الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَك (قلت) التَّقْدِيم يُفِيد الِاخْتِصَاص أَي لَك الْحَمد لَا لي على زَانِيَة حَيْثُ كَانَ التَّصَدُّق عَلَيْهَا بإرادتك لَا بإرادتي وَإِرَادَة الله تَعَالَى كلهَا جميلَة حَتَّى إِرَادَة الله الإنعام على الْكفَّار قَوْله " تصدق اللَّيْلَة على زَانِيَة " على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا وَكَذَلِكَ لفظ تصدق الثَّالِث قَوْله " فَأتى " على صِيغَة الْمَجْهُول أَي رأى فِي الْمَنَام أَو سمع هاتفا ملكا أَو غَيره أَو أخبرهُ نَبِي أَو أفتاه عَالم وَقَالَ ابْن التِّين يحْتَمل أَن يكون أخبرهُ بذلك نَبِي زَمَانه أَو أخبر فِي نَومه وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح لَو رأى مَا فِي مستخرج أبي نعيم لما احْتَاجَ إِلَى هَذَا التخرص وَهُوَ قَوْله فساءه ذَلِك فَأتى فِي مَنَامه فَقيل لَهُ إِن الله عز وجل قد قبل صدقتك وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي مُسْند الشامين عَن أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب عَن أبي الْيَمَان بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور فساءه ذَلِك فَأتى فِي مَنَامه قَوْله " أما صدقتك على سَارِق " زَاد أَبُو أُميَّة " فقد قبلت " وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة وَابْن لَهِيعَة " أما صدقتك فقد قبلت " وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ " إِن الله قد قبل صدقتك " قَوْله " لَعَلَّه أَن يستعف " لَعَلَّ من الله تَعَالَى على معنى الْقطع والختم وَأَنه تَارَة يسْتَعْمل اسْتِعْمَال عَسى وَتارَة اسْتِعْمَال كَاد قَوْله " عَن زنَاهَا " قَالَ ابْن التِّين روينَاهُ بِالْمدِّ وَعند أبي ذَر بِالْقصرِ وَهِي لُغَة أهل الْحجاز وَالْمدّ لأهل نجد (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ دلَالَة على أَن الصَّدَقَة كَانَت عِنْدهم فِي أيامهم مُخْتَصَّة بِأَهْل الْحَاجة من أهل الْخَيْر وَلِهَذَا تعجبوا من الصَّدَقَة على الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة. وَفِيه دَلِيل على أَن الله يَجْزِي العَبْد على حسب نِيَّته فِي الْخَيْر لِأَن هَذَا الْمُتَصَدّق لما قصد بِصَدَقَتِهِ وَجه الله تَعَالَى قبلت مِنْهُ وَلم يضرّهُ وَضعهَا عِنْد من لَا يَسْتَحِقهَا وَهَذَا فِي صَدَقَة التَّطَوُّع وَأما الزَّكَاة فَلَا يجوز دَفعهَا إِلَى الْأَغْنِيَاء. وَفِيه اعْتِبَار لمن تصدق عَلَيْهِ بِأَن يتَحَوَّل عَن الْحَال المذمومة إِلَى الْحَال الممدوحة ويستعف السَّارِق من سَرقته والزانية من زنَاهَا والغني من إِمْسَاكه. وَفِيه فضل صَدَقَة السِّرّ وَفضل الْإِخْلَاص. وَفِيه اسْتحبَّ إِعَادَة الصَّدَقَة إِذا لم تقع الْموقع. وَفِيه أَن الحكم للظَّاهِر حَتَّى يتَبَيَّن خِلَافه. وَفِيه التَّسْلِيم والرضى وذم التضجر بِالْقضَاءِ وَفِيه مَا يحْتَج بِهِ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِيمَا إِذا أعْطى زَكَاته لشخص وظنه فَقِيرا فَبَان أَنه غَنِي سَقَطت عَنهُ تِلْكَ الزَّكَاة وَلَا تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة وَحكي ذَلِك أَيْضا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ وَالْحسن بن صَالح لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ الْإِعَادَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ لِأَنَّهُ لم يضع الصَّدَقَة موضعهَا وَأَخْطَأ فِي اجْتِهَاده كَمَا لَو نسي المَاء فِي رَحْله وَتيَمّم لصَلَاة لم يجزه فَافْهَم (فَإِن قيل) هَذَا الْخَبَر خَاص وَقع فِيهِ الِاطِّلَاع على قبُول الصَّدَقَة برؤيا صَادِقَة اتّفق وُقُوعهَا فَهَل يتَعَدَّى هَذَا الحكم إِلَى غَيره (قيل لَهُ) إِن التَّنْصِيص فِي هَذَا الْخَبَر على رَجَاء الاستعفاف فَيدل ذَلِك على التَّعْدِيَة فَيَقْتَضِي ارتباط الْقبُول بِهَذِهِ الْأَسْبَاب
51 -
(بابٌ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهْوَ لَا يَشْعُرُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا تصدق شخص على ابْنه وَالْحَال أَنه لَا يشْعر، وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف تَقْدِيره: جَازَ، وَإِنَّمَا حذفه إِمَّا اختصارا وَإِمَّا اكْتِفَاء بِمَا دلّ حَدِيث الْبَاب عَلَيْهِ. وَقيل: إِنَّمَا حذفه لِأَنَّهُ يصير لعدم شعوده كَالْأَجْنَبِيِّ.
26 -
(حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف قَالَ حَدثنَا إِسْرَائِيل قَالَ حَدثنَا أَبُو الجويرية أَن معن بن يزِيد رضي الله عنه حَدثهُ قَالَ بَايَعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - أَنا وَأبي وجدي وخطب عَليّ فأنكحني وخاصمت إِلَيْهِ وَكَانَ أبي يزِيد أخرج دَنَانِير يتَصَدَّق بهَا فوضعها عِنْد رجل فِي الْمَسْجِد فَجئْت فأخذتها فَأَتَيْته بهَا فَقَالَ وَالله مَا إياك أردْت فَخَاصَمته إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - فَقَالَ لَك مَا نَوَيْت يَا يزِيد وَلَك مَا أخذت يَا معن) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن يزِيد أعْطى دَنَانِير للرجل ليتصدق عَنهُ وَلم يحْجر عَلَيْهِ فجَاء ابْنه معن وَأَخذهَا من الرجل فَكَانَ يزِيد هُوَ السَّبَب فِي وُقُوع صدقته فِي يَد ابْنه فَكَأَنَّهُ تصدق عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يشْعر. (ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة. الأول مُحَمَّد بن
يُوسُف الْفرْيَابِيّ وَقد مر. الثَّانِي إِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَق السبيعِي. الثَّالِث أَبُو الجويرة مصغر الْجَارِيَة بِالْجِيم وَالرَّاء حطَّان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة وبالنون ابْن جفاف بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْفَاء الأولى الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء. الرَّابِع معن بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة ابْن يزِيد من الزِّيَادَة السّلمِيّ بِضَم السِّين الْمُهْملَة يُقَال أَنه شهد بَدْرًا مَعَ أَبِيه وجده وَلم يتَّفق ذَلِك لغَيرهم وَقيل لم يُتَابع على ذَلِك فقد روى أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق صَفْوَان بن عَمْرو عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير عَن يزِيد بن الْأَخْنَس السّلمِيّ أَنه أسلم فَأسلم مَعَه جَمِيع أَهله إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة أَبَت أَن تسلم فَأنْزل الله تَعَالَى على رَسُوله {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} فَهَذَا دَال على أَن إِسْلَامه كَانَ مُتَأَخِّرًا لِأَن الْآيَة مُتَأَخِّرَة الْإِنْزَال عَن بدر قطعا وَاسم جده الْأَخْنَس بن حبيب السّلمِيّ وَقيل ثَوْر وَمِمَّنْ قَالَه الطَّبَرَانِيّ وَابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم فترجموا فِي كتبهمْ لثور وَسَاقُوا حَدِيث الْبَاب من طَرِيق الْجراح وَالِد وَكِيع عَن أبي الجويرية عَن معن بن يزِيد بن ثَوْر السّلمِيّ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن سَماع أبي الجويرية عَن معن ومعن أَمِير على غزَاة الرّوم فِي خلَافَة مُعَاوِيَة وَفِيه أَن شَيْخه سكن قيسارية من الشَّام وَإِسْرَائِيل وحطان ومعن كوفيون وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَنا " تَأْكِيد للضمير الْمَرْفُوع الَّذِي فِي بَايَعت قَوْله " وَأبي " هُوَ يزِيد قَوْله " وجدي " هُوَ الْأَخْنَس بن حبيب قَوْله " وخطب عَليّ " أَي خطب النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - عَليّ يُقَال خطب الْمَرْأَة إِلَى وَليهَا إِذا أرادها الْخَاطِب لنَفسِهِ وعَلى فلَان إِذا أرادها لغيره قَالَ الْكرْمَانِي الْفَاعِل هُوَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - لِأَنَّهُ أقرب الْمَذْكُورين قَوْله " فأنكحني " أَي طلب لي الْإِنْكَاح فأجبت ومقصود معن من ذَلِك بَيَان أَنْوَاع علاقاته من الْمُبَايعَة وَغَيرهَا من الْخطْبَة عَلَيْهِ وإنكاحه وَعرض الْخُصُومَة عَلَيْهِ قَوْله " وخاصمت إِلَيْهِ " أَي إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - وَلَفظ خاصمته ثَانِيًا تَفْسِير لقَوْله " خَاصَمت إِلَيْهِ " قَوْله " وَكَانَ أبي يزِيد " وَيزِيد بِالرَّفْع عطف بَيَان لقَوْله أبي وَلَيْسَ بِبَدَل كَمَا قَالَه بَعضهم على مَا لَا يخفى قَوْله " فوضعها عِنْد رجل " أَي فَوضع الدَّنَانِير الَّتِي أخرجهَا للصدقة عِنْد رجل وَفِيه حذف تَقْدِيره عِنْد رجل وَأذن لَهُ أَن يتَصَدَّق بهَا على من يحْتَاج إِلَيْهَا إِذْنا مُطلقًا من غير تعْيين نَاس فَجئْت فأخذتها يَعْنِي من الرجل الَّذِي أذن لَهُ فِي التَّصَدُّق بِاخْتِيَار مِنْهُ لَا بطرِيق الْغَصْب وَوَقع عِنْد الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي حَمْزَة الْيَشْكُرِي عَن أبي الجويرية فِي هَذَا الحَدِيث (قلت) وَمَا كَانَت خصومتك قَالَ كَانَ رجل يغشى الْمَسْجِد فَيتَصَدَّق على رجال يعرفهُمْ فَظن أَنِّي بعض من يعرف فَذكر الحَدِيث قَوْله " وَالله مَا إياك أردْت " يَعْنِي قَالَ يزِيد لِابْنِهِ معن مَا إياك أردْت فِي الصَّدَقَة وَلَو أردْت أَنَّك تأخذها لناولتها لَك وَلم أوكل فِيهَا قَوْله " فَخَاصَمته " أَي خَاصَمت أبي يزِيد إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - " لَك مَا نَوَيْت يَا يزِيد " يَعْنِي من أجر الصَّدَقَة لِأَنَّهُ نوى أَن يتَصَدَّق بهَا على من يحْتَاج إِلَيْهَا وابنك يحْتَاج إِلَيْهَا وَقَالَ صلى الله عليه وسلم َ - أَيْضا " وَلَك مَا أخذت يَا معن " لِأَنَّك أخذت مُحْتَاجا إِلَيْهَا ومفعول كل من نَوَيْت وَأخذت مَحْذُوف (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ دَلِيل على الْعَمَل بالمطلقات على إِطْلَاقهَا لِأَن يزِيد فوض إِلَى الرجل بِلَفْظ مُطلق فنفذ فعله وَفِيه جَوَاز التحاكم بَين الْأَب وَالِابْن وخصومته مَعَه وَلَا يكون هَذَا عقوقا إِذا كَانَ ذَلِك فِي حق على أَن مَالِكًا رحمه الله كره ذَلِك وَلم يَجعله من بَاب الْبر واختياري هَذَا وَفِيه أَن مَا خرج إِلَى الابْن من مَال الْأَب على وَجه الصَّدَقَة أَو الصِّلَة أَو الْهِبَة لَا رُجُوع للْأَب فِيهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَاتفقَ الْعلمَاء على أَن الصَّدَقَة الْوَاجِبَة لَا تسْقط عَن الْوَالِد إِذا أَخذهَا وَلَده حاشا التَّطَوُّع قَالَ ابْن بطال وَعَلِيهِ حمل حَدِيث معن وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يجوز أَن يَأْخُذهَا لولد بِشَرْط أَن يكون غارما أَو غازيا فَيحمل حَدِيث معن على أَنه كَانَ متلبسا بِأحد هذَيْن النَّوْعَيْنِ قَالُوا وَإِذا كَانَ الْوَلَد أَو الْوَالِد فَقِيرا أَو مِسْكينا وَقُلْنَا فِي بعض الْأَحْوَال لَا تجب نَفَقَته فَيجوز لوالده أَو لوَلَده دفع الزَّكَاة إِلَيْهِ من سهم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين بِلَا خلاف عِنْد الشَّافِعِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْأَجْنَبِيِّ وَقَالَ ابْن التِّين يجوز دفع الصَّدَقَة الْوَاجِبَة إِلَى الْوَلَد بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا أَن يتَوَلَّى غَيره من صرفهَا إِلَيْهِ وَالثَّانِي أَن لَا يكون فِي عِيَاله فَإِن كَانَ فِي عِيَاله وَقصد إعطاءه فروى مطرف