الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْجِنَايَاتِ
الْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ 1 - إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ صَالَحَ فَإِنَّ نَصِيبَ الْبَاقِينَ يَنْقَلِبُ مَالًا وَيَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ 2 - كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ
3 -
صُلْحُ الْأَوْلِيَاءِ وَعَفْوُهُمْ عَنْ الْقَاتِلِ يُسْقِطُ حَقَّهُمْ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ لَا حَقَّ الْمَقْتُولِ،
4 -
كَذَا فِي الْمُنْيَةِ.
الْوَاجِبُ لَا يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَالْمُبَاحُ يَتَقَيَّدُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ]
قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ إلَخْ.
أَقُولُ: إنَّمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْبَاقِينَ مَالًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَمَّا سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي نَصِيبِ غَيْرِ الْعَافِي أَوْ الْمُصَالِحِ انْقَلَبَ حَقُّهُ مَالًا لِئَلَّا يَسْقُطَ بِلَا عِوَضٍ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْقَاتِلِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ فَتَجِبُ بَقِيَّةُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْ الْقَاتِلِ فَصَارَ كَالْخَطَأِ؛ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ وَمِثْلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ وَزَادَ عَلَيْهِ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى الْقَاتِلِ أَنَّ الشَّرْعَ مَا أَوْجَبَهُ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَسَائِرِ الْكُتُبِ أَنَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ وَهُوَ الثَّابِتُ رِوَايَةً وَدِرَايَةً وَلَمْ يُنَبِّهْ أَحَدٌ مِنْ شُرَّاحِ الْمَجْمَعِ عَلَى هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ فِيمَا أَعْلَمُ فَلْيُتَنَبَّهْ وَحِينَئِذٍ مَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ مُتَابَعَتُهُ.
(2)
قَوْلُهُ: كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
أَقُولُ: يُوهِمُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي مَتْنِ الْمَجْمَعِ وَإِنَّمَا هِيَ فِي الشُّرُوحِ لَيْسَ كَذَلِكَ
(3)
قَوْلُهُ: صُلْحُ الْأَوْلِيَاءِ وَعَفْوُهُمْ.
الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ
(4)
قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْمُنْيَةِ إلَخْ.
أَقُولُ: لَمْ أَجِدْ مَا ذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَوَجَدْته فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَعِبَارَتُهَا: الْوَارِثُ إذَا عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ هَلْ يَبْرَأُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى
بِهِ فَلَا ضَمَانَ.
لَوْ سَرَى قَطْعُ الْقَاضِي إلَى النَّفْسِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْمُعَزَّرُ، وَكَذَا إذَا سَرَى الْقَصْدُ إلَى النَّفْسِ 5 - وَلَمْ يُجَاوِزْ الْمُعْتَادَ لِوُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ قَطَعَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ يَدَ قَاطِعِهِ فَسَرَتْ ضَمِنَ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ 6 - فَيَتَقَيَّدُ، وَضَمِنَ لَوْ عَزَّرَ زَوْجَتَهُ فَمَاتَتْ.
وَمِنْهُ الْمُرُورُ فِي الطَّرِيقِ مُقَيَّدٌ بِهَا،
7 -
وَمِنْهُ ضَرْبُ الْأَبِ ابْنَهُ أَوْ الْإِمَامِ أَوْ الْوَصِيِّ تَأْدِيبًا، وَمِنْ الْأَوَّلِ ضَرْبُ الْأَبِ ابْنَهُ أَوْ الْإِمَامِ أَوْ الْوَصِيِّ أَوْ الْمُعَلِّمِ بِإِذْنِ الْأَبِ تَعْلِيمًا فَمَاتَ لَا ضَمَانَ، فَضَرْبُ التَّأْدِيبِ مُقَيَّدٌ لِكَوْنِهِ مُبَاحًا
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَالَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى رَجُلٍ لِرَجُلٍ فَمَاتَ الطَّالِبُ وَأَبْرَأَتْهُ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ فِيمَا بَقِيَ أَمَّا عَنْ ظُلْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا يَبْرَأُ فَكَذَلِكَ الْقَاتِلُ لَا يَبْرَأُ عَنْ ظُلْمِهِ وَعَدَاوَتِهِ وَيَبْرَأُ عَنْ الْقِصَاصِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَاتِلِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ عز وجل {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِهِ قَالَ قَوْمٌ: هُوَ كَفَّارَةُ الْقَاتِلِ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كَفَّارَةُ الْمَعَانِي قَالَ وَهُوَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ عِنْدِي.
(5)
قَوْلُهُ: وَلَمْ يُجَاوِزْ الْمُعْتَادَ.
وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَلَوْ تَجَاوَزَ الْمُعْتَادَ، وَهَذَا تَحْرِيفٌ مِنْ النُّسَّاخِ وَالنُّسْخَةُ الَّتِي بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَلَمْ يُجَاوِزْ الْمُعْتَادَ.
(6)
قَوْلُهُ: فَيَتَقَيَّدُ أَيْ بِالسَّلَامَةِ.
أَقُولُ وَمِنْهُ الْمُرُورُ فِي الطَّرِيقِ، فِي الْقُنْيَةِ: وَضَعَ شَيْئًا عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَسَقَطَ، وَهَلَكَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ يَضْمَنُ هُوَ الصَّحِيحُ (انْتَهَى) .
وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَالْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الطَّرِيقُ الْعَامُّ وَأَنَّ الطَّرِيقَ الْخَاصَّ يَضْمَنُ فِيهِ بِالْعُثُورِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ
(7)
قَوْلُهُ: وَمِنْهُ ضَرْبُ الْأَبِ ابْنَهُ.
هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا: لَا يَضْمَنُ الْأَبُ بِضَرْبِ ابْنِهِ لِلتَّأْدِيبِ وَرَجَعَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله إلَى قَوْلِهِمَا كَمَا فِي التَّتِمَّةِ.
وَضَرْبُ التَّعْلِيمِ لَا لِكَوْنِهِ وَاجِبًا، وَمَحَلُّهُ فِي الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ؛ أَمَّا غَيْرُهُ فَمُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي الْكُلِّ.
وَخَرَجَ عَنْ الْأَصْلِ الثَّانِي،
9 -
مَا إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَأَفْضَاهَا وَمَاتَتْ 10 - فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ مُبَاحًا 11 - لِكَوْنِ الْوَطْءِ أَخَذَ مُوجِبَهُ، وَهُوَ الْمَهْرُ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ آخَرُ.
وَتَمَامُهُ فِي التَّعْزِيرِ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ.
12 -
الْجِنَايَتَانِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا لَا تَتَدَاخَلَانِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَضَرْبُ التَّعْلِيمِ لَا أَيْ لَا يَتَقَيَّدُ بِإِسْلَامِهِ
(9)
قَوْلُهُ: مَا إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ إلَخْ يَعْنِي وَهِيَ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ جَامَعَ صَغِيرَةً لَا تُجَامَعُ مِثْلُهَا فَمَاتَتْ إنْ أَجْنَبِيَّةً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْمَهْرُ عَلَى الزَّوْجِ وَقُيِّدَ بِالْإِفْضَاءِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَسَرَ فَخِذَهَا حَالَةَ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ كَسْرَ الْفَخِذِ لَيْسَ مَأْذُونًا فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ حَادِثٍ مِنْ الْوَطْءِ الْمَأْذُونِ فِيهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ.
(10)
قَوْلُهُ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ يَعْنِي عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَمَدُ وُجُوبَ الدِّيَةِ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِمْسَاكِ فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى عَشَرَةِ أَشْيَاءَ فِي الْإِنْسَانِ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً وَعَدُّوا مِنْهَا سَلَسَ الْبَوْلِ، وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي غَالِبِ الْكُتُبِ انْتَهَى قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي غَالِبِ الْكُتُبِ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا حَصَلَ مِنْ فِعْلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَتَدَبَّرْ.
(11)
قَوْلُهُ: لِكَوْنِ الْوَطْءِ أَخَذَ مُوجِبَهُ، وَهُوَ الْمَهْرُ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ آخَرُ.
قِيلَ عَلَيْهِ فَيُقَالُ الْمَهْرُ مُقَابَلٌ بِالْوَطْءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ وَالضَّمَانُ بِالْإِفْضَاءِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَطْءٌ لِيَلْزَمَ كَوْنُهُ مُوجِبًا لِشَيْئَيْنِ بَلْ مِنْ حَيْثُ مَا تَسَبَّبَ عَنْهُ وَهُوَ الْإِفْضَاءُ فَالْمَهْرُ بِاعْتِبَارِ جِهَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالضَّمَانُ بِاعْتِبَارِ جِهَةِ الْإِفْضَاءِ فَتَأَمَّلْ
(12)
قَوْلُهُ: الْجِنَايَتَانِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا لَا يَتَدَاخَلَانِ.
أَيْ الْجِنَايَتَانِ الْوَاقِعَتَانِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي نَفْسِهِ وَفِيمَا دُونَهَا بِأَنْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ لَا يَتَدَاخَلَانِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبَ الْقَتْلِ وَيُوجِبُ الْقَتْلَ إذَا كَانَتَا عَمْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدًا
إلَّا إذَا كَانَا خَطَأً وَلَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
14 -
الْقِصَاصُ يَجِبُ لِلْمَيِّتِ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ،
15 -
فَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ وَلَهُ ابْنَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ 16 - وَلَا شَيْءَ لِغَيْرِ الْعَافِي عِنْدَ الْإِمَامِ.
17 -
وَصَحَّ عَفْوُ الْمَجْرُوحِ وَتُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُ.
لَوْ انْقَلَبَ مَالًا
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَالْأُخْرَى خَطَأً أَوْ كَانَتَا خَطَأَيْنِ وَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ إذْ كَانَتَا عَمْدَيْنِ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَتَدَاخَلَانِ فَيُقْتَلُ جَزَاءً وَلَا تُقْطَعُ، وَالدَّلِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهِ.
(13)
قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَا خَطَأً أَقُولُ: كَذَا فِي النُّسَخِ وَالصَّوَابُ إلَّا إذَا كَانَتَا أَيْ الْجِنَايَتَانِ
(14)
قَوْلُهُ: الْقِصَاصُ يَجِبُ لِلْمَيِّتِ ابْتِدَاءً إلَخْ.
فِي مَنْظُومَةِ الْجَلَالِ الْبُنَانِيِّ وَشُرُوحِهَا
وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ لِلْوَارِثِ
…
خِلَافَةٌ وَلَيْسَ بِالْمِيرَاثِ
قَالَ الْإِمَامُ: طَرِيقُ الْقِصَاصِ لِلْوَرَثَةِ طَرِيقُ الْخِلَافَةِ دُونَ الْوِرَاثَةِ وَعِنْدَهُمَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْوِرَاثَةِ، وَمَعْنَى الْخِلَافَةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً لِلْوَارِثِ دُونَ الْوِرَاثَةِ كَالْعَبْدِ إذَا نَهَبَ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ؛ دَلِيلُ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ بِخِلَافِ الْمَالِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ
(15)
قَوْلُهُ: فَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ إلَخْ.
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ.
(16)
قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ لِغَيْرِ الْعَافِي عِنْدَ الْإِمَامِ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَجِبُ ثُمَّ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا
(17)
قَوْلُهُ: وَصَحَّ عَفْوُ الْمَجْرُوحِ، وَتُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُ.
أَقُولُ ضَمِيرُ مِنْهُ عَائِدٌ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ لَفْظًا وَرُتْبَةً، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَا اُسْتُثْنِيَ كَمَا فِي مَعْنَى الْبَيْتِ.
وَهُوَ مَوْرُوثٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَيَرِثُهُ الزَّوْجَانِ كَالْأَمْوَالِ.
الِاعْتِبَارُ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ بِعَدَدِ الْجُنَاةِ لَا لِعَدَدِ الْجِنَايَاتِ، 19 - وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْإِجَارَةِ.
لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَضَرَبَهُ أَحَدَ عَشَرَ فَمَاتَ، رُفِعَ عَنْهُ مَا نَقَصَتْهُ الْعَشَرَةُ وَضَمِنَ مَا نَقَصَهُ الْأَخِيرُ، فَيَضْمَنُهُ مَضْرُوبًا بِعَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ.
دِيَةُ الْقَتْلِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ 20 - أَوْ كَانَ الْقَتْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَهُوَ مَوْرُوثٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ.
أَقُولُ: وَكَذَا دِيَةُ الْمَقْتُولِ خَطَأً فَإِنَّهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ حَتَّى تَقْضِيَ بِهَا دُيُونَهُ وَتَنْفُذَ وَصَايَاهُ، وَيَرِثَهَا كُلُّ مَنْ يَرِثُ أَمْوَالَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرِثُ الزَّوْجَانِ مِنْ الدِّيَةِ لِانْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ بِالْمَوْتِ، وَلَا وُجُوبَ لِلدِّيَةِ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَنَا «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ عَقْلِ زَوْجِهَا» .
قَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَ قَتْلُ أَشْيَمَ خَطَأً وَكَذَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا حَقُّ الزَّوْجَيْنِ فِي الْقِصَاصِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَرَكَ مَالًا وَحَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» .
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ فَيَسْتَحِقُّهُ جَمِيعُ وَرَثَتِهِ بِحَسَبِ إرْثِهِمْ كَذَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلسَّيِّدِ الشَّرِيفِ
(19)
قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الْوَلْوَالِجِيُّ.
عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجِيِّ: رُفِعَ عَنْهُ مَا نَقَصَهُ الْعَشَرَةُ أَسْوَاطٍ وَضَمِنَ مَا نَقَصَهُ السَّوْطُ الْأَخِيرُ مَضْرُوبًا عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَلِأَنَّهُ عَامِلٌ فِيهَا لِلْمَوْلَى لِأَمْرِهِ فَانْتَقَلَ الْفِعْلُ إلَيْهِ، وَأَمَّا ضَمَانُ مَا نَقَصَهُ السَّوْطُ الْأَخِيرُ فَلِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مَضْرُوبًا عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَلِأَنَّ الْحَادِيَ عَشَرَ صَادَفَهُ مَضْرُوبًا عَشَرَةً، وَأَمَّا وُجُوبُ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ فَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ لِعَدَدِ الْجُنَاةِ لَا لِعَدَدِ الْجِنَايَاتِ، وَالْجُنَاةُ اثْنَانِ يَعْنِي الْمَوْلَى يَضْرِبُ عَشَرَةً، وَهُوَ يَضْرِبُ سَوْطًا (انْتَهَى) .
وَلَا يَخْفَى مَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ إبْهَامٍ مُضِلٍّ لِلْإِفْهَامِ (20) قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ الْقَتْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
وَقَدْ صَرَّحَ عَقِبَهُ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُوجِبُ عِصْمَةَ الدَّمِ فَعَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ، وَنَفْيُ تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ كَوْنِ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ
الْإِسْلَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُوجِبُ عِصْمَةَ الدَّمِ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ
22 -
هِبَةُ الْقِصَاصِ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّمْلِيكُ كَمَا فِي إجَارَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ.
23 -
لَا تَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ دِيَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى الْقَتْلِ، إذَا قَتَلَهُ الْآخَرُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ،
24 -
لِكُلِّ وَاحِدٍ التَّعَرُّضُ عَلَى مَنْ شَرَعَ جُنَاحًا فِي الطَّرِيقِ وَلَا يَأْثَمُونَ بِالسُّكُوتِ عَنْهُ.
يَضْمَنُ الْمُبَاشِرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا
25 -
فَيَضْمَنُ الْحَدَّادُ إذَا طَرَقَ الْحَدِيدَةَ فَفَقَأَ عَيْنًا وَالْقَصَّارُ إذَا دَقَّ فِي حَانُوتِهِ فَانْهَدَمَ حَانُوتُ جَارِهِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: الْإِسْلَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُوجِبُ عِصْمَةَ الدَّمِ.
يَعْنِي؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَيْسَتْ دَارَ أَحْكَامٍ
(22)
قَوْلُهُ: هِبَةُ الْقِصَاصِ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ إلَخْ.
أَقُولُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ لِلْقَاتِلِ يَجُوزُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ هُنَا، وَإِنْ كَانَ فِي اعْتِبَارِهِ فِي الرِّوَايَاتِ خِلَافٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ هُنَا تَعْلِيلُ الْمَنْطُوقِ بِعَدَمِ قَبُولِ الْقِصَاصِ لِلتَّمْلِيكِ، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَغَيْرِهِ
(23)
قَوْلُهُ: لَا تَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ دِيَةُ الْمُكْرِهِ إذَا قَتَلَهُ الْآخَرُ.
أَيْ إذَا قَتَلَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ الْمُكْرِهَ عَلَى قَتْلِهِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ لِارْتِفَاعِ الْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ
(24)
قَوْلُهُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ التَّعَرُّضُ عَلَى مَنْ شَرَعَ جُنَاحًا، أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ النَّاسِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَوْ مِنْ أَرَاذِلِهِمْ وَأَضْعَفِهِمْ كَمَا فِي النِّهَايَةِ لَكِنْ فِيهِ فِتْنَةٌ أَوْ مِنْ أَوْسَاطِهِمْ وَلَوْ كَافِرًا كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ وَالْمُرَادُ بِالتَّعَرُّضِ النَّقْضُ أَيْ إبْطَالُ ذَلِكَ الْمُحْدَثِ بَعْدَ الْإِتْمَامِ وَكَذَا قَبْلَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْعَلَّامَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ
(25)
قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُ الْحَدَّادُ إذَا طَرَقَ الْحَدِيدَةَ إلَخْ.
أَقُولُ وَمِثْلُهُ لَوْ كَسَرَ حَطَبًا فَتَطَايَرَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَتْلَفَ شَيْئًا يَضْمَنُ عِنْدَنَا، وَلَوْ كَانَ الْكَسْرُ فِي مِلْكِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا
لَا اعْتِبَارَ بِرِضَاءِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالسِّكَّةِ النَّافِذَةِ.
حَفَرَ بِئْرًا فِي بَرِّيَّةٍ فِي غَيْرِ مَمَرِّ النَّاسِ لَمْ يَضْمَنْ مَا وَقَعَ فِيهَا
قَطَعَ الْحَجَّامُ لَحْمًا مِنْ عَيْنِهِ، وَكَانَ غَيْرَ حَاذِقٍ فَعَمِيَتْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ
وَمَذْهَبُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْإِمَامَ شَرْطٌ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ كَالْحُدُودِ.
27 -
وَمَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ الْفَرْقُ، الْقِصَاصُ كَالْحُدُودِ.
28 -
إلَّا فِي خَمْسٍ ذَكَرْنَاهَا فِي قَاعِدَةِ أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ الْقَاتِلِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِصَاصِ، وَكَذَا عَفْوُ الْمَجْرُوحِ.
وَعَفْوُ الْوَلِيِّ يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْقَاتِلِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَبْرَأُ عَنْ قَتْلِهِ كَالْوَارِثِ إذَا أَبْرَأَ الْمَدْيُونَ بَرَأَ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ ظُلْمِ الْمُوَرِّثِ وَمَطْلِهِ.
إذَا قَالَ الْمَجْرُوحُ قَتَلَنِي فُلَانٌ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي حَقِّ فُلَانٍ وَلَا بَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَنَّ فُلَانًا آخَرَ قَتَلَهُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
يَضْمَنُ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي شُرُوحِ الرَّوْضِ وَالْعُبَابِ وَشَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ
(26)
قَوْلُهُ: لَا اعْتِبَارَ بِرِضَاءِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالسِّكَّةِ النَّافِذَةِ.
أَيْ بِإِشْرَاعِ جُنَاحٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لِلْعَامَّةِ
(27)
قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ الْفَرْقُ.
يَعْنِي بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ فَيُشْتَرَطُ الْإِمَامُ لِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ دُونَ الْقِصَاصِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَتِهِ إبْهَامٌ.
(28)
قَوْلُهُ: إلَّا فِي خَمْسٍ ذَكَرْنَاهَا إلَخْ أَيْ فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ إلَّا فِي سَبْعَةٍ كَمَا فِي مُعِينِ الْمُفْتِي فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ: الْأُولَى: تَجُوزُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ فِي الْقِصَاصِ دُونَ الْحُدُودِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
الثَّانِيَةُ: الْحُدُودُ لَا تُورَثُ، وَالْقِصَاصُ يُورَثُ.
الثَّالِثَةُ: لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ فِي الْحُدُودِ وَلَوْ كَانَ حَدَّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ.
الرَّابِعَةُ: التَّقَادُمُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْقَتْلِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ.
الْخَامِسَةُ: تَثْبُتُ بِالْإِشَارَةِ وَالْكِنَايَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى.
السَّادِسَةُ: لَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِي الْحُدُودِ وَتَجُوزُ فِي
بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: جَرَحَنِي فُلَانٌ ثُمَّ مَاتَ، 30 - فَبَرْهَنَ ابْنُهُ أَنَّ فُلَانًا آخَرَ جَرَحَهُ تُقْبَلُ 31 - كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ.
يَصِحُّ عَفْوُ الْمَجْرُوحِ وَالْوَارِثِ قَبْلَ مَوْتِهِ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ لَهُمَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَا تَثْبُتُ مَعَهَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْقِصَاصِ.
السَّابِعَةُ: الْحُدُودُ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى (انْتَهَى) .
أَقُولُ: يُزَادُ ثَامِنٌ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْإِمَامِ اسْتِيفَاءَ الْحُدُودِ دُونَ الْقِصَاصِ.
(29)
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: جَرَحَنِي فُلَانٌ ثُمَّ مَاتَ إلَخْ.
قِيلَ: الْفَرْقُ تَعَدُّدُ الْجُرْحِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ (انْتَهَى) .
قِيلَ عَلَيْهِ قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَكْسَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَنَصُّهُ نَقْلًا عَنْ جِنَايَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ: شَهِدَ الْمَجْرُوحُ أَنَّ فُلَانًا لَمْ يَجْرَحْهُ، وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْهُ إنْ كَانَ جُرْحُهُ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالنَّاسِ لَا يَصِحُّ إشْهَادُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا صَحَّ لِاحْتِمَالِ الصِّدْقِ فَإِنْ بَرْهَنَ الْوَارِثُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ فُلَانًا كَانَ جَرَحَهُ، وَمَاتَ مِنْهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمُوَرِّثِ.
(30)
قَوْلُهُ: فَبَرْهَنَ ابْنُهُ أَنَّ فُلَانًا آخَرَ جَرَحَهُ إلَخْ.
هَذَا إذَا قَالَ الْمَجْرُوحُ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يَقُلْ فَادَّعَى الِابْنَيْنِ عَلَى أَخِيهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً عَلَى قَتْلِ أَجْنَبِيٍّ إيَّاهُ، وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لِلْأَخِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى أَخِيهِ وَلِلْآخَرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَحْسَنُ مِنْهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَخِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَخِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ شَيْءٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ كَذَا فِي مُوجِبَاتِ الْأَحْكَامِ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ (31) قَوْلُهُ: كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ.
أَيْ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ.
قِيلَ عَلَيْهِ: لَيْسَ هَكَذَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ بَلْ الَّذِي فِي شَرْحِهَا لِابْنِ الشِّحْنَةِ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ: جَرَحَنِي فُلَانٌ ثُمَّ مَاتَ فَأَقَامَ ابْنُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ابْنٍ آخَرَ أَنَّهُ جَرَحَهُ خَطَأً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى حِرْمَانِ الْوَلَدِ الْإِرْثَ فَقُبِلَتْ فَلَمَّا أَجَزْنَا ذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ
إلَّا فِي التَّرْجَمَةِ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ مَعَ أَنَّ فِيهَا شُبْهَةً كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ
كِتَابُ الْوَصَايَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
جَعَلْنَا الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ (انْتَهَى) .
وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ أَصْلَحَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فَادَّعَى ابْنُهُ أَنَّ ابْنًا آخَرَ جَرَحَهُ خَطَأً وَلَقَدْ رَأَيْتُ نُسْخَةً لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مُوَافِقَةً لِمَا أَصْلَحَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ أَيْضًا فَدَارَ قَبُولُ الْبَيِّنَةِ عَلَى كَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ابْنًا لِلْجَرِيحِ يَدَّعِي حِرْمَانَهُ مِنْ الْإِرْثِ لَا عَلَى إيقَاعِ الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ: جَرَحَنِي كَمَا تَوَهَّمَهُ وَلِذَلِكَ قَالُوا فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى هَذِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ الْأَبِ وَقَدْ أَكْذَبَ الْأَبُ الْبَيِّنَةَ بِقَوْلِهِ قَتَلَنِي فُلَانٌ كَمَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَسْأَلَةِ الْجُرْحِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَيِّتُ لَا تُقْبَلُ أَيْضًا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُورِثَ أَكْذَبَ الْبَيِّنَةَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنُوهُ تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ تَعَدُّدِ الْجُرْحِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ أَمَّا فِي الِابْنِ الْآخَرِ فَيُقْبَلُ، وَإِنْ عَيَّنُوا؛ لِقِيَامِهَا عَلَى حِرْمَانِ الْإِرْثِ تَأَمَّلْ.
(32)
قَوْلُهُ: إلَّا فِي التَّرْجَمَةِ.
فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ