الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ
1 - لَيْسَ زَمَانُنَا زَمَانَ اجْتِنَابِ الشُّبُهَاتِ كَمَا فِيهِ مِنْ الْخَانِيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ.
الْغِشُّ حَرَامٌ فَلَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الزُّيُوفِ لِدَائِنٍ وَلَا بَيْعُ الْعُرُوضِ الْمَغْشُوشَةِ بِلَا بَيَانٍ 2 - إلَّا فِي شِرَاءِ الْأَسِيرِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ.
3 -
وَالثَّانِيَةُ فِي إعْطَاءِ الْجُعْلِ.
يَجُوزُ لَهُ إعْطَاءُ الزُّيُوفِ وَالسَّتُّوقَةِ وَهُمَا فِي وَاقِعَاتِ الْحُسَامِيِّ مِنْ شِرَاءِ الْأَسِيرِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
[كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ]
قَوْلُهُ: لَيْسَ زَمَانُنَا زَمَانَ اجْتِنَابِ الشُّبُهَاتِ إلَخْ.
رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الشُّبُهَاتِ أَيْ عَمَّا يَكُونُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبَ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا زَمَانَ الشُّبُهَاتِ إنَّ الْحَرَامَ أَغْنَانَا يَعْنِي إنْ اجْتَنَبْتَ الْحَرَامَ كَفَاكَ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ.
(2)
قَوْلُهُ: إلَّا فِي شِرَاءِ الْأَسِيرِ إلَخْ.
مِنْ الْأَعْرَابِ الْمُتَلَصِّصَةِ وَقُطَّاعِ الطُّرُقِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يُعَذِّبُونَ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ وَيُضَيِّقُونَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَدْفَعَ أَهْلُهُ الْمَالَ.
وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَنَّ شِرَاءَ الْأَسِيرِ مِنْ غَيْرِ دَارِ الْحَرْبِ لَيْسَ كَذَلِكَ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَمَفْهُومُ التَّصَانِيفِ مُعْتَبَرٌ يُعْمَلُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ.
(3)
قَوْلُهُ: وَالثَّانِيَةُ فِي إعْطَاءِ الْجُعْلِ إلَخْ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُعْلِ هُنَا مَا يُؤْخَذُ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالرِّشْوَةِ لَا الْجُعْلُ الَّذِي يُعْطَى فِي رَدِّ الْآبِقِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَيْضًا: يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْجُعْلِ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلْجَوَازِ أَقُولُ بَقِيَ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ: أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ زُيُوفًا عَنْ جِيَادٍ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَذْهَبِ لِلْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ التُّرْكُمَانِيِّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ شَارِحُهُ ابْنُ الْفَرْوَزَادِ اتِّفَاقًا إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ كَرِهَهُ
الْفَتْوَى فِي حَقِّ الْجَاهِلِ بِمَنْزِلَةِ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ كَذَا فِي قَضَاءِ الْخَانِيَّةِ
5 -
الْحُرْمَةُ تَتَعَدَّى فِي الْأَمْوَالِ مَعَ الْعِلْمِ بِهَا، 6 - إلَّا فِي حَقِّ الْوَارِثِ فَإِنَّ مَالَ مُورَثِهِ حَلَالٌ لَهُ وَإِنْ عَلِمَ بِحُرْمَتِهِ مِنْهُ، مِنْ الْخَانِيَّةِ، 7 - وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنْ لَا يَعْلَمَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: الْفَتْوَى فِي حَقِّ الْجَاهِلِ بِمَنْزِلَةِ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ إلَخْ.
وَجْهُ الشَّبَهِ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ بِالْفَتْوَى كَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ
(5)
قَوْلُهُ: الْحُرْمَةُ تَتَعَدَّى فِي الْأَمْوَالِ مَعَ الْعِلْمِ بِهَا.
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ الْمِنَنِ: وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَتَعَدَّى ذِمَّتَيْنِ سَأَلْتُ عَنْهُ الشِّهَابَ ابْنُ الشِّبْلِيِّ فَقَالَ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَمَّا مَنْ رَأَى الْمُكَّاسَ مَثَلًا يَأْخُذُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا مِنْ الْمَكْسِ ثُمَّ يُعْطِيهِ آخَرَ ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْ ذَلِكَ الْآخَرِ فَهُوَ حَرَامٌ (انْتَهَى) .
وَفِي الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ الذَّخِيرَةِ سُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَمَّنْ اكْتَسَبَ مَالَهُ عَنْ أَمْرِ السُّلْطَانِ وَجَمَعَ الْمَالَ مِنْ أَخْذِ الْغَرَامَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ يَحِلُّ لِمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ فِي دِينِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ وَيَسْعَهُ حُكْمًا أَنْ يَأْكُلَهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمُطْعِمِ غَصْبًا أَوْ رِشْوَةً (انْتَهَى) .
وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ: امْرَأَةٌ زَوْجُهَا فِي أَرْضِ الْجَوْرِ إنْ أَكَلَتْ مِنْ طَعَامِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَيْنُ ذَلِكَ الطَّعَامِ غَصْبًا فَهِيَ فِي سَعَةٍ مِنْ أَكْلِهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ مَالٍ أَصْلُهُ لَيْسَ بِطَيِّبٍ فَهِيَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَنَاوُلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ وَيَكُونُ الْإِثْمُ عَلَى الزَّوْجِ (انْتَهَى) .
(6)
قَوْلُهُ: إلَّا فِي حَقِّ الْوَارِثِ إلَخْ.
قِيلَ عَلَيْهِ: يُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَخَذَ مُورِثُهُ رِشْوَةً أَوْ ظُلْمًا إنْ عَلِمَهُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِعَيْنِهِ لَهُ أَخَذَهُ حُكْمًا فَأَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ بِنِيَّةِ الْخُصَمَاءِ.
(7)
قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ.
أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَذْكُورَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حَلَالٌ
مَنْ قَبَّلَ يَدَ غَيْرِهِ فَسَقَ 9 - إلَّا إذَا كَانَ ذَا عِلْمٍ وَشَرَفٍ، كَذَا فِي مُكَفِّرَاتِ الظَّهِيرِيَّةِ.
وَيَدْخُلُ السُّلْطَانُ الْعَادِلُ وَالْأَمِيرُ تَحْتَ ذِي الشَّرَفِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
لِلْوَارِثِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ فَإِنْ عَلِمَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ رَدَّ كُلِّ شَيْءٍ إلَى صَاحِبِهِ
(8)
قَوْلُهُ: مَنْ قَبَّلَ يَدَ غَيْرِهِ فَسَقَ إلَخْ.
فِي الْفَيْضِ لِلْكَرْكِيِّ: تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالَمِ أَوْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ جَائِزٌ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَبِّلَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ أَرَادَ تَعْظِيمَ الْمُسْلِمِ لِإِسْلَامِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ (انْتَهَى) .
وَفِي الْجَامِعِ: يُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ يُعَانِقَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِهِ (انْتَهَى) .
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ أَوْ وَضْعِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا قَبَّلَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَسَقَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ صَاحِبِ مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَكِنَّ مَا بَعْدَهُ لَا يُسَاعِدُهُ ثُمَّ بَعْدَ حَمْلِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ رَاجَعْتُ الظَّهِيرِيَّةَ فَإِذَا عِبَارَتُهَا كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ وَنَصُّهَا: فَإِنْ قَبَّلَ يَدَ الْمُحَيَّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ الْمُحَيَّا مِمَّنْ يَحِقُّ إكْرَامُهُ شَرْعًا بِأَنْ كَانَ ذَا شَرَفٍ وَعِلْمٍ يُرْجَى لَهُ أَنْ يَنَالَ الثَّوَابَ كَمَا فَعَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِابْنِ عَبَّاسٍ فَأَمَّا إنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الدُّنْيَا يَصِيرُ فَاسِقًا (انْتَهَى) .
وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يُفِيدُ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَقْبِيلَ يَدِ الْكُلِّ مَكْرُوهٌ وَأَبُو يُوسُفَ يُفَضِّلُ؛ وَرِوَايَةٌ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَيْضِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ يَدِ نَفْسِهِ عِنْدَ السَّلَامِ فَذَكَرَ فِي الْمُبْتَغَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ.
(9)
قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ ذَا عِلْمٍ وَشَرَفٍ إلَخْ.
وَهَلْ يُثَابُ الْمُقَبِّلُ؟ قَالَ فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ الْيَدِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْإِكْرَامَ كَالْعُلَمَاءِ وَالسَّادَاتِ وَالْأَشْرَافِ يُرْجَى لَهُ أَنْ يَنَالَ الثَّوَابَ كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَأَمَّا إنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الدُّنْيَا يَفْسُقُ (انْتَهَى) .
ثُمَّ قِيلَ: إنْ كَانَ التَّقْبِيلُ لِيَدِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَشْرَافِ لِأَجْلِ الدُّنْيَا هَلْ يَفْسُقُ أَمْ لَا (انْتَهَى) .
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَفْسُقُ
يُكْرَهُ مُعَاشَرَةُ مَنْ لَا يُصَلِّي وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ، 11 - إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ لَا يُصَلِّي لَمْ يُكْرَهْ لِلْمَرْأَةِ مُعَاشَرَتُهُ.
كَذَا فِي نَفَقَاتِ الظَّهِيرِيَّةِ
12 -
الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ حَرَامٌ كَذَا فِي أُضْحِيَّةِ الذَّخِيرَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: يُكْرَهُ مُعَاشَرَةُ مَنْ لَا يُصَلِّي وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ.
فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ لَا تُصَلِّي يُطَلِّقُهَا حَتَّى لَا يَصْحَبَ امْرَأَةً لَا تُصَلِّي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُعْطِي مَهْرَهَا فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ: لَأَنْ أَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى، وَمَهْرُهَا فِي عُنُقِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ امْرَأَةً لَا تُصَلِّي (انْتَهَى) .
وَمِثْلُهُ فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ - تَعَالَى - إسْمَاعِيلَ عليه الصلاة والسلام بِقَوْلِهِ: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ} [مريم: 55] قَالُوا: وَحَمْلُ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ سَبَبٌ لِانْفِتَاحِ بَابِ الرِّزْقِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] الْآيَةَ.
(11)
قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ إلَخْ.
قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَّقَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ تَرَكَهَا بِلَا نَفَقَةٍ كَذَا وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ كَذَا كَانَتْ طَالِقًا وَوَجَدَ الْمُتَعَلِّقَ عَلَيْهِ يُكْرَهُ لَهَا الْمَقَامُ مَعَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(12)
قَوْلُهُ: الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ حَرَامٌ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: ظَاهِرُ الْآيَاتِ وَالسُّنَّةِ تَقْتَضِي وُجُوبَ الْوَفَاءِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِقْدِ الْفَرِيدِ فِي التَّقْلِيدِ: إنَّمَا يُوصَفُ بِمَا ذَكَرَ أَيْ بِأَنَّ خُلْفَ الْوَعْدِ نِفَاقٌ إذَا قَارَنَ الْوَعْدُ الْعَزْمَ عَلَى الْخُلْفِ كَمَا فِي قَوْلِ الْمَذْكُورِينَ فِي آيَةِ {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} [الحشر: 11] فَوُصِفُوا بِالنِّفَاقِ لِإِبْطَانِهِمْ خِلَافَ مَا أَظْهَرُوا وَأَمَّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْوَفَاءِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَلَمْ يَفِ بِهَذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ نِفَاقٍ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ «إذَا وَعَدَ الرَّجُلُ أَخَاهُ، وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ فَلَمْ يَفِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ» (انْتَهَى) .
وَقِيلَ: عَلَيْهِ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنْ أَمْرَ «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَدَمُ الْإِثْمِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ الْوَفَاءِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ.
وَعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَلَمْ يَأْتِهِ لَا يَأْثَمُ 14 - وَلَا يَلْزَمُ الْوَعْدُ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا 15 - كَمَا فِي كَفَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ، 16 - وَفِي بَيْعِ الْوَفَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ وَعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ لَا يَأْثَمُ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّ الْحَرَامَ يَأْثَمُ بِفِعْلِهِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِنَفْيِ الْإِثْمِ، قُلْتُ: يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا وَعَدَ وَفِي نِيَّتِهِ الْخُلْفُ فَيَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا نَوَى الْوَفَاءَ وَعَرَضَ مَانِعٌ (انْتَهَى) .
أَقُولُ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ خُلْفَ الْوَعْدِ مَكْرُوهٌ.
(14)
قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ الْوَعْدُ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا يَظْهَرُ مِنْهُ مَعْنَى الِالْتِزَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ شُفِيتُ أَحُجُّ فَشُفِيَ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَحُجُّ لَمْ يَلْزَمْهُ بِمُجَرَّدِهِ.
(15)
قَوْلُهُ: كَمَا فِي كَفَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ.
حَيْثُ قَالَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ: الذَّهَبُ الَّذِي لَكَ عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ أَوْ أُسَلِّمُهُ إِلَيْكَ أَوْ اقْبِضْهُ مِنِّي لَا يَكُونُ كَفَالَةً مَا لَمْ يَقُلْ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى اللُّزُومِ كَضَمِنْتُ أَوْ كَفَلْتُ أَوْ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ وَهَذَا إذَا ذَكَرَهُ مُنْجَزًا أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ: إنْ لَمْ يُؤَدِّ فُلَانٌ فَأَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْك وَنَحْوُهُ يَكُونُ كَفَالَةً لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَابِ صُورَةِ التَّعْلِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً (انْتَهَى) .
وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْبَحْرِ لِلْمُصَنِّفِ نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة: وَلَوْ قَالَ: إنْ عُوفِيتُ صُمْتُ كَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ، وَهَذَا قِيَاسٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا نَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ: أَنَا أَحُجُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا أَحُجُّ فَفَعَلَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ (انْتَهَى) .
أَقُولُ عَلَى مَا هُوَ الِاسْتِحْسَانُ يَكُونُ الْوَاجِبُ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ شَيْئَيْنِ نَذْرٌ وَوَعْدٌ مُقْتَرِنٌ بِتَعْلِيقٍ فَاسْتَفِدْهُ فَإِنَّهُ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ إنْ جِئْتنِي أُكْرِمْكَ فَجَاءَهُ هَلْ يَكُونُ الْإِكْرَامُ عَلَى الْمُعَلِّقِ وَاجِبًا دِيَانَةً وَقَضَاءً أَوْ دِيَانَةً فَقَطْ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ.
(16)
قَوْلُهُ: وَفِي بَيْعِ الْوَفَاءِ.
عَطْفٌ عَلَى مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَالتَّقْدِيرُ: وَلَا يَلْزَمُ الْوَعْدُ إلَّا فِي التَّعْلِيقِ وَفِي بَيْعِ الْوَفَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا
اسْتِخْدَامُ الْيَتِيمِ بِلَا أُجْرَةٍ حَرَامٌ، 18 - وَلَوْ لِأَخِيهِ وَمُعَلِّمِهِ 19 - إلَّا لِأُمِّهِ، 20 - وَفِيمَا إذَا أَرْسَلَهُ الْمُعَلِّمُ لِإِحْضَارِ شَرِيكِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ
لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ، 21 - إلَّا لِدَفْعِ قَمْلٍ أَوْ حَكَّةٍ كَمَا فِي الْحَدَّادِيِّ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، 22 - وَلَا يَجُوزُ الْخَالِصُ فِي الْحَرْبِ عِنْدَهُ
مَا حُرِّمَ عَلَى الْبَالِغِ فِعْلُهُ حُرِّمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْقِيَهُ خَمْرًا، وَلَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: اسْتِخْدَامُ الْيَتِيمِ بِلَا أُجْرَةٍ حَرَامٌ.
مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ اسْتِخْدَامُ الشَّخْصِ الْيَتِيمِ حَرَامٌ قِيلَ وَهَلْ يَجِبُ لَهُ أَجْرٌ؟ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ أَقْرِبَاؤُهُ مُدَّةً فِي إعْمَالِ شَيْءٍ بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ وَبِلَا إجَارَةٍ لَهُ طَلَبُ أَجْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إنْ كَانَ مَا يُعْطُونَهُ مِنْ الْكِسْوَةِ وَالْكِفَايَةِ لَا يُسَاوِي أَجْرَ الْمِثْلِ.
(18)
قَوْلُهُ: وَلَوْ لِأَخِيهِ وَمُعَلِّمِهِ.
أَقُولُ: الصَّوَابُ وَلَوْ أَخَاهُ وَمُعَلِّمَهُ، وَالتَّقْدِيرُ وَلَوْ كَانَ مُسْتَخْدِمُ الْيَتِيمِ أَخَاهُ وَمُعَلِّمَهُ، وَقَدْ يُقَالُ اللَّامُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى مِنْ وَالتَّقْدِيرُ وَلَوْ كَانَ اسْتِخْدَامُ الْيَتِيمِ وَاقِعًا مِنْ أَخِيهِ وَمُعَلِّمِهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ صَوَابًا.
(19)
قَوْلُهُ: إلَّا لِأُمِّهِ.
أَقُولُ: الصَّوَابُ إلَّا أُمَّهُ وَالتَّقْدِيرُ إلَّا إذَا كَانَ مُسْتَخْدِمُ الْيَتِيمِ أُمَّهُ وَيُقَالُ هُنَا مَا قِيلَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.
(20)
قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا أَرْسَلَهُ الْمُعَلِّمُ.
وَعُطِفَ عَلَى مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَالتَّقْدِيرُ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ مُسْتَخْدِمُ الْيَتِيمِ أُمَّهُ وَإِلَّا فِيمَا إذَا أَرْسَلَهُ الْمُعَلِّمُ إلَخْ
(21)
قَوْلُهُ: إلَّا لِدَفْعِ قَمْلٍ أَوْ حَكَّةٍ.
يَعْنِي فَيَحِلُّ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَشَدُّ السِّنِّ بِالْفِضَّةِ «بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَصَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ يَعْنِي الْخَالِصَ لِأَجْلِ الْحَكَّةِ فِي جِسْمِهِمَا» وَمَعْلُومٌ أَنْ مَا كَانَ مَخْصُوصًا لَهُمَا لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِمَا.
(22)
قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْخَالِصُ فِي الْحَرْبِ عِنْدَهُ إلَخْ.
يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَمَّا
أَنْ يُلْبِسَهُ حَرِيرًا، وَلَا أَنْ يُخَضِّبَ يَدَهُ بِحِنَّاءٍ أَوْ رِجْلَهُ وَلَا إجْلَاسَ الصَّغِيرِ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ مُسْتَقْبِلًا أَوْ مُسْتَدْبِرًا.
الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ إلَّا لِمُلَازِمَةِ مَدْيُونَةٍ هَرَبَتْ وَدَخَلَتْ خَرِبَةً، وَفِيمَا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا شَوْهَاءَ، وَفِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فِي الْبَيْتِ الْخَلْوَةُ بِالْمَحْرَمِ مُبَاحَةٌ إلَّا لِأُخْتٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ.
23 -
وَالصِّهْرَةُ الشَّابَّةُ
مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ أُبِيحَ لَعْنُهُ.
إلَّا وَالِدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
ــ
[غمز عيون البصائر]
عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «رَخَّصَ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ» وَلِلْإِمَامِ إطْلَاقُ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيهَا بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ
(23)
قَوْلُهُ: وَالصِّهْرَةُ الشَّابَّةُ.
فِي نَظْمِ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ كِتَابُ الزِّيَادَاتِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ:
أَصْهَارُ مَنْ يُوصِي أَقَارِبَ زَوْجَةٍ
…
وَيَزُولُ ذَاكَ بِبَائِنٍ وَحَرَامِ
أَخْتَانُهُ أَزْوَاجُ كُلِّ مَحَارِمِ
…
وَمَحَارِمُ الْأَزْوَاجِ بِالْأَرْحَامِ
قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ أَمَّا الصِّهْرُ فَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْخَتْنِ لَكِنَّ الْغَالِبَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ.
قَالَ حَاتِمُ بْنُ عَدِيٍّ:
وَلَوْ كُنْت صِهْرًا لِابْنِ مَرْوَانَ قُرِّبَتْ
…
رِكَابِي إلَى الْمَعْرُوفِ وَالطَّعْنِ وَالرَّحْبِ
وَلَكِنَّنِي صِهْرٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ
…
وَخَالُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَالْخَالُ كَالْأَبِ
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدٍ الْقُهُسْتَانِيِّ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا.
الصِّهْرُ كُلُّ ذَكَرٍ مِنْ أَقْرِبَاءِ زَوْجَتِهِ فَيَدْخُلُ أَبُوهَا وَأَخُوهَا وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَدْخُلُ إلَّا أَبُوهَا وَأُمُّهَا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ هَذَا بِلَفْظِ الصِّهْرِ، وَأَمَّا لَفْظُ خَتَنٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ إلَّا أَبُوهَا (انْتَهَى) .
أَقُولُ: فَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ: صِهْرَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ
لِثُبُوتِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ.
كَذَا فِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لِثُبُوتِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ إلَخْ.
يَعْنِي لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِمَنْ طَعَنَ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ فَآمَنَا بِهِ خُصُوصِيَّةً لَهُمَا وَمَحَلُّ كَوْنِ الْإِيمَانِ لَا يَنْفَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي غَيْرِ الْخُصُوصِيَّةِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَغِيبِهَا فَعَادَ الْوَقْتُ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ أَدَاءً كَرَامَةً لَهُ صلى الله عليه وسلم فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي شَرْحِ الْهَمْزِيَّةِ لِابْنِ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيِّ هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي أَبَوَيْ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم هَلْ مَاتَا عَلَى الْكُفْرِ أَمْ لَا فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ جَمْعٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُتَمَسِّكِينَ بِأَحَادِيثَ دَالَّةٍ عَلَى طَهَارَةِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ عليه الصلاة والسلام مِنْ دَنَسِ الشِّرْكِ وَشَيْنِ الْكُفْرِ، وَنَفَرٌ مِنْ الْجَمِيعِ الْأَوَّلِ قَالُوا بِنَجَاتِهِمَا مِنْ النَّارِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ عليه الصلاة والسلام وَآمَنَا بِهِ فَإِنْ قُلْتَ: أَلَيْسَ الْحَدِيثُ الَّذِي وَرَدَ فِي إحْيَائِهِمَا مَوْضُوعًا؟ قُلْتُ: زَعَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ إلَّا أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا مَوْضُوعٌ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْحَافِظُ نَاصِرُ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ حَيْثُ قَالَ:
حَبَا اللَّهُ النَّبِيَّ مَزِيدَ فَضْلٍ
…
عَلَى فَضْلٍ فَكَانَ بِهِ رَءُوفَا
فَأَحْيَا أُمَّهُ وَكَذَا أَبَاهُ
…
لِإِيمَانٍ بِهِ فَضْلًا لَطِيفَا
فَسَلِّمْ فَالْقَدِيمُ بِهِ قَدِيرٌ
…
وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهِ ضَعِيفَا
نَصَّ عَلَى كَوْنِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ضَعِيفًا لَا مَوْضُوعًا وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي السِّيرَةِ رُوِيَ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَآمِنَةَ بْنَةَ وَهْبٍ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَسْلَمَا وَأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ فَآمَنَا بِهِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي حَقِّ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أُمِّي فَقَالَ أُمُّك فِي النَّارِ قُلْتُ فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ قَالَ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي» ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْجَمْعِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ دَرَجَةً حَصَلَتْ لَهُ عليه الصلاة والسلام بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَأَنْ يَكُونَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِيمَانُ مُتَأَخِّرًا عَنْ ذَلِكَ فَلَا مُعَارَضَةَ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَسَأَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ
اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ أَثَوْبُ مِنْ قِرَاءَتِهِ، كَذَا فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
عَنْ رَجُلٍ قَالَ: إنَّ أَبَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَلْعُونٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [الأحزاب: 57] قَالَ: وَلَا أَذَى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنْ أَبِيهِ: إنَّهُ فِي النَّارِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: وَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ أَنْ نَقُولَ ذَلِكَ فِي أَبَوَيْهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ» .
وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 57] الْآيَةَ وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نُمْسِكَ اللِّسَانَ إذَا ذَكَرَ أَصْحَابَهُ رضي الله عنهم بِشَيْءٍ يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى الْعَيْبِ وَالنَّقْصِ فِيهِمْ فَلَأَنْ نُمْسِكَ وَنَكُفَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَحَقُّ وَأَحْرَى إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَحَقُّ الْمُسْلِمِ أَنْ يُمْسِكَ لِسَانَهُ عَمَّا يُخِلُّ بِشَرَفِ نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ إثْبَاتَ الشِّرْكِ فِي أَبَوَيْهِ إخْلَالٌ ظَاهِرٌ بِشَرَفِ نَسَبِ نَبِيِّهِ الطَّاهِرِ فَجُمْلَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَتْ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ فَلَا حَظَّ لِلْقَلْبِ مِنْهَا، وَأَمَّا لِلِّسَانِ فَحَقُّهُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يَتَبَادَرُ مِنْهُ النُّقْصَانُ خُصُوصًا إلَى وَهْمِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ وَتَدَارُكِهِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الْكَلَامِ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْفَضْلِ وَالْإِنْعَامِ
(25)
قَوْلُهُ: اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ أَثَوْبُ مِنْ قِرَاءَتِهِ.
وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ - تَعَالَى - قَوْمًا عَلَى عَدَمِ التَّدَبُّرِ فَقَالَ {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] فَتَدَبَّرْ ثُمَّ إنَّ الْمَسْأَلَةَ يَجِبُ تَقْيِيدُهَا بِمَا إذَا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ بِغَيْرِ إلْحَانٍ وَإِلَّا فَسَمَاعُ الْقُرْآنِ بِالْإِلْحَانِ مَعْصِيَةٌ، وَالتَّالِي وَالسَّامِعُ آثِمَانِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَة مُحَمَّدِ مِسْكِينٍ عَلَى الْكَنْزِ