المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ثناء الناس على الميت) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٨

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الأمْرِ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الدُّخُولِ عَلَى المَيِّتِ بَعْدَ المَوْتِ إذَا أُدْرِجَ فِي أكفَانِهِ)

- ‌(بابٌ الرَّجُلِ يَنْعَى إلَى أهْلِ المَيِّتِ بِنَفْسِهِ)

- ‌(بابُ الإذنِ بِالجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ منْ ماتَ لَهُ وَلَدٌ فاحْتَسَبَ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأةِ عِنْدَ القَبْرِ اصبِرِي)

- ‌(بابُ غُسْلِ المَيِّتِ وَوَضُوئِهِ بِالمَاءِ والسِّدْرِ)

- ‌(بابُ مَا يُسْتَحَبُّ أنْ يُغْسَلَ وِتْرا)

- ‌(بابٌ يُبْدَأ بِمَيَامِنِ المَيِّتِ)

- ‌(بابُ مَوَاضِع الوُضُوءِ مِنَ المَيِّتِ)

- ‌(بابٌ هَلْ تُكَفَّنُ المَرْأةُ فِي إزَارِ الرَّجُل)

- ‌(بابٌ يَجْعَلُ الكافُورَ فِي آخِرِهِ)

- ‌(بابُ نَقْضِ شَعْرِ المَرْأةِ)

- ‌(بابٌ كَيْفَ الإشْعَارُ لِلْمَيِّتِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُجْعَلُ شَعرُ المَرْأةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ)

- ‌(بَاب يُلْقَى شَعَرُ المَرْأةِ خَلْفَهَا)

- ‌(بابُ الثِّيَابِ البِيضِ لِلْكَفَنِ)

- ‌(بابُ الكفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ)

- ‌(بَاب الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ)

- ‌(بابُ الحُنُوطِ لِلْمَيِّتِ)

- ‌(بابٌ كيْفَ يُكَفَّنُ المحْرِمُ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ فِي القَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ أوْ لَا يُكَفُّ وَمَنْ كُفِّنَ بِغَيْرِ قَمِيصٍ)

- ‌(بَاب الكَفَنِ بِغَيْرِ قَمِيصٍ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ بِلَا عِمَامَةٌ)

- ‌(بابُ الكَفَنِ مِنْ جَمِيعِ المَالِ)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَاّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنا إلَاّ مَا يُوَارِى رَأْسَهُ أوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى بِهِ رَأْسَهُ)

- ‌(بابُ مَنِ اسْتَعَدَّ الكَفَنَ فِي زَمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ)

- ‌(بابُ اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابْ حَدِّ المَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا)

- ‌(بابُ زِيَارَةِ القُبُورِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبَعْضِ بُكاءِ أهْلِهِ عَلَيْهِ إذَا كانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ لِقَوْلِ الله تعَالَى: {قُوا أنُفُسَكُمْ وَأهْلِيكُمْ نَارا} )

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى المَيِّتِ)

- ‌بَاب

- ‌(بابٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الجُيُوبَ)

- ‌(بابٌ رَثَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بنَ خَوْلَةَ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهى مِنَ الحَلْقِ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهى مِنَ الوَيْلِ وَدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابُ مَنْ جَلَسَ عِنْدَ المُصِيبَةِ يُعْرَفُ فِيهِ الحُزْنُ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ عِنْدَ المُصِيبَةِ)

- ‌(بابُ الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى)

- ‌(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ)

- ‌(بابُ البُكَاءِ عِنْدَ المَرِيضِ)

- ‌(بابُ مَا يُنْهَى عنِ النَّوْحِ والبُكَاءِ وَالزَّجْرِ عنْ ذالِك)

- ‌(بابُ القِيَامِ لِلْجَنَازَةِ)

- ‌(بَاب مَتى يقْعد إِذا قَامَ للجنازة)

- ‌(بابُ مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ عنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ فانْ قَعَدَ أُمِرَ بِالقِيامِ)

- ‌(بابُ منْ قامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ)

- ‌(بابُ حَمْلِ الرِّجَالِ الجِنَازَةَ دُونَ النِّسَاءِ)

- ‌(بابُ السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ المَيِّتِ وَهْوَ عَلَى الجِنَازَةِ قَدِّمُونِي)

- ‌(بابُ مَنْ صَفَّ صَفَّيْنِ أوْ ثَلَاثَةً عَلَى الجَنَازَةِ خَلْفَ الإمَامِ)

- ‌(بابُ الصُّفُوفِ عَلَى الجِنَازَةِ)

- ‌(بابُ صُفُوفِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ عَلَى الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ سُنَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ مَنِ انْتَظَرَ حَتَّى يُدْفَنَ)

- ‌(بابُ صَلَاةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الجَنَائِزِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَائِزِ بِالمُصَلَّى وَالمَسْجِدِ)

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُورِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا)

- ‌(بابٌ أَيْن يَقُومُ مِنَ المَرْأةِ وَالرَّجُلِ)

- ‌(بَاب التَّكْبِيرِ عَلَى الجَنَازَةِ أرْبَعا)

- ‌(بابُ قِرَاءَةِ فاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى القَبْرِ بَعْدَمَا يُدْفَنُ)

- ‌(بابٌ المَيِّتُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ)

- ‌(بابُ مَنْ أحَبَّ الدَّفْنَ فِي الأرْضِ المُقَدَّسَةِ أوْ نَحْوِهَا)

- ‌(بابُ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ)

- ‌(بابُ بِنَاءِ المَسْجِدِ عَلَى القَبْرِ)

- ‌(بابُ مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ المَرْأةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ)

- ‌(بابُ دَنْنِ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَرَ غَسْلَ الشُّهَدَاءِ)

- ‌(بابُ مَنْ يُقَدِّمُ فِي اللَّحْدِ)

- ‌(بابُ الإذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي القَبْرِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يخْرج المَيِّتُ مِنَ القَبْرِ واللَّحْدِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بابُ اللَّحْدِ والشَّقِّ فِي القَبْرِ)

- ‌(بابٌ إذَا أسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَليهِ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ الإسْلَامُ)

- ‌(بابٌ إذَا قَالَ المُشْرِكُ عِنْدَ المَوْتِ لَا إلاهَ إلَاّ الله)

- ‌(بابُ الجَرِيدِ عَلَى القَبْرِ)

- ‌(بابُ مَوْعِظَةِ المُحَدِّثِ عِنْدَ القَبْرِ وَقُعُودِ أصْحَابِهِ حَوْلَهُ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي قاتِلِ النَّفْسِ)

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاةِ عَلى المُنَافِقِينَ وَالاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ)

- ‌(بابُ ثَنَاءِ النَّاسِ علَى المَيِّتِ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي عَذَابِ القَبْرِ وقولهُ تَعَالَى: {وَلَوْ تَراي إذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ وَالمَلَائِكَةُ باسِطُوا أيْدِيهِم أخْرِجُوا أنْفُسَكُمْ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} (الْأَنْعَام: 39) . الهُونُ هُوَ الهَوَانُ

- ‌(بابُ التَّعَوَّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)

- ‌(بابُ عَذَابِ القَبْرِ مِنَ الغِيبَةِ وَالبَوْلِ)

- ‌(بابُ المَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ والعَشِيِّ)

- ‌(بابُ كَلَامِ المَيِّتِ عَلَى الجَنَازَةِ)

- ‌(بابُ مَا قِيلَ فِي أوْلَادِ المُسْلِمِينَ)

- ‌(بابُ مَا قِيلَ فِي أوْلادِ المُشْرِكِينَ)

- ‌ بَاب

- ‌(بابُ مَوْتِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ)

- ‌(بابُ مَوْتِ الفَجْأةِ البَغْتَةِ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي قَبْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَأبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا)

- ‌(بابُ مَا يُنْهِى مِنْ سَبِّ الأمْوَاتِ)

- ‌(بابُ ذِكْرِ شِرَارِ المَوْتَى)

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاة)

- ‌(بابُ وُجُوبِ الزَّكاةِ)

- ‌(بابُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابُ البَيْعَةِ عَلَى إيتَاءِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابُ إثْمِ مانِعِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بابٌ مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ)

- ‌(بابُ إنْفَاقِ المَالِ فِي حَقِّهِ)

- ‌(بابُ الرِّياءِ فِي الصَّدَقَةِ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ قبل الرَّدِّ)

- ‌(بابٌ اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)

- ‌(بابُ أيُّ الصَّدَقَةِ أفْضَلُ وصَدَقَةُ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ)

- ‌(بابٌ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ العَلَانِيَةِ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ السِّرِّ)

- ‌(بابٌ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهْوَ لَا يَعْلَمُ)

- ‌(بابٌ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهْوَ لَا يَشْعُرُ)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ بِاليَمِينِ)

- ‌(بابُ مَنْ أمَرَ خادِمَهُ بِالصَّدَقَةِ ولَمْ يُنَاوِلْ بِنَفْسِهِ)

- ‌(بابٌ لَا صَدَقَةَ إلَاّ عنْ ظَهْرِ غِنَى)

- ‌(بابُ المَنَّانِ بِمَا أعْطَى)

- ‌(بابُ مَنْ أحَبَّ تَعْجِيلَ الصَّدَقَةِ مِنْ يَوْمِهَا)

- ‌(بابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ والشَّفَاعَةِ فِيهَا)

- ‌(بابُ الصَّدَقَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ)

- ‌(بابٌ الصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الخَطِيئَةَ)

- ‌(بابُ مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أسْلَمَ)

- ‌(بابُ أجْرِ الخَادِمِ إذَا تَصَدَّقَ بِأمْرِ صاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ)

- ‌(بابُ أجْرِ المَرْأةِ إذَا تَصَدَّقَتْ أوْ أطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {فأمَّا مَنْ أعْطَى وَاتَّقَى وصَدَّقَ بِالحُسْنَى فسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} )

- ‌(بابُ مَثَلِ المُتَصَدِّقِ وَالبَخِيلِ)

- ‌(بابُ صَدَقَةِ الكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ)

- ‌(بابٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٌ صَدَقَةٌ فَمَنْ يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ)

- ‌(بابٌ قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَنْ أعْطَى شَاة)

الفصل: ‌(باب ثناء الناس على الميت)

مَا دَامَ حَيا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إِذا شمت أحد الْمُنَافِقين وَالْيَهُود قَالَ: يهديكم الله وَيصْلح بالكم، وَقد يعْمل الرجل بِعَمَل أهل النَّار وَيخْتم لَهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة، وَفِيه: تَصْحِيح القَوْل بِدَلِيل الْخطاب لاستعمال النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهُ، وَذَلِكَ أَن إخْبَاره تَعَالَى أَنه لَا يغْفر لَهُ وَلَو اسْتغْفر لَهُ سبعين مرّة، يحْتَمل أَنه لَو زَاد عَلَيْهَا كَانَ يغْفر لَهُ، لَكِن لما شهد الله تَعَالَى أَنه كَافِر بقوله تَعَالَى:{ذَلِك بِأَنَّهُم كفرُوا بِاللَّه وبرسوله} (التَّوْبَة: 08) . دلّت هَذِه الْآيَة على تَغْلِيب أحد الِاحْتِمَالَيْنِ، وَهُوَ أَنه لَا يغْفر لَهُ لكفره، فَلذَلِك أمسك صلى الله عليه وسلم من الدُّعَاء لَهُ. وَفِي إقدام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مُرَاجعَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الْفِقْه أَن الْوَزير الْفَاضِل الناصح لَا حرج عَلَيْهِ فِي إِن يخبر سُلْطَانه بِمَا عِنْده من الرَّأْي، وَإِن كَانَ مُخَالفا لرأيه، وَكَانَ عَلَيْهِ فِيهِ بعض الخفاء إِذا علم فضل الْوَزير وثقته وَحسن مذْهبه، فَإِنَّهُ لَا يلْزمه اللوم على مَا يُؤَدِّيه إِلَيْهِ اجْتِهَاده، وَلَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ سوء الظَّن، وَإِن صَبر السُّلْطَان على ذَلِك من تَمام فَضله، أَلا يرى سُكُوته صلى الله عليه وسلم عَن عمر وَتَركه الْإِنْكَار عَلَيْهِ، وَفِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أكبر الأسوة.

58 -

(بابُ ثَنَاءِ النَّاسِ علَى المَيِّتِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة ثَنَاء النَّاس على الْمَيِّت، وَالثنَاء عَلَيْهِ بِأَن يذكر عَنهُ من أَوْصَاف جميلَة وخصال حميدة.

7631 -

حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فأثْنُوا عَلَيْهَا خَيْرا فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وَجَبَتْ ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرى فأثْنُوا عَلَيْهَا شَرّا فَقَالَ وَجَبَتْ فقالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ مَا وَجَبَتْ قَالَ هاذا أثْنَيْتُمْ عليهِ خَيْرا فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ وَهاذا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الأرْضِ.

(الحَدِيث 7631 طرفه فِي: 2462) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأَثْنوا عَلَيْهَا خيرا) . وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وآدَم هُوَ ابْن إِيَاس.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مروا بِجنَازَة)، ويروى:(مر بِجنَازَة)، بِضَم الْمِيم على صِيغَة الْمَجْهُول:(فَأَثْنوا عَلَيْهَا) أَي: على الْجِنَازَة، وأثنوا من الثَّنَاء: بالثاء الْمُثَلَّثَة بعْدهَا النُّون وبالمد، وَهُوَ يسْتَعْمل فِي الْخَيْر وَلَا يسْتَعْمل فِي الشَّرّ، وَقيل: يسْتَعْمل فيهمَا، وَقيل: اسْتِعْمَال الثَّنَاء فِي الشَّرّ لُغَة شَاذَّة. فَإِن قلت: قد عرفت أَن الثَّنَاء الممدودة لَا يسْتَعْمل إلَاّ فِي الْخَيْر، وَكَيف وَقد اسْتعْمل فِي الشَّرّ فِي كَلَام الفصيح؟ قلت: قد قيل هَذَا على اللُّغَة الشاذة، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: اسْتعْمل هَذَا لأجل المشاكلة والتجانس كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} (الشورى: 04) . وَأخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث من حَدِيث ابْن علية عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب (عَن أنس بن مَالك، قَالَ: مر بِجنَازَة فَأثْنى عَلَيْهَا خيرا، فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم: (وَجَبت وَجَبت وَجَبت، وَمر بِجنَازَة فَأثْنى عَلَيْهَا شرا، فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم: وَجَبت وَجَبت وَجَبت) الحَدِيث، وَفِي آخِره:(أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض، أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض، أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض. .) وَأخرج الْحَاكِم من حَدِيث النَّضر بن أنس: (كنت قَاعِدا عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَمر بِجنَازَة فَقَالَ: مَا هَذِه الْجِنَازَة؟ قَالُوا: جَنَازَة فلَان الْفُلَانِيّ، كَانَ يحب الله وَرَسُوله وَيعْمل بِطَاعَة الله وَيسْعَى فِيهَا، فَقَالَ: وَجَبت وَجَبت وَجَبت. وَمر بِجنَازَة أُخْرَى فَقَالَ: مَا هَذِه الْجِنَازَة؟ قَالُوا: جَنَازَة فلَان الْفُلَانِيّ، كَانَ يبغض الله وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم وَيعْمل بِمَعْصِيَة الله وَيسْعَى فِيهَا، فَقَالَ: وَجَبت وَجَبت وَجَبت. قَالُوا: يَا رَسُول الله، قَوْلك فِي الْجِنَازَة وَالثنَاء عَلَيْهَا أثني على الأول خير، وعَلى الآخر شَرّ، فَقلت فيهمَا وَجَبت وَجَبت وَجَبت، فَقَالَ: نعم يَا أَبَا بكر، إِن لله مَلَائِكَة ينْطق على لِسَان بني آدم بِمَا فِي الْمَرْء من الْخَيْر وَالشَّر) . وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي هَذَا الحَدِيث تَفْسِير مَا أبهم من الْخَيْر وَالشَّر فِي حَدِيث الْبَاب، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة:(أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِجنَازَة فَقيل: هَذَا بئس الرجل، وأثنوا عَلَيْهِ شرا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: تعلمُونَ ذَلِك؟ قَالُوا نعم. قَالَ: وَجَبت، وَقَالَ فِي الَّتِي أثنوا عَلَيْهَا خيرا كَذَلِك) . وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ: (مروا

ص: 194

على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِجنَازَة فَأَثْنوا عَلَيْهَا خيرا، فَقَالَ: وَجَبت، ثمَّ مروا بِأُخْرَى فَأَثْنوا عَلَيْهَا شرا، فَقَالَ: وَجَبت، ثمَّ قَالَ: إِن بَعْضكُم على بعض شُهَدَاء) . وروى أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (الْمَلَائِكَة، عليهم السلام، شُهَدَاء الله فِي السَّمَاء وَأَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض، إِن بَعْضكُم على بعض شَهِيد) . قَوْله: (وَجَبت) أَي: وَجَبت الْجنَّة فِي الأول، وَوَجَبَت النَّار فِي الثَّانِي، وَالْمرَاد بِالْوُجُوب الثُّبُوت، أَو هُوَ فِي صِحَة الْوُقُوع كالشيء الْوَاجِب، وَحَاصِل الْمَعْنى أَن ثناءهم عَلَيْهِ بِالْخَيرِ يدل على أَن أَفعاله كَانَت خيرا فَوَجَبت لَهُ الْجنَّة، وثناءهم عَلَيْهِ بِالشَّرِّ يدل على أَن أَفعاله كَانَت شرا فَوَجَبت لَهُ النَّار، وَذَلِكَ لِأَن الْمُؤمنِينَ شُهَدَاء بَعضهم على بعض، لما صرح فِي الحَدِيث، والتكرير فِيهِ فِي رِوَايَة مُسلم وَغَيره لتأكيد الْكَلَام وتحقيقه لِئَلَّا يشكوا فِيهِ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: معنى هَذَا الحَدِيث عِنْد الْفُقَهَاء إِذا أثنى عَلَيْهِ أهل الْفضل والصدق، لِأَن الفسقة قد يثنون على الفسقة فَلَا يدْخلُونَ فِي معنى هَذَا الحَدِيث، وَالْمرَاد، وَالله أعلم، إِذا كَانَ الثَّنَاء بِالشَّرِّ مِمَّن لَيْسَ لَهُ بعدوٍّ، لِأَنَّهُ قد يكون للرجل الصَّالح الْعَدو، وَإِذا مَاتَ عدوه فَذكر عَن ذَلِك الرجل الصَّالح شرا فَلَا يدْخل الْمَيِّت فِي معنى هَذَا الحَدِيث، لِأَن شَهَادَته كَانَت لَا تجوز عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِن كَانَ عدلا للعداوة والبشر غير معصومين. فَإِن قيل: كَيفَ يجوز ذكر شَرّ الْمَوْتَى، مَعَ وُرُود الحَدِيث الصَّحِيح عَن زيد بن أَرقم فِي النَّهْي عَن سبّ الْمَوْتَى وَذكرهمْ إلَاّ بِخَير. وَأجِيب: بِأَن النَّهْي عَن سبّ الْأَمْوَات غير الْمُنَافِق وَالْكَافِر والمجاهر بِالْفِسْقِ أَو بالبدعة، فَإِن هَؤُلَاءِ لَا يحرم، وَذكرهمْ بِالشَّرِّ للحذر من طريقهم، وَمن الِاقْتِدَاء بهم، وَقيل: لَا بُد أَن يكون ثناؤهم مطابقا لأفعاله. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَن يكون النَّهْي عَن سبّ الْمَوْتَى مُتَأَخِّرًا عَن هَذَا الحَدِيث، فَيكون نَاسِخا، وَقيل: حَدِيث أنس الْمَذْكُور يجْرِي مجْرى الْغَيْبَة فِي الْأَحْيَاء، فَإِن كَانَ الرجل أغلب أَحْوَاله الْخَيْر، وَقد يكون مِنْهُ الْغَلَبَة فالإغتياب لَهُ محرم، وَإِن كَانَ فَاسِقًا مُعْلنا فَلَا غيبَة فِيهِ، فَكَذَلِك الْمَيِّت، فَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يُنْهِي عَنهُ من سبّ الْأَمْوَات، وَقَالَ بَعضهم: الثَّنَاء على عُمُومه لكل مُسلم مَاتَ، فَإِذا ألهم الله النَّاس، أَو معظمهم، الثَّنَاء عَلَيْهِ كَانَ ذَلِك دَلِيلا أَنه من أهل الْجنَّة، سَوَاء كَانَت أَفعاله تَقْتَضِي ذَلِك أم لَا، لِأَنَّهُ، وَإِن لم تكن أَفعاله مقتضية فَلَا تتحتم عَلَيْهِ الْعقُوبَة، بل هُوَ فِي الْمَشِيئَة، فَإِذا ألهم الله النَّاس الثَّنَاء عَلَيْهِ استدللنا بذلك أَن الله تَعَالَى قد شَاءَ الْمَغْفِرَة لَهُ، وَبِهَذَا تظهر فَائِدَة الثَّنَاء فِي قَوْله:(وَجَبت)، وَقيل: هَذَا خَاص بالمثنين الْمَذْكُورين لغيب أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ، ورد بِأَن كلمة: من، تستدعي الْعُمُوم والتخصيص بِلَا مُخَصص، لَا يجوز. قَوْله:(أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض) . الْخطاب للصحابة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلمن كَانَ على صفتهمْ من الْإِيمَان، وَحكى ابْن التِّين أَن ذَلِك مَخْصُوص بالصحابة لأَنهم كَانُوا ينطقون بالحكمة بِخِلَاف من بعدهمْ، ثمَّ قَالَ: وَالصَّوَاب أَن ذَلِك يخْتَص بالثقات والمتقين. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الظَّاهِر أَن الَّذِي أثنوا عَلَيْهِ شرا كَانَ من الْمُنَافِقين. قلت: ويستأنس لما قَالَه بِمَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي قَتَادَة بِإِسْنَاد صَحِيح أَنه صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ على الَّذِي أثنوا عَلَيْهِ شرا، وَصلى على الآخر.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِيهِ: دلَالَة على جَوَاز ذكر الْمَرْء بِمَا يُعلمهُ إِذا وَقعت الْحَاجة إِلَيْهِ، نَحْو سُؤال القَاضِي الْمُزَكي وَنَحْوه.

8631 -

حدَّثنا عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ قَالَ حدَّثنا دَاوُدُ بنُ أبي الفُرَاتِ عنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عنْ أبِي الأسْوَدِ قَالَ قَدِمْتُ المَدِينَةَ وقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ فَجَلَسْتُ إلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فَمَرَّ بِهِمْ جَنَازَةُ فأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرا فَقَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ فأُثْنِيَ عَلَى صاحِبِهَا خَيْرا فَقَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شرَّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقَالَ أبُو الأسْوَدِ فقُلْتُ وَمَا وَجَبَتْ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَالَ قُلْتُ كَمَا قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ فقُلْنَا وثَلَاثَةٌ قَالَ وثَلَاثَةٌ فقُلْنَا واثْنَان قالَ واثْنَانِ ثُمَّ لَمْ نَسْألْهُ عنِ الوَاحِدِ.

(الحَدِيث 8631 طرفه فِي: 3462) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة قَوْله: (حَدثنَا) ، كَذَا وَقع لأكْثر الروَاة، وَذكر أَصْحَاب الْأَطْرَاف أَنه أخرجه قَائِلا: قَالَ عَفَّان،

ص: 195

وَبِذَلِك جزم الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : كَذَا ذكره البُخَارِيّ مُعَلّقا عَن شَيْخه، فَقَالَ: وَقَالَ عَفَّان، وَقَالَهُ أَيْضا أَبُو الْعَبَّاس الطرقي، وَخلف فِي كتاب (الْأَطْرَاف) : وَالَّذِي فِي نسخه سَمَاعنَا: حَدثنَا عَفَّان، وعَلى تَقْدِير صِحَة الأول فقد وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي (صَحِيحه) فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ، حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا عَفَّان إِلَى آخِره.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَفَّان، بتَشْديد الْفَاء: ابْن مُسلم، بِكَسْر اللَّام الْخَفِيفَة: الصفار. الثَّانِي: دَاوُد بن أبي الْفُرَات، بِلَفْظ النَّهر الْمَشْهُور، وَاسم أبي الْفُرَات: عَمْرو، وَهُوَ كندي وَلَهُم شيخ آخر يُقَال لَهُ: دَاوُد بن أبي الْفُرَات، وَاسم أَبِيه: بكر، وَاسم جده: أَبُو الْفُرَات، وَهُوَ أشجعي من أهل الْمَدِينَة أقدم من الْكِنْدِيّ. الثَّالِث: عبد الله بن بُرَيْدَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، مر فِي أَوَاخِر كتاب الْحيض. الرَّابِع: أَبُو الْأسود ظَالِم بن عَمْرو بن سُفْيَان من سَادَات التَّابِعين، ولي الْبَصْرَة وَهُوَ أول من تكلم فِي النَّحْو بعد عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ، وَهُوَ الْمَشْهُور بالدؤلي، وَفِيه اختلافات: فَقيل، بِضَم الدَّال وَسُكُون الْوَاو وبالضم والهمزة الْمَفْتُوحَة، قَالَ الْأَخْفَش: هُوَ بِالضَّمِّ وَكسر الْهمزَة، إلَاّ أَنهم فتحُوا الْهمزَة فِي النِّسْبَة استثقالاً للكسرتين، وياء النِّسْبَة، وَرُبمَا قَالُوا: بِضَم الدَّال وَفتح الْوَاو المقلوبة عَن الْهمزَة، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: بِكَسْر الدَّال وقلب الْهمزَة يَاء. الْخَامِس: عمر ابْن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: عَفَّان بن مُسلم الصفار مَذْكُور فِي بعض النّسخ بالصفار وَفِي بَعْضهَا بِدُونِهِ. وَفِيه: رِوَايَة عبد الله بن بُرَيْدَة معنعنة عَن أبي الْأسود، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب (التتبع) عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ أَن ابْن بُرَيْدَة إِنَّمَا يروي عَن يحيى بن يعمر عَن أبي الْأسود، وَلم يقل فِي هَذَا الحَدِيث: سَمِعت أَبَا الْأسود، قيل: إِن ابْن بُرَيْدَة ولد فِي عهد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فقد أدْرك أَبَا الْأسود بِلَا ريب، لَكِن البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَا يَكْتَفِي بالمعاصرة فَلَعَلَّهُ أخرجه شَاهدا، وَاكْتفى للْأَصْل بِحَدِيث أنس الَّذِي قبله. وَفِيه: قَالَ الْكرْمَانِي: وَرِجَال الْإِسْنَاد كلهم بصريون. قلت: دَاوُد مروزي، وَلكنه تحول إِلَى الْبَصْرَة، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشَّهَادَات عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن دَاوُد بن أبي الْفُرَات، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجَنَائِز، وَقَالَ: حَدثنَا يحيى بن مُوسَى وَهَارُون بن عبد الله الْبَزَّار، قَالَا: حَدثنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا دَاوُد بن أبي الْفُرَات حَدثنَا عبد الله بن بُرَيْدَة (عَن أبي الْأسود الديلِي، قَالَ: قدمت الْمَدِينَة فَجَلَست إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَمروا بِجنَازَة فَأَثْنوا عَلَيْهَا خيرا، فَقَالَ عمر: وَجَبت، فَقلت لعمر: مَا وَجَبت؟ قَالَ: أَقُول كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَا من مُسلم يشْهد لَهُ ثَلَاثَة إلَاّ وَجَبت لَهُ الْجنَّة. قُلْنَا: وإثنان؟ قَالَ: وإثنان، قَالَ: وَلم نسْأَل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْوَاحِد) . قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ وَفِي لَفظه: (أَرْبَعَة) مثل لفظ البُخَارِيّ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قدمت الْمَدِينَة) أَي: مَدِينَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (وَقد وَقع مرض) ، جملَة حَالية، وَزَاد البُخَارِيّ فِي الشَّهَادَات عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن دَاوُد بن أبي الْفُرَات:(وهم يموتون موتا ذريعا) ، وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، أَي: سَرِيعا. قَوْله: (فَجَلَست إِلَى عمر) ، يحْتَمل أَن يكون إِلَى هَهُنَا على بَابه بِمَعْنى الِانْتِهَاء والغاية، وَالْمعْنَى انْتهى جلوسي إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالْأَوْجه أَن يكون إِلَى هَهُنَا بِمَعْنى: عِنْد، أَي: جَلَست عِنْد عمر كَمَا قَالَ فِي قَول الشَّاعِر:

(أم لَا سَبِيل إِلَى الشَّبَاب وَذكره

أشهى إِلَيّ من الرَّحِيق السلسل)

قَوْله: (فَأثْنى على صَاحبهَا خيرا) بِنصب: خيرا، فِي أَكثر الْأُصُول، وَكَذَا شرا. ويروى:(خير وَشر) ، بِالرَّفْع فيهمَا، وأثني على صِيغَة الْمَجْهُول. فَوجه النصب مَا قَالَه ابْن بطال: إِنَّه أَقَامَ الْجَار وَالْمَجْرُور مقَام الْمَفْعُول الأول، وَخيرا مقَام الْمَفْعُول الثَّانِي. وَقَالَ ابْن مَالك: خيرا، صفة لمصدر مَحْذُوف وأقيمت مقَامه فنصب لِأَن: أثنى، مُسْند إِلَى الْجَار وَالْمَجْرُور، والتفاوت بَين الْإِسْنَاد إِلَى الْمصدر والإسناد إِلَى الْجَار وَالْمَجْرُور قَلِيل. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ مَنْصُوب بِإِسْقَاط الْجَار أَي: فَأثْنى عَلَيْهَا بِخَير، وَوجه الرّفْع ظَاهر، وَهُوَ أَن: أُثنى، مُسْند إِلَيْهِ، وَقَالَ ابْن التِّين: الصَّوَاب بِالرَّفْع، وَفِي نَصبه بعد فِي اللِّسَان. قَوْله:(وَجَبت) أَي: الْجنَّة، كَمَا ذكرنَا. قَوْله:(قَالَ أَبُو الْأسود) وَهُوَ الرَّاوِي الْمَذْكُور، وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله:(وَمَا وَجَبت؟) اسْتِفْهَام عَن

ص: 196

معنى الْوُجُوب فيهمَا مَعَ اخْتِلَاف الثَّنَاء بِالْخَيرِ وَالشَّر. قَوْله: (أَيّمَا مُسلم) إِلَى آخِره، مقول قَول النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قَوْله:(شهد لَهُ أَرْبَعَة) أَي: أَرْبَعَة من الْمُسلمين، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: ثَلَاثَة، كَمَا ذكرنَا. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي اخْتِلَاف هَذَا الْعدَد حَيْثُ جَاءَ أَرْبَعَة وَثَلَاثَة وَاثْنَانِ؟ قلت: لاخْتِلَاف الْمعَانِي، لِأَن الثَّنَاء قد يكون بِالسَّمَاعِ الفاشي على الْأَلْسِنَة فاستحب فِي ذَلِك التَّوَاتُر وَالْكَثْرَة، وَالشَّهَادَة لَا تكون إلَاّ بالمعرفة بأحوال الْمَشْهُود لَهُ، فَيَأْتِي فِي ذَلِك أَرْبَعَة شُهَدَاء، لِأَن ذَلِك أَعلَى مَا يكون من الشَّهَادَة، أَلا يرى أَن الله تَعَالَى جعل فِي الزِّنَى أَرْبَعَة شُهَدَاء، فَإِن قصروا يَأْتِي فِيهِ ثَلَاثَة، فَإِن قصروا فِيهِ يَأْتِي فِيهِ شَاهِدَانِ؟ لِأَن ذَلِك أقل مَا يَجْزِي فِي الشَّهَادَة على سَائِر الْحُقُوق رَحْمَة من الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ، وتجاوزا عَنْهُم حَيْثُ أجْرى أُمُورهم فِي الْآخِرَة على نمط أُمُورهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَلِهَذَا لم يسْأَلُوا النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، عَن الْوَاحِد، حَيْثُ قَالَ:(ثمَّ لم نَسْأَلهُ عَن الْوَاحِد) أَي: ثمَّ لم نسْأَل النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن ثَنَاء الشَّخْص الْوَاحِد: هَل يَكْتَفِي بِهِ؟ وَذَلِكَ أَن هَذَا الْمقَام مقَام عَظِيم فَلَا يَكْتَفِي فِيهِ بِأَقَلّ من النّصاب. فَإِن قلت: هَل يخْتَص الثَّنَاء الَّذِي ينفع الْمَيِّت بِالرِّجَالِ أم يشْتَرك فِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء، فَإِذا قُلْنَا: يشتركون فِيهِ، فَهَل يَكْتَفِي فِي ذَلِك بامرأتين؟ أَو لَا بُد من رجل وَامْرَأَتَيْنِ أَو أَربع نسْوَة؟ قلت: الظَّاهِر الِاكْتِفَاء بِاثْنَيْنِ مُسلمين، وَإنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى قيام امْرَأتَيْنِ مقَام رجل وَاحِد، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير من رِوَايَة إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن قسطاس عَن سعد بن إِسْحَاق بن كَعْب بن عجْرَة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا لأَصْحَابه: (مَا تَقولُونَ فِي رجل قتل فِي سَبِيل الله؟ قَالُوا: ألله وَرَسُوله أعلم. قَالَ الْجنَّة، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، قَالَ: فَمَا تَقولُونَ فِي رجل مَاتَ فَقَامَ رجلَانِ ذَوا عدل فَقَالَا: لَا نعلم إلَاّ خيرا؟ قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: الْجنَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى، قَالَ: فَمَا تَقولُونَ فِي رجل مَاتَ فَقَامَ رجلَانِ ذَوا عدل، فَقَالَا: لَا نعلم خيرا، فَقَالُوا: النَّار، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: مذنب، وَالله غَفُور رَحِيم) . فقد يُقَال: لَا يكْتَفى بِشَهَادَة النِّسَاء، ألَا يُرى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بِشَهَادَة الْمَرْأَة الَّتِي أثنت على عُثْمَان بن مَظْعُون بقولِهَا: شهادتي عَلَيْك أَبَا السَّائِب، فَقَالَ لَهَا: وَمَا يدْريك؟ وَقد يُجَاب عَنهُ: بِأَنَّهُ إِنَّمَا أنكر عَلَيْهَا الْقطع بِأَن الله أكْرمه، وَذَلِكَ مغيب عَنْهَا، بِخِلَاف الشَّهَادَة للْمَيت بأفعاله الجميلة الَّتِي كَانَ متلبسا بهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا، والْحَدِيث الَّذِي فِيهِ قَضِيَّة عُثْمَان بن مَظْعُون رَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث حَارِثَة بن زيد: أَن أم الْعَلَاء امْرَأَة من الْأَنْصَار قد بَايَعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أخْبرته أَنهم اقتسموا للمهاجرين قرعَة، فطار لنا عُثْمَان بن مَظْعُون فأنزلناه فِي أَبْيَاتنَا، فوجع وَجَعه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَلَمَّا توفّي وَغسل وكفن فِي أثوابه دخل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقلت: يَا عُثْمَان بن مَظْعُون، رَحْمَة الله عَلَيْك أَبَا السَّائِب، فشهادتي عَلَيْك، لقد أكرمك الله تَعَالَى، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: وَمَا يدْريك أَن الله أكْرمه؟ فَقلت: بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله، فَمن؟ فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: أما هُوَ فقد جَاءَهُ الْيَقِين فوَاللَّه إِنِّي لأرجو لَهُ الْخَيْر وَالله مَا أَدْرِي وَأَنا رَسُول الله مَاذَا يفعل بِي قَالَت فوَاللَّه مَا أزكي بعده أحدا) . وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. فَإِن قلت: هَل يخْتَص الثَّنَاء الَّذِي ينفع الْمَيِّت بِكَوْنِهِ مِمَّن خالطه وَعرف حَاله أم هُوَ على عُمُومه؟ قلت: الظَّاهِر الأول بِدَلِيل قَوْله، صلى الله عليه وسلم، فِي حَدِيث أنس الَّذِي رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي فِي (مُسْنده) بِإِسْنَاد صَحِيح، قَالَ: قَالَ رَسُول الله: (مَا من مُسلم يَمُوت فَيشْهد لَهُ أَرْبَعَة من أهل أَبْيَات من جِيرَانه الأدنين أَنهم لَا يعلمُونَ إلَاّ خيرا، إلَاّ قَالَ الله تَعَالَى: قد قبلت علمكُم وغرت لَهُ مَا لَا تعلمُونَ) . فَإِن قلت: هَل ينفع الثَّنَاء على الْمَيِّت بِالْخَيرِ وَإِن خَالف الْوَاقِع أم لَا بُد أَن يكون الثَّنَاء عَلَيْهِ مطابقا للْوَاقِع؟ قلت: قَالَ شَيخنَا زين الدّين، رحمه الله: فِيهِ قَولَانِ للْعُلَمَاء أصَحهمَا أَن ذَلِك يَنْفَعهُ، وَأَن لم يُطَابق الْوَاقِع لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَا يَنْفَعهُ إلَاّ بالموافقة لم يكن للثناء فَائِدَة، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من رِوَايَة فرات بن السَّائِب عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:(إِن العَبْد سيرزق الثَّنَاء والستر وَالْحب من النَّاس حَتَّى تَقول الْحفظَة: رَبنَا إِنَّك تعلم ونعلم غير مَا يَقُولُونَ، فَيَقُول: أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُ مَا لَا يعلمُونَ، وَقبلت شَهَادَتهم على مَا يَقُولُونَ) . فَإِن قلت: الحَدِيث

ص: 197