المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : الآيات 70 الى 71] - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 70 الى 71]

لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْمَسَرَّةَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنْ بَابِ اسْتِفَادَةِ التَّعْلِيلِ مِنَ التَّعْلِيقِ بِالْمُشْتَقِّ.

[70، 71]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71)

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ.

الْقَوْلُ فِي مَا هِيَ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ، فَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى حَكَى مُرَادِفَ كَلَامِهِمْ بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَالْجَوَاب لَهُم ب إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا إِلَّا الْكَرَامَةُ وَالنَّفَاسَةُ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْكِيُّ فِي الْقُرْآنِ اخْتِصَارًا لِكَلَامِهِمْ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ مُرَادَهُمْ فَأَنْبَأَهُمْ بِهِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ إِعَادَتَهُمُ السُّؤَالَ تُوقِعُ فِي نَفْسِ مُوسَى تَسَاؤُلًا عَنْ سَبَبِ هَذَا التَّكْرِيرِ فِي السُّؤَالِ، وَقَوْلُهُمْ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا اعْتِذَارٌ عَنْ إِعَادَةِ السُّؤَالِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَذِرُوا فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَاعْتَذَرُوا الْآنَ لِأَنَّ لِلثَّالِثَةِ فِي التَّكْرِيرِ وَقعا فِي النَّفْسِ فِي التَّأْكِيدِ وَالسَّآمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ كَثُرَ فِي أَحْوَالِ الْبَشَرِ وَشَرَائِعِهِمُ التَّوْقِيتُ بِالثَّلَاثَةِ.

وَقَدْ جِيءَ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ فِي خَبَرٍ لَا يَشُكُّ مُوسَى فِي صِدْقِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ ثُمَّ يُتَوَسَّلُ بِالِاهْتِمَامِ إِلَى إِفَادَةِ مَعْنَى التَّفْرِيعِ وَالتَّعْلِيلِ فَتُفِيدُ (إِنَّ) مَفَادَ فَاءِ التَّفْرِيعِ وَالتَّسَبُّبِ وَهُوَ مَا اعْتَنَى الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِ بِشَارٍ:

بَكِّرَا صَاحِبَيَّ قَبْلَ الْهَجِيرِ

إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ

تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [الْبَقَرَة: 32] فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً.

وَقَوْلُهُمْ: وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ تَنْشِيطٌ لِمُوسَى وَوَعْدٌ لَهُ بِالِامْتِثَالِ لِيَنْشَطَ إِلَى دُعَاءِ رَبِّهِ بِالْبَيَانِ وَلِتَنْدَفِعَ عَنْهُ سَآمَةُ مُرَاجَعَتِهِمُ الَّتِي ظَهَرَتْ بَوَارِقِهَا فِي قَوْلِهِ: فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ [الْبَقَرَة: 68] وَلِإِظْهَارِ حُسْنِ الْمَقْصِدِ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَأَنْ لَيْسَ قَصْدُهُمُ الْإِعْنَاتَ.

تَفَادِيًا مِنْ غَضَبِ مُوسَى عَلَيْهِم.

وَالتَّعْلِيق ب إِنْ شاءَ اللَّهُ لِلتَّأَدُّبِ مَعَ اللَّهِ فِي رَدِّ الْأَمْرِ إِلَيْهِ فِي طَلَبِ حُصُولِ الْخَيْرِ.

وَالْقَوْلُ فِي وَجْهِ التَّأْكِيدِ فِي إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ الْأَوَّلِ.

ص: 554

وَالذَّلُولُ- بِفَتْحِ الذَّالِ- فَعُولٌ مِنْ ذَلَّ ذِلًّا- بِكَسْرِ الذَّالِ فِي الْمَصْدَرِ- بِمَعْنَى لَانَ وَسَهُلَ. وَأَمَّا الذُّلُّ- بِضَمِّ الذَّالِ- فَهُوَ ضِدُّ الْعِزِّ وَهُمَا مَصْدَرَانِ لِفِعْلٍ وَاحِدٍ خَصَّ الِاسْتِعْمَالُ أَحَدَ الْمَصْدَرَيْنِ بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ أَنْ يُحْرَثَ عَلَيْهَا وَأَنْ يُسْقَى بِجَرِّهَا أَيْ هِيَ عِجْلَةٌ قَارَبَتْ هَذَا السِّنَّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا حُدِّدَ بِهِ سِنُّهَا فِي التَّوْرَاةِ.

وَلَا ذَلُولٌ صِفَةٌ لِبَقَرَةٍ. وَجُمْلَةُ تُثِيرُ الْأَرْضَ حَالٌ مِنْ ذَلُولٌ.

وَإِثَارَةُ الْأَرْضِ حَرْثُهَا وَقَلْبُ دَاخِلِ تُرَابِهَا ظَاهِرًا وَظَاهِرِهِ بَاطِنًا، أُطْلِقَ عَلَى الْحَرْثِ فِعْلُ الإثارة تَشْبِيها لانقلال أَجْزَاءِ الْأَرْضِ بِثَوْرَةِ الشَّيْءِ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَتُثِيرُ سَحاباً [الرّوم: 48] أَيْ تَبْعَثُهُ وَتَنْقُلُهُ وَنَظِيرُ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الرُّومِ [9] : وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ.

وَإِقْحَامُ (لَا) بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مَعَ أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ عَلَى الْمَنْفِيِّ بِهَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهَا إِنَّمَا هُوَ لِمُرَاعَاةِ الِاسْتِعْمَالِ الْفَصِيحِ فِي كُلِّ وَصْفٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ أُدْخِلَ فِيهِ حَرْفُ لَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ [الْبَقَرَة: 68] فَإِنَّهُ لَمَّا قُيِّدَتْ صِفَةُ ذَلُولٍ بِجُمْلَةِ تَسْقِي الْحَرْثَ صَارَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ أَنَّهَا بَقَرَةٌ لَا تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ فَجَرَتِ الْآيَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْفَصِيحِ مِنْ إِعَادَةِ (لَا) وَبِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُجَّةٌ لِلْمُبَرِّدِ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ.

وَاخْتِيرَ الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ فِي (تثير) و (تَسْقِي) لِأَنَّهُ الْأَنْسَبُ بِذَلُولٍ إِذِ الْوَصْفُ شَبِيهٌ بِالْمُضَارِعِ وَلِأَنَّ الْمُضَارِعَ دَالٌّ عَلَى الْحَالِ.

وَ (مُسَلَّمَةٌ) أَيْ سَلِيمَةٌ مِنْ عُيُوبِ نَوْعِهَا فَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ سُلِّمَتِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ وَكَثِيرًا مَا تُذْكَرُ الصِّفَاتُ الَّتِي تُعْرَضُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ بِصِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ فِي الْفِعْلِ وَالْوَصْفِ إِذْ لَا يخْطر على بَاب الْمُتَكَلِّمِ تَعْيِينُ فَاعِلِ ذَلِكَ، وَمِنْ هَذَا مُعْظَمُ الْأَفْعَالِ الَّتِي الْتُزِمَ فِيهَا الْبِنَاءُ لِلْمَجْهُولِ.

وَقَوْلُهُ: لَا شِيَةَ فِيها صِفَةٌ أُخْرَى تُمَيِّزُ هَذِهِ الْبَقَرَةَ عَنْ غَيْرِهَا. وَالشِّيَةُ الْعَلَامَةُ وَهِيَ بِزِنَةِ فِعْلَةٍ مِنْ وَشَى الثَّوْبَ إِذَا نَسَجَهُ أَلْوَانًا وَأَصْلُ شِيَةٍ وَشْيَةٌ وَيَقُولُ الْعَرَبُ ثَوْبٌ مُوَشًّى وَثَوْبٌ وَشِيٌّ، وَيَقُولُونَ: ثَوْرٌ مُوَشَّى الْأَكَارِعِ لِأَنَّ فِي أَكَارِعِ ثَوْرِ الْوَحْشِ سَوَادٌ يُخَالِطُ صُفْرَتَهُ فَهُوَ ثَوْرٌ أَشْيَهٌ وَنَظَائِرُهُ قَوْلُهُمْ فَرَسٌ أَبْلَقُ، وَكَبْشٌ أَدْرَعُ، وَتَيْسٌ أَزْرَقُ وَغُرَابٌ أَبْقَعُ، بِمَعْنَى مُخْتَلِطٍ لَوْنَيْنِ.

وَقَوْلُهُ: قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ أَرَادُوا بِالْحَقِّ الْأَمْرَ الثَّابِتَ الَّذِي لَا احْتِمَالَ فِيهِ كَمَا تَقُولُ جَاءَ بِالْأَمْرِ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَمْ يُرِيدُوا مِنَ الْحَقِّ ضِدَّ الْبَاطِلِ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ نَبِيَّهُمْ.

فَإِنْ

ص: 555

قُلْتَ: لِمَاذَا ذُكِرَ هُنَا بِلَفْظِ الْحَقِّ؟ وَهَلَّا قِيلَ قَالُوا: الْآنَ جِئْتَ بِالْبَيَانِ أَوْ بِالثَّبْتِ؟

قُلْتُ: لَعَلَّ الْآيَةَ حَكَتْ مَعْنَى مَا عَبَّرَ عَنْهُ الْيَهُودُ لِمُوسَى بِلَفْظٍ هُوَ فِي لُغَتِهِمْ مُحْتَمِلٌ لِلْوَجْهَيْنِ فَحَكَى بِمَا يُرَادِفُهُ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى قِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِانْتِقَاءِ الْأَلْفَاظِ النَّزِيهَةِ فِي مُخَاطَبَةِ أَنْبِيَائِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ للنبيء صلى الله عليه وسلم راعِنا، فَنُهِينَا نَحْنُ عَنْ أَنْ نَقُولَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا [الْبَقَرَة: 104] وَهُمْ لِقِلَّةِ جَدَارَتِهِمْ بِفَهْمِ الشَّرَائِعِ قَدْ تَوَهَّمُوا أَنَّ فِي الْأَمْرِ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ دُونَ بَيَانِ صِفَاتِهَا تَقْصِيرًا كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا الْأَمْرَ بِالذَّبْحِ كَالْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ فَجَعَلُوا يَسْتَوْصِفُونَهَا بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ وَاسْتَكْمَلُوا مُوسَى لَمَّا بَيَّنَ لَهُمُ الصِّفَاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا أَغْرَاضُ النَّاسِ فِي الْكَسْبِ لِلْبَقَرِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ فِي عِلْمِ النَّبِيءِ بِهَذِهِ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَمَالًا فِيهِ، فَلِذَا مَدَحُوهُ بَعْدَ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِمُ الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ كَمَا يَقُولُ الْمُمْتَحِنُ لِلتِّلْمِيذِ بَعْدَ جَمْعِ صُوَرِ السُّؤَالِ: الْآنَ أَصَبْتَ الْجَوَابَ، وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْوَصْفِ الطَّرْدِيِّ وَغَيْرِهِ فِي التَّشْرِيعِ، فَلْيَحْذَرِ الْمُسلمُونَ أَن يقعلوا فِي فَهْمِ الدِّينِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ أُولَئِكَ وَذُمُّوا لِأَجْلِهِ.

فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ.

عَطَفَتِ الْفَاءُ جُمْلَةَ فَذَبَحُوها عَلَى مُقَدَّرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ فَوَجَدُوهَا أَوْ فَظَفِرُوا بِهَا أَوْ

نَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ إِيجَازِ الْحَذْفِ الِاقْتِصَارِيِّ، وَلَمَّا نَابَ الْمَعْطُوفُ فِي الْمَوْقِعِ عَنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ صَحَّ أَنْ نَقُولَ الْفَاءُ فِيهِ لِلْفَصِيحَةِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ فِيهَا فَاءٌ لِلْفَصِيحَةِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إِنَّ فَاءَ الْفَصِيحَةِ مَا أَفْصَحَتْ عَنْ مُقَدَّرٍ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَوْلُهُ: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ تَعْرِيضٌ بِهِمْ بِذِكْرِ حَالٍ مِنْ سُوءِ تَلَقِّيهِمُ الشَّرِيعَةَ، تَارَةً بِالْإِعْرَاضِ وَالتَّفْرِيطِ، وَتَارَةً بِكَثْرَةِ التَّوَقُّفِ وَالْإِفْرَاطِ، وَفِيهِ تَعْلِيمٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِأُصُولِ التَّفَقُّهِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْأَخْذُ بِالْأَوْصَافِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي مَعْنَى التَّشْرِيعِ دُونَ الْأَوْصَافِ الطَّرْدِيَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ ذَبَحُوا أَيَّةَ بَقَرَةٍ لَأَجْزَأَتْهُمْ وَلَكِنْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.

وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِمْ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوِ اعْتَرَضُوا أدنى بقرة فدبحوها لَكَفَتْهُمْ وَلَكِنْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ»

وَفِي سَنَدِهِ عُبَادَةُ بْنُ مَنْصُورٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَكَانَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ

وَقَالَ: «فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ»

وَبَيَّنَ لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ مَا يَفْعَلُهُ فِي شَأْنِهَا

فَقَالَ

ص: 556

السَّائِلُ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ: «هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ السَّائِلُ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ فَغَضِبَ رَسُولُ الله وَقَالَ مَالك وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَشْرَبُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ حَتَّى يَأْتِيَهَا رَبُّهَا» .

وَجُمْلَةُ: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ تَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِئْنَافَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ أَشَدُّ رَبْطًا لِلْجُمْلَةِ وَذَلِكَ أَصْلُ الْجُمَلِ أَيْ ذَبَحُوهَا فِي حَالٍ تَقْرُبُ مِنْ حَالِ مَنْ لَا يَفْعَلُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ ذَبَحُوهَا مُكْرَهِينَ أَوْ كَالْمُكْرَهِينَ لِمَا أَظْهَرُوا مِنَ الْمُمَاطَلَةِ وَبِذَلِكَ يَكُونُ وَقْتُ الذَّبْحِ وَوَقْتُ الِاتِّصَافِ بِمُقَارَبَةِ انْتِفَائِهِ وَقْتًا مُتَّحِدًا اتِّحَادًا عُرْفِيًّا بِحَسَبِ الْمَقَامَاتِ الْخِطَابِيَّةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مُمَاطَلَتَهُمْ قَارَنَتْ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الذَّبْحِ. وَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ يَصِحُّ اخْتِلَافُ الزَّمَنَيْنِ أَيْ فَذَبَحُوهَا عِنْدَ ذَلِكَ أَيْ عِنْدِ إِتْمَامِ الصِّفَاتِ، وَكَانَ شَأْنُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ شَأْنَ مَنْ لَمْ يُقَارِبْ أَنْ يَفْعَلَ.

ثُمَّ إِنَّ مَا كادُوا يَفْعَلُونَ يَقْتَضِي بِحَسَبِ الْوَضْعِ نَفْيَ مَدْلُولِ كَادَ فَإِنَّ مَدْلُولَهَا الْمُقَارَبَةُ وَنَفْيُ مُقَارَبَةِ الْفِعْلِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُقُوعِهِ بِالْأَوْلَى فَيُقَالُ أَنَّى يَجْتَمِعُ ذَلِكَ مَعَ وُقُوعِ ذَبْحِهَا بِقَوْلِهِ: فَذَبَحُوها؟ فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَافِ فَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ نَفْيَ مُقَارَبَةِ الْفِعْلِ كَانَ قَبْلَ الذَّبْحِ حِينَ كَرَّرُوا السُّؤَالَ وَأَظْهَرُوا الْمِطَالَ ثُمَّ وَقَعَ الذَّبْحُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَجَابَ بِمِثْلِ هَذَا جَمَاعَةٌ يَعْنُونَ كَأَنَّ الْفِعْلَ وَقَعَ فَجْأَةً بَعْدَ أَنْ كَانُوا بِمَعْزِلٍ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَعْلِ الْوَاوِ اسْتِئْنَافًا وَقَدْ عَلِمْتُمْ بُعْدَهُ.

فَالْوَجْهُ الْقَالِعُ لِلْإِشْكَالِ هُوَ أَنَّ أَئِمَّةَ الْعَرَبِيَّةِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَفَادِ كَادَ الْمَنْفِيَّةِ فِي نَحْوِ مَا كَادَ يَفْعَلُ فَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الزَّجَّاجِيُّ إِلَى أَنَّ نَفْيَهَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مُقَارَبَةِ الْفِعْلِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَاءِ وُقُوعِ الْفِعْلِ بِالْأَوْلَى فَيَكُونُ إِثْبَاتُ كَادَ نَفْيًا لِوُقُوعِ الْخَبَرِ الَّذِي فِي قَوْلِكَ كَادَ يَقُومُ أَيْ قَارَبَ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ إِلَّا إِذَا قَارَبَ وَلَمْ يَفْعَلْ وَنَفْيُهَا نَفْيًا لِلْفِعْلِ بِطَرِيقِ فَحْوَى الْخِطَابِ فَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ وَأَنَّ مَا وَرَدَ مِمَّا يُوهِمُ خلاف ذَلِك مؤول بِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ وَقْتَيْنِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ كَلَامَيْنِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْ فَذَبَحُوهَا الْآنَ وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ خَبَرَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ فِي الصُّورَةِ قَرِينَةً عَلَى قَصْدِ زَمَانَيْنِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ مَالِكٍ فِي «الْكَافِيَةِ» إِذْ قَالَ:

وَبِثُبُوتِ كَادَ يُنْفَى الْخَبَرُ

وَحِينَ يُنْفَى كَادَ ذَاكَ أَجْدَرُ

وَغَيْرُ ذَا عَلَى كَلَامَيْنِ يَرِدْ

كَوَلَدَتْ هِنْدٌ وَلَمْ تَكَدْ تَلِدْ

ص: 557

وَهَذَا الْمَذْهَبُ وُقُوفٌ مَعَ قِيَاسِ الْوَضْعِ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ إِثْبَاتَ كَادَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْخَبَرِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ فِي تَقْرِيرِ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ نَفْيَهَا يَصِيرُ إِثْبَاتًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْأَعْرَابِ حَتَّى أَلْغَزَ فِيهِ أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيُّ بِقَوْلِهِ:

أَنَحْوِيَّ هَذَا الْعَصْرِ مَا هِيَ لَفْظَة

أَنْت فِي لِسَانَيْ جُرْهُمٍ وَثَمُودَ

إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي صُورَةِ الْجَحْدِ أَثْبَتَتْ

وَإِنْ أُثْبِتَتْ قَامَتْ مَقَامَ جُحُودِ

وَقَدِ احْتَجُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ وَهَذَا مِنْ غَرَائِبِ الِاسْتِعْمَالِ الْجَارِي عَلَى خِلَافِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ.

وَقَدْ جَرَتْ فِي هَذَا نَادِرَةٌ أَدَبِيَّةٌ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» وَهِيَ أَنَّ عَنْبَسَةَ الْعَنْسِيَّ الشَّاعِرَ قَالَ: قَدِمَ ذُو الرُّمَّةِ الْكُوفَةَ فَوَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ بِالْكُنَاسَةِ (1) يُنْشِدُ قَصِيدَتَهُ الْحَائِيَّةَ الَّتِي أَوَّلُهَا:

أَمَنْزِلَتَيْ ميّ سَلام عَلَيْكُم

عَلَى النَّأْيِ وَالنَّائِي يَوَدُّ وَيَنْصَحُ

حَتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ فِيهَا:

إِذَا غَيَّرَ النَّأْيُ الْمُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ

رَسِيسُ الْهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ

وَكَانَ فِي الْحَاضِرِينَ ابْنُ شُبْرُمَةَ فَنَادَاهُ ابْنُ شُبْرُمَةَ يَا غَيْلَانُ أَرَاهُ قَدْ بَرِحَ قَالَ: فَشَنَقَ نَاقَتَهُ وَجَعَلَ يَتَأَخَّرُ بِهَا وَيَتَفَكَّرُ ثُمَّ قَالَ: «لَمْ أَجِدْ» عِوَضَ «لَمْ يَكَدْ» قَالَ عَنْبَسَةُ: فَلَمَّا انْصَرَفْتُ حَدَّثْتُ أَبِي فَقَالَ لِي: أَخْطَأَ ابْنُ شُبْرُمَةَ حِينَ أَنْكَرَ عَلَى ذِي الرُّمَّةِ، وَأَخْطَأَ ذُو الرُّمَّةِ حِينَ غَيَّرَ شِعْرَهُ لِقَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ: إِنَّمَا هَذَا كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها [النُّور: 40] وَإِنَّمَا هُوَ لَمْ يَرَهَا وَلَمْ يَكَدْ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ- مِنْهُمْ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي وَعَبْدُ الْقَاهِرِ وَابْنُ مَالِكٍ فِي «التَّسْهِيلِ» - إِلَى أَنَّ أَصْلَ كَادَ أَنْ يَكُونَ نَفْيُهَا لِنَفْيِ الْفِعْلِ بِالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ إِلَّا أَنَّهَا قَدْ يُسْتَعْمَلُ نَفْيُهَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ بَعْدَ بُطْءٍ وَجَهْدٍ وَبَعْدَ أَنْ كَانَ بَعِيدًا فِي الظَّنِّ أَنْ يَقَعَ وَأَشَارَ عَبْدُ الْقَاهِرِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ جَرَى فِي الْعُرْفِ وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا مَجَازٌ تَمْثِيلِيٌّ بِأَنْ تُشَبَّهَ حَالَةُ مَنْ فَعَلَ الْأَمْرَ بَعْدَ عَنَاءٍ بِحَالَةِ مَنْ بَعُدَ عَنِ الْفِعْلِ فَاسْتَعْمَلَ الْمُرَكَّبَ الدَّالَّ عَلَى حَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي حَالَةِ الْمُشَبَّهِ، وَلَعَلَّهُمْ يَجْعَلُونَ نَحْوَ قَوْلِهِ فَذَبَحُوها قَرِينَةً عَلَى هَذَا الْقَصْدِ.

قَالَ فِي «التَّسْهِيلِ» : «وَتُنْفَى كَادَ إِعْلَامًاُُ

(1) الكناسة: بِضَم الْكَاف أَصله اسْم لما يكنس، وَسمي بهَا ساحة بِالْكُوفَةِ مثل المربد بِالْبَصْرَةِ.

ص: 558