المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 10] - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 10]

النَّفْسُ مِنْ أَوْبَةٍ إِلَى الْحَقِّ جَعَلَ مُعَامَلَتَهُمْ لَهَا فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ نُصْحِهَا وَإِعْرَاضِهَا عَنْهُمْ فِي قِلَّةِ تَجْدِيدِ النُّصْحِ لَهُمْ وَتَرْكِهِمْ فِي غَيِّهِمْ كَالْمُخَادَعَةِ مِنْ هَذَيْنِ الْجَانِبَيْنِ.

وَاعْلَمْ أَن قَوْله: وَمَا يخادعون إِلَّا أنفسهم أَجْمَعَتِ الْقِرَاءَاتُ الْعَشْرُ عَلَى قِرَاءَتِهِ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْخَاءِ بَعْدَهَا أَلِفٌ. وَالنَّفْسُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الذَّاتُ وَالْقُوَّةُ الْبَاطِنِيَّةُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالرُّوحِ وَخَاطِرِ الْعَقْلِ.

وَقَوْلُهُ: وَما يَشْعُرُونَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمَا يُخَادِعُونَ وَالشُّعُورُ يُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْأَشْيَاءِ الْخَفِيَّةِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الشَّاعِرُ شَاعِرًا لِعِلْمِهِ بِالْمَعَانِي الَّتِي لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا كُلُّ

أَحَدٍ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَزْنِ وَالتَّقْفِيَةِ بِسُهُولَةٍ، وَلَا يُحْسِنُ لِذَلِكَ كُلُّ أَحَدٍ، وَقَوْلُهُمْ لَيْتَ شِعْرِي فِي التَّحَيُّرِ فِي عِلْمِ أَمْرٍ خَفِيٍّ، وَلَوْلَا الْخَفَاءُ لَمَا تَمَنَّى عِلْمَهُ بَلْ لَعَلِمَهُ بِلَا تَمَنٍّ، فَقَوْلُهُمْ هُوَ لَا يُشْعِرُ وَصْفٌ بِعَدَمِ الْفِطْنَةِ لَا بِعَدَمِ الْإِحْسَاسِ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الذَّمِّ لِأَنَّ الذَّمَّ بِالْوَصْفِ الْمُمْكِنِ الْحُصُولِ أَنْكَى مِنَ الذَّمِّ بِمَا يَتَحَقَّقُ عَدمه فَإِن إحساسهم أَمْرٌ مَعْلُومٌ لَهُمْ وَلِلنَّاسِ فَلَا يَغِيضُهُمْ أَنْ يُوصَفُوا بِعَدَمِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَغِيضُهُمْ أَنْ يُوصَفُوا بِالْبَلَادَةِ. عَلَى أَنَّ خَفَاءَ مُخَادَعَتِهِمْ أَنْفُسَهُمْ مِمَّا لَا يُمْتَرَى فِيهِ وَاخْتِيرَ مِثْلُهُ فِي نَظِيرِهِ فِي الْخَفَاءِ وَهُوَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ [الْبَقَرَة: 12] لِأَنَّ كِلَيْهِمَا أُثْبِتَ فِيهِ مَا هُوَ الْمَآلُ وَالْغَايَةُ وَهِيَ مِمَّا يَخْفَى وَاخْتِيرَ فِي قَوْلِهِ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لَا يَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة: 13] نَفْيُ الْعِلْمِ دُونَ نَفْيِ الشُّعُورِ لِأَنَّ السَّفَهَ قَدْ يَبْدُو لِصَاحِبِهِ بِأَقَلِّ الْتِفَاتَةٍ إِلَى أَحْوَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ لِأَنَّ السَّفَهَ أَقْرَبُ لِادِّعَاءِ الظُّهُورِ مِنْ مُخَادَعَةِ النَّفْسِ عِنْدَ إِرَادَةِ مُخَادَعَةِ الْغَيْرِ وَمِنْ حُصُولِ الْإِفْسَادِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِصْلَاحِ وَعَلَى الْإِطْلَاقِ الثَّانِي دَرَجَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» قَالَ: فَهُمْ لِتَمَادِي غَفْلَتِهِمْ كَالَّذِي لَا حس لَهُ.

[10]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10)

اسْتِئْنَافٌ مَحْضٌ لِعَدِّ مَسَاوِيهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانِيًّا لِجَوَابِ سُؤال متعجب ناشىء عَنْ سَمَاعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي وُصِفُوا بِهَا قَبْلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ [الْبَقَرَة: 9] فَإِنَّ مَنْ يَسْمَعُ أَنَّ طَائِفَةً تُخَادِعُ اللَّهَ تَعَالَى وَتُخَادِعُ قَوْمًا عَدِيدِينَ وَتَطْمَعُ أَنَّ خِدَاعَهَا يَتَمَشَّى عَلَيْهِمْ ثُمَّ لَا تَشْعُرُ بِأَنَّ ضَرَر الخداع لَا حق بِهَا لَطَائِفَةٌ جَدِيرَةٌ بِأَنْ يَتَعَجَّبَ مِنْ أَمْرِهَا الْمُتَعَجِّبُ وَيَتَسَاءَلَ كَيْفَ خَطَرَ هَذَا بِخَوَاطِرِهَا فَكَانَ قَوْلُهُ: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ بَيَانًا وَهُوَ أَنَّ فِي قُلُوبِهِمْ خَلَلًا تَزَايَدَ إِلَى أَنْ بَلَغَ حَدَّ الْأَفَنِ.

ص: 278

وَلِهَذَا قَدَّمَ الظَّرْفَ وَهُوَ فِي قُلُوبِهِمْ لِلِاهْتِمَامِ لِأَنَّ الْقُلُوبَ هِيَ مَحَلُّ الْفِكْرَةِ فِي الْخِدَاعِ فَلَمَّا كَانَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ هُوَ مُتَعَلِّقُهَا وَأَثَرُهَا كَانَ هُوَ الْمُهْتَمَّ بِهِ فِي الْجَوَابِ. وَتَنْوِينُ مَرَضٌ لِلتَّعْظِيمِ. وَأَطْلَقَ الْقُلُوبَ هُنَا عَلَى مَحَلِّ التَّفْكِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [الْبَقَرَة: 7] .

وَالْمَرَضُ حَقِيقَةٌ فِي عَارِضٍ لِلْمَزَاجِ يُخْرِجُهُ عَنِ الِاعْتِدَالِ الْخَاصِّ بِنَوْعِ ذَلِكَ الْجِسْمِ خُرُوجًا غَيْرَ تَامٍّ وَبِمِقْدَارِ الْخُرُوجِ يَشْتَدُّ الْأَلَمُ فَإِنْ تَمَّ الْخُرُوجُ فَهُوَ الْمَوْتُ، وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ الْعَارِضَةِ لِلْأَخْلَاقِ الْبَشَرِيَّةِ عُرُوضًا يُخْرِجُهَا عَنْ كَمَالِهَا، وَإِطْلَاقُ

الْمَرَضِ عَلَى هَذَا شَائِعٌ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَتَدْبِيرُ الْمِزَاجِ لِإِزَالَةِ هَذَا الْعَارِضِ وَالرُّجُوعِ بِهِ إِلَى اعْتِدَالِهِ هُوَ الطِّبُّ الْحَقِيقِيُّ وَمَجَازِيٌّ كَذَلِكَ قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَةَ الْمُلَقَّبُ بِالْفَحْلِ:

فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي

خَبِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ

فَذَكَرَ الْأَدْوَاءَ وَالطِّبَّ لِفَسَادِ الْأَخْلَاقِ وَإِصْلَاحِهَا.

وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ فِي هَاتِهِ الْآيَةِ هُوَ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اتَّصَفَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ مَذَمَّتِهِمْ وَبَيَانِ مَنْشَأِ مُسَاوِي أَعْمَالِهِمْ.

وَمَعْنَى فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً أَنَّ تِلْكَ الْأَخْلَاق الذميمة النَّاشِئَةَ عَنِ النِّفَاقِ وَالْمُلَازَمَةِ لَهُ كَانَتْ تَتَزَايَدُ فِيهِمْ بِتَزَايُدِ الْأَيَّامِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْأَخْلَاقِ إِذَا تَمَكَّنَتْ أَنْ تَتَزَايَدَ بِتَزَايُدِ الْأَيَّامِ حَتَّى تَصِيرَ مَلِكَاتٍ كَمَا قَالَ الْمَعْلُوطُ الْقُرَيْعِيُّ:

وَرَجِّ الْفَتَى لِلْخَيْرِ مَا إِنْ رَأَيْتَهُ

عَلَى السِّنِّ خَيْرًا لَا يَزَالُ يَزِيدُ

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الشَّرِّ وَلِذَلِكَ قِيلَ: مَنْ لَمْ يَتَحَلَّمْ فِي الصِّغَرِ لَا يَتَحَلَّمْ فِي الْكِبَرِ، وَقَالَ النَّابِغَةُ يَهْجُو عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ:

فَإِنَّكَ سَوْفَ تَحْلُمُ أَوْ تَنَاهَى

إِذَا مَا شِبْتَ أَوْ شَابَ الْغُرَابُ

وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ مُوجِبًا لِازْدِيَادِ مَا يُقَارِنُهُ مِنْ سَيِّءِ الْأَخْلَاقِ لِأَنَّ النِّفَاقَ يَسْتُرُ الْأَخْلَاقَ الذَّمِيمَةَ فَتَكُونُ مَحْجُوبَةً عَنِ النَّاصِحِينَ وَالْمُرَبِّينَ وَالْمُرْشِدِينَ وَبِذَلِكَ تَتَأَصَّلُ وَتَتَوَالَدُ إِلَى غَيْرِ حَدٍّ فَالنِّفَاقُ فِي كَتْمِهِ مَسَاوِئَ الْأَخْلَاقِ بِمَنْزِلَةِ كَتْمِ الْمَرِيضِ دَاءَهُ عَنِ الطَّبِيبِ، وَإِلَيْكَ بَيَانُ مَا يَنْشَأُ عَنِ النِّفَاقِ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْأَخْلَاقِيَّةِ فِي الْجَدْوَلِ الْمَذْكُورِ هُنَا وَأَشَرْنَا إِلَى مَا يُشِيرُ إِلَى كُلِّ خُلُقٍ مِنْهَا فِي الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ هُنَا أَوْ فِي آيَاتٍ أُخْرَى فِي هَذَا الْجَدْوَلِ:

ص: 279

اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ طِبَاعٌ تَنْشَأُ عَنِ النِّفَاقِ أَوْ تُقَارِنُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَلَا سِيَّمَا النِّفَاقُ فِي الدِّينِ فَقَدْ نَبَّهَنَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَذَامِّ ذَلِكَ تَعْلِيمًا وَتَرْبِيَةً فَإِنَّ النِّفَاقَ يَعْتَمِدُ عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ وَهِيَ:

الْكَذِبُ الْقَوْلِيُّ، وَالْكَذِبُ الْفِعْلِيُّ وَهُوَ الْخِدَاعُ، وَيُقَارِنُ ذَلِكَ الْخَوْفَ لِأَنَّ الْكَذِبَ وَالْخِدَاعَ إِنَّمَا يَصْدُرَانِ مِمَّنْ يَتَوَقَّى إِظْهَارَ حَقِيقَةِ أَمْرِهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِخَوْفٍ ضُرٍّ أَوْ لِخَوْفِ إِخْفَاقِ سَعْيٍ وَكِلَاهُمَا مُؤْذِنٌ بِقِلَّةِ الشَّجَاعَةِ وَالثَّبَاتِ وَالثِّقَةِ بِالنَّفْسِ وَبِحُسْنِ السُّلُوكِ، ثُمَّ إِنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ مِنْ هَاتِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ الذَّمِيمَةِ تُوَكِّدُ هَنَوَاتٍ أُخْرَى، فَالْكَذِبُ يَنْشَأُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْبَلَهِ لِأَنَّ الْكَاذِبَ يَعْتَقِدُ أَنَّ كَذِبَهُ يَتَمَشَّى عِنْدَ النَّاسِ وَهَذَا مِنْ قِلَّةِ الذَّكَاءِ لِأَنَّ النَّبِيهَ يَعْلَمُ أَنَّ فِي النَّاسِ مِثْلَهُ وَخَيْرًا مِنْهُ، ثُمَّ الْبَلَهُ يُؤَدِّي إِلَى الْجَهْلِ بِالْحَقَائِقِ وَبِمَرَاتِبِ الْعُقُولِ، وَلِأَنَّ الْكَذِبَ يُعَوِّدُ فِكْرَ صَاحِبِهِ بِالْحَقَائِقِ الْمُحَرَّفَةِ وَتَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مَعَ طُولِ الِاسْتِرْسَالِ فِي ذَلِكَ حَتَّى إِنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ مَا اخْتَلَقَهُ وَاقِعًا، وَيَنْشَأُ عَنِ الْأَمْرَيْنِ السَّفَهُ وَهُوَ خَلَلٌ فِي الرَّأْيِ وَأَفَنٌ فِي الْعَقْلِ، وَقَدْ أَصْبَحَ عُلَمَاءُ الْأَخْلَاقِ وَالطِّبِّ يَعُدُّونَ الْكَذِبَ مِنْ أَمْرَاضِ الدِّمَاغِ.

وَأَمَّا نَشْأَةُ الْعُجْبِ وَالْغُرُورِ وَالْكُفْرِ وَفَسَادِ الرَّأْيِ عَنِ الْغَبَاوَةِ وَالْجَهْلِ وَالسَّفَهِ فَظَاهِرَةٌ، وَكَذَلِكَ نَشْأَةُ الْعُزْلَةِ وَالْجُبْنِ وَالتَّسَتُّرِ عَنِ الْخَوْفِ، وَأَمَّا نَشْأَةُ عَدَاوَةِ النَّاسِ عَنِ الْخِدَاعِ فَلِأَنَّ عَدَاوَةَ الْأَضْدَادِ تَبْدَأُ مِنْ شُعُورِهِمْ بِخِدَاعِهِ، وَتَعْقُبُهَا عَدَاوَةُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا تَفَنُّنَ ذَلِكَ الصَّاحِبِ فِي النِّفَاقِ وَالْخِدَاعِ دَاخَلَهُمُ الشَّكُّ أَنْ يَكُونَ إِخْلَاصُهُ الَّذِي يُظْهِرُهُ لَهُمْ هُوَ مِنَ الْمُخَادَعَةِ فَإِذَا حَصَلَتْ عَدَاوَةُ الْفَرِيقَيْنِ تَصَدَّى النَّاسُ كُلُّهُمْ لِلتَّوَقِّي مِنْهُ وَالنِّكَايَةِ بِهِ، وَتَصَدَّى هُوَ لِلْمَكْرِ بِهِمْ وَالْفَسَادِ لِيَصِلَ إِلَى مَرَامِهِ، فَرَمَتْهُ النَّاسُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَاجْتَنَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ هُزْأَةً لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

وَقَدْ رَأَيْتُمْ أَنَّ النَّاشِئَ عَنْ مَرَضِ النِّفَاقِ وَالزَّائِدَ فِيهِ هُوَ زِيَادَةُ ذَلِكَ النَّاشِئِ أَيْ تَأَصُّلُهُ وَتَمَكُّنُهُ وَتَوَلُّدُ مَذَمَّاتٍ أُخْرَى عَنْهُ، وَلَعَلَّ تَنْكِيرَ (مَرَضٍ) فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَشْعَرَ بِهَذَا فَإِنَّ تَنْكِيرَ الْأَوَّلِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَنْوِيعٍ أَوْ تَكْثِيرٍ، وَتَنْكِيرَ الثَّانِي لِيُشِيرَ إِلَى أَنَّ الْمَزِيدَ مَرَضٌ آخَرُ عَلَى قَاعِدَةِ إِعَادَةِ النَّكِرَةِ نَكِرَةً.

وَإِنَّمَا أُسْنِدَتْ زِيَادَةُ مَرَضِ قُلُوبِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّ زِيَادَةَ هَاتِهِ الْأَمْرَاضِ الْقَلْبِيَّةِ مِنْ ذَاتِهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ هَذَا التَّوَلُّدَ وَأَسْبَابَهُ وَكَانَ أَمْرًا خَفِيًّا نَبَّهَ النَّاسَ عَلَى خَطَرِ الِاسْتِرْسَالِ فِي النَّوَايَا الْخَبِيثَةِ وَالْأَعْمَالِ الْمُنْكَرَةِ، وَأَنَّهُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَزِيدَ تِلْكَ النَّوَايَا تَمَكُّنًا

ص: 281

مِنَ الْقَلْبِ فَيَعْسُرُ أَوْ يَتَعَذَّرُ الْإِقْلَاعُ عَنْهَا بَعْدَ تَمَكُّنِهَا، وَأُسْنِدَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ إِلَى اسْمِهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَضِبَ عَلَيْهِمْ فَأَهْمَلَهُمْ وَشَأْنَهُمْ وَلَمْ يَتَدَارَكْهُمْ بِلُطْفِهِ الَّذِي يُوقِظُهُمْ مِنْ

غَفَلَاتِهِمْ لِيُنَبِّهَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى خَطَرِ أَمْرِهَا وَأَنَّهَا مِمَّا يَعْسُرُ إِقْلَاعُ أَصْحَابِهَا عَنْهَا لِيَكُونَ حَذَرُهُمْ مِنْ مُعَامَلَتِهِمْ أَشَدَّ مَا يُمْكِنُ.

فَجُمْلَةُ: فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً خَبَرِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الِاسْتِئْنَافِ لِلْبَيَانِ، دَاخِلَةٌ فِي دَفْعِ التَّعَجُّبِ، أَيْ أَنَّ سَبَبَ تَوَغُّلِهِمْ فِي الْفَسَادِ وَمُحَاوَلَتِهِمْ مَا لَا يُنَالُ لِأَنَّ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا وَلِأَنَّهُ مَرَضٌ يَتَزَايَدُ مَعَ الْأَيَّامِ تَزَايُدًا مَجْعُولًا مِنَ اللَّهِ فَلَا طَمَعَ فِي زَوَالِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: هِيَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ كَقَوْلِ جُبَيْرِ بْنِ الْأَضْبَطِ:

تَبَاعَدَ عَنِّي فَطْحَلٌ إِذْ دَعَوْتُهُ

أَمِينَ فَزَادَ اللَّهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدَا

وَهُوَ تَفْسِيرٌ غَيْرُ حَسَنٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ فِي الْعَطْفِ بِالْفَاءِ وَلِأَنَّ تَصَدِّيَ الْقُرْآنِ لِشَتْمِهِمْ بِذَلِكَ لَيْسَ مِنْ دَأْبِهِ، وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ عَلَيْهِمْ بِالزِّيَادَةِ تُنَافِي مَا عَهِدَ مِنَ الدُّعَاءِ لِلضَّالِّينَ بِالْهِدَايَةِ فِي نَحْوِ:«اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» .

وَقَوْلُهُ: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً إِكْمَالًا لِلْفَائِدَةِ فَكَمُلَ بِهَذَا الْعَطْفِ بَيَانُ مَا جَرَّهُ النِّفَاقُ إِلَيْهِمْ مِنْ فَسَادِ الْحَالِ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ. وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَهُوَ لَهُمْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنه خبر لانعت حَتَّى يَسْتَقِرَّ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الْمُبْتَدَأِ الْعِلْمُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِمْ فَلَا تَلْهُو النَّفْسُ عَنْ تَلَقِّيهِ.

وَالْأَلِيمُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ أَنَّ الرُّبَاعِيَّ بِمَعْنَى مُفْعَلٍ وَأَصْلُهُ عَذَابٌ مُؤْلَمٌ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ مُؤْلَمٌ مَنْ يُعَذَّبُ بِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِأَنَّ الْمُؤْلَمَ هُوَ الْمُعَذَّبُ دُونَ الْعَذَابِ كَمَا قَالُوا جَدَّ جَدُّهُ، أَوْ هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ أَلِمٍ بِمَعْنَى صَارَ ذَا أَلَمٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ أَيْ مُؤْلِمٍ بِكَسْرِ اللَّامِ، فَقِيلَ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الْعَرَبِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَثَبَتَ فِي نَظِيرِهَا نَحْوُ الْحَكِيمِ وَالسَّمِيعِ بِمَعْنَى الْمُسْمِعِ كَقَوْلِ عَمْرو بن معديكرب:

وَخَيْلٌ قَدْ دَلَفْتُ لَهَا بِخَيْلٍ

تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ

أَيْ مُوجِعٌ، وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ وَأَنَّ مَنْعَ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ لِلْمُوَلِّدِينَ قُصِدَ مِنْهُ التَّبَاعُدُ عَنْ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ بِدُونِ دَاعٍ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ حَالُ الْجَاهِلِ بِحَالِ الْبَلِيغِ فَلَا مَانِعَ مِنْ تَخْرِيجِ الْكَلَامِ الْفَصِيحِ عَلَيْهِ.

ص: 282