المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: ذو ولع شديد بالنقد وإن كان هناك مندوحة لترك الانتقاد - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: ‌ثالثا: ذو ولع شديد بالنقد وإن كان هناك مندوحة لترك الانتقاد

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَنْ بَيَّنَ لِلْمُسْتَهْدِينَ مَعَالِمَ مُرَادِهِ، وَنَصَبَ لِجَحَافِلِ الْمُسْتَفْتِحِينَ أَعْلَامَ أَمْدَادِهِ فَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ قَانُونًا عَامًّا مَعْصُومًا، وَأَعْجَزَ بِعَجَائِبِهِ فَظَهَرَتْ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَجَعَلَهُ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمُهَيْمِنًا، وَمَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ يَعِظُ مُسِيئًا وَيَعِدُ مُحْسِنًا، حَتَّى عَرَفَهُ الْمُنْصِفُونَ مِنْ مُؤْمِنٍ وَجَاحِدٍ، وَشَهِدَ لَهُ الرَّاغِبُ وَالْمُحْتَارُ وَالْحَاسِدُ، فَكَانَ الْحَالُ بِتَصْدِيقِهِ أَنْطَقَ مِنَ اللِّسَانِ، وَبُرْهَانُ الْعَقْلِ فِيهِ أَبْصَرَ مِنْ شَاهِدِ الْعِيَانِ، وَأَبْرَزَ آيَاتِهِ فِي الْآفَاقِ فَتَبَيَّنَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ الْحَقُّ، كَمَا أَنْزَلَهُ عَلَى أَفْضَلِ رَسُولٍ فَبَشَّرَ بِأَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ، فَبِهِ أَصْبَحَ الرَّسُولُ الْأُمِّيُّ سَيِّدَ الْحُكَمَاءِ الْمُرَبِّينَ، وَبِهِ شُرِحَ صَدْرُهُ إِذْ قَالَ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [النَّمْل: 79] ، فَلَمْ يَزَلْ كِتَابُهُ مُشِعًّا نَيِّرًا، مَحْفُوظًا مِنْ لَدُنْهُ أَنْ يُتْرَكَ فَيَكُونَ مُبَدَّلًا وَمُغَيَّرًا.

ثُمَّ قَيَّضَ لِتَبْيِينِهِ أَصْحَابَهُ الْأَشِدَّاءَ الرُّحَمَاءَ، وَأَبَانَ أَسْرَارَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْأُمَّةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَصَلَاةُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ نُجُومِ الِاقْتِدَاءِ لِلسَّائِرِينَ وَالْمَاخِرِينَ (1) .

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ كَانَ أَكْبَرَ أُمْنِيَتِي مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ، تَفْسِيرُ الْكِتَابِ الْمَجِيدِ، الْجَامِعُ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَمَوْثِقٌ شَدِيدُ الْعُرَى مِنَ الْحَقِّ الْمَتِينِ، وَالْحَاوِي لِكُلِّيَّاتِ الْعُلُومِ وَمَعَاقِدِ اسْتِنْبَاطِهَا، وَالْآخِذُ قَوْسَ الْبَلَاغَةِ مِنْ مَحَلِّ نِيَاطِهَا ; طَمَعًا فِي بَيَانِ نُكَتٍ مِنَ الْعِلْمِ وَكُلِّيَّاتٍ مِنَ التَّشْرِيعِ، وَتَفَاصِيلَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، كَانَ يلوح أُنْمُوذَج مِنْ جَمِيعِهَا فِي خِلَالِ تَدَبُّرِهِ، أَوْ مُطَالَعَةِ كَلَامِ مُفَسِّرِهِ، وَلَكِنِّي كُنْتُ عَلَى كَلَفِي بِذَلِكَ أَتَجَهَّمُ التَّقَحُّمَ عَلَى هَذَاُُِِِِ

(1) قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِم اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ»

فبنيت على هَذَا التَّشْبِيه تَشْبِيه المهتدين بهم بفريقين: فريق سائرون فِي الْبر- وَفِي ذَلِك تَشْبِيه عَمَلهم فِي الإهداء، وَهُوَ اتِّبَاع طَرِيق السّنة بالسير فِي طرق الْبر- وفريق ماخرون أَي سائرون فِي الْفلك المواخر فِي الْبَحْر، وتضمن ذَلِك تَشْبِيه عَمَلهم فِي الإهداء وَهُوَ الْخَوْض فِي الْعُلُوم بالمخر فِي الْبَحْر، وَمن ذَلِك الْإِشَارَة إِلَى أَن الْعلم كالبحر كَمَا هُوَ شَائِع، وَأَن السّنة كالسبيل الْمبلغ للمقصود.

(2)

أُشير بِهَذَا إِلَى أَن المهم من كَلَام الْمُفَسّرين يرشد إِلَى الزِّيَادَة على مَا ذَكرُوهُ، وَالَّذِي دون ذَلِك من كَلَامهم يُنَبه إِلَى تَقْوِيم مَا ذَكرُوهُ، والمفسر هُنَا مُرَاد بِهِ الْجِنْس.

ص: 5

الْمَجَالِ، وَأُحْجِمُ عَنِ الزَّجِّ بِسِيَةِ قَوْسِي فِي هَذَا النِّضَالِ. اتِّقَاءَ مَا عَسَى أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ مِنْ مَتَاعِبَ تَنُوءُ بِالْقُوَّةِ، أَوْ فَلَتَاتِ سِهَامِ الْفَهْمِ وَإِنْ بَلَغَ سَاعِدُ الذِّهْنِ كَمَال الفتوّة، فيقيت أُسَوِّفُ النَّفْسَ مَرَّةً وَمَرَّةً أَسُومُهَا زَجْرًا، فَإِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا تَصْمِيمًا أَحَلْتُهَا عَلَى فُرْصَةٍ أُخْرَى، وَأَنَا آمُلُ أَنْ يُمْنَحَ مِنَ التَّيْسِيرِ، مَا يُشَجِّعُ عَلَى قَصْدِ هَذَا الْغَرَضِ الْعَسِيرِ، وَفِيمَا أَنَا بَيْنَ إِقْدَامٍ وَإِحْجَامٍ، أَتَخَيَّلُ هَذَا الْحَقْلَ مَرَّةً الْقَتَادَ وَأُخْرَى الثُّمَامَ إِذَا أَنَا بِأَمَلِي قَدْ خُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهُ تَبَاعَدَ أَو انْقَضى، إِذا قُدِّرَ أَنْ تُسْنَدَ إِلَيَّ خُطَّةُ الْقَضَا (1) ، فَبَقِيتُ مُتَلَهِّفًا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، وَأَضْمَرْتُ تَحْقِيقَ هَاتِهِ الْأُمْنِيَّةِ مَتَى أَجْمَلَ اللَّهُ الْخَلَاصَ، وَكُنْتُ أُحَادِثُ بِذَلِكَ الْأَصْحَابَ وَالْإِخْوَانَ، وَأَضْرِبُ الْمَثَلَ بِأَبِي الْوَلِيدِ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ «الْبَيَانِ» (2) ، وَلَمْ أَزَلْ كُلَّمَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَزْدَادُ التَّمَنِّي وَأَرْجُو إِنْجَازَهُ، إِلَى أَن أَو شكّ أَنْ تَمْضِيَ عَلَيْهِ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ، فَإِذَا اللَّهُ قَدْ مَنَّ بِالنَّقْلَةِ إِلَى خُطَّةِ الْفُتْيَا (3) ، وَأَصْبَحَتِ الْهِمَّةُ مَصْرُوفَةً إِلَى مَا تَنْصَرِفُ إِلَيْهِ الْهِمَمُ الْعُلْيَا، فَتَحَوَّلَ إِلَى الرَّجَاءِ ذَلِكَ الْيَأْسُ، وَطَمِعْتُ أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيعلمهَا النَّاس (4) . هُنَا لَك عَقَدْتُ الْعَزْمَ عَلَى تَحْقِيقِ مَا كُنْتُ أَضْمَرْتُهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَخَرْتُهُ، وَعَلِمْتُ أَنَّ مَا يَهُولُ مِنْ تَوَقُّعِ كَلَلٍ أَوْ غَلَطٍ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يَحُولَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَسْجِ هَذَا النَّمَطِ، إِذَا بَذَلْتُ الْوُسْعَ مِنَ الِاجْتِهَادِ، وَتَوَخَّيْتُ طُرُقَ الصَّوَابِ وَالسَّدَادِ.

أَقْدَمْتُ عَلَى هَذَا الْمُهِمِّ إِقْدَامَ الشُّجَاعِ عَلَى وَادِي السِّبَاعِ (5) مُتَوَسِّطًا فِي مُعْتَرَكِ أَنْظَارِ

(1) فِي 26 رَمَضَان 1331 هـ وَالْقَضَاء هُنَا بِالْقصرِ لمراعاة السجع.

(2)

حَيْثُ ذكر أَنه شرع فِيهِ، ثمَّ عاقه عَنهُ تَقْلِيد خطة الْقَضَاء بقرطبة فعزم على الرُّجُوع إِلَيْهِ إِن أُرِيح من الْقَضَاء، وَأَنه عرض عزمه على أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن يُوسُف ابْن تاشفين، فَأَجَابَهُ لذَلِك وأعفاه من الْقَضَاء ليعود إِلَى إِكْمَال كِتَابه «الْبَيَان والتحصيل» وَهَذَا الْكتاب هُوَ شرح جليل على كتاب «الْعُتْبِيَّة» الَّذِي جمع فِيهِ الْعُتْبِي سَماع أَصْحَاب مَالك مِنْهُ، وَسَمَاع أَصْحَاب ابْن الْقَاسِم مِنْهُ.

(3)

فِي 26 رَجَب 1341 هـ.

(4)

أردْت الْإِشَارَة إِلَى الحَدِيث: «لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ» لِأَنَّهُ يتَعَيَّن أَن لَا يكون المُرَاد خُصُوص الْجمع بَين الْقَضَاء بهَا وَتَعْلِيمهَا، بل يحصل الْمَقْصُود وَلَو بِأَن يقْضى بهَا مُدَّة، وَيعلمهَا النَّاس مُدَّة أُخْرَى.

(5)

وَادي السبَاع مَوضِع بَين مَكَّة وَالْبَصْرَة وَهُوَ وَاد قفر من السكان تكْثر بِهِ السبَاع قَالَ سحيم بن وثيل:

مَرَرْت على وَادي السبَاع وَلَا أرى

كوادي السبَاع حِين يظلم وَاديا

أقلّ بِهِ ركب أَتَوْهُ تئيّة

وأخوف إلّا مَا وقى الله ساريا

ص: 6

النَّاظِرِينَ. وَزَائِرًا بَيْنَ ضُبَاحِ الزَّائِرِينَ (1) ، فَجَعَلْتُ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أُبْدِيَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ نُكَتًا لَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَنِي إِلَيْهَا، وَأَنْ أَقِفَ مَوْقِفَ الْحَكَمِ بَيْنَ طَوَائِفِ الْمُفَسِّرِينَ تَارَةً لَهَا وَآوِنَةً عَلَيْهَا، فَإِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْحَدِيثِ الْمُعَادِ، تَعْطِيلٌ لِفَيْضِ الْقُرْآن الَّذِي مَاله مِنْ نَفَادٍ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ حَوْلَ كَلَامِ الْأَقْدَمِينَ أَحَدَ رَجُلَيْنِ: رَجُلٌ معتكف فِيمَا أشاده الْأَقْدَمُونَ، وَآخَرُ آخِذٌ بِمِعْوَلِهِ فِي هَدْمِ مَا مَضَتْ عَلَيْهِ الْقُرُونُ، وَفِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ ضرّ كثير، وَهنا لَك حَالَةٌ أُخْرَى يَنْجَبِرُ بِهَا الْجَنَاحُ الْكَسِيرُ، وَهِيَ أَنْ نَعْمِدَ إِلَى مَا شاده الْأَقْدَمُونَ فَنُهَذِّبَهُ وَنَزِيدَهُ، وَحَاشَا أَنْ نَنْقُضَهُ أَوْ نُبِيدَهُ، عَالِمًا بِأَنَّ غَمْضَ فَضْلِهِمْ كُفْرَانٌ لِلنِّعْمَةِ، وَجَحْدَ مَزَايَا سَلَفِهَا لَيْسَ مِنْ حَمِيدِ خِصَالِ الْأُمَّةِ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ الْأَمَلَ، وَيَسَّرَ إِلَى هَذَا الْخَيْرِ وَدَلَّ.

وَالتَّفَاسِيرُ وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فَإِنَّكَ لَا تَجِدُ الْكَثِيرَ مِنْهَا إِلَّا عَالَةً عَلَى كَلَامٍ سَابِقٍ بِحَيْثُ لَا حَظَّ لِمُؤَلِّفِهِ إِلَّا الْجَمْعُ عَلَى تَفَاوُتٍ بَيْنَ اخْتِصَارٍ وَتَطْوِيلٍ. وَإِنَّ أَهَمَّ التَّفَاسِيرِ تَفْسِير «الْكَشَّاف» و «الْمُحَرر الْوَجِيزُ» لِابْنِ عَطِيَّة و «مَفَاتِيح الْغَيْبِ» لِفَخْرِ الدَّين الرَّازِيّ، و «تَفْسِير الْبَيْضَاوِيِّ» الْمُلَخَّصُ مِنَ «الْكَشَّافِ» وَمِنْ «مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ» بتحقيق بديع، و «تَفْسِير الشِّهَابِ الْأَلُوسِيِّ» ، وَمَا كَتَبَهُ الطِّيبِيُّ والقزويني والقطب والتفتازانيّ عَلَى «الْكَشَّافِ» ، وَمَا كَتَبَهُ الْخَفَاجِيُّ عَلَى «تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ» ، و «تَفْسِيرِ أبي السُّعُود» ، و «تَفْسِير الْقُرْطُبِيِّ» وَالْمَوْجُودُ مِنْ «تَفْسِيرِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ التُّونُسِيِّ» مِنْ تَقْيِيدِ تِلْمِيذِهِ الْأبيِّ وَهُوَ بِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا عَلَى «تَفْسِيرِ ابْنِ عَطِيَّةَ» أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّفْسِيرِ، لِذَلِكَ لَا يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ آي الْقُرْآن، و «تفاسير الْأَحْكَامِ، وَتَفْسِيرُ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ ابْن جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ» ، وَكِتَابُ «دُرَّةِ التَّنْزِيلِ» الْمَنْسُوبُ لِفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ، وَرُبَّمَا يُنْسَبُ لِلرَّاغِبِ الْأَصْفَهَانِيِّ. وَلِقَصْدِ الِاخْتِصَارِ أُعْرِضُ عَنِ الْعَزْوِ إِلَيْهَا، وَقَدْ مَيَّزْتُ مَا يَفْتَحُ اللَّهُ لِي مِنْ فَهْمٍ فِي مَعَانِي كِتَابِهِ وَمَا أَجْلِبُهُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ، مِمَّا لَا يَذْكُرُهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَإِنَّمَا حَسْبِي فِي ذَلِكَ عَدَمُ عُثُورِي عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَ يَدِي مِنَ التَّفَاسِيرِ فِي تِلْكَ الْآيَةِ خَاصَّةً، وَلَسْتُ أَدَّعِي انْفِرَادِي بِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَكَمْ مِنْ كَلَامٍ تُنْشِئُهُ، تَجِدُكَ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ مُتَكَلِّمٌ،

(1) الزائرين هُنَا اسْم فَاعل من زأر بِهَمْزَة بعد الزَّاي، وَهُوَ الَّذِي مصدره الزئير، وَهُوَ صَوت الْأسد قَالَ عنترة:

حلّت بِأَرْض لزائرين فَأَصْبَحت

عسرا عليّ طلابك ابْنة مخرم

ص: 7

وَكَمْ مِنْ فَهْمٍ تَسْتَظْهِرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَكَ إِلَيْهِ مُتَفَهِّمٌ، وَقَدِيمًا قِيلَ:

هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ

إِنَّ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ وَمَقَاصِدَهُ ذَاتُ أَفَانِينَ كَثِيرَةٍ بَعِيدَةِ الْمَدَى مُتَرَامِيَةِ الْأَطْرَافِ مُوَزَّعَةٍ عَلَى آيَاتِهِ فَالْأَحْكَامُ مُبَيَّنَةٌ فِي آيَاتِ الْأَحْكَامِ، وَالْآدَابُ فِي آيَاتِهَا، وَالْقِصَصُ فِي مَوَاقِعِهَا، وَرُبَّمَا اشْتَمَلَتِ الْآيَةُ الْوَاحِدَةُ عَلَى فَنَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ. وَقَدْ نَحَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بَعْضَ تِلْكَ الْأَفْنَانِ، وَلَكِنَّ فَنًّا مِنْ فُنُونِ الْقُرْآنِ لَا تَخْلُو عَنْ دَقَائِقِهِ وَنُكَتِهِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ فَنُّ دَقَائِقِ الْبَلَاغَةِ هُوَ الَّذِي لَمْ يَخُصَّهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِكِتَابٍ كَمَا خَصُّوا الْأَفَانِينَ الْأُخْرَى، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْتَزَمْتُ أَنْ لَا أُغْفِلَ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا يَلُوحُ لِي مِنْ هَذَا الْفَنِّ الْعَظِيمِ فِي آيَةٍ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ كُلَّمَا أُلْهِمْتُهُ بِحَسَبِ مَبْلَغِ الْفَهْمِ وَطَاقَةِ التَّدَبُّرِ.

وَقَدِ اهْتَمَمْتُ فِي تَفْسِيرِي هَذَا بِبَيَانِ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ وَنُكَتِ الْبَلَاغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِ الِاسْتِعْمَالِ، وَاهْتَمَمْتُ أَيْضًا بِبَيَانِ تَنَاسُبِ اتِّصَالِ الْآيِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَهُوَ مَنْزَعٌ جَلِيلٌ قَدْ عُنِيَ بِهِ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ، وَأَلَّفَ فِيهِ بُرْهَانُ الدِّينِ الْبِقَاعِيُّ كِتَابَهُ الْمُسَمَّى:«نَظْمَ الدُّرَرِ فِي تَنَاسُبِ الْآيِ وَالسُّورِ» إِلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَأْتِيَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيِ بِمَا فِيهِ مَقْنَعٌ، فَلَمْ تَزَلْ أنظار المتأملين لفضل الْقَوْلِ تَتَطَلَّعُ. أَمَّا الْبَحْثُ عَنْ تَنَاسُبِ مَوَاقِعِ السُّورِ بَعْضِهَا إِثْرَ بَعْضٍ، فَلَا أَرَاهُ حَقًّا عَلَى الْمُفَسِّرِ.

وَلَمْ أُغَادِرْ سُورَةً إِلَّا بَيَّنْتُ مَا أُحِيطُ بِهِ مِنْ أَغْرَاضِهَا لِئَلَّا يَكُونَ النَّاظِرُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ مَقْصُورًا عَلَى بَيَانِ مُفْرَدَاتِهِ وَمَعَانِي جُمَلِهِ كَأَنَّهَا فِقَرٌ مُتَفَرِّقَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ رَوْعَةِ انْسِجَامِهِ وَتَحْجُبُ عَنْهُ رَوَائِعَ جَمَالِهِ.

وَاهْتَمَمْتُ بِتَبْيِينِ مَعَانِي الْمُفْرَدَاتِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِضَبْطٍ وَتَحْقِيقٍ مِمَّا خَلَتْ عَنْ ضَبْطِ كَثِيرٍ مِنْهُ قَوَامِيسُ اللُّغَةِ. وَعَسَى أَنْ يَجِدَ فِيهِ الْمُطَالِعُ تَحْقِيقَ مُرَادِهِ، وَيَتَنَاوَلَ مِنْهُ فَوَائِدَ وَنُكَتًا عَلَى قَدْرِ اسْتِعْدَادِهِ، فَإِنِّي بَذَلْتُ الْجُهْدَ فِي الْكَشْفِ عَنْ نُكَتٍ مِنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَإِعْجَازِهِ خَلَتْ عَنْهَا التَّفَاسِيرُ، وَمِنْ أَسَالِيبِ الِاسْتِعْمَالِ الْفَصِيحِ مَا تَصْبُو إِلَيْهِ هِمَمُ النَّحَارِيرِ، بِحَيْثُ سَاوَى هَذَا التَّفْسِيرُ عَلَى اخْتِصَارِهِ مُطَوَّلَاتِ الْقَمَاطِيرِ، فَفِيهِ أَحْسَنُ مَا فِي التَّفَاسِيرِ، وَفِيهِ أَحْسَنُ مِمَّا فِي التَّفَاسِيرِ. وَسَمَّيْتُهُ:«تَحْرِيرَ الْمَعْنَى السَّدِيدِ وَتَنْوِيرَ الْعَقْلِ الْجَدِيدِ مِنْ تَفْسِيرِ الْكِتَابِ الْمَجِيدِ» .

ص: 8

وَاخْتَصَرْتُ هَذَا الِاسْمَ بِاسْمِ «التَّحْرِيرِ وَالتَّنْوِيرِ مِنَ التَّفْسِيرِ» وَهَا أَنا (1) أبتدىء بِتَقْدِيمِ مُقَدِّمَاتٍ تَكُونُ عَوْنًا لِلْبَاحِثِ فِي التَّفْسِيرِ، وَتُغْنِيهِ عَنْ معاد كثير.

(1) عَن قصد قلت «وَهَا أَنا» وَلم أقل «وَهَا أَنا ذَا» كَمَا الْتَزمهُ كثير من المتحذلقين أخذا بِظَاهِر كَلَام «مُغنِي اللبيب» لما بَينته عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ فِي سُورَة الْبَقَرَة [85] .

ص: 9