الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3531 -
حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ قَالَ حدَّثني ابنُ شِهَابٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ عنْ جابِرِ ابنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ ثُمَّ يَقُولُ أيُّهُمْ أكْثَر أخْذا لِلْقُرْآنِ فإذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ فقالَ أنَا شَهِيدٌ عَلى هاؤلَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغسِّلْهُمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة علمت مِمَّا ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَرِجَاله قد مروا غير مرّة، وعبدان بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب الصَّلَاة على الشَّهِيد، رَوَاهُ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث إِلَى آخِره، وَأخرجه أَيْضا فِي الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة الَّتِي بعده.
قَوْله: (بَين الرجلَيْن)، ويروى:(بَين رجلَيْنِ)، بِلَا ألف وَلَام. قَوْله:(وَلم يغسلهم)، بِفَتْح الْيَاء ويروى بضَمهَا: من التغسيل.
97 -
(بابٌ إذَا أسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَليهِ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ الإسْلَامُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أسلم الصَّبِي فَمَاتَ قبل الْبلُوغ، هَل يصلى عَلَيْهِ أم لَا؟ هَذِه تَرْجَمَة. وَقَوله: وَهل يعرض على الصَّبِي الْإِسْلَام؟ تَرْجَمَة أُخْرَى.
أما التَّرْجَمَة الأولى: فَفِيهَا خلاف، فَلذَلِك لم يذكر جَوَاب الِاسْتِفْهَام، وَلَا خلاف أَنه يصلى على الصَّغِير الْمَوْلُود فِي الْإِسْلَام لِأَنَّهُ كَانَ على دين أَبَوَيْهِ، قَالَ ابْن الْقَاسِم: إِذا أسلم الصَّغِير وَقد عقل الْإِسْلَام فَلهُ حكم الْمُسلمين فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِي حكم الصَّبِي إِذا أسلم أحد أَبَوَيْهِ على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: يتبع أَيهمَا أسلم، وَهُوَ أحد قولي مَالك، وَبِه أَخذ ابْن وهب، وَيصلى عَلَيْهِ إِن مَاتَ على هَذَا. وَالثَّانِي: يتبع أَبَاهُ وَلَا يعد بِإِسْلَام أمه مُسلما، وَهَذَا قَول مَالك فِي (الْمُدَوَّنَة) . وَالثَّالِث: تبع لأمه، وَإِن أسلم أَبوهُ، وَهَذِه مقَالَة شَاذَّة لَيست فِي مَذْهَب مَالك، وَقَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء فِي الطِّفْل الْحَرْبِيّ يسبى وَمَعَهُ أَبَوَاهُ أَن إِسْلَام الْأُم إِسْلَام لَهُ، وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا لم يكن مَعَه أَبوهُ، أَو وَقع فِي الْقِسْمَة دونهمَا ثمَّ مَاتَ فِي ملك مُشْتَرِيه، فَقَالَ مَالك فِي (الْمُدَوَّنَة) : لَا يصلى عَلَيْهِ إلَاّ أَن يُجيب إِلَى الْإِسْلَام بِأَمْر يعرف بِهِ أَنه عقله، وَهُوَ الْمَشْهُور من مذْهبه، وَعنهُ: إِذا لم يكن مَعَه أحد من آبَائِهِ وَلم يبلغ أَن يتدين أَو يدعى، وَنوى سَيّده الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يصلى عَلَيْهِ، وَأَحْكَامه أَحْكَام الْمُسلمين فِي الدّفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين والموارثة، وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَابْن دِينَار وإصبغ، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ. وَفِي (شرح الْهِدَايَة) : إِذا سبي صبي مَعَه أحد أَبَوَيْهِ فَمَاتَ لم يصل عَلَيْهِ حَتَّى يقر بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ يعقل، أَو يسلم أحد أَبَوَيْهِ خلافًا لمَالِك فِي إِسْلَام الْأُم، وَللشَّافِعِيّ فِي إِسْلَامه هُوَ وَالْولد يتبع خير الْأَبَوَيْنِ دينا، وللتبعية مَرَاتِب أقواها تَبَعِيَّة الْأَبَوَيْنِ. ثمَّ الدَّار ثمَّ الْيَد. وَفِي (الْمُغنِي) : لَا يصلى على أَوْلَاد الْمُشْركين إِلَّا أَن يسلم أحد أبويهم أَو يَمُوت مُشْركًا، فَيكون وَلَده مُسلما أَو يسبى مُنْفَردا أَو مَعَ أحد أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ يصلى عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِذا سبى مَعَ أحد أَبَوَيْهِ لَا يصلى عَلَيْهِ إلَاّ إِذا أسلم، وَعنهُ إِذا أسر مَعَ أَبَوَيْهِ أَو أَحدهمَا أَو وَحده ثمَّ مَاتَ قبل أَن يخْتَار الْإِسْلَام يصلى عَلَيْهِ.
وَأما التَّرْجَمَة الثَّانِيَة: فَإِنَّهُ ذكرهَا هُنَا بِلَفْظ الإستفهام، وَترْجم فِي كتاب الْجِهَاد بِصِيغَة تدل على الْجَزْم بذلك، فَقَالَ: كَيفَ يعرض الْإِسْلَام على الصَّبِي؟ وَذكر فِيهِ قصَّة ابْن صياد، وَفِيه: وَقد قَارب ابْن صياد يَحْتَلِم، فَلم يشْعر حَتَّى ضرب النَّبِي صلى الله عليه وسلم ظَهره بِيَدِهِ، ثمَّ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:(أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله؟) الحَدِيث، وَفِيه عرض الْإِسْلَام على الصَّغِير، وَاحْتج بِهِ قوم على صِحَة إِسْلَام الصَّبِي إِن قَارب الِاحْتِلَام، وَهُوَ مَقْصُود البُخَارِيّ من تبويبه بقوله: وَهل يعرض على الصَّبِي الْإِسْلَام؟ وَجَوَابه: يعرض، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك، خلافًا للشَّافِعِيّ.
وَقَالَ الحَسَنُ وَشُرَيْحٌ وَإبْرَاهِيمُ وقَتَادَةُ إذَا أسْلَمَ أحَدُهُمَا فالوَلَدُ مَعَ المُسْلِمِ
مطابقته أثر هَؤُلَاءِ تحسن أَن تكون للتَّرْجَمَة الثَّانِيَة، وَهِي قَوْله: وَهل يعرض على الصَّبِي الْإِسْلَام؟ فَإِن أَبَوَيْهِ إِذا أسلما أَو أسلم أَحدهمَا يكون مُسلما. وَأما أثر الْحسن الْبَصْرِيّ فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يحيى بن يحيى حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع
عَن يُونُس عَن الْحسن فِي: الصَّغِير، قَالَ: مَعَ الْمُسلم من وَالِديهِ. وَأما أثر شُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة: القَاضِي فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن يحيى بن يحيى حَدثنَا هشيم عَن أَشْعَث عَن الشّعبِيّ عَن شُرَيْح أَنه اخْتصم إِلَيْهِ فِي صبي أحد أَبَوَيْهِ نَصْرَانِيّ، قَالَ: الْوَالِد الْمُسلم أَحَق بِالْوَلَدِ، وَأما أثر إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَأخْرجهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم، قَالَ فِي نَصْرَانِيين بَينهمَا ولد صَغِير فَأسلم أَحدهمَا، قَالَ: أولاهما بِهِ الْمُسلم، وَأما أثر قَتَادَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن معمر عَنهُ نَحْو قَول الْحسن.
وكانَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مَعَ أُمِّهِ مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أبِيهِ عَلَى دِينِ قَومِهِ
أَي: وَكَانَ عبد الله بن عَبَّاس مَعَ أمه لبَابَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة من الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله حَدثنَا سُفْيَان، قَالَ: قَالَ عبيد الله: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: كنت أَنا وَأمي من الْمُسْتَضْعَفِينَ: إِنَّا من الْولدَان وَأمي من النِّسَاء، وَأَرَادَ بقوله: من الْمُسْتَضْعَفِينَ، قَوْله تَعَالَى:{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء والولدان} (النِّسَاء: 89) . وهم الَّذين أَسْلمُوا بِمَكَّة وصدهم الْمُشْركُونَ عَن الْهِجْرَة فبقوا بَين أظهرهم مستضعفين يلقون مِنْهُم الْأَذَى الشَّديد. قَوْله: (وَلم يكن مَعَ أَبِيه) أَي: وَلم يكن ابْن عَبَّاس مَعَ أَبِيه عَبَّاس على دين قومه الْمُشْركين، وَهَذَا من كَلَام البُخَارِيّ ذكره مستنبطا، وَلَكِن هَذَا مَبْنِيّ على أَن إِسْلَام الْعَبَّاس كَانَ بعد وقْعَة بدر. فَإِن قلت: روى ابْن سعد من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَنه أسلم قبل الْهِجْرَة، وَأقَام بِأَمْر النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهُ فِي ذَلِك لمصْلحَة الْمُسلمين. قلت: هَذَا فِي إِسْنَاده الْكَلْبِيّ وَهُوَ مَتْرُوك، وَيَردهُ أَيْضا أَن الْعَبَّاس أسر ببدر وفدى نَفسه على مَا يَجِيء فِي الْمَغَازِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَيَردهُ أَيْضا أَن الْآيَة الَّتِي فِي قصَّة الْمُسْتَضْعَفِينَ نزلت بعد بدر بِلَا خلاف.، وَكَانَ شهد بَدْرًا مَعَ الْمُشْركين، وَكَانَ خرج إِلَيْهَا مكْرها وَأسر يَوْمئِذٍ ثمَّ أسلم بعد ذَلِك.
وَقَالَ الإسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى
كَذَا قَالَ البُخَارِيّ وَلم يعين من الْقَائِل، وَرُبمَا يظنّ أَن الْقَائِل هُوَ ابْن عَبَّاس، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ أخرجه فِي كتاب النِّكَاح فِي (سنَنه) بِسَنَد صَحِيح على شَرط الْحَاكِم، فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا أَحْمد بن الْحُسَيْن الْحداد حَدثنَا شَبابَة بن خياط حَدثنَا حشرج بن عبد الله بن حشرج حَدثنِي أبي عَن حدي عَن عَائِذ بن عَمْرو الْمُزنِيّ، أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:(الْإِسْلَام يَعْلُو وَلَا يعلى) . وروى (إِن عَائِذ بن عَمْرو جَاءَ عَام الْفَتْح مَعَ أبي سُفْيَان بن حَرْب، فَقَالَ الصَّحَابَة: هَذَا عَائِذ ابْن عَمْرو وَأَبُو سُفْيَان، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (هَذَا عَائِذ بن عَمْرو وَأَبُو سُفْيَان، الْإِسْلَام أعز من ذَلِك، الْإِسْلَام يَعْلُو وَلَا يعلى) . فَإِن قلت: مَا مُنَاسبَة ذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب؟ قلت: الْبَاب فِي نفس الْأَمر ينبىء عَن علو الْإِسْلَام، أَلا يرى أَن الصَّبِي غير الْمُكَلف إِذا أسلم وَمَات يصلى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ ببركة الْإِسْلَام وعلو قدره، وَكَذَلِكَ يعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام حَتَّى لَا يحرم من هَذِه الْفَضِيلَة.
110 -
(حَدثنَا عَبْدَانِ قَالَ أخبرنَا عبد الله عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي سَالم بن عبد الله أَن ابْن عمر رضي الله عنهما أخبرهُ أَن عمر انْطلق مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فِي رَهْط قبل ابْن صياد حَتَّى وجدوه يلْعَب مَعَ الصّبيان عِنْد أَطَم بني مغالة وَقد قَارب ابْن صياد الْحلم فَلم يشْعر حَتَّى ضرب النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ لِابْنِ صياد تشهد أَنِّي رَسُول الله فَنظر إِلَيْهِ ابْن صياد فَقَالَ أشهد أَنَّك رَسُول الْأُمِّيين فَقَالَ ابْن صياد للنَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله فرفضه وَقَالَ آمَنت بِاللَّه وبرسله فَقَالَ لَهُ مَاذَا ترى فَقَالَ ابْن صياد يأتيني صَادِق وكاذب فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - خلط عَلَيْك الْأَمر ثمَّ قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - إِنِّي قد خبأت لَك خبيئا فَقَالَ ابْن صياد هُوَ الدخ فَقَالَ أخسا فَلَنْ تعدو قدرك فَقَالَ عمر رضي الله عنه دَعْنِي يَا رَسُول الله أضْرب عُنُقه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - إِن يكنه فَلَنْ تسلط عَلَيْهِ وَإِن لم يكنه فَلَا خير لَك فِي قَتله) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " تشهد أَنِّي رَسُول الله " فَإِن فِيهِ عرض الْإِسْلَام على الصَّبِي وَيفهم مِنْهُ أَيْضا أَنه لَو لم يَصح إِسْلَام الصَّبِي لما عرض عليه الصلاة والسلام على ابْن صياد وَهُوَ غير مدرك فطابق الحَدِيث جزئي التَّرْجَمَة كليهمَا. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول عَبْدَانِ وَهُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان وَقد مر فِي الْبَاب السَّابِق. الثَّانِي عبد الله بن الْمُبَارك. الثَّالِث يُونُس
ابْن يزِيد. الرَّابِع مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الْخَامِس سَالم بن عبد الله بن عمر. السَّادِس عبد الله بن عمر بن الْخطاب. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وبلفظ الْإِفْرَاد فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي مَوضِع وَفِيه أَن شَيْخه مَذْكُور بلقبه وَأَنه وَشَيْخه عبد الله مروزيان وَيُونُس أيلي وَالزهْرِيّ وَسَالم مدنيان وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بَدْء الْخلق وَأَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَن عَبْدَانِ مقطعا وَأخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب عَنهُ بِهِ. (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " فِي رَهْط " قَالَ أَبُو زيد الرَّهْط مَا دون الْعشْرَة من الرِّجَال وَفِي الْعين هُوَ عدد جمع من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة وَبَعض يَقُول من سَبْعَة إِلَى عشرَة وَمَا دون السَّبْعَة إِلَى ثَلَاثَة نفر وَعَن ثَعْلَب الرَّهْط للْأَب الْأَدْنَى وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ قَالُوا رَهْط وأراهط كَأَنَّهُمْ كسروا أرهط وَقَالَ كرَاع جَاءَنَا أرهوط مِنْهُم مثل أركوب وَالْجمع أراهيط وأراهط وَفِي الْمُحكم أراهط جمع أرهط والرهط لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَفِي الْجَامِع الرَّهْط مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَرُبمَا جاوزوا ذَلِك وأراهط جمع الْجمع وَفِي الصِّحَاح أرهط الرجل قومه وقبيلته والرهط مَا دون الْعشْرَة من الرِّجَال وَلَا يكون فيهم امْرَأَة وَالْجمع أرهاط وَفِي الجمهرة رُبمَا جمع رَهْط فَقَالُوا أرهط قَوْله " قبل ابْن صياد " بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي جِهَته ويروي ابْن صائد وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ أَن ابْن الصياد يُقَال لَهُ ابْن الصَّائِد وَابْن صائد واسْمه صافي كقاضي وَقيل عبد الله وَقَالَ الْوَاقِدِيّ هُوَ من بني النجار وَقيل من الْيَهُود وَكَانُوا حلفاء بني النجار وَابْنه عمَارَة شيخ مَالك من خِيَار الْمُسلمين وَلما دَفعه بَنو النجار عَن نسبهم خلف مِنْهُم تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ رجلا وَرجل من بني سَاعِدَة على دَفعه والصياد على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ مُبَالغَة صائد قَوْله " حَتَّى وجدوه " ويروى " حَتَّى وجده " بإفراد الْفِعْل فَفِي الأول يرجع الضَّمِير الْمَرْفُوع إِلَى الرَّسُول وَمن مَعَه من الرَّهْط وَفِي الثَّانِي إِلَى الرَّسُول وَحده وَالضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى ابْن الصياد قَوْله " يلْعَب " جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال قَوْله " عِنْد أَطَم " بِضَم الْهمزَة والطاء كالحصن وَقيل هُوَ بِنَاء بِالْحِجَارَةِ كالحصن وَقيل هُوَ الْحصن وَجمعه آطام قَوْله " بني مغالة " بِفَتْح الْمِيم وبالغين الْمُعْجَمَة المخففة بطن من الْأَنْصَار وَقَوله " أَطَم بني مغالة " كَذَا هُوَ الصَّحِيح وَفِي صَحِيح مُسلم رِوَايَة الْحلْوانِي بني مُعَاوِيَة ذكر الزبير بن أبي بكر أَن كل مَا كَانَ عَن يَمِينك إِذا وَقعت آخر البلاط مُسْتَقْبل مَسْجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَهُوَ لبني مغالة ومسجده صلى الله عليه وسلم َ - فِي بني مغالة وَمَا كَانَ على يسارك فلبني جديلة وَهِي امْرَأَة نسبوا إِلَيْهَا وَهِي امْرَأَة عدي بن عَمْرو بن مَالك بن النجار قَوْله " الْحلم " بِضَم اللَّام وسكونها وَهُوَ الْبلُوغ قَوْله " الْأُمِّيين " قَالَ الرشاطي الأميون مُشْرِكُوا الْعَرَب نسبوا إِلَى مَا عَلَيْهِ أمة الْعَرَب وَكَانُوا لَا يَكْتُبُونَ وَقيل الأمية هِيَ الَّتِي على أصل ولادات أمهاتها وَلم تتعلم الْكِتَابَة وَقيل نِسْبَة إِلَى أم الْقرى قَوْله " فرفضه " كَذَا هُوَ بالضاد الْمُعْجَمَة أَي تَركه وَزعم عِيَاض أَنه بصاد مُهْملَة قَالَ وَهِي روايتنا عَن الْجَمَاعَة وَقَالَ بَعضهم الرفص بالصَّاد الْمُهْملَة الضَّرْب بِالرجلِ مثل الرفس بِالسِّين الْمُهْملَة فَإِن صَحَّ هَذَا فَهُوَ بِمَعْنَاهُ قَالَ وَلَكِن لم أجد هَذِه اللَّفْظَة فِي أصُول اللُّغَة وَوَقع فِي رِوَايَة القَاضِي التَّمِيمِي فَرْضه بضاد مُعْجمَة وَهُوَ وهم وَفِي رِوَايَة الْمروزِي فوقصه بقاف وصاد مُهْملَة قَالَ وَلَا وَجه لَهُ وَعند الْخطابِيّ فرصه بصاد مُهْملَة أَي ضغطه حَتَّى ضم بعضه إِلَى بعض وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {بُنيان مرصوص} قَوْله " آمَنت بِاللَّه وبرسله " قَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) كَيفَ طابق هَذَا الْجَواب أَتَشهد (قلت) لما أَرَادَ أَن يلْزمه وَيظْهر للْقَوْم كذبه فِي دَعْوَى الرسَالَة أخرج الْكَلَام مخرج كَلَام المُصَنّف وَمعنى آمَنت برسله فَإِن كنت رَسُولا صَادِقا فِي دعواك غير ملبس عَلَيْك الْأَمر أومن بك وَإِن كنت كَاذِبًا وخلط الْأَمر عَلَيْك فَلَا لكنك خلط الْأَمر عَلَيْك فاخسأ وَلَا تعد طورك حَتَّى تَدعِي الرسَالَة انْتهى وَفِيه نظر لَا يخفى قَوْله خلط عَلَيْك الْأَمر مَعْنَاهُ خلط عَلَيْك شَيْطَانك مَا يلقى إِلَيْك من السّمع مَعَ مَا يكذب قَوْله " خبأت لَك خبيئا " على وزن فعيل ويروى " خبأت لَك خبا " على وزن فعل وَكِلَاهُمَا صَحِيح بِمَعْنى الشَّيْء الْغَائِب المستور أَي أضمرت لَك سُورَة الدُّخان وَاخْتلف فِي هَذَا المخبأ مَا هُوَ فَقَالَ الْقُرْطُبِيّ الْأَكْثَر على أَنه أضمر لَهُ فِي نَفسه {يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} قَالَ الدَّاودِيّ كَانَ فِي يَده سُورَة الدُّخان
مَكْتُوبَة وَقَالَ الْخطابِيّ لَا معنى للدخان هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يخبا فِي كف أَو كم بل الدخ نبت مَوْجُود بَين النخيل والبساتين وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كِتَابه المغيث وَقيل إِن الدَّجَّال يقْتله عِيسَى عليه الصلاة والسلام بجبل الدُّخان فَيحْتَمل أَن يكون صلى الله عليه وسلم َ - أَرَادَهُ انْتهى وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح وَفِيه نظر من حَيْثُ أَنا وجدنَا مَا قَالَه تحرصا مُسْندًا إِلَى سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - من طَرِيق صَحِيحَة قَالَ أَحْمد فِي مُسْنده حَدثنَا مُحَمَّد بن سَابق حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن أبي الزبير عَن جَابر فَذكره مَرْفُوعا مطولا قَوْله " هُوَ الدخ " قَالَ أَبُو مُوسَى بِضَم الدَّال وَفتحهَا لُغَتَانِ وَقَالَ الْكرْمَانِي بِضَم الدَّال وَتَشْديد الْخَاء الدُّخان وَهُوَ لُغَة فِيهِ وَقَالَ النَّوَوِيّ الْمَشْهُور فِي كتب اللُّغَة والْحَدِيث ضمهَا فَقَط وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن ابْن سَيّده وَأَبا التياني وَأَبا الْمَعَالِي وَصَاحب مجمع الغرائب حكوا الْفَتْح حاشا الْجَوْهَرِي فَإِنَّهُ نَص على الضَّم وَلم يذكر غَيره ورد عَلَيْهِ بِأَن حِكَايَة هَؤُلَاءِ الْفَتْح لَا يسْتَلْزم نفي الضَّم كَمَا أَن ذكر الْجَوْهَرِي الضَّم لَا يسْتَلْزم نفي الْفَتْح وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ وجدته فِي كتاب الشَّيْخ الدخ سَاكن الْخَاء مصححا عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ على الْوَقْف قَالَ وَأما الَّذِي فِي الشّعْر فمشدد الْخَاء وَكَذَلِكَ قِرَاءَته فِي الحَدِيث وَقَالَ ابْن قرقول الدخ لُغَة فِي الدُّخان لم يسْتَطع ابْن صياد أَن يتم الكمة وَلم يهتد من الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَّا لهذين الحرفين على عَادَة الْكُهَّان من اختطاف بعض الْكَلِمَات من أَوْلِيَائِهِمْ من الْجِنّ أَو من هُوَ أجس النَّفس وَلِهَذَا قَالَ لَهُ " اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك " أَي لست بِنَبِي وَلنْ تجَاوز قدرك وَإِنَّمَا أَنْت كَاهِن فَلَنْ تجَاوز يَعْنِي قدر الْكُهَّان قَوْله " اخْسَأْ " فِي الأَصْل لفظ يزْجر بِهِ الْكَلْب ويطرد من خسأت الْكَلْب خسأ طردته وخسأ الْكَلْب نَفسه يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى واخسأ أَيْضا وَهُوَ خطاب زجر واستهانة أَي اسْكُتْ صاغرا مطرودا قَوْله " فَلَنْ تعدو " بِالنّصب بِكَلِمَة لن وَقَالَ السفاقسي وَقع هُنَا فَلَنْ تعدو بِغَيْر وَاو وَقَالَ الْقَزاز هِيَ لُغَة لبَعض الْعَرَب يجزمون بلن مثل لم وَقَالَ ابْن مَالك الْجَزْم لمن لُغَة حَكَاهَا الْكسَائي وَقيل حذفت الْوَاو تَخْفِيفًا وَقيل لن بِمَعْنى لَا أَو لم بالتأويل وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ يَعْنِي لَا يبلغ قدرك أَن تطالع بِالْغَيْبِ من قبل الْوَحْي الْمَخْصُوص بالأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا من قبيل الإلهام الَّذِي يُدْرِكهُ الصالحون وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي قَالَه من شَيْء أَلْقَاهُ الشَّيْطَان إِلَيْهِ إِمَّا لكَون النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - تكلم بذلك بَينه وَبَين نَفسه فَسَمعهُ الشَّيْطَان وَإِمَّا أَن يكون الشَّيْطَان سمع مَا يجْرِي بَينهمَا من السَّمَاء لِأَنَّهُ إِذا قضي الْقَضَاء فِي السَّمَاء تَكَلَّمت بِهِ الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فاسترق الشَّيْطَان السّمع وَإِمَّا أَن يكون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - حدث بعض أَصْحَابه بِمَا أضمر وَيدل على ذَلِك قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وخبأ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - {يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} فَالظَّاهِر أَنه أعلم الصَّحَابَة بِمَا يخبأ لَهُ وَإِنَّمَا فعل ذَلِك بِهِ صلى الله عليه وسلم َ - ليختبره عَن طَريقَة الْكُهَّان وليتعين للصحابة حَاله وَكذبه قَوْله " أَن يكنه " هَذَا الضَّمِير الْمُتَّصِل فِي يكنه هُوَ خَبَرهَا وَقد وضع مَوضِع الْمُنْفَصِل وَاسم يكن مستتر فِيهِ ويروى إِن يكن هُوَ هُوَ الصَّحِيح لِأَن الْمُخْتَار فِي خبر كَانَ هُوَ الِانْفِصَال وعَلى تَقْدِير هَذِه الرِّوَايَة لفظ هُوَ تَأْكِيد للضمير الْمُسْتَتر وَكَانَ تَامَّة أَو وضع هُوَ مَوضِع إِيَّاه أَي إِن يكن إِيَّاه أَي الدَّجَّال قَوْله " وَإِن لم يكنه " أَي وَإِن لم يكن هُوَ دجالًا فَلَا خير فِي قَتله (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) وَهُوَ على وُجُوه. الأول اخْتلفُوا فِي أَن الدَّجَّال هُوَ ابْن صياد أَو غَيره فَذهب قوم إِلَى أَن الدَّجَّال هُوَ ابْن صياد قَالَ مُسلم فِي صَحِيحه بَاب فِي قصَّة ابْن صياد وَأَنه الدَّجَّال حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة واسحق بن إِبْرَاهِيم وَاللَّفْظ لعُثْمَان قَالَ عُثْمَان حَدثنَا جرير عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل " عَن عبد الله قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - فمررنا بصبيان فيهم ابْن صياد ففر الصّبيان وَجلسَ ابْن صياد فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - كره ذَلِك فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - تربت يداك تشهد أَنِّي رَسُول الله فَقَالَ لَا بل تشهد أَنِّي رَسُول الله فَقَالَ عمر بن الْخطاب ذَرْنِي يَا رَسُول الله حَتَّى أَقتلهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - إِن يكن الَّذِي ترى فَلَنْ تَسْتَطِيع قَتله " وروى مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد قَالَ " لقِيه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - وَأَبُو بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فِي بعض طرق الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم َ - أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله فَقَالَ هُوَ أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - آمَنت بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه مَا ترى قَالَ أرى عرشا على المَاء فَقَالَ رَسُول الله ترى عرش إِبْلِيس على الْبَحْر وَمَا ترى قَالَ أرى صَادِقين وكاذبا أَو كاذبين وصادقا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - لبس عَلَيْهِ دَعوه " ثمَّ روى مُسلم من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ رَأَيْت جَابر بن عبد الله يحلف بِاللَّه أَن ابْن صائد الدَّجَّال فَقلت لَهُ تحلف
على ذَلِك قَالَ إِنِّي سَمِعت عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يحلف على ذَلِك عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَلم يُنكره النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وروى أَبُو دَاوُد قَالَ حَدثنَا أَبُو معَاذ قَالَ أخبرنَا أبي قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر إِلَى آخِره نَحْو رِوَايَة مُسلم وَقَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الْعلمَاء قصَّة ابْن الصياد مشكلة وَأمره مشتبه فِي أَنه هَل هُوَ الْمَسِيح الدَّجَّال الْمَشْهُور أم غَيره وَلَا شكّ أَنه دجال من الدجاجلة قَالَ الْعلمَاء ظَاهر الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - لم يُوح إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيح الدَّجَّال وَلَا غَيره وَإِنَّمَا أوحى إِلَيْهِ بعلامات الدَّجَّال وَكَانَ فِي ابْن صياد قَرَائِن مُحْتَملَة فَلذَلِك كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - لَا يقطع بِأَنَّهُ الدَّجَّال وَلَا غَيره وَلِهَذَا قَالَ لعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِن يكن هُوَ فَلَنْ تَسْتَطِيع قَتله وَفِي سنَن أبي دَاوُد فِي خبر الْجَسَّاسَة من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَقَالَ شهد جَابر أَنه هُوَ ابْن صياد قلت فَإِنَّهُ قد مَاتَ قَالَ وَإِن مَاتَ قلت فَإِنَّهُ قد أسلم فَقَالَ وَإِن أسلم قلت فَإِنَّهُ قد دخل الْمَدِينَة قَالَ وَإِن دخل الْمَدِينَة وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث نَافِع قَالَ كَانَ ابْن عمر يَقُول وَالله مَا أَشك أَن الْمَسِيح الدَّجَّال ابْن صياد وَإِسْنَاده صَحِيح وَقَالَ الْخطابِيّ اخْتلف السّلف فِي أمره بعد كبره فروى عَنهُ أَنه تَابَ من ذَلِك القَوْل وَمَات بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّهُمْ لما أَرَادوا الصَّلَاة عَلَيْهِ كشفوا عَن وَجهه حَتَّى رَآهُ النَّاس وَقيل لَهُم اشْهَدُوا وَاعْترض عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَد صَحِيح عَن جَابر قَالَ فَقدنَا ابْن صياد يَوْم الْحرَّة وَيرد بِهَذَا قَول من قَالَ أَنه مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وصلوا عَلَيْهِ وَفِيه كتاب الْفتُوح لسيف لما نزل النُّعْمَان على السوس أعياهم حصارها فَقَالَ لَهُم القسيسون يَا معشر الْعَرَب إِن مِمَّا عهد عُلَمَاؤُنَا وأوائلنا أَن لَا يفتح السوس إِلَّا الدَّجَّال فَإِن كَانَ فِيكُم تستفتحونها فَإِن لم يكن فِيكُم فَلَا قَالَ وصاف ابْن صياد فِي جند النُّعْمَان وأتى بَاب السوس غضبانا فدقه بِرجلِهِ وَقَالَ انْفَتح فتقطعت السلَاسِل وتكسرت الأغلاق وَانْفَتح الْبَاب فَدخل الْمُسلمُونَ وَقَالَ ابْن التِّين وَالأَصَح أَنه لَيْسَ هُوَ لِأَن عينه لم تكن ممسوحة وَلَا عينه طافية وَلَا وجدت فِيهِ عَلامَة وروى ابْن أبي شيبَة عَن الغلتان ابْن عَاصِم عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - أَنه قَالَ أما مسيح الضَّلَالَة فَرجل أجلى الْجَبْهَة مَمْسُوح الْعين الْيُسْرَى عريض النَّحْر فِيهِ دفاء أَي انحناء وروى مُسلم عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - " الدَّجَّال أَعور عين الْيُسْرَى جفال الشّعْر مَعَه جنَّة ونار فناره جنَّة وجنته نَار " وَفِي حَدِيث عبد الله بن عمر قَالَ " ذكر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - يَوْمًا بَين ظهراني النَّاس الْمَسِيح الدَّجَّال فَقَالَ إِن الله لَيْسَ بأعور إِلَّا أَن الْمَسِيح الدَّجَّال أَعور الْعين الْيُمْنَى كَأَنَّهُ عينه عنبة طافية " رَوَاهُ مُسلم وَقَالَ مُسلم بَاب فِي أَمر ابْن صياد وتبريه من أَن يكون الدَّجَّال حَدثنِي عبيد الله بن عمر القواريري وَمُحَمّد بن الْمثنى قَالَ حَدثنَا عبد الْأَعْلَى حَدثنَا دَاوُد عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ صَحِبت ابْن صائد إِلَى مَكَّة فَقَالَ لي مَا لقِيت من النَّاس يَزْعمُونَ أَنِّي الدَّجَّال أَلَسْت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - يَقُول أَنه لَا يُولد لَهُ قَالَ فَقلت بلَى قَالَ فقد ولد لي أَو لَيْسَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - يَقُول لَا يدْخل الْمَدِينَة وَلَا مَكَّة قلت بلَى قَالَ فَلَقَد ولدت بِالْمَدِينَةِ وَهَا أَنا أُرِيد مَكَّة قَالَ ثمَّ قَالَ فِي آخر قَوْله أما وَالله إِنِّي لأعْلم مولده ومكانه وَأَيْنَ هُوَ فليسني وَفِي لَفْظَة لَهُ قَالَ فَمَا زَالَ حَتَّى كَاد أَن يَأْخُذ فِي قَوْله قَالَ فَقَالَ أما وَالله إِنِّي لأعْلم الْآن حَيْثُ هُوَ وَأعرف أَبَاهُ وَأمه قَالَ وَقيل لَهُ أَيَسُرُّك أَنَّك ذَاك الرجل لَو عرض على مَا كرهت وَفِي لفظ لَهُ ثمَّ قَالَ أَنا وَالله إِنِّي لأعرفه وَأعرف مولده وَأَيْنَ هُوَ الْآن قَالَ قلت تَبًّا لَك سَائِر الْيَوْم وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ وَأما احتجاجه بِأَنَّهُ مُسلم والدجال كَافِر وَبِأَنَّهُ لَا يُولد للدجال وَقد ولد لَهُ وَأَن الدَّجَّال لَا يدْخل الْحَرَمَيْنِ وَقد دخلهما هُوَ فَغير وَاضح وَإِن كَانَ مُحَمَّد بن جرير وَغَيره ذَكرُوهُ فِي جملَة الصَّحَابَة لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - إِنَّمَا أخبر عَن صِفَات الدَّجَّال وَقت فتنته وَخُرُوجه الثَّانِي مِمَّا يستنبط مِنْهُ وَمن غَيره من الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبَاب هُوَ أَن ابْن صياد إِذا كَانَ هُوَ الدَّجَّال كَيفَ كَانَ حَاله حَتَّى بَقِي إِلَى وَقت خُرُوجه فِي آخر الزَّمَان قَالَ صَاحب زهرَة الرياض رَأَيْت فِي أمالي القَاضِي الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْفضل الورنجري بِإِسْنَادِهِ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ " بَينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - يُصَلِّي صَلَاة الْغَدَاة فَلَمَّا سلم اسْتقْبل أَصْحَابه بِوَجْهِهِ يُحَدِّثهُمْ إِذْ أَقبلت صَيْحَة شَدِيدَة بِنَاحِيَة الْيَهُود مَا سمعنَا صَيْحَة أَشد مِنْهَا فَأرْسل رجلا ليَأْتِينَا بالْخبر قَالَ فَمَا مكث حَتَّى رَجَعَ وَقد تغير لَونه فَقَالَ يَا رَسُول الله أما علمت أَن البارحة ولد ولد فِي الْيَهُود وَأَنه غضب وتزبد حَتَّى امْتَلَأَ الْبَيْت مِنْهُ وَقد ضم أمه مَعَ سريرها إِلَى زَاوِيَة
الْبَيْت وَرفع السّقف عَن حيطانها وهم يخافونه فَاسْتَرْجع النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - ثمَّ قَالَ أَخَاف أَنه دجال فَلَمَّا مَضَت سَبْعَة أَيَّام قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - لأَصْحَابه أَلا تمضون بِنَا إِلَى هَذَا الْمَوْلُود فَإِذا الدَّجَّال على رَأس نَخْلَة يلتقط رطبا ويأكله وَله همهمة شَدِيدَة وَأمه جالسة فِي آصال النَّخْلَة فَلَمَّا رَأَتْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - نادته يَا ابْن الصَّائِد هَذَا مُحَمَّد قد أقبل قَالَ فَسكت وَترك الهمهمة قَالَ فَرجع النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وَنزل الدَّجَّال من النَّخْلَة وَاتبع النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - لأَصْحَابه اسمعوا إِلَى مقَالَته وَأَنا أسأله ثمَّ قَالَ أَتَشهد أَنِّي نَبِي وَقَالَ لَهُ الدَّجَّال أَتَشهد أَنِّي نَبِي ثمَّ رَجَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - مَعَ أَصْحَابه قَالَ فَقَامَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَضرب السَّيْف على هامته فنبأ السَّيْف كَأَنَّهُ قد ضرب على حجر ثمَّ رَجَعَ السَّيْف فشج رَأس عمر قَالَ فَوَقع عمر صَرِيعًا جريحا يسيل الدَّم من رَأسه قَالَ وَقَامَ الدَّجَّال على رَأسه يسخر بِهِ ويستهزيء بِهِ حَتَّى ورد الْخَبَر إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - فَقَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - مسرعا حَزينًا حَتَّى أَتَى إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ مَا الَّذِي دعَاك إِلَى هَذَا فَأخْبرهُ بِمَا جرى فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - يَا عمر إِنَّك لن تَسْتَطِيع أَن ترد قَضَاء الله تَعَالَى قَالَ فَوضع النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - يَده الْمُبَارَكَة على رَأس عمر فَدَعَا الله تَعَالَى فالتحم الْجرْح بِإِذن الله تَعَالَى وَقَالَ عمر يَا رَسُول الله وددت أَن يرفعهُ الله تَعَالَى فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - أَتُحِبُّ ذَلِك يَا عمر قَالَ نعم قَالَ اللَّهُمَّ افْعَل فَنزل جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام فِي قِطْعَة من الْغَمَام كشبه الترس فَنزل على رَأس الدَّجَّال وَهُوَ جَالس فِي وسط الْيَهُود فَأخذ بناصيته وجذبه عَن ظهر الأَرْض وَأمه وَأَبوهُ وَقَومه ينظرُونَ إِلَيْهِ ويبكون عَلَيْهِ فرفعه جِبْرَائِيل عليه الصلاة والسلام فَأَلْقَاهُ إِلَى جَزِيرَة فِي الْبَحْر إِلَى أَن قدم تَمِيم الدَّارِيّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - وَأخْبرهُ بِخَبَرِهِ " وَأخرج مُسلم حَدِيثا طَويلا عَن فَاطِمَة بنت قيس أُخْت الضَّحَّاك بن قيس وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول وَفِيه " أَن تَمِيم الدَّارِيّ كَانَ رجلا نَصْرَانِيّا فَبَايع وَأسلم وحَدثني حَدِيثا وَافق الَّذِي كنت أحدثكُم عَن مسيح الدَّجَّال حَدثنِي أَنه ركب فِي سفينة بحريّة مَعَ ثَلَاثِينَ رجلا من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهرا فِي الْبَحْر ثمَّ أرموا إِلَى جَزِيرَة فِي الْبَحْر " الحَدِيث وَفِيه خبر الدَّجَّال ودابة الْجَسَّاسَة وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله تَعَالَى من ذهب إِلَى أَن ابْن صياد غير الدَّجَّال احْتج بِحَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قصَّة الْجَسَّاسَة الثَّالِث فِي الأسئلة والأجوبة. السُّؤَال الأول كَيفَ سكت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - عَمَّن يَدعِي النُّبُوَّة كَاذِبًا وَكَيف تَركه بِالْمَدِينَةِ يساكنه فِي دَاره ويجاوره فِيهَا وَأجِيب بِأَن هَذَا فتْنَة امتحن الله بهَا عباده الْمُؤمنِينَ وَقد امتحن قوم مُوسَى فِي زَمَانه بالعجل فَافْتتنَ بِهِ قوم وهلكوا وَنَجَا من هداه الله تَعَالَى وَعَصَمَهُ مِنْهُم وَقَالَ الْخطابِيّ وَالَّذِي عِنْدِي أَن هَذِه الْقِصَّة إِنَّمَا جرت مَعَه أَيَّام مهادنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - الْيَهُود وحلفاءهم وَذَلِكَ أَنه بعد مقدمه الْمَدِينَة كتب بَينه وَبينهمْ كتابا صَالحهمْ فِيهِ على أَن لَا يهاجروا وَأَن يتْركُوا على أَمرهم وَكَانَ ابْن صياد مِنْهُم أَو دخيلا فِي جُمْلَتهمْ وَقيل لِأَنَّهُ كَانَ من أهل الذِّمَّة وَقيل لِأَنَّهُ كَانَ دون الْبلُوغ وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ عِيَاض فَلم تجر عَلَيْهِ الْحُدُود. السُّؤَال الثَّانِي لم اشْتغل بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وَلم حاور مَعَه المحاورات الْمَذْكُورَة وَأجِيب بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - كَانَ يبلغهُ مَا يَدعِيهِ من الكهانة ويتعاطاه من الْكَلَام فِي الْغَيْب فامتحنه ليعلم حَقِيقَة حَاله وَيظْهر أمره الْبَاطِل للصحابة وَأَنه كَاهِن سَاحر يَأْتِيهِ الشَّيْطَان فيلقي على لِسَانه مَا تلقيه الشَّيَاطِين للكهنة. السُّؤَال الثَّالِث روى التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - " مَا من نَبِي إِلَّا وَقد أنذر أمته الْأَعْوَر الْكذَّاب أَلا أَنه أَعور وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ ك ف ر " قَالَ هَذَا حَدِيث صَحِيح وَفِي رِوَايَة مُسلم " الدَّجَّال مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ ك ف ر " أَي كَافِر وَفِي لفظ لَهُ " يَقْرَؤُهُ كل مُسلم " وَفِي حَدِيث عبد الله بن عمر " مَا من نَبِي إِلَّا قد أنذره قومه لقد أنذره نوح قومه " الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم وَقد ثَبت فِي أَحَادِيث الدَّجَّال أَنه يخرج بعد خُرُوج الْمهْدي وَأَن عِيسَى صلى الله عليه وسلم يقْتله إِلَى غير ذَلِك فَمَا وَجه إنذار الْأَنْبِيَاء أمتهم عَنهُ وَأجِيب بِأَن المُرَاد بِهِ تَحْقِيق خُرُوجه يَعْنِي لَا يَشكونَ فِي خُرُوجه فَإِنَّهُ يخرج لَا محَالة ونبهوا على فتنته فَإِن فتنته عَظِيمَة جدا تدهش الْعُقُول وتحير الْأَلْبَاب مَعَ سرعَة مروره فِي الأَرْض وَقلة مكثه (فَإِن قلت) لم خص نوحًا صلى الله عليه وسلم بِالذكر (قلت) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مقدم الْمَشَاهِير من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا قدمه فِي قَوْله تَعَالَى {شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا}
الرَّابِع من الْأَحْكَام فِيهِ وَفِي غَيره من أَحَادِيث هَذَا الْبَاب حجَّة لمَذْهَب أهل الْحق فِي صِحَة وجوده وَأَنه شخص بِعَيْنِه ابتلى الله تَعَالَى عباده بِهِ وأقدره على أَشْيَاء من مقدورات الله تَعَالَى من إحْيَاء الْمَيِّت الَّذِي يقْتله ظُهُور زهرَة الدُّنْيَا وَالْخصب مَعَه وَاتِّبَاع كنوز الأَرْض لَهُ وَأمر السَّمَاء أَن تمطر فتمطر وَالْأَرْض أَن تنْبت فتنبت فَيَقَع كل ذَلِك بقدرة الله تَعَالَى ومشيئته ثمَّ يعجزه الله تَعَالَى بعد ذَلِك فَلَا يقدر على شَيْء من ذَلِك ثمَّ يقْتله عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وأبطل أمره الْخَوَارِج والجهمية وَبَعض الْمُعْتَزلَة وَزعم الجبائي وَمن وَافقه أَنه صحّح الْوُجُود لَكِن مَا مَعَه مُخَارق وخيالات لَا حَقِيقَة لَهَا ليفرق بَينه وَبَين النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ لَا يَدعِي النُّبُوَّة فَيحْتَاج إِلَى فَارق وَإِنَّمَا يَدعِي الألوهية وَهُوَ مكذب فِي ذَلِك لسمات الْحُدُوث فِيهِ وَنقص صورته وعورة وتكفيره الْمَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ ولهذه الدَّلَائِل وَغَيرهَا لَا يغتر بِهِ إِلَّا رعاع النَّاس لشدَّة الْحَاجة والفاقة وسد الرمق أَو خوفًا من أَذَاهُ وتقية الْخَامِس فِيهِ دَلِيل على صِحَة إِسْلَام الصَّبِي وَقد ذَكرْنَاهُ وَهُوَ مَقْصُود البُخَارِيّ من التَّبْوِيب السَّادِس فِيهِ دَلِيل على صلابة عمر وَقُوَّة دينه السَّابِع فِيهِ دلَالَة على التثبت فِي أَمر النَّهْي وَأَن لَا تستباح الدِّمَاء إِلَّا بِيَقِين -
5531 -
وَقَالَ سالِمٌ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُولُ انْطَلَقَ بَعْدَ ذلِكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ إلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابنُ صَيَّادٍ وهْوَ يَخْتِلُ أنْ يَسْمَعَ مِنِ ابنِ صَيَّادٍ شَئا قَبْلَ أنْ يَرَاهُ ابنُ صَيَّادٍ فَرَآهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهْوَ مُضْطَجِعٌ يَعْنِي فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ أوْ زَمْرَةٌ فَرَأتْ أُمُّ ابنِ صَيَّادٍ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهْوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ فقالَتْ لأِبْنِ صَيَّادٍ يَا صافِ وَهْوَ اسْمُ ابْن صَيَّادٍ هاذَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَثَارَ ابنُ صَيَّادٍ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ..
هَذَا من تَتِمَّة حَدِيث عبد الله بن عمر السَّابِق، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْجُمْهُور: سَالم سَمِعت ابْن عَمْرو كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة مُسلم. وَقَالَ سَالم بن عبد الله: سَمِعت عبد الله بن عمر يَقُول: انْطلق بعد ذَلِك
…
إِلَى آخِره نَحوه، وَحكى القَاضِي أَنه سقط فِي رِوَايَة ابْن ماهان: ابْن عمر، وَقَالَ: الصَّوَاب رِوَايَة الْمَجْهُول بالاتصال. قَوْله: (انْطلق بعد ذَلِك) أَي: بعد انطلاقه صلى الله عليه وسلم مَعَ عمر فِي رَهْط قبل ابْن صياد، كَمَا مر فِي أول الحَدِيث. قَوْله:(أبي بن كَعْب) أَي: وَانْطَلق أبي بن كَعْب مَعَه إِلَى النّخل. قَوْله: (وَهُوَ يخْتل) الْوَاو: فِيهِ للْحَال، و: يخْتل، بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بعد الْخَاء الْمُعْجَمَة: أَي يخدع، وَمَعْنَاهُ: يستغفله ليسمع من كَلَامه شَيْئا ليعلم بِهِ حَاله أهوَ كَاهِن أَو سَاحر. قَوْله: (قبل أَن يرَاهُ ابْن صياد)، أَي: قبل أَن يرى النَّبِي صلى الله عليه وسلم ابْن صياد ليسمع كَلَامه فِي خلوته وَيعلم هُوَ وَأَصْحَابه حَاله. قَوْله: (وَهُوَ مُضْطَجع) : الْوَاو، فِيهِ للْحَال. قَوْله:(فِي قطيفة) هِيَ: كسَاء لَهُ خمل، وَالْجمع قطائف، هَذَا هُوَ الْقيَاس، وَقَالَ ابْن جني: وَقد كسر على قطوف، وَفِي (الصِّحَاح) : الْجمع قطائف وقطف، مثل: صَحَائِف وصحف. وَقَالَ: كَأَنَّهُمَا جمع قطيف وصحيف. قَوْله: (رمزة) وَاخْتلف فِي ضَبطهَا، فَقَالَ ابْن قرقول:(رمزة أَو زمرة) كَذَا للْبُخَارِيّ. وَعند أبي ذَر: زمرة، بِتَقْدِيم الزَّاي، وَقَالَ البُخَارِيّ لَهُ فِيهَا: رمزة أَو زمرة، على الشَّك فِي تَقْدِيم الرَّاء على الزَّاي أَو تَأْخِيرهَا، ولبعضهم: رمرمة أَو زمزمة، على الشَّك: هَل هُوَ براءين أَو زاءين؟ مَعَ زِيَادَة: مِيم، فيهمَا. وَمعنى هَذِه الْأَلْفَاظ كلهَا مُتَقَارِبَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: الزمزمة، تَحْرِيك الشفتين بالْكلَام. وَقَالَ غَيره: هُوَ كَلَام العلوج، وَهُوَ صَوت من الخياشيم وَالْحلق لَا يَتَحَرَّك فِيهِ اللِّسَان والشفتان، والرمزة صَوت خَفِي بِكَلَام لَا يفهم، والزمرة بِتَقْدِيم الزَّاي صَوت من دَاخل الْفَم، وَقَالَ عِيَاض: جُمْهُور رُوَاة مُسلم بالمعجمتين، وَأَنه فِي بَعْضهَا برَاء: أَولا وزاي آخرا، وَحذف الْمِيم الثَّانِيَة، وَهُوَ صَوت خَفِي لَا يكَاد يفهم أَو لَا يفهم قَوْله:(وَهُوَ يَتَّقِي) : الْوَاو، فِيهِ للْحَال، أَي: يخفي نَفسه بجذوع النّخل حَتَّى لَا ترَاهُ أم ابْن صياد. قَوْله: (فثار ابْن صياد) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَفِي آخِره: رَاء أَي: قَامَ مسرعا، وَهَكَذَا هُوَ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(فَثَابَ) بباء مُوَحدَة، أَي: رَجَعَ عَن الْحَالة الَّتِي كَانَ فِيهَا. قَوْله: (لَو تركته) أَي: لَو تركت أم ابْن صياد ابْنه ابْن صياد: لبين ابْن صياد لكم باخْتلَاف كَلَامه مَا يهون عَلَيْكُم شَأْنه، وَفِي (التَّوْضِيح) ، لَو وقف عَلَيْهِ من يتفهم كَلَامه لبين من قَوْله ذَلِك الزمزمة، فَيعرف مَا يَدعِي
من الْكَذِب، وَهُوَ أظهر من دَعْوَاهُ أَنه رَسُول الله، وَفِي مُسلم: وَفِي الحَدِيث عَن يَعْقُوب قَالَ: قَالَ أبي: يَعْنِي فِي قَوْله: لَو تركته بَين. قَالَ: لَو تركته أمه بَين أمره، وَيَعْقُوب هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن سعد، أحد رُوَاة هَذَا الحَدِيث عَن أَبِيه عَن صَالح عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله بن عمر. قَالَ: انْطلق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ رَهْط من أَصْحَابه وَفِيهِمْ عمر بن الْخطاب حَتَّى وجد ابْن صياد غُلَاما قد قَارب الْحلم يلْعَب مَعَ الغلمان عِنْد أَطَم بني مُعَاوِيَة. . الحَدِيث.
وَقَالَ شُعَيْبٌ فِي حَدِيثِهِ فَرَفَضَهُ رَمْرَمَةٌ أوْ زَمْزَمَةٌ
شُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، هَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَدَب فِي: بَاب قَول الرجل للرجل: إخسأ. حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي سَالم بن عبد الله أَن عبد الله بن عمر أخبرهُ: (أَن عمر بن الْخطاب انْطلق مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي رَهْط من أَصْحَابه قِبَل ابْن صياد. .) الحَدِيث بِطُولِهِ، وَفِيه:(وَابْن صياد مُضْطَجع على فرَاشه، فِي قطيفة لَهُ فِيهَا رمرمة أَو زمزمة. .) إِلَى آخِره، هَكَذَا رُوِيَ بِالشَّكِّ.
وَقَالَ عُقَيْلٌ رَمْرَمَةٌ
عقيل، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف: هُوَ ابْن خَالِد الْأَيْلِي، رِوَايَة عقيل هَذِه وَصلهَا البُخَارِيّ فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب مَا يجوز من الاحتيال والحذر مَعَ من يخْشَى معرته. وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي عقيل، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم بن عبد الله، (عَن عبد الله بن عمر أَنه قَالَ: إنطلق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أبي بن كَعْب قِبل ابْن صياد. .) الحَدِيث، وَفِيه:(وَابْن صياد فِي قطيفة لَهُ فِيهَا رمرمة. .) الحَدِيث. وَفِي بعض النّسخ: وَقَالَ إِسْحَاق الْكَلْبِيّ وَعقيل: رمرمة، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني وَأبي الْوَقْت: ذكر إِسْحَاق الْكَلْبِيّ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ رَمْزَةٌ
معمر، بِفَتْح الميمين: هُوَ ابْن رَاشد، وَرِوَايَته وَصلهَا البُخَارِيّ فِي كتاب الْجِهَاد أَيْضا فِي: بَاب كَيفَ يعرض الْإِسْلَام على الصَّبِي؟ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا هِشَام أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي سَالم بن عبد الله (عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَنه أخبرهُ أَن عمر انْطلق فِي رَهْط من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قبل ابْن صياد)، الحَدِيث. وَفِيه:(ابْن صياد مُضْطَجع على فرَاشه فِي قطيفة لَهُ فِيهَا رمزة. .) الحَدِيث، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْمِيم ثمَّ زَاي، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى عَن قريب.
6531 -
حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ وَهْوَ ابنُ زَيْدِ عنْ ثابتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. قَالَ كانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ فأتاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ فقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أسْلِمْ فَنَظَرَ إلَى أبِيهِ وهْوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أطِعْ أبَا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فأسْلَمَ فَخَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَقُولُ الحَمْدُ لله الَّذِي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ.
(الحَدِيث 6531 طرفه فِي: 7565) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَقَالَ لَهُ أسلم) : حَيْثُ عرض النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْإِسْلَام على الْغُلَام الْيَهُودِيّ الَّذِي كَانَ يَخْدمه، وَرُوَاته كلهم قد ذكرُوا غير مرّة، وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجَنَائِز، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن سُلَيْمَان بن حَرْب قَوْله:(كَانَ غُلَام يَهُودِيّ) قيل: كَانَ اسْمه: عبد القدوس، قَوْله:(يعودهُ) جملَة حَالية، أَي: يزوره. قَوْله: (فَقعدَ عِنْد رَأسه)، ويروى:(فَقعدَ عِنْده) . قَوْله: (فَأسلم)، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن سُلَيْمَان بن حَرْب (فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إلَاّ الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله) . قَوْله: (أنقذه من النَّار) أَي: خلصه ونجاه من النَّار، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَأبي خَليفَة:(أنقذه بِي من النَّار) . فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي دُعَائِهِ إِلَيْهِ بِحَضْرَة أَبِيه؟ قلت: لِأَن الله تَعَالَى أَخذ عَلَيْهِ فرض التَّبْلِيغ لِعِبَادِهِ، وَلَا يخَاف فِي الله لومة لائم.
وَفِيه: تَعْذِيب من لم يسلم إِذا عقل الْكفْر لقَوْله صلى الله عليه وسلم: (الْحَمد لله الَّذِي أنقذه من النَّار) . وَفِيه: جَوَاز عِيَادَة أهل الذِّمَّة، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ الذِّمِّيّ جارا لَهُ، لِأَن فِيهِ إِظْهَار محَاسِن الْإِسْلَام وَزِيَادَة التآلف بهم لِيَرْغَبُوا فِي الْإِسْلَام. وَفِيه: جَوَاز
اسْتِخْدَام الْكَافِر. وَفِيه: حسن الْعَهْد. وَفِيه: اسْتِخْدَام الصَّغِير. وَفِيه: عرض الْإِسْلَام على الصَّبِي، وَلَوْلَا صِحَّته مِنْهُ مَا عرضه عَلَيْهِ.
7531 -
حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ عُبَيْدُ الله سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُولُ كُنْتُ أَنا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ أنَا مِنَ الوِلْدَانِ وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ..
تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي أول الْبَاب، فَإِنَّهُ ذكره هُنَاكَ مُعَلّقا. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبيد الله. بتصغير العَبْد هُوَ عبيد الله بن أبي يزِيد اللَّيْثِيّ الْمَكِّيّ.
8531 -
حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ ابنُ شِهَابٍ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفى وإنْ كانَ لغَيَّةٍ منْ أجْلِ أنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الإسْلَامِ يَدَّعِي أبَوَاهُ الاسْلَامَ أوْ أبُوهُ خاصَّةٍ وَإنْ كانَتْ امُّهُ عَلَى غَيْرِ الإسْلَامِ إذَا اسْتَهَلَّ صارِخا صُلِّيَ عَليه وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ مِنْ أجْلِ أنَّهُ سِقْطٌ فإنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ كانَ يحَدِّثُ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَاّ يُولَدُ عَلى الفِطْرَةِ فأبَوَاهُ يُهَوِّدانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ أوْ يُمَجِّسَانِهِ كَما تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ثُمَّ يَقُولُ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا الآيَةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَوْلُود بَين الْأَبَوَيْنِ الْمُسلمين أَو أَحدهمَا مُسلم إِذا مَاتَ، وَقد اسْتهلّ صَارِخًا يصلى عَلَيْهِ، فَالصَّلَاة عَلَيْهِ تدل على أَنه مَحل عرض الْإِسْلَام عِنْد تعقله.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي. الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي. الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ أَنه مُشْتَمل على شَيْئَيْنِ:
الأول: هُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَهُوَ قَوْله: قَالَ ابْن شهَاب: يُصلى على كل مَوْلُود
…
إِلَى آخِره، وَهُوَ قَول جَمَاهِير الْفُقَهَاء إلَاّ قَتَادَة فَإِنَّهُ انْفَرد فَقَالَ: لَا يصلى عَلَيْهِ. وَقَالَ أَصْحَابنَا: إِذا اسْتهلّ الْمَوْلُود سمي وَغسل وَصلي عَلَيْهِ، وَكَذَا إِذا اسْتهلّ ثمَّ مَاتَ لحينه، والاستهلال أَن يكون مِنْهُ مَا يدل على حَيَاته فَإِن لم يستهل لَا يغسل وَلَا يَرث وَلَا يُورث وَلَا يُسمى. وَعند الطَّحَاوِيّ: إِن الْجَنِين الْمَيِّت يغسل، وَلم يحك خلافًا. وَعَن مُحَمَّد، فِي سقط استبان خلقه: يغسل ويكفن ويحنط وَلَا يصلى عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا خرج أَكثر الْوَلَد وَهُوَ يَتَحَرَّك صلي عَلَيْهِ، وَإِن خرج أَقَله لم يصل عَلَيْهِ. وَفِي (شرح الْمُهَذّب) : إِذا اسْتهلّ السقط صلي عَلَيْهِ لحَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: (إِذا اسْتهلّ السقط صلي عَلَيْهِ وَورث) . وَهُوَ حَدِيث غَرِيب، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف من رِوَايَة جَابر، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: كَانَ الْمَوْقُوف أصح. وَقَالَ النَّسَائِيّ: الْمَوْقُوف أولى بِالصَّوَابِ، وَنقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على وجوب الصَّلَاة على السقط، وَعَن مَالك: لَا يصلى على الطِّفْل إلَاّ أَن يختلج ويتحرك، وَعَن ابْن عمر: أَنه يصلى عَلَيْهِ وَإِن لم يستهل، وَبِه قَالَ ابْن سِيرِين وَابْن الْمسيب وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ الْعَبدَرِي: إِن كَانَ لَهُ دون أَرْبَعَة أشهر لم يصل عَلَيْهِ بِلَا خلاف، يَعْنِي: بِالْإِجْمَاع، وَإِن كَانَ لَهُ أَرْبَعَة أشهر وَلم يَتَحَرَّك لم يصل عَلَيْهِ عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء، وَقَالَ أَحْمد وَدَاوُد: يصلى عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن قدامَة: السقط الْوَلَد تضعه الْمَرْأَة مَيتا أَو لغير تَمام، فَأَما إِن خرج حَيا واستهل فَإِنَّهُ يصلى عَلَيْهِ بعد غسله بِلَا خلاف، وَصلى ابْن عمر على ابْن ابْنه ولد مَيتا، وَقَالَ الْحسن وَإِبْرَاهِيم وَالْحكم وَحَمَّاد وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي: لَا يصلى عَلَيْهِ حَتَّى يستهل، وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ، وَحكى عَن سعيد بن جُبَير أَنه: لَا يصلى عَلَيْهِ مَا لم يبلغ. وَقَالَ ابْن حزم: ورويناه أَيْضا عَن سُوَيْد بن غَفلَة، وَعند الْمَالِكِيَّة: لَا يصلى عَلَيْهِ مَا لم يعلم حَيَاته بعد انْفِصَاله بالصراخ وَفِي العطاس وَالْحَرَكَة الْكَثِيرَة وَالرّضَاع الْيَسِير، قَولَانِ. أما الرَّضَاع المتحقق والحياة الْمَعْلُومَة بطول الْمكْث فكالصراخ، وَعَن اللَّيْث وَابْن وهب وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: أَن الْحَرَكَة وَالرّضَاع والعطاس استهلال، وَعَن بعض الْمَالِكِيَّة: أَن الْبَوْل وَالْحَدَث حَيَاة.
الثَّانِي: رِوَايَة ابْن شهَاب عَن أبي هُرَيْرَة مُنْقَطِعَة، لِأَن ابْن شهَاب لم يسمع من أبي هُرَيْرَة شَيْئا، وَلَا أدْركهُ. وَالْبُخَارِيّ لم يذكرهُ للاحتجاح، إِنَّمَا ذكر كَلَامه مُسْندًا لعلوه. وَقَالَ أَبُو عمر:
رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من وُجُوه صِحَاح ثَابِتَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره، فَمِمَّنْ رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة: الْأَعْرَج وَابْن الْمسيب وَابْن سِيرِين وَسَعِيد بن أبي سعيد وَأَبُو سَلمَة وَحميد بن عبد الرَّحْمَن وَأَبُو صَالح، وَاخْتلف على ابْن شهَاب فِي رِوَايَة، فمعمر وَالزهْرِيّ قَالَا: عَنهُ عَن سعيد وَعَن أبي هُرَيْرَة، وَيُونُس وَابْن أبي ذِئْب قَالَا: عَنهُ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: عَنهُ عَن حميد، قَالَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي: هَذِه الطّرق كلهَا صِحَاح عَن ابْن شهَاب، وَهُوَ عَن مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج، وَرَوَاهُ عَن أبي الزِّنَاد أَيْضا عبد الله بن الْفضل الْهَاشِمِي شيخ مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعند ابْن شهَاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: عَن عَطاء بن يزِيد عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَرْفُوعا:(سُئِلَ عَن أَوْلَاد الْمُشْركين؟ فَقَالَ: الله أعلم مَا كَانُوا عاملين؟) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يصلى على كل مَوْلُود متوفى) ، بِضَم الْيَاء وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقَوله:(متوفى)، صفة مَوْلُود. قَوْله:(لغية)، بِكَسْر اللَّام والغين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: مُشْتَقّ من الغواية: وَهِي الضَّلَالَة كفرا وَغَيره، وَأَيْضًا يُقَال لولد الزِّنَا، ولد الغية، وَلغيره: ولد الرشدة، فَالْمُرَاد مِنْهُ، وَإِن كَانَ الْمَوْلُود لكافرة أَو زَانِيَة، يصلى عَلَيْهِ إِذا مَاتَ إِذا كَانَ أَبَوَاهُ مُسلمين، أَو أَبوهُ فَقَط. وَهُوَ معنى قَوْله:(من أجل أَنه ولد على فطْرَة الْإِسْلَام يَدعِي أَبَوَاهُ الْإِسْلَام أَو أَبوهُ خَاصَّة)، يَعْنِي دون أمه. قَوْله:(يَدعِي) جملَة حَالية وَالْأَصْل: أَن مَذْهَب الزُّهْرِيّ أَنه يُصَلِّي على ولد الزِّنَا وَلَا يمْنَع ذَلِك من الصَّلَاة عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ تبعا لِأَبَوَيْهِ أَو لِأَبِيهِ، خَاصَّة إِذا كَانَت أمه غير مسلمة: قَوْله: (إِذا اسْتهلّ) أَي: إِذا صَاح عِنْد الْولادَة، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول من الاستهلال وَهُوَ الصياح عِنْد الْولادَة. قَوْله:(صَارِخًا) حَال مُؤَكدَة من الضَّمِير الَّذِي فِي: اسْتهلّ. قَوْله: (سقط)، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَضمّهَا وَفتحهَا: وَهُوَ الْجَنِين يسْقط قبل تَمَامه. قَوْله: (فَإِن أَبَا هُرَيْرَة) الْفَاء فِيهِ للتَّعْلِيل، وَقد قُلْنَا: أَن هَذِه الرِّوَايَة مُنْقَطِعَة. قَوْله: (مَا من مَوْلُود) كلمة: من، زَائِدَة، ومولود، مُبْتَدأ و: يُولد، خَبره وَتَقْدِيره: مَا من مَوْلُود يُوجد على أَمر إلَاّ على الْفطْرَة، وَهِي فِي اللُّغَة: الْخلقَة، وَالْمرَاد بهَا هُنَا، مَا يُرَاد فِي الْآيَة الشَّرِيفَة: وَهِي الدّين لِأَنَّهُ قد اعتورها الْبَيَان من أول الْآيَة، وَهُوَ:{فأقم وَجهك للدّين} (الرّوم: 03) . وَمن آخرهَا وَهُوَ: {ذَلِك الدّين الْقيم} (الرّوم: 03) . وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: كلمة: من، الاستغراقية فِي سِيَاق النَّفْي الَّتِي تفِيد الْعُمُوم، كَقَوْلِك: مَا أحد خير مِنْك، وَالتَّقْدِير: مَا مَوْلُود يُوجد على أَمر من الْأُمُور إلَاّ على هَذَا الْأَمر، والفطرة تدل على نوع مِنْهَا، وَهُوَ الِابْتِدَاء والاختراع: كالجلسة والقعدة، وَالْمعْنَى بهَا هَهُنَا: تمكن النَّاس من الْهدى فِي أصل الجبلة والتهيىء لقبُول الدّين، فَلَو ترك عَلَيْهَا لاستمر على لُزُومهَا وَلم يفارقها إِلَى غَيرهَا، لِأَن هَذَا الدّين حسنه مَوْجُود فِي النُّفُوس، وَإِنَّمَا يعدل عَنهُ لآفة من الْآفَات البشرية، والتقليد، كَقَوْلِه تَعَالَى:{أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى} (الْبَقَرَة: 61، 571) . وَالْفَاء فِي: أَبَوَاهُ، إِمَّا للتعقيب وَهُوَ ظَاهر، وَإِمَّا للتسبب، أَي: إِذا تقرر ذَلِك فَمن تغير كَانَ بِسَبَب أويه، وَنَذْكُر مَا قَالُوا فِي معنى الْفطْرَة عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله:(فَأَبَوَاهُ يهوِّدانه أَو ينصرَانِهِ أَو يُمَجِّسَانِهِ} مَعْنَاهُ: أَنَّهُمَا يعلمَانِهِ مَا هُوَ عَلَيْهِ ويصرفانه عَن الْفطْرَة، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد يرغبانه فِي ذَلِك، أَو أَن كَونه تبعا لَهما فِي الدّين بولادته على فراشهما يُوجب أَن يكون حكمه حكمهمَا. وَقيل: معنى: يُهَوِّدَانِهِ، يحكم لَهُ بحكمهما فِي الدُّنْيَا، فَإِن سبقت لَهُ السَّعَادَة أسلم إِذا بلغ وإلَاّ مَاتَ على كفره، وَإِن مَاتَ قبل بُلُوغه فَالصَّحِيح أَنه من أهل الْجنَّة. وَقيل: لَا عِبْرَة بِالْإِيمَان الفطري فِي أَحْكَام الدُّنْيَا، إِنَّمَا يعْتَبر الْإِيمَان الشَّرْعِيّ المكتسب بالإرادة وَالْفِعْل، وطفل الْيَهُودِيين. مَعَ وجود الْإِيمَان الفطري: مَحْكُوم بِكُفْرِهِ فِي الدُّنْيَا تبعا لوَالِديهِ. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الضَّمِير فِي أَبَوَاهُ رَاجع إِلَى كل مَوْلُود، لِأَنَّهُ عَام، فَيَقْضِي تهويد كل المواليد أَو نَحوه، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك لبَقَاء الْبَعْض على فطْرَة الْإِسْلَام. قلت: الْغَرَض من التَّرْكِيب أَن الضَّلَالَة لَيست من ذَات الْمَوْلُود، وَمُقْتَضى طبعه، بل أَيْنَمَا حصلت فَإِنَّمَا هِيَ بِسَبَب خَارج عَن ذَاته، قَوْله: (كَمَا تنْتج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء)، قَالَ الطَّيِّبِيّ قَوْله:(كَمَا) إِمَّا حَال من الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: (يُهَوِّدَانِهِ)، مثلا فَالْمَعْنى: يهودان الْمَوْلُود بعد أَن خلق على الْفطْرَة شَبِيها بالبهيمة الَّتِي جدعت بعد أَن خلقت سليمَة، وَأما صفة مصدر مَحْذُوف أَي: يغيرانه تغيرا مثل تغييرهم الْبَهِيمَة السليمة، فالأفعال الثَّلَاثَة، أَعنِي:(يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ويمجسانه) ، تنازعت فِي، كَمَا على التَّقْدِيرَيْنِ. قَوْله:(تنْتج) ، ويروى على بِنَاء الْمَفْعُول، وَفِي (الْمغرب) : عَن اللَّيْث: وَقد نتج النَّاقة ينتجها نتجا: إِذا تولى نتاجها حَتَّى وضعت فَهُوَ ناتج، وَهُوَ للبهائم كالقابلة للنِّسَاء، وَالْأَصْل: نتجتها، وَلذَا
يعدى إِلَى مفعولين، وَعَلِيهِ بَيت الحماسة:
(وهه نتحوك تَحت الْفِيل سقيا)
فَإِذا بني للْمَفْعُول الأول قيل: نتجت ولدا إِذا وَضعته. قَوْله: (جَمْعَاء) هِيَ الْبَهِيمَة الَّتِي لم يذهب من بدنهَا شَيْء سميت بهَا لِاجْتِمَاع سَلامَة أعضائها لَا جدع فِيهَا وَلَا كي. قَوْله: (وَهل تُحِسُّونَ فِيهَا من جَدْعَاء) فِي مَوضِع الْحَال على التَّقْدِيرَيْنِ، أَي: بَهِيمَة سليمَة مقولاً فِي حَقّهَا هَذَا القَوْل، وَفِيه نوع من التَّأْكِيد، يَعْنِي: كل من نظر إِلَيْهَا قَالَ هَذَا القَوْل لظُهُور سلامتها، والجدعاء الْبَهِيمَة الَّتِي قطعت أذنها من جدع إِذا قطع الْأذن وَالْأنف، وَتَخْصِيص ذكر الْجمع إِيمَاء إِلَى أَن تصميمهم على الْكفْر إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب صممهم عَن الْحق، وَأَنه كَانَ خليقا فيهم. قَوْله:(ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة)، الظَّاهِر: ثمَّ قَرَأَ فَعدل إِلَى القَوْل، وأتى بالمضارع على حِكَايَة الْحَال الْمَاضِيَة استحضارا لَهُ فِي ذهن السَّامع، كَأَنَّهُ يسمع مِنْهُ صلى الله عليه وسلم الْآن قَوْله:(لَا تَبْدِيل) لَا يجوز أَن يكون إِخْبَارًا مَحْضا لحُصُول التبديل، بل يؤول بِأَن يُقَال: من شَأْنه أَن لَا يُبدل أَو يُقَال: إِن الْخَبَر بِمَعْنى النَّهْي.
ثمَّ نبين مَا قَالُوا فِي معنى قَوْله صلى الله عليه وسلم: (كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة) . فَقَالَت: طَائِفَة: لَيْسَ معنى قَوْله: (كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة) عَاما، وَمَعْنَاهُ أَن كل من ولد على الْفطْرَة وَكَانَ لَهُ أَبَوَانِ على غير الْإِسْلَام هوداه أَو نصراه. قَالُوا: وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: أَن جَمِيع المولودين من بني آدم أَجْمَعِينَ يولدون على الْفطْرَة بَين الْأَبَوَيْنِ الْكَافرين، وَكَذَلِكَ من لم يُولد على الْفطْرَة وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين حكم لَهُ بحكمهما فِي صغره، وَإِن كَانَا يهوديين فَهُوَ يَهُودِيّ ويرثهما ويرثانه، وَكَذَلِكَ إِن كَانَا نَصْرَانِيين أَو مجوسيين، حَتَّى يعبر عَنهُ لِسَانه ويبلغ الْحِنْث، فَيكون لَهُ حكم نَفسه حِينَئِذٍ لَا حكم أَبَوَيْهِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:(الْغُلَام الَّذِي قَتله الْخضر، عليه الصلاة والسلام، طبعه الله يَوْم طبعه كَافِرًا)، وَبِمَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَليّ بن زيد عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد يرفعهُ:(أَلا إِن بني آدم خلقُوا طَبَقَات، فَمنهمْ من يُولد مُؤمنا وَيحيى مُؤمنا وَيَمُوت مُؤمنا. وَمِنْهُم من يُولد كَافِرًا وَيحيى كَافِرًا وَيَمُوت كَافِرًا، وَمِنْهُم من يُولد كَافِرًا وَيحيى كَافِرًا وَيَمُوت مُؤمنا) . قَالُوا: فَفِي هَذَا وَفِي غُلَام الْخضر مَا يدل على قَوْله: (كل مَوْلُود) لَيْسَ على الْعُمُوم، وَأورد عَلَيْهِم قَوْله صلى الله عليه وسلم:(كل بني آدم يُولد على الْفطْرَة) وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ غير صَحِيح وَلَو صَحَّ مَا فِيهِ حجَّة لجَوَاز الْخُصُوص كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ( {تدمر كل شَيْء} (الْأَحْقَاف: 52) . وَلم تدمر السَّمَاء وَالْأَرْض. وَقَوله: {فتحنا عَلَيْهِم أَبْوَاب كل شَيْء} (الْأَنْعَام: 44) . وَلم تفتح عَلَيْهِم أَبْوَاب الرَّحْمَة.
وَقَالَ آخَرُونَ: معنى الحَدِيث على الْعُمُوم لقَوْله صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم يُولد على الْفطْرَة)، وَلِحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا:(الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين) ، وَلِحَدِيث إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام:(والولدان حوله أَوْلَاد النَّاس. .) فَهَذِهِ كلهَا تدل على أَن الْمَعْنى: الْجَمِيع يولدون على الْفطْرَة، وضعفوا حَدِيث سعيد بن مَنْصُور بِوَجْهَيْنِ: الأول: أَن فِي سَنَده ابْن جدعَان. وَالثَّانِي: أَنه لَا يُعَارض دَعْوَى الْعُمُوم، لِأَن الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة رَاجِعَة إِلَى علم الله تَعَالَى فَإِنَّهُ قد يُولد الْوَلَد بَين مُؤمنين، وَالْعِيَاذ بِاللَّه، يكون قد سبق فِي علمه تَعَالَى غير ذَلِك، وَكَذَا من ولد بَين كَافِرين، وَإِلَى هَذَا يرجع غُلَام خضر، عليه الصلاة والسلام.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي معنى هَذِه الْفطْرَة، فَذكر أَبُو عبيد عَن مُحَمَّد بن الْحسن أَنه: قبل أَن يُؤمر النَّاس بِالْجِهَادِ، قيل: فِيهِ نظر، لِأَن فِي حَدِيث الْأسود بن سريع أَنه بعد الْجِهَاد، رَوَاهُ عَنهُ الْحسن الْبَصْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَال قوم يبلغون فِي الْقَتْل إِلَى الذُّرِّيَّة، إِنَّه لَيْسَ من مَوْلُود إِلَّا وَهُوَ يُولد على الْفطْرَة فيعبر عَنهُ لِسَانه)، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) بِلَفْظ:(مَا من مَوْلُود يُولد إلَاّ على فطْرَة الْإِسْلَام حَتَّى يعرب)، وَذكره أَبُو نعيم فِي (الْحِلْية) وَقَالَ: هُوَ حَدِيث مَشْهُور ثَابت، وَفِيه نظر، لِأَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَيحيى بن معِين وَأَبا عبد الله بن مَنْدَه وَأَبا دَاوُد وَغَيرهم أَنْكَرُوا أَن يكون الْحسن سمع من الْأسود شَيْئا. وَقيل: روى عَن الْأَعْمَش عَن الْأسود وَهُوَ حَدِيث بَصرِي صَحِيح، وَقَالَ قوم: الْفطْرَة هُنَا الْخلقَة الَّتِي يخلق عَلَيْهَا الْمَوْلُود من الْمعرفَة بربه، لِأَن الْفطْرَة الْخلقَة من الفاطر الْخَالِق، وأنكروا أَن يكون الْمَوْلُود يفْطر على كفر أَو إِيمَان أَو معرفَة وإنكار، وَإِنَّمَا يُولد الْمَوْلُود على السَّلامَة فِي الْأَغْلَب خلقَة وطبعا، وبنية لَيْسَ فِيهَا إِيمَان وَلَا كفر وَلَا إِنْكَار، وَلَا معرفَة، ثمَّ يَعْتَقِدُونَ الْإِيمَان أَو غَيره إِذا ميزوا، وَاحْتَجُّوا بقوله فِي الحَدِيث:(كَمَا تنْتج الْبَهِيمَة. .) الحَدِيث، فالأطفال فِي حِين الْولادَة كَالْبَهَائِمِ السليمة. فَلَمَّا بغوا استهوتهم الشَّيَاطِين فَكفر أَكْثَرهم إلَاّ من عصمه الله تَعَالَى، وَلَو فطروا على الْإِيمَان أَو الْفِكر فِي أول أَمرهم لما انتقلوا عَنهُ أبدا، فقد تجدهم يُؤمنُونَ ثمَّ يكفرون ثمَّ يُؤمنُونَ، ويستحيل أَن يكون الطِّفْل فِي حِين وِلَادَته يعقل شَيْئا، لِأَن الله أخرجهم فِي حَالَة