المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقدمة الثانية في استمداد علم التفسير - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: ‌المقدمة الثانية في استمداد علم التفسير

‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

اسْتِمْدَادُ الْعِلْمِ يُرَادُ بِهِ تَوَقُّفُهُ عَلَى مَعْلُومَاتٍ سَابِقٌ وُجُودُهَا عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ الْعِلْمِ عِنْدَ مُدَوِّنِيهِ لِتَكُونَ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى إِتْقَانِ تَدْوِينِ ذَلِكَ الْعِلْمِ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ فِي الِاصْطِلَاحِ بِالِاسْتِمْدَادِ عَنْ تَشْبِيهِ احْتِيَاجِ الْعِلْمِ لِتِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ بِطَلَبِ الْمَدَدِ، وَالْمَدَدُ الْعَوْنُ وَالْغُوَاثُ، فَقَرَنُوا الْفِعْلَ بِحَرْفَيِ الطَّلَبِ وَهُمَا السِّينُ وَالتَّاءُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُذْكَرُ فِي الْعِلْمِ مَعْدُودًا مِنْ مَدَدِهِ، بَلْ مَدَدُهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَقَوُّمُهُ، فَأَمَّا مَا يُورَدُ فِي الْعِلْمِ مِنْ مَسَائِلِ عُلُومٍ أُخْرَى عِنْدَ الْإِفَاضَةِ فِي الْبَيَانِ، مِثْلَ كَثِيرٍ مِنْ إِفَاضَاتِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ فِي «مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ» فَلَا يُعَدُّ مَدَدًا لِلْعِلْمِ، وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ وَلَا يَنْضَبِطْ، بَلْ هُوَ مُتَفَاوِتٌ عَلَى حَسَبِ مَقَادِيرِ تَوَسُّعِ الْمُفَسِّرِينَ وَمُسْتَطْرَدَاتِهِمْ، فَاسْتِمْدَادُ عِلْمِ التَّفْسِيرِ لِلْمُفَسِّرِ الْعَرَبِيِّ، وَالْمُوَلَّدِ، مِنَ الْمَجْمُوعِ الْمُلْتَئِمِ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَعِلْمِ الْآثَارِ، وَمِنْ أَخْبَارِ الْعَرَبِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ قِيلَ: وَعِلْمِ الْكَلَامِ وَعِلْمِ الْقِرَاءَاتِ.

أَمَّا الْعَرَبِيَّةُ فَالْمُرَادُ مِنْهَا مَعْرِفَةُ مَقَاصِدِ الْعَرَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ وَأَدَبِ لُغَتِهِمْ سَوَاءٌ حَصَلَتْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ بِالسَّجِيَّةِ وَالسَّلِيقَةِ، كَالْمَعْرِفَةِ الْحَاصِلَةِ لِلْعَرَبِ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، أَمْ حَصَلَتْ بِالتَّلَقِّي وَالتَّعَلُّمِ كَالْمَعْرِفَةِ الْحَاصِلَةِ لِلْمُوَلَّدِينَ الَّذِينَ شَافَهُوا بَقِيَّةَ الْعَرَبِ وَمَارَسُوهُمْ، وَالْمُوَلَّدِينَ الَّذِينَ دَرَسُوا عُلُومَ اللِّسَانِ وَدَوَّنُوهَا. إِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ فَكَانَتْ قَوَاعِدُ الْعَرَبِيَّةِ طَرِيقًا لِفَهْمِ مَعَانِيهِ، وَبِدُونِ ذَلِكَ يَقَعُ الْغَلَطُ وَسُوءُ الْفَهْمِ لِمَنْ لَيْسَ بعربي بالسليقة، وَيَعْنِي بِقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ مَجْمُوعَ عُلُومِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَهِيَ: مَتْنُ اللُّغَةِ، وَالتَّصْرِيفُ، وَالنَّحْوُ، وَالْمَعَانِي، وَالْبَيَانُ. وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ الْمُتَّبَعَ مِنْ أَسَالِيبِهِمْ فِي خُطَبِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ وَتَرَاكِيبِ بُلَغَائِهِمْ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا يَجْرِي مَجْرَى التَّمْثِيلِ وَالِاسْتِئْنَاسِ لِلتَّفْسِيرِ مِنْ أَفْهَامِ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنْفُسِهِمْ لِمَعَانِي آيَاتٍ غَيْرِ وَاضِحَةِ الدَّلَالَةِ عِنْدَ الْمُوَلَّدِينَ، قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «وَمِنْ حَقِّ مُفَسِّرِ كِتَابِ اللَّهِ الْبَاهِرِ، وَكَلَامِهِ الْمُعْجِزِ أَنْ يَتَعَاهَدَ فِي مَذَاهِبِهِ بَقَاءَ النَّظْمِ عَلَى حُسْنِهِ وَالْبَلَاغَةِ عَلَى كَمَالِهَا، وَمَا وَقَعَ بِهِ

ص: 18

التَّحَدِّي سَلِيمًا مِنَ الْقَادِحِ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَاهَدْ أَوْضَاعَ اللُّغَةِ فَهُوَ مِنْ تَعَاهُدِ النَّظْمِ وَالْبَلَاغَةِ

عَلَى مَرَاحِلَ» (1) .

وَلِعِلْمَيِ الْبَيَانِ وَالْمَعَانِي مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِعِلْمِ التَّفْسِيرِ لِأَنَّهُمَا وَسِيلَةٌ لِإِظْهَارِ خَصَائِصِ الْبَلَاغَةِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ مِنْ تَفَاصِيلِ الْمَعَانِي وَإِظْهَارِ وَجْهِ الْإِعْجَازِ وَلِذَلِكَ كَانَ هَذَانِ الْعِلْمَانِ يُسَمَّيَانِ فِي الْقَدِيمِ عِلْمَ دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» :«عِلْمُ التَّفْسِيرِ الَّذِي لَا يَتِمُّ لِتَعَاطِيهِ وَإِجَالَةِ النَّظَرِ فِيهِ كُلُّ ذِي عِلْمٍ، فَالْفَقِيهُ وَإِنْ بَرَزَ عَلَى الْأَقْرَانِ فِي عِلْمِ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ، والمتكلم وَإِن بز أَهْلَ الدُّنْيَا فِي صِنَاعَةِ الْكَلَامِ، وَحَافِظُ الْقِصَصِ وَالْأَخْبَارِ وَإِنْ كَانَ مِنِ ابْنِ الْقَرْيَةِ أَحْفَظَ، وَالْوَاعِظُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَوْعَظَ، وَالنَّحْوِيُّ وَإِنْ كَانَ أَنْحَى مِنْ سِيبَوَيْهِ، وَاللُّغَوِيُّ وَإِنْ عَلَكَ اللُّغَاتِ بِقُوَّةِ لَحْيَيْهِ، لَا يَتَصَدَّى مِنْهُمْ أَحَدٌ لِسُلُوكِ تِلْكَ الطَّرَائِقِ، وَلَا يَغُوصُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْحَقَائِقِ، إِلَّا رَجُلٌ قَدْ بَرَعَ فِي عِلْمَيْنِ مُخْتَصَّيْنِ بِالْقُرْآنِ وَهُمَا عِلْمَا الْبَيَانِ وَالْمَعَانِي اهـ» (2) .

وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الزُّمَرِ [67] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ:

«وَكَمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ التَّنْزِيلِ وَحَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ الرَّسُولِ، قَدْ ضِيمَ وَسِيمَ الْخَسْفَ، بِالتَّأْوِيلَاتِ الْغَثَّةِ، وَالْوُجُوهِ الرَّثَّةِ، لِأَنَّ مَنْ تَأَوَّلَهَا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ عِيرٍ وَلَا نَفِيرٍ، وَلَا يَعْرِفُ قَبِيلًا مِنْهُ مِنْ دَبِيرٍ» يُرِيدُ بِهِ عِلْمَ الْبَيَانِ.

وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ «الْمِفْتَاحِ» : «وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى تَمَامِ مُرَادِ الْحَكِيمِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ مِنْ كَلَامِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَى هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ (الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ) كُلَّ الِافْتِقَارِ، فَالْوَيْلُ كُلُّ الْوَيْلِ لِمَنْ تَعَاطَى التَّفْسِيرَ وَهُوَ فِيهِمَا رَاجِلٌ» .

قَالَ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ فِي «شَرْحِهِ» : «وَلَا شَكَّ أَنَّ خَوَاصَّ نَظْمِ الْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا بُدَّ لِمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا، إِنْ لَمْ يَكُنْ بَلِيغًا سَلِيقَةً، مِنْ هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ. وَقَدْ أَصَابَ (السَّكَّاكِيُّ) بِذِكْرِ الْحَكِيمِ الْمَحَزِّ، أَيْ أَصَابَ الْمَحَزَّ إِذْ خَصَّ بِالذِّكْرِ هَذَا الِاسْمَ مِنْ بَيْنِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، لِأَنَّ كَلَامَ الْحَكِيمِ يَحْتَوِي عَلَى مَقَاصِدَ جَلِيلَةٍ وَمَعَانِي غَالِيَةٍ، لَا يَحْصُلُ الِاطِّلَاعُ عَلَى جَمِيعِهَا أَوْ مُعْظَمِهَا إِلَّا بَعْدَ التَّمَرُّسِ بِقَوَاعِدِ بَلَاغَةِ الْكَلَامِ الْمُفْرَغَةِ فِيهِ، وَفِي قَوْلِهِ يُنَبِّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَلَكِنَّهُ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُ،

(1) اُنْظُرْهُ عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ فِي سُورَة الْبَقَرَة [15] .

(2)

ديباجة «الْكَشَّاف» .

ص: 19

وَقَوْلُهُ فَالْوَيْلُ كُلُّ الْوَيْلِ تَنْفِيرٌ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ إِذَا شَرَعَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَاسْتِخْرَاجِ لَطَائِفِهِ

أَخْطَأَ غَالِبًا، وَإِنْ أَصَابَ نَادِرًا كَانَ مُخْطِئًا فِي إِقْدَامِهِ عَلَيْهِ اهـ» .

وَقَوْلُهُ تَمَامَ مُرَادِ الْحَكِيمِ، أَيِ الْمَقْصُودُ هُوَ مَعْرِفَةُ جَمِيعِ مُرَادِ اللَّهِ مِنْ قُرْآنِهِ، وَذَلِكَ إِمَّا لِيَكْثُرَ الطَّلَبُ وَاسْتِخْرَاجُ النُّكَتِ، فَيَدْأَبُ كُلُّ أَحَدٍ لِلِاطِّلَاعِ عَلَى غَايَةِ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الَّذِي نُصِبَ عَلَيْهِ عَلَامَاتٌ بَلَاغِيَّةٌ وَهُوَ مُنْحَصِرٌ فِيمَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ بِحَسَبِ التَّتَبُّعِ، وَالْكُلُّ مُظِنَّةُ عَدَمِ التَّنَاهِي وَبَاعِثٌ لِلنَّاظِرِ عَلَى بَذْلِ غَايَةِ الْجُهْدِ فِي مَعْرِفَتِهِ، وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي هَذَا الِاطِّلَاعِ عَلَى قَدْرِ صَفَاءِ الْقَرَائِحِ وَوَفْرَةِ الْمَعْلُومَاتِ.

وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ ابْنُ رشد فِي جَوَاب لَهُ عَمَّنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى لِسَانِ الْعَرَبِ مَا نَصُّهُ: «هَذَا جَاهِلٌ فَلْيَنْصَرِفْ عَنْ ذَلِكَ وَلْيَتُبْ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَةِ وَالْإِسْلَامِ إِلَّا بِلِسَانِ الْعَرَبِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشُّعَرَاء: 195] إِلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِخُبْثٍ فِي دِينِهِ فَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ عَلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَرَى فَقَدْ قَالَ عَظِيمًا اهـ» .

وَمُرَادُ السَّكَّاكِيِّ مِنْ تَمَامِ مُرَادِ اللَّهِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الْكَلَامُ مِنَ الْمَعَانِي الْخُصُوصِيَّةِ، فَمَنْ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الْفَاتِحَة: 5] بِإِنَّا نَعْبُدُكَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى تَمَامِ الْمُرَادِ لِأَنَّهُ أَهْمَلَ مَا يَقْتَضِيهِ تَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ مِنَ الْقَصْدِ.

وَقَالَ فِي آخِرِ فَنِّ الْبَيَانِ مِنَ «الْمِفْتَاحِ» : «لَا أَعْلَمُ فِي بَابِ التَّفْسِيرِ بَعْدَ عِلْمِ الْأُصُولِ أَقْرَأَ عَلَى الْمَرْءِ لِمُرَادِ اللَّهِ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ عِلْمَيِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ، وَلَا أَعْوَنَ عَلَى تَعَاطِي تَأْوِيلِ مُتَشَابِهَاتِهِ، وَلَا أَنْفَعَ فِي دَرْكِ لَطَائِفِ نُكَتِهِ وَأَسْرَارِهِ، وَلَا أَكْشَفَ لِلْقِنَاعِ عَنْ وَجْهِ إِعْجَازِهِ، وَلَكَمْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ تَرَاهَا قَدْ ضِيمَتْ حَقَّهَا وَاسْتُلِبَتْ مَاءَهَا وَرَوْنَقَهَا أَنْ وَقَعَتْ إِلَى مَنْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ، فَأَخَذُوا بِهَا فِي مَآخِذَ مَرْدُودَةٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى مَحَامِلَ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ إِلَخْ» .

وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» . فِي آخِرِ فَصْلِ الْمَجَازِ الْحُكْمِيِّ: «وَمِنْ عَادَةِ قَوْمٍ مِمَّنْ يَتَعَاطَى التَّفْسِيرَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَنْ يَتَوَهَّمُوا أَلْبَابَ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّمْثِيلِ أَنَّهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا (أَيْ عَلَى الْحَقِيقَةِ) ، فَيُفْسِدُوا الْمَعْنَى بِذَلِكَ وَيُبْطِلُوا الْغَرَضَ وَيَمْنَعُوا أَنْفُسَهُمْ وَالسَّامِعَ مِنْهُمُ الْعَلِمَ بِمَوْضِعِ الْبَلَاغَةِ وَبِمَكَانِ الشَّرَفِ، وَنَاهِيكَ بِهِمْ إِذَا أَخَذُوا فِي ذِكْرِ الْوُجُوهِ وَجَعَلُوا يُكْثِرُونَ فِي غير طائل، هُنَا لَك تَرَى مَا شِئْتَ مِنْ بَابِ جَهْلٍ قَدْ فَتَحُوهُ، وَزَنْدِ ضَلَالَةٍ قَدْ قَدَحُوا بِهِ» .

ص: 20

وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ، فَهُوَ التَّمَلِّي مِنْ أَسَالِيبِهِمْ فِي خُطَبِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ وَأَمْثَالِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَمُحَادَثَاتِهِمْ، لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ لِمُمَارَسَةِ الْمُوَلَّدِ ذَوْقٌ يَقُومُ عِنْدَهُ مَقَامَ السَّلِيقَةِ وَالسَّجِيَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِيِّ الْقُحِّ «وَالذَّوْقُ كَيْفِيَّةٌ لِلنَّفْسِ بِهَا تُدْرِكُ الْخَوَاصَّ وَالْمَزَايَا الَّتِي لِلْكَلَامِ الْبَلِيغِ» قَالَ شَيْخُنَا الْجَدُّ الْوَزِيرُ «وَهِيَ نَاشِئَةٌ عَنْ تَتَبُّعِ اسْتِعْمَالِ الْبُلَغَاءِ فَتَحْصُلُ لِغَيْرِ الْعَرَبِيِّ بِتَتَبُّعِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ وَالتَّدَبُّرِ فِي الْكَلَامِ الْمَقْطُوعِ بِبُلُوغِهِ غَايَةَ الْبَلَاغَةِ، فَدَعْوَى مَعْرِفَةِ الذَّوْقِ لَا تُقْبَلُ إِلَّا مِنَ الْخَاصَّةِ وَهُوَ يَضْعُفُ وَيَقْوَى بِحَسَبِ مُثَافَنَةِ ذَلِكَ التَّدَبُّرِ» اهـ.

وَلِلَّهِ دَرُّهُ فِي قَوْلِهِ الْمَقْطُوعِ بِبُلُوغِهِ غَايَةَ الْبَلَاغَةِ الْمُشِيرِ إِلَى وُجُوبِ اخْتِيَارِ الْمُمَارِسِ لِمَا يُطَالِعُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَهُوَ الْكَلَامُ الْمَشْهُودُ لَهُ بِالْبَلَاغَةِ بَيْنَ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ، نَحْوَ «المعلقات» و «الحماسة» وَنَحْوَ «نَهْجِ الْبَلَاغَةِ» وَ «مَقَامَاتِ الْحَرِيرِيِّ» وَ «رَسَائِلِ بَدِيعِ الزَّمَانِ» .

قَالَ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» قُبَيْلَ الْكَلَامِ عَلَى اعْتِبَارَاتِ الْإِسْنَادِ الْخَبَرِيِّ «لَيْسَ مِنَ الْوَاجِبِ فِي صِنَاعَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَرْجِعُ فِي أُصُولِهَا وَتَفَارِيعِهَا إِلَى مُجَرَّدِ الْعَقْلِ، أَنْ يَكُونَ الدخيل فِيهَا كالناشىء عَلَيْهَا فِي اسْتِفَادَةِ الذَّوْقِ مِنْهَا، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتِ الصِّنَاعَةُ مُسْتَنِدَةً إِلَى تَحْكِيمَاتٍ وَضْعِيَّةٍ وَاعْتِبَارَاتٍ إِلْفِيَّةٍ، فَلَا بَأْسَ عَلَى الدَّخِيلِ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي، أَنْ يُقَلِّدَ صَاحِبَهُ فِي بَعْضِ فَتَاوَاهُ إِنْ فَاتَهُ الذَّوْقُ هُنَاكَ إِلَى أَنْ يَتَكَامَلَ لَهُ عَلَى مَهْلٍ مُوجِبَاتُ ذَلِكَ الذَّوْقِ اهـ» .

وَلِذَلِكَ- أَيْ لِإِيجَادِ الذَّوْقِ أَوْ تَكْمِيلِهِ- لَمْ يَكُنْ غِنًى لِلْمُفَسِّرِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنَ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى الْمُرَادِ فِي الْآيَةِ بِبَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ لِتَكْمِيلِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الذَّوْقِ، عِنْدَ خَفَاءِ الْمَعْنَى، وَلِإِقْنَاعِ السَّامع والمتعلم الَّذين لَمْ يَكْمُلْ لَهُمَا الذَّوْقُ فِي الْمُشْكِلَاتِ.

وَهَذَا- كَمَا قُلْنَاهُ آنِفًا- شَيْءٌ وَرَاءَ قَوَاعِدِ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ، وَعِلْمُ الْبَلَاغَةِ بِهِ يَحْصُلُ انْكِشَافُ بَعْضِ الْمَعَانِي وَاطْمِئْنَانُ النَّفْسِ لَهَا، وَبِهِ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ اطَّلَعَ أَحَدٌ عَلَى تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ [الحجرات: 11]، وَعَرَضَ لَدَيْهِ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ عَطْفُ قَوْلِهِ: وَلا نِساءٌ عَلَى قَوْلِهِ: قَوْمٌ عطف مباين، أَوْ عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ فَاسْتَشْهَدَ الْمُفَسِّرُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ زُهَيْرٍ:

ص: 21

وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إِخَالُ أَدْرِي

أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ

كَيْفَ تَطْمَئِنُّ نَفْسُهُ لِاحْتِمَالِ عَطْفِ الْمُبَايِنِ دُونَ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَكَذَلِكَ

إِذَا رَأَى تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: 6] وَتَرَدَّدَ عِنْدَهُ احْتِمَالُ أَنَّ الْبَاءَ فِيهِ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ أَوْ لِلْآلَةِ وَكَانَتْ نَفْسُهُ غَيْرَ مُطْمَئِنَّةٍ لِاحْتِمَالِ التَّأْكِيدِ إِذْ كَانَ مَدْخُولُ الْبَاءِ مَفْعُولًا فَإِذَا اسْتُشْهِدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّابِغَةِ:

لَكَ الْخَيْرُ إِنْ وَارَتْ بِكَ الْأَرْضُ وَاحِدًا

وَأَصْبَحَ جَدُّ النَّاسِ يَظْلَعُ عَاثِرًا

وَقَوْلِ الْأَعْشَى:

فَكُلُّنَا مُغْرَمٌ يَهْوَى بِصَاحِبِهِ

قَاصٍ وَدَانٍ وَمَحْبُولٍ وَمُحْتَبَلِ

رَجَحَ عِنْدَهُ احْتِمَالُ التَّأْكِيدِ وَظَهَرَ لَهُ أَنَّ دُخُولَ الْبَاءِ عَلَى الْمَفْعُولِ لِلتَّأْكِيدِ طَرِيقَةٌ مَسْلُوكَةٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ.

رَوَى أَئِمَّةُ الْأَدَبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَوْلَهُ تَعَالَى:

أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [النَّحْل: 47] ثُمَّ قَالَ مَا تَقُولُونَ فِيهَا أَيْ فِي مَعْنَى التَّخَوُّفِ، فَقَامَ شَيْخٌ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ: هَذِهِ لُغَتُنَا، التَّخَوُّفُ التَّنَقُّصُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهَا؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَبُو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ:

تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا

كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ (1)

فَقَالَ عُمَرُ: «عَلَيْكُمْ بِدِيوَانِكُمْ لَا تَضِلُّوا، هُوَ شِعْرُ الْعَرَبِ فِيهِ تَفْسِيرُ كِتَابِكُمْ وَمَعَانِي كَلَامِكُمْ» وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «الشِّعْرُ دِيوَانُ الْعَرَبِ فَإِذَا خَفِيَ عَلَيْنَا الْحَرْفُ مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ بِلُغَتِهِمْ رَجَعْنَا إِلَى دِيوَانِهِمْ فَالْتَمَسْنَا مَعْرِفَةَ ذَلِكَ مِنْهُ» وَكَانَ كَثِيرًا مَا يُنْشِدُ الشِّعْرَ إِذَا سُئِلَ عَنْ بَعْضِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ السِّنَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [الْبَقَرَة: 255] فَقَالَ النُّعَاسُ وَأَنْشَدَ قَوْلَ زُهَيْرٍ:

لَا سِنَةَ فِي طُوَالِ اللَّيْلِ تَأْخُذُهُ

وَلَا يَنَامُ وَلَا فِي أَمْرِهِ فَنَدُ

وَسُئِلَ عِكْرِمَةُ مَا مَعْنَى الزَّنِيمِ؟ فَقَالَ هُوَ وَلَدُ الزِّنَى وَأَنْشَدَ:

زَنِيمٌ لَيْسَ يَعْرِفُ مَنْ أُبُوهُ

بَغِيُّ الْأُمِّ ذُو حَسَبٍ لَئِيمُُِ

(1) التامك: السنام، وقرد بِفَتْح الْقَاف وَكسر الرَّاء: كثير القراد، والسفن- بِفتْحَتَيْنِ- الْمبرد.

ص: 22

فَمِمَّا يُؤْثَرُ (1) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَمَثُّلِ الرَّجُلِ بِبَيْتِ شِعْرٍ لِبَيَانِ مَعْنًى فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: «مَا يُعْجِبُنِي» فَهُوَ عَجِيبٌ، وَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ كَرَاهَةَ أَنْ يَذْكُرَ

الشِّعْرَ لِإِثْبَاتِ صِحَّةِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ كَمَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْمَلَاحِدَةِ، رُوِيَ أَنَّ ابْنَ الرَّاوَنْدِيِّ (2) (وَكَانَ يُزَنُّ بِالْإِلْحَادِ) قَالَ لِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ:«أَتَقُولُ الْعَرَبُ لِبَاسُ التَّقْوَى» فَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ لَا بَاسَ لَا بَاسَ، وَإِذَا أَنْجَى اللَّهُ النَّاسَ، فَلَا نَجَّى ذَلِكَ الرَّاسَ، هَبْكَ يَا بن الرَّاوَنْدِيِّ تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ نَبِيًّا أَفَتُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ فَصِيحًا عَرَبِيًّا؟» .

وَيَدْخُلُ فِي مَادَّةِ الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ مَا يُؤْثَرُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي فَهْمِ مَعَانِي بَعْضِ الْآيَاتِ عَلَى قَوَانِينِ اسْتِعْمَالِهِمْ، كَمَا رَوَى مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ:

«قُلْتُ لِعَائِشَةَ- وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ-: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى. إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [الْبَقَرَة: 158] ، فَمَا عَلَى الرَّجُلِ شَيْءٌ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَلَّا لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، لَكَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ الْآيَةَ اهـ» ، فَبَيَّنَتْ لَهُ ابْتِدَاءَ طَرِيقَةِ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى كَمَا وَهِمَهُ عُرْوَةُ ثُمَّ بَيَّنَتْ لَهُ مَثَارَ شُبْهَتِهِ النَّاشِئَةِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ الَّذِي ظَاهِرُهُ رَفْعُ الْجُنَاحِ عَنِ السَّاعِي الَّذِي يُصَدِّقُ بِالْإِبَاحَةِ دُونَ الْوُجُوبِ.

وَأَمَّا الْآثَارُ فَالْمَعْنِيُّ بِهَا مَا نُقِلَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ بَعْضِ الْقُرْآنِ فِي مَوَاضِعِ الْإِشْكَالِ وَالْإِجْمَالِ، وَذَلِكَ شَيْءٌ قَلِيلٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُفَسِّرُ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا آيَاتٍ مَعْدُودَاتٍ عَلَّمَهُ إِيَّاهُنَّ جِبْرِيلُ» ، وَقَالَ مَعْنَاهُ فِي مُغَيَّبَاتِ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِ مُجْمَلِهِ مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا بتوقيف، قلت: أَو كَانَ تَفْسِيرًا لَا تَوْقِيفَ فِيهِ، كَمَا بَيَّنَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ هُمَا سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ، وَقَالَ لَهُ «إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْوِسَادَةِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا» وَمَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ

(1) ذكره الألوسي.

(2)

توفّي سنة 240 هـ.

ص: 23

شَاهَدُوا نُزُولَ الْوَحْيِ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ النُّزُولِ، وَنَاسِخٍ وَمَنْسُوخٍ، وَتَفْسِيرِ مُبْهَمٍ، وَتَوْضِيحِ وَاقِعَةٍ مِنْ كُلِّ مَا طَرِيقُهُمْ فِيهِ الرِّوَايَةُ عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، دُونَ الرَّأْيِ وَذَلِكَ مِثْلُ كَوْنِ الْمُرَادِ مِنَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ الْيَهُودِ وَمِنَ الضَّالِّينَ النَّصَارَى، وَمِثْلُ كَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [المدثر: 11] الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ أَبَا خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ،

وَكَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً [مَرْيَم:

77] الْآيَةَ، الْعَاصِيَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ فِي خُصُومَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ كَمَا فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَكَثْتُ سِنِينَ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَمْنَعُنِي إِلَّا مَهَابَتُهُ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَقَالَ هُمَا حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. وَمَعْنَى كَوْنِ أَسْبَابِ النُّزُولِ مِنْ مَادَّةِ التَّفْسِيرِ، أَنَّهَا تُعِينَ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُرَادِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ يَقْصُرُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ لَا يُخَصَّصُ، قَالَ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ: وَكَمَا أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ لَا يُخَصَّصُ، كَذَلِكَ خُصُوصُ غَرَضِ الْكَلَامِ لَا يُخَصَّصُ، كَأَنْ يَرِدَ خَاصٌّ ثُمَّ يَعْقُبُهُ عَامٌّ لِلْمُنَاسَبَةِ فَلَا يُقْتَضَى تَخْصِيصُ الْعَامِّ، نَحْوَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النِّسَاء: 128] وَقَدْ يَكُونُ الْمَرْوِيُّ فِي سَبَبِ النُّزُولِ مُبَيِّنًا وَمُؤَوِّلًا لِظَاهِرٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ، فَقَدْ تَوَهَّمَ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا [الْمَائِدَة: 93] فَاعْتَذَرَ بِهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي شُرْبِ قُدَامَةَ خَمْرًا، رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ فَقَدِمَ الْجَارُودُ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّ قُدَامَةَ شَرِبَ فَسَكِرَ، فَقَالَ عُمَرُ مَنْ يَشْهَدُ عَلَى مَا تَقُولُ، قَالَ الْجَارُودُ أَبُو هُرَيْرَةَ يَشْهَدُ عَلَى مَا أَقُولُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ عُمَرُ يَا قُدَامَةُ إِنِّي جَالِدُكَ، قَالَ وَاللَّهِ لَوْ شَرِبْتُ كَمَا يَقُولُونَ مَا كَانَ لَكَ أَنْ تَجْلِدَنِي، قَالَ عُمَرُ وَلِمَ؟ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ إِلَخْ، فَقَالَ عُمَرُ إِنَّكَ أَخْطَأْتَ التَّأْوِيلَ يَا قُدَامَةُ، إِذَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ اجْتَنَبْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ. وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ لِمَ تَجْلِدُنِي! بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ وَأَيُّ كِتَابِ اللَّهِ تَجِدُ أَنْ لَا أَجْلِدَكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَأَنَا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا، شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَالْمَشَاهِدَ، فَقَالَ عُمَرُ أَلَا تَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، إِنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ أُنْزِلْنَ عُذْرًا لِلْمَاضِينَ وَحُجَّةً عَلَى الْبَاقِينَ،

ص: 24

فَعُذْرُ الْمَاضِينَ بِأَنَّهُمْ لَقُوا اللَّهَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْخَمْرُ، وَحُجَّةٌ عَلَى الْبَاقِينَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [الْمَائِدَة: 90] ، ثُمَّ قَرَأَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ الْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَأَحْسَنُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ نَهَى أَنْ يُشْرَبَ الْخَمْرُ، قَالَ عُمَرُ صَدَقْتَ. الْحَدِيثَ» .

وَتَشْمَلُ الْآثَارُ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى تَفْسِيرِ مَعْنًى، إِذْ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ كَإِجْمَاعِهِمْ

عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأُخْتِ فِي آيَةِ الْكَلَالَةِ الْأُولَى هِيَ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي سُورَةِ الْجُمُعَةِ هِيَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَعْلُومَاتُ بِالضَّرُورَةِ كُلُّهَا كَكَوْنِ الصَّلَاةِ مُرَادًا مِنْهَا الْهَيْئَةُ الْمَخْصُوصَةُ دُونَ الدُّعَاءِ، وَالزَّكَاةِ الْمَالُ الْمَخْصُوصُ الْمَدْفُوعُ.

وَأَمَّا الْقِرَاءَاتُ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا إِلَّا فِي حِينِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي مَعْنَى التَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَعَانِي الْقَائِمَةِ مِنَ الْآيَةِ أَوْ لِاسْتِظْهَارٍ عَلَى الْمَعْنَى، فَذِكْرُ الْقِرَاءَةِ كَذِكْرِ الشَّاهِدِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً، فَلَا جَرَمَ أَنَّهَا تَكُونُ حُجَّةً لُغَوِيَّةً، وَإِنْ كَانَتْ شَاذَّةً فَحُجَّتُهَا لَا مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ صَحِيحَةَ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ أَنَّ قَارِئَهَا مَا قَرَأَ بِهَا إِلَّا اسْتِنَادًا لِاسْتِعْمَالٍ عَرَبِيٍّ صَحِيحٍ، إِذْ لَا يَكُونُ الْقَارِئُ مُعْتَدًّا بِهِ إِلَّا إِذَا عُرِفَتْ سَلَامَةُ عَرَبِيَّتِهِ، كَمَا احْتَجُّوا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ [الْفَاتِحَة: 2] أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ بِقِرَاءَةِ هَارُونَ الْعَتَكِيِّ الْحَمْدُ لِلَّهِ بِالنَّصْبِ كَمَا فِي «الْكَشَّافِ» وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تُعَدُّ تَفْسِيرًا مِنْ حَيْثُ هِيَ طَرِيقٌ فِي أَدَاءِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ، بَلْ مِنْ حَيْثُ أَنَّهَا شَاهِدٌ لُغَوِيٌّ فَرَجَعَتْ إِلَى عِلْمِ اللُّغَةِ.

وَأَمَّا أَخْبَارُ الْعَرَبِ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَدَبِهِمْ وَإِنَّمَا خَصَصْتُهَا بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا لِمَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا مِنَ اللَّغْوِ فَهِيَ يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى فَهْمِ مَا أَوْجَزَهُ الْقُرْآنُ فِي سَوْقِهَا لِأَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا يَذْكُرُ الْقِصَصَ وَالْأَخْبَارَ لِلْمَوْعِظَةِ وَالِاعْتِبَارِ، لَا لِأَنْ يَتَحَادَثَ بِهَا النَّاسُ فِي الْأَسْمَارِ، فَبِمَعْرِفَةِ الْأَخْبَارِ يُعْرَفُ مَا أَشَارَتْ لَهُ الْآيَاتُ مِنْ دَقَائِقِ الْمَعَانِي، فَنَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً [النَّحْل: 92] وَقَوْلِهِ: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ [البروج: 4] يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ أَخْبَارِهِمْ عِنْدَ الْعَرَبِ.

وَأَمَّا أُصُولُ الْفِقْهِ فَلَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ مَادَّةِ التَّفْسِيرِ، وَلَكِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ أَحْكَامَ الْأَوَامِرِ

ص: 25

وَالنَّوَاهِي وَالْعُمُومِ وَهِيَ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ بَعْضَهُ يَكُونُ مَادَّةً لِلتَّفْسِيرِ وَذَلِكَ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ عِلْمَ الْأُصُولِ قَدْ أُودِعَتْ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ هِيَ مِنْ طُرُقِ اسْتِعْمَالِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَفَهْمِ مَوَارِدِ اللُّغَةِ أَهْمَلَ التَّنْبِيهَ عَلَيْهَا عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ مِثْلَ مَسَائِلِ الْفَحْوَى وَمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَقَدْ عَدَّ الْغَزَالِيُّ عِلْمَ الْأُصُولِ مِنْ جُمْلَةِ الْعُلُومِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ وَبِأَحْكَامِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ مَادَّةً لِلتَّفْسِيرِ.

الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ عِلْمَ الْأُصُولِ يَضْبُطُ قَوَاعِدَ الِاسْتِنْبَاطِ وَيُفْصِحُ عَنْهَا فَهُوَ آلَةٌ لِلْمُفَسِّرِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ مِنْ آيَاتِهَا.

وَقَدْ عَدَّ عَبْدُ الْحَكِيمِ وَالْأَلُوسِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ السَّكَّاكِيِّ، فِي آخِرِ فَنِّ الْبَيَانِ الَّذِي

تَقَدَّمَ آنِفًا وَمَا شَرَحَهُ بِهِ شارحاه التفتازانيّ وَالْجُرْجَانِيُّ. عِلْمَ الْكَلَامِ فِي جُمْلَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ عِلْمُ التَّفْسِيرِ، قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ:«لِتَوَقُّفِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ عَلَى إِثْبَاتِ كَوْنِهِ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا، وَذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى عِلْمِ الْكَلَامِ» .

وَقَالَ الْأَلُوسِيُّ: «لِتَوَقُّفِ فَهْمِ مَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ وَيَسْتَحِيلُ عَلَى الْكَلَامِ» يَعْنِي مِنْ آيَاتِ التَّشَابُهِ فِي الصِّفَاتِ مِثْلَ: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5] ، وَهَذَا التَّوْجِيهُ أَقْرَبُ مِنْ تَوْجِيهِ عَبْدِ الْحَكِيمِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ السَّيِّدِ الْجُرْجَانِيِّ فِي «شرح الْمِفْتَاح» ، وكلا هما اشْتِبَاهٌ لِأَنَّ كَوْنَ الْقُرْآنِ كَلَامَ اللَّهِ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ قَبْلَ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي التَّفْسِيرِ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ مَا يَجُوزُ وَمَا يَسْتَحِيلُ فَكَذَلِكَ، وَلَا يُحْتَاجُ لِعِلْمِ الْكَلَامِ إِلَّا فِي التَّوَسُّعِ فِي إِقَامَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى اسْتِحَالَةِ بَعْضِ الْمَعَانِي، وَقَدْ أَبَنْتُ أَنَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُتَوَسِّعُ لَا يَصِيرُ مَادَّةً لِلتَّفْسِيرِ.

وَلَمْ نَعُدَّ الْفِقْهَ مِنْ مَادَّةِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ كَمَا فَعَلَ السُّيُوطِيُّ، لِعَدَمِ تَوَقُّفِ فَهْمِ الْقُرْآنِ، عَلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ، فَإِنَّ عِلْمَ الْفِقْهِ مُتَأَخِّرٌ عَنِ التَّفْسِيرِ وَفَرْعٌ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ الْمُفَسِّرُ إِلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ عِنْدَ قَصْدِ التَّوَسُّعِ فِي تَفْسِيرِهِ، لِلتَّوَسُّعِ فِي طُرُقِ الِاسْتِنْبَاطِ وَتَفْصِيلِ الْمَعَانِي تَشْرِيعًا وَآدَابًا وَعُلُومًا، وَلِذَلِكَ لَا يَكَادُ يُحْصَرُ مَا يَحْتَاجُهُ الْمُتَبَحِّرُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ، وَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ الْمُفَسِّرُ الْمُتَوَسِّعُ مُحْتَاجًا إِلَى الْإِلْمَامِ بِكُلِّ الْعُلُومِ وَهَذَا الْمَقَامُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِقَوْلِهِ:«لَا يَلِيقُ لِتَعَاطِيهِ، وَالتَّصَدِّي لِلتَّكَلُّمِ فِيهِ، إِلَّا مَنْ بَرَعَ فِي الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ كُلِّهَا، أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا وَفِي الصِّنَاعَاتِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفُنُونِ الْأَدَبِيَّةِ بِأَنْوَاعِهَا» .

ص: 26