الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثَلاثَةٌ منَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ إلَاّ أدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ.
(أنظر الحَدِيث 8421) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة آنِفا، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب فضل من مَاتَ لَهُ ولد، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ: عَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث عَن عبد الْعَزِيز عَن أنس، وَهنا أخرجه: عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن كثير الدَّوْرَقِي عَن ابْن علية، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: واسْمه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ، وَعليَّة اسْم أمه.
قَوْله: (من الْوَلَد) لَيْسَ بموجود فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ.
2831 -
حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ أنَّهُ سَمِعَ البَرَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ أبْرَاهِيمْ عليه السلام قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إنَّ لَهُ مُرْضِعا فِي الجَنَّةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، أخبر أَن لأبنه إِبْرَاهِيم مُرْضعًا فِي الْجنَّة، وَهَذَا يدل على أَن أَوْلَاد الْمُسلمين الْأَطْفَال فِي الْجنَّة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْوَلِيد، هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَأخرجه أَيْضا فِي صفة الْجنَّة عَن حجاج بن منهال، وَفِي الْأَدَب عَن سُلَيْمَان بن حَرْب.
قَوْله: (إِبْرَاهِيم)، يَعْنِي: ابْن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَلَا خلاف أَن جَمِيع أَوْلَاد النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، من خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، سوى إِبْرَاهِيم، عليه السلام، فَإِنَّهُ مَا مَارِيَة الْقبْطِيَّة، وَكَانَ ميلاده فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَ إِبْرَاهِيم يَوْم الثُّلَاثَاء لعشر خلون من ربيع الأول سنة عشر، وَهُوَ ابْن ثَمَانِيَة عشر شهرا فِي بني مَازِن بن النجار، فِي دَار أم بَرزَة بنت الْمُنْذر، وَدفن بِالبَقِيعِ. قَوْله:(إِن لَهُ مُرْضعًا)، بِضَم الْمِيم أَي: من يتم رضاعه فِي الْجنَّة، ويروى بِفَتْح الْمِيم أَي: رضَاعًا. قَالَه الْخطابِيّ: وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة: مُرْضعًا ترْضِعه فِي الْجنَّة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّا بك لَمَحْزُونُونَ) .
29 -
(بابُ مَا قِيلَ فِي أوْلادِ المُشْرِكِينَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا قيل فِي أَوْلَاد الْمُشْركين وَلم يجْزم بذلك لتوقفه فِيهِ، وَلَكِن ذكر فِي تَفْسِير سُورَة الرّوم مَا يدل على أَنه اخْتَار قَول من قَالَ: إِنَّهُم يصيرون إِلَى الْجنَّة وَأَرَادَ بالأولاد غير الْبَالِغين.
3831 -
حدَّثنا حِبَّانُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا شُعْبَةُ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَالَ سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ أوْلَادِ المُشْرِكِينَ فقالَ الله إذْ خَلَقَهُمْ أعْلَمُ بِمَا كانُوا عامِلِينَ.
(الحَدِيث 3831 طرفه فِي: 7956) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يدل على الْوَقْف فِي أَمر أَوْلَاد الْمُشْركين، والترجمة فِيهَا التَّوَقُّف أَيْضا، وَأَحَادِيث هَذَا الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس وَاحِد، وَعَن أبي هُرَيْرَة اثْنَان، وَعَن سَمُرَة وَاحِد، كَحَدِيث ابْن عَبَّاس، وَالْأول من حَدِيثي أبي هُرَيْرَة على التَّوَقُّف وَالثَّانِي من حَدِيثي أبي هُرَيْرَة يدل على كَونهم فِي الْجنَّة، لَكِن من غير تَصْرِيح، وَحَدِيث سَمُرَة يدل صَرِيحًا على أَنهم فِي الْجنَّة، وَذَلِكَ قَوْله:(وَالشَّيْخ فِي أصل الشَّجَرَة إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، وَالصبيان حوله أَوْلَاد النَّاس) وأصرح مِنْهُ الَّذِي يَأْتِي فِي التَّعْبِير، وَهُوَ قَوْله:(وَأما الرجل الَّذِي فِي الروضه فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، وَأما الْولدَان الَّذين حوله فَكل مَوْلُود مَاتَ على الْفطْرَة. قَالَ: فَقَالَ بعض الْمُسلمين: يَا رَسُول الله وَأَوْلَاد الْمُشْركين؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: وَأَوْلَاد الْمُشْركين) . وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو يعلى من حَدِيث أنس مَرْفُوعا: (سَأَلت رَبِّي اللَاّهين من ذُرِّيَّة الْبشر أَن لَا يعذبهم فأعطانيهم) إِسْنَاده حسن وَورد تَفْسِير اللَاّهين بِأَنَّهُم الْأَطْفَال، من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، أخرجه الْبَزَّار: حَدثنَا أَبُو كَامِل الْفضل بن الْحُسَيْن الجحدري حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن هِلَال بن خباب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي بعض مغازيه، فَسَأَلَهُ رجل، فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا تَقول فِي اللَاّهين؟ فَسكت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلم يرد عَلَيْهِ كلمة، فَلَمَّا
فرغ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من غَزْوَة طائف فَإِذا هُوَ بِغُلَام قد وَقع يعبث فِي الأَرْض، فَنَادَى مناديه: أَيْن السَّائِل عَن اللَاّهين؟ فَأقبل الرجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَنهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن قتل الْأَطْفَال، ثمَّ قَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين، هَذَا من اللَاّهين) . وروى أَحْمد من طَرِيق خنساء بنت مُعَاوِيَة بن صريم عَن عَمَّتهَا، قَالَت:(قلت: يَا رَسُول الله من فِي الْجنَّة؟ قَالَ: النَّبِي فِي الْجنَّة، والشهيد فِي الْجنَّة والمولود فِي الْجنَّة والوئيد فِي الْجنَّة) ، إِسْنَاده حسن.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: حبَان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى، مر غير مرّة، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: واسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية وَقد مر أَيْضا.
وَفِي سَنَده: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه مروزيان وَشعْبَة واسطي وَأَبُو بشر بَصرِي وَسَعِيد بن جُبَير كُوفِي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْقدر عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن مُسَدّد وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن مُجَاهِد بن مُوسَى وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى، قَوْله:(سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. .) لم يدر هَذَا السَّائِل من هُوَ، قيل: يحْتَمل أَن تكون عَائِشَة هِيَ السائلة لما روى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد من طَرِيق عبد الله بن أبي قيس عَنْهَا، قَالَت:(قلت: يَا رَسُول الله، ذَرَارِي الْمُسلمين؟ قَالَ: مَعَ آبَائِهِم. قلت: يَا رَسُول الله بِلَا عمل؟ قَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين) الحَدِيث، وروى ابْن عبد الْبر من طَرِيق أبي معَاذ عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة (عَن عَائِشَة، قَالَت: سَأَلت خَدِيجَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن أَوْلَاد الْمُشْركين، فَقَالَ: هم مَعَ آبَائِهِم، ثمَّ سَأَلته عَن ذَلِك، فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين، ثمَّ سَأَلته بَعْدَمَا استحكم الْإِسْلَام فَنزلت: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: 461، الْإِسْرَاء 512، فاطر: 81، الزمر: 7 والنجم: 83) . فَقَالَ: هم على الْفطْرَة، أَو قَالَ: فِي الْجنَّة) . وَأَبُو معَاذ هُوَ: سُلَيْمَان بن أَرقم، وَهُوَ ضَعِيف، وَلَو صَحَّ هَذَا لَكَانَ قَاطعا للنزاع.
قَوْله: (إِذْ خلقهمْ) أَي: حِين خلقهمْ. قَوْله: (الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين) قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَي علم أَنهم لَا يعلمُونَ شَيْئا وَلَا يرجعُونَ فيعملون، أَو أخبر بِعلم الشَّيْء لَو وجد كَيفَ يكون، مثل قَوْله:{وَلَو ردوا لعادوا} (الْأَنْعَام: 82) . وَلَكِن لم يرد أَنهم يجازون بذلك فِي الْآخِرَة، لِأَن العَبْد لَا يجازى بِمَا لم يعْمل. وَقَالَ ابْن بطال: يحْتَمل قَوْله: (الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين)، وُجُوهًا من التَّأْوِيل. أَحدهَا: أَن يكون قبل إِعْلَامه أَنهم من أهل الْجنَّة. الثَّانِي: أَي: على أَي دين يميتهم لَو عاشوا فبلغوا الْعَمَل فَأَما إِذا عدم مِنْهُم الْعَمَل فهم فِي رَحْمَة الله الَّتِي ينالها من لَا ذَنْب لَهُ. الثَّالِث: أَنه مُجمل يفسره. قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم
…
} (الْأَعْرَاف: 271) . الْآيَة، فَهَذَا إِقْرَار عَام يدْخل فِيهِ أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ وَالْمُشْرِكين فَمن مَاتَ مِنْهُم قبل بُلُوغ الْحِنْث مِمَّن أقرّ بِهَذَا الْإِقْرَار من أَوْلَاد النَّاس كلهم فَهُوَ على إِقْرَاره الْمُتَقَدّم لَا يقْضِي لَهُ بِغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لم يدْخل عَلَيْهِ مَا ينْقضه إِلَى أَن يبلغ الْحِنْث، وَأما من قَالَ: حكمهم حكم آبَائِهِم فَهُوَ مَرْدُود بقوله تَعَالَى: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: 461، الْإِسْرَاء: 512، فاطر: 81، الزمر: 7 والنجم: 83) [/ ح.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اخْتلف الْعلمَاء قَدِيما وحديثا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على أَقْوَال:
الأول: أَنهم فِي مَشِيئَة الله تَعَالَى، وَهُوَ مَنْقُول عَن حَمَّاد بن سَلمَة وَحَمَّاد بن زيد وَعبد الله بن الْمُبَارك وَإِسْحَاق، وَنَقله الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي فِي حق أَوْلَاد الْكفَّار خَاصَّة، وَالْحجّة فِيهِ (الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين) .
الثَّانِي: أَنهم تبع لِآبَائِهِمْ، فأولاد الْمُسلمين فِي الْجنَّة وَأَوْلَاد الْكفَّار فِي النَّار، وَحَكَاهُ ابْن حزم عَن الْأزَارِقَة من الْخَوَارِج، وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى:{رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} (نوح 62) . ورد بِأَن المُرَاد قوم نوح خَاصَّة، وَإِنَّمَا دَعَا بذلك لما أوحى الله إِلَيْهِ:{إِنَّه لن يُؤمن من قَوْمك إلَاّ من قد آمن} (هود: 63) . فَإِن قلت: فِي الحَدِيث هم من آبَائِهِم أَو مِنْهُم (قلت) ذَاك ورد فِي الْحَرْب (فَإِن قلت) روى أَحْمد من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا:(سَأَلت رَسُول لله صلى الله عليه وسلم عَن ولدان الْمُسلمين؟ قَالَ: فِي الْجنَّة، وَعَن أَوْلَاد الْمُشْركين؟ قَالَ: فِي النَّار، وَلَو شِئْت أسمعتك تضاغيهم فِي النَّار) قلت: هَذَا حَدِيث ضَعِيف جدا لِأَن فِي إِسْنَاده أَبَا عقيل مولى نهية وَهُوَ مَتْرُوك.
الثَّالِث: أَنهم يكونُونَ فِي برزخ بَين الْجنَّة وَالنَّار لأَنهم لم يعملوا حَسَنَات يدْخلُونَ بهَا الْجنَّة وَلَا سيئات يدْخلُونَ بهَا النَّار.
الرَّابِع: هم خدم أهل الْجنَّة، وَورد فِيهِ حَدِيث ضَعِيف أخرجه أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار من حَدِيث سَمُرَة مَرْفُوعا:(أَوْلَاد الْمُشْركين خدم أهل الْجنَّة) .
الْخَامِس: أَنهم يمْتَحنُونَ
فِي الْآخِرَة بِأَن ترفع لَهُم نَار، فَمن دَخلهَا كَانَت عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا، وَمن أبي عذب. وَقَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن عمر بن هتاخ الْكُوفِي حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى حَدثنَا فُضَيْل بن مَرْزُوق عَن عَطِيَّة عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَحْسبهُ قَالَ: (يُؤْتى بالهالك فِي الفترة وَالْمَعْتُوه والمولود، فَيَقُول الْهَالِك فِي الفترة: لم يأتني كتاب وَلَا رَسُول، وَيَقُول الْمَعْتُوه: أَي رب، لم تجْعَل لي عقلا أَعقل بِهِ خيرا وَلَا شرا، وَيَقُول الْمَوْلُود: لم أدْرك الْعَمَل. قَالَ: فَترفع لَهُم نَار، فَيُقَال لَهُم: رِدُوها، أَو قَالَ: أدخلوها فيدخلها من كَانَ فِي علم الله سعيدا أَو أدْرك الْعَمَل، قَالَ: ويمسك عَنْهَا من كَانَ فِي علم الله شقيا، أَي: لَو أدْرك الْعَمَل فَيَقُول: تبارك وتعالى: إيَّايَ عصيتم فَكيف برسلي بِالْغَيْبِ) . قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ يرْوى عَن أبي سعيد إلَاّ من حَدِيث فُضَيْل، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: قد صحت مَسْأَلَة الامتحان فِي حق الْمَجْنُون وَمن مَاتَ فِي الفترة من طرق صَحِيحَة وروى الْبَزَّار من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتى بأَرْبعَة يَوْم الْقِيَامَة: بالمولود وَالْمَعْتُوه وَمن مَاتَ فِي الفترة وبالشيخ الفاني، كلهم يتَكَلَّم بحجته، فَيَقُول الله تَعَالَى لعنق من جَهَنَّم، أَحْسبهُ قَالَ: إبرزي، فَيَقُول لَهُم: إِنِّي كنت أبْعث إِلَى عبَادي رسلًا من أنفسهم، وَإِنِّي رَسُول نَفسِي إِلَيْكُم أدخلُوا هَذِه. فَيَقُول من كتب عَلَيْهِ الشَّقَاء: يَا رب أتدخلناها وَمِنْهَا كُنَّا نفرق، وَمن كتب لَهُ السَّعَادَة فيمضي فيقتحم فِيهَا مسرعا. قَالَ: فَيَقُول الله: قد عصيتموني وَأَنْتُم لرسلي أَشد تَكْذِيبًا ومعصية. قَالَ: فَيدْخل هَؤُلَاءِ الْجنَّة وَهَؤُلَاء النَّار) . وروى أَيْضا من حَدِيث الْأسود بن سريع عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(يعرض على الله الْأَصَم الَّذِي لَا يسمع شَيْئا والأحمق والهرم وَرجل مَاتَ فِي الفترة: فَيَقُول الْأَصَم رب جَاءَ الأسلام وَمَا أسمع شَيْئا وَيَقُول الأحمق رب جَاءَ الْإِسْلَام وَمَا أَعقل شَيْئا وَيَقُول الَّذِي مَاتَ فِي الفترة رب مَا أَتَانِي لَك من رَسُول، قَالَ: فَيَأْخُذ مواثيقهم، فَيُرْسل إِلَيْهِم تبارك وتعالى: أدخلُوا النَّار، فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو دخلوها لكَانَتْ عَلَيْهِم بردا وَسلَامًا. وَحكى الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الِاعْتِقَاد أَن مَسْأَلَة الامتحان فِي حق الْمَجْنُون وَمن مَاتَ فِي الفترة هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح، وَاعْترض بِأَن الْآخِرَة لَيست بدار تَكْلِيف فَلَا عمل فِيهَا وَلَا ابتلاء. وَأجِيب: بِأَن ذَلِك بعد أَن يَقع الِاسْتِقْرَار فِي الْجنَّة أَو النَّار، وَأما فِي عرصات يَوْم الْقِيَامَة فَلَا مَانع من ذَلِك، وَقد قَالَ تَعَالَى: {يَوْم يكْشف عَن سَاق وَيدعونَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} (الْقَلَم: 24) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: (أَن النَّاس يؤمرون بِالسُّجُود فَيصير ظهر الْمُنَافِق طبقًا فَلَا يَسْتَطِيع أَن يسْجد) .
السَّادِس: أَنهم فِي الْجنَّة، قَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي صَار إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، لقَوْله تَعَالَى:{وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} (الْإِسْرَاء: 51) . وَإِذا كَانَ لَا يعذب الْعَاقِل لكَونه لم تبلغه الدعْوَة، فَلِأَن لَا يعذب غير الْعَاقِل من بَاب الأولى. وَقَالَ النَّوَوِيّ أَيْضا: فِي أَطْفَال الْمُشْركين ثَلَاثَة مَذَاهِب، قَالَ الْأَكْثَرُونَ: هم فِي النَّار تبعا لِآبَائِهِمْ، وَتوقف طَائِفَة مِنْهُم، وَالثَّالِث هُوَ الصَّحِيح أَنهم من أهل الْجنَّة، لحَدِيث إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، حِين رَآهُ فِي الْجنَّة وَحَوله أَوْلَاد النَّاس. وَالْجَوَاب عَن حَدِيث:(وَالله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين) أَنه لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِأَنَّهُم فِي النَّار، وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: الثَّوَاب وَالْعِقَاب ليسَا بِالْأَعْمَالِ وإلَاّ لزم أَن تكون الذَّرَارِي لَا فِي الْجنَّة وَلَا فِي النَّار، بل الْمُوجب لَهما هُوَ اللطف الرباني والخذلان الإل هِيَ الْمُقدر لَهُم فِي الْأَزَل، فَالْوَاجِب فيهم التَّوَقُّف، فَمنهمْ من سبق الْقَضَاء بِأَنَّهُ سعيد حَتَّى لَو عَاشَ عمل بِعَمَل أهل الْجنَّة، وَمِنْهُم بِالْعَكْسِ.
4831 -
حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ أَخْبرنِي عَطَاءُ بنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقُولُ سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عنْ ذَرَارِيِّ المُشْرِكِينَ فَقَالَ الله أعْلَمُ بِمَا كانُوا عامِلِينَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي وَجه مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق للتَّرْجَمَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الْمدنِي.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْقدر عَن يحيى بن بكير. وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن أبي الطَّاهِر وَعَن مُحَمَّد بن حميد وَعَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ وَعَن سَلمَة بن شُعَيْب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.