الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزَّاي وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره دَال مُهْملَة: واسْمه عبد الرَّحْمَن. الْخَامِس: أَبُو الْحباب، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى، واسْمه سعيد بن يسَار ضد الْيَمين عَم مُعَاوِيَة الْمَذْكُور. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون. وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن أَخِيه. وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن عَمه.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن نصر، وَفِي الْمَلَائِكَة عَن عَبَّاس بن مُحَمَّد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من من يَوْم)، وَفِي حَدِيث أبي الدَّرْدَاء:(مَا من يَوْم طلعت فِيهِ الشَّمْس إلَاّ وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلَاّ الثقلَيْن: يَا أَيهَا النَّاس هلموا إِلَى ربكُم إِن مَا قل وَكفى خير مِمَّا كثر وألهى، وَلَا غربت شمسه إلَاّ وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأَرْض إلَاّ الثقلَيْن: أللهم أعْط منفقا خلفا وَأعْطِ ممسكا مَالا تلفا) . رَوَاهُ أَحْمد. قَوْله: (بجنبتيها) تَثْنِيَة: جنبة، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون النُّون وَهِي: النَّاحِيَة. قَوْله: (مَا من يَوْم) يَعْنِي: لَيْسَ من يَوْم، وَكلمَة: من، زَائِدَة، و: يَوْم، اسْمه. وَقَوله:(يصبح الْعباد فِيهِ) صفة يَوْم. وَقَوله: (إلَاّ ملكان) مُسْتَثْنى من مُتَعَلق مَحْذُوف، وَهُوَ خبر: مَا، الْمَعْنى: لَيْسَ يَوْم مَوْصُوف بِهَذَا الْوَصْف ينزل فِيهِ أحد إلَاّ ملكان يَقُولَانِ كَيْت وَكَيْت، فَحذف الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَدلّ عَلَيْهِ بِوَصْف: الْملكَانِ ينزلان، وَنَظِيره فِي مَجِيء الْمَوْصُوف مَعَ الصّفة بُعد إلَاّ فِي الِاسْتِثْنَاء المفرغ، قَوْلك: مَا أخْبرت مِنْكُم أحدا إلَاّ رَفِيقًا. قَوْله: (خلفا) بِفَتْح اللَّام أَي: عوضا. يُقَال أخلف الله عَلَيْك خلفا أَي: عوضا أَي: أبدلك بِمَا ذهب مِنْك. قَوْله: (أعطِ ممسكا تلفا) التَّعْبِير بِالْعَطِيَّةِ هُنَا من قبيل المشاكلة، لِأَن التّلف لَيْسَ بعطية.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَنه مُوَافق لقَوْله تَعَالَى: {وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه} (سبإ: 93) . وَلقَوْله: (ابْن آدم أنْفق أنْفق عَلَيْك)، وَهَذَا يعم الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب. وَفِيه: أَن الممسك يسْتَحق تلف مَاله، وَيُرَاد بِهِ الْإِمْسَاك عَن الْوَاجِبَات دون المندوبات، فَإِنَّهُ قد لَا يسْتَحق هَذَا الدُّعَاء، اللَّهُمَّ إلَاّ أَن يغلب عَلَيْهِ الْبُخْل بهَا، وَإِن قلت فِي نَفسهَا كالحبة واللقمة وَنَحْوهمَا. وَفِيه: الحض على الْإِنْفَاق فِي الْوَاجِبَات كَالنَّفَقَةِ على الْأَهْل وصلَة الرَّحِم، وَيدخل فِيهِ صَدَقَة التَّطَوُّع وَالْفَرْض. وَفِيه: دُعَاء الْمَلَائِكَة، وَمَعْلُوم أَنه مجاب بِدَلِيل قَوْله:(من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) .
82 -
(بابُ مَثَلِ المُتَصَدِّقِ وَالبَخِيلِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ مثل الْمُتَصَدّق والبخيل، وَمثل الْمُتَصَدّق كَلَام إضافي مَرْفُوع على الِابْتِدَاء، وَخَبره مَحْذُوف، حذفه البُخَارِيّ فِي التَّرْجَمَة اكْتِفَاء بِذكرِهِ فِي حَدِيث الْبَاب.
3441 -
حدَّثنا مُوسى اقال حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثنا ابنُ طَاوُوسٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَثَلُ البَخِيلِ وَالمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة جُزْء من الحَدِيث وَهُوَ ظَاهر.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان.
قَوْله: (مثل الْبَخِيل والمنفق)، وَوَقع عِنْد مُسلم من طَرِيق سُفْيَان عَن أبي الزِّنَاد:(مثل الْمُنفق والمتصدق)، قَالَ عِيَاض: هُوَ وهم، وَيُمكن أَنه حذف مُقَابِله لدلَالَة السِّيَاق عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَقع فِي بَاقِي الرِّوَايَات: مثل الْبَخِيل والمتصدق، وَقد يحْتَمل أَن صِحَة رِوَايَة الْمُنفق والمتصدق أَن يكون فِيهِ حذف تَقْدِير: مثل الْمُنفق والمتصدق وقسيمهما هُوَ الْبَخِيل، وَحذف الْبَخِيل لدلَالَة الْمُنفق والمتصدق عَلَيْهِ، كَقَوْلِه تَعَالَى:{سرابيل تقيكم الْحر} (النَّحْل: 18) . أَي: وَالْبرد، حذف الْبرد لدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ. قيل: رَوَاهُ الْحميدِي وَأحمد وَابْن أبي عَمْرو وَغَيرهم فِي مسانيدهم عَن ابْن عُيَيْنَة، فَقَالُوا فِي رواياتهم:(مثل الْمُنفق والبخيل) ، كَمَا فِي رِوَايَة شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد، وَهُوَ الصَّوَاب. قَوْله: والمتصدق)
وَقع فِي بعض الْأُصُول: الْمُتَصَدّق، بِالتَّاءِ وَفِي بَعْضهَا بِحَذْف التَّاء وَتَشْديد الصَّاد، هما صَحِيحَانِ، قَالَه النَّوَوِيّ قلت: وَجه هَذَا أَن التَّاء لَا تحذف بل تقلب صادا، ثمَّ تُدْغَم الصَّاد فِي الصَّاد، وَهَذَا الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَاعِدَة. قَوْله:(كَمثل رجلَيْنِ)، وَفِي رِوَايَة عَمْرو: رجل، بِالْإِفْرَادِ وَكَأَنَّهُ تَغْيِير من بعض الروَاة، وَصَوَابه: رجلَيْنِ. قَوْله: (جبتان) ، بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم:(كَمثل رجل عَلَيْهِ جبتان أَو جنتان) . وَقَالَ النَّوَوِيّ: أما جبتان أَو جنتان فَالْأول بِالْبَاء وَالثَّانِي بالنُّون، وَوَقع فِي بعض الْأُصُول عَكسه، وَقَالَ ابْن قرقول: وَالنُّون أصوب بِلَا شكّ، وَهِي الدرْع، يدل عَلَيْهِ قَوْله فِي الحَدِيث نَفسه:(لزقت كل حَلقَة)، وَفِي لفظ:(فَأخذت كل حَلقَة موضعهَا) . وَكَذَا قَوْله: (من حَدِيد) . قلت: وَرَوَاهُ حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان الجُمَحِي عَن طَاوُوس، بالنُّون، كَمَا يَجِيء عَن قريب، ورجحت هَذِه الرِّوَايَة بِمَا قَالَه ابْن قرقول، وَالْجنَّة هِيَ الْحصن فِي الأَصْل، وَسميت بهَا الدرْع لِأَنَّهَا تجن صَاحبهَا أَي: تحصنه، والجبة بِالْبَاء الْمُوَحدَة هِيَ الثَّوْب الْمعِين، وَقَالَ بَعضهم: وَلَا مَانع من اطلاقه على الدرْع. قلت: الْمَانِع مَوْجُود، لِأَن الْجُبَّة بِالْبَاء لَا تحصن مثل الْجنَّة بالنُّون، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي (الْفَائِق) : جنتان، بالنُّون. فِي هَذَا الْموضع بِلَا شكّ، وَلَا اخْتِلَاف. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: هُوَ الْأَنْسَب، لِأَن الدرْع لَا يُسمى جُبَّة بِالْبَاء بل بالنُّون.
وحدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ حدَّثنا أبُو الزِّنَادِ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ حدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَثَلُ البَخِيلِ وَالمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إلَى تَرَاقِيهِمَا فأمَّا المُنْفِقُ فَلَا يُنْفِقُ إلَاّ سَبَغَتْ أوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تَخْفِي بَنَانَهُ وَتَعْفُو أثَرَهُ وَأمَّا البَخِيلُ فَلَا يُرِيدُ أنْ يُنْفِقَ شَيْئا إلَاّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا فَهْوَ يُوَسِّعُهَا وَلَا تَتَّسِعُ.
هَذَا طَرِيق آخر أتم من الأول، رَوَاهُ عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن أبي الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون، عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مثل الْبَخِيل والمنفق)، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(مثل الْمُنفق والمتصدق كَمثل رجل عَلَيْهِ جنتان أَو جبتان)، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: وَقع فِي هَذَا الحَدِيث أَوْهَام كَثِيرَة من الروَاة تَصْحِيف وتحريف وَتَقْدِيم وَتَأْخِير، فَمِنْهُ: مثل الْمُنفق والمتصدق، وَمِنْه: كَمثل رجل، وَصَوَابه رجلَيْنِ عَلَيْهِمَا جبتان، وَمِنْه قَوْله:(جبتان أَو جنتان)، بالنُّون بِالشَّكِّ وَالصَّوَاب: جنتان، بالنُّون بِلَا شكّ. قَوْله:(من ثديهما) ، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الدَّال، كَذَا فِي رِوَايَة أبي الْحسن جمع ثدي، نَحْو الْفُلُوس والفلس، فعلى هَذَا أَصله: ثدوي، اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فأبدلت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء فَصَارَ: ثدي، بِضَم الدَّال ثمَّ أبدلت الضمة كسرة لأجل الْيَاء، وَقَالَ ابْن التِّين: وَيصِح نصب الثَّاء، وَفِي رِوَايَة: ثدييهما، بالتثنية وَفِي (الْمُجْمل) : الثدي، بِالْفَتْح للْمَرْأَة وَالْجمع الثدي، يذكر وَيُؤَنث. وَفِي (الْمُخَصّص) : وَالْجمع أثد، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الثدي للرجل وَالْمَرْأَة، وَالْجمع أثد وثدي، على فعول، وثدي بِكَسْر الثَّاء. قَوْله:(إِلَى تراقيهما) جمع ترقوة، وَيُقَال: الترائق أَيْضا على الْقلب، وَقَالَ ثَابت فِي (خلق الْإِنْسَان) : الترقوتان هما العظمان المشرفان فِي أَعلَى الصَّدْر من رَأس الْمَنْكِبَيْنِ إِلَى طرف ثغرة النَّحْر، وَهِي اللهزمة الَّتِي بَينهمَا. وَفِي (الْمُخَصّص) : هِيَ من رقى يرقى. فَإِن قلت: لِمَ لَا تقلب الْوَاو ألفا؟ قلت: لِئَلَّا يخْتل الْبناء كَمَا فِي سرو، وَفِي (الصِّحَاح) لَا تقل: ترقوة بِالضَّمِّ. قَوْله: (إلَاّ سبغت) أَي: امتدت وغطت، وَقيل: كملت وتمت، وَضَبطه الْأصيلِيّ بِضَم التَّاء وَهُوَ شَيْء لَا يعرف. قَوْله:(أَو وقرت) ، شكّ من الرَّاوِي، من الوفور بِمَعْنى: كملت. وَفِي (التَّلْوِيح) : سبغت أَو مرت على جلد، كَذَا فِي النّسخ: مرت، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَقيل صَوَابه، يَعْنِي فِي مُسلم مدت بِالدَّال، بِمَعْنى: سبغت كَمَا فِي الحَدِيث الآخر: (انبسطت) . وَفِي (التَّلْوِيح) : وَفِي بعض نسخ البُخَارِيّ: مادت، بدال مُخَفّفَة من ماد إِذا مَال، وَرَوَاهُ بَعضهم: مارت، وَمَعْنَاهُ: سَالَتْ عَلَيْهِ وامتدت. قَالَ الْأَزْهَرِي: مَعْنَاهُ تردّدت وَذَهَبت وَجَاءَت بكمالها. قَوْله: (حَتَّى تجن) بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْجِيم وَتَشْديد النُّون، هَذَا فِي رِوَايَة الْحميدِي وَمَعْنَاهُ: حَتَّى تستر، من أجن إِذا ستر، وَكَذَلِكَ جن بِمَعْنَاهُ: ويروى حق يخفى
وَقَالَ ابْن التِّين رَوَاهُ أَبُو سُلَيْمَان حَتَّى تجربانه وَقَالَ النَّوَوِيّ وَرَوَاهُ بَعضهم يحز بحاء وزاي وَهُوَ وهم وَالصَّوَاب تجن بجيم وَنون قَوْله (بنانه) أَي أَصَابِعه وَهُوَ رِوَايَة الْجُمْهُور كَمَا فِي الحَدِيث الآخر أنامله ويروى ثِيَابه بثاء مُثَلّثَة وَهُوَ وهموقد وَقع فِي رِوَايَة الْحسن بن مُسلم حَتَّى تغشى بالغين والشين المعجمتين قَوْله (وتعفوا أَثَره) أَي يمحوا أَثَره وَهُوَ يَجِيء لَازِما ومتعدياً فَهُنَا مُتَعَدٍّ لِأَنَّهُ نصب أَثَره وأثره بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبكسر الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء مَعْنَاهُ تمحو أثر مَشْيه بسبوغها وكمالها وَقَالَ الدَّاودِيّ بعفى أثر صَاحبه إِذا مَشى بمرور الذيل عَلَيْهِ لِأَن الْمُنفق إِذا أنْفق طَال ذَلِك اللبَاس الَّذِي عَلَيْهِ حَتَّى يجره بِالْأَرْضِ قَوْله (لزقت) أَي التصقت وَفِي رِوَايَة مُسلم (انقبضت) وَفِي رِوَايَة همام (عضت كل حَلقَة مَكَانهَا) وي رِوَايَة سُفْيَان عِنْد مُسلم (قلصت) وَكَذَا فِي رِوَايَة الْحسن بن مُسلم عِنْد البُخَارِيّ وَزعم ابْن التِّين أَن فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الْبَخِيل يكوى بالنَّار يَوْم الْقِيَامَة قَوْله (فَهُوَ يوسعها وَلَا تتسع) وَفِي رِوَايَة عِنْد مُسلم قَالَ أَبُو هُرَيْرَة (فَهُوَ يوسعها وَلَا يَتَّسِع)(فَإِن قلت) هَذَا يَوْم أَنه مدرج (قلت) لَيْسَ كَذَلِك وَقد وَقع التَّصْرِيح بِرَفْع هَذِه الْجُمْلَة فِي طَرِيق طَاوُوس عَن أبي هُرَيْرَة وَفِي رِوَايَة ابْن طَاوُوس عِنْد البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد فَسمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول (فيجتهدان يوسعها وَلَا تتسع) وَفِي رِوَايَة لمُسلم (فَسمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكره وَفِي رِوَايَة الْحسن بن مُسلم عِنْدهَا (فَأَنا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول بإصبعه هَكَذَا فِي جيبه فَلَو رَأَيْته يوسعها وَلَا تتسع وَعند أَحْمد من طَرِيق ابْن إِسْحَاق عَن أبي الزِّنَاد فِي هَذَا الحَدِيث وَأما الْبَخِيل فَإِنَّهَا لَا تزداد عَلَيْهِ إِلَّا استحكاماً وَهَذَا بِالْمَعْنَى وَقَالَ الْخطابِيّ هَذَا مثل ضربه صلى الله عليه وسلم للجواد الْبَخِيل شبهما برجلَيْن أَرَادَ كل مِنْهُمَا أَن يلبس درعا يستجن بهَا والدرع أول مَا يلبس إِنَّمَا يَقع على مَوضِع الصَّدْر والثديين إِلَى أَن يسْلك لَابسهَا يَدَيْهِ فِي كميه، وَيُرْسل ذيلها على أَسْفَل بدنه فيستمر سفلاً، فَجعل صلى الله عليه وسلم مثل الْمُنفق مثل من لبس درعا سابغة فاسترسلت عَلَيْهِ حَتَّى سترت جَمِيع بدنه وخصته، وَجعل الْبَخِيل كَرجل يَدَاهُ مغلولتان مَا بَين دون صَدره فَإِذا أَرَادَ لبس الدرْع حَالَتْ يَدَاهُ بَينهَا وَبَين أَن تمر سفلاً على الْبدن، وَاجْتمعت فِي عُنُقه فلزمت ترقوته، فَكَانَت ثقلاً ووبالاً عَلَيْهِ من غير وقاية لَهُ وتحصين لبدنه، وَحَاصِله أَن الْجواد إِذا هم بِالنَّفَقَةِ اتَّسع لذَلِك صَدره وطاوعت يَدَاهُ فامتدتا بالعطاء، وَأَن الْبَخِيل يضيق صَدره وتنقبض يَده عَن الْإِنْفَاق. وَقيل: ضرب الْمثل بهما لِأَن الْمُنفق يستره الله بِنَفَقَتِهِ وَيسْتر عوراته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كستر هَذِه الْجُبَّة لَابسهَا، والبخيل كمن لبس جُبَّة إِلَى ثدييه فَيبقى مكشوفا ظَاهر الْعَوْرَة مفتضحا فِي الدَّاريْنِ. وَقَالَ ابْن بطال: يُرِيد أَن الْمُنفق إِذا أنْفق كفرت الصَّدَقَة ذنُوبه ومحتها، كَمَا أَن الْجُبَّة إِذا أسبغت عَلَيْهِ سترته وَوَقته، والبخيل لَا تطاوعه نَفسه على الْبَذْل فَيبقى غير مكفر عَنهُ الآثام، كَمَا أَن الْجُبَّة تبقي من بدنه مَا لَا تستره، فَيكون معرض الْآفَات. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: شبه السخي إِذا قصد التَّصَدُّق يسهل عَلَيْهِ بِمن عَلَيْهِ الْجُبَّة وَيَده تحتهَا، فَإِذا أَرَادَ أَن يُخرجهَا مِنْهَا يسهل عَلَيْهِ، والبخيل على عَكسه، والأسلوب من التَّشْبِيه المفرق. قَالَ: وَقيد الْمُشبه بِهِ بالحديد إعلاما بِأَن الْقَبْض والشدة جبلة الْإِنْسَان، وأوقع الْمُتَصَدّق مَوضِع السخي مَعَ أَن مُقَابل الْبَخِيل هُوَ السخي لَا الْمُتَصَدّق إشعارا بِأَن السخاوة هِيَ مَا أَمر بِهِ الشَّرْع وَندب إِلَيْهِ من الْإِنْفَاق إلَاّ مَا يتعاناه المبذرون. وَقَالَ الْمُهلب: المُرَاد أَن الله يسر الْمُنفق فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة، بِخِلَاف الْبَخِيل فَإِنَّهُ يَفْضَحهُ، وَمعنى: تَعْفُو أَثَره، تمحو خطاياه، وَاعْترض عَلَيْهِ القَاضِي عِيَاض بِأَن الْخَبَر جَاءَ على التَّمْثِيل لَا على الْإِخْبَار عَن كَائِن، وَقيل: هُوَ تَمْثِيل لنماء المَال بِالصَّدَقَةِ، وَالْبخل بضده، وَقيل: تَمْثِيل لِكَثْرَة الْجُود وَالْبخل، وَأَن الْمُعْطِي إِذا أعْطى انبسطت يَدَاهُ بالعطاء، وتعود ذَلِك، فَإِذا أمسك صَار ذَلِك عَادَة.
تَابَعَهُ الحَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ طَاوُسٍ فِي الجُبتَيْنِ
أَي: تَابع ابْن طَاوُوس الْحسن بن مُسلم بن يناق فِي رِوَايَته عَن طَاوُوس فِي الجبتين بِالْبَاء، وَأخرج البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي كتاب اللبَاس فِي: بَاب جيب الْقَمِيص من عِنْد الصَّدْر. وَغَيره، قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد أخبرنَا أَبُو عَامر أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن نَافِع عَن الْحسن بن مُسلم عَن طَاوُوس عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (ضرب رَسُول الله، صلى الله