الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَائِشَة وَأبي أُمَامَة أَنهم كَرهُوا ذَلِك للنِّسَاء، وَكَرِهَهُ أَيْضا إِبْرَاهِيم وَالْحسن ومسروق وَابْن سِيرِين وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ الثَّوْريّ: اتِّبَاع النِّسَاء الْجَنَائِز بِدعَة، وَعَن أبي حنيفَة: لَا يَنْبَغِي ذَلِك للنِّسَاء، وروى إجَازَة ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَالقَاسِم وَسَالم وَالزهْرِيّ وَرَبِيعَة وَأبي الزِّنَاد، وَرخّص فِيهِ مَالك، وَكَرِهَهُ للشابة، وَعند الشَّافِعِي مَكْرُوه، وَلَيْسَ بِحرَام، وَنقل الْعَبدَرِي عَن مَالك: يكره إلَاّ أَن يكون الْمَيِّت وَلَدهَا أَو والدها أَو زَوجهَا، وَكَانَت مِمَّن يخرج مثلهَا لمثله. وَقَالَ ابْن حزم: لَا يمنعن من اتباعها، وآثار النَّهْي عَن ذَلِك لَا تصح لِأَنَّهَا إِمَّا عَن مَجْهُول أَو مُرْسلَة أَو عَمَّن لَا يحْتَج بِهِ، وأشبه شَيْء فِيهِ حَدِيث الْبَاب، وَهُوَ غير مُسْند لأَنا لَا نَدْرِي من هُوَ الناهي، وَلَعَلَّه بعض الصَّحَابَة، ثمَّ لَو صَحَّ مُسْندًا لم يكن فِيهِ حجَّة، بل كَانَ يكون على كَرَاهَة فَقَط، وَقد صَحَّ خِلَافه. روى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:(أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي جَنَازَة فَرَأى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، امْرَأَة فصاح بهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: دعها يَا عمر فَإِن الْعين دامعة وَالنَّفس مصابة والعهد قريب) . قلت: أخرج الْحَاكِم هَذَا، وَقَالَ: صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَفِيه نظر لِأَن الْبَيْهَقِيّ نَص على انْقِطَاعه، وَفِي سَنَده سَلمَة بن الْأَزْرَق، قَالَ ابْن الْقطَّان: سَلمَة هَذَا لَا يعرف حَاله وَلَا أعرف أحدا من مصنفي الرِّجَال ذكره، وروى الْحَاكِم قَالَ: أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الصفار حَدثنَا أَبُو إِسْمَاعِيل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم أخبرنَا نَافِع بن يزِيد أَخْبرنِي ربيعَة ابْن سيف حَدثنِي أَبُو عبد الرَّحْمَن الحبلي (عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قبرنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رجلا، فَلَمَّا رَجعْنَا وحاذينا بَابه إِذا هُوَ بِامْرَأَة لَا نظنه عرفهَا فَقَالَ: يَا فَاطِمَة! من أَيْن جِئْت؟ قَالَت: جِئْت من أهل الْمَيِّت، رحمت إِلَيْهِم ميتهم وعزيتهم، قَالَ: فلعلك بلغت مَعَهم الكدي؟ قَالَت: معَاذ الله أَن أبلغ مَعَهم الكدى، وَقد سَمِعتك تذكر فِيهِ مَا تذكر. قَالَ: لَو بلغت مَعَهم الكدى مَا رَأَيْت الْجنَّة حَتَّى يرى جد أَبِيك) . والكدى: الْمَقَابِر. قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. قلت: كَيفَ يَقُول على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَرَبِيعَة بن سيف لم يخرج لَهُ أحد مِنْهُمَا؟ وَقَالَ الدَّاودِيّ: قَوْلهَا: (نهينَا عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز، أَي: إِلَى أَن نصل إِلَى الْقُبُور) وَقَوْلها: (وَلم يعزم علينا) أَي: لَا نأتي أهل الْمَيِّت فنعزيهم ونترحم على ميتهم من غير أَن نتبع جنَازَته، وَقَالَ بَعضهم: وَفِي أَخذ هَذَا التَّفْصِيل من هَذَا السِّيَاق نظر. قلت: وَفِي نظره نظر، لِأَن الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْحَاكِم عَن عبد الله بن عَمْرو الْمَذْكُور يساعده. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بقولِهَا: (وَلم يعزم علينا) أَي: كَمَا عزم على الرِّجَال بترغيبهم فِي اتباعها بِحُصُول القيراط، وَنَحْو ذَلِك. انْتهى. وَأحسن حالات الْمَرْأَة مَعَ الْجِنَازَة أَنَّهَا لَا تُوجد فِي حُضُورهَا، وَقَالَ الْحَازِمِي: أما بِاتِّبَاع الْجِنَازَة فَلَا رخصَة لَهُنَّ فِيهِ، وَقد رُوِيَ عَن يزِيد بن أبن حبيب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حضر جَنَازَة رجل فَلَمَّا وضعت ليصلى عَلَيْهَا أبْصر امْرَأَة فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقيل: هِيَ أُخْت الْمَيِّت. فَقَالَ لَهَا: إرجعي فَلم يصل عَلَيْهَا حَتَّى تَوَارَتْ. وَقَالَ لامْرَأَة أُخْرَى: إرجعي وإلَاّ رجعت.
03 -
(بابْ حَدِّ المَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إحداد الْمَرْأَة على غير زَوجهَا، والإحداد، بِكَسْر الْهمزَة من: أحدت الْمَرْأَة على زَوجهَا تحد فَهِيَ محدة، إِذا حزنت عَلَيْهِ ولبست ثِيَاب الْحزن وَتركت الزِّينَة، وَكَذَلِكَ حدت الْمَرْأَة من الثلاثي تحد من بَاب: نصر ينصر، وتحد، بِكَسْر الْحَاء من بَاب: ضرب يضْرب، فَهِيَ: حادة. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أحدت الْمَرْأَة، أَي: امْتنعت من الزِّينَة والخضاب بعد وَفَاة زَوجهَا، وَكَذَلِكَ حدت حدادا، وَلم يعرف الْأَصْمَعِي إلَاّ: أحدت، فَهِيَ محدة. وَفِي بعض النّسخ: بَاب حداد الْمَرْأَة، بِغَيْر همزَة على لُغَة الثلاثي. وَفِي بَعْضهَا: بَاب حد الْمَرْأَة، من مصدر الثلاثي، وأبيح للْمَرْأَة الْحداد لغير الزَّوْج ثَلَاثَة أَيَّام وَلَيْسَ ذَلِك بِوَاجِب، وَقَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء على أَن من مَاتَ أَبوهَا أَو ابْنهَا وَكَانَت ذَات زوج وطالبها زَوجهَا بِالْجِمَاعِ فِي الثَّلَاثَة الْأَيَّام الَّتِي أُبِيح لَهَا الْإِحْدَاد فِيهَا أَنه يقْضِي لَهُ عَلَيْهَا بِالْجِمَاعِ فِيهَا، وَقَوله:(على غير زَوجهَا) يَشْمَل كل ميت غير الزَّوْج سَوَاء كَانَ قَرِيبا أَو أَجْنَبِيّا، وَأما الْحداد لمَوْت الزَّوْج فَوَاجِب عندنَا، سَوَاء كَانَت حرَّة أَو أمة، وَكَذَلِكَ يجب على الْمُطلقَة طَلَاقا بَائِنا مُطلقًا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجب، وَلَا يجب على ذِمِّيَّة وَلَا صَغِيرَة عندنَا، خلافًا لَهُم. فَإِن قلت: لم يُقيد فِي التَّرْجَمَة بِالْمَوْتِ؟ قلت: قَالَ بَعضهم: لم يُقَيِّدهُ فِي التَّرْجَمَة بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ مُخْتَصّ بِهِ عرفا، وَظَاهر التَّرْجَمَة يُنَافِي مَا قَالَه، فَكَانَ البُخَارِيّ لَا يرى أَنه مُخْتَصّ بِهِ عِنْده، فَترك التَّقْيِيد بِهِ.
9721 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ قَالَ حَدثنَا سَلَمَةُ بنُ عَلْقَمَةَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ قَالَ تُوُفِّيَ ابنٌ لأِمِّ عَطِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فلَمَّا كانَ اليَوْمُ الثالِثُ دَعَتْ بِصُفْرَةٍ فَتَمَسَّحَتْ بِهِ وقالَتْ نُهِينَا أنْ نُحِدَّ أكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ إلَاّ بِزَوْجٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ أَن أم عَطِيَّة أحدث لابنها، فَقَوله فِي التَّرْجَمَة: على غير زَوجهَا، يصدق عَلَيْهِ.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: مُسَدّد تكَرر ذكره. الثَّانِي: بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْمفضل بن لَاحق أَبُو إِسْمَاعِيل، مر فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم رب مبلغ. الثَّالِث: سَلمَة بن عَلْقَمَة التَّمِيمِي، مر فِي: بَاب من لم يتَشَهَّد فِي سَجْدَتي السَّهْو. الرَّابِع: مُحَمَّد بن سِيرِين، تكَرر ذكره.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته بصريون.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يَوْم الثَّالِث) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين من بَاب إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:(فِي الْيَوْم الثَّالِث) على الأَصْل. قَوْله: (بصفرة) الصُّفْرَة فِي الأَصْل لون الْأَصْفَر، وَالْمرَاد هَهُنَا نوع من الطّيب فِيهِ صفرَة. قَوْله:(نهينَا)، وروى عبد الرَّزَّاق عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين بِلَفْظ:(أمرنَا أَن لَا نحد على هَالك فَوق ثَلَاثَة) . وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق قَتَادَة عَن ابْن سِيرِين عَن أم عَطِيَّة. قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول
…
فَذكر مَعْنَاهُ. قَوْله: (أَن نحد) ، بِضَم النُّون من الْإِحْدَاد، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة. قَوْله:(إلَاّ بِزَوْج)، أَي: بِسَبَب زوج، وَهَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(إلَاّ لزوج) بِاللَّامِ، وَوَقع فِي الْعدَد:(إلَاّ على زوج) ، وَالْكل بِمَعْنى التَّسَبُّب.
0821 -
حدَّثنا الحمَيْدِي قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حَدثنَا أيُّوبُ بنُ مُوسى اقالَ أَخْبرنِي حُمَيْدُ بنُ نافِعٍ عنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أبِي سَلَمَةَ قالَتْ لَمَّا جاءَ نَعْيُ أبي سُفْيَانَ مِنَ الشامِ دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بِصُفْرَةٍ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ فَمَسَحَتْ عارِضَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا وقالَتْ إنِّي كُنْتُ عنْ هاذَا لَغَنِيَّةً لَوْلَا أنِّي سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا يَحِلُّ لامْرَأةٍ تُؤمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ أنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَاّ عَلَى زَوْجٍ فإنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الْإِحْدَاد على غير الزَّوْج.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: الْحميدِي، بِضَم الْحَاء: عبد الله بن الزبير بن عِيسَى القريشي الْأَسدي أَبُو بكر. الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث: أَيُّوب بن مُوسَى بن عَمْرو ابْن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي، أحد الْفُقَهَاء، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَة بِمَكَّة. الرَّابِع: حميد الطَّوِيل، بِضَم الْحَاء: بن نَافِع أَبُو أَفْلح، بِالْفَاءِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة. الْخَامِس: زَيْنَب بنت أبي سَلمَة، وأسمه: عبد الله بن عبد الْأسد، المخزومية ربيبة النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، أُخْت عمر بن أبي سَلمَة، أمهما أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زوج النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، مرت فِي: بَاب الخباء فِي الْعلم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: الثَّلَاثَة الأول من الروَاة مكيون وَالرَّابِع مدنِي. وَفِيه: شَيْخه مَذْكُور بنسبته إِلَى أحد أجداده.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله (نعى أَبُو سُفْيَان) بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْعين وَتَخْفِيف الْيَاء، وَهُوَ الْخَبَر بِمَوْت الشَّخْص، ويروى بِكَسْر الْعين وَتَشْديد الْيَاء، وَأَبُو سُفْيَان: هُوَ ابْن حَرْب والدمعاوية. قَوْله: (من الشَّام) قَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر لِأَن أَبَا سُفْيَان مَاتَ بِالْمَدِينَةِ بِلَا خلاف بَين أهل الْعلم بالأخبار، وَالْجُمْهُور على أَنه مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَعلل على ذَلِك بقوله: لَيْسَ فِي طرق هَذَا الحَدِيث التَّقْيِيد بذلك إلَاّ فِي رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وأظنها وهما، وأظن أَنه حذف مِنْهُ لفظ: ابْن، لِأَن الَّذِي جَاءَ نعيه من الشَّام وَأم حَبِيبَة فِي الْحَيَاة هُوَ أَخُوهَا يزِيد بن أبي سُفْيَان الَّذِي كَانَ أَمِيرا على الشَّام. قلت: يزِيل هَذَا الظَّن أَن
البُخَارِيّ روى الحَدِيث فِي (الْعدَد) من طَرِيق مَالك وَمن طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ كِلَاهُمَا عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عَن حميد بن نَافِع بِلَفْظ: (حِين توفّي أَبوهَا أَبُو سُفْيَان)، وَفِيه تَصْرِيح بِأَن الَّذِي جَاءَ نعيه هُوَ أَبُو سُفْيَان لَا نعي ابْن سُفْيَان. فَإِن قلت: هما لم يذكرَا فِي روايتهما من الشَّام؟ قلت: لَا يلْزم من عدم ذكرهمَا من الشَّام أَن يكون ذكر سُفْيَان بن عُيَيْنَة من الشَّام وهما، وَهُوَ إِمَام فِي الحَدِيث حجَّة ثَبت، وَعَن الشَّافِعِي: لَوْلَا مَالك وسُفْيَان بن عُيَيْنَة لذهب علم الْحجاز، وَفِي قَول هَذَا الْقَائِل: أَبُو سُفْيَان مَاتَ بِالْمَدِينَةِ بِلَا خلاف، نظر لِأَنَّهُ مُجَرّد دَعْوَى فَافْهَم. قَوْله:(أم حَبِيبَة) هِيَ بنت أبي سُفْيَان الْمَذْكُور، وَاسْمهَا: رَملَة، أم الْمُؤمنِينَ. قَوْله:(بصفرة) ، قد ذكرنَا مَعْنَاهَا عَن قريب، وَفِي رِوَايَة مَالك:(بِطيب فِيهِ صفرَة خلوق)، وَزَاد فِيهِ:(فدهنت مِنْهُ جَارِيَة ثمَّ مست بعارضيها) . قَوْله: (وَعشرا)، هَل المُرَاد مِنْهُ الْأَيَّام أَو اللَّيَالِي؟ فَفِيهِ قَولَانِ للْعُلَمَاء: أَحدهمَا، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور: أَن المُرَاد الْأَيَّام بلياليها. وَالْآخر: أَن المُرَاد اللَّيَالِي، وَأَنَّهَا تحل فِي الْيَوْم الْعَاشِر، وَهُوَ قَول يحيى بن أبي كثير وَالْأَوْزَاعِيّ، وَذكرنَا الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِالْحَدِيثِ وَالْخلاف فِيهَا فِي: بَاب الطّيب عِنْد الْغسْل من الْمَحِيض.
1821 -
حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي بَكْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عمْرِو بنِ حَزْمٍ عنْ حُمَيْدِ بنِ نافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أبِي سَلَمَةَ أخْبرَتْهُ قالَتْ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فقالَتْ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا يَحِلُّ لامْرَأةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ تحِدُّ علَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَاّ عَلَى زَوْجٍ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا. ثمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ ثُمَّ قالَتْ مَال بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لامْرَأةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَاّ عَلَى زَوْجٍ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا.
(2821 طرفه فِي: 5335) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أويس ابْن أُخْت مَالك.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن عبد الله بن يُوسُف وَعَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَعَن آدم بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَعَن عَمْرو النَّاقِد وَابْن أبي عمر، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر وَعبد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة بِهِ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاق عَن القعْنبِي عَن مَالك بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي النِّكَاح عَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْحَارِث بن مِسْكين، وَفِيه وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن سَلمَة، وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن عَمْرو بن مَنْصُور وَعَن هناد وَعَن وَكِيع.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ثمَّ دخلت عَليّ زَيْنَب بنت جحش)، فَاعل: دخلت، هُوَ زَيْنَب بنت أم سَلمَة، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة مُسلم وَالنَّسَائِيّ:(ثمَّ دخلت) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ: (فَدخلت) ، بِالْفَاءِ، وَقَالَ بَعضهم: وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (وَدخلت) ، بِالْوَاو، قلت: مَا وجدت فِي نسخ أبي دَاوُد إلَاّ بِالْفَاءِ، مثل رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَالْفرق بَين هَذِه الرِّوَايَات الثَّلَاث على تَقْدِير كَون رِوَايَة أبي دَاوُد بِالْوَاو، أَن كلمة: ثمَّ، للْعَطْف على التَّرَاخِي والمهلة والتشريك فِي الحكم وَالتَّرْتِيب، وَكلمَة: الْفَاء، للْعَطْف على التعقيب، وَكلمَة: الْوَاو، الْعَطف على الْجمع.
فَإِن قلت: على مَا ذكرت معنى: ثمَّ، يَقْتَضِي أَن تكون قصَّة زَيْنَب هَذِه بعد قصَّة أم حَبِيبَة، وَلَا يَصح ذَلِك، لِأَن زَيْنَب مَاتَت قبل أبي سُفْيَان بِأَكْثَرَ من عشر سِنِين على الصَّحِيح. قلت: فِي دلَالَة: ثمَّ، على التَّرْتِيب خلاف، وَلَئِن سلمنَا ضعف الْخلاف فَإِن: ثمَّ، هَهُنَا لترتيب الْإِخْبَار لَا لترتيب الحكم، وَذَلِكَ كَمَا يُقَال: بَلغنِي مَا صنعت الْيَوْم ثمَّ مَا صنعت أمس أعجب، أَي: ثمَّ أخْبرك أَن الَّذِي صَنعته أمس أعجب. وَأما: الْفَاء، فَإِن الْفراء قَالَ: لَا تفِيد التَّرْتِيب مُطلقًا، وَلَئِن سلمنَا، فَنَقُول: التَّرْتِيب ذكري لَا معنوي، وَأما: الْوَاو، فَإِنَّهَا لَا تفِيد التَّرْتِيب أصلا، فَإِن صحت رِوَايَة: الْوَاو، فَلَا إِشْكَال أصلا. فَافْهَم. فَإِنَّهُ مَوضِع دَقِيق لم يُنَبه عَلَيْهِ أحد من الشُّرَّاح. قَوْله:(حِين توفّي أَخُوهَا) ، قَالَ شَيخنَا زين الدّين، فِيهِ إِشْكَال، لِأَن لِزَيْنَب ابْنة جحش ثَلَاثَة إخْوَة: عبد الله وَعبيد الله مُصَغرًا وَأَبُو أَحْمد، مَشْهُور بكنيته، واسْمه عبد على الصَّحِيح، وَقيل: عبد الله، وَلَا جَائِز أَن يكون عبد الله مكبرا