المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مراتب القراءات الصحيحة والترجيح بينها - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: ‌مراتب القراءات الصحيحة والترجيح بينها

وَأَمَّا صِحَّةُ السَّنَدِ الَّذِي تُرْوَى بِهِ الْقِرَاءَةُ لِتَكُونَ مَقْبُولَةً فَهُوَ شَرْطٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ إِذْ قَدْ تَكُونُ الْقِرَاءَةُ مُوَافِقَةً لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ وَمُوَافَقَةً لِوُجُوهِ الْعَرَبِيَّةِ لَكِنَّهَا لَا تَكُونُ مَرْوِيَّةً بِسَنَدٍ صَحِيحٍ كَمَا ذُكِرَ فِي «الْمُزْهِرِ» أَنَّ حَمَّادَ بْنَ الزِّبْرِقَانِ قَرَأَ: إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وعدها أَبَاهُ [التَّوْبَة: 114] بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِنَّمَا هِيَ «إِيَّاهُ» بِتَحْتِيَّةٍ، وَقَرَأَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي غرَّة [ص:

2] بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ «عِزَّةٍ» بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَزَايٍ، وَقَرَأَ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: 37] بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ «يُغْنِيهِ» بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا حَفِظَهُ مِنَ الْمُصْحَفِ.

‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ «الْعَوَاصِمِ» : اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي لَا تُخَالِفُ الْأَلْفَاظَ الَّتِي كُتِبَتْ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فِي وُجُوهِ الْأَدَاءِ وَكَيْفِيَّاتِ النُّطْقِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ تَوَاتُرَهَا تَبَعٌ لِتَوَاتُرِ صُورَةِ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَمَا كَانَ نُطْقُهُ صَالِحًا لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَهُوَ مَقْبُولٌ، وَمَا هُوَ بِمُتَوَاتِرٍ لِأَنَّ وُجُودَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ مُنَافٍ لِدَعْوَى التَّوَاتُرِ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا كَانَ مِنِ الْقِرَاءَاتِ مُخَالِفًا لِمُصْحَفِ عُثْمَانَ، مِثْلَ مَا نُقِلَ مِنْ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَمَّا قَرَأَ الْمُسْلِمُونَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ مِنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُغَيَّرْ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ صَارَتْ مُتَوَاتِرَةٌ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَإِنْ كَانَتْ أَسَانِيدُهَا الْمُعَيَّنَةُ آحَادًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ كُلَّهَا بِمَا فِيهَا مِنْ طَرَائِقِ أَصْحَابِهَا وَرِوَايَاتِهِمْ مُتَوَاتِرَةٌ وَكَيْفَ وَقَدْ ذَكَرُوا أَسَانِيدَهُمْ فِيهَا فَكَانَتْ أَسَانِيدَ أَحَادٍ، وَأَقْوَاهَا سَنَدًا مَا كَانَ لَهُ رَاوِيَانِ عَنِ الصَّحَابَةِ مِثْلَ قِرَاءَةِ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ التُّونُسِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ إِدْرِيسَ فَقِيهُ بِجَايَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْأَبْيَارِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ، وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَسَانِيدَ لَا تَقْتَضِي إِلَّا أَنَّ فُلَانًا قَرَأَ كَذَا وَأَنَّ فُلَانًا قَرَأَ بِخِلَافِهِ، وَأَمَّا اللَّفْظُ الْمَقْرُوءُ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى تِلْكَ الْأَسَانِيدِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّاتُ النُّطْقِ بِحُرُوفِهِ فَضْلًا عَنْ كَيْفِيَّاتِ أَدَائِهِ.

وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي «الْبُرْهَانِ» : هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْأَبْيَارِيُّ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي «شَرْحِهِ» : هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ الْقُرَّاءِ وَلَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً عِنْدَ عُمُومِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا تَوَسُّطٌ بَيْنَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَبْيَارِيِّ، وَوَافَقَ إِمَامَ الْحَرَمَيْنِ ابْنُ سَلَامَةَ الْأَنْصَارِيُّ

ص: 60

مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ

مُهِمَّةٌ جَرَى فِيهَا حِوَارٌ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ ابْنِ عَرَفَةَ التُّونُسِيِّ وَابْنِ لُبٍّ الْأَنْدَلُسِيِّ ذَكَرَهَا الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي «الْمِعْيَارِ» .

وَتَنْتَهِي أَسَانِيدُ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ إِلَى ثَمَانِيَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَبَعْضُهَا يَنْتَهِي إِلَى جَمِيعِ الثَّمَانِيَةِ وَبَعْضُهَا إِلَى بَعْضِهِمْ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ.

وَأَمَّا وُجُوهُ الْإِعْرَابِ فِي الْقُرْآنِ فَأَكْثَرُهَا مُتَوَاتِرٌ إِلَّا مَا سَاغَ فِيهِ إِعْرَابَانِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعَانِي نَحْوَ وَلاتَ حِينَ مَناصٍ [ص: 3] بِنَصْبِ حِينَ وَرَفْعِهِ، وَنَحْوَ: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ [الْأَحْزَاب: 11] بِنَصْبِ (يَقُولَ) وَرَفْعِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى رَفْعِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النِّسَاء: 164] وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ بِنَصْبِ اسْمِ الْجَلَالَةِ لِئَلَّا يُثْبِتُوا لِلَّهِ كَلَامًا، وَقَرَأَ بَعْضُ الرَّافِضَةِ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الْكَهْف: 51] بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ، وَفَسَّرُوهَا بِأَبِي بكر وَعمر حاشا هما، وَقَاتَلَهُمُ اللَّهُ.

وَأَمَّا مَا خَالَفَ الْوُجُوهَ الصَّحِيحَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَفِيهِ نَظَرٌ قَوِيٌّ لِأَنَّا لَا ثِقَةَ لَنَا بِانْحِصَارِ فَصِيحِ كَلَامِ الْعَرَبِ فِيمَا صَارَ إِلَى نُحَاةِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، وَبِهَذَا نُبْطِلُ كَثِيرًا مِمَّا زَيَّفَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنِ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِعِلَّةٍ أَنَّهَا جَرَتْ عَلَى وُجُوهٍ ضَعِيفَةٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَا سِيَّمَا مَا كَانَ مِنْهُ فِي قِرَاءَةٍ مَشْهُورَةٍ كَقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادهم شركائهم [الْأَنْعَام: 137] بِبِنَاءِ (زَيَّنَ) لِلْمَفْعُولِ وَبِرَفْعِ (قَتْلُ) ، وَنَصْبِ (أَوْلَادَهُمْ) وَخَفْضِ (شُرَكَائِهِمْ) وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ، فَهُوَ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ الَّتِي تُنَاكِدُ التَّوَاتُرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَلَى مَا فِي اخْتِلَافِ الْإِعْرَابَيْنِ مِنْ إِفَادَةِ مَعْنًى غَيْرِ الَّذِي يُفِيدُهُ الْآخَرُ، لِأَنَّ لِإِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ خَصَائِصَ غَيْرَ الَّتِي لِإِضَافَتِهِ إِلَى فَاعِلِهِ، وَلِأَنَّ لِبِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَجْهُولِ نُكَتًا غَيْرَ الَّتِي لِبِنَائِهِ لِلْفَاعِلِ، عَلَى أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْفَارِسِيَّ أَلَّفَ كِتَابًا سَمَّاهُ «الْحُجَّةَ» احْتَجَّ فِيهِ لِلْقِرَاءَاتِ الْمَأْثُورَةِ احْتِجَاجًا مِنْ جَانِبِ الْعَرَبِيَّةِ.

ثُمَّ إِنَّ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرَ الصَّحِيحَةَ الْمُتَوَاتِرَةَ قَدْ تَتَفَاوَتُ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ بَعْضُهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْبَلَاغَةِ أَوِ الْفَصَاحَةِ أَوْ كَثْرَةِ الْمَعَانِي أَوِ الشُّهْرَةِ، وَهُوَ تَمَايُزٌ مُتَقَارِبٌ، وَقَلَّ أَنْ

ص: 61

يَكْسِبَ إِحْدَى الْقِرَاءَاتِ فِي تِلْكَ الْآيَةِ رُجْحَانًا، عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ كَانَ لَا يَرَى مَانِعًا مِنْ تَرْجِيحِ قِرَاءَةٍ عَلَى غَيْرِهَا، وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَالْعَلَّامَةُ

الزَّمَخْشَرِيُّ وَفِي أَكْثَرِ مَا رَجَّحَ بِهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ فِي مَوَاضِعِهِ.

وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُعْرِبِينَ مِنِ اخْتِيَارِ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ الْمُتَوَاتِرَتَيْنِ وَقَوْلِهِمْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَحْسَنُ، أَذَاكَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِمَّا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُعْرِبِينَ مِنْ تَحْسِينِ بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ وَاخْتِيَارِهَا عَلَى بَعْضٍ لِكَوْنِهَا أَظْهَرَ مِنْ جِهَةِ الْإِعْرَابِ وَأَصَحَّ فِي النَّقْلِ، وَأَيْسَرَ فِي اللَّفْظِ فَلَا يُنْكَرُ ذَلِكَ، كَرِوَايَةِ وَرْشٍ الَّتِي اخْتَارَهَا الشُّيُوخُ الْمُتَقَدِّمُونَ عِنْدَنَا (أَيْ بِالْأَنْدَلُسِ) فَكَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَامِعِ لَا يَقْرَأُ إِلَّا بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ تَسْهِيلِ النَّبَرَاتِ وَتَرْكِ تَحْقِيقِهَا فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ، وَقَدْ تَؤَوَّلَ ذَلِكَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَرَاهِيَةِ النَّبْرِ فِي الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ.

وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنَ «الْعُتْبِيَّةِ» : سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ النَّبْرِ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: إِنِّي لَأَكْرَهُهُ وَمَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي «الْبَيَانِ» يُعْنَى بِالنَّبْرِ هَاهُنَا إِظْهَارُ الْهَمْزَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى الْأَصْلِ فَكُرِهَ ذَلِكَ وَاسْتُحِبَّ فِيهِ التَّسْهِيلُ عَلَى رِوَايَةِ وَرْشٍ لِمَا جَاءَ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَكُنْ لُغَتُهُ الْهَمْزَ (أَيْ إِظْهَارَ الْهَمْزِ فِي الْكَلِمَاتِ الْمَهْمُوزَةِ بَلْ كَانَ يَنْطِقُ بِالْهَمْزَةِ مُسَهَّلَةً إِلَى أَحْرُفِ عِلَّةٍ مِنْ جِنْسِ حَرَكَتِهَا، مِثْلَ: يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ [الْكَهْف: 94] بِالْأَلِفِ دُونَ الْهَمْزِ، وَمِثْلَ: الذِّيبِ فِي الذِّئْبُ [يُوسُف: 13] وَمِثْلَ: مُومِنٍ فِي مُؤْمِنٌ [الْبَقَرَة: 221] . ثُمَّ قَالَ: وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ الْعَمَلُ جَارِيًا فِي قُرْطُبَةَ قَدِيمًا أَنْ لَا يَقْرَأَ الْإِمَامُ بِالْجَامِعِ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِرِوَايَةِ وَرْشٍ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ ذَلِكَ وَتُرِكَتِ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ مُنْذُ زَمَنٍ قَرِيبٍ اهـ.

وَهَذَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ رَاوِي حَمْزَةَ، قَدِ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ قِرَاءَةً مِنْ بَيْنِ قِرَاءَاتِ الْكُوفِيِّينَ، وَمِنْهُمْ شَيْخُهُ حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ وَمَيَّزَهَا قِرَاءَةً خَاصَّةً فَعُدَّتْ عَاشِرَةَ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ وَمَا هِيَ إِلَّا اخْتِيَارٌ مِنْ قِرَاءَاتِ الْكُوفِيِّينَ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ إِلَّا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ [الْأَنْبِيَاء: 95] قَرَأَهَا بِالْأَلِفِ بَعْدَ الرَّاءِ مِثْلَ حَفْصٍ وَالْجُمْهُورِ.

فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ يُفْضِي تَرْجِيحُ بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ عَلَى بَعْضٍ إِلَى أَنْ تَكُونَ الرَّاجِحَةُ أَبْلَغَ مِنَ الْمَرْجُوحَةِ فَيُفْضِي إِلَى أَنَّ الْمَرْجُوحَةَ أَضْعَفُ فِي الْإِعْجَازِ؟

ص: 62

قُلْتُ: حَدُّ الْإِعْجَازِ مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِجَمِيعِ مُقْتَضَى الْحَالِ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّفَاوُتَ، وَيَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْكَلَامِ الْمُعْجِزِ مُشْتَمِلًا عَلَى لَطَائِفَ وَخُصُوصِيَّاتٍ تَتَعَلَّقُ بِوُجُوهِ الْحُسْنِ كَالْجِنَاسِ وَالْمُبَالَغَةِ، أَوْ تَتَعَلَّقُ بِزِيَادَةِ الْفَصَاحَةِ، أَوْ بِالتَّفَنُّنِ مِثْلَ: أَمْ تَسْأَلُهُمْ

خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ

[الْمُؤْمِنُونَ: 72] . عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْقِرَاءَاتِ نَشَأَتْ عَن ترخيص النبيء صلى الله عليه وسلم للقارىء أَنْ يَقْرَأَ بِالْمُرَادِفِ تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ حَدِيثُ تَنَازُعِ عُمَرَ مَعَ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ، فَتُرْوَى تِلْكَ الْقِرَاءَةُ لِلْخَلَفِ فَيَكُونُ تَمْيِيزُ غَيْرِهَا بِسَبَبِ أَنَّ الْمُتَمَيِّزَةَ هِيَ الْبَالِغَةُ الْبَلَاغَةِ وَأَنَّ الْأُخْرَى تَوْسِعَةٌ وَرُخْصَةٌ، وَلَا يُعَكِّرُ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِهَا أَيْضًا بَالِغَةَ الطَّرَفِ الْأَعْلَى مِنَ الْبَلَاغَةِ وَهُوَ مَا يَقْرُبُ مِنْ حَدِّ الْإِعْجَازِ. وَأَمَّا الْإِعْجَازُ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَحَقَّقَ فِي كُلِّ آيَةٍ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ التَّحَدِّيَ إِنَّمَا وَقَعَ بِسُورَةٍ مِثْلَ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَأَقْصَرُ سُورَةٍ ثَلَاثُ آيَاتٍ فَكُلُّ مِقْدَارٍ يَنْتَظِمُ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُهُ مُعْجِزًا. تَنْبِيهٌ: أَنَا أَقْتَصِرُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ عَلَى التَّعَرُّضِ لِاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ الْمَشْهُورَةِ خَاصَّةً فِي أَشْهَرِ رِوَايَاتِ الرَّاوِينَ عَنْ أَصْحَابِهَا لِأَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ، وَإِنْ كَانَتِ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ قَدِ امْتَازَتْ عَلَى بَقِيَّةِ الْقِرَاءَاتِ بِالشُّهْرَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ. وَأَبْنِي أَوَّلَ التَّفْسِيرِ عَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ بِرِوَايَةِ عِيسَى ابْن مِينَا الْمَدَنِيِّ الْمُلَقَّبِ بِقَالُونَ لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الْمَدَنِيَّةُ إِمَامًا وَرَاوِيًا وَلِأَنَّهَا الَّتِي يَقْرَأُ بِهَا مُعْظَمُ أَهْلِ تُونُسَ. ثُمَّ أَذْكُرُ خِلَافَ بَقِيَّةِ الْقُرَّاءِ الْعَشَرَةِ خَاصَّةً.

وَالْقِرَاءَاتُ الَّتِي يُقْرَأُ بِهَا الْيَوْمَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنْ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ، هِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ بِرِوَايَةِ قَالُونَ فِي بَعْضِ الْقُطْرِ التُّونُسِيِّ وَبَعْضِ الْقُطْرِ الْمِصْرِيِّ وَفِي لِيبْيَا، وَبِرِوَايَةِ وَرْشٍ فِي بَعْضِ الْقُطْرِ التُّونُسِيِّ وَبَعْضِ الْقُطْرِ الْمِصْرِيِّ وَفِي جَمِيعِ الْقُطْرِ الْجَزَائِرِيِّ وَجَمِيعِ الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى، وَمَا يَتْبَعُهُ مِنَ الْبِلَادِ وَالسُّودَانِ. وَقِرَاءَةُ عَاصِمٍ بِرِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الشَّرْقِ مِنَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَغَالِبِ الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْهِنْدِ وَبَاكِسْتَانَ وَتُرْكِيَا وَالْأَفْغَانِ. وَبَلَغَنِي أَنَّ قِرَاءَةَ أَبِي عَمْرٍو الْبَصْرِيِّ يُقْرَأُ بِهَا فِي السُّودَانِ الْمُجَاوِرِ مِصْرَ.

ص: 63