المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 108] - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 108]

دُونَ أَنْ يُؤْتَى بِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ الْمُخَاطَبِينَ لِمَا فِي سُلُوكِ طَرِيقِ الْكِنَايَةِ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْمُبَالَغَةِ مَعَ الْإِيجَازِ فِي لَفْظِ الضَّمِيرِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ شَأْنُ الِاسْتِفْهَامِ الدَّاخِلِ عَلَى النَّفْيِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْبَقَرَة: 33] أَيْ أَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ قَدِيرٌ وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَالِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِمَا يَجْرِي فِيهِمَا مِنَ الْأَحْوَالِ، فَهُوَ مُلْكُهُ أَيْضًا فَهُوَ يُصَرِّفُ الْخَلْقَ كَيْفَ يَشَاءُ. وَقَدْ أَشَارَ فِي «الْكَشَّافِ» إِلَى أَنَّهُ تَقْرِيرِيٌّ وَصَرَّحَ بِهِ الْقُطْبُ فِي «شَرْحِهِ» وَلَمْ يُسْمَعْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْتِفْهَامٌ دَخَلَ عَلَى النَّفْيِ إِلَّا وَهُوَ مُرَادٌ بِهِ التَّقْرِيرُ.

وَقَوْلُهُ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هُوَ مُتَنَزِّلٌ مِنَ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ مَنْزِلَةَ الدَّلِيلِ لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ قَدِيرًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَلِذَا فُصِلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَعِنْدِي أَنَّ مُوجِبَ الْفَصْلِ هُوَ أَنْ هَاتِهِ الْجُمْلَةَ بِمَنْزِلَةِ التَّكْرِيرِ لِلْأُولَى لِأَنَّ مَقَامَ التَّقْرِيرِ وَمَقَامَ التَّوْبِيخِ كِلَاهُمَا مَقَامُ تَكْرِيرٍ لِمَا بِهِ التَّقْرِيرُ وَالْإِنْكَارُ تَعْدِيدًا على الْمُخَاطب.

[108]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108)

(أَمْ) حَرْفُ عَطْفٍ مُخْتَصٌّ بِالِاسْتِفْهَامِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ التَّسْوِيَةُ (1) فَإِذَا عَطَفْتَ أَحَدَ مُفْرَدَيْنِ مُسْتَفْهِمًا عَنْ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا اسْتِفْهَامًا حَقِيقِيًّا أَوْ مُسَوًّى بَيْنَهُمَا فِي احْتِمَالِ الْحُصُولِ فَهِيَ بِمَعْنَى (أَوِ) الْعَاطِفَةِ وَيُسَمِّيهَا النُّحَاةُ مُتَّصِلَةً، وَإِذَا وَقَعَتْ عَاطِفَةً جُمْلَةً دَلَّتْ عَلَى انْتِقَالٍ مِنَ الْكَلَامِ السَّابِقِ إِلَى اسْتِفْهَامٍ فَتَكُونُ بِمَعْنَى بَلِ الِانْتِقَالِيَّةِ وَيُسَمِّيهَا النُّحَاةُ مُنْقَطِعَةً

وَالِاسْتِفْهَامُ مُلَازِمٌ لِمَا بَعْدَهَا فِي الْحَالَيْنِ. وَهِيَ هُنَا مُنْقَطِعَةٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهَا فِي مَعْنَى الْخَبَرُ لِأَنَّهُمَا لِلتَّقْرِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ إِلَّا أَنَّ وُقُوعَهُمَا فِي صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَلَوْ لِلتَّقْرِيرِ يَحْسُنُ موقع (أم) بعد هما كَمَا هُوَ الْغَالِبُ والاستفهام الَّذِي بعد هما هُنَا إِنْكَارٌ وَتَحْذِيرٌ، وَالْمُنَاسَبَةُ فِي هَذَا الِانْتِقَالِ تَامَّةٌ فَإِنَّ التَّقْرِيرَ

(1) لِأَن التَّحْقِيق أَن همزَة التَّسْوِيَة همزَة اسْتِفْهَام تدل على اسْتِوَاء أَمريْن بِمَعْنى اسْتِوَاء الْجَواب لَو سَأَلَ سَائل عَن أحد أَمريْن.

ص: 665

الَّذِي قَبْلَهَا مُرَادٌ مِنْهُ التَّحْذِيرُ مِنَ الْغَلَطِ وَأَنْ يَكُونُوا كَمَنْ لَا يَعْلَمُ وَالِاسْتِفْهَامُ الَّذِي بَعْدَهَا مُرَادٌ مِنْهُ التَّحْذِيرُ كَذَلِكَ وَالْمُحَذَّرُ مِنْهُ فِي الْجَمِيعِ مُشْتَرَكٌ فِي كَوْنِهِ مِنْ أَحْوَالِ الْيَهُودِ الْمَذْمُومَةِ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ (أَمْ) هُنَا مُتَّصِلَةً لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهَا لَيْسَا عَلَى حَقِيقَتِهِمَا لَا مَحَالَةَ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَدْ جَوَّزَ الْقَزْوِينِيُّ فِي «الْكَشْفِ عَلَى الْكَشَّافِ» كَوْنَ (أَمْ) هُنَا مُتَّصِلَةً بِوَجْهٍ مَرْجُوحٍ وَتَبِعَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَتَكَلَّفَا لِذَلِكَ مِمَّا لَا يُسَاعِدُ اسْتِعْمَالَ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ، وَأَفْرَطَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي «حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ» فَزَعَمَ أَنَّ حَمْلَهَا عَلَى الْمُتَّصِلَةِ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ لَا سِيَّمَا مَعَ اتِّحَادِ فَاعِلِ الْفِعْلَيْنِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ بِأَمْ وَلِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا سَأَلُوا سُؤَالَ قَوْمِ مُوسَى فَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَإِنَّمَا قَصَدُوا التَّعَنُّتَ وَكَانَ الْجَمِيعُ فِي غَفْلَةٍ عَنْ عَدَمِ صَلُوحِيَّةِ الِاسْتِفْهَامَيْنِ السَّابِقَيْنِ لِلْحَمْلِ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِفْهَامِ.

وَقَوْلُهُ: تُرِيدُونَ خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ لَا مَحَالَةَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: رَسُولَكُمْ وَلَيْسَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ بِمُرَجَّحٍ كَوْنَ الْخِطَابَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ مُتَوَجِّهَيْنِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ انْتِقَالَ الْكَلَامِ بَعْدَ (أَمِ) الْمُنْقَطِعَةِ يَسْمَحُ بِانْتِقَالِ الْخِطَابِ.

وَقَوْلُهُ: تُرِيدُونَ يُؤْذَنُ بِأَنَّ السُّؤَالَ لَمْ يَقَعْ وَلَكِنَّهُ رُبَّمَا جَاشَ فِي نُفُوسِ بَعْضِهِمْ أَوْ رُبَّمَا أَثَارَتْهُ فِي نُفُوسِهِمْ شُبَهُ الْيَهُودِ فِي إِنْكَارِهِمُ النَّسْخَ وَإِلْقَائِهِمْ شُبْهَةَ الْبَدَاءِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَبْعَثُ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى سُؤَالِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم.

وَقَوْلُهُ: كَما سُئِلَ مُوسى تَشْبِيةٌ وَجْهُهُ أَنَّ فِي أَسْئِلَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى كَثِيرًا مِنَ الْأَسْئِلَةِ الَّتِي تُفْضِي بِهِمْ إِلَى الْكُفْرِ كَقَوْلِهِمُ: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الْأَعْرَاف: 138] أَوْ مِنَ الْعَجْرَفَةِ كَقَوْلِهِمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [الْبَقَرَة: 55] فَيَكُونُ التَّحْذِيرُ مِنْ تَسَلْسُلِ الْأَسْئِلَةِ الْمُفْضِيَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ. وَيَجُوزُ كَوْنُهُ رَاجِعًا إِلَى أَسْئِلَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَمَّا لَا يَعْنِيهِمْ وَعَمَّا يَجُرُّ لَهُمُ الْمَشَقَّةَ كَقَوْلِهِمْ مَا لَوْنُها [الْبَقَرَة: 69] وَمَا هِيَ [الْبَقَرَة: 70] .

قَالَ الْفَخْرُ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمُورٍ لَا خَيْرَ لَهُمْ فِي الْبَحْثِ عَنْهَا لِيَعْلَمُوهَا كَمَا سَأَلَ الْيَهُودُ مُوسَى اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ أَسْبَابًا أُخْرَى لِلنُّزُولِ، مِنْهَا: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَأَلُوا النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ لَمَّا مَرُّوا بِذَاتِ الْأَنْوَاطِ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ

يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَخْبَارٍ ضَعِيفَةٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ لِمَا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فَإِنَّ الْآيَةَ مَسُوقَةٌ مَسَاقَ الْإِنْكَارِ التَّحْذِيرِيِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: تُرِيدُونَ قَصْدًا لِلْوِصَايَةِ بِالثِّقَةِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْوِصَايَةِ وَالتَّحْذِيرِ لَا يَقْتَضِيَانِ

ص: 666

وُقُوعَ الْفِعْلِ بَلْ يَقْتَضِيَانِ عَدَمَهُ. وَالْمَقْصُودُ التَّحْذِيرُ مِنْ تَطَرُّقِ الشَّكِّ فِي صَلَاحِيَّةِ الْأَحْكَامِ الْمَنْسُوخَةِ قَبْلَ نَسْخِهَا لَا فِي صَلَاحِيَّةِ الْأَحْكَامِ النَّاسِخَةِ عِنْدَ وُقُوعِهَا.

وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ تَذْيِيلٌ لِلتَّحْذِيرِ الْمَاضِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمُحَذَّرَ مِنْهُ كُفْرٌ أَوْ يُفْضِي إِلَى الْكُفْرِ لِأَنَّهُ يُنَافِي حُرْمَةَ الرَّسُولِ وَالثِّقَةَ بِهِ وَبِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُفْرِ أَحْوَالُ أَهْلِ الْكُفْرِ أَيْ لَا تَتَبَدَّلُوا بِآدَابِكُمْ تَقَلُّدَ عَوَائِدِ أَهْلِ الْكُفْرِ فِي سُؤَالِهِمْ كَمَا

قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ «الصَّحِيحَيْنِ» : «فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ»

وَإِطْلَاقُ الْكُفْرِ عَلَى أَحْوَالِ أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كُفْرًا شَائِعٌ فِي أَلْفَاظِ الشَّرِيعَةِ وَأَلْفَاظِ السَّلَفِ كَمَا قَالَتْ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ زَوْجَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: «إِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ» تُرِيدُ الزِّنَا، فَإِذن ذِكْرَ جُمْلَةٍ بَعْدَ جُمْلَةٍ يُؤْذِنُ بِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَدْلُولُ الْجُمْلَتَيْنِ وَاضِحَ التَّنَاسُبِ عَلِمَ الْمُخَاطَبُ أَنَّ هُنَالِكَ مُنَاسَبَةً يَرْمُزُ إِلَيْهَا الْبَلِيغُ فَهُنَا تَعْلَمُ أَنَّ الِارْتِدَادَ عَنِ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ مَعْنًى كُلِّيٌّ عَامٌّ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ سُؤَالُهُمُ الرَّسُولَ كَمَا سَأَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُوسَى فَتَكُونُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ كُفْرًا وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّذْيِيلِ الْمُعَرَّفِ فِي بَابِ الْإِطْنَابِ بِأَنَّهُ تَعْقِيبُ الْجُمْلَةِ بِجُمْلَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مَعْنَاهَا تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحُجَّةِ عَلَى مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ تَأْكِيدُ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَزِيَادَةٌ فَالتَّذْيِيلُ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ الْإِطْنَابِ مِنْ حَيْثُ يَشْتَمِلُ عَلَى تَقْرِيرِ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَيَزِيدُ عَلَيْهِ بِفَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِفَائِدَةِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى. وَأَبْدَعُهُ مَا أُخْرِجَ مُخْرَجَ الْأَمْثَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ عُمُومِ الْحُكْمِ وَوَجِيزِ اللَّفْظِ مِثْلَ هَاتِهِ الْآيَةِ، وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

وَلَسْتَ بِمُسْتَبْقٍ أَخًا لَا تَلُمُّهُ

عَلَى شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذَّبُ

وَالْمُؤَكَّدُ بِجُمْلَةِ: وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ هُوَ مَفْهُومُ جُمْلَةِ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ مَفْهُومُ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لَا مَنْطُوقُهَا فَهِيَ كَالتَّذْيِيلِ الَّذِي فِي بَيْتِ النَّابِغَةِ.

وَالْقَوْلُ فِي تَعْدِيَةِ فِعْلِ يَتَبَدَّلِ مَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [الْبَقَرَة: 61] .

وَقَدْ جُعِلَ قَوْلُهُ: فَقَدْ ضَلَّ جَوَابًا لِمَنِ الشَّرْطِيَّةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الضَّلَالِ أَعْظَمُهُ وَهُوَ الْحَاصِلُ عَقِبَ تَبَدُّلِ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ وَلَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِ الْجَوَابِ مُتَرَتِّبًا عَلَى الشَّرْطِ وَلَا

يُرِيبُكَ فِي ذَلِكَ وُقُوعُ جَوَابِ الشَّرْطِ فِعْلًا مَاضِيًا مَعَ أَنَّ الشَّرْطَ إِنَّمَا هُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا اقْتِرَانُ الْمَاضِي بِقَدِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحَقُّقِ الْمُضِيِّ لِأَنَّ هَذَا اسْتِعْمَالٌ عَرَبِيٌّ جَيِّدٌ يَأْتُونَ بِالْجَزَاءِ مَاضِيًا لِقَصْدُُِ

ص: 667

الدَّلَالَةِ عَلَى شِدَّةِ تَرَتُّبِ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ وَتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ مَعَهُ حَتَّى إِنَّه عِنْد مَا يَحْصُلُ مَضْمُونُ الشَّرْطِ يَكُونُ الْجَزَاءُ قَدْ حَصَلَ فَكَأَنَّهُ حَاصِلٌ مِنْ قَبْلِ الشَّرْطِ نَحْوَ: وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى [طه: 81] وَعَلَى مِثْلِ هَذَا يُحْمَلُ كُلُّ جَزَاءٍ جَاءَ مَاضِيًا فَإِنَّ الْقَرِينَةَ عَلَيْهِ أَنَّ مَضْمُونَ الْجَوَابِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ وَهُمْ يَجْعَلُونَ قَدْ عَلَامَةً عَلَى هَذَا الْقَصْدِ وَلِهَذَا قَلَّمَا خَلَا جَوَابٌ مَاضٍ لِشَرْطٍ مُضَارِعٍ إِلَّا وَالْجَوَابُ مُقْتَرِنٌ بِقَدْ حَتَّى قِيلَ: إِنَّ غَيْرَ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الرَّضِيُّ بِخِلَافِهِ مَعَ قَدْ فَكَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ.

وَقَدْ يَجْعَلُونَ الْجَزَاءَ مَاضِيًا مُرِيدِينَ أَنَّ حُصُولَ مَضْمُونِ الشَّرْطِ كَاشِفٌ عَنْ كَوْنِ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ قَدْ حَصَلَ أَوْ قَدْ تَذَكَّرَهُ النَّاسُ نَحْوَ إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يُوسُف: 77] وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ تَحْقِيقُ الْجَزَاءِ فِي مِثْلِهِ هُوَ مَا يَتَضَمَّنُهُ الْجَوَابُ مِنْ مَعْنَى الِانْكِشَافِ أَوِ السَّبْقِ أَوْ غَيْرِهِمَا بِحَسَبِ الْمَقَامَاتِ قَبْلَ أَنْ يُقَدَّرَ فَلَا تَعْجَبْ إِذْ قَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ (1) وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يُقَدَّرَ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ حَتَّى وَقَعَ فِي الِارْتِدَادِ كَمَا تَقُولُ مَنْ وَقَعَ فِي الْمَهْوَاةِ فَقَدْ خَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءٍ إِنْ أُرِيدَ بِالْمَاضِي أَنَّهُ حَصُلَ وَأُرِيدَ بِالضَّلَالِ مَا حَفَّ بِالْمُرْتَدِّ مِنَ الشُّبُهَاتِ وَالْخِذْلَانِ الَّذِي أَوْصَلَهُ إِلَى الِارْتِدَادِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ غَرَضِ الْآيَةِ.

وَالسَّوَاءُ الْوَسَطُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ بَلْعَاءُ بْنُ قَيْسٍ:

غَشَّيْتُهُ وَهُوَ فِي جَأْوَاءَ بَاسِلَةٍ

عَضْبًا أَصَابَ سَوَاءَ الرَّأْسِ فَانْفَلَقَا

وَوَسَطُ الطَّرِيقِ هُوَ الطَّرِيقُ الْجَادَّةُ الْوَاضِحَةُ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَ بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ الَّتِي لَا تَنْتَهِي إِلَى الْغَايَة.

[109، 110]

(1) وَمثل هَذَا أَن يكون الشَّرْط وَالْجَزَاء ماضيين فَإِن ذَلِك يدل على أَن الْمَعْنى إِن تحقق هَذَا تحقق هَذَا نَحْو إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ [الْمَائِدَة: 116] . وَيقرب مِنْهُ مَجِيء الْجَزَاء جملَة اسمية لدلالتها على ثُبُوت مضمونها دون زمَان أصلا نَحْو قَوْله مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ [الْبَقَرَة: 97] أَي من يتَحَقَّق عداوته لجبريل فلتدم عداوته لِأَنَّهُ نزله وَنَحْو قَول الشَّاعِر:

من صدّ عَن نيرانها

فَأَنا ابْن قيس لَا براح

أَي فليصد فَأَنا الْمَعْرُوف بالشجاعة.

ص: 668