المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : الآيات 76 إلى 77] - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 76 إلى 77]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (77)

الْأَظْهَرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَقُوا عَائِدٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى نَسَقِ الضَّمَائِرِ السَّابِقَةِ فِي قَوْلِهِ: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا [الْبَقَرَة: 75] وَمَا بَعْدَهُ، وَأَنَّ الضَّمِيرَ الْمَرْفُوعَ بِقَالُوا عَائِدٌ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ فَرِيقٍ مِنْهُمْ وَهُمُ الَّذِينَ أظهرُوا الْإِيمَان نفاق أَوْ تَفَادِيًا مَنْ مُرِّ الْمُقَارَعَةِ وَالْمُحَاجَّةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: آمَنَّا وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي ضَمَائِرِ الْأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَنَحْوِهَا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [الْبَقَرَة: 232] لِأَنَّ ضَمِيرَ طَلَّقْتُمُ لِلْمُطَلِّقِينَ وَضَمِيرَ تَعَضُلُوا لِلْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ رَاجِعٌ إِلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ جِهَةُ الْمُخَاطَبِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِاشْتِمَالِهِمْ عَلَى الصِّنْفَيْنِ، وَمِنْهُ أَن تَقول لَئِن نَزَلْتَ بِبَنِي فُلَانٍ لَيُكْرِمُنَّكَ وَإِنَّمَا يُكْرِمُكَ سَادَتُهُمْ وَكُرَمَاؤُهُمْ وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: بَعْضُهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْجَمِيعِ أَيْ بَعْضُ الْجَمِيعِ إِلَى بَعْضٍ آخَرَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَائِلَ مَنْ لَمْ يُنَافِقْ لِمَنْ نَافَقَ، ثُمَّ تَلْتَئِمُ الضَّمَائِرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَعْلَمُونَ ويُسِرُّونَ ويُعْلِنُونَ بِلَا كُلْفَةٍ وَإِلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ ذَهَبَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَيُرَجِّحُهَا عِنْدِي أَنَّ فِيهَا الِاقْتِصَارَ عَلَى تَأْوِيلِ مَا بِهِ الْحَاجَةُ وَالتَّأْوِيلُ عِنْدَ وُجُودِ دَلِيلِهِ بِجَنْبِهِ وَهُوَ آمَنَّا.

وَجُمْلَةُ إِذا لَقُوا مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ [الْبَقَرَة: 75] على أَنهم حَالٌ مِثْلَهَا مِنْ أَحْوَالِ الْيَهُودِ وَقَدْ قُصِدَ مِنْهَا تَقْيِيدُ النَّهْيِ أَوِ التَّعْجِيبِ مِنَ الطَّمَعِ فِي إِيمَانِهِمْ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَالِ بِتَأْوِيلِ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ آخَرُ إِذَا لَقُوا.

وَقَوْلُهُ: وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى إِذا لَقُوا وهم الْمَقْصُودُ مِنَ الْحَالِيَّةِ أَيْ

وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يَحْصُلُ مِنْهُمْ مَجْمُوعُ هَذَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِمْ آمَنَّا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلتَّعَجُّبِ مِنَ الطَّمَعِ فِي إِيمَانِهِمْ فَضَمِيرُ بَعْضُهُمْ رَاجِعٌ إِلَى مَا رَجَعَ إِلَيْهِ لَقُوا وَهُمْ عُمُومُ الْيَهُودِ.

ونكتة التَّعْبِير ب قالُوا آمَنَّا مِثْلَهَا فِي نَظِيرِهِ السَّابِقِ فِي أَوَائِل السُّورَة [الْبَقَرَة: 14] .

وَقَوْلُهُ: أَتُحَدِّثُونَهُمْ اسْتِفْهَامٌ لِلْإِنْكَارِ أَوِ التَّقْرِيرِ أَوِ التَّوْبِيخِ بِقَرِينَةِ أَنَّ الْمَقَامَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ جَرَى بَيْنَهُمْ حَدِيثٌ فِي مَا يَنْزِلُ مِنَ الْقُرْآنِ فَاضِحًا لِأَحْوَالِ أَسْلَافِهِمْ وَمَثَالِبِ سِيرَتِهِمْ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ وَشَرِيعَتِهِمْ. وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْقُرْآنِ مَا فِيهِ فَضِيحَةُ أَحْوَالِهِمْ وَذِكْرُ

ص: 569

مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا خَاصَّتُهُمْ ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ خَلَصَ لِلنَّبِيءِ مِنْ بَعْضِ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ وَأَنَّ نِفَاقَهُمْ كَانَ قَدْ بَلَغَ بِهِمْ إِلَى أَنْ أَخْبَرُوا الْمُسْلِمِينَ بِبَعْضِ قَصَصِ قَوْمِهِمْ سَتْرًا لِكُفْرِهِمُ الْبَاطِنِ فَوَبَّخُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ تَوْبِيخَ إِنْكَارٍ أَيْ كَيْفَ يَبْلُغُ بِكُمُ النِّفَاقُ إِلَى هَذَا وَأَنَّ فِي بَعْضِ إِظْهَارِ الْمَوَدَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ كِفَايَةً عَلَى حَدِّ قَوْلِ الْمَثَلِ الَّذِي حَكَاهُ بَشَّارٌ بِقَوْلِهِ:

وَاسْعَدْ بِمَا قَالَ فِي الْحُلْمِ ابْنُ ذِي يَزَنْ

يَلْهُو الْكِرَامُ وَلَا يَنْسَوْنَ أَحْسَابَا

فَحَكَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ حِكَايَةً لِحَيْرَتِهِمْ وَاضْطِرَابِ أَمْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُرْسِلُونَ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِمْ جَوَاسِيسَ عَلَى النَّبِيءِ وَالْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُونَ الْيَهُودِيَّةَ ثُمَّ اتَّهَمُوهُمْ بِخَرْقِ الرَّأْيِ وَسُوءِ التَّدْبِير وَأَنَّهُمْ دهبوا يَتَجَسَّسُونَ فَكَشَفُوا أَحْوَالَ قَوْمِهِمْ، وَيَدُلُّ لِهَذَا عِنْدِي قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدُ: أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ وَأَخْبَارٌ مَرْوِيَّةٌ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ بِأَسَانِيدَ لِبَيَانِ الْمُتَحَدِّثِ بِهِ، فَعَنِ السُّدِّيِّ كَانَ بَعْضُ الْيَهُودِ يُحَدِّثُ الْمُسْلِمِينَ بِمَا عُذِّبَ بِهِ أَسْلَافُهُمْ، وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ: إِنَّ النَّبِيءَ مَذْكُورٌ فِي التَّوْرَاةِ، وَعَنِ ابْنِ زَيْدٍ كَانُوا يُخْبِرُونَ عَنْ بَعْضِ قَصَصِ التَّوْرَاةِ.

وَالْمُرَادُ بِما فَتَحَ اللَّهُ إِمَّا مَا قَضَى اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَحْوَالِ وَالْمَصَائِبِ فَإِنَّ الْفَتْحَ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ [الْأَعْرَاف: 89] وَالْفَتَّاحُ الْقَاضِي بِلُغَةِ الْيَمَنِ، وَإِمَّا بِمَعْنَى الْبَيَانِ وَالتَّعْلِيمِ، وَمِنْهُ الْفَتْحُ عَلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ بِإِظْهَارِ الْآيَةِ لَهُ وَهُوَ كِنَايَةٌ مَشْهُورَةٌ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَلْزِمُ بَيَانَ الْحَقِّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [الْبَقَرَة: 89] أَيْ يَسْأَلُونَهُمُ الْعِلْمَ بِالْأُمُورِ التَّشْرِيعِيَّةِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ، فَالْمَعْنَى بِمَا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ مِنَ الدِّينِ.

وَقَوْلُهُ: لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ صِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهَا حُصُولُ الْفِعْلِ مِنْ جَانِبَيْنِ بَلْ هِيَ لِتَأْكِيدِ الِاحْتِجَاجِ أَيْ لِيَحْتَجُّوا عَلَيْكُمْ بِهِ أَيْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيُحَاجُّوكُمْ لَامُ التَّعْلِيلِ لَكِنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّعْقِيبِ مَجَازًا أَوْ تَرْشِيحًا لِاسْتِعْمَالِ الِاسْتِفْهَامِ فِي الْإِنْكَارِ أَوِ التَّقْرِيرِ مَجَازًا فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الِاسْتِفْهَامُ الْمَوْضُوعُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ اسْتُعْمِلَ هُنَا فِي الْإِنْكَارِ أَوِ التَّقْرِيرِ مَجَازًا لِأَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ يَسْتَلْزِمُ الْإِقْرَارَ وَالْمُقَرَّرَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي الْإِنْكَارَ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ مِمَّا يُنْكَرُ بَدَاهَةً وَكَانَتِ الْمُحَاجَّةُ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ فَرْعًا عَنِ التَّحْدِيثِ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ جَعَلَ فَرْعَ وُقُوعِ التَّحْدِيثِ الْمُنْكَرِ كَأَنَّهُ عِلّة مسؤول عَنْهَا أَيْ لَكَانَ فِعْلُكُمْ هَذَا مُعَلَّلًا بِأَنْ يُحَاجُّوكُمْ، وَهُوَ غَايَةٌ فِي الْإِنْكَارِ إِذْ كَيْفَ يَسْعَى أَحَدٌ فِي إِيجَادِ شَيْءٍ تَقُومُ بِهِ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَالْقَرِينَةُ هِيَُُ

ص: 570

كَوْنُ الْمَقَامِ لِلْإِنْكَارِ لَا لِلِاسْتِفْهَامِ وَلِذَلِكَ كَانَتِ اللَّامُ تَرْشِيحًا مُتَمَيِّزًا بِهِ أَيْضًا.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ: عِنْدَ رَبِّكُمْ ظَرْفٌ عَلَى بَابِهِ مُرَادٌ مِنْهُ عِنْدِيَّةُ التَّحَاكُمِ الْمُنَاسب لقَوْله: لِيُحَاجُّوكُمْ وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا مَحَالَةَ أَيْ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْكُمْ أَمَامَ اللَّهِ عَلَى صِدْقِ رَسُولِهِمْ وَعَلَى تَبِعَتِكُمْ فِي عَدَمِ الْإِيمَانِ بِهِ وَذَلِكَ جَارٍ عَلَى حِكَايَةَ حَالِ عَقِيدَةِ الْيَهُودِ مِنْ تَشْبِيهِهِمُ الرَّبَّ سبحانه وتعالى بِحُكَّامِ الْبَشَرِ فِي تَمَشِّي الْحِيَلِ عَلَيْهِ وَفِي أَنَّهُ إِنَّمَا يَأْخُذُ الْمُسَبِّبَاتِ مِنْ أَسْبَابِهَا الظَّاهِرِيَّةِ فَلِذَلِكَ كَانُوا يَرْتَكِبُونَ التَّحَيُّلَ فِي شَرْعِهِمْ وَتَجِدُ كُتُبَهُمْ مَلْأَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ ظَهَرَ لَهُ كَذَا وَعَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ الْفُلَانِيَّ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْمَظْنُونِ وَكَقَوْلِهِمْ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ «وَقَالَ الرَّبُّ هُوَ ذَا الْإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا يَعْرِفُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ» وَقَالَ فِيهِ: «وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الْإِنْسَانِ قد كثر فَحزن الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الْإِنْسَانِ فِي الْأَرْضِ وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ فَقَالَ: أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ الْإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ» وَجَاءَ فِي التَّكْوِينِ أَيْضًا «لَمَّا شَاخَ إِسْحَاقُ وَكَلَّتْ عَيْنَاهُ عَنِ النَّظَرِ دَعَا ابْنَهُ الْأَكْبَرَ عِيسُو وَقَالَ لَهُ: إِنِّي شِخْتُ وَلَسْتُ أَعْرِفُ يَوْمَ وَفَاتِي فَالْآنَ خُذْ عُدَّتَكَ وَاخْرُجْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ فَتَصَيَّدْ لِي صَيْدًا وَاصْنَعْ لِي أَطْعِمَةً حَتَّى أُبَارِكَكَ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ فَسَمِعَتْ (رُفْقَةُ) أُمِّهِمَا (1) ذَلِكَ فَكَلَّمَتِ ابْنَهَا يَعْقُوبَ وَقَالَتِ: اذْهَبْ إِلَى الْغَنَمِ وَخُذْ جَدْيَيْنِ جَيِّدَيْنِ مِنَ الْمِعْزَى فَاصْنَعْهُمَا أَطْعِمَةً لِأَبِيكَ حَتَّى يُبَارِكَكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ فَقَالَ: يَعْقُوبُ لِأُمِّهِ إِنَّ عِيسُو أَخِي رَجُلٌ أَشْعَرُ وَأَنَا رَجُلٌ أَمْلَسُ رُبَّمَا يَجُسُّنِي أَبِي فَأَكُونُ فِي عَيْنَيْهِ كَمُتَهَاوِنٍ وَأَجْلِبُ عَلَى نَفْسِي لَعْنَةً فَقَالَتِ: اسْمَعْ لِقَوْلِي فَذَهَبَ وَصَنَعَتْ لَهُ أُمُّهُ الطَّعَامَ وَأَخَذَتْ ثِيَابَ ابْنِهَا الْأَكْبَرِ عِيسُو وَأَلْبَسَتْهَا يَعْقُوبَ وَأَلْبَسَتْ يَدَيْهِ وَمَلَّاسَةَ عُنُقِهِ جُلُودَ الْجَدْيَيْنِ فَدَخَلَ يَعْقُوبُ إِلَى أَبِيهِ وَقَالَ: يَا أَبِي أَنَا ابْنُكَ الْأَكْبَرُ قَدْ فَعَلْتُ

كَمَا كَلَّمْتَنِي فَجَسَّهُ إِسْحَاقُ وَقَالَ الصَّوْتُ صَوْتُ يَعْقُوبَ وَلَكِنَّ الْيَدَيْنِ يَدَا عِيسُو فَبَارَكَهُ (أَي جعله نبيئا) وَجَاءَ عِيسُو وكلم أَبَاهُ وَعلم الْحِيلَةَ ثُمَّ قَالَ لِأَبِيهِ: بَارِكْنِي أَنَا فَقَالَ قَدْ جَاءَ أَخُوكَ بُكْرَةً وَأَخَذَ بَرَكَتَكَ» إِلَخْ فَمَا ظَنُّكَ بِقَوْمٍ هَذِهِ مَبَالِغُ عَقَائِدِهِمْ أَنْ لَا يَقُولُوا لَا تُعْلِمُوهُمْ لِئَلَّا يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اسْتِبْعَادُ الْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِعِنْدَ رَبِّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنَّ إِخْفَاءَ الْحَقَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُفِيدُ مَنْ يُحَاوِلُهُ حَتَّى سَلَكُوا فِي تَأْوِيلِ مَعْنَى قَوْلِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ مَسَالِكَ فِي غَايَةِ التَّكَلُّفِ قِيَاسًا مِنْهُمْ لِحَالِ الْيَهُودِ عَلَى حَالِ عَقَائِدِ

(1) رفْقَة هِيَ أم عيسو وَيَعْقُوب وَلكنهَا تميل إِلَى يَعْقُوب لِأَن عيسو كَانَ قد تزوج امْرَأتَيْنِ من بني حث فَكَانَت رفْقَة ساخطة على عيسو.

ص: 571

الْإِسْلَامِ فَفَسَّرُوا (عِنْدَ) بِمَعْنَى الْكِتَابِ أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَوْ حَذْفِ مَوْصُولٍ ثُمَّ سَلَكَ مُتَعَقِّبُوهُمْ فِي إِعْرَابِهِ غَايَةَ الْإِغْرَابِ.

وَقَوْلُهُ: أَفَلا تَعْقِلُونَ مِنْ بَقِيَّةِ مَقُولِهِمْ لِقَوْمِهِمْ وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ خِطَابًا مِنَ اللَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ تَذْيِيلًا لِقَوْلِهِ: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [الْبَقَرَة: 75] لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِمُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَيْسُوا جَدِيرِينَ بِمِثْلِ هَذَا التَّوْبِيخِ وَحَسْبُهُمْ مَا تَضَمَّنَهُ الِاسْتِفْهَامُ مِنَ الِاسْتِغْرَابِ أَوِ النَّهْيِ.

فَإِنْ قلت: لم لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ جَوَابُ الْمُخَاطَبِينَ بِالتَّبَرُّؤِ مِنْ أَنْ يَكُونُوا حَدَّثُوا الْمُؤْمِنِينَ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ كَمَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ؟

قُلْتُ: لَيْسَ الْقُرْآنُ بِصَدَدِ حِكَايَةِ مُجَادَلَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ فَإِنَّهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُحْكَى مِنْهَا مَا فِيهِ شَنَاعَةُ حَالِهِمْ وَسُوءُ سُلُوكِهِمْ وَدَوَامُ إِصْرَارِهِمْ وَانْحِطَاطُ أَخْلَاقِهِمْ فَتَبِرِّيهِمْ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ كُبَرَاؤُهُمْ مِنَ التُّهْمَةِ مَعْلُومٌ، لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُحَدِّثُوا الْمُسْلِمِينَ بِشَيْءٍ وَلِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ إِلَخْ. وَأَمَّا مَا فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ تَنَصُّلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ إِنَّا مَعَكُمْ فَلِأَنَّ فِيهِ التَّسْجِيلَ عَلَيْهِم فِي قَوْلهم فِيهِ: إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ.

وَقَوْلُهُ: أَوَلا يَعْلَمُونَ الْآيَةَ، الِاسْتِفْهَامُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ فَهُوَ إِمَّا مَجَازٌ فِي التَّقْرِيرِ أَيْ لَيْسُوا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ التَّقْرِيرُ بِلَازِمِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّهُ يَعْلَمُهُ فَقَدْ عَلِمَهُ رَسُولُهُ وَهَذَا لُزُومٌ عُرْفِيٌّ ادِّعَائِي فِي الْمَقَامِ الْخَطَابِيِّ أَوْ مَجَازٌ فِي التَّوْبِيخِ وَالْمَعْنَى هُوَ هُوَ، أَوْ مَجَازٌ فِي التَّحْضِيضِ أَيْ هَلْ كَانَ وُجُودُ أَسْرَارِ دِينِهِمْ فِي الْقُرْآنِ مُوجِبًا لِعِلْمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَالْمُرَادُ لَازِمُ ذَلِكَ أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ عَنِ اللَّهِ أَيْ هَلَّا كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صدق الرَّسُول عوض عَنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِتُهْمَةِ قَوْمِهِمُ الَّذِينَ تَحَقَّقُوا صِدْقَهُمْ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الظَّاهِرُ لِي وَيُرَجِّحُهُ التَّعْبِيرُ بِيَعْلَمُونَ بِالْمُضَارِعِ دُونَ عَلِمُوا.

وَمُوقِعُ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ: أَفَلا تَعْقِلُونَ وَقَوْلُهُ: أَوَلا يَعْلَمُونَ سَيَأْتِي عَلَى نَظَائِرِهِ وَخِلَافُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ [الْبَقَرَة: 87] .

ص: 572