الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَالْأُضْحِيَّةِ
1 - الصَّيْدُ مُبَاحٌ إلَّا لِلتَّلَهِّي أَوْ حِرْفَةٍ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
[كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَالْأُضْحِيَّةِ]
قَوْلُهُ: كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَالْأُضْحِيَّةِ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِهَا، وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِهَا وَهُوَ الذَّبْحُ فَإِنَّ حِلَّ الْأُضْحِيَّةِ وَوُقُوعَهَا عَنْ الْوَاجِبِ تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّذْكِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ.
أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الذَّبْحَ لَيْسَ حُكْمًا لِلْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ أَثَرُهُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الذَّبْحَ لَيْسَ أَثَرًا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ وَمَنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ كَيْفَ يَدَّعِي أَنَّ الذَّبْحَ مِنْ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ مَعَ دَعْوَاهُ أَنَّ وُقُوعَهَا عَنْ الْوَاجِبِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ.
(1)
قَوْلُهُ: الصَّيْدُ مُبَاحٌ إلَّا لِلتَّلَهِّي أَوْ حِرْفَةٍ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا اتِّخَاذُ الصَّيْدِ حِرْفَةً (انْتَهَى) .
أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ وَالِاكْتِسَابُ مُبَاحٌ فَصَارَ كَالِاحْتِطَابِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ فِي الْإِبَاحَةِ عَلَى السَّوَاءِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَى هَذَا فَاذْكُرْ مَنْ حَمَلَ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَهُ حِرْفَةً مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ وَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي تَعْلِيلِ كَرَاهَتِهِ تَنْزِيهًا مِنْ أَنَّهُ اتَّخَذَ إزْهَاقَ الرُّوحِ عَادَةً يَعْنِي وَهُوَ يُوجِبُ قَسْوَةَ الْقَلْبِ فَيَكُونُ مُقَابِلَ قَوْلِهِ أَيْ الْبَزَّازِيِّ مُبَاحُ شَيْئَيْنِ تَحْرِيمٌ وَتَنْزِيهٌ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ الْمُقْتَضِي لِلْإِبَاحَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] وَهُوَ نُسِخَ.
وَعَلَى هَذَا فَاِتِّخَاذُهُ حِرْفَةً كَصَيَّادِي السَّمَكِ حَرَامٌ.
3 -
وَأَسْبَابُ الْمِلْكِ ثَلَاثَةٌ مُثْبِتٌ لِلْمِلْكِ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمُبَاحِ.
وَنَاقِلٌ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَخِلَافُهُ كَمِلْكِ الْوَارِثِ، فَالْأَوَّلُ شَرْطُهُ خُلُوُّ الْمَحَلِّ عَنْ الْمِلْكِ، فَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَى حَطَبٍ جَمَعَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْمَفَازَةِ لَمْ يَمْلِكْهُ
4 -
وَلَا يَحِلُّ لِلْمُقْلِشِ مَا يَجِدُهُ بِلَا تَعْرِيفٍ
5 -
وَلَوْ أَرْسَلَ إنْسَانٌ مِلْكَهُ وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ لَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ، فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ بَعْدَهُ حَتَّى قُشُورِ الرُّمَّانِ الْمُلْقَاةِ فِي الطَّرِيقِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا فَاِتِّخَاذُهُ حِرْفَةً إلَخْ.
أَقُولُ: هَذَا مِنْ قَبِيلِ زِيَادَةِ نَغْمَةٍ فِي الطُّنْبُورِ صَادِرَةٍ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ حَمْلِ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فَكَيْفَ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ هَذَا مَا لَا يُقَالُ وَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ
(3)
قَوْلُهُ: وَأَسْبَابُ الْمِلْكِ ثَلَاثَةٌ إلَخْ.
أَقُولُ يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ لِحَدِيثِ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ»
(4)
قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمُقْلِشِ مَا يَجِدُهُ بِلَا تَعْرِيفٍ.
الْمُقْلِشُ هُوَ الَّذِي يُفَتِّشُ الْمَزَابِلَ بِيَدِهِ أَوْ بِالْغِرْبَالِ يَسْتَخْرِجُ مِنْهَا مَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ الْمَعَادِنِ وَالنُّقُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَا يَرَاهُ بِلَا تَعْرِيفٍ إنْ كَانَ ذَا قِيمَةٍ كَثِيرَةٍ.
قُلْتُ: لَا مُنَاسَبَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِبَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَمَحَلُّهَا كِتَابُ اللُّقَطَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ الْمُقْلِشِ عَامِّيٌّ غَيْرُ عَرَبِيٍّ فَلْيُرَاجَعْ كُتُبُ اللُّغَةِ
(5)
قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرْسَلَ إنْسَانٌ مِلْكَهُ وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ إلَخْ.
فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْهِبَةِ: رَجُلٌ سَيَّبَ دَابَّةً ضَعِيفَةً فَأَصْلَحَهَا إنْسَانٌ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا وَأَرَادَ أَخْذَهَا فَأَقَرَّ، وَقَالَ: قُلْتُ حِينَ خَلَّيْت سَبِيلَهَا: مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ وَأَنْكَرَ وَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ اُسْتُحْلِفَ وَنَكَلَ فَهِيَ لِلْوَاجِدِ سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا يَسْمَعُ أَوْ غَائِبًا فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ.
قَالَ
لَكِنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَمْلِكُ قُشُورَ الرُّمَّانِ
7 -
وَلَوْ أَلْقَى بَهِيمَةً مَيِّتَةً فَجَاءَ رَجُلٌ وَسَلَخَهَا وَأَخَذَ جِلْدَهَا فَلِمَالِكِهَا أَخْذُهُ، فَلَوْ دَبَغَهُ رَدَّ لَهُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ إنْ كَانَ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ.
وَالِاسْتِيلَاءُ قِسْمَانِ؛ حَقِيقِيٌّ وَحُكْمِيٌّ، فَالْأَوَّلُ بِوَضْعِ الْيَدِ، وَالثَّانِي بِالتَّهْيِئَةِ؛ فَإِذَا نَصَبَ الشَّبَكَةَ لِلصَّيْدِ مَلَكَ مَا تَعَقَّلَ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَبَهَا لِلْجَفَافِ
8 -
وَإِذَا نَصَبَ الْفُسْطَاطَ فَتَعَقَّلَ الصَّيْدَ بِهِ مَلَكَهُ، 9 - وَلَوْ نَصَبَهَا لَهُ فَتَعَقَّلَ بِهَا فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ؛
ــ
[غمز عيون البصائر]
الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَهُوَ اخْتِيَارُنَا فِيمَنْ أَرْسَلَ صَيْدًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ هِيَ لِمَنْ أَخَذَهَا ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ التَّبْيِينِ وَشَرَطَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَأْخُذْ.
(6)
قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَمْلِكُ قُشُورَ الرُّمَّانِ.
فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ: رَمَى قُشُورَ بِطِّيخٍ أَوْ رُمَّانٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ حَتَّى لَوْ جَاءَ الْأَوَّلُ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ.
وَذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ يَكُونُ لَهُ وَإِنْ بَاعَهُ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ
(7)
قَوْلُهُ: وَلَوْ أَلْقَى بَهِيمَةً مَيِّتَةً فَجَاءَ رَجُلٌ وَسَلَخَهَا إلَخْ.
أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْجِلْدُ لِلسَّالِخِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ
(8)
قَوْلُهُ: وَإِذَا نَصَبَ الْفُسْطَاطَ فَتَعَقَّلَ الصَّيْدَ بِهِ مَلَكَهُ.
قِيلَ عَلَيْهِ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ تَعَقُّلِ الصَّيْدِ بِالْفُسْطَاطِ إذَا نُصِبَ لِغَيْرِ الصَّيْدِ وَبَيْنَ تَعَقُّلِهِ بِالشَّبَكَةِ إذَا نَصَبَهَا لِلْجَفَافِ مَعَ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ بِنَوْعَيْهِ مَعْدُومٌ أَمَّا انْتِفَاءُ الْحَقِيقِيِّ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا انْتِفَاءُ الْحُكْمِيِّ فَلِعَدَمِ تَهْيِئَةِ الْفُسْطَاطِ لِلصَّيْدِ فَتَدَبَّرْ.
(9)
قَوْلُهُ: وَلَوْ نَصَبَهَا إلَخْ.
أَقُولُ: فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: الصَّيْدُ يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ وَالْأَخْذُ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌّ وَحُكْمِيٌّ فَالْحَقِيقِيُّ ظَاهِرٌ وَالْحُكْمِيُّ بِاسْتِعْمَالِ مَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلِاصْطِيَادِ قَصَدَ بِهِ الِاصْطِيَادَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ.
حَتَّى إنَّ مَنْ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدًا مَلَكَهُ صَاحِبُ الشَّبَكَةِ، قَصَدَ بِنَصْبِ الشَّبَكَةِ الِاصْطِيَادَ أَخَذَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ؛ لِأَنَّ الشَّبَكَةَ إنَّمَا
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ أَخَذَهُ مَلَكَهُ فَيَأْخُذُهُ مِنْ الثَّانِي وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِصَيْدِ الذِّئَابِ وَغَابَ فَقَدَّمَ آخَرُ مَيْتَةً لِصَيْدِهَا فَوَقَعَ الذِّئْبُ فِي الْبِئْرِ فَهُوَ لِحَافِرِهِ
11 -
وَمَا تَعَسَّلَ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُهَيِّئْهَا 12 -؛ لِأَنَّهُ مِنْ إنْزَالِهَا.
13 -
بِخِلَافِ النَّحْلِ وَالظَّبْيِ إذَا تَكَنَّسَ 14 - أَوْ بَاضَ الصَّيْدُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِصَاحِبِهَا إلَّا بِالتَّهْيِئَةِ مَا لَمْ يَكُنْ
ــ
[غمز عيون البصائر]
تُنْصَبُ لِأَجْلِ الصَّيْدِ حَتَّى لَوْ نَصَبَهَا لِلْجَفَافِ فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدًا لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ آخِذًا لَهُ بِالشَّبَكَةِ وَالْأَخْذُ الْحُكْمِيُّ أَيْضًا يَكُونُ بِاسْتِعْمَالِ مَا لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلِاصْطِيَادِ إذَا قَصَدَ بِهِ الِاصْطِيَادَ حَتَّى إنَّ مَنْ نَصَبَ فُسْطَاطًا فَتَعَقَّلَ بِهِ صَيْدًا إنْ قَصَدَ بِنَصْبِ الْفُسْطَاطِ الصَّيْدَ مَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الصَّيْدَ لَا يَمْلِكُهُ (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْخَلَلِ أَقُولُ: وَأُنِّثَ ضَمِيرُ الْفُسْطَاطِ بِمَعْنَى الْخَيْمَةِ وَهُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا بَيْتٌ مِنْ شَعْرٍ، وَالْجَمْعُ فَسَاطِيطُ وَالْفُسْطَاطُ بِالْوَجْهَيْنِ أَيْضًا مَدِينَةُ مِصْرَ قَدِيمًا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: كُلُّ مَدِينَةٍ جَامِعَةٍ فُسْطَاطٌ وَوَزْنُهُ فَعِلَالٌ وَبَابُهُ الْكَسْرُ وَشَذَّ مِنْ ذَلِكَ أَلْفَاظٌ جَاءَتْ بِوَجْهَيْنِ الْفُسْطَاطُ وَالْفُسْطَاسُ وَالْقِرْطَاسُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ.
(10)
قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ أَخَذَهُ مَلَكَهُ إلَخْ.
أَقُولُ لَمْ يُفَصِّلْ هَذَا التَّفْصِيلَ فِيمَا لَوْ نَصَبَ الْفُسْطَاطَ مِنْ غَيْرِ تَهْيِئَةٍ لِلصَّيْدِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَذَا التَّفْصِيلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَتَدَبَّرْ.
وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ قَرِيبًا عَدَمَ ذِكْرِ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي مَسْأَلَةِ الْفُسْطَاطِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ تَكَنَّسَ صَيْدٌ بِأَرْضِهِ أَوْ بَاضَ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ
(11)
قَوْلُهُ: وَمَا تَعَسَّلَ فِي أَرْضِهِ.
أَيْ مَا خَرَجَ مِنْ النَّحْلِ مِنْ الْعَسَلِ فِي أَرْضِهِ.
(12)
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ أَنْزَالِهَا.
جَمْعُ نُزْلٍ بِالسُّكُونِ وَهُوَ مَا يُهَيَّأُ لِلضَّيْفِ قَبْلَ قُدُومِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَكُونُ بِهَا مِنْ الْعَسَلِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَهُ قَرَارٌ بِهَا.
(13)
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النَّحْلِ.
فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ إنْزَالِ الْأَرْضِ وَكَذَا مَا عُطِفَ عَلَيْهِ.
(14)
قَوْلُهُ: أَوْ بَاضَ.
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَكَنَّسَ وَهُوَ فَاسِدٌ وَالصَّوَابُ أَوْ الطَّيْرُ إذَا بَاضَ
قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ لَأَخَذَهُ.
وَلَوْ وَقَعَ فِي حِجْرِهِ مِنْ النِّثَارِ شَيْءٌ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ لِلْآخِذِ إلَّا أَنْ يُهَيِّئَ حِجْرَهُ لَهُ
وَأَمَّا الثَّانِي فَشَرْطُهُ وُجُودُ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ 15 - فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ 16 - وَالْغَائِصِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ
17 -
لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْجَبْرِيِّ إنْ كَانَ أَبُوهُ سُنِّيًّا، وَإِنْ كَانَ جَبْرِيًّا حَلَّتْ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ.
أَقُولُ: تَفْرِيعٌ عَلَى شَرْطِيَّةِ وُجُودِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ.
قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى ضَرْبَةُ الْقَانِصِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً.
قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي صُورَةِ الِاصْطِيَادِ دُونَ الْبَيْعِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي (انْتَهَى) .
وَعِبَارَتُهَا: مَنْ تَقَبَّلَ بَعْضَ الْمَقَانِصِ مِنْ السُّلْطَانِ فَاصْطَادَ فِيهِ غَيْرُهُ كَانَ الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ.
(16)
قَوْلُهُ: وَالْغَائِصِ.
عَطْفٌ عَلَى الْقَانِصِ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ غَاصَ فِي الْمَاءِ إذَا تَغَيَّبَ فِيهِ وَمُقْتَضَى الْعَطْفِ أَنْ يُقَالَ: وَضَرْبَةُ الْغَائِصِ وَإِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ غَوْصَةَ الْغَائِصِ لَكِنْ فِي التَّهْذِيبِ: ضَرْبَةُ الْغَائِصِ هُوَ أَنْ يَقُولَ لِلتَّاجِرِ أَغُوصُ لَك غَوْصَةً فَمَا أَخْرَجْتُ فَهُوَ لَكَ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى
(17)
قَوْلُهُ: لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْجَبْرِيِّ إلَخْ.
قِيلَ عَلَيْهِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْقُنْيَةِ وَعِبَارَتُهَا: وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُجْبَرَةِ إنْ كَانَ آبَاؤُهُمْ مُجْبَرَةً فَإِنَّهُمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ أَبَاؤُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ تَحِلَّ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّينَ (انْتَهَى) .
وَمَبْنَاهَا عَلَى الِاعْتِزَالِ الصَّرِيحِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَفَطَّنْ لَهُ مَعَ ظُهُورِهِ مِنْ الْقُنْيَةِ (انْتَهَى) .
وَالْمُرَادُ بِأَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ أَحَدُ مَشَايِخِ الِاعْتِزَالِ وَمُرَادُهُ بِالْمُجْبَرَةِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ الْحَنَفِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُجْبَرَةِ الْجَبْرِيَّةُ، وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ تَتَبُّعِ كُتُبِ الْكَلَامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْشَأَ مَا وَقَعَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ عَدَمُ الِالْتِفَاتِ إلَى مَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَبْرِيَّةِ وَالْمُجْبَرَةِ، وَقَدْ عَلِمْتَ الْمُجْبَرَةَ، وَأَمَّا الْجَبْرِيَّةُ فَفِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَتَحْتَ هَذِهِ الْفِرَقِ، وَمَدَارُ كَلَامِ
سَمَكَةٌ فِي سَمَكَةٍ فَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً حَلَّتَا 19 - وَإِلَّا لَا؛ لِأَنَّهَا مُسْتَقْذَرَةٌ، 20 - وَإِنْ وَجَدَ فِيهَا دُرَّةً مَلَكَهَا حَلَالًا، وَإِنْ وَجَدَ خَاتَمًا أَوْ دِينَارًا مَضْرُوبًا لَا، وَهُوَ لُقَطَةٌ، لَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا، 21 - وَكَذَا إذَا كَانَ غَنِيًّا عِنْدَنَا.
أُرْسِلَتْ السَّمَكَةُ فِي الْمَاءِ النَّجَسِ فَكَبِرَتْ فِيهِ، 22 - لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِلْحَالِّ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْجَبْرِيَّةِ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِطَاعَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْعَبْدِ أَصْلًا وَيَرَوْنَ الْخَلْقَ مَجْبُورِينَ فِي أَفْعَالِهِمْ
(18)
قَوْلُهُ: سَمَكَةٌ فِي سَمَكَةٍ.
فَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً حَلَّا أَيْ الظَّرْفُ وَالْمَظْرُوفُ.
(19)
قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا.
أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَظْرُوفَةُ صَحِيحَةً لَمْ يَحِلَّا يَعْنِي كِلَاهُمَا بَلْ الظَّرْفُ لَا الْمَظْرُوفُ.
يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَقْذَرَةٌ.
وَلَا يَخْفَى غُمُوضُ الْعِبَارَةِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُمَا لَا يَحِلَّانِ وَهُوَ وَاضِحٌ فِي الَّتِي فِي الْجَوْفِ وَأَمَّا الْأُخْرَى فَعَدَمُ الْحِلِّ غَيْرُ وَاضِحٍ إذْ لَا اسْتِقْذَارَ فِيهَا (انْتَهَى) .
وَمِنْ ثَمَّ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْوِيرِ بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا حَلَّ الظَّرْفُ لَا الْمَظْرُوفُ.
(20)
قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ فِيهَا دُرَّةً.
شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا إذَا اشْتَرَى السَّمَكَةَ أَوْ صَادَهَا وَالْحُكْمُ مُخْتَلِفٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا اصْطَادَهَا فَالدُّرَّةُ لُقَطَةٌ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَاهَا فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَلَوْ كَانَتْ لُؤْلُؤَةً فِي صُدْفَةٍ فِي بَطْنِهَا فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَهِيَ لِلْبَائِعِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي.
(21)
قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا كَانَ غَنِيًّا عِنْدَنَا.
أَقُولُ هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ لَا.
إنْ كَانَ غَنِيًّا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَتَصَدَّقُ عَلَى الْفَقِيرِ أَجْنَبِيًّا وَلَوْ زَوْجَةً أَوْ قَرِيبًا وَلَوْ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا كَمَا فِي التَّنْوِيرِ.
(22)
قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِلْحَالِّ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا لِمَا عَلَيْهِ مِنْ النَّجَاسَةِ.
وَيَحِلُّ أَكْلُهَا إذَا كَانَتْ مَجْرُوحَةً طَافِيَةً.
اشْتَرَى سَمَكَةً مَشْدُودَةً بِالشَّبَكَةِ فِي الْمَاءِ وَقَبَضَهَا كَذَلِكَ فَجَاءَتْ سَمَكَةٌ فَابْتَلَعَتْهَا، 24 - فَالْمُبْتَلِعَةُ لِلْبَائِعِ وَالْمَشْدُودَةُ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَتْ الْمُبْتَلِعَةُ هِيَ الْمَشْدُودَةَ، 25 - فَهُمَا لِلْمُشْتَرِي قَبَضَهَا أَوْ لَا.
26 -
ذَبَحَ لِقُدُومِ الْأَمِيرِ أَوْ لِوَاحِدٍ مِنْ الْعُظَمَاءِ، يَحْرُمُ وَلَوْ ذَكَرَ اللَّهَ - تَعَالَى، وَلِلضَّيْفِ لَا.
النَّثْرُ عَلَى الْأَمِيرِ لَا يَجُوزُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ أَكْلُهَا إذَا كَانَتْ مَجْرُوحَةً إلَخْ.
فِي الْقُنْيَةِ وَجَدَ سَمَكَةً مَجْرُوحَةً مَيْتَةً فِي الْبَحْرِ طَافِيَةً تَحِلُّ.
(24)
قَوْلُهُ: فَالْمُبْتَلَعَةُ لِلْبَائِعِ إلَخْ.
يَعْنِي وَتُخْرَجُ مِنْ بَطْنِهَا وَتُسَلَّمُ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ، وَإِنْ اُنْتُقِصَتْ سَمَكَةٌ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَاصَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالِابْتِلَاعُ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ التَّخَيُّرَ كَذَا فِي فُرُوقِ الْمَحْبُوبِيِّ.
(25)
قَوْلُهُ: فَهُمَا لِلْمُشْتَرِي قَبَضَهَا أَوْ لَا.
يَعْنِي؛ لِأَنَّ الْمَشْدُودَةَ لَمَّا ابْتَلَعَتْهَا صَارَتْ مِنْ أَجْزَائِهَا فَتَكُونُ الْمَشْدُودَةُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا لَهُ
(26)
قَوْلُهُ: ذَبَحَ لِقُدُومِ الْأَمِيرِ إلَخْ.
أَقُولُ: قَدْ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ سَابِقًا عَلَى قَاعِدَةِ، الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الذَّبْحَ الْمُقْتَرِنَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَ قَبْلَ قُدُومِ قَادِمٍ لِلتَّهَيُّؤِ لِضِيَافَتِهِ أَوْ بَعْدَ قُدُومِهِ بِبُرْهَةٍ لِذَلِكَ فَلَا شُبْهَةَ فِي جَوَازِهِ بَلْ مَنْدُوبَةٌ وَجَوَازُ أَكْلِ ذَلِكَ الْمَذْبُوحِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَ الْقُدُومِ فَإِنْ كَانَ لِقَصْدِ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرَ، وَإِنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ التَّطْعِيمِ فَحَرَامٌ وَالْمَذْبُوحُ الْمَيْتَةُ وَضَابِطُهُ أَنَّهُ إنْ طُبِخَ وَقُدِّمَ لِلضَّيْفِ فَهُوَ لِلضِّيَافَةِ وَإِنْ أَمَرَ الذَّابِحُ أَنْ يَتَوَازَعَهُ النَّاسُ كَمَا هُوَ مَعْهُودٌ بِبَلْدَتِنَا فَهُوَ لِمُجَرَّدِ التَّعْظِيمِ، وَحُكْمُهُ مَا عَلِمْتَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا الذَّبْحُ عِنْدَ وَضْعِ الْجِدَارِ وَعُرُوضِ مَرَضٍ أَوْ شِفَاءٍ مِنْ مَرَضٍ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْقَصْدَ هُوَ التَّصَدُّقُ، وَفِي كِتَابِ هِدَايَةِ الْمُهْتَدِي لِأَخِي - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ -: ذَبَحَ شَاةً لِلضَّيْفِ، وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ
وَكَذَا الْتِقَاطُهُ
28 -
وَفِي الْعُرْسِ جَائِزٌ.
29 -
الْعُضْو الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ كَمَيِّتِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
تَعَالَى عَلَيْهِ قِيلَ: يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَوْ ذَبَحَهُ لِأَجْلِ قُدُومِ الْأَمِيرِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ الْعُظَمَاءِ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَيْهِ يَحْرُمُ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَانَ الذَّبْحُ لِأَجْلِ اللَّهِ، وَذَكَرَ الِاسْمَ لَهُ أَيْضًا وَلِهَذَا يَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَأْكُلُهُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ ذَبْحَهَا لِأَجْلِهِ تَعْظِيمًا لَهُ لَا تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى؛ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَأْكُلَ مِنْهَا بَلْ يَدْفَعُهَا لِغَيْرِهِ (انْتَهَى) .
وَفِي فَتَاوَى الشِّبْلِيِّ أَنَّهُ لَوْ رَكِبَ الْبَحْرَ وَنَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ وَصَلَ إلَى الْبَرِّ سَالِمًا أَنْ يُقَرِّبَ قُرْبَانًا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا الْأَغْنِيَاءِ.
وَفِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ مِنْ الْجَوْهَرَةِ: الذَّبْحُ عِنْد مُرَائِي الضَّيْفِ تَعْظِيمًا لَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَكَذَا عِنْدَ قُدُومِ الْأَمِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَمَّا إذَا ذَبَحَ عِنْدَ غَيْبَةِ الضَّيْفِ لِأَجْلِ الضِّيَافَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ لَا بَأْسَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ لَا لِمَا تَرَكَهُ أَوْلَى.
(27)
قَوْلُهُ: وَكَذَا الْتِقَاطُهُ أَيْ مَا نَثَرَ عَلَى الْأَمِيرِ
(28)
قَوْلُهُ: وَفِي الْعُرْسِ جَائِزٌ.
أَيْ وَالنَّثْرُ عَلَى الْعَرُوسِ جَائِزٌ فَأَدَاةُ الظَّرْفِ بِمَعْنَى عَلَى، عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْعِرْسُ بِالْكَسْرِ امْرَأَةُ الرَّجُلِ وَلَبْوَةُ الْأَسَدِ، وَالْجَمْعُ أَعْرَاسٌ، وَرُبَّمَا يُسَمَّى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى عِرْسَيْنِ (انْتَهَى) .
وَنُظِرَ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّثْرِ عَلَى الْأَمِيرِ وَبَيْنَ النَّثْرِ عَلَى الْعِرْسِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ الْأَوَّلُ وَجَازَ الثَّانِي
(29)
قَوْلُهُ: الْعُضْوُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَتِهِ.
أَطْلَقَ فَشَمِلَ الْمُنْفَصِلَ مِنْ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الصَّيْدَ إذَا كَانَ لَا يَعِيشُ بِدُونِ الْمُبَانِ يُؤْكَلَانِ، وَعِبَارَتُهُ: قَطَعَ الذَّنَبَ مِنْ أَلْيَةِ الشَّاةِ لَا يُؤْكَلُ الْمُبَانُ وَأَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَأْكُلُونَهُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» .
وَفِي الصَّيْدِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الصَّيْدُ يَعِيشُ بِدُونِ الْمُبَانِ لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ كَالرَّأْسِ يُؤْكَلَانِ (انْتَهَى) .
وَبَحَثَ
إلَّا مِنْ مَذْبُوحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ مِنْ الْمَأْكُولِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي
ــ
[غمز عيون البصائر]
بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي كَلَامِ الْبَزَّازِيِّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ شَامِلٌ لِلصَّيْدِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ يَعِيشُ بِدُونِ الْمُبَانِ أَوْ لَا.
فَمِنْ أَيْنَ لِلْبَزَّازِيِّ مَا قَالَهُ هُنَا فِي الصَّيْدِ لَا يُقَالُ: الْحَدِيثُ فِيمَا قَطَعَ مِنْ ذَنَبِ الشَّاةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: الْبَزَّازِيُّ لَمْ يَسُقْ مَا ذَكَرَهُ مَسَاقَ الْبَحْثِ وَإِنَّمَا سَاقَهُ مَسَاقَ الْمَنْقُولِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّاقِلَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مَنْعٌ وَلَا يُطَالَبُ بِدَلِيلٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ.
(30)
قَوْلُهُ: إلَّا مِنْ مَذْبُوحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ إلَخْ.
وَهُوَ ظَرْفُ الْمُنْفَصِلِ لَا الْمَذْبُوحِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْعُضْوَ انْفَصَلَ مِنْ مَذْبُوحٍ وَحَصَلَ الِانْفِصَالُ قَبْلَ الْمَوْتِ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْحَيَّ فَانْصَرَفَ إلَى الْحَيِّ صُورَةً وَحُكْمًا أَمَّا الْحَيُّ صُورَةً لَا حُكْمًا فَلَيْسَ بِحَيٍّ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ حَيٌّ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ؛ فَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ رَأْسَهُ أَوْ ثُلُثًا مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ أَوْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ حَلَّ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ وَلَمْ تَنْفَصِلْ ثُمَّ مَاتَ إنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ الْتِيَامُهُ وَانْدِمَالُهُ حَلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَهَّمُ بِأَنْ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ مَا سِوَاهُ دُونَهُ لِوُجُودِ الْإِبَانَةِ مَعْنًى، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ شَيْئًا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا: وَالثَّعْلَبُ وَالضَّبُّ وَالضَّبُعُ وَالْفِيلُ وَالذِّئْبُ وَالْفَهْدُ وَالنَّمِرُ وَالْأَسَدُ وَالْكَلْبُ وَالْقِرْدُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ وَالْيَرْبُوعُ وَالْقُنْفُذُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ وَالْهِرَّةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحَيَّةُ وَجَمِيعُ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَسِتَّةُ أَشْيَاءَ يُؤْكَلُ لَحْمُهَا الْأَرْنَبُ وَالسَّمَكُ وَالْجِرِّيثُ وَالْجَرَادُ وَالصُّرَدُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْجَرَادِ وَغُرَابُ الزَّرْعِ وَثَمَانِيَةٌ مِنْ الْمَيِّتِ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا الْقَرْنُ وَالظِّلْفُ وَالْعَصَبُ وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالشَّعْرُ وَالرِّيشُ وَالْعَظْمُ سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَهُ