الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحْكَامُ الْجَانِّ
1 - قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا، وَقَدْ أَلَّفَ فِيهَا مِنْ أَصْحَابِنَا الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ الشِّبْلِيُّ
2 -
فِي كِتَابِهِ آكَامِ الْمَرْجَانِ فِي أَحْكَامِ الْجَانِّ " لَكِنِّي لَمْ أَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْآنَ، وَمَا نَقَلْته عَنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ نَقْلِ الْأُسْيُوطِيِّ رحمه الله.
3 -
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ: مُؤْمِنُهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَكَافِرُهُمْ فِي النَّارِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
[أَحْكَامُ الْجَانِّ]
قَوْلُهُ: الْجَانُّ أَجْسَامٌ نَارِيَّةٌ تَقْدِرُ عَلَى التَّشَكُّلِ فِي الصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ فَإِنْ قُلْت: الْجِنُّ نَارٌ وَالشُّهُبُ تَحْرِقُهُمْ فَكَيْفَ تَحْرِقُ النَّارُ النَّارَ قُلْت إنَّ أَصْلَ خِلْقَتِهِمْ مِنْ النَّارِ كَالْإِنْسَانِ أَصْلُ خِلْقَتِهِ مِنْ الطِّينِ، وَلَيْسَ طِينًا حَقِيقَةً لَكِنَّهُ كَانَ طِينًا وَكَذَلِكَ الْجِنُّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الشِّهَابِ هَلْ يَنْفَصِلُ عَنْ مَحَلِّهِ ثُمَّ يَعُودُ أَوْ الَّذِي يَنْفَصِلُ مِنْ الشُّعْلَةِ قَوْلَانِ نَقَلَهُمَا ابْنُ حَجَرٍ.
(2)
قَوْلُهُ: فِي كِتَابِ آكَامِ الْمَرْجَانِ فِي أَحْكَامِ الْجَانِّ. كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ لَفْظِ فِي، وَالْآكَامُ جَمْعُ أَكَمَ كَجَبَلِ وَجِبَالِ وَأَكَمُ جَمْعُ أَكَمَةِ وَهُوَ مِمَّا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ، وَالْأَكَمَةُ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ شَبَّهَ كِتَابَهُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ نَفَائِسِ الْمَسَائِلِ بِجِبَالِ الْمَرْجَانِ الصَّغِيرَةِ، وَأَطْلَقَ اسْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ عَلَى الْمُشَبَّهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ.
(3)
قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ إلَخْ. أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ تَكْلِيفَهُمْ وَدُخُولَهُمْ الْجَنَّةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهِمْ قِيلَ: لَا ثَوَابَ لَهُمْ إلَّا النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ كُونُوا تُرَابًا كَالْبَهَائِمِ ثُمَّ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي اللَّيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْإِمَامِ رضي الله عنه رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَا ثَوَابَ لَهُمْ خِلَافًا لَهُمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ، الثَّانِيَةُ
4 -
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي ثَوَابِ الطَّائِعِينَ. فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مُعَزِّيًا إلَى الْأَجْنَاسِ عَنْ الْإِمَامِ: لَيْسَ لِلْجِنِّ ثَوَابٌ، وَفِي التَّفَاسِيرِ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي ثَوَابِ الْجِنِّ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فِيهِمْ:{يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف: 31] وَالْمَغْفِرَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْإِثَابَةَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
التَّوَقُّفُ. قَالَ الْكَرْدَرِيُّ: وَهُوَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَمَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُمْ يُثَابُونَ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُعَاقَبُونَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي إِسْحَاقَ الصَّفَّارِ أَنَّ كُفَّارِ الْجِنِّ مَعَ كُفَّارِ الْإِنْسِ يَكُونُونَ فِي النَّارِ أَبَدًا، وَأَمَّا مُؤْمِنُو الْجِنِّ فَقَالَ الْإِمَامُ لَا يَكُونُونَ فِي الْجَنَّةِ وَلَا فِي النَّارِ وَلَكِنْ فِي مَعْلُومِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَكُونُونَ فِي الْجَنَّةِ (انْتَهَى) .
(4)
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي ثَوَابِ الطَّائِعِينَ.
إنْ قِيلَ: الْجَزْمُ بِدُخُولِهِمْ الْجَنَّةَ أَعْظَمُ ثَوَابًا أَمْكَنَ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَوَابٌ زَائِدٌ عَلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ مُؤْمِنَهُمْ يَكُونُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ثَوَابَهُمْ لَيْسَ كَثَوَابِ بَنِي آدَمَ قَالَ فِي الْيَوَاقِيتِ: ثُمَّ فِي الْجَنَّةِ يُنَكَّسُ الْأَمْرُ وَنَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنَنَا، وَالْخَوَاصُّ مِنْهُمْ كَمَا يَرَاهُمْ الْخَوَاصُّ مِنَّا فِي الدُّنْيَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَكُونُونَ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ، وَقِيلَ: هُمْ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ فَصَارَتْ الْأَقْوَالُ سِتَّةً وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا، فَفِي كَلَامِهِ تَدَافُعٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَقْوَالًا مِنْهَا أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَيُقَالُ لَهُمْ: كُونُوا تُرَابًا، وَفِي شَرْحٍ يَقُولُ الْعَبْدُ لِلشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزِّيِّ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْجِنُّ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ مُكَلَّفُونَ مُخَاطَبُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الأنعام: 130] الْآيَةَ وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَشْوِيَّةِ أَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ إلَى أَفْعَالِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُكَلَّفِينَ وَاعْلَمْ أَنَّ مُؤْمِنَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَكَافِرَهُمْ فِي النَّارِ وَالْمُخَاطَبُونَ أَصْنَافٌ: بَنِي آدَمَ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ فِي الْجَنَّةِ لَا يَرَوْنَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ
5 -
لِأَنَّهُ سَتْرٌ، وَمِنْهُ الْمِغْفَرُ لِلْبَيْضَةِ، وَالْإِثَابَةُ بِالْوَعْدِ فَضْلٌ. قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: أُوعِدَ ظَالِمُهُمْ فَيَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ، وَيَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ صَالِحُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15] . قُلْنَا: الثَّوَابُ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِالِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى:{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] بَعْدَ عَدِّ نَعِيمِ الْجَنَّةِ خِطَابًا لِلثَّقَلَيْنِ يَرُدُّ مَا ذَكَرْتُ.
6 -
قُلْنَا: ذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوَقُّفِ: التَّوَقُّفُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلَاذِّ، لَا الدُّخُولُ فِيهِ كَدُخُولِ الْمَلَائِكَةِ لِلسَّلَامِ وَالزِّيَارَةِ وَالْخِدْمَةِ:{وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ - سَلامٌ} [الرعد: 23 - 24] الْآيَةَ (انْتَهَى) . فَمِنْهَا النِّكَاحُ
قَالَ فِي السِّرَاجِيَّةِ:
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَتَعَالَى كَمَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى سِوَى جَبْرَائِيلَ عليه السلام فَإِنَّهُ يَرَى رَبَّهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالشَّيَاطِينُ خُلِقُوا لِلشَّرِّ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَدْ أَسْلَمَ لَمَّا لَقِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ هَامَةُ بْنُ هِيمِ بْنِ لَاقِيسَ بْنِ إبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَّمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُورَةَ الْوَاقِعَةِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَعَمَّ وَكُوِّرَتْ وَالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصَ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ فَهُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ بَيْنِهِمْ.
(5)
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ سَتَرَ ذِكْرَ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى الْمَغْفِرَةِ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ أَوْ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ مَصْدَرٌ مَخْتُومٌ بِالتَّاءِ وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ تَذْكِيرُهُ.
(6)
قَوْلُهُ: قُلْنَا ذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ. يُتَأَمَّلُ فِيهِ وَفِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ لَا الدُّخُولُ فِيهِ
لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ بَنِي آدَمَ وَالْجِنِّ وَإِنْسَانِ الْمَاءِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ (انْتَهَى) . وَتَبِعَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَالْفَيْضِ، وَفِي الْقُنْيَةِ: سُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رضي الله عنه عَنْ التَّزْوِيجِ بِجِنِّيَّةٍ فَقَالَ: يَجُوزُ بِلَا شُهُودٍ، ثُمَّ رَقَّمَ آخَرُ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ، ثُمَّ رَقَّمَ آخَرُ: يُصْفَعُ السَّائِلُ لِحَمَاقَتِهِ (انْتَهَى) . وَفِي يَتِيمَةِ الدَّهْرِ فِي فَتَاوَى أَهْلِ الْعَصْرِ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ التَّزْوِيجِ بِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ مِنْ الْجِنِّ؛ هَلْ يَجُوزُ إذَا تُصُوِّرَ ذَلِكَ أَمْ يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِالْآدَمِيِّينَ؟ فَقَالَ: يُصْفَعُ هَذَا السَّائِلُ لِحَمَاقَتِهِ وَجَهْلِهِ. قُلْت: وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى حَمَاقَةِ السَّائِلِ وَكَانَ لَا يُتَصَوَّرُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا اللَّيْثِ رحمه الله ذَكَرَ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ الْكُفَّارَ لَوْ تَتَرَّسُوا بِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، هَلْ يُرْمَى؟ فَقَالَ يُسْأَلُ ذَلِكَ النَّبِيُّ،
8 -
وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ رَسُولِنَا صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ أَجَابَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصَوُّرِ كَذَا هَذَا. وَسُئِلَ عَنْهَا أَبُو حَامِدٍ رحمه الله فَقَالَ لَا يَجُوزُ (انْتَهَى)
9 -
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْجِنِّيَّاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] أَيْ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ بَنِي آدَمَ وَالْجِنِّ قِيلَ وَهَلْ يَجُوزُ بِشَهَادَةِ الْجِنِّ.
(8)
قَوْلُهُ: وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ رَسُولنَا. قِيلَ: عَدَمُ التَّصَوُّرِ مَمْنُوعٌ فَقَدْ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ عَقْلًا بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى عليه الصلاة والسلام
(9)
قَوْلُهُ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْجِنِّيَّاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لَمْ يَتَعَقَّبْ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ وَلِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ
مِنْ جِنْسِكُمْ وَنَوْعِكُمْ وَعَلَى خَلْقِكُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] أَيْ مِنْ الْآدَمِيِّينَ (انْتَهَى) . وَبَعْضُهُمْ اسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقَطِيعِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ» ، 10 - وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَقَدْ اُعْتُضِدَ بِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، فَرُوِيَ الْمَنْعُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَاكِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَعُقْبَةَ بْنِ الْأَصَمِّ رضي الله عنهم. فَإِذَا تَقَرَّرَ الْمَنْعُ مِنْ نِكَاحِ الْإِنْسِيِّ الْجِنِّيَّةَ؛
ــ
[غمز عيون البصائر]
يَرْجِعُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا فَيَحْتَاجُ الْقَائِلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْإِنْسِيِّ الْجِنِّيَّاتِ إلَى دَلِيلٍ وَاضِحٍ يَصْلُحُ حُجَّةً لِمَا ادَّعَاهُ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْإِنْسِيِّ الْجِنِّيَّاتِ قَرِينَةٌ وَهُوَ أَنْ نَقُولَ: الْأَصْلُ فِي الْفُرُوجِ الْحُرْمَةُ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَذِنَ فِي نِكَاحِ الْإِنَاثِ مِنْ بَنِي آدَمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] الْآيَةَ، وَالنِّسَاءُ اسْمٌ لِلْإِنَاثِ مِنْ بَنِي آدَمَ كَمَا فِي آكَامِ الْمَرْجَانِ فَبَقِيَ الْإِنَاثُ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ عَلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ (انْتَهَى) . أَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ بِالْآيَةِ شَافِعِيٌّ لَا حَنَفِيٌّ وَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ الِاعْتِرَاضُ.
(10)
قَوْلُهُ: وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا إلَخْ. يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ بَيْنَهُمَا لِتَأْكِيدِ اللُّصُوقِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ قَوْلَهُ فَقَدْ تَخَلَّى وَالْفَاءُ زَائِدَةٌ فِي الْخَبَرِ عَلَى مَا يَرَاهُ الْأَخْفَشُ وَالشَّرْطُ عَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَزَاءِ، هَذَا وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا لَكِنْ فِي سَنَدِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّلَهُ بِهِ لَا بِالْإِرْسَالِ.
11 -
فَالْمَنْعُ مِنْ نِكَاحِ الْجِنِّيِّ الْإِنْسِيَّةَ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ: لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ، وَهُوَ شَامِلٌ لَهُمَا،
12 -
لَكِنْ رَوَى أَبُو عُثْمَانَ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الْإِلْهَامِ وَالْوَسْوَسَةِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُقَاتِلٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ دَاوُد الزَّبِيدِيِّ قَالَ: كَتَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ إلَى مَالِكٍ يَسْأَلُونَهُ عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ وَقَالُوا: إنَّ هُنَا رَجُلًا مِنْ الْجِنِّ يَخْطُبُ إلَيْنَا جَارِيَةً يَزْعُمُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْحَلَالَ. فَقَالَ: مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا فِي الدِّينِ،
13 -
وَلَكِنْ أَكْرَهُ إذَا وَجَدَ امْرَأَةً حَامِلًا قِيلَ لَهَا مَنْ زَوْجُكِ قَالَتْ مِنْ
ــ
[غمز عيون البصائر]
(11) قَوْلُهُ: فَالْمَنْعُ مِنْ نِكَاحِ الْجِنِّيِّ الْإِنْسِيَّةَ مِنْ بَابِ أَوْلَى. أَقُولُ هَذَا صَرِيحٌ فِي جَعْلِ الْمَصْدَرِ فِي قَوْلِ الزُّهْرِيِّ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ» مُضَافًا إلَى مَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْإِنْسِيِّ الْجِنِّيَّ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى فَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَكَانَ مُرَادُهُ أَنَّ الْمَنْعَ عَنْ نِكَاحِ الْإِنْسِ الْجِنِّيَّةَ ثَبَتَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ، وَالْمَنْعُ عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّيِّ الْإِنْسِيَّةَ ثَبَتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَلَا يَتِمُّ هَذَا مَعَ احْتِمَالِ النَّصِّ لَهُمَا كَيْفَ وَإِضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ حَقِيقَةٌ وَإِضَافَتُهُ إلَى مَفْعُولِهِ مَجَازٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ السَّمِينُ عَلَى أَنَّ فِي دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ نَظَرًا بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَنْعِ فَإِنَّ عِلَّتَهُ عَدَمُ الْجِنْسِيَّةِ وَعِبَارَةُ السِّرَاجِيَّةِ صَرِيحَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ لَا عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا ادَّعَاهُ فَتَأَمَّلْ.
(12)
قَوْلُهُ: لَكِنْ رَوَى أَبُو عُثْمَانَ إلَخْ. اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ نِكَاحِ الْجِنِّيِّ الْإِنْسِيَّةَ.
(13)
قَوْلُهُ: وَلَكِنْ أَكْرَهُ إذَا وَجَدَ امْرَأَةً إلَخْ. أَقُولُ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ أَكْرَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا وَجَدَ امْرَأَةً إلَخْ فَإِذَا هُنَا لِلتَّعْلِيلِ لَا لِلتَّعْلِيقِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْفُرُوقِ وَضَابِطُهُ أَمْرَانِ: الْمُنَاسَبَةُ وَعَدَمُ انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى:{وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172] وَالشُّكْرُ وَاجِبٌ مَعَ
الْجِنِّ فَيَكْثُرُ الْفَسَادُ فِي الْإِسْلَامِ بِذَلِكَ (انْتَهَى)
وَمِنْهَا لَوْ وَطِئَ الْجِنِّيُّ إنْسِيَّةً فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ؟ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ: مَعِي جِنِّيٌّ 14 - يَأْتِينِي فِي النَّوْمِ مِرَارًا وَأَجِدُ فِي نَفْسِي مَا أَجِدُ لَوْ جَامَعَنِي زَوْجِي. لَا غُسْلَ عَلَيْهَا (انْتَهَى) . وَقَيَّدَهُ الْكَمَالُ بِمَا إذَا لَمْ تُنْزِلْ؛ أَمَّا إذَا أَنْزَلَتْ وَجَبَ كَأَنَّهُ احْتِلَامٌ
15 -
وَمِنْهَا انْعِقَادُ الْجَمَاعَةِ بِالْجِنِّ، ذَكَرَهُ الْأُسْيُوطِيُّ عَنْ صَاحِبِ آكَامِ الْمَرْجَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي قِصَّةِ الْجِنِّ وَفِيهِ: فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي أَدْرَكَهُ شَخْصَانِ مِنْهُمْ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُحِبُّ أَنْ تَؤُمَّنَا فِي صَلَاتِنَا قَالَ: فَصَفَّهُمَا خَلْفَهُ ثُمَّ صَلَّى بِهِمَا ثُمَّ انْصَرَفَ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِالْمَلَائِكَةِ، وَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ؛ لَوْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مُنْفَرِدًا ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ لَمْ يَحْنَثْ. وَمِنْهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْجِنِّيِّ ذَكَرَهُ فِي آكَامِ الْمَرْجَانِ. وَمِنْهَا إذَا مَرَّ
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْعِبَادَةِ وَعَدَمِهَا، وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّكُمْ مَوْصُوفُونَ بِصِفَةٍ تَحُثُّ عَلَى الشُّكْرِ وَتَبْعَثُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعِبَادَةُ وَالتَّذَلُّلُ فَافْعَلُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُتَيَسِّرٌ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عِنْدَكُمْ (انْتَهَى) . فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ قَلَّمَا يُبَاعُ لِكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ
(14)
قَوْلُهُ: يَأْتِينِي فِي النَّوْمِ. أَقُولُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ يَأْتِينِي فِي الْيَقَظَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ بِالْإِيلَاجِ وَإِنْ لَمْ تُنْزِلْ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا فِي الْيَقَظَةِ إلَّا فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَلْيُحَرَّرْ
(15)
قَوْلُهُ: وَمِنْهَا انْعِقَادُ الْجَمَاعَةِ بِالْجِنِّ. قِيلَ وَهَلْ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْإِنْسِيِّ بِالْجِنِّيِّ (انْتَهَى) . أَقُولُ هَذَا بِعَيْنِهِ مَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَمِنْهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ خَلْفَ جِنِّيٍّ
الْجِنِّيُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي يُقَاتَلُ كَمَا يُقَاتَلُ الْإِنْسِيُّ
16 -
وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْجِنِّيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْإِنْسِيِّ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْجَانِّ لِقَوْلِهِ عليه السلام «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ، وَإِيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَاهَدَ الْجِنَّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَلَا يُظْهِرُوا أَنْفُسَهُمْ، فَإِذَا خَالَفُوا فَقَدْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ فَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ. وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ وَالْإِعْذَارُ فَيُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَبَتْ قَتَلَهَا، وَالْإِنْذَارُ إنَّمَا يَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ (انْتَهَى) . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - رَأَتْ فِي بَيْتِهَا حَيَّةً فَأَمَرَتْ بِقَتْلِهَا فَقُتِلَتْ فَأَتَيْت فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَقِيلَ لَهَا إنَّهَا مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَتْ إلَى الْيَمَنِ فَابْتِيعَ لَهَا أَرْبَعُونَ رَأْسًا فَأَعْتَقَتْهُمْ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَفِيهِ: فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَفُرِّقَتْ عَلَى الْمَسَاكِينِ
17 -
وَمِنْهَا قَبُولُ رِوَايَةِ الْجِنِّيِّ ذَكَرَهُ صَاحِبُ آكَامِ الْمَرْجَانِ، وَذَكَرَ الْأُسْيُوطِيُّ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي جَوَازِ رِوَايَتِهِمْ عَنْ الْإِنْسِ مَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْجِنِّيِّ إلَى آخِرِهِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَضِيَّةُ هَذَا أَنْ يُقْتَلَ الْقَاتِلُ إذَا كَانَ الْجِنِّيُّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَقُولُ عِنْدِي تَوَقُّفٌ فِي كَوْنِ الْجِنِّيِّ يَكُونُ ذِمِّيًّا
(17)
قَوْلُهُ: وَمِنْهَا قَبُولُ رِوَايَةِ الْجِنِّ. يَعْنِي لِجِنِّيٍّ مِثْلِهِ لِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ مَنْعِ رِوَايَةِ الْإِنْسِيِّ عَنْ الْجِنِّيِّ.
سَمِعُوهُ؛ سَوَاءٌ عَلِمَ الْإِنْسِيُّ بِهِمْ أَوْ لَا، وَإِذَا أَجَازَ الشَّيْخُ مَنْ حَضَرَ دَخَلَ الْجِنُّ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِنْسِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الْإِنْسِ عَنْهُمْ فَالظَّاهِرُ مَنْعُهَا لِعَدَمِ حُصُولِ الثِّقَةِ بَعْدَ التُّهَمِ. وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِزَادِ الْجِنِّ وَهُوَ الْعَظْمُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ. وَمِنْهَا أَنَّ ذَبِيحَتَهُ لَا تَحِلُّ. قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ:«وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ» (انْتَهَى) .
18 -
وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْكُرْدِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ فِي فَضْلِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْجَانِّ وَأَوْلَادِ الشَّيْطَانِ وَبَيَانِ الْغُولِ وَالْكَلَامِ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ وَأَكْلِهِمْ
فَوَائِدُ: الْأُولَى: الْجُمْهُورُ؛ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجِنِّ نَبِيٌّ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] .
ــ
[غمز عيون البصائر]
(18) قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْكُرْدِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ إلَخْ. أَقُولُ ذَكَرَ فِيهَا أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْجِنِّيَّ الْمُطِيعَ يَنَالُ الْجَنَّةَ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّ بَعْضَ الْمُعْتَزِلَةِ زَعَمَ أَنَّ الْجِنَّ لَا تَأْكُلُ وَلَا تَشْرَبُ وَلَا يَطَأُ وَلَا يَتَوَالَدُ وَهَذَا بَاطِلٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَدْ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ أَنَّ «الرَّجُلَ إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُسَمِّ انْطَوَى الْجَانُّ عَلَى إحْلِيلِهِ وَجَامَعَ مَعَهُ» . وَجَاءَ فِي الْقَصَصِ أَنَّ بِلْقِيسَ مِنْ بَنَاتِ الْجِنِّ وَأَنَّ أَبَاهَا السَّرْحَ ابْنَ الْهَدَاهِدَ تَزَوَّجَ بِرَيْحَانَةَ بِنْتِ السَّكَنِ وَكَانَتْ بِنْتَ الْجِنِّ وَفِيهَا أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ وَالْفَلَاسِفَةَ أَنْكَرُوا وُجُودَ الْغُولِ، وَأَهْلُ الْحَقِّ قَالُوا بِوُجُودِهِ وَإِنَّهُ مَارِدُ الْجِنِّ يُضِلُّ ابْنَ آدَمَ وَقَوْلُهُ عليه السلام كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَا غُولَ» أَيْ لَا حُكْمَ لِلْغُولِ فِي الْإِضْلَالِ وَالْإِغْوَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام مَا بُعِثَ لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ وَنَفْيِهَا بَلْ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ
فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى أَنَّهُمْ رُسُلٌ عَنْ الرُّسُلِ سَمِعُوا كَلَامَهُمْ فَأَنْذَرُوا قَوْمَهُمْ، لَا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَذَهَبَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ حَزْمٍ
20 -
عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ نَبِيٌّ تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً»
21 -
قَالَ: وَلَيْسَ الْجِنُّ مِنْ قَوْمِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ أُنْذِرُوا فَصَحَّ أَنَّهُ جَاءَهُمْ أَنْبِيَاءٌ مِنْهُمْ. الثَّانِيَةُ
22 -
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِ الْأَحْقَافِ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَتَأَوَّلُوهُ إلَخْ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
(مِنْكُمْ) أَيْ مِنْ مَجْمُوعِكُمْ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا (انْتَهَى) .
(20)
قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ نَبِيٌّ. كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالصَّوَابُ إلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ نَبِيٌّ.
(21)
قَوْلُهُ: قَالَ وَلَيْسَ الْجِنُّ إلَخْ كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالصَّوَابُ قَالَا أَيْ الضَّحَّاكُ وَابْنُ حَزْمٍ.
(22)
قَوْلُهُ: قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ وَفِيهِ دَلِيلٌ إلَخْ. أَقُولُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ ضَمِيرٌ فِيهِ وَعِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: 29] اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ النَّفَرِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانُوا سَبْعَةً مِنْ جِنِّ نَصِيبِينَ فَجَعَلَهُمْ رُسُلًا إلَى قَوْمِهِمْ ثُمَّ قَالَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31]
23 -
كَانَ مَبْعُوثًا إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ جَمِيعًا، قَالَ مُقَاتِلٌ رحمه الله: لَمْ يُبْعَثْ قَبْلَهُ نَبِيٌّ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ مُؤْمِنِي الْجِنِّ. فَقَالَ قَوْمٌ: 24 - لَا ثَوَابَ لَهُمْ إلَّا النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله. وَعَنْ اللَّيْثِ: ثَوَابُهُمْ أَنْ يُجَارُوا مِنْ النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ كُونُوا تُرَابًا كَالْبَهَائِمِ. وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ كَذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ. يُثَابُونَ كَمَا يُعَاقَبُونَ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَعَنْ الضَّحَّاكِ أَنَّهُمْ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالذِّكْرَ فَيُصِيبُونَ مِنْ لَذَّتِهِ مَا يُصِيبُهُ بَنُو آدَمَ. مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ حَوْلَ الْجَنَّةِ فِي رَبَضِهَا وَلَيْسُوا فِيهَا (انْتَهَى) . الثَّالِثَةُ: ذَهَبَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ إنَّ الْجِنَّ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ نَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنَا عَكْسَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا
الرَّابِعَةُ:
ــ
[غمز عيون البصائر]
دَاعِيَ اللَّهِ يَعْنِي مُحَمَّدًا؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فَاسْتَجَابَ لَهُ مِنْ قَوْمِهِمْ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ الْجِنِّ فَرَجَعُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَافَقُوهُ بِالْبَطْحَاءِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ وَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ وَفِيهِ أَنَّ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ لَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَبْعُوثًا إلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ جَمِيعًا انْتَهَى وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ كَمَا بَيَّنَّاهُ.
(23)
قَوْلُهُ: كَانَ مَبْعُوثًا إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ جَمِيعًا. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَعْثِهِ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ أَقُولُ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ أَنَّهُ مَبْعُوثٌ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا
(24)
قَوْلُهُ: لَا ثَوَابَ لَهُمْ إلَّا النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ. أَقُولُ اسْتِثْنَاءُ النَّجَاةِ مِنْ النَّارِ يُفِيدُ أَنَّ لَهُمْ ثَوَابًا وَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تَوَقَّفَ فِي ثَوَابِهِمْ
صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ فِي الْجَنَّةِ لَا يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] وَقَدْ اسْتَثْنَى مِنْهُ مُؤْمِنِي الْبَشَرِ فَبَقِيَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْمَلَائِكَةِ. قَالَ فِي آكَامِ الْمَرْجَانِ: وَمُقْتَضَى هَذَا
26 -
أَنَّ الْجِنَّ لَا يَرَوْهُ لِأَنَّ الْآيَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْعُمُومِ فِيهِمْ أَيْضًا (انْتَهَى) . وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الْأُسْيُوطِيُّ رحمه الله، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ بِالْآيَةِ نَظَرٌ،
27 -
لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلًا فَلَا اسْتِثْنَاءَ قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: لَا تُدْرِكُهُ أَيْ لَا تُحِيطُ بِهِ. وَاسْتَدَلَّتْ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ فِي الْجَنَّةِ لَا يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى. وَفِي فَتَاوَى أَبِي إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمَ بْنِ الصِّغَارَ مَا نَصُّهُ: اعْتِمَادُ وَالِدَيْ الشَّهِيدِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى سِوَى جَبْرَائِيلَ عليه السلام فَإِنَّهُ يَرَى مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَرَى بَعْدَهَا (انْتَهَى) . قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمُ بْنُ قُطْلُوبُغَا وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ: الرُّؤْيَةُ جَائِزَةٌ عَقْلًا فَانْتِفَاءُ وُقُوعِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالسَّمْعِ وَكَذَا مَا قَالَهُ فِي أَمْرِ جَبْرَائِيلَ عليه السلام وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (انْتَهَى) . وَفِي تُحْفَةِ الْجُلَسَاءِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ: الْأَقْوَى أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ فَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ إمَامُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ فِي أُصُولِ الدِّيَانَةِ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ (انْتَهَى) . وَهَلْ مُؤْمِنُو الْبَشَرِ مِنْ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: فِيهِ احْتِمَالَانِ وَالْأَظْهَرُ مُسَاوَاتُهُمْ نَقَلَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ.
(26)
قَوْلُهُ: إنَّ الْجِنَّ لَا يَرَوْهُ. كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالصَّوَابُ لَا يَرَوْنَهُ بِإِثْبَاتِ النُّونِ.
(27)
قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ إلَخْ. قِيلَ عَلَيْهِ فِيهِ أَنَّ حَمْلَ " الْ " فِي الْأَبْصَارِ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَيْهِ إذْ الْمُتَبَادَرُ الِاسْتِغْرَاقُ الْحَقِيقِيُّ الشَّامِلُ
الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى امْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ إذْ لَيْسَ الْإِدْرَاكُ بِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ؛ وَلَا النَّفْيُ فِي الْآيَةِ عَامًّا فِي الْأَوْقَاتِ؛ فَلَعَلَّهُ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ الْحَالَاتِ، وَلَا فِي الْأَشْخَاصِ
28 -
فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا: كُلُّ بَصَرٍ لَا يُدْرِكُهُ
29 -
مَعَ أَنَّ النَّفْيَ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ (انْتَهَى)
ــ
[غمز عيون البصائر]
لِإِبْصَارِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مَبْنِيُّ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ تَعُمُّ حَمْلَ الْإِدْرَاكِ عَلَى الْإِحَاطَةِ الَّتِي نَفْيُهَا لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ أَصْلِ الرُّؤْيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَتِهِمْ إذْ نَفْيُ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ (انْتَهَى) . وَقِيلَ عَلَيْهِ أَيْضًا: إنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يُنَاسِبُ النَّظَرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ نَفْيُ الْعَامِّ وَاسْتُثْنِيَ مُؤْمِنُو الْبَشَرِ فَبَقِيَ عَلَى عُمُومِهِ فِي غَيْرِهِمْ وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ تَأْوِيلٌ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ
(28)
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا كُلُّ بَصَرٍ يُدْرِكُهُ. يُرِيدُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهِ النَّفْيُ هِيَ مَا ذَكَرَهُ فَيَصِيرُ الْحَاصِلُ بَعْدَ دُخُولِ النَّفْيِ لَيْسَ كُلُّ بَصَرٍ يُدْرِكُهُ وَهُوَ مِنْ سَلْبِ الْعُمُومِ لَا مِنْ عُمُومِ السَّلْبِ.
(29)
قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ النَّفْيَ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ. يَعْنِي مَدْلُولُ النَّفْيِ عَدَمُ الْوُقُوعِ لَا عَدَمُ الْجَوَازِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ غَيْرِ وَاقِعٍ يَجُوزُ وُقُوعُهُ