المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 127] - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 127]

الدُّنْيَا مَلَاذَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْرَاجِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَعْدُودَةٌ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَشْعَرِيِّ وَالْمَاتُرِيدِيِّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا لَفْظِيًّا وَإِنْ عَدَّهُ السُّبْكِيُّ فِي عِدَادِ الْخِلَافِ الْمَعْنَوِيِّ.

وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ احْتِرَاسٌ مِنْ أَنْ يَغْتَرَّ الْكَافِرُ بِأَنَّ تَخْوِيلَهُ النِّعَمَ فِي الدُّنْيَا يُؤْذِنُ بِرِضَى اللَّهِ فَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْعَذَاب هُنَا.

و (ثُمَّ) لِلتَّرَاخِي الرُّتَبِيِّ كَشَأْنِهَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى كَوْنِ مَصِيرِهِ إِلَى

الْعَذَابِ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَمْتِيعِهِ بِالْمَتَاعِ الْقَلِيلِ.

وَالِاضْطِرَارُ فِي الْأَصْلِ الِالْتِجَاءُ وَهُوَ بِوَزْنِ افْتَعَلَ مُطَاوِعُ أَضَرَّهُ إِذَا صَيَّرَهُ ذَا ضَرُورَةٍ أَيْ حَاجَةٍ، فَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ اضْطُرَّ قَاصِرًا لِأَنَّ أَصْلَ الْمُطَاوَعَةِ عَدَمُ التَّعَدِّي وَلَكِنَّ الِاسْتِعْمَالَ جَاءَ عَلَى تَعْدِيَتِهِ إِلَى مَفْعُولٍ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ فَصِيحٌ غَيْرُ جَارٍ عَلَى قِيَاسٍ يُقَالُ اضْطَرَّهُ إِلَى كَذَا أَيْ أَلْجَأَهُ إِلَيْهِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ لُقْمَانَ [24] :

نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ.

وَقَوْلُهُ: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ تَذْيِيلٌ وَالْوَاوُ لِلِاعْتِرَاضِ أَوْ لِلْحَالِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ وَتَقْدِيره هِيَ.

[127]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)

هَذِهِ مَنْقَبَةٌ ثَالِثَةٌ لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَتَذْكِيرٌ بِشَرَفِ الْكَعْبَةِ، وَوَسِيلَةٌ ثَالِثَةٌ إِلَى التَّعْرِيضِ بِالْمُشْرِكِينَ بَعْدَ قَوْلِهِ: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً [الْبَقَرَة:

128] إِلَخْ، وَتَمْهِيدٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ إِنْكَارَهُمُ اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ الَّذِي يَجِيءُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

سَيَقُولُ السُّفَهاءُ [الْبَقَرَة: 142] وَلِأَجْلِ اسْتِقْلَالِهَا بِهَاتِهِ الْمَقَاصِدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الْآيَاتُ قَبْلَهَا عُطِفَتْ عَلَى سَوَابِقِهَا مَعَ الِاقْتِرَانِ بِإِذْ تَنْبِيهًا عَلَى الِاسْتِقْلَالِ.

وَخُولِفَ الْأُسْلُوبُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ فِي حِكَايَةِ الْمَاضِي أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي بِأَنْ يَقُولَ وَإِذْ رَفَعَ إِلَى كَوْنِهِ بِالْمُضَارِعِ لِاسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ

ص: 717

وَحِكَايَتُهَا كَأَنَّهَا مُشَاهَدَةٌ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ دَالٌّ عَلَى زَمَنِ الْحَالِ فَاسْتِعْمَالُهُ هُنَا اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ، شَبَّهَ الْمَاضِي بِالْحَالِ لِشُهْرَتِهِ وَلِتَكَرُّرِ الْحَدِيثِ عَنْهُ بَيْنَهُمْ فَإِنَّهُمْ لِحُبِّهِمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِجْلَالِهِمْ إِيَّاهُ لَا يَزَالُونَ يَذْكُرُونَ مَنَاقِبَهُ وَأَعْظَمَهَا بِنَاءُ الْكَعْبَةِ فَشَبَّهَ الْمَاضِي لِذَلِكَ بِالْحَالِ وَلِأَنَّ مَا مَضَى مِنَ الْآيَاتِ فِي ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ [الْبَقَرَة: 124] إِلَى هُنَا مِمَّا يُوجِبُ امْتِلَاءَ أَذْهَانِ السامعين بإبراهيم وشؤونه حَتَّى كَأَنَّهُ حَاضِرٌ بَيْنَهُمْ وَكَأَنَّ أَحْوَالَهُ حَاضِرَةٌ مُشَاهَدَةٌ، وَكَلِمَةُ (إِذْ) قَرِينَةٌ عَلَى هَذَا التَّنْزِيلِ لِأَنَّ غَالِبَ الِاسْتِعْمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلزَّمَنِ الْمَاضِي وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النُّحَاةِ أَنَّ إِذْ تَخْلُصُ الْمُضَارِعَ إِلَى الْمَاضِي.

وَالْقَوَاعِدُ جَمْعُ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَسَاسُ الْبِنَاءِ الْمُوَالِي لِلْأَرْضِ الَّذِي بِهِ ثَبَاتُ الْبِنَاءِ أُطْلِقَ عَلَيْهَا هَذَا اللَّفْظُ لِأَنَّهَا أَشْبَهَتِ الْقَاعِدَ فِي اللُّصُوقِ بِالْأَرْضِ فَأَصْلُ تَسْمِيَةِ الْقَاعِدَةِ مَجَازٌ عَنِ

اللُّصُوقِ بِالْأَرْضِ ثُمَّ عَنْ إِرَادَةِ الثَّبَاتِ فِي الْأَرْضِ وَهَاءُ التَّأْنِيثِ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلَ هَاءِ عَلَامَةٍ.

وَرَفْعُ الْقَوَاعِدِ إِبْرَازُهَا مِنَ الْأَرْضِ وَالِاعْتِلَاءُ بِهَا لِتَصِيرَ جِدَارًا لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَتَّصِلُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَيَصِيرُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَالْجِدَارُ إِذَا اتَّصَلَ بِالْأَسَاسِ صَارَ الْأَسَاسُ مُرْتَفِعًا، وَيَجُوزُ جَعْلُ الْقَوَاعِدِ بِمَعْنَى جُدْرَانِ الْبَيْتِ كَمَا سَمَّوْهَا بِالْأَرْكَانِ وَرَفَعُهَا إِطَالَتُهَا، وَقَدْ جَعَلَ ارْتِفَاعَ جُدْرَانِ الْبَيْتِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يُفَادَ مِنَ اخْتِيَارِ مَادَّةِ الرَّفْعِ دُونَ مَادَّةِ الْإِطَالَةِ وَنَحْوَهَا مَعْنَى التَّشْرِيفِ، وَفِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ لِلْقَوَاعِدِ كِنَايَةٌ عَنْ ثُبُوتِهِ لِلْبَيْتِ، وَفِي إِسْنَادِ الرَّفْعِ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَبَبُ الرَّفْعِ الْمَذْكُورِ أَيْ بِدُعَائِهِ الْمُقَارِنِ لَهُ.

وَعَطْفُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ تَنْوِيهٌ بِهِ إِذْ كَانَ مُعَاوِنَهُ وَمُنَاوِلَهُ.

وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ عَمَلِ إِبْرَاهِيمَ وَعَمَلِ إِسْمَاعِيلَ أُوقِعَ الْعَطْفُ عَلَى الْفَاعِلِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ، وَهَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْعَرَبِيَّةِ فِي أُسْلُوبِ الْعَطْفِ فِيمَا ظَهَرَ لِي وَلَا يَحْضُرُنِي الْآنَ مِثْلَهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَدُلَّ عَلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْفَاعِلِينَ فِي صُدُورِ الْفِعْلِ تَجْعَلُ عَطْفَ أَحَدِهِمَا بَعْدَ انْتِهَاءِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَاعِلِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَجْعَلَ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ سَوَاءً فِي صُدُورِ الْفِعْلِ تَجْعَلُ الْمَعْطُوفَ مُوَالِيًا لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.

وَإِسْمَاعِيلُ اسْمُ الِابْنِ الْبِكْرِ لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَهُوَ وَلَدُهُ مِنْ جَارِيَتِهِ هَاجَرَ الْقِبْطِيَّةِ،

ص: 718