الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجُمْلَة استئنافية. قَوْله: (مَا نكفنه) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (مَا نكفنه بِهِ) . قَوْله: (من الاذخر) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره رَاء، قيل: هُوَ نبت بِمَكَّة. قلت: لَيْسَ بمخصوص بِمَكَّة وَيكون بِأَرْض الْحجاز طيب الرَّائِحَة ينْبت فِي السهول والحزون، وَإِذا جف ابيض، وَذكر أَبُو حنيفَة فِي (كتاب النَّبَات) : أَن لَهُ أصلا مندفنا وَله قضبان دقاق ذفر الرّيح وَهُوَ مثل الأسل، أسل الكولان، يَعْنِي الَّذِي يعْمل مِنْهُ الْحصْر إلَاّ أَنه أعرض وأصغر كعوبا، وَله ثَمَرَة كَأَنَّهَا مكاسع الْقصب إِلَّا أَنه أرق وأصغر وَله كعوب كَثِيرَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ ابْن بطال: وَفِيه: أَن الثَّوْب إِذا ضَاقَ فتغطية رَأس الْمَيِّت أولى من رجلَيْهِ لِأَنَّهُ أفضل. وَفِيه: بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ صدر هَذِه الْأمة. وَفِيه: أَن الصَّبْر على مكابدة الْفقر وصعوبته من منَازِل الْأَبْرَار ودرجات الأخيار. وَفِيه: أَن الثَّوْب إِذا ضَاقَ عَن تَغْطِيَة رَأسه وعورته غطيت بذلك عَوْرَته وَجعل على سائره من الْإِذْخر، لِأَن ستر الْعَوْرَة وَاجِب فِي حَال الْحَيَاة وَالْمَوْت، وَالنَّظَر إِلَيْهَا ومباشرتها بِالْيَدِ محرم إلَاّ من حل لَهُ من الزَّوْجَيْنِ، كَذَا قَالَه الْمُهلب قلت: هَذَا عِنْد من يَقُول: إِن الْكَفَن يكون ساترا لجَمِيع الْبدن، وَإِن الْمَيِّت يصير كُله عَورَة، ومذهبنا أَن الآدم كُله مُحْتَرم حَيا وَمَيتًا، فَلَا يحل للرِّجَال غسل النِّسَاء وَلَا للنِّسَاء غسل الرِّجَال الْأَجَانِب بعد الْوَفَاة، وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة: أَن الْمَيِّت يؤزر بإزار سابغ، كَمَا يَفْعَله فِي حَال حَيَاته إِذا أَرَادَ الِاغْتِسَال، وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة: يشق عَلَيْهِم غسل مَا تَحت الْإِزَار فيكتفي بستر الْعَوْرَة الغليظة بِخرقَة. وَفِي (الْبَدَائِع) تغسل عَوْرَته تَحت الْخِرْقَة بعد أَن يلف على يَدَيْهِ خرقَة وينجي عِنْد أبي حنيفَة، كَمَا كَانَ يَفْعَله فِي حَيَاته، وَعِنْدَهُمَا: لَا يُنجى. وَفِي (الْمُحِيط) و (الرَّوْضَة) : لَا يُنجى عِنْد أبي يُوسُف، وَفهم من هَذَا كُله أَن الْمَيِّت لَا يصير كُله عَورَة، وَإِنَّمَا يعْتَبر حَاله بِحَال حَيَاته، وَفِي حَال حَيَاته عَوْرَته من السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة، وَالركبَة عَورَة عندنَا، وَهَذَا هُوَ الأَصْل فِي الْمَيِّت أَيْضا، وَلَكِن يَكْتَفِي بستر الْعَوْرَة الغليظة وَهِي الْقبل والدبر تَخْفِيفًا، وَهُوَ الصَّحِيح من الْمَذْهَب، وَبِه قَالَ مَالك ذكره فِي (الْمُدَوَّنَة) .
82 -
(بابُ مَنِ اسْتَعَدَّ الكَفَنَ فِي زَمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من استعد الْكَفَن أَي: أعده وَلَيْسَت السِّين للطلب. قَوْله: (فَلم يُنكر عَلَيْهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول ويروى على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَيكون الْفَاعِل هُوَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَقيل: يرْوى: (فَلم يُنكره بهَا)، أَي: فَلم يُنكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم الرجل الَّذِي طلب الْبردَة الَّتِي أهديت إِلَيْهِ، وَكَانَ طلبه إِيَّاهَا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لأجل أَن يُكفن فِيهَا. وَكَانَت الصَّحَابَة أَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَالَ: إِنَّمَا طلبتها لأكفن فِيهَا أعذروه فَلم ينكروا ذَلِك عَلَيْهِ. وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى تِلْكَ الْقَضِيَّة. واستفيد من ذَلِك جَوَاز تَحْصِيل مَا لَا بُد للْمَيت مِنْهُ من كفن وَنَحْوه فِي حَال حَيَاته، لِأَن أفضل مَا ينظر فِيهِ الرجل فِي الْوَقْت المهمل وفسحة الْأَجَل الِاعْتِدَاد للمعاد. وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم:(أفضل الْمُؤمنِينَ إِيمَانًا أَكْثَرهم للْمَوْت ذكرا وَأَحْسَنهمْ لَهُ اسْتِعْدَادًا) . وَقَالَ الضميري لَا يسْتَحبّ الْإِنْسَان أَن يعد لنَفسِهِ كفنا لِئَلَّا يُحَاسب عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيح إلَاّ إِذا كَانَ من جِهَة يقطع بحلها أَو من أثر أهل الْخَيْر والصلحاء، فَإِنَّهُ حسن، وَهل يلْحق بذلك حفر الْقَبْر فِي حَيَاته؟ فَقَالَ ابْن بطال: قد حفر جمَاعَة من الصَّالِحين قُبُورهم قبل الْمَوْت بِأَيْدِيهِم ليتمثلوا حُلُول الْمَوْت فِيهِ، ورد عَلَيْهِ بَعضهم بِأَن ذَلِك لم يَقع من أحد من الصَّحَابَة، وَلَو كَانَ مُسْتَحبا لكثر فيهم. قلت: لَا يلْزم من عدم وُقُوعه من أحد من الصَّحَابَة عدم جَوَازه، لِأَن مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن، وَلَا سِيمَا إِذا فعله قوم من الصلحاء الأخيار.
7721 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبي حازِمٍ عنْ أبِيِهِ عنْ سَهْلِهٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ امْرَأةً جاءَتْ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حاشِيَتُهَا أتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ قالُوا الشَّمْلَةُ قَالَ نَعَمْ قالَتْ نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لأِكْسُوكَهَا فأخَذَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجا إلَيْهَا فَخَرَجَ إلَيْنَا وَإنَّهَا إزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلانٌ فقالَ اكْسُنِيهَا مَا أحْسَنَهَا قَالَ القَوْمُ مَا أحْسَنْتَ لَبِسَهَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجا إلَيْهَا ثُمَّ
سَألْتُهُ وَعَلِمْتَ أنَّهُ لَا يَرُدُّ. قَالَ إنِّي وَالله مَا سألْتُهُ لأِلْبِسَهَا إنَّمَا سَألْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي. قَالَ سَهْلٌ فكانَتْ كفَنَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن الرجل الَّذِي سَأَلَ تِلْكَ الْبردَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما أنْكرت الصَّحَابَة عَلَيْهِ سُؤَاله قَالَ: سَأَلته لتَكون تِلْكَ الْبردَة كفني، فَأعْطَاهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا، واستعدها ليكفن فِيهَا، فَكفن فِيهَا. وَأخْبر بذلك سهل حَيْثُ قَالَ: فَكَانَت كَفنه.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: عبد الله بن مسلمة القعْنبِي. الثَّانِي: عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم. الثَّالِث: أَبوهُ أَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج القَاضِي من عباد أهل الْمَدِينَة وزهادهم. الرَّابِع: سهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن رُوَاته مدنيون، غير أَن عبد الله بن مسلمة سكن الْبَصْرَة وَهُوَ من رباعيات البُخَارِيّ، وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا فِي اللبَاس عَن هِشَام بن عمار بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن امْرَأَة)، لم يعرف اسْمهَا. قَوْله:(بِبُرْدَةٍ)، هِيَ: كسَاء كَانَت الْعَرَب تلتحف بِهِ فِيهِ خطوط، وَيجمع على: برد، كغرفة وغرف. وَقَالَ ابْن قرقول: هِيَ النمرة. قَوْله: (حاشيتها)، مَرْفُوع بقوله:(منسوجة) وَاسم الْمَفْعُول يعْمل عمل فعله كاسم الْفَاعِل، قَالَه الدَّاودِيّ: يَعْنِي أَنَّهَا لم تقطع من ثوب فَتكون بِلَا حَاشِيَة، وَقيل: حَاشِيَة الثَّوْب هدبه، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا جَدِيدَة لم تقطع هدبها، وَلم تلبس بعد. وَقَالَ الْقَزاز: حاشيتا الثَّوْب ناحيتاه اللَّتَان فِي طرفيهما الهدب قَالَ. قَالَ الْجَوْهَرِي: الْحَاشِيَة وَاحِدَة حَوَاشِي الثَّوْب، وَهِي جوانبه. قَوْله:(تَدْرُونَ)، ويروى:(أَتَدْرُونَ؟)، بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام. ويروى:(هَل تَدْرُونَ؟) ، وعَلى كل حَال هَذِه الْجُمْلَة قَول سُهَيْل بن سعد، بَينه أَبُو غَسَّان عَن أبي حَازِم، كَمَا أخرجه البُخَارِيّ فِي الْأَدَب. وَلَفظه:(فَقَالَ سهل للْقَوْم: أَتَدْرُونَ مَا الْبردَة؟ قَالُوا: الشملة) . انْتهى. والشملة، كسَاء يشْتَمل بِهِ، وَهِي أَعم لَكِن لما كَانَ أَكثر اشتمالهم بهَا اطلقوا عَلَيْهَا اسْمهَا. قَوْله:(تَدْرُونَ) إِلَى قَوْله: (قَالَت: نسجتها) جمل مُعْتَرضَة فِي كَلَام الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة. قَوْله: (فَأَخذهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجا إِلَيْهَا) أَي: حَال كَونه مُحْتَاجا إِلَى تِلْكَ الْبردَة. ويروى: (مُحْتَاج إِلَيْهَا) ، بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ، مَحْذُوف أَي: أَخذهَا وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهَا وَإِن شِئْت تَقول: وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهَا، وَقد علم أَن الْجُمْلَة الإسمية إِذا وَقعت حَالا يجوز فِيهَا الْأَمْرَانِ: الْوَاو وَتركهَا. فَإِن قلت: من أَيْن عرفُوا احْتِيَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى ذَلِك؟ قلت: يُمكن أَن يكون ذَلِك بِصَرِيح القَوْل من النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو بِقَرِينَة حَالية دلّت على ذَلِك قَوْله: (فَخرج إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إزَاره) أَي: فَخرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا وَإِن الْبردَة الْمَذْكُورَة إزَاره: يَعْنِي متزرا بهَا، يدل على ذَلِك رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ عَن هِشَام بن سعد عَن أبي حَازِم:(فاتزر بهَا ثمَّ خرج) . وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: عَن هِشَام بن عمار عَن عبد الْعَزِيز: (فَخرج إِلَيْنَا فِيهَا) . قَوْله: (فحسنها فلَان) أَي: نَسَبهَا إِلَى الْحسن، وَهُوَ ماضٍ من التحسين فِي الرِّوَايَات كلهَا. وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي اللبَاس من طَرِيق يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي حَازِم:(فجسها) بِالْجِيم وَتَشْديد السِّين بِغَيْر نون، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أُخْرَى عَن ابْن أبي حَازِم، وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: فلَان، هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَفِي الطَّبَرَانِيّ: عَن قُتَيْبَة هُوَ سعد بن أبي وَقاص. وَقد أخرج البُخَارِيّ فِي اللبَاس وَالنَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن قُتَيْبَة، وَلم يذكرَا ذَلِك عَنهُ. وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه:(فجَاء فلَان ابْن فلَان، رجل سَمَّاهُ يَوْمئِذٍ) وَهَذَا يدل على أَن الرَّاوِي سَمَّاهُ وَنسبه، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى للطبراني أَن السَّائِل الْمَذْكُور أَعْرَابِي، وَلَكِن فِي سَنَده: زَمعَة بن صَالح، وَهُوَ ضَعِيف. قَوْله:(مَا أحْسنهَا!) كلمة مَا هُنَا للتعجب، وَهُوَ بِنصب النُّون، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه:(فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَا أحسن هَذِه الْبردَة أكسنيها. قَالَ: نعم، فَلَمَّا دخل طواها وَأرْسل بهَا إِلَيْهِ) . قَوْله: (مَا أَحْسَنت) كلمة: مَا، هُنَا نَافِيَة. قَوْله:(لبسهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجا إِلَيْهَا) أَي: لبس الْبردَة الْمَذْكُورَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَال كَونه مُحْتَاجا إِلَيْهَا، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه:(وَالله مَا أَحْسَنت كساها النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُحْتَاج إِلَيْهَا) . أَي: وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهَا. قَوْله: (أَنه لَا يرد) أَي: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يرد سَائِلًا، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه بتصريح الْمَفْعُول، وَنَحْوه وَقع فِي رِوَايَة يَعْقُوب فِي الْبيُوع، وَفِي رِوَايَة أبي غَسَّان فِي الْأَدَب: (لَا يسْأَل شَيْء