الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوْلُهُ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تَذْيِيلٌ لِتَقْرِيبِ الْإِجَابَةِ أَيْ لِأَنَّكَ لَا يَغْلِبُكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَلَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِكَ وَحِكْمَتِكَ شَيْءٌ. وَالْحَكِيمُ بِمَعْنَى الْمُحْكِمِ هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ [الْبَقَرَة: 10] وَقَوْلُهُ: قالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [الْبَقَرَة: 32] .
[130، 131]
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131)
مُوقِعُ هَاتِهِ الْآيَاتِ مِنْ سَوَابِقِهَا مُوقِعُ النَّتِيجَةِ بَعْدَ الدَّلِيلِ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ فَضَائِلَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذِ ابْتَلى [الْبَقَرَة: 124] إِلَى هَنَا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ هَاتِهِ الْفَضَائِلِ لَا يَعْدِلُ عَنْ دِينِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ إِلَّا سَفِيهُ الْعَقْلِ أَفِنَ الرَّأْيِ، فَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ تُعْطَفَ عَلَى سَوَابِقِهَا بِالْفَاءِ وَإِنَّمَا عَدَلَ مِنَ الْفَاءِ إِلَى الْوَاوِ لِيَكُونَ مَدْلُولُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ فِي تَكْمِيلِ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ حَقِيقٌ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لَا مِنْ خُصُوصِ مَا حَكَى عَنْهُ فِي الْآيَاتِ السَّالِفَةِ وَفِي التَّعْرِيضِ بِالَّذِينَ حَادُوا عَنِ الدِّينِ الَّذِي جَاءَ مُتَضَمِّنًا لِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَالدَّلَالَةُ عَنِ التَّفْرِيعِ لَا تَفُوتُ لِأَنَّ وُقُوعَ الْجُمْلَةِ بَعْدَ سَوَابِقِهَا مُتَضَمِّنَةٌ هَذَا الْمَعْنَى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا نَتِيجَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ كَمَا تَقُولُ أَحْسَنَ فُلَانٌ تَدْبِيرَ الْمُهِمِّ وَهُوَ رَجُلٌ حَكِيمٌ وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى أَنْ تَقُولَ فَهُوَ رَجُلٌ حَكِيمٌ.
وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ وَالِاسْتِبْعَادِ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْإِنْكَارِ قَدْ يَكُونُ مَعَ جَوَازِ إِرَادَةِ قَصْدِ الِاسْتِفْهَامِ فَيَكُونُ كِنَايَةً، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ عَدَمِ جَوَازِ إِرَادَةِ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ فَيَكُونُ مَجَازًا فِي الْإِنْكَارِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ مَعْنَى النَّفْيِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَةِ فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ مَعَ الْعِلْمِ بِفَضْلِهَا وَوُضُوحِهَا أَمْرٌ مُنْكَرٌ مُسْتَبْعَدٌ. وَلَمَّا كَانَ شَأْنُ الْمُنْكِرِ الْمُسْتَبْعَدِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ فَاعِلِهِ اسْتُعْمِلَ الِاسْتِفْهَامُ فِي مَلْزُومِهِ وَهُوَ الْإِنْكَارُ وَالِاسْتِبْعَادُ عَلَى وَجْهِ الْكِنَايَةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْمَعْرَضِ لَكَانَ السُّؤَالُ وَجِيهًا، وَالِاسْتِثْنَاء قرينَة عَن إِرَادَةِ النَّفْيِ وَاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْنِ كِنَائِيَّيْنِ، أَوْ تَرْشِيحٌ لِلْمَعْنَى الْكِنَائِيِّ وَهُمَا الْإِنْكَارُ. وَالِاسْتِفْهَامُ لَا يَجِيءُ فِيهِ مَا قَالُوا فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ وَاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ
فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَوْ فِي مَجَازَيْهِ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَى الْكِنَائِيِّ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمَوْضُوعِ لَهُمَا الْحَقِيقِيُّ وَعَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ إِذِ الَّذِينَ رَأَوْا ذَلِكَ مَنَعُوا بِعِلَّةِ أَنَّ قَصْدَ الدَّلَالَةِ بِاللَّفْظِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ الدَّلَالَةِ بِهِ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ فَإِذَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى تَمَّتْ دَلَالَتُهُ وَأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمَجَازِيَّيْنِ دَلَالَةٌ بِاللَّفْظِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ فَتَقْضِي أَنَّهُ نُقِلَ مِنْ مَدْلُولِهِ الْحَقِيقِيِّ إِلَى مَدْلُولٍ مَجَازِيٍّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ الدَّلَالَةِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ أَبْطَلْنَا ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ، أَمَّا الْمَعْنَى الْكِنَائِيِّ فَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ عَقْلِيَّةٌ سَوَاءٌ بَقِيَ اللَّفْظُ دَالًّا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ أَمْ تَعَطَّلَتْ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ اسْتِعْمَالَ الِاسْتِفْهَامِ فِي مَعْنَى الْإِنْكَارِ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ كَمَا تَكَرَّرَ فِي كُلِّ كِنَايَةٍ لَمْ يَرِدْ فِيهَا الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ مَجَازٌ مَشْهُورٌ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فَقَالَ النُّحَاةُ: الِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ نَفْيٌ وَلِذَا يَجِيءُ بَعْدَهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى النَّفْيِ وَلَكِنَّهُ يَكْثُرُ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ شَأْنَ الشَّيْءِ الْمُنْكَرِ بِأَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا وَلِهَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ هُنَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ كَلَامٍ دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ كَأَنَّ مُجِيبًا أَجَابَ السَّائِلَ بِقَوْلِهِ: «لَا يَرْغَبُ عَنْهَا إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ.
وَالرَّغْبَةُ طَلَبُ أَمْرٍ مَحْبُوبٍ، فَحَقُّ فِعْلِهَا أَنْ يَتَعَدَّى بِفِي وَقَدْ يُعَدَّى بِعْنَ إِذَا ضُمِّنَ مَعْنَى الْعُدُولِ عَنْ أَمْرٍ وَكَثُرَ هَذَا التَّضْمِينُ فِي الْكَلَامِ حَتَّى صَارَ مَنْسِيًّا.
وَالْمِلَّةُ الدِّينُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [الْبَقَرَة: 120] .
وسفه بِمَعْنَى اسْتَخَفَّ لِأَنَّ السَّفَاهَةَ خِفَّةُ الْعَقْلِ وَاضْطِرَابُهُ يُقَالُ تَسَفَّهَهُ اسْتَخَفَّهُ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
مَشِينَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ
…
أَعَالِيَهَا مَرُّ الرِّيَاحِ النَّوَاسِمُ
وَمِنْهُ السَّفَاهَةُ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ ارْتِكَابُ أَفْعَالٍ لَا يَرْضَى بِهَا أَهْلُ الْمُرُوءَةِ. وَالسَّفَهِ فِي الْمَالِ وَهُوَ إِضَاعَتُهُ وَقِلَّةُ الْمُبَالَاةِ بِهِ وَسُوءُ تَنْمِيَتِهِ. وَسَفَّهَهُ بِمَعْنَى اسْتَخَفَّهُ وَأَهَانَهُ لِأَنَّ الِاسْتِخْفَافَ يَنْشَأُ عَنْهُ الْإِهَانَةُ وَسَفِهَ صَارَ سَفِيهًا وَقَدْ تَضُمُّ الْفَاءُ فِي هَذَا.
وَانْتِصَابُ نَفْسَهُ إِمَّا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ أَيْ أَهْمَلَهَا وَاسْتَخَفَّهَا وَلَمْ يُبَالِ بِإِضَاعَتِهَا دُنْيًا وَأُخْرَى وَيَجُوزُ انْتِصَابُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنِ الْفَاعِلِ وَأَصْلُهُ سَفِهَتْ نَفْسُهُ أَيْ خَفَّتْ وَطَاشَتْ فَحُوِّلَ الْإِسْنَادُ إِلَى صَاحِبِ النَّفْسِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِلْمُلَابَسَةِ قَصْدًا لِلْمُبَالَغَةِ وَهِيَ أَنَّ السَّفَاهَةَ
سَرَتْ مِنَ النَّفْسِ إِلَى صَاحِبِهَا مِنْ شِدَّةٍ تَمَكُّنِهَا بِنَفْسِهِ حَتَّى صَارَتْ صِفَةً لِجُثْمَانِهِ، ثُمَّ انْتَصَبَ الْفَاعِلُ عَلَى التَّمْيِيزِ تَفْسِيرًا لِذَلِكَ الْإِبْهَامِ فِي الْإِسْنَادِ الْمُجَازِيِّ، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَجِيءُ التَّمْيِيزِ مَعْرِفَةً بِالْإِضَافَةِ لِأَنَّ تَنْكِيرَ التَّمْيِيزِ أَغْلَبِيٌّ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ تَسْفِيهُ الْمُشْرِكِينَ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنْ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لَهُمُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْإِسْلَامَ مُقَامٌ عَلَى أَسَاسِ الْحَنِيفِيَّةِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَهُمْ بِأَنَّهَا مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [النَّحْل: 123] وَقَالَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [الْبَقَرَة: 128] وَقَالَ: وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ [الْبَقَرَة:
132] إِلَى قَوْلِهِ: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [الْبَقَرَة: 132] .
وَجُمْلَةُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا الدَّالَّةُ عَلَى رِفْعَةِ دَرَجَةِ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ جَعَلَهُ لِلنَّاسِ إِمَامًا وَضَمِنَ لَهُ النُّبُوءَةَ فِي ذُرِّيَّتِهِ وَأَمْرَهُ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ لِتَوْحِيدِهِ وَاسْتَجَابَ لَهُ دَعَوَاتِهِ.
وَقَدْ دَلَّتْ تِلْكَ الْجُمَلُ عَلَى اخْتِيَارِ اللَّهِ إِيَّاهُ فَلَا جَرَمَ أُعْقِبَتْ بِعَطْفِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا جَامِعَةٌ لِفَذْلَكَتِهَا وَزَائِدَةٌ بِذِكْرِ أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَاللَّامُ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ وَفِي ذَلِكَ اهْتِمَامٌ بِتَقْرِيرِ اصْطِفَائِهِ وَصَلَاحِهِ فِي الْآخِرَةِ.
وَلِأَجْلِ الِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْخَبَرِ الْأَخِيرِ أَكَّدَ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ فَقَوْلُهُ: وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ إِلَى آخِرِهِ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ اصْطَفَيْناهُ وَبَيْنَ الظَّرْفِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، إِذْ هُوَ ظَرْفٌ لَاصْطَفَيْنَاهُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، قُصِدَ مِنْ هَذِهِ الظَّرْفِيَّةِ التَّخَلُّصُ إِلَى مَنْقَبَةٍ أُخْرَى، لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ هُوَ دَلِيلُ اصْطِفَائِهِ حَيْثُ خَاطَبَهُ اللَّهُ
بِوَحْيٍ وَأَمَرَهُ بِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ أَسْلِمْ مِنْ مَعَانٍ جِمَاعُهَا التَّوْحِيدُ وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَإِخْلَاصُ الطَّاعَةِ، وَهُوَ أَيْضًا وَقْتُ ظُهُورِ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ إِصْلَاحَ حَالِهِ فِي الْآخِرَةِ إِذْ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ.
وَقَدْ فُهِمَ أَنَّ مَفْعُولَ أَسْلِمْ وَمُتَعَلِّقَهُ مَحْذُوفَانِ يُعْلَمَانِ مِنَ الْمَقَامِ أَيْ أَسْلِمْ نَفْسَكَ لِي كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَشَاعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ مَفْعُولِ أَسْلِمْ فَنَزَلَ الْفِعْلُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ يُقَالُ أَسْلَمَ أَيْ دَانَ بِالْإِسْلَامِ كَمَا أَنْبَأَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً [آل عمرَان: 67] .