الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسلم من حَدِيث يزِيد بن عبيد، قَالَ: سَمِعت عُمَيْرًا مولى أبي اللَّحْم قَالَ: أَمرنِي مولَايَ أَن أقدد لَحْمًا، فجَاء مِسْكين فأطعمته مِنْهُ، فَعلم مولَايَ بذلك فضربني، فَأتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: لِمَ ضَربته؟ قَالَ: يُعْطي طَعَامي من غير أَن آمره. فَقَالَ: الْأجر بَيْنكُمَا. قلت: مَعْنَاهُ: بَيْنكُمَا قِسْمَانِ، وَإِن كَانَ أَحدهمَا أَكثر، وَأَشَارَ القَاضِي عِيَاض إِلَى أَنه يحْتَمل أَيْضا أَن يكون سَوَاء، لِأَن الْأجر فضل من الله تَعَالَى، وَلَا يدْرك بِقِيَاس وَلَا هُوَ بِحَسب الْأَعْمَال، وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَالْمُخْتَار الأول. قَوْله: (لَا ينقص بَعضهم أجر بعض شَيْئا) شَيْئا: مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول لقَوْله: (لَا ينقص)، وَقَوله: أجر، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: من أجر بعض، أَو هُوَ مفعول أول لقَوْله: لَا ينقص، لِأَنَّهُ ضد يزِيد وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين، قَالَ تَعَالَى:{فَزَادَهُم الله مَرضا} (الْبَقَرَة: 01) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اخْتلف النَّاس فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ بَعضهم: هَذَا على مَذْهَب النَّاس بالحجاز، وبغيرها من الْبلدَانِ: إِن رب الْبَيْت قد يَأْذَن لأَهله وَعِيَاله وللخادم فِي الْإِنْفَاق بِمَا يكون فِي الْبَيْت من طَعَام أَو أدام، وَيُطلق أَمرهم فِيهِ إِذا حَضَره السَّائِل وَنزل الضَّيْف، وحضهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على لُزُوم هَذِه الْعَادة وَوَعدهمْ الثَّوَاب عَلَيْهِ، وَقيل: هَذَا فِي الْيَسِير الَّذِي لَا يُؤثر نقصانه وَلَا يظْهر، وَقيل: هَذَا إِذا علم مِنْهُ أَنه لَا يكره الْعَطاء فيعطي مَا لم يجحف، وَهَذَا معنى قَوْله: غير مفْسدَة، وَفرق بَعضهم بَين الزَّوْجَة وَالْخَادِم: بِأَن الزَّوْجَة لَهَا حق فِي مَال الزَّوْج وَلها النّظر فِي بَيتهَا، فَجَاز لَهَا أَن تَتَصَدَّق بِمَا لَا يكون إسرافا، لَكِن بِمِقْدَار الْعَادة، وَمَا يعلم أَنه لَا يؤلم زَوجهَا. فَأَما الْخَادِم فَلَيْسَ لَهُ تصرف فِي مَتَاع مَوْلَاهُ وَلَا حكم، فَيشْتَرط الْإِذْن فِي عَطِيَّة الْخَادِم دون الزَّوْجَة. فَإِن قلت: أَحَادِيث هَذَا الْبَاب جَاءَت مُخْتَلفَة. فَمِنْهَا: مَا يدل على منع الْمَرْأَة أَن تنْفق من بَيت زَوجهَا إلَاّ بِإِذْنِهِ، وَهُوَ حَدِيث أبي أُمَامَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، قَالَ: حَدثنَا هناد حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش حَدثنَا شُرَحْبِيل بن مُسلم الْخَولَانِيّ (عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول فِي خطبَته عَام حجَّة الْوَدَاع: لَا تنْفق امْرَأَة شَيْئا من بَيت زَوجهَا إلَاّ بِإِذن زَوجهَا. قيل: يَا رَسُول الله وَلَا الطَّعَام؟ قَالَ: ذَاك أفضل أَمْوَالنَا) . وَقَالَ: حَدِيث حسن وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا. وَمِنْهَا: مَا يدل على الْإِبَاحَة بِحُصُول الْأجر لَهَا فِي ذَلِك، وَهُوَ حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور. وَمِنْهَا: مَا قيد فِيهِ التَّرْغِيب فِي الْإِنْفَاق بِكَوْنِهِ بِطيب نفس مِنْهُ، وبكونها غير مفْسدَة، وَهُوَ حَدِيث عَائِشَة أَيْضا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مَسْرُوق عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذا أَعْطَتْ الْمَرْأَة من بَيت زَوجهَا بِطيب نفس غير مفْسدَة. .) الحَدِيث. وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُقَيّد بِكَوْنِهَا غير مفْسدَة، وَإِن كَانَ من غير أمره، وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (لَا تصم الْمَرْأَة وبعلها شَاهد إلَاّ بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأذن فِي بَيته وَهُوَ شَاهد إلَاّ بِإِذْنِهِ، وَمَا أنفقت من كَسبه من غير أمره فَإِن نصف أجره لَهُ) . وَمِنْهَا: مَا قيد الحكم فِيهِ بِكَوْنِهِ رطبا، وَهُوَ حَدِيث سعد ابْن أبي وَقاص، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة زِيَاد بن جُبَير (عَن سعد، قَالَ: لما بلغ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم النِّسَاء قَامَت امْرَأَة جليلة كَأَنَّهَا من نسَاء مُضر فَقَالَت: يَا نَبِي الله أنأكل من عمل آبَائِنَا وأبنائنا؟) قَالَ أَبُو دَاوُد: وَأرى فِيهِ (وَأَزْوَاجنَا فَمَا يحل لنا من أَمْوَالهم؟ قَالَ: الرطب تأكليه وتهديه)، قَالَ أَبُو دَاوُد: الرطب الْخبز والبقل وَالرّطب. قلت: الرطب الأول، بِفَتْح الرَّاء وَالثَّانِي بضَمهَا، وَهُوَ رطب التَّمْر، وَكَذَلِكَ الْعِنَب وَسَائِر الْفَوَاكِه الرّطبَة دون الْيَابِسَة. قلت: كَيْفيَّة الْجمع بَينهمَا أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف عادات الْبِلَاد وباختلاف حَال الزَّوْج من مسامحته. وَرضَاهُ بذلك أَو كَرَاهَته لذَلِك، وباختلاف الْحَال فِي الشَّيْء الْمُنفق بَين أَن يكون شَيْئا يَسِيرا يتَسَامَح بِهِ، وَبَين أَن يكون لَهُ خطر فِي نفس الزَّوْج يبخل بِمثلِهِ، وَبَين أَن يكون ذَلِك رطبا يخْشَى فَسَاده إِن تَأَخّر، وَبَين أَن يكون يدّخر وَلَا يخْشَى عَلَيْهِ الْفساد.
81 -
(بابٌ لَا صَدَقَةَ إلَاّ عنْ ظَهْرِ غِنَى)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: لَا صَدَقَة إلَاّ عَن ظهر غنى، وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث أخرجه أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة من طَرِيق عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ:(لَا صَدَقَة إلَاّ عَن ظهر غنى) ، وَكَذَا ذكره البُخَارِيّ فِي الْوَصَايَا تَعْلِيقا، وَلَفظ حَدِيث الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ:(خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى) . قَالَ الْخطابِيّ: الظّهْر قد يُزَاد فِي مثل
هَذَا إشباعا للْكَلَام وَالنَّفْي فِيهِ للكمال لَا للْحَقِيقَة، وَالْمعْنَى: لَا صَدَقَة كَامِلَة إلَاّ عَن ظهر غنى، وَالظّهْر مُضَاف إِلَى غنى وَهُوَ بِكَسْر الْغَيْن مَقْصُورا ضد الْفقر، قَالَ ابْن قرقول، وَمِنْه خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى، أَي: مَا أبقت غنى. قيل: مَعْنَاهُ الصَّدَقَة بِالْفَضْلِ عَن قوت عِيَاله وَحَاجته، وَقَالَ الْخطابِيّ: أفضل الصَّدَقَة مَا أخرجه الْإِنْسَان من مَال بعد أَن يستبقي مِنْهُ قدر الْكِفَايَة لأَهله وَعِيَاله، وَلذَلِك يَقُول: وابدأ بِمن تعول. وَقَالَ محيي السّنة: أَي: غنى مستظهر بِهِ على النوائب الَّتِي تنوبه.
وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهْوَ مُحْتَاجٌ أوْ أهْلُهُ مُحْتَاجٌ أوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فالدَّيْنُ أحَقُّ أنْ يُقْضَى مِنَ الصَّدَقَةِ والعِتْقِ والهِبَةِ وَهْوَ رَدٌّ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أنْ يُتْلِفَ أمْوَالَ النَّاسِ
هَذَا كُله من التَّرْجَمَة وَقع تَفْسِيرا لقَوْله: (لَا صَدَقَة إِلَّا عَن ظهر غنى) ، وَالْمعْنَى أَن شَرط التَّصَدُّق أَن لَا يكون مُحْتَاجا وَلَا أَهله مُحْتَاجا وَلَا يكون عَلَيْهِ دين فَإِذا كَانَ عَلَيْهِ دين فَالْوَاجِب أَن يقْضِي دينه، وَقَضَاء الدّين أَحَق من الصَّدَقَة وَالْعِتْق وَالْهِبَة لِأَن الِابْتِدَاء بالفرائض قبل النَّوَافِل، وَلَيْسَ لأحد إِتْلَاف نَفسه وَإِتْلَاف أَهله وإحياء غَيره، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ إحْيَاء غَيره بعد إحْيَاء نَفسه وَأَهله إِذْ هما أوجب عَلَيْهِ من حق سَائِر النَّاس. قَوْله:(وَهُوَ مُحْتَاج) جملَة إسمية وَقعت حَالا، والجملتان بعْدهَا أَيْضا حَال. قَوْله:(فالدين أَحَق) جَزَاء الشَّرْط، وَفِيه مَحْذُوف أَي: فَهُوَ أَحَق وَأَهله أَحَق وَالدّين أَحَق. قَوْله: (وَهُوَ رد) أَي: غير مَقْبُول، لِأَن قَضَاء الدّين وَاجِب وَالصَّدَََقَة تطوع وَمن أَخذ دينا وَتصدق بِهِ وَلَا يجد مَا يقْضِي بِهِ الدّين فقد دخل تَحت وَعِيد من أَخذ أَمْوَال النَّاس، وَمُقْتَضى قَوْله:(وَهُوَ رد عَلَيْهِ) أَن يكون الدّين الْمُسْتَغْرق مَانِعا من صِحَة التَّبَرُّع، لَكِن هَذَا لَيْسَ على الْإِطْلَاق وَإِنَّمَا يكون مَانِعا إِذا حجر عَلَيْهِ الْحَاكِم، وَأما قبل الْحجر فَلَا يمْنَع، كَمَا تقرر ذَلِك فِي مَوْضِعه فِي الْفِقْه، فعلى هَذَا إِمَّا يحمل إِطْلَاق البُخَارِيّ عَلَيْهِ أَو يكون مذْهبه أَن الدّين الْمُسْتَغْرق يمْنَع مُطلقًا، وَلَكِن هَذَا خلاف مَا قَالَه الْعلمَاء، حَتَّى إِن ابْن قدامَة وَغَيره نقلوا الْإِجْمَاع على أَن الْمَنْع إِنَّمَا يكون بعد الْحجر.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أخَذَ أمْوَالَ النَّاسِ يُريدُ إتْلَافَهَا أتْلَفَهُ الله
هَذَا أَيْضا من التَّرْجَمَة، قد ذكر فِيهَا خَمْسَة أَحَادِيث معلقَة هَذَا أَولهَا وَهَذَا طرف من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَصله البُخَارِيّ فِي الاستقراض فِي: بَاب من أَخذ أَمْوَال النَّاس يُرِيد أداءها أَو إتلافها: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي حَدثنَا سُلَيْمَان عَن بِلَال (عَن ثَوْر بن زيد عَن أبي الْغَيْث عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (من أَخذ أَمْوَال النَّاس يُرِيد أداءها أدّى الله عَنهُ، وَمن أَخذهَا يُرِيد إتلافها أتْلفه الله) .
إلَاّ أنْ يَكُونَ مَعْرُوفا بِالصَّبْرِ فَيُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ ولَوْ كانَ بِهِ خَصَاصَةٌ كَفِعْلِ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ حِينَ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ
قَوْله: (إلَاّ أَن يكون) من كَلَام البُخَارِيّ، وَهُوَ اسْتثِْنَاء من التَّرْجَمَة أَو من لفظ: من تصدق وَهُوَ مُحْتَاج، أَي: فَهُوَ أَحَق إلَاّ أَن يكون مَعْرُوفا بِالصبرِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَهُ أَن يُؤثر غَيره على نَفسه وَيتَصَدَّق بِهِ، وَإِن كَانَ غير غَنِي أَو مُحْتَاجا إِلَيْهِ. قَوْله:(خصَاصَة) أَي: فقر وخلل. قَوْله: (كَفعل أبي بكر حِين تصدق بِمَالِه) أَي: بِجَمِيعِ مَاله، لِأَنَّهُ كَانَ صَابِرًا، وَقد يُقَال: تخلي أبي بكر عَن مَاله كَانَ عَن ظهر غنى، لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيا بِقُوَّة توكله، وَتصدق أبي بكر بِجَمِيعِ مَاله مَشْهُور فِي السّير، وَورد فِي حَدِيث مَرْفُوع أخرجه أَبُو دَاوُد وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من طَرِيق زيد بن أسلم: سَمِعت عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول:(أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نتصدق فَوَافَقَ ذَلِك مَالا عِنْدِي، فَقلت: الْيَوْم أسبق أَبَا بكر إِن سبقته يَوْمًا، فَجئْت بِنصْف مَالِي وأتى أَبُو بكر بِكُل مَا عِنْده، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا بكر مَا أبقيت لأهْلك؟ قَالَ: أبقيت لَهُم الله وَرَسُوله) . وَقَالَ الطَّبَرِيّ وَغَيره، قَالَ الْجُمْهُور: من تصدق بِمَالِه كُله فِي صِحَة بدنه وعقله حَيْثُ لَا دين عَلَيْهِ وَكَانَ صبورا على الْإِضَافَة، وَلَا عِيَال لَهُ، أَو لَهُ عِيَال يصبرون أَيْضا. فَهُوَ جَائِز، فَإِن فقد شَيْئا من هَذِه الشُّرُوط كره. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مَرْدُود، وَرُوِيَ عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَيْثُ رد على غيلَان الثَّقَفِيّ قسْمَة مَاله، وَقَالَ آخَرُونَ: يجوز من الثُّلُث، وَيرد عَلَيْهِ الثُّلُثَانِ، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَمَكْحُول، وَعَن مَكْحُول أَيْضا
يرد مَا زَاد على النّصْف.
وكَذالِكَ آثَرَ الأنْصَارُ المُهَاجِرِينَ
هَذَا ثَالِث الْأَحَادِيث الْمُعَلقَة، وَهُوَ أَيْضا مَشْهُور فِي السّير، وَفِيه أَحَادِيث مَرْفُوعَة. مِنْهَا: حَدِيث أنس: قدم الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِم شَيْء فقاسمهم الْأَنْصَار. وَأخرجه البُخَارِيّ مَوْصُولا فِي حَدِيث طَوِيل من كتاب الْهِبَة فِي: بَاب فضل المنيحة. وَذكر ابْن إِسْحَاق وَغَيره أَن الْمُهَاجِرين لما نزلُوا على الْأَنْصَار آثروهم حَتَّى قَالَ بَعضهم لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف: انْزِلْ لَك عَن إِحْدَى امْرَأَتي.
ونَهاى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عنْ إضَاعَةِ المَالِ فَلَيْسَ لَهُ أنْ يُضَيِّعَ أمْوَالَ النَّاسِ بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ
هَذَا رَابِع الْأَحَادِيث الْمُعَلقَة، وَهُوَ طرف من حَدِيث الْمُغيرَة، وَقد مضى بِتَمَامِهِ فِي أَوَاخِر صفة الصَّلَاة.
وَقَالَ كَعْبٌ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قُلْتُ يَا رسولَ الله إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ أنْخَلِعَ مِنْ مالِي صَدَقَةً إلَى الله وَإلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فإنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ
هَذَا خَامِس الْأَحَادِيث الْمُعَلقَة فَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل فِي تَوْبَة كَعْب بن مَالك، وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِير التَّوْبَة، وَكَعب هَذَا شهد الْعقبَة الثَّانِيَة وَهُوَ أحد شعراء النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَأحد الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَة تَبُوك، مَاتَ سنة خمسين. قَوْله:(من تَوْبَتِي) أَي: من تَمام تَوْبَتِي. قَوْله: (إِلَى الله) أَي: صَدَقَة منتهية إِلَى الله، وَإِنَّمَا منع النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، كَعْبًا عَن صرف كل مَاله وَلم يمْنَع أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ شَدِيد الصَّبْر قوي التَّوَكُّل، وَكَعب لم يكن مثله.
6241 -
حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخْبَرَنَا عَبْدُ الله عنْ يُونُسَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كانَ عنْ ظَهْرِ غِنىً وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ الْمَعْنى مُتَوَجّه. وَرِجَاله ذكرُوا غير مرّة، وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن عَمْرو بن سَواد عَن ابْن وهب قَوْله:(وابدأ بِمن تعول) أَي: بِمن يجب عَلَيْك نَفَقَته، وعال الرجل أَهله: إِذا مانهم أَي: قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من الْقُوت وَالْكِسْوَة وَغَيرهمَا.
31 -
(حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا وهيب قَالَ حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه عَن حَكِيم بن حزَام رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول وَخير الصَّدَقَة عَن ظهر غنى وَمن يستعفف يعفه الله وَمن يسْتَغْن يُغْنِيه الله) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَخير الصَّدَقَة عَن ظهر غنى ". وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة ووهيب مصغر وهب بن خَالِد وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير وَحَكِيم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة بن حزَام بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الزَّاي الْأَسدي الْمَكِّيّ ولد فِي بَاطِن الْكَعْبَة عَاشَ فِي الْجَاهِلِيَّة سِتِّينَ وَفِي الْإِسْلَام أَيْضا سِتِّينَ وَأعْتق مائَة رَقَبَة وَحمل على مائَة بعير فِي الْجَاهِلِيَّة وَحج فِي الْإِسْلَام وَمَعَهُ مائَة بَدَنَة ووقف بِعَرَفَة بِمِائَة رَقَبَة فِي أَعْنَاقهم أطواق الْفضة منقوش فِيهَا عُتَقَاء الله عَن حَكِيم بن حزَام وَأهْدى ألف شَاة وَمَات بِالْمَدِينَةِ سنة سِتِّينَ أَو أَربع وَخمسين (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى " وَقد فسر الْعليا والسفلى فِي حَدِيث ابْن عمر على مَا يَأْتِي عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَن الْيَد الْعليا هِيَ المنفقة والسفلى هِيَ السائلة وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث مَالك بن أنس عَن
نَافِع عَن عبد الله بن عمر وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ فِيهِ أقوالا. الأول أَن الْعليا يَد الْمُعْطِي للصدقة. وَالثَّانِي هِيَ يَد الْآخِذ. وَالثَّالِث هِيَ الْيَد المتعففة. وَالرَّابِع أَن الْعليا يَد الله ويليها يَد الْمُعْطِي وَيَد السَّائِل هِيَ السُّفْلى وَقَالَ عِيَاض قيل الْعليا الآخذة. والسفلى الْمَانِعَة وَقيل الْيَد هُنَا النِّعْمَة فَكَانَ الْمَعْنى أَن الْعَطِيَّة الجزيلة خير من الْعَطِيَّة القليلة وَهَذَا حث على المكارم بأوجز لفظ وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عَطِيَّة السَّعْدِيّ وَفِيه " إِن الْيَد المعطية هِيَ الْعليا وَإِن السائلة هِيَ السُّفْلى " وَرَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار بِلَفْظ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - يَقُول " الْيَد المعطية خير من الْيَد السُّفْلى " وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عدي الجذامي وَفِي حَدِيثه " يَا أَيهَا النَّاس تعلمُوا فَإِنَّمَا الْأَيْدِي ثَلَاثَة فيد الله الْعليا وَيَد الْمُعْطِي الْوُسْطَى وَيَد الْمُعْطى السُّفْلى فتعففوا وَلَو بحزم الْحَطب أَلا هَل بلغت ". وروى أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي رمثة بِلَفْظ يدل الْمُعْطِي الْعليا وروى عَليّ بن عَاصِم عَن إِبْرَاهِيم الهجري عَن أبي الْأَحْوَص عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - " الْأَيْدِي ثَلَاثَة يَد الله الْعليا وَيَد الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَد السَّائِل أَسْفَل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " قَالَ الْبَيْهَقِيّ تَابع عليا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن الهجري على رَفعه وَرَوَاهُ جَعْفَر بن عون عَن الهجري فَوَقفهُ وَقَالَ الْحَاكِم حَدِيث مَحْفُوظ مَشْهُور وخرجه وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله تَعَالَى الصَّوَاب أَن الْعليا هِيَ المعطية كَمَا تشهد بذلك الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَقَالَ الْخطابِيّ وَقد يتَوَهَّم كثير من النَّاس أَن معنى الْعليا هُوَ أَن يَد الْمُعْطِي المستعلية فَوق يَد الْآخِذ يجعلونه من علو الشَّيْء إِلَى فَوق قَالَ وَلَيْسَ ذَلِك عِنْدِي بِالْوَجْهِ وَإِنَّمَا هُوَ من عَلَاء الْمجد وَالْكَرم يرِيه بِهِ الترفع عَن المساءلة وَالتَّعَفُّف عَنْهَا وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ لَا يمْتَنع أَن يحمل على مَا أنكرهُ الْخطابِيّ لِأَنَّهُ إِذا حملت الْعليا على المتعففة لم يكن للمنفق ذكر وَقد صحت لَفْظَة المنفقة فَكَانَ المُرَاد أَن هَذِه الْيَد الَّتِي علت وَقت الْعَطاء على يَد السَّائِل هِيَ الْعَالِيَة فِي بَاب الْفضل قَوْله " وابدأ بِمن تعول " قد مر تَفْسِيره عَن قريب وروى النَّسَائِيّ من طَرِيق طَارق الْمحَاربي وَلَفظه " قدمنَا الْمَدِينَة فَإِذا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قَائِم على الْمِنْبَر يخْطب النَّاس وَهُوَ يَقُول يَد الْمُعْطِي الْعليا وابدأ بِمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثمَّ أدناك أدناك " وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عجلَان عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - " تصدقوا فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله عِنْدِي دينا فَقَالَ تصدق بِهِ على نَفسك قَالَ عِنْدِي آخر قَالَ تصدق بِهِ على زَوجتك قَالَ عِنْدِي آخر قَالَ تصدق بِهِ على ولدك قَالَ عِنْدِي آخر قَالَ تصدق بِهِ على خادمك قَالَ عِنْدِي آخر قَالَ أَنْت أبْصر " وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه هَكَذَا وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ بِتَقْدِيم الْوَلَد على الزَّوْجَة قَالَ الْخطابِيّ إِذا تَأَمَّلت هَذَا التَّرْتِيب علمت أَنه صلى الله عليه وسلم َ - قدم الأولى فَالْأولى وَالْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَهُوَ يَأْمُرهُ أَن يبْدَأ بِنَفسِهِ ثمَّ بولده لِأَن الْوَلَد كبعضه فَإِذا ضيعه هلك وَلم يجد من يَنُوب عَنهُ فِي الْإِنْفَاق عَلَيْهِ ثمَّ ثلث بِالزَّوْجَةِ وأخرجها عَن دَرَجَة الْوَلَد لِأَنَّهُ إِذا لم يجد مَا ينْفق عَلَيْهَا فرق بَينهمَا وَكَانَ لَهَا مَا يمونها من زوج أَو ذِي محرم تجب نَفَقَتهَا عَلَيْهِ ثمَّ ذكر الْخَادِم لِأَنَّهُ يُبَاع عَلَيْهِ إِذا عجز عَن نَفَقَته انْتهى كَلَام الْخطابِيّ وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين وَقد اقْتضى اخْتِيَاره تَقْدِيم الْوَلَد وَهُوَ احْتِمَال للْإِمَام وَوجه فِي الْوَلَد الطِّفْل وَالَّذِي أطبق عَلَيْهِ الْأَصْحَاب كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة تَقْدِيم الزَّوْجَة لِأَن نَفَقَتهَا آكِد لِأَنَّهَا لَا تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان وَلَا بالإعسار وَلِأَنَّهَا وَجَبت عوضا وَاعْترض الإِمَام بِأَن نَفَقَتهَا إِذا كَانَت كَذَلِك كَانَت كالديون وَنَفَقَة الْقَرِيب فِي مَال الْمُفلس مُقَدّمَة على الدُّيُون وَخرج لذَلِك احْتِمَالا فِي تَقْدِيم الْقَرِيب وأيده بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ تَقْدِيم الْوَلَد وَإِذ قد اخْتلفت الرِّوَايَتَانِ وَكِلَاهُمَا من رِوَايَة ابْن عجلَان عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة فيصار إِلَى التَّرْجِيح وَقد اخْتلف على حَمَّاد بن زيد فَقدم السُّفْيانَانِ وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل وروح بن الْقَاسِم عَن حَمَّاد ذكر الْوَلَد على الزَّوْجَة وَهِي رِوَايَة الشَّافِعِي فِي الْمسند وَأبي دَاوُد وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَصَححهُ وَقدم اللَّيْث وَيحيى الْقطَّان عَن حَمَّاد الزَّوْجَة على الْوَلَد وَهِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَعند ابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ ذكر الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيح رِوَايَة تَقْدِيم الْوَلَد على الزَّوْجَة كَمَا قَالَه الْخطابِيّ وخرجه الإِمَام احْتِمَالا (قلت) كَيفَ طَابَ للنووي تَقْدِيم الزَّوْجَة على الْوَلَد وَالْولد بضعَة من الْأَب وَالزَّوْجَة أَجْنَبِيَّة ثمَّ يُعلل مَا قَالَه بقوله لِأَن نَفَقَتهَا آكِد لِأَنَّهَا لَا تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان وَلَا بالإعسار وَهَذَا أَيْضا عَجِيب مِنْهُ لِأَن نَفَقَتهَا صلَة فِي نفس الْأَمر وَهِي على شرف السُّقُوط وَنَفَقَة الْوَلَد حتم لَا تسْقط بِشَيْء قَوْله " وَمن يستعفف " من الاستعفاف
وَهُوَ طلب الْعِفَّة وَهِي الْكَفّ عَن الْحَرَام وَالسُّؤَال من النَّاس وَقيل الاستعفاف الصَّبْر والنزاهة عَن الشَّيْء قَوْله " يعفه الله " بِضَم الْيَاء من الإعفاف وَمَعْنَاهُ يصيره عفيفا قَوْله " وَمن يسْتَغْن يغنه الله " شَرط وَجَزَاء وعلامة الْجَزْم حذف الْيَاء أَي من يطْلب الْغنى من الله يُعْطه
(وَعَن وهيب قَالَ أخبرنَا هِشَام عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه بِهَذَا) هَذَا مَعْطُوف على إِسْنَاد حَدِيث حَكِيم كَأَنَّهُ قَالَ حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا وهيب حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أبي هُرَيْرَة بِهَذَا أَي بِحَدِيث حَكِيم بن حزَام وَزعم أَبُو مَسْعُود وَخلف وَأَبُو نعيم أَن البُخَارِيّ روى حَدِيث وهيب الْمَذْكُور آخرا عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَنهُ (قلت) هَذَا يدل على أَنه حمله عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَنهُ بالطريقين مَعًا فَكَانَ هشاما حدث بِهِ وهيبا تَارَة عَن أَبِيه عَن حَكِيم وَتارَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَو حدث بِهِ عَنْهُمَا مجموعا ففرقه وهيب أَو الرَّاوِي عَنهُ وَقد وصل الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ أَخْبرنِي ابْن ياسين حَدثنَا مُحَمَّد بن سُفْيَان حَدثنَا حبَان هُوَ ابْن هِلَال حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ مثل حَدِيث حَكِيم بن حزَام وَعند التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بَيَان بن بشر عَن قيس بن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة " الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول " وَقَالَ حسن صَحِيح غَرِيب يستغرب من حَدِيث بَيَان عَن قيس -
9241 -
حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ ابنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ح وحدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة عنْ مالِكٍ عنْ نَافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهْوَ علَى المِنْبَرِ وذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ والمَسْألَةَ اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى فالْيَدُ العُلْيَا هِيَ المنْفِقَةُ والسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَذكر الصَّدَقَة) لِأَن مَعْنَاهُ: ذكر أَحْكَام الصَّدَقَة، وَمن جملَة أَحْكَامهَا: لَا صَدَقَة إلَاّ عَن ظهر غِنىً. وَقد تعسف بَعضهم فِي ذكر الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة بِمَا يستبعده من لَهُ نوع إِلْمَام من هَذَا الْفَنّ.
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي. الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد. الثَّالِث: أَيُّوب ابْن أبي تَمِيمَة السّخْتِيَانِيّ. الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر. الْخَامِس: عبد الله بن مسلمة. السَّادِس: مَالك بن أنس. السَّابِع: عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي سِتَّة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن أَبَا النُّعْمَان وَحَمَّاد وَأَيوب بصريون وَنَافِع وَمَالك مدنيان وَعبد الله بن مسلمة مدنِي سكن الْبَصْرَة. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: السماع. وَفِيه: طَرِيقَانِ: طَرِيق أبي النُّعْمَان، وَطَرِيق عبد الله بن مسلمة، وَفِي بعض طرقه: المتعففة، بدل: المنفقة. قَالَ: اخْتلف على أَيُّوب عَن نَافِع فِي هَذَا الحَدِيث، قَالَ عبد الْوَارِث: الْيَد الْعليا المتعففة، وَقَالَ أَكْثَرهم، عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب: الْيَد الْعليا المنفقة. وَقَالَ وَاحِد: المتعففة، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: قلت: بل قَالَه عَن حَمَّاد اثْنَان: أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن دَاوُد الزهْرَانِي كَمَا روينَاهُ فِي (كتاب الزَّكَاة) ليوسف بن يَعْقُوب القَاضِي، وَالْآخر: مُسَدّد كَمَا رَوَاهُ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) . وَرَوَاهُ أَيْضا عَن نَافِع مُوسَى بن عقبَة فَاخْتلف عَلَيْهِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَنهُ: المتعففة، وَقَالَ حَفْص بن ميسرَة عَنهُ: المنفقة، رويناهما كَذَلِك فِي (سنَن الْبَيْهَقِيّ) وَرجح الْخطابِيّ فِي (المعالم) رِوَايَة المتعففة، فَقَالَ: إِنَّهَا أشبه وَأَصَح فِي الْمَعْنى، وَذَلِكَ أَن ابْن عمر قَالَ فِيهِ وَهُوَ يذكر الصَّدَقَة وَالتَّعَفُّف، فعطف الْكَلَام على سنَنه الَّذِي خرج عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا يطابقه فِي مَعْنَاهُ أولى، وَرجح ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) رِوَايَة المنفقة، فَقَالَ: إِنَّهَا أولى وأشبه بِالصَّوَابِ من قَول من قَالَ: المتعففة، وَكَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) عَن عَارِم عَن حَمَّاد بن زيد. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : إِنَّه الصَّحِيح، قَالَ: وَيحْتَمل صِحَة الرِّوَايَتَيْنِ فالمنفقة أَعلَى من السائلة، والمتعففة أولى من السائلة.