المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 74] - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 74]

وُقُوعِ الْقَسَامَةِ مَعَ قَوْلِ الْمَقْتُولِ وَلَكِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِ الْمَقْتُولِ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْقِصَاصِ، وَلَمَّا كَانَ الظَّنُّ بِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ أَحَدٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مِنَ الْمَطْعُونِ تَعَيَّنَ أَنَّ هُنَالِكَ شَيْئًا تَقْوَى بِهِ الدَّعْوَى وَهُوَ الْقَسَامَةُ.

وَقَدْ أُورِدَ عَلَى احْتِجَاجِ الْمَالِكِيَّةِ بِهَا أَنَّ هَذَا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَهِيَ لَا تُفِيدُ أَحْكَامًا وَأَجَابَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ فِي إِحْيَاءِ الْمَيِّتِ فَلَمَّا حَيِيَ صَارَ كَلَامُهُ كَكَلَامِ سَائِرِ الْأَحْيَاءِ، وَهُوَ جَوَابٌ لَطِيفٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ قَاطِعٍ.

وَالْخِلَافُ فِي الْقَضَاءِ بِالْقَسَامَةِ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا وَفِي مِقْدَارِ الْقَضَاءِ بِهَا مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَقَدْ تَقَصَّاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَلَيْسَ مِنْ أغراض الْآيَة.

[74]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)

(ثُمَّ) هُنَا لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ الَّذِي تتهيأ لَهُ (ثمَّ) إِذَا عَطَفْتَ الْجُمَلَ، أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ

تَلِنْ قُلُوبُكُمْ وَلَمْ تنفعكم الْآيَات ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ مِنَ الْبَعِيدِ قَسْوَتُهَا.

وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ زِيَادَةُ تَعْجِيبٍ مِنْ طُرُقِ الْقَسَاوَةِ لِلْقَلْبِ بَعْدَ تَكَرُّرِ جَمِيعِ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ الْمُشَارِ إِلَى مَجْمُوعِهَا بِذَلِكَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الْقَطَامِيِّ:

أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي

وَبَعْدَ عَطَائِكَ الْمِائَةَ الرِّتَاعَا

أَيْ كَيْفَ أَكْفُرُ نِعْمَتَكَ أَيْ لَا أَكْفُرُهَا مَعَ إِنْجَائِكَ لِي مِنَ الْمَوْتِ إِلَخْ. وَوَجْهُ اسْتِعْمَالِ (بَعْدَ) فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهَا مَجَازٌ فِي مَعْنَى (مَعَ) لِأَنَّ شَأْنَ الْمُسَبَّبِ، أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنِ السَّبَبِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْمَقْصِدُ التَّنْبِيهَ عَلَى تَأَخُّرِهِ لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ وَأُرِيدَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ مَعَهُ إِثْبَاتًا أَوْ نفيا عبر ببعد عَنْ مَعْنَى (مَعَ) مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى التَّأَخُّرِ الرُّتْبِيِّ.

وَالْقَسْوَةُ وَالْقَسَاوَةُ تُوصَفُ بِهَا الْأَجْسَامُ وَتُوصَفُ بِهَا النُّفُوسُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْقُلُوبِ فَالْمَعْنَى الْجَامِعُ لِلْوَصْفَيْنِ هُوَ عَدَمُ قَبُولِ التَّحَوُّلِ عَنِ الْحَالَةِ الْمَوْجُودَةِ إِلَى حَالَةٍ تُخَالِفُهَا.

وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْقَسَاوَةُ مَوْضُوعَةً لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ الْحِسِّيِّ وَالْقَلْبِيِّ- وَهُوَ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ- أَمْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِلْأَجْسَامِ حَقِيقَةً وَاسْتُعْمِلَتْ فِي الْقُلُوبِ مَجَازًا وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَقَدْ شَاعَ هَذَاُُ

ص: 562

الْمَجَازُ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ وَصَارَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَى الْقَرِينَةِ فَآلَ اللَّفْظُ إِلَى الدَّلَالَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرِكِ بِالِاسْتِعْمَالِ لَا بِأَصْلِ الْوَضْعِ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْعَطْفُ فِي قَوْلِهِ: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً كَمَا سَيَأْتِي.

وَقَوْلُهُ: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ تَشْبِيهُ فَرْعٍ بِالْفَاءِ لِإِرَادَةِ ظُهُورِ التَّشْبِيهِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْحَالَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِقَسَتْ لِأَنَّ الْقَسْوَةَ هِيَ وَجْهُ الشَّبَهِ وَلِأَنَّ أَشْهَرَ الْأَشْيَاءِ فِي هَذَا الْوَصْف هُوَ الْحجر فَإِذَا ذُكِرَتِ الْقَسْوَةُ فَقَدْ تَهَيَّأَ التَّشْبِيهُ بِالْحَجَرِ وَلِذَا عَطَفَ بِالْفَاءِ أَيْ إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهَا قَاسِيَةٌ فَشَبَّهَهَا بِالْحِجَارَةِ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ يَصِفُ الْحَجِيجَ:

عَلَيْهِنَّ شَعَثٌ عَامِدُونَ لِرَبِّهِمْ

فَهُنَّ كَأَطْرَافِ الْحَنِيِّ خَوَاشِعُ

وَقَدْ كَانَتْ صَلَابَةُ الْحَجَرِ أَعْرَفَ لِلنَّاسِ وَأَشْهَرَ لِأَنَّهَا مَحْسُوسَةٌ فَلِذَلِكَ شُبِّهَ بِهَا، وَهَذَا الْأُسْلُوبُ يُسَمَّى عِنْدِي تَهْيِئَةَ التَّشْبِيهِ وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِهِ، وَإِذَا تَتَبَّعْتَ أَسَالِيبَ التَّشْبِيهِ فِي كَلَامِهِمْ تَجِدُهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ لَا يُهَيَّأُ فِيهِ التَّشْبِيهُ وَهُوَ الْغَالِبُ وَضَرْبٌ يُهَيَّأُ فِيهِ كَمَا هُنَا وَالْعَطْفُ بِالْفَاءِ فِي مِثْلِهِ حَسَنٌ جِدًّا وَأَمَّا أَنْ يَأْتِيَ الْمُتَكَلِّمُ بِمَا لَا يُنَاسِبُ التَّشْبِيهَ فَذَلِك عِنْدِي بعد مَذْمُومًا. وَقَدْ رَأَيْتُ بَيْتًا جَمَعَ تَهْيِئَةَ التَّشْبِيهِ وَالْبُعْدَ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَبَاتَةَ:

فِي الرِّيقِ سُكْرٌ وَفِي الْأَصْدَاغِ تَجْعِيدُ

هَذَا الْمُدَامُ وَهَاتِيكَ الْعَنَاقِيدُ

فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ السُّكْرَ تَهَيَّأَ التَّشْبِيهُ بِالْخَمْرِ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: تَجْعِيدٌ لَا يُنَاسِبُ الْعَنَاقِيدَ.

فَإِنْ قُلْتَ لِمَ عَدَدْتَهُ مَذْمُومًا وَمَا هُوَ إِلَّا كَتَجْرِيدِ الِاسْتِعَارَةِ؟

قُلْتُ: لَا لِأَنَّ التَّجْرِيدَ يَجِيءُ بَعْدَ تَكَرُّرِ الِاسْتِعَارَةِ وَعِلْمٍ بِهَا فَيَكُونُ تَفَنُّنًا لَطِيفًا بِخِلَافِ مَا يَجِيءُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالتَّشْبِيهِ.

وَقَوْلُهُ: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ وَ (أَوْ) بِمَعْنَى بَلِ الِانْتِقَالِيَّةِ لِتَوَفُّرِ شَرْطِهَا وَهُوَ كَوْنُ مَعْطُوفِهَا جُمْلَةً. وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَعْنَى التَّخْيِيرِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ (أَوْ) لِأَنَّ الِانْتِقَالَ يَنْشَأُ عَنِ التَّخْيِيرِ فَإِنَّ الْقُلُوبَ بَعْدَ أَنْ شُبِّهَتْ بِالْحِجَارَةِ وَكَانَ الشَّأْنُ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ أَضْعَفَ فِي الْوَصْفِ مِنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ يُبْنَى عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءُ التَّشْبِيهِ بِمَا هُوَ أَشْهَرُ ثُمَّ عَقَّبَ التَّشْبِيهَ بِالتَّرَقِّي إِلَى التَّفْضِيلِ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ (1) :

(1) نسبه إِلَيْهِ ابْن جني وَقَالَ الْبَغْدَادِيّ لم أَجِدهُ فِي «ديوَان ذِي الرمة» .

ص: 563

بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى

وَصُورَتِهَا أَوْ أَنْتِ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ

فَلَيْسَتْ (أَوْ) لِلتَّخْيِيرِ فِي التَّشْبِيهِ أَيْ لَيْسَتْ عَاطِفَةً عَلَى قَوْلِهِ الْحِجَارَةِ الْمَجْرُورَةِ بِالْكَافِ لِأَنَّ تِلْكَ لَهَا مَوْقِعٌ مَا إِذَا كُرِّرَ الْمُشَبَّهُ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ [الْبَقَرَة: 19] . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّخْيِيرِ فِي الْأَخْبَارِ عَطْفًا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ كَالْحِجارَةِ أَيْ فَهِيَ مِثْلُ الْحِجَارَةِ أَوْ هِيَ أَقْوَى مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنَ التَّخْيِيرِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِكَلَامِهِ جُزَافًا وَلَا يَذُمُّهُمْ تَحَامُلًا بَلْ هُوَ مُتَثَبِّتٌ مُتَحَرٍّ فِي شَأْنِهِمْ فَلَا يُثْبِتُ لَهُمْ إِلَّا مَا تَبَيَّنَ لَهُ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّقَصِّي فَإِنَّهُ سَاوَاهُمْ بِالْحِجَارَةِ فِي وَصْفٍ ثُمَّ تَقَصَّى فَرَأَى أَنَّهُمْ فِيهِ أَقْوَى فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لِلْمُخَاطَبِ إِنْ شِئْتَ فَسَوِّهِمْ بِالْحِجَارَةِ فِي الْقَسْوَةِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ هُمْ أَشَدُّ مِنْهَا وَذَلِكَ يُفِيدُ مَفَادَ الِانْتِقَالِ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ وَهُوَ إِنَّمَا يَحْسُنُ فِي مَقَامِ الذَّمِّ لِأَنَّ فِيهِ تَلَطُّفًا وَأَمَّا فِي مَقَامِ الْمَدْحِ فَالْأَحْسَنُ هُوَ التَّعْبِيرُ بِبَلْ كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:

فَقَالَتْ لَنَا أَهْلَا وَسَهْلًا وَزَوَّدَتْ

جَنَى النَّحْلِ بَلْ مَا زَوَّدَتْ مِنْهُ أَطْيَبُ

وَوَجْهُ تَفْضِيلِ تِلْكَ الْقُلُوبِ عَلَى الْحِجَارَةِ فِي الْقَسَاوَةِ أَنَّ الْقَسَاوَةَ الَّتِي اتَّصَفَتْ بِهَا الْقُلُوبُ مَعَ كَوْنِهَا نَوْعًا مُغَايِرًا لِنَوْعِ قَسَاوَةِ الْحِجَارَةِ قَدِ اشْتَرَكَا فِي جِنْسِ الْقَسَاوَةِ الرَّاجِعَةِ إِلَى مَعْنَى عَدَمِ قَبُولِ التَّحَوُّلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذِهِ الْقُلُوبُ قَسَاوَتُهَا عِنْدَ التَّمْحِيصِ أَشَدُّ مِنْ قَسَاوَةِ

الْحِجَارَةِ لِأَنَّ الْحِجَارَةَ قَدْ يَعْتَرِيهَا التَّحَوُّلُ عَنْ صَلَابَتِهَا وَشِدَّتِهَا بِالتَّفَرُّقِ وَالتَّشَقُّقِ وَهَذِهِ الْقُلُوبُ لَمْ تُجْدِ فِيهَا مُحَاوَلَةٌ.

وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ إِلَخْ تَعْلِيلٌ لِوَجْهِ التَّفْضِيلِ إِذْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُسْتَغْرَبَ، وَمَوْقِعُ هَذِهِ الْوَاوِ الْأُولَى فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ عَسِيرٌ فَقِيلَ: هِيَ لِلْحَالِ مِنَ الْحِجَارَةِ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ (أَشَدُّ) أَيْ أَشَدُّ مِنَ الْحِجَارَةِ قَسْوَةً، أَيْ تَفْضِيلُ الْقُلُوبِ عَلَى الْحِجَارَةِ فِي الْقَسْوَةِ يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الَّتِي وُصِفَتْ بِهَا الْحِجَارَةُ وَمَعْنَى التَّقْيِيدِ أَنَّ التَّفْضِيلَ أَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَقِيلَ هِيَ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً قَالَه التفتازانيّ، وَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ مَضْمُونَ هَذِهِ الْمَعْطُوفَاتِ غَيْرَ رَاجِعٍ إِلَى مَعْنَى تَشْبِيهِ الْقُلُوبِ بِالْحِجَارَةِ فِي الْقَسَاوَةِ بَلْ يَجْعَلُهَا إِخْبَارًا عَنْ مَزَايَا فُضِّلَتْ بِهَا الْحِجَارَةُ عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ بِمَا يَحْصُلُ عَنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ مِنْ مَنَافِعَ فِي حِينِ تُعَطَّلُ قُلُوبُ هَؤُلَاءِ مِنْ صُدُورِ النَّفْعِ بِهَا، وَقِيلَ: الْوَاوُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَهُوَ تَذْيِيلٌ لِلْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الْوَاوُُُ

ص: 564

الِاعْتِرَاضِيَّةُ وَأَنَّ جُمْلَةَ وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا مُعْتَرِضَاتٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ وَبَيْنَ جُمْلَةِ الْحَالِ مِنْهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.

وَالتَّوْكِيدُ بِإِنَّ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ وَهَذَا الِاهْتِمَامُ يُؤْذِنُ بِالتَّعْلِيلِ وَوُجُودُ حَرْفِ الْعَطْفِ قَبْلَهَا لَا يُنَاكِدُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ [الْبَقَرَة: 61] .

وَمِنْ بَدِيعِ التَّخَلُّصِ تَأَخُّرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَالتَّعْبِيرُ عَنِ التَّسَخُّرِ لِأَمْرِ التَّكْوِينِ بِالْخَشْيَةِ لِيَتِمَّ ظُهُورُ تَفْضِيلِ الْحِجَارَةِ عَلَى قُلُوبِهِمْ فِي أَحْوَالِهَا الَّتِي نِهَايَتُهَا الِامْتِثَالُ لِلْأَمْرِ التكليفي مَعَ تَعَاصِي قُلُوبِهِمْ عَنِ الِامْتِثَالِ لِلْأَمْرِ التَّكْلِيفِيِّ لِيَتَأَتَّى الِانْتِقَالُ إِلَى قَوْلِهِ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَقَوْلِهِ: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [الْبَقَرَة: 75] .

وَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى أَنَّ انْفِجَارَ الْمَاءِ مِنَ الْأَرْضِ مِنَ الصُّخُورِ مُنْحَصِرٌ فِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ وَذَلِكَ هُوَ مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْجُغْرَافِيَا الطَّبِيعِيَّةِ أَنَّ الْمَاءَ النَّازِلَ عَلَى الْأَرْضِ يَخْرِقُ الْأَرْضَ بِالتَّدْرِيجِ لِأَنَّ طَبْعَ الْمَاءِ النُّزُولُ إِلَى الْأَسْفَلِ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ الْجَاذِبِيَّةِ فَإِذَا اضُّغِطَ عَلَيْهِ بِثِقَلِ نَفْسِهِ مِنْ تَكَاثُرِهِ أَوْ بِضَاغِطٍ آخَرَ مِنْ أَهْوِيَةِ الْأَرْضِ تَطَلَّبَ الْخُرُوجَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ طَبَقَةً صَخْرِيَّةً أَوْ صَلْصَالِيَّةً طَفَا هُنَاكَ فَالْحَجَرُ الرَّمْلِيُّ يَشْرَبُ الْمَاءَ وَالصُّخُورُ وَالصَّلْصَالُ لَا يَخْرِقُهَا الْمَاءُ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الصُّخُورُ مُرَكَّبَةً مِنْ مَوَادَّ كِلْسِيَّةٍ وَكَانَ الْمَاءُ قَدْ حَمَلَ فِي جَرْيَتِهِ

أَجْزَاءً مِنْ مَعْدِنِ الْحَامِضِ الْفَحْمِيِّ فَإِنَّ لَهُ قُوَّةً عَلَى تَحْلِيلِ الْكِلْسِ فَيُحْدِثُ ثُقْبًا فِي الصُّخُورِ الْكِلْسِيَّةِ حَتَّى يَخْرِقَهَا فَيَخْرُجَ مِنْهَا نَابِعًا كَالْعُيُونِ. وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْعُيُونُ فِي مَوْضِعٍ نَشَأَتْ عَنْهَا الْأَنْهَارُ كَالنِّيلِ النَّابِعِ مِنْ جِبَالِ الْقَمَرِ، وَأَمَّا الصُّخُورُ غَيْرُ الْكِلْسِيَّةِ فَلَا يُفَتِّتُهَا الْمَاءُ وَلَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ لَهَا انْشِقَاقٌ بِالزَّلَازِلِ أَوْ بِفَلْقِ الْآلَاتِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ إِمَّا إِلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ كَمَا نَرَى فِي الْآبَارِ وَقَدْ يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ إِلَى طَبَقَةٍ تَحْتَهَا فَيَخْتَزِنُ تَحْتَهَا حَتَّى يَخْرُجَ بِحَالَةٍ مِنَ الْأَحْوَالِ السَّابِقَةِ. وَقَدْ يَجِدُ الْمَاءُ فِي سَيْرِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ تَحْتَ الصَّخْرِ أَوْ بَعْدَهُ مَنْفَذًا إِلَى أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ فَيَخْرُجُ طَافِيًا مِنْ سَطْحِ الصُّخُورِ الَّتِي جَرَى فَوْقَهَا. وَقَدْ يَجِدُ الْمَاءُ فِي سَيْرِهِ مُنْخَفَضَاتٍ فِي دَاخِلِ الْأَرْضِ فَيَسْتَقِرُّ فِيهَا ثُمَّ إِذَا انْضَمَّتْ إِلَيْهِ كَمِّيَّاتٌ أُخْرَى تَطَلَّبَ الْخُرُوجَ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ أَنْ تَنْفَجِرَ الْأَنْهَارُ عَقِبَ الزَّلَازِلِ.

وَالْخَشْيَةُ فِي الْحَقِيقَةِ الْخَوْفُ الْبَاعِثُ عَلَى تَقْوَى الْخَائِفِ غَيْرَهُ. وَهِيَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ التَّكْلِيفِيِّ لِأَنَّهَا الْبَاعِثُ عَلَى الِامْتِثَالِ. وَجُعِلَتْ هُنَا مَجَازًا عَنْ قَبُولِ الْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ

ص: 565