الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَّا فِي صُلْحِ الْوَصِيِّ عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى إنْكَارٍ إذَا صَالَحَ عَلَى بَعْضِهِ ثُمَّ وَجَدَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، وَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فَأَقَامَهَا تُقْبَلُ، وَلَوْ طُلِبَ يَمِينُهُ لَا يَحْلِفُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.
19 -
الثَّانِيَةُ: إذَا ادَّعَى دَيْنًا فَأَقَرَّ بِهِ وَادَّعَى الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ هُنَا لَيْسَ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ الْعَاشِرِ
20 -
وَلَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي الدَّعْوَى، فَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِهِ قَبْلَ.
الصُّلْحِ لَمْ تُقْبَلْ، وَإِنْ بَعْدَهُ تُقْبَلْ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: إلَّا فِي صُلْحِ الْوَصِيِّ عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ إلَخْ.
يَعْنِي إذَا ادَّعَى وَصِيٌّ أَوْ أَبٌ عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا لِلْيَتِيمِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَصَالَحَ بِخَمْسِمِائَةٍ عَنْ أَلْفٍ عَنْ إنْكَارٍ ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً عَادِلَةً فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى الْأَلْفِ.
قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا يَدَّعِي لِلصَّبِيِّ فَصَالَحَ بِأَقَلَّ مِنْهُ يَجُوزُ أَنْ تُمْنَعَ دَعْوَاهُمَا فِي الْحَالِ وَدَعْوَى الصَّبِيِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الِاسْتِحْلَافِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحَلِّفُوهُ وَإِنَّمَا لَهُمْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ.
[ادَّعَى الْمُدَّعَى دَيْنًا فَأَقَرَّ بِهِ وَادَّعَى الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ]
(19)
قَوْلُهُ: الثَّانِيَةُ إذَا ادَّعَى دَيْنًا إلَخْ.
الصَّوَابُ إسْقَاطُ لَفْظِ الثَّانِيَةِ إذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِهِ؛ أَوْلَى تَقَابُلُهَا.
وَقَدْ يُقَالُ: الْأُولَى مَسْأَلَةُ صُلْحِ الْوَصِيِّ وَإِنْ لَمْ يُعَنْوِنْ بِلَفْظِ الْأُولَى.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: صَالَحَ عَنْ دَعْوَى دَيْنٍ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ صَالَحَ عَنْ إنْكَارٍ، لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ افْتِدَاءٌ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا يُنْقَضُ.
وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَلَمْ يَدَّعِ الْإِيفَاءَ وَالْإِبْرَاءَ أَوْ صَالَحَ ثُمَّ ادَّعَى الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ لَا يُقْبَلُ، وَلَوْ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِيفَاءَ وَأَنْكَرَ وَلَمْ يُقِرَّ بِقَدْرٍ فَصَالَحَهُ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْإِبْرَاءِ وَالْإِيفَاءِ يُقْبَلُ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ؛ وَهَذَا الصُّلْحُ لَمْ يَقَعْ فِدَاءً عَنْ الْيَمِينِ إذْ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْوَجْهِ فَيَبْطُلُ الصُّلْحُ.
(20)
قَوْلُهُ: وَلَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَخْ.
فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى عَلَيْهِ ثَوْبًا فَأَنْكَرَ ثُمَّ بَرْهَنَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ قَبْلَ الصُّلْحِ أَنَّهُ لَيْسَ لِي لَا يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ وَنَفَذَ الصُّلْحُ
وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى صُلْحٍ قَبْلَهُ بَطَلَ الثَّانِي إذْ الصُّلْحُ بَعْدَ الصُّلْحِ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.
22 -
الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ بَعْدَ دَعْوَى فَاسِدَةٍ فَاسِدٌ، كَمَا فِي الْقُنْيَةِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَالْقَضَاءُ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ أَقَرَّ بَعْدَ الصُّلْحِ أَنَّ الثَّوْبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَطَلَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ الصُّلْحِ.
(21)
قَوْلُهُ: وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى صُلْحٍ قَبْلَهُ بَطَلَ الثَّانِي إلَخْ.
فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى دَارًا فَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ تُسَلَّمَ الدَّارُ لِذِي الْيَدِ ثُمَّ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى صُلْحٍ قَبْلَهُ فَالصُّلْحُ الْأَوَّلُ مَاضٍ وَالثَّانِي بَاطِلٌ، وَكُلُّ صُلْحٍ بَعْدَ صُلْحٍ بَاطِلٌ وَلَوْ شَرَاهُ ثُمَّ شَرَاهُ بَطَلَ الْأَوَّلُ وَنَفَذَ الثَّانِي، وَلَوْ صَالَحَ ثُمَّ اشْتَرَى أَجَزْتُ الشِّرَاءَ وَأَبْطَلْتُ الصُّلْحَ.
أَقُولُ فِي الصُّلْحِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي كَمَا فِي الشِّرَاءِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الرِّقِّ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الشِّرَاءَ الثَّانِيَ فَسْخٌ لِلْأَوَّلِ اقْتِضَاءً وَالْعِتْقُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَافْتَرَقَا وَيُعْرَفُ بِهَذَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ.
(22)
قَوْلُهُ: الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ بَعْدَ دَعْوَى فَاسِدَةٍ فَاسِدٌ إلَخْ.
فِي الْبَحْرِ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ: وَالصُّلْحُ عَنْ الدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ يَصِحُّ وَعَنْ الْبَاطِلَةِ لَا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَةَ مَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا (انْتَهَى) .
مِثَالُ الدَّعْوَى الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا لَوْ ادَّعَى أَمَةً فَقَالَتْ: أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ فَصَالَحَهَا مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ بَطَلَ الصُّلْحُ إذْ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ ظُهُورِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ، وَمِثَالُ الدَّعْوَى الَّتِي يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا لَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةَ فُلَانٍ أَعْتَقَهَا عَامَ أَوَّلٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا بَعْدَ مَا ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهَا أَمَتُهُ لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَقْتَ الصُّلْحِ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا الَّذِي أَعْتَقَكَ كَانَ غَاصِبًا غَصَبَكَ مِنِّي حَتَّى لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى تُسْمَعُ.
وَمِنْ الْبَاطِلَةِ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى حَدٍّ وَعَنْ دَعْوَى أُجْرَةِ نَائِحَةٍ أَوْ مُغَنِّيَةٍ أَوْ مُصَادَرَةٍ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي التَّاسِعِ فِي دَعْوَى الصُّلْحِ: أَنَّ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِقْرَارَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى.
وَذَكَرَ فِي التَّاسِعِ أَيْضًا الْبَرَاءَةَ بَعْدَ الصُّلْحِ الْفَاسِدِ فَقَالَ: جَرَى الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَكُتِبَ الصَّكُّ وَفِيهِ إبْرَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ عَنْ دَعْوَاهُ أَوْ كُتِبَ وَأَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ الْعَيْنَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ الصُّلْحِ بِفَتْوَى الْأَئِمَّةِ
وَلَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ الْقَضَاءِ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى إنْكَارٍ جَائِزٌ بَعْدَ دَعْوَى مَجْهُولَةٍ فَلْيُحْفَظْ، 24 - وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِهَا بِسَبَبِ مُنَاقَضَةِ الْمُدَّعِي لَا لِتَرْكِ شَرْطِ الدَّعْوَى 25 - كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ، وَهُوَ تَوْفِيقٌ وَاجِبٌ.
فَيُقَالُ إلَّا فِي كَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَأَرَادَ الْمُدَّعِي الْعَوْدَ إلَى دَعْوَاهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ السَّابِقُ.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَصِحُّ الدَّعْوَى وَالْإِبْرَاءُ. (23) قَوْلُهُ: وَلَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ.
وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ تَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُدَّعِي الدَّارَ الْمُدَّعَاةَ وَيُعْطِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَارًا أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ؛ وَجَبَ فِيهِمَا الشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَلَوْ عَنْ إقْرَارٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ مِلْكُ الْمُدَّعِي وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ بَدَلَ مِلْكِهِ فَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَنْ دَارٍ عَلَى مَنَافِعَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَعْنَى مَالٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الشُّفْعَةِ بِهَا. (24) قَوْلُهُ: وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِهَا بِسَبَبِ مُنَاقَضَةِ الْمُدَّعِي إلَخْ.
قِيلَ عَلَيْهِ: لَا يَظْهَرُ لِهَذَا الْحَمْلِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِجَوَازِ الصُّلْحِ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ فَسَادُهَا بِسَبَبِ الْمُنَاقَضَةِ أَوْ لِتَرْكِ شَرْطِ الدَّعْوَى فَإِذَا صَحَّ الصُّلْحُ مَعَ فَسَادِهَا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ خَالَفَ مَا فِي الْقُنْيَةِ فَتَأَمَّلْ. (25) قَوْلُهُ: وَهُوَ تَوْفِيقٌ وَاجِبٌ إلَى آخِرِهِ.
فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ: وَمِنْ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ صِحَّةُ الدَّعْوَى أَمْ لَا؟ بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُونَ بِشَرْطٍ، لَكِنْ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى حَقًّا مَجْهُولًا فِي دَارٍ فَصُولِحَ عَلَى شَيْءٍ يُصْبِحُ الصُّلْحُ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَلَا شَكَّ أَنَّ دَعْوَى الْحَقِّ الْمَجْهُولِ دَعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ مَسَائِلُ تُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا (انْتَهَى) .
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزِّيُّ فِي كِتَابِهِ مُعِينِ الْمُفْتِي بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ: إذَا عَلِمْتَ هَذَا؛ عَلِمْتَ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّةِ الصُّلْحِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّوْفِيقِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ إنَّمَا صَحَّ الصُّلْحُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَنَدَ إلَيْهَا
صُلْحُ الْوَارِثِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ صَحِيحٌ لَا بَيْعُهُ.
27 -
وَصُلْحُ الْوَارِثِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِجَنِينِ الْأَمَةِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَبَيَانُهُ فِي حِيَلِ التَّتَارْخَانِيَّة.
طَلَبُ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّعْوَى لَا يَكُونُ إقْرَارًا، 28 - وَطَلَبُ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَالِ يَكُونُ إقْرَارًا.
ــ
[غمز عيون البصائر]
صَدْرُ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا بِتَعْيِينِ الْحَقِّ الْمَجْهُولِ وَقْتَ الصُّلْحِ عَلَى أَنَّ دَعْوَى أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ الدَّعْوَى أَوْ لَا مَمْنُوعٌ لِمَا فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ بَعْدَ كَلَامِ: وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَتْوَى أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَى فَاسِدَةٍ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا لَا يَصِحُّ وَاَلَّذِي يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا كَمَا إذَا تَرَكَ ذِكْرَ الْحَدِّ أَوْ غَلِطَ فِي أَحَدِ الْحُدُودِ يَصِحُّ (انْتَهَى) .
وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ بَعْدَ دَعْوَى فَاسِدَةٍ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا قَالَ لَا.
وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً (انْتَهَى) . وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّوْفِيقِ مِنْ عَدَمِ التَّوْفِيقِ.
(26)
قَوْلُهُ: صُلْحُ الْوَارِثِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ صَحِيحٌ لَا بَيْعُهُ.
لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنَافِعِ بَاطِلٌ وَالصُّلْحُ مَتَى تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ تَمْلِيكًا يُعْتَبَرُ إسْقَاطًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْقِصَاصِ جَائِزٌ وَإِنَّمَا يَجُوزُ إسْقَاطًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الصُّلْحُ عَنْ الْمَنَافِعِ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ مَنَافِعَ يَسْتَحِقُّهَا الْإِنْسَانُ جَائِزٌ كَمَا فِي الشُّرْبِ وَمَسِيلِ الْمَاءِ وَإِذَا جَازَ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ صَارَ كَأَنَّ الْمُوصَى لَهُ قَالَ أَسْقَطْتُ حَقِّي.
(27)
قَوْلُهُ: وَصُلْحُ الْوَارِثِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِجَنِينِ الْأَمَةِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
يَعْنِي إذَا صَالَحَ الْوَارِثُ الْمُوصَى لَهُ بِجَنِينٍ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى يَجُوزُ ذَلِكَ.
وَطَرِيقُ الْجَوَازِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ تَرَكَ حَقَّهُ فِي الْجَنِينِ بِالصُّلْحِ بِمَا سَمَّى لَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَمِلْكُ الْوَرَثَةِ الْجَنِينَ كَمِلْكِهِمْ الظَّرْفَ وَهِيَ الْأَمَةُ فَيَجُوزُ كَمَا فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَمَنِيَّةَ لَهُ وَلَا مَالِيَّةَ.
(28)
قَوْلُهُ: وَطَلَبُ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ إلَى آخِرِهِ.
هَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي بَحْثِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قِيلَ
الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ عَلَى شَيْءٍ إنَّمَا يَرْفَعُ النِّزَاعَ فِي الدُّنْيَا لَا فِي الْعُقْبَى، إلَّا إذَا قَالَ: صَالَحْتُكَ عَلَى كَذَا وَأَبْرَأْتُك عَنْ الْبَاقِي.
الصُّلْحُ إذَا كَانَ مِنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ كَانَ إجَارَةً، وَلَوْ كَانَ عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ الْمُدَّعَى بِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
أَخِّرْهَا عَنِّي أَوْ صَالِحْنِي فَإِقْرَارٌ وَلَوْ قَالَ: أَبْرِئْنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ صَالِحْنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَكَذَا فِي دَعْوَى الدَّارِ (انْتَهَى) .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: إذَا صَالَحَهُ مِنْ حَقِّهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْحَقِّ وَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ الْحَقِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْمَلَ وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَى الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا.
(29)
قَوْلُهُ: الصُّلْحُ إذَا كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ كَانَ إجَارَةً وَكَذَا إذَا وَقَعَ عَنْ مَنْفَعَةٍ بِمَالٍ أَيْ اُعْتُبِرَ بِالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ بِالْمُدَّةِ كَخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَالْمَسَافَةِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ وَحَمْلِ الطَّعَامِ فَاشْتُرِطَ بَيَانُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ إنْ عَقَدَهُ لِنَفْسِهِ وَكَذَا بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ بَطَلَ فِيمَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ الْمُدَّعِي بِقَدْرِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ.
وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ فَقُتِلَ؛ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ الْمَوْلَى بَطَلَ وَإِلَّا ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا يَخْدُمُهُ إنْشَاءً كَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ حَيْثُ يَضْمَنُ الْمَوْلَى بِالْإِتْلَافِ وَالْعِتْقِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْإِجَارَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَلِفِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَاعْتَمَدَهُ الْمَحْبُوبِيُّ وَالنَّسَفِيُّ وَكَذَا بُطْلَانُ الصُّلْحِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْعَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ أَيْضًا فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَتَقُومُ وَرَثَةُ الْمُدَّعِي مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْعَاقِدُ ثُمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إجَارَةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ فَإِنْ ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى سُكْنَاهَا شَهْرًا فَهُوَ اسْتِيفَاءُ بَعْضِ حَقِّهِ لَا إجَارَةٌ فَتَصِحُّ إجَارَتُهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَصُورَةُ الصُّلْحِ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ: رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَاعْتَرَفَ بِهِ فَصَالَحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارِهِ أَوْ رُكُوبِ دَابَّتِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً.
وَصُورَةُ الصُّلْحِ عَنْ مَنْفَعَةٍ بِمَالٍ: رَجُلٌ ادَّعَى سُكْنَى دَارٍ سَنَةً وَصِيَّةً مِنْ مَالِكِهَا فَأَقَرَّ بِهِ وَارِثُهُ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ.
إلَّا إذَا صَالَحَهُ عَلَى غَلَّتِهِ أَوْ غَلَّةِ الدَّارِ فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ كَثَمَرَةِ النَّخْلِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ
31 -
إذَا اسْتَحَقَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى 32 - إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ:
إلَّا إذَا صَالَحَهُ عَلَى غَلَّتِهِ أَوْ غَلَّةِ الدَّارِ إلَخْ.
قِيلَ عَلَيْهِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُنْيَةِ: أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ فَصَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَقَلَّ مِنْ غَلَّتِهِ جَازَ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْلِ الْمُكَمِّلِ ثَلَاثِينَ: أَوْصَى بِغَلَّةِ نَخْلِهِ فَصَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ جَازَ اسْتِحْسَانًا.
(31)
قَوْلُهُ: إذَا اسْتَحَقَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى.
يَعْنِي إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الصُّلْحِ عَلَى إنْكَارٍ هُوَ الدَّعْوَى فَإِذَا اسْتَحَقَّ الْبَدَلَ وَهُوَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ رَجَعَ بِالْمُبْدَلِ وَهُوَ الدَّعْوَى كَمَا فِي الْكَافِي؛ وَفِي الْبَحْرِ: إذَا اسْتَحَقَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ بِمِثْلِ مَا اسْتَحَقَّ وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ كَمَا إذَا ادَّعَى أَلْفًا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ وَقَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ عِنْد اسْتِحْقَاقِهَا، سَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ نَبَهْرَجَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَالدَّنَانِيرِ هَذَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنَّ الصُّلْحَ يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ رَجَعَ بِمِثْلِهَا وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ كَالْفُلُوسِ، وَهَلَاكُ بَدَلِ الصُّلْحِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَاسْتِحْقَاقِهِ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ وَإِنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارِ مَجْهُولٍ فَصَالَحَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الدَّارِ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْ الْعِوَضِ وَإِذَا ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَزِيدَ دِرْهَمًا فِي بَدَلِ الصُّلْحِ أَوْ يُلْحِقَ بِهِ ذِكْرَ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي هَذَا إذَا اسْتَحَقَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ التَّنَازُعَ فِيهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُسْتَحِقِّ وَيَرُدُّ الْبَدَلَ وَلَوْ بَعْضَهُ فَيُقَدِّرُهُ (انْتَهَى) .
وَقَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَزِيدَ دِرْهَمًا فِي بَدَلِ الصُّلْحِ أَوْ يُلْحِقَ بِهِ ذِكْرَ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي فِيهِ أَنَّهُ خِلَافٌ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ بَرَاءَتَهُ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي أَوْ يَزِيدَ دِرْهَمًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ (32) قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ إلَخْ.
أَيْ إلَّا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمَقَامِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِقِيمَتِهِ يَرْجِعُ لِلْمُصَالَحِ عَلَيْهِ فَفِي الْعِبَارَةِ تَفْكِيكٌ.
كَالْقِصَاصِ 34 - وَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ كَمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ،
35 -
الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَنَافِعِ إلَّا دَعْوَى الْإِجَارَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: كَالْقِصَاصِ.
أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى قِصَاصًا فَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ، عَلَى جَارِيَةٍ فَاسْتَوْلَدَهَا الْمُدَّعِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَأَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ وَضَمَّنَهُ الْعُقْرَ وَقِيمَةَ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَرْجِعُ إلَى دَعْوَاهُ فَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَوْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَقِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَيْضًا وَلَا يَرْجِعُ بِمَا ادَّعَاهُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ يَعْنِي لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا فَجَحَدَهَا أَوْ سَكَتَ فَصَالَحَهُ عَلَى جَارِيَةٍ وَقَبَضَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ فَأَخَذَهَا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَيَرْجِعُ بِمَا ادَّعَاهُ وَهُوَ الْأَلْفُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الصُّلْحَ ثَمَّةَ وَقَعَ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ وَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْخِيَارَ، فَكَذَا يَنْفَسِخُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَإِذَا انْفَسَخَ عَادَتْ الدَّعْوَى كَمَا كَانَتْ فَيَرْجِعُ بِمَا ادَّعَاهُ وَهُوَ الْأَلْفُ، أَمَّا الصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ سُقُوطِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَفْوٌ فَلَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ، فَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ بِاسْتِحْقَاقِ الْجَارِيَةِ بَقِيَ الصُّلْحُ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِتَسْلِيمِ الْجَارِيَةِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهَا فَتَجِبُ قِيمَتُهَا.
كَذَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْفَخْرِ الْمَارْدِينِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا أَقْرَرْتُمْ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الدَّمِ لَا يَنْتَقِضُ بِاسْتِحْقَاقِ الْجَارِيَةِ وَجَبَ أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَى دَعْوَاهُ يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إلَى الدَّعْوَى نَتِيجَةُ انْتِقَاضِ الصُّلْحِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَلَمْ يُنْتَقَضْ. (34) قَوْلُهُ: وَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ كَمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
أَقُولُ: لَمْ يَجْعَلْ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ الْعِتْقَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِثَالًا لِمَا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ بَلْ نَظِيرُ الْقِصَاصِ فِي عَدَمِ قَبُولِ النَّقْضِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِيهَا يَحْتَاجُ إلَى إمْعَانِ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ.
(35)
قَوْلُهُ: الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَنَافِعِ إلَّا دَعْوَى الْإِجَارَةِ.
أَقُولُ: فِي الْبَحْرِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ مُطْلَقًا وَالْمَنْفَعَةِ كَصُلْحِ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ الْمُؤَجِّرِ عِنْدَ إنْكَارِ الْإِجَارَةِ أَوْ مِقْدَارِ الْمُدَّةِ الْمُدَّعَى بِهَا أَوْ الْأُجْرَةِ (انْتَهَى) .
وَفِي
كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى.
37 -
لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْحَدِّ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ 38 - إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ إذَا كَانَ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ، كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
صَالَحَ الْمَحْبُوسَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا لَمْ تُقْبَلْ
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ لِابْنِ الْمَلَكِ: وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى مَالٍ وَمَنْفَعَةٍ بِمَالٍ وَمَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَالِ بِالْمَالِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لَكِنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ الْكُنَى عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ، وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ (انْتَهَى) .
وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا يُخَالِفُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَلْيُرَاجَعْ. (36) قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى شَرْحِ النَّافِعِ عِبَارَتُهُ: صُورَةُ دَعْوَى الْمَنَافِعِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتِئْجَارَ عَيْنٍ وَالْمَالِكُ يُنْكِرُ ثُمَّ تَصَالَحَا لَمْ يَجُزْ.
(37)
قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْحَدِّ إلَخْ.
فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ لِابْنِ الْمَلَكِ: لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى حَدٍّ أَيِّ حَدٍّ كَانَ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الشَّرْعِ غَالِبٌ (انْتَهَى) .
وَصَوَّرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاعْتِيَاضَ عَنْ دَعْوَى الْمَرْأَةِ نَسَبَ وَلَدِهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ لَا حَقُّهَا وَكَذَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَمَّا أَشْرَعَهُ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ مِنْ ظُلَّةٍ أَوْ كَنِيفٍ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ فَلَا يَصِحُّ انْفِرَادُ وَاحِدٍ بِالصُّلْحِ عَنْهُ لِاسْتِلْزَامِهِ الِاعْتِيَاضَ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ.
ذَكَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ وَذَكَرَ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالذَّخِيرَةِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَالَحَ صَاحِبَ الظُّلَّةِ عَلَى دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ الظُّلَّةَ جَازَ الصُّلْحُ وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ إصْلَاحُ الْمُسْلِمِينَ وَيَضَعُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِيَاضَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ الْعَامِّ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ الْكَنِيفُ أَوْ الظُّلَّةُ عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَصَالَحَهُ رَجُلٌ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مَمْلُوكٌ لِأَهْلِهَا، وَالصُّلْحُ مَعَهُ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ بِهِ حَقَّهُ فَيَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ رِضَى الْبَاقِينَ. (38) قَوْلُهُ: إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ.
اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَسْقُطُ بِهِ لَا مِنْ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ
إلَّا إذَا كَانَ فِي حَبْسِ الْوَالِي؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ حَبْسُهُ ظُلْمًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
الصُّلْحُ يَقْبَلُ الْإِقَالَةَ وَالنَّقْضَ إلَّا إذَا صَالَحَ عَنْ الْعَشَرَةِ عَلَى خَمْسَةٍ. 40 - كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.
41 -
ادَّعَى فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَهُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَطَلَ الصُّلْحُ 42 - كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ الْعَاشِرِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
الصُّلْحُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَنَصُّهَا: رَجُلٌ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً فَأَرَادَ الْمَقْذُوفُ حَدَّ الْقَاذِفِ فَصَالَحَهُ الْقَاذِفُ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ عَلَى أَنْ يَعْفُوَهُ عَنْهُ فَفَعَلَ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ؛ وَهَلْ يَسْقُطُ الْحَدُّ؟ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي بَطَلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي لَا يَبْطُلُ الْحَدُّ (انْتَهَى) .
وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: وَحْدُ السَّرِقَةِ لَا يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةٍ وَيَصِحُّ عَنْهُ الصُّلْحُ (انْتَهَى) .
فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ.
(39)
قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ فِي حَبْسِ الْوَالِي: أَقُولُ: قَالَ فِي الْمُحِيطِ: أَوْ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ.
(40)
قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.
عِبَارَتُهَا: صَالَحَ عَنْ الْعَشَرَةِ بِالْخَمْسَةِ ثُمَّ نَقَضَا الصُّلْحَ لَا يَنْتَقِضُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ بِجِنْسِ حَقِّهِ إسْقَاطٌ، وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ.
قَالَ أُسْتَاذُنَا: وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَالصَّوَابُ أَنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْمُعَارَضَةِ يَنْتَقِضُ بِنَقْضِهِمَا وَجَوَابُ الْبَاقِينَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ وَإِسْقَاطِ الْبَعْضِ لَا يَنْتَقِضُ بِنَقْضِهِمَا (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يَتَّضِحُ لَكَ مَا فِي نَقْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْخَلَلِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ لَمْ يَجْزِمْ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ فَصَّلَ الْكَلَامَ وَذَكَرَ أَنَّ التَّفْصِيلَ هُوَ الصَّوَابُ فَتَنَبَّهْ.
(41)
قَوْلُهُ: ادَّعَى فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ.
قِيلَ عَلَيْهِ: هَذَا نَقِيضُ مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّفْحَةِ الْمُقَابِلَةِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ إنْ كَانَ بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ. (42) قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا فِي الْعِمَادِيَّةِ بَعْدَ التَّفَحُّصِ الْبَالِغِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْعَاشِرِ وَلَيْسَ فِيهِ لَفْظُ " فَأَنْكَرَ "(انْتَهَى) .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ