها يدل على نفس الصَّلَاة على الشَّهِيد.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن يُوسُف التنيسِي، وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد. الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك أَبُو الْخطاب الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ. الْخَامِس: جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه دمشقي نزل تنيس، وَاللَّيْث مصري وَابْن شهَاب وَشَيْخه مدنيان. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب عَن جَابر، كَذَا يَقُول اللَّيْث عَن ابْن شهَاب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَا أعلم أحدا تَابع اللَّيْث من ثِقَات أَصْحَاب الزُّهْرِيّ على هَذَا الأسناد، وَاخْتلف على الزُّهْرِيّ فِيهِ، ثمَّ سَاقه من طَرِيق عبد الله بن الْمُبَارك عَن معمر عَن ابْن شهَاب عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة، فَذكر الحَدِيث مُخْتَصرا، وَكَذَا أخرجه أَحْمد من طَرِيق مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق وَعَمْرو بن الْحَارِث، وَكلهمْ عَن ابْن شهَاب عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة، وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمرو فَزَاد فِيهِ جَابِرا، وَهُوَ مِمَّا يُقَوي اخْتِيَار البُخَارِيّ، فَإِن ابْن شهَاب صَاحب حَدِيث، فَيحمل على أَن الحَدِيث عِنْده عَن شيخين خُصُوصا أَن فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن كَعْب مَا لَيْسَ فِي رِوَايَة عبد الله بن ثَعْلَبَة. قَالَ الذَّهَبِيّ: عبد الله بن ثَعْلَبَة لَهُ رُؤْيَة وَرِوَايَة، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الْعَزِيز الْأنْصَارِيّ: حَدثنَا الزُّهْرِيّ (حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك عَن أَبِيه: أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، قَالَ يَوْم أحد: من رأى مقتل حَمْزَة؟ فَقَالَ رجل: أَنا، فَخرج حَتَّى وقف على حَمْزَة فَرَآهُ وَقد شقّ بَطْنه وَمثل بِهِ، فكره رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، أَن ينظر إِلَيْهِ، ثمَّ وقف بَين ظَهْري الْقَتْلَى، فَقَالَ: أَنا شَهِيد على هَؤُلَاءِ، لفوهم فِي دِمَائِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ جريح يجرح إلَاّ جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة يدمى، لَونه لون الدَّم وريحه ريح الْمسك، وَقَالَ: قدمُوا أَكثر الْقَوْم قُرْآنًا فَاجْعَلُوهُ فِي اللَّحْد) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي هَذَا زيادات لَيست فِي رِوَايَة اللَّيْث، وَفِي رِوَايَة اللَّيْث زِيَادَة لَيست فِي هَذِه الرِّوَايَة، فَيحْتَمل أَن تكون رِوَايَته عَن جَابر وَعَن أَبِيه صحيحتان وَإِن كَانَتَا مختلفتين، فالليث بن سعد إِمَام حَافظ، فروايته أولى. وَلما ذكر ابْن أبي حَاتِم هَذَا الحَدِيث فِي (كتاب الْعِلَل) قَالَ: قَالَ أبي يروي هَذَا عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن كَعْب عَن الزُّهْرِيّ مَرْفُوعا، وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الْعَزِيز هَذَا شيخ مدنِي مُضْطَرب الحَدِيث، وروى الْحَاكِم من حَدِيث أُسَامَة بن زيد أَن ابْن شهَاب حَدثهُ أَن أنسا حَدثهُ: أَن شُهَدَاء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم وَلم يصل عَلَيْهِم، وَهُوَ صَحِيح على شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ. وَفِي (الْعِلَل) لِلتِّرْمِذِي: قَالَ مُحَمَّد: حَدِيث أُسَامَة عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس غير مَحْفُوظ، غلط فِيهِ أُسَامَة.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن سعيد بن سُلَيْمَان، وَأبي الْوَلِيد، وَفِي الْمَغَازِي عَن قُتَيْبَة وَفِي الْجَنَائِز أَيْضا عَن عَبْدَانِ وَمُحَمّد بن مقَاتل، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجَنَائِز عَن قُتَيْبَة وَيزِيد بن خَالِد وَعَن سُلَيْمَان بن دَاوُد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رمح عَن اللَّيْث بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من قَتْلَى أحد)، الْقَتْلَى جمع: قَتِيل، كالجرحى جمع جريح. قَوْله:(فِي ثوب وَاحِد)، ظَاهره تكفين الْإِثْنَيْنِ فِي ثوب وَاحِد. وَقَالَ المظهري فِي (شرح المصابيح) : معنى ثوب وَاحِد قبر وَاحِد، إِذْ لَا يجوز تجريدهما بِحَيْثُ تتلاقى بشرتاهما. قَوْله:(أَيهمْ)، أَي: أَي الْقَتْلَى؟ هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: أَيهمَا، أَي: أَي الرجلَيْن. قَوْله: (أخذا) على التَّمْيِيز. قَوْله: (أَنا شَهِيد على هَؤُلَاءِ)، أَي: أشهد لَهُم بِأَنَّهُم بذلوا أَرْوَاحهم لله تَعَالَى. قَوْله: (وَلم يغسلوا) على صِيغَة الْمَجْهُول،

ص: 153

وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ ستأتي بِلَفْظ: (وَلم يصل عَلَيْهِم وَلم يغسلهم)، كِلَاهُمَا بِصِيغَة الْمَعْلُوم أَي: لم يفعل ذَلِك النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِنَفسِهِ وَلَا بأَمْره.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه:

الأول: قَالَ ابْن التِّين: فِيهِ: جَوَاز الْجمع جمع الرجلَيْن فِي ثوب وَاحِد، وَقَالَ أَشهب: لَا يفعل ذَلِك إلَاّ لضَرُورَة، وَكَذَا الدّفن، وَعَن الْعَلامَة ابْن تَيْمِية، معنى الحَدِيث أَنه كَانَ يقسم الثَّوْب الْوَاحِد بَين الْجَمَاعَة فيكفن كل وَاحِد بِبَعْضِه للضَّرُورَة، وَإِن لم يستر إلَاّ بعض بدنه، يدل عَلَيْهِ تَمام الحَدِيث: أَنه كَانَ يسْأَل عَن أَكْثَرهم قُرْآنًا فَيقدمهُ فِي اللَّحْد، فَلَو أَنهم فِي ثوب وَاحِد جملَة لسأل عَن أفضلهم قبل ذَلِك كَيْلا يُؤَدِّي إِلَى نقض التَّكْفِين وإعادته. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: فِيهِ دَلِيل على أَن التَّكْلِيف قد ارْتَفع بِالْمَوْتِ، وإلَاّ فَلَا يجوز أَن يلصق الرجل بِالرجلِ إلَاّ عِنْد انْقِطَاع التَّكْلِيف أَو للضَّرُورَة.

الثَّانِي: فِيهِ التَّفْضِيل بِقِرَاءَة الْقُرْآن، فَإِذا اسْتَووا فِي الْقِرَاءَة قدم أكبرهم لِأَن للسن فَضِيلَة.

الثَّالِث فِيهِ: جَوَاز دفن الْإِثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة فِي قبر، وَبِه أَخذ غير وَاحِد من أهل الْعلم، وَكَرِهَهُ الْحسن الْبَصْرِيّ، وَلَا بَأْس أَن يدْفن الرجل وَالْمَرْأَة فِي الْقَبْر الْوَاحِد، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، غير أَن الشَّافِعِي وَأحمد قَالَا ذَلِك فِي مَوضِع الضرورات، وحجتهم حَدِيث جَابر. وَقَالَ أَشهب: إِذا دفن اثْنَان فِي قبر لم يَجْعَل بَينهمَا حاجز من التُّرَاب، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا معنى لَهُ إلَاّ التَّضْيِيق. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم، ذكر أبي حَدِيثا رَوَاهُ ابْن وهب عَن ابْن جريج عَن قَتَادَة (عَن أنس: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جمع يَوْم أحد النَّفر فِي الْقَبْر الْوَاحِد، فَكَانَ يقدم فِي الْقَبْر إِلَى الْقبْلَة أقرأهم، ثمَّ ذَا السن يَلِي أقرأهم) . قَالَ: أبي يحيى هَذَا: هُوَ ابْن صبيح، وَفِي (سنَن الْكَجِّي) : حَدثنَا أَيُّوب عَن حميد بن هِلَال عَن أبي الدهماء (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: شكوا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْقرح يَوْم أحد، فَقَالَ: أحفروا وَاجْعَلُوا فِي الْقَبْر الْإِثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة وَقدمُوا أَكْثَرهم قُرْآنًا) . وَقَالَ الْقَدُورِيّ فِي شَرحه، والسرخسي فِي (الْمَبْسُوط) : إِن وَقعت الْحَاجة إِلَى الزِّيَادَة فَلَا بَأْس أَن يدْفن الإثنان وَالثَّلَاثَة فِي قبر وَاحِد، وَفِي المرغيناني: أَو خَمْسَة، وَهُوَ إِجْمَاع، وَفِي (الْبَدَائِع) : وَيقدم أفضلهَا، وَيجْعَل بَين كل اثْنَيْنِ حاجز من التُّرَاب فَيكون فِي حكم قبرين، وَيقدم الرجل فِي اللَّحْد، وَفِي صَلَاة الْجِنَازَة تقدم الْمَرْأَة على الرجل إِلَى الْقبْلَة، وَيكون الرجل إِلَى الرجل أقرب وَالْمَرْأَة عَنهُ أبعد.

الرَّابِع: فِيهِ دفن الشَّهِيد بدمه، وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (زملوهم بدمائهم) .

الْخَامِس فِيهِ: أَن الشَّهِيد لَا يغسل، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ إلَاّ مَا روى عَن سعيد بن الْمسيب وَالْحسن ابْن أبي الْحسن من: أَنه يغسل. قَالَا: مَا مَاتَ ميت إلَاّ أجنب، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَنْهُمَا بِسَنَد صَحِيح، وَعَن الْحسن بِسَنَد صَحِيح:(أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمر بِحَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَغسل) وَحكي عَن الشّعبِيّ وَغَيره أَن حَنْظَلَة بن الراهب غسلته الْمَلَائِكَة. وَأجِيب: بِأَنَّهُ كَانَ جنبا. وَقَالَ السُّهيْلي: فِي ترك غسل الشُّهَدَاء تَحْقِيق حياتهم وتصديق قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} (آل عمرَان: 961) . الْآيَة، وَلِأَن الدَّم أثر عبَادَة فَلَا يزَال، كَمَا قَالُوا فِي السِّوَاك للصَّائِم.

السَّادِس: فِيهِ أَن الشَّهِيد لَا يصلى عَلَيْهِ، وَهَذَا بَاب فِيهِ خلاف، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي أول الْبَاب. وَقَالَ أَصْحَابنَا: الشَّهِيد يصلى عَلَيْهِ بِلَا غسل، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث عقبَة الْآتِي عَن قريب، وَبِمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي بكر ابْن عَيَّاش عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن مقسم (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: أَتَى بهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم أحد فَجعل يُصَلِّي على عشرَة عشرَة وَحَمْزَة، وَهُوَ كَمَا هُوَ يرفعون وَهُوَ كَمَا هُوَ مَوْضُوع) ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن يزِيد ابْن أبي زِيَاد عَن مقسم (عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، كَانَ يوضع بَين يَدَيْهِ يَوْم أحد عشرَة فَيصَلي عَلَيْهِم وعَلى حَمْزَة، ثمَّ تُوضَع الْعشْرَة وَحَمْزَة مَوْضُوع، ثمَّ تُوضَع عشرَة فيصلى عَلَيْهِم وعَلى حَمْزَة مَعَهم) . وَأخرجه الْبَزَّار فِي (مُسْنده) بأتم مِنْهُ: حَدثنَا الْعَبَّاس، رَحمَه الله تَعَالَى، ابْن عبد الله الْبَغْدَادِيّ حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش حَدثنَا يزِيد بن أبي زِيَاد عَن مقسم (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لما قتل حَمْزَة يَوْم أحد أَقبلت صَفِيَّة تسْأَل: مَا صنع؟ فَلَقِيت عليا وَالزُّبَيْر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَقَالَت: يَا عَليّ وَيَا زبير! مَا فعل حَمْزَة؟ فأوهماهما أَنَّهُمَا لَا يدريان، قَالَ: فَضَحِك النَّبِي، صلى الله عليه وسلم: وَقَالَ: إِنِّي أَخَاف على عقلهَا، فَوضع يَده على صدرها فاسترجعت وبكت، ثمَّ

ص: 154

قَامَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَوْلَا جزع النِّسَاء لتركته حَتَّى يحْشر من بطُون السبَاع وحواصل الطُّيُور، ثمَّ أَتَى بالقتلى فَجعل يُصَلِّي عَلَيْهِم فَيُوضَع سَبْعَة وَحَمْزَة فيكبر عَلَيْهِم سبع تَكْبِيرَات، ثمَّ يرفعون وَيتْرك حَمْزَة مَكَانَهُ فيكبر عَلَيْهِم سبع تَكْبِيرَات حَتَّى فرغ مِنْهُم) . وَأخرجه الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) وَالْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه) وَلَفْظهمْ:(أَمر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بِحَمْزَة يَوْم أحد فهيىء للْقبْلَة ثمَّ كبر عَلَيْهِ سبعا، ثمَّ جمع إِلَيْهِ الشُّهَدَاء حَتَّى صلى عَلَيْهِ سبعين صَلَاة) . زَاد الطَّبَرَانِيّ: (ثمَّ وقف عَلَيْهِم حَتَّى واراهم) . وَسكت الْحَاكِم عَنهُ. فَإِن قلت: قَالَ الذَّهَبِيّ: يزِيد بن أبي زِيَاد لَا يحْتَج بِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَكَذَا رَوَاهُ يزِيد بن أبي زِيَاد، وَحَدِيث جَابر: أَنه لم يصل عَلَيْهِم، أصح. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي (التَّحْقِيق) : وَيزِيد بن زِيَاد مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. قلت: قَالَ صَاحب (التَّنْقِيح) : الَّذِي قَالُوهُ إِنَّمَا هُوَ فِي يزِيد بن زِيَاد، وَأما رَاوِي هَذَا الحَدِيث فَهُوَ الْكُوفِي، وَلَا يُقَال فِيهِ: ابْن زِيَاد، وَإِنَّمَا هُوَ: ابْن أبي زِيَاد، وَهُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه على لينه، وَقد روى لَهُ مُسلم مَقْرُونا بِغَيْرِهِ، وروى لَهُ أَصْحَاب السّنَن، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا أعلم أحدا ترك حَدِيثه. وَابْن الْجَوْزِيّ جَعلهمَا فِي كِتَابه الَّذِي فِي الضُّعَفَاء وَاحِدًا، وَهُوَ وهم وَغلط، وَمِمَّا يُؤَيّد حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد هَذَا مَا رَوَاهُ هِشَام فِي السِّيرَة عَن إِبْنِ إِسْحَاق: حَدثنِي من لَا أتهم عَن مقسم مولى ابْن عَبَّاس (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: أَمر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بِحَمْزَة فسجي بِبُرْدَةٍ ثمَّ صلى عَلَيْهِ وَكبر سبع تَكْبِيرَات، ثمَّ أُتِي بالقتلى فوضعوا إِلَى حَمْزَة فصلى عَلَيْهِم وَعَلِيهِ مَعَهم، حَتَّى صلى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسبعين صَلَاة) . فَإِن قلت: قَالَ السُّهيْلي فِي (الرَّوْض الْأنف) : قَول ابْن إِسْحَاق فِي هَذَا الحَدِيث: حَدثنِي من لَا أتهم، إِن كَانَ هُوَ الْحسن بن عمَارَة كَمَا قَالَه بَعضهم فَهُوَ ضَعِيف بِإِجْمَاع أهل الحَدِيث، وَإِن كَانَ غَيره فَهُوَ مَجْهُول. قلت: نَحن مَا نجزم أَنه الْحسن بن عمَارَة، وَلَئِن سلمنَا أَنه هُوَ فَنحْن مَا نحتج بِهِ، وَإِنَّمَا نستشهد بِهِ، وَيَكْفِي فِي الاستشهاد قَول ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي من لَا أتهم بِهِ، وَلَو كَانَ مُتَّهمًا عِنْده لما حدث عَنهُ. وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث عبد الله بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا:(أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمر يَوْم أحد بِحَمْزَة فسجي بِبُرْدَةٍ ثمَّ صلى عَلَيْهِ، فَكبر تسع تَكْبِيرَات، ثمَّ أَتَى بالقتلى يصفونَ وَيُصلي عَلَيْهِم وَعَلِيهِ مَعَهم) . وَأخرجه ابْن شاهين أَيْضا فِي كِتَابه من حَدِيث ابْن إِسْحَاق عَن يحيى بن عبَادَة (عَن عبد الله بن الزبير، قَالَ: صلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم على حَمْزَة فَكبر سبعا) . وَقَالَ الْبَغَوِيّ: حفظي أَنه قَالَ: عَن عبد الله بن الزبير، وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي مَالك الْغِفَارِيّ، قَالَ: كَانَ قَتْلَى أحد يُؤْتى بِتِسْعَة وعاشرهم حَمْزَة فَيصَلي عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ يحملون. ثمَّ يُؤْتى بِتِسْعَة فَيصَلي عَلَيْهِم وَحَمْزَة مَكَانَهُ، حَتَّى صلى عَلَيْهِم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم . وَرَوَاهُ أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ (عَن أبي مَالك، قَالَ: كَانَ يجاء بقتلى أحد تِسْعَة وَحَمْزَة عاشرهم فَيصَلي عَلَيْهِم فيرفعون التِّسْعَة وَيدعونَ حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) . وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَلَفظه قَالَ:(صلى النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، على قَتْلَى أحد عشرَة عشرَة، فِي كل عشرَة مِنْهُم حَمْزَة، حَتَّى صلى عَلَيْهِ سبعين صَلَاة) . وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي (مُخْتَصر السّنَن) : كَذَا قَالَ: وَلَعَلَّه سبع صلوَات إِذْ شُهَدَاء أحد سَبْعُونَ أَو نَحْوهَا. وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الْمَرَاسِيل، وَأَبُو مَالك اسْمه غَزوَان الْكُوفِي، وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَذكره ابْن حبَان فِي التَّابِعين الثِّقَات.

وَلنَا معاشر الْحَنَفِيَّة أَن نرجح مَذْهَبنَا بِأُمُور. الأول: أَن حَدِيث عقبَة الْآتِي ذكره مُثبت وَكَذَا غَيره من الصَّلَاة على الشَّهِيد، وَحَدِيث جَابر نافٍ والمثبت أولى. الثَّانِي: أَن جَابِرا كَانَ مَشْغُولًا بقتل أَبِيه وَعَمه، على مَا يَجِيء، فَذهب إِلَى الْمَدِينَة ليدبر حملهمْ، فَلَمَّا سمع الْمُنَادِي بِأَن الْقَتْلَى تدفن فِي مصَارِعهمْ سارع لدفنهم، فَدلَّ على أَنه لم يكن حَاضرا حِين الصَّلَاة، على أَن فِي (الإكليل) : حَدِيثا عَن ابْن عقيل (عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى على حَمْزَة، ثمَّ جِيءَ بِالشُّهَدَاءِ فوضعوا إِلَى جنبه فصلى عَلَيْهِم) . فالشافعية يحتجون بِرِوَايَة ابْن عقيل ويوجبون بهَا التَّسْلِيم من الصَّلَاة. الثَّالِث: مَا روى أَصْحَابنَا أَكثر مِمَّا رَوَاهُ أَصْحَاب الشَّافِعِي. الرَّابِع: الصَّلَاة على الْمَوْتَى أصل فِي الدّين وَفرض كِفَايَة فَلَا تسْقط من غير فعل أحد بالتعارض، بِخِلَاف غسله، إِذْ النَّص فِي سُقُوطه لَا معَارض لَهُ. الْخَامِس: لَو كَانَت الصَّلَاة عَلَيْهِم غير مَشْرُوعَة لبينها النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَمَا نبه على الْغسْل. السَّادِس: نَتَنَزَّل ونقول كَمَا قَالَه الطَّحَاوِيّ: لم يصلِّ صلى الله عليه وسلم وَصلى غَيره. السَّابِع: يجوز أَنه: لم يصل عَلَيْهِم فِي ذَلِك الْيَوْم، لما حصل لَهُ من الْجراحَة وَشبههَا، وَلَا سِيمَا من ألمه على حَمْزَة وَغَيره، وَصلى عَلَيْهِم فِي يَوْم غَيره لِأَنَّهُ لَا تغير بهم كَمَا جَاءَ فِي صلَاته عَلَيْهِم بعد ثَمَان سِنِين. الثَّامِن: قد رُوِيَ أَنه قد صلى على غَيرهم. التَّاسِع: لَيْسَ لَهُم أَن يَقُولُوا: يحمل قَول عقبَة: صلى عَلَيْهِم، بِمَعْنى اسْتغْفر، لقَوْله: صلَاته

ص: 155

على الْمَيِّت. الْعَاشِر: أَن مَا ذهب إِلَيْهِ أَصْحَابنَا أحوط فِي الدّين، وَفِيه تَحْصِيل الْأجر. وَقد قَالَ، صلى الله عليه وسلم:(من صلى على ميت فَلهُ قِيرَاط) ، فَلم يفصل مَيتا من ميت، فَإِن قَالُوا: الصَّلَاة لَا تصح على الْمَيِّت بِلَا غسل، فَلَمَّا لم يغسل الشَّهِيد لم تصح الصَّلَاة، قُلْنَا: يَنْبَغِي أَن لَا يدْفن أَيْضا بِلَا غسل، فَلَمَّا دفن الشَّهِيد بِلَا غسل دلّ أَنه فِي حكم المغسولين فيصلى عَلَيْهِ. فَإِن قَالُوا: الشُّهَدَاء أَحيَاء وَالصَّلَاة إِنَّمَا شرعت على الْمَوْتَى؟ قُلْنَا: فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن لَا يقسم ميراثهم وَلَا تتَزَوَّج نِسَاؤُهُم وَشبه ذَلِك، وَإِنَّمَا هم أَحيَاء فِي حكم الْآخِرَة لَا فِي حكم الدُّنْيَا، وَالصَّلَاة عَلَيْهِم من أَحْكَام الدُّنْيَا، كَذَا قَالَه فِي (الْمَبْسُوط)، فَإِن قَالُوا: ترك الصَّلَاة عَلَيْهِم لاستغنائهم مَعَ التَّخْفِيف على من بَقِي من الْمُسلمين، قُلْنَا: لَا يسْتَغْنى أحد عَن الْخَيْر، وَالصَّلَاة خير مَوْضُوع، وَلَو اسْتغنى أحد من هَذِه الْأمة لاستغنى أَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَكَذَلِكَ الصغار، وَمن هُوَ فِي مثل حَالهم. وَالتَّعْلِيل بِالتَّخْفِيفِ لَا وَجه لَهُ، لأَنهم يسعون فِي تجهيزهم وحفر قُبُورهم، وَنَحْو ذَلِك، فَالصَّلَاة أخف من هَذَا كُله، فَإِن قَالُوا: إِنَّكُم لَا ترَوْنَ الصَّلَاة على الْقَبْر بعد ثَلَاثَة أَيَّام، قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِك، بل تجوز الصَّلَاة على الْقَبْر مَا لم يتفسخ، وَالشُّهَدَاء لَا يتفسخون وَلَا يحصل لَهُم تغير. فَالصَّلَاة عَلَيْهِم لَا تمْتَنع أَي وَقت كَانَ.

4431 -

حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا الليْثُ قَالَ حدَّثني يَزِيدُ بن أبِي حَبِيبٍ عَن أبِي الخَيْرِ عنْ عُقْبَةَ بنِ عامِرٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْما فَصَلَّى عَلَى أهْلِ أُحُدٍ صلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى المِنْبَرِ فَقَالَ إنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَإنِّي وَالله لأنْظُرِ إلَى حَوْضِي الآنَ وَإنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأرْضَ أوْ مَفَاتِيحَ الأرْضِ وَإنِّي وَالله مَا أخافُ عَلَيْكُمْ أنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلاكِنْ أخَافُ عَلَيْكُمْ أنْ تَنَافَسُوا فِيهَا..

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا تحْتَمل مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة على الشَّهِيد من جِهَة عمومها.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة تقدمُوا، وَأَبُو الْخَيْر اسْمه مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي، وَعقبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف ابْن عَامر الْجُهَنِيّ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مصريون وَهُوَ مَعْدُود من أصح الْأَسَانِيد. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: أحدهم مَذْكُور بالكنية.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن سعيد بن شُرَحْبِيل، وَفِي المغاوي عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم وَعَن قُتَيْبَة وَفِي ذكر الْحَوْض عَن عَمْرو بن خَالِد. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن أبي مُوسَى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجَنَائِز عَن قُتَيْبَة بِهِ مُخْتَصرا وَعَن الْحسن بن عَليّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ أَيْضا عَن قُتَيْبَة بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فصلى على أهل أحد) ، وهم الَّذين اسْتشْهدُوا فِيهِ، وَكَانَت أحد فِي شَوَّال سنة ثَلَاث. قَوْله:(صلَاته على الْمَيِّت) أَي: مثل صلَاته على الْمَيِّت، وَهَذَا يرد قَول من قَالَ: إِن الصَّلَاة فِي الْأَحَادِيث الَّتِي وَردت مَحْمُولَة على الدُّعَاء، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ ابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ وَالنَّوَوِيّ، حَتَّى قَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد من الصَّلَاة هُنَا الدُّعَاء، وَأما كَونه مثل الَّذِي على الْمَيِّت فَمَعْنَاه أَنه دَعَا لَهُم بِمثل الدُّعَاء الَّذِي كَانَت عَادَته أَن يَدْعُو بِهِ للموتى. قلت: هَذَا عدُول عَن الْمَعْنى الَّذِي يتضمنه هَذَا اللَّفْظ، لأجل تمشية مذْهبه فِي ذَلِك، وَهَذَا لَيْسَ بإنصاف. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: معنى صلَاته صلى الله عليه وسلم لَا يَخْلُو من ثَلَاثَة معَان: أما أَن يكون نَاسِخا لما تقدم من ترك الصَّلَاة عَلَيْهِم، أَو يكون من سُنَنهمْ أَن لَا يُصَلِّي عَلَيْهِم إلَاّ بعد هَذِه الْمدَّة، أَو تكون الصَّلَاة عَلَيْهِم جَائِزَة، بِخِلَاف غَيرهم، فَإِنَّهَا وَاجِبَة، وأيها كَانَ فقد تثبت بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِم الصَّلَاة على الشُّهَدَاء. وَقَالَ بَعضهم: غَالب مَا ذكره بصدد الْمَنْع لِأَن صلَاته عَلَيْهِم تحْتَمل أمورا. مِنْهَا: أَن تكون من خَصَائِصه. وَمِنْهَا: أَن يكون الْمَعْنى: الدُّعَاء، ثمَّ هِيَ وَاقعَة عين لَا عُمُوم فِيهَا، فَكيف ينتهض الِاحْتِجَاج بهَا لدفع حكم قد تقرر؟ وَلم يقل أحد من الْعلمَاء بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي الَّذِي ذكره؟ انْتهى. قلت: كل مَا ذكر هَذَا الْقَائِل مَمْنُوع، لِأَن قَوْله: مِنْهَا أَن تكون من خَصَائِصه، وَإِثْبَات الخصوصية بِالِاحْتِمَالِ

ص: 156