المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 120] - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 120]

وَقَوْلُهُ: وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَهُوَ إِمَّا عَلَى جُمْلَةِ إِنَّا أَرْسَلْناكَ أَوْ عَلَى الْحَالِ فِي قَوْلِهِ: بَشِيراً وَنَذِيراً وَيَجُوزُ كَوْنُ الْوَاوِ لِلْحَالِ.

قَرَأَ نَافِعٌ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ اللَّامِ عَلَى أَنَّ (لَا) حَرْفُ نَهْيٍ جَازِمٌ لِلْمُضَارِعِ وَهُوَ عَطْفُ إِنْشَاءٍ عَلَى خَبَرٍ وَالسُّؤَالُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاهْتِمَامِ وَالتَّطَلُّعِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَالِ مَجَازًا مُرْسَلًا بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِالشَّيْءِ الْمُتَطَلِّعِ لِمَعْرِفَةِ أَحْوَالِهِ يَكْثُرُ مِنَ السُّؤَالِ عَنْهُ، أَوْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ فَظَاعَةِ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْكَافِرِينَ حَتَّى إِنَّ الْمُتَفَكِّرَ فِي مَصِيرِ حَالِهِمْ يَنْهَى عَنِ الِاشْتِغَالِ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَحْوَالٌ لَا يُحِيطُ بِهَا الْوَصْفُ وَلَا يَبْلُغُ إِلَى كُنْهِهَا الْعَقْلُ فِي

فَظَاعَتِهَا وَشَنَاعَتِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ السُّؤَالِ يَرِدُ لِمَعْنَى تَعْظِيمِ أَمْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ نَحْوَ قَوْلِ عَائِشَةَ:«يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ» وَلِهَذَا شَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلْقَاءُ الْمَسَائِلِ الصَّعْبَةِ بِطَرِيقَةِ السُّؤَالِ نَحْوَ (فَإِنْ قُلْتَ) لِلِاهْتِمَامِ.

وَقَرَأَهُ جُمْهُورُ الْعَشَرَةِ بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَرَفْعِ اللَّامِ عَلَى أَنَّ (لَا) نَافِيَةٌ أَيْ لَا يَسْأَلُكَ اللَّهُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ وَهُوَ تَقْرِيرٌ لِمَضْمُونِ إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ وَالسُّؤَالُ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ وَاللَّوْمِ مِثْلُ

قَوْله صلى الله عليه وسلم: «وكلكم مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ»

أَيْ لَسْتَ مُؤَاخَذًا بِبَقَاءِ الْكَافِرِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ بَعْدَ أَنْ بَلَّغْتَ لَهُمُ الدَّعْوَةَ.

وَمَا قِيلَ إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ السُّؤَالِ عَنْ حَالِ أَبَوَيْهِ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ اسْتِنَادٌ لِرِوَايَةٍ وَاهِيَةٍ وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ مُجَافِيًا لِلْبَلَاغَةِ إِذْ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَهُ:

إِنَّا أَرْسَلْناكَ تَأْنِيسٌ وَتَسْكِينٌ فَالْإِتْيَانُ مَعَهُ بِمَا يُذَكِّرُ الْمُكَدِّرَاتِ خُرُوجٌ عَنِ الْغَرَضِ وَهُوَ مِمَّا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِفساد الْوَضع.

[120]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120)

عَطْفٌ عَلَى قَوْله: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ [الْبَقَرَة: 119] أَوْ عَلَى إِنَّا أَرْسَلْناكَ [الْبَقَرَة: 119] وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْكَلَامُ الْمُؤَيِّسُ مِنْ إِيمَانِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ قَبْلَهُ التَّأْنِيسَ وَالتَّسْلِيَةَ عَلَى نَحْوِ مَجِيءِ الْعِتَابِ بَعْدَ تَقْدِيمِ الْعَفْوِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التَّوْبَة: 43] وَهَذَا مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم.

ص: 692

وَالنَّفْيُ بِلَنْ مُبَالغَة فِي التأييس لِأَنَّهَا لنفي الْمُسْتَقْبل وتأبيده.

وَالْمِلَّةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ وَهِيَ مَجْمُوعُ عَقَائِدَ وَأَعْمَالٍ يَلْتَزِمُهَا طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ يَتَّفِقُونَ عَلَيْهَا وَتَكُونُ جَامِعَةً لَهُمْ كَطَرِيقَةٍ يَتَّبِعُونَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَمَلَّ الْكِتَابَ فَسُمِّيَتِ الشَّرِيعَةُ مِلَّةً لِأَنَّ الرَّسُولَ أَوْ وَاضِعَ الدِّينِ يُعْلِمُهَا لِلنَّاسِ وَيُمْلِلُهَا عَلَيْهِمْ كَمَا سُمِّيَتْ دِينًا بِاعْتِبَارِ قَبُولِ الْأُمَّةِ لَهَا وَطَاعَتِهِمْ وَانْقِيَادِهِمْ.

وَمَعْنَى الْغَايَةِ فِي حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ الْكِنَايَةُ عَنِ الْيَأْسِ مِنِ اتِّبَاعِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا لَا يَرْضَوْنَ إِلَّا بِاتِّبَاعِهِ مِلَّتَهُمْ فَهُمْ لَا يَتَّبِعُونَ مِلَّتَهُ، وَلَمَّا كَانَ اتِّبَاعُ النَّبِيءِ مِلَّتَهُمْ مُسْتَحِيلًا كَانَ رِضَاهُمْ عَنْهُ كَذَلِكَ عَلَى حَدِّ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ

فِي سَمِّ الْخِياطِ

[الْأَعْرَاف: 40] وَقَوْلُهُ: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الْكَافِرُونَ: 2، 3] وَالتَّصْرِيحُ بِلَا النَّافِيَةِ بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ: وَلَا النَّصارى لِلتَّنْصِيصِ عَلَى استقلالهم بِالنَّفْيِ وَعدم الِاقْتِنَاعُ بِاتِّبَاعِ حَرْفِ الْعَطْفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُظَنُّ بِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ لِإِظْهَارِهِمْ شَيْئًا مِنَ الْمَوَدَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى [الْمَائِدَة: 82] وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالنَّبِيءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّبِعٍ مِلَّتَهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ الْقُرْآنَ لِأَنَّهُ جَاءَ بِنَسْخِ كِتَابَيْهِمْ.

وَقَوْلُهُ: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى أَمْرٌ بِالْجَوَابِ عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: وَلَنْ تَرْضى مِنْ خُلَاصَةِ أَقْوَالٍ لَهُمْ يَقْتَضِي مَضْمُونُهَا أَنَّهُمْ لَا يُرْضِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا يَدْعُوهُمُ النَّبِيءُ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ مِلَّتَهُمْ هُدًى فَلَا ضَيْرَ عَلَيْهِ إِنِ اتَّبَعَهَا مِثْلَ قَوْلِهِمْ:

لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [الْبَقَرَة: 111] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّلَوُّنِ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الدَّعْوَةِ وَلِذَلِكَ جِيءَ فِي جَوَابِهِمْ بِمَا هُوَ الْأُسْلُوبُ فِي الْمُجَاوَبَةِ مِنْ فِعْلِ الْقَوْلِ بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ قَالُوا مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ قَوْلِهِ: حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ.

وهُدَى اللَّهِ مَا يُقَدِّرُهُ لِلشَّخْصِ مِنَ التَّوْفِيقِ أَيْ قُلْ لَهُمْ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ هُدًى إِلَّا أَنْ يَهْدِيَكُمُ اللَّهُ، فَالْقَصْرُ حَقِيقِيٌّ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهُدَى اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيَّ هُوَ الْهُدَى يَعْنِي أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْهُدَى إِبْطَالًا لِغُرُورِهِمْ بِأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمِلَّةِ هُوَ الْهُدَى وَأَنَّ مَا خَالَفَهُ ضَلَالٌ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْهُدَى وَمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَيْسَ مِنَ الْهُدَى لِأَنَّ أَكْثَرَهُ مِنَ الْبَاطِلِ. فَإِضَافَةُ الْهُدَى إِلَى اللَّهِ تَشْرِيفٌ، وَالْقَصْرُ إِضَافِيٌّ. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ حَرَّفُوهُ وَوَضَعُوهُ، فَيَكُونُ الْقَصْرُ إِمَّا حَقِيقِيًّا ادِّعَائِيًّا بِأَنْ يُرَادَ هُوَ الْهُدَى الْكَامِلُ فِي الْهِدَايَةِ فَهُدَى غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ

ص: 693

بِالنِّسْبَةِ إِلَى هُدَى الْقُرْآنِ كُلًّا هُدًى لِأَنَّ هُدَى الْقُرْآنِ أَعَمُّ وَأَكْمَلُ فَلَا يُنَافِي إِثْبَاتَ الْهِدَايَةِ لِكِتَابِهِمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ [الْمَائِدَة: 44] وَقَوْلُهُ: وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ [الْمَائِدَة: 46] وَإِمَّا قَصْرًا إِضَافِيًّا أَيْ هُوَ الْهُدَى دُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مِلَّةٍ مُبْدَلَةٍ مَشُوبَةٍ بِضَلَالَاتٍ وَبِذَلِكَ أَيْضًا لَا يَنْتَفِي الْهُدَى عَنْ كَثِيرٍ من التعاليم والنصائح الصَّالِحَةِ الصَّادِرَةِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَأَهْلِ الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ وَالتَّجْرِبَةِ لَكِنَّهُ هُدًى نَاقِصٌ.

وَقَوْلُهُ: هُوَ الْهُدى الضَّمِير ضمير فصل. وَالتَّعْرِيفُ فِي الْهُدَى تَعْرِيفُ الْجِنْسِ

الدَّالِّ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ طُرُقِ الْحَصْرِ هُمَا ضَمِيرُ الْفَصْلِ وَتَعْرِيفُ الْجُزْأَيْنِ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إِفَادَةُ تَحْقِيقِ مَعْنَى الْقَصْرِ وَتَأْكِيدِهِ لِلْعِنَايَةِ بِهِ فَأَيُّهُمَا اعْتَبَرْتَهُ طَرِيقَ قَصْرٍ كَانَ الْآخَرُ تَأْكِيدًا لِلْقَصْرِ وَلِلْخَبَرِ أَيْضًا.

وَالتَّوْكِيدُ بِأَنَّ لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ وَتَحْقِيقِ نِسْبَتِهِ وَإِبْطَالِ تَرَدُّدِ الْمُتَرَدِّدِ لِأَنَّ الْقَصْرَ الْإِضَافِيَّ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ رَدَّ اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِ قَدْ لَا يَتَفَطَّنُ الْمُخَاطَبُ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ مِنَ التَّأْكِيدِ فَزِيدَ هُنَا مُؤَكَّدٌ آخَرُ وَهُوَ حَرْفُ (إِنَّ) اهْتِمَامًا بِتَأْكِيدِ هَذَا الْحُكْمِ. فَقَدِ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ عِدَّةُ مُؤَكِّدَاتٍ هِيَ: حَرْفُ إِنَّ وَالْقَصْرُ، إِذِ الْقَصْرُ تَأْكِيدٌ على تَأْكِيد مَا فِي «الْمِفْتَاحِ» فَهُوَ فِي قُوَّةِ مُؤَكِّدَيْنِ، مَعَ تَأْكِيدِ الْقَصْرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ وَهِيَ تَنْحَلُّ إِلَى أَرْبَعَةِ مُؤَكِّدَاتٍ لِأَنَّ الْقَصْرَ بِمَنْزِلَةِ تَأْكِيدَيْنِ وَقَدِ انْضَمَّ إِلَيْهِمَا تَأْكِيدُ الْقَصْرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ (إِنَّ) .

وَلَعَلَّ الْآيَةَ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ اسْتِقْبَالَ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي يَسْتَقْبِلُهَا الْيَهُودُ لِقَطْعِ مَعْذِرَةِ الْيَهُودِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ [الْبَقَرَة: 143]، فَأَعْلَمَ رَسُولَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُلِينُ مِنْ تَصَلُّبِ الْيَهُودِ فِي عِنَادِهِمْ فَتَكُونُ إِيمَاءً إِلَى تَمْهِيدِ نَسْخِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ. اللَّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ وَذَلِكَ تَوْكِيدٌ لِلْخَبَرِ وَتَحْقِيقٌ لَهُ. وَعَبَّرَ عَنْ طَرِيقَتِهِمْ هُنَالِكَ بِالْمِلَّةِ نَظَرًا لِاعْتِقَادِهِمْ وَشُهْرَةِ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَعَبَّرَ عَنْهَا هُنَا بِالْأَهْوَاءِ بَعْدَ أَنْ مَهَّدَ لَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى فَإِنَّ الْهَوَى

ص: 694

رَأَيٌ نَاشِئٌ عَنْ شَهْوَةٍ لَا عَنْ دَلِيلٍ، وَلِهَذَا لَمْ يُؤْتَ بِالضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِلْمِلَّةِ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ فَشَمِلَتْ أَهْوَاؤُهُمُ التَّكْذِيبَ بِالنَّبِيءِ وَبِالْقُرْآنِ وَاعْتِقَادَهُمْ أَنَّ مِلَّتَهُمْ لَا يَنْقُضُهَا شَرْعٌ آخَرُ.

وَقَوْلُهُ: مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ تَحْذِيرٌ لِكُلِّ مَنْ تَلَقَّى الْإِسْلَامَ أَنْ لَا يَتَّبِعَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَهْوَاءَ الْأُمَمِ الْأُخْرَى، جَاءَ عَلَى طَرِيقَةِ تَحْذِيرِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] وَهُوَ جَوَابُ الْقَسَمِ وَدَلِيلُ جَوَابِ الشَّرْطِ لِأَنَّ اللَّامَ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ فَالْجَوَابُ لَهَا. وَجِيءَ بِإِنِ الشَّرْطِيَّةِ الَّتِي تَأْتِي فِي مَوَاقِعِ عَدَمِ الْقَطْعِ بِوُقُوعِ شَرْطِهَا لِأَنَّ هَذَا فَرْضٌ ضَعِيفٌ فِي شَأْنِ النَّبِيءِ وَالْمُسْلِمِينَ.

وَالْوَلِيُّ الْقَرِيبُ وَالْحَلِيفُ. وَالنَّصِيرُ كُلُّ مَنْ يُعِينُ أَحَدًا عَلَى مَنْ يُرِيدُ بِهِ ضُرَّا وَكِلَاهُمَا

فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ.

وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِنَ اللَّهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَلِيٍّ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى مَانِعٍ مِنْ عِقَابِهِ وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ بَعْدَ وَلا نَصِيرٍ أَيْ نَصِيرٌ مِنَ اللَّهِ.

وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ وَلِيٍّ مُؤَكِّدَةٌ لِلنَّفْيِ. وَعَطْفُ النَّصِيرِ عَلَى الْوَلِيِّ احْتِرَاسٌ لِأَنَّ نَفْيَ الْوَلِيِّ لَا يَقْتَضِي نَفْيَ كُلِّ نَصِيرٍ إِذْ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ وَلِيٌّ لِكَوْنِهِ دَخِيلًا فِي قَبِيلَةٍ وَيَكُونُ أَنْصَارُهُ مِنْ جِيرَتِهِ. وَكَانَ الْقَصْدُ مِنْ نَفْيِ الْوِلَايَةِ التَّعْرِيضَ بِهِمْ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ فَنَفَى ذَلِكَ عَنْهُمْ حَيْثُ لَمْ يَتَّبِعُوا دَعْوَةَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نَفَى الْأَعَمَّ مِنْهُ وَهَذِهِ نُكْتَةُ عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى نَفْيِ الْأَعَمِّ.

وَقَدِ اشْتَمَلَتْ جُمْلَةُ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ إِلَى آخِرِهَا عَلَى تَحْذِيرٍ مِنَ الطَّمَعِ فِي اسْتِدْنَاءِ الْيَهُودِ أَوِ النَّصَارَى بِشَيْءٍ مِنَ اسْتِرْضَائِهِمْ طَمَعًا فِي إِسْلَامِهِمْ بِتَأَلُّفِ قُلُوبِهِمْ فَأَكَّدَ ذَلِكَ التَّحْذِيرَ بِعَشَرَةِ مُؤَكِّدَاتٍ وَهِيَ الْقَسَمُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِاللَّامِ الْمُوَطِّئَةِ لِلْقَسَمِ. وَتَأْكِيدُ جُمْلَةِ الْجَزَاءِ بِإِنَّ وَبِلَامِ الِابْتِدَاءِ فِي خَبَرِهَا. وَاسْمِيَّةُ جُمْلَةِ الْجَزَاءِ وَهِيَ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. وَتَأْكِيدُ النَّفْيِ بِمِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ وَلِيٍّ. وَالْإِجْمَالُ ثُمَّ التَّفْصِيلُ بِذِكْرِ اسْمِ الْمَوْصُولِ وَتَبْيِينِهِ بِقَوْلِهِ مِنَ الْعِلْمِ. وَجَعْلُ الَّذِي جَاءَ (أَيْ أُنْزِلَ إِلَيْهِ) هُوَ الْعِلْمُ كُلُّهُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِغَيْرِهِ لِنُقْصَانِهِ. وَتَأْكِيدُ مِنْ وَلِيٍّ بِعَطْفِ وَلا نَصِيرٍ الَّذِي هُوَ آيِلٌ إِلَى مَعْنَاهُ وَإِنِ اخْتَلَفَ مَفْهُومُهُ، فَهُوَ كالتأكيد بالمرادف.

ص: 695